Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

خربشات سياسية…11/6/2020 –قانون قيصر والضغوط الاقتصادية على سورية

$
0
0

خربشات سياسية…11/6/2020 –

قانون قيصر والضغوط الاقتصادية على سورية

 

في الوقت الذي من المقرر ان ينفذ القانون الاميركي مايسمي ب”قيصر” في 17 حزيران الجاري ضد سورية وفي الظروف التي وصل سعر الليرة السورية الى قرابة 2500 مقابل الدولار!

إلا ان المحللين السوريين يرون ان الحكومة السورية ستخرج مرفوعة الراأس من هذه الازمة.

– قبل عامين حذر الرئيس السوري بشار الاسد عندما اتجهت الاوضاع العسكرية في هذا البلد الى الهدوء وتطرق الأخير الى الازمات التي ستواجهها سورية في المستقبل، حذر من الهجمات الاقتصادية والاعلامية للعدو وضرورة الاستعداد للتواجد في هاتين الساحتين المهمتين.

– اليوم وبعد مضي عامين على تلك التحذيرات، اتضحت هذه النقطة اكثر من اي وقت اخر، بان العدو وبعد هزيمته في ساحة الحرب العسكرية، وضع على رأس أولوياته الانتصار في الجبهتين الاعلامية (الحرب الناعمة) والاقتصادية.

– ان تضخيم بعض الاحتجاجات المتقطعة على الاوضاع المعيشية والتركيز الاعلامي الجاد عليها واثارة بعض القضايا العائلية بين الحكام السوريين ومحاولة تسييسها وتضخيمها، وكذلك المحاولات الرامية لايحاء هذه الشبهة بان حلفاء سورية تخلوا في هذه الظروف المستجدة عن الحكومة السورية والمساعي المبذولة لتضخيم اثار قانون “قيصر” الاميركي على مستقبل سورية… كلها تشير الى الأبعاد المختلفة لهذا التوجه الجديد.

– كل هذه الاجراءات المنسقة والمكثفة والهادفة تتم في الظروف التالية

اولا ان حلفاء سورية والمتعاطفين معها لم ولن يقصروا أبدا في دعم سورية حكومة وشعباً وخير شاهد على ذلك الزيارات المستمرة للمسؤولين الايرانيين الى دمشق (حتى في قمة تفشي فيروس كورونا) وتعزيز المساعدات الاستشارية الايرانية الى هذا البلد، وفي الوقت ذاته تعيين سفير روسيا باعتباره مسؤولا مباشراً من الرئيس الروسي في الشؤون السورية وكذلك إعطاء مهمة لوزيري الخارجية والدفاع الروسيين لترسيخ العلاقات بين البلدين .

ثانياً ان قانون “قيصر” اذا كان يترك تأثيرا محتملا على الاقتصاد السوري فإنه ترك هذه التاثيرات في الظروف الحالية ولذلك يجب ان لانتوقع وقوع حدث خاص على الاقتصاد السوي في المستقبل.

ثالثاً نظرا الى التغييرات الجديدة في الدستور الروسي وتهميش الموالين للغرب في هذا البلد وكذلك نظراً الى اصرار السلطات في الكرملين على مواصلة هذا التوجه، فمن المستبعد، ان نتصور ان الملف السوري قد وضع على طاولة التفاوض والتساوم مع اعداء سورية، اضافة الى ذلك فان الشعب السوري وخلال السنوات العشرة تقريباً من الحرب والحظر قد اثبت انه وصل الى مستوى من القوة والاقتدار بحيث بامكانه ان يصون مستقبله واستقلاله السياسي بنفسه بعيدا عن المساعدات الاجنبية.

الخاتمة

– نظراً الى ما ذكر آنفاً، فمن الواضح ان الضغوط النفسية والاقتصادية لن تترك تأثيراً أساسياً على عزم وأرادة الشعب السوري وحكومته، لأن الجهات الاجنبية وخلافا للماضي لاتعلق آمالاً على فاعلية المعارضة المسلحة التي كانت عاملاً اساسياً في زعزعة الاستقرار في سورية، وفي الوقت نفسه فقد وصل الشعب السوري الى هذه القناعة، بأنه بين تحمل ضغوط اقتصادية اجنبية هادفة وعودة حرب وازمة جديدة ومتواصلة الى بلاده فانه سيختار قطعا الصمود والمقاومة امام الظروف المؤقتة الناجمة عن الضغوط الاقتصادية.

-مما لاشك فيه فان تصعيد الاعتداءات الصهيونية على سورية في الظروف الحالية يتم في ظل هذه الهجمات النفسية لكي يقول العدو للشعب السوري ان التركيز على الضغوط الاقتصادية تزامناً مع المعارك العسكرية هو نتيجة دعم الشعب للحكومة القانونية في هذا البلد الا انه من البديهي ان الشعب السوري يؤمن اكثر من اي وقت مضى ان الكيان الصهيوني هو عدوه الاول الذي يحتل الجولان مما يزيد كراهيته لهذا العدو المحتل يوما بعد يوم.

 

 


رحلة البطريرك الأنطاكي مكاريوس الحلبي ابن الزعيم الى روسيا

$
0
0

رحلة البطريرك الأنطاكي مكاريوس الحلبي ابن الزعيم الى روسيا(1)

مقدمة

تمت هذه الرحلة(2) وهي الاولى الى روسيا  ودامت لمدة سبع سنوات في الفترة مابين 1652-1659 ووصفها ابنه الارشيدياكون بولس، وقد قصد البطريرك المذكور ان يزور اوربة وروسية ليجمع الاحسانات والتبرعات من الدول الارثوذكسية وقتئذ لتسديد ديون الكرسي الانطاكي ولتعزيز شؤون الكنائس والمدارس…واعادة ترميمها وافتتاحها.

وقام العلامة جرجي مرقص الدمشقي وهو المستشرق الروسي الكبير في الثلث لأخير من القرن 19 والمقيم في موسكو بترجمة هذه الرحلة الى اللغة الروسية من مخطوط الارشيدياكون بولس وهو بالعربية مع مقدمة للكتاب الذي تم طبعه بالروسية

– تعريب مقدمة الكتاب  لمترجمه الى اللغة الروسية الاستاذ الاكاديمي العلامة جرجي ابراهيم مرقص(3)

” انه في ايام القيصر الكسيوس بن ميخائيل ابي القيصر بطرس الكبير توجه الى روسيا مرتين البطريرك الانطاكي مكاريوس العربي النسب والحلبي المولد. وكان القصد من رحلته الأولى جمع الاحسانات لكنيسته الفقيرة. واما الثانية التي كانت بعد عشر سنوات تلبية لدعوة القيصر فلأجل “القضاء على البطريرك الروسي نيكن” (ويقصد تنزيله عن السدة البطريركية). وصحب البطريرك مكاريوس في رحلته الأولى ابنه الطبيعي رئيس الشمامسة بولس الأنطاكي فوصف رحلة ابيه التي  دامت ثلاث سنوات وصفاً مدققاً التي دامت (ثلاث سنوات)(4) وصفاً مدققاً مطولاً ومستحباً جداً وذلك اجابة لرجاء احد اصدقائه من دمشق كما يذكر ذلك في مقدمته.

وان كان بولس الحلبي في صغره وشبابه لم يدخل مدرسة علمية مرتبة لكنه كان رجلاً محباً للعلم كثير المطالعة دقيقاً في ملاحظاته. فتراه يحرر في كتابه عن كلما رآه وسمعه في رحلته الطويلة واصفاً البلاد واخلاق وعوائد اهلها. والقرى والمدن والبنايات الشهيرة وخصوصاً الكنائس والأديرة والطقوس الكنائسية التي خدم فيها مع ابيه. وكل الاحتفالات والضيافات في القصور الملوكية. والحوادث السياسية التي شاهدها بنفسه. او كلما قدر ان يسمعه عن السنة الآخرين. كذلك صوَّرَ حسناً أخلاق واعمال رجال الدولة والاكليروس. وبالاجمال كل من صارت له علاقات مع البطريرك ابيه. واتفق انه في الاشهر الثمانية التي قضاها هو وابوه في بلاد الفلاخ والبغدان جرت حوادث سياسية مهمة جداً في تاريخ هذه البلاد وهي سقوط الامير باسيليوس لوبولا والفتنة والحروب بين الاحزاب فقتل فيها صهر الامير تيموثاوس خميلنسكي ابن الهْيتُمن بوغدان خميلينسكي. فهذه الحوادث جميعها وجدت لذاتها مصوراً بارعاً في قلم المشاهد لها بولس الحلبي. فان اخباره هي الينبوع الوحيد كما يقول المؤرخ الروسي كومستاماروف لدرس علاقات الفلاخ والبغدان مع روسيا الصغرى في ذلك الزمان. ونقول ايضاً ان السائحين الدمشقيين وصلا الى روسيا في اعز وازهر ايام القيصر الكسيوس بن ميخائيل  وذلك حينما كان يحارب “اللاه” حرباً كانت عاقبتها سعيدة له، وحين بلغ البطريرك نيكون اعلى درجات السلطة والقدرة ونشأ في تنظيم المصالح الكنائسية فكان رأي كوكب اقدم الكنائس الشرقية في تلك المصالح ثمينا ولازما جداً.

العلامة جرجي مرقص الدمشقي
العلامة جرجي مرقص الدمشقي

والجزء الأكبر من مؤلف بولس الحلبي مخصوص بوصف اقامته الطويلة مع ابيه البطريرك مكاريوس في روسيا ويحتوي اخباراً عديدة عن كل الحوادث التي جرت فيها قرب ذلك الزمان. فهذا المؤلف بسبب سعة فحواه وتنوع مسائله احسن وأثمن ماكُتب عن روسيا في الجيل السابع عشر. ويفوق من جهات عديدة كل ماكتبته السيَّاح الإفرنج في ذلك العصر فإن أكثرهم حضروا الى روسيا بصفة سفراء لمدة قصيرة ولذلك اضطروا ان يكتفوا بمراقبة ظواهر العيشة المدنية فقط. وبما انهم من مذهب آخر كانوا ينظرون بسابق  عين الغرض الى الخدمة الالهية ولذلك لم يقدروا ان يروا الا نادراً فصولاً من الخدم الكنائسية المخالفة بالتمام للطقوس التي تربوا عليها في كنائسهم فكانت تبان لهم غريبة وبلا معنى.

ومن جهة أخرى لم يكن لأهل بلاط القيصر في موسكا ثقة بالسفراء الغرباء فلذلك كانوا يعيّنون في منازل السفراء تحت اسم الجاه والشرف حراساً كانوا مأمورين سريَّاً أن يراقبوا أفعال الغرباء ويقرروا عن كل مايرونه منهم. وكذلك كان سكان المدينة ممنوعين من الكلام والمخالطة مع خدام السفراء وهكذا لم يكن امكان للسفراء ان يتواصلوا مع احد من الناس بغير واسطة الا مع البايار( الأشراف من مستخدمي الحكومة) والدَّياك ( الاواسط من المستخدمين) المستخدمون في باسولسكي بريكاز ( اي وزارة الخارجية) الذين كانوا يحتالون على السفراء ويخفون عنهم حقيقة الامور.

وكانت السفراء حين يصلون الى موسكا يأتون الى بلاط القيصر بهدايا من ملوكهم، فحينئذ كان البلاط يتزين بهيئة الاحتفال لكي لايبان منه للسفراء الغرباء سوى الجاه والعظمة. وبالاجمال نظن ان الافرنج مدة اقامتهم في روسيا لم يتمكنوا من مراقبة حياة البلاد الا سراً. وكلما عرفوا منها بالحقيقة كان على سبيل الصدفة. وان عيشة القيصر  وأكابر الدولة اليومية الاعتيادية بقيت مختومة عنهم البتة.

موسكو في القرن 17
موسكو في القرن 17

اما حالة بولس الحلبي فلم تكن هكذا فان البطريرك مكاريوس اباه ساح في روسيا لجمع الاحسانات في ايام القيصر الكسيوس بن ميخائيل الذي كان ممتازاً بالتدين والزهد والاحترام الوافر لأرباب الكهنوت، واما البطريرك نيكن فكان محتاجا لتنفيذ مقاصده الى آراء البطاركة الشرقيين التي كانت توافق غاياته. فكان يتلطف بهم ويطلب رضاهم فلذلك استقبل البطريرك مكاريوس ببشاشة قلب واحترام كلي. وعلى مايظهر ان مكاريوس أَعجب جداً القيصر ليس نظراً لمقامه الرفيع بين اعيان الاكليروس فقط بل لأنسه ولطفه ايضاً، فلذلك تمكن ابنه الطبيعي ورفيقه في رحلته بولس الحلبي ان يعرف كثيراً ممادار عليه الحديث بين القيصر والبطريركين نيكن ومكاريوس رأساً عدا ماكان يراه ويسمعه.

وكان لبولس كرجل روحاني امكان ايضاً ان يذهب ويسافر الى حيثما اراد وبما انه كان عارفاً باللغة اليونانية تمكن من ان يسمع اخباراً عديدة من اليونان القاطنين في موسكو او المترددين اليها من عوام ورهبان. وكأرثوذكسي انشغف جداً بالطقوس الكنائسية التي كان يشاهدها عن قرب. وغالباً كان يشترك في الخدمة فيها نظير رئيس شمامسةِ الضيف العزيز البطريرك. فبأي خشوع قلب ودهشة تراه يحكي دائماً عن ورع الروسيين الصادر من عميق قلوبهم وعن صبرهم الجزيل في القيام للصلوات الطويلة التي كانت تُتعبْ كثيراً هؤلاء الضيوف من الشرق الذين لم يكونوا معتادين على ذلك، ولم يروا نظيرها في وطنهم.

ان النسخة العربية الأصلية لمؤلفها بولس الحلبي والمستحبة والمهمة جداً في التاريخ لم تطبع الى الآن(5) (على قول علمنا المستشرق جرجي مرقص) ويتابع بالقول: ولكن في اوائل سنة 1830 أوعزت عمدة المترجمين من اللغات الشرقية الى احد أعضاء الجمعية الملوكية الآسيوية في انكلترا وايرلنده العلامة بلفور ان يترجم الى اللغة الانكليزية مؤَلَفْ بولس الحلبي عن نسخة حُمِلتْ الى انكلترا من الشرق في اوائل الجيل التاسع عشر فلبى العلامة المذكور الى ذلك ونشر ترجمته في كراريس طُبعتْ من سنة 1829  الى سنة 1836 ثم جُمعتْ كل الكراريس في مجلد واحد. أما هذه الترجمة فهي في عدة محلات غير صحيحة وناقصة عن الأصل وذلك بما ان بلفور كان غريب المذهب فكان يصعب عليه ترجمة وصف الكنائس والطقوس التي هي عديدة جداً في مؤَلَفْ بولس الحلبي قضجر كمنها وحذف أكثرها.

ومع كل نقائص ترجمة بلفور لم تزل الى الآن (والكلام لجرجي مرقص) الينبوع الوحيد لمن يريد التعرف بكتاب بولس الحلبي ان كان يجهل اللغة العربية.

موسكو قديما
موسكو قديما

لما نُشِرتْ ترجمة بلفور المذكورة استفاد منها عدة علماء ومنهم سافيليف فانه كتب بنوداً طُبعت باللغة الروسية في جرنال يسمى بيبلوتكه دليا تشتينيه ( اي مكتبة للقراءة) سنة 1836 والظاهر انه لم يكن تحت يد سافيليف الا خمس كراريس الأولى (من التسعة كراريس التي طبعها بلفور) فأورد سافيليف في بنوده فحواها وترجم منها فقط ماهو مستحب واكثر أهمية. وقد وقع سافيليف في اول امره في غلطة غريبة. وهو انه لم يفرق رحلة البطريرك مكاريوس الاولى التي حررها بولس عن رحلته الثانية. وكان ينتظر الكلام في كراريس بلفور الآتية عن اخبار”القضاء على البطريرك نيكون”.

يتابع جرجي مرقص في مقدمته التي ترجمها الى الروسية :” ثم منذ عشرين سنة ابتدأ الكاهن ديمتري بلاغوف ان يترجم مؤَلَفْ بولس من اللغة الانكليزية الى الروسية ولكنه اكتفىى بترجمة نصف اول كراسة وطبع ذلك في جرنال يسمى تشتينية (اي القراءة) لجمعية التاريخ والآثار الأمبراطورية سنة 1875 ونحو هذا الوقت ظهر في تيريودي (أي مؤلفات) الاكاديمية الروحية في كييف سنة 1876 بند للعلامة أبالنسكي وقد كتبه مستفيداً من ترجمة بلفور ايضاً وسمَّى بنده” المملكة المسكوبية في ايام القيصر الكسيوس بن ميخائيل والبطريرك نيكون” حسبما حرره رئيس الشمامسة بولس الحلبي وكذلك المؤرخون الروسيون سولوفيوف والمطران مكاريوس وكوستوميروف(انظر بنده عن بغدان خميلينسكي) وبلاكوروف (انظر بنده عن ارسانيوس سوخانوف) استفادوا كثيراً من مؤَلَفْ بولس الحلبي ونقلوا عنه.

ومن مدة طويلة قد لفتنا نظرنا الى هذا الأثر الجزيل واشتغلنا به بكل رغبة ونشاط وقد طبعنا عدة فصول مترجمة. والآن  قد عزمنا على ترجمته كلِّهِ وطبع الترجمة مع الأصل العربي. ولكننا لم نزل نصادف مانعاً لاتمام هذا العزم الأخير.

الكرملين
الكرملين

يوجد في روسيا ثلاث نسخ لرحلة مكاريوس. الواحدة في دفتر خانة (ارخيف)(6) “الوزارة الخارجية في موسكا”. واثنتان في بطرسبرج احداهما في مكتبة القسم العلمي للقلم الآسيوي في “الوزارة الخارجية”. والأخرى في المكتبة العمومية الأمبراطورية. وهذه النسخة دخلت في ملك المكتبة المذكورة مع جملة النسخ الخطية التي خلفها الطيب الذكر الاسقف باديفيري اوسبنسكي، اما النسخة التي في “موسكا” فهي منسوخة عن نسخة كانت في دمشق تاريخها سنة 1700(7)

الا انه (وفق جرجي مرقص) ناقص منها كما نرى وصف السفر من حلب الى الأناضول واقامة البطريرك في القسطنطينية، ولكن زيد فيها عوضاً عن ذلك قائمة اسماء البطاركة الانطاكيين منذ انتقال الكرسي البطريركي الى دمشق وسيرة البطريرك مكاريوس قبل جلوسه على العرش البطريركي. وقد تمكنا ( والكلام لجرجي مرقص)بعناية ولطف مناظري “ارخيف” (ارشيف) “الوزارة الخارجية في موسكا” والمكتبة العمومية الامبراطورية من ان نحظى بالنسخة التي كانت ملك الاسقف بادفيري ونسخة القسم العلمي للقلم االاسيوي. (فلذلك نعد من واجباتنا وفرضاً علينا ان نقدم لهما ممنونيتنا على تمكيننا من مطالعة هاتين النسختين حين كنا نترجم من النسخة الموجودة في ارخيف الوزارة الخارجية في موسكا) فلما قابلناهما على النسخة التي في يدنا وجدناهما مطابقتين بالتمام لها. اما النسخة التي في لوندره(8) فتختلف عن النسخ التي في روسيا وعلى مايظهر من ترجمة بلفور ان وصف طريق الرجوع  من روسيا  هو اكمل فيها مماهو في نسخ روسيا. ولذلك لايمكن لنا طبع الأصل العربي الى ان نطلع على نسخة لوندره ونقابلها.

وبما اننا لانريد ان ن}َخر طبع ترجمتنا فكملنا المحلات الناقصة في نسختنا من الترجمة الانكليزية وحذفنا الزائد من نسختنا المتقدم ذكره الموجود بعد المقدمة الذي قد ترجمناه ايضاً وسنطبعه وحده مع بحث خصوصي وشرح. ومع ان الاصل العربي ليس مقسوماً الى فصول كما هو في ترجمة بلفور فمع ذلك ( والكلام لمرقص) قد جاريناه في تقسيم الفصول لتسهيل المطالعة ولمقابلة الفصول التي ترجمناها من اللغة الانكليزية. وعدا ذلك قد اخذنا من ترجمة بلفور ايضاً بعض عبارات غير عديدة لتكميل ترجمتنا ولكننا وضعناها بين هلالين لنبين انها ليست من النسخة التي في يدنا.

واخيراً نقول ان العلامة الشهير المستشرق سيلفستردي ساسي قد نشر بنودا مختصرة في مجلة لعلماء (جورنال دي سافان) انتقاداً على الترجمة الانكليزية لرحلة البطريرك مكاريوس وكانت بنوده تصدر بعد ظهور كل كراسة من كراريس ترجمة بلفور. ففي هذه البنود نجد ملاحظات ثمينة واصلاح غلطات عديدة في المؤَلَفْ العربي لها وبعضها من عدم فهم المترجم الانكليزي.

الخواجا ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي القديس الانطاكي المنسي
الخواجا ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي القديس الانطاكي المنسي

فان اعتبرنا ان سيلقستردي ساسي صحح كل ذلك ولم تكن تحت يده النسخة العربية فلايليق بنا الا ان نندهش من عمق علم وذكاء قريحة  هذا العلامة الشهير. ونحن قد استفدنا ( والكلام لايزال للمترجم الى الروسية علمنا جرجي مرقص الدمشقي المستشرق الروسي كاتب هذه المقدمة) كثيراً من جميع ملاحظاته ولاحظناها في كل التصحيح الذي اجريناه.”

“ج.مرقص”(9)

هوامش البحث

1) انظرها في موقعنا باب كنيسة انطاكية بعنوان:” ركن المخطوطات البطريركية رحلة البطريرك مكاريوس ابن الزعيم الى روسيا”

2) وثقت هذه الرحلة باللغة الانكليزية لمترجمها المستر بلفور وصدرت بكتاب بهذا العنوان، والى الروسية من قبل الوجيه الدمشقي جرجي مرقص وهو ابن خالة القديس المجهول ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي الذي بمساعيه اوفده بمنحة قيصرية للدراسة في روسيا، فدرس وتفوق وقدم خدمات جلى لروسيا فكرمه القيصر الروسي بمنحه الجنسية الروسية، وصار من كبار العلماء المستشرقين واستاذ بكرسي في جامعة موسكو، وله اياد بيضاء في كل مايهم وطنه “سورية الكبرى” (لم تكن قد ظهرت الدول السورية  1920) وكرسينا الانطاكي وقضية تعريب الكرسي بالترتيب مع الامبراطورية الروسية والمجمع الروسي المقدس…

وكما فعل السيد ديمتري باحتضانه واحتضان الطلاب السوريين (واللبنانيين… تسمية لاحقة بعد نشوء دولة لبنان الكبير) دارسي اللاهوت في روسيا وفي خالكي بالقسطنطينية امثال روفائيل هواويني وغفرئيل جبارة…الخ… كذلك فعل المستشرق جرجي مرقص الفعل ذاته لمنفعة طلاب اللاهوت الانطاكيين في روسيا وفي الدروس كافة، وبمساعيه تمت ترجمة وطباعة كتاب الرحلة هذه بالروسية مع مقدمتها والتي ندونها هنا بالعربية.

مخطوط تاريخي
مخطوط تاريخي

3) انظر سيرته في موقعنا باب اعلام ارثوذكسيون

4) في الواقع ان رحلته الاولى دامت سبع سنوات 1652-1659 اما الثانية التي وصفها ايضا الارشيدياكون بولس دامت 3 سنوات من 1666-1669والبعض يقول 1670 وهو محل نظر…

5) شهادة المستشرق جرجي مرقص ونشرت بالروسية في الكتاب مطرح موضوعنا هنا وذلك في مطلع القرن 20 وقد تناول هذه الرحلة الموصوفة من بولس الحلبي العديد من كتاب التاريخ الروس والجورجيين والالمان قاعدة لأطروحات الدكتوراة وتمت طباعتها…ومنهم من قمنا بمساعدتهم ك”أمين الوثائق البطريركية” من خلال نسخة المخطوط الموثق للرحلة الموجود في ركن المخطوطات البطريركية في المكتبة البطريركية بدمشق…

6) “دفتر خانة” مصلح تركي يعني “دار الوثائق” ويقابلها بالروسية “ارخيف” وهي كلمة روسية معربها “ارشيف” وبرأينا “الوثائق التاريخية” وهنا في وزارة الخارجية الروسية في موسكويقصد بها ارشيف وزارة الخارجية الروسية التاريخي.

7) برأينا ان هذه النسخة تولاها بالتحقيق المؤرخ الدمشقي الشهير المعاصر الخوري ميخائيل بريك وهي بخط يد الشماس بولس واستجابة لرجاء احد اصدقائه في دمشق كما يذكر هو(أي بولس الحلبي) في مقدمته في مطلع بحثنا هنا.

8) لوندره او لندن كما كانت تسمى وقتئذ، ويقصد بنسخة لوندره، النسخة الانكليزية التي ترجمها بلفور.

9) النعمة السنة الاولى ج 18 دمشق في 27 شباط 1910

البطريرك مكاريوس بن الزعيم
البطريرك مكاريوس بن الزعيم

مراجع البحث

– د. اسد رستم تاريخ كنيسة انطاكية

– النعمة السنة الاولى ج 18 دمشق في 27 شباط 1910

– موقعنا هنا

 البطريرك مكاريوس بن الزعيم وابنه الارشيدياكون بولس

ركن المخطوطات البطريركية رحلة البطريرك مكاريوس ابن الزعيم الى روسيا

العلامة جرجي مرقص الدمشقي

ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي

عيسى اسكندر المعلوف

– كتابنا الآسية مسيرة قرن ونصف طباعة البطريركية عام 1991 دمشق

خربشات سياسية…14/6/2020

$
0
0
خربشات سياسية…14/6/2020
كتب باولو كويلو في إحدى كتبه عن جحا الذي استيقظ ذات صباح و قام بلف بيضة في منديل، وذهب إلى وسط ميدان يقع في مدينته، ثم قال موجها كلامه للمارة:
ستقام اليوم مسابقة مهمة فمن يكتشف الذي في داخل هذا المنديل، سيحصل على مافي داخله كجائزة له!
نظر الحاضرون بعضهم إلى بعض في حيرة وتساءلوا: كيف لنا أن نعلم ذلك، فليس أحدنا بمنجم أو عراف!
وواصل جحا حديثه في إصرار قائلا: ما بداخل المنديل له قلب أصفر بلون صفار البيض، ويحيط به سائل كلون بياض البيض الذي بدوره يوجد في داخل قشرة يمكن تحطيمها بسهولة، وهو رمز للخصوبة. والآن من يستطيع إخباري بما أخفيه؟!

فكر الحاضرون بأن جحا يمسك ببيضة بين يديه، ولكن جلاء الإجابة حال دون أن يُعرض أحدهم نفسه للخجل أمام الآخرين. وماذا لو لم تكن بيضة؟ وكانت شيئا آخر ذا أهمية بالغة، نتاج الخيال الخصب للحكماء؟ فالنواة صفراء اللون والسائل المحيط بها لربما يكون مستحضرا كيميائيا إنه هذا المجنون يريد أن يصبح أحدهم مثارا للسخرية!
قام جحا بإلقاء السؤال عليهم مرتين متتالين،وأيضا لم يرد أحد عندئذ فتح هو المنديل بنفسه، وأظهر البيضة للجميع قائلا: كان جميعكم يعرف الإجابة، ولكن أيا منكم لم يجرؤ على التعبير عن ذلك بالكلمات .
 
الأغلبية يعترفون اليوم بأنهم عرفوا بحقيقة فورة عهر و خجلوا من الإفصاح حتى لا يحكم عليهم العالم بأنهم ضد ثورات الشعوب ضد القمع ، الأغلبية عرفوا و صمتوا و كثيرون رأوا بعيونهم القتل و الدمار في كل مكان يحل فيه الارهابييون السلميون و كذبوا عيونهم و صدقوا ترهات الإعلام و كثيرون قبضوا المال لتغيير الحقائق فلم ينجحوا فالمشهد كان أقوى من كل كذبهم .
 
ذقون مقملة وسخة و أيد تقطر منها الدماء و ووجوه فارقتها الإنسانية و طغت عليها الملامح الشيطانية ، و رؤوس فارغة تعطل فيها العقل و عشش فيها التخلف و الجهل و شهوات قذرة ، هذه هي باختصار ملامح (ثوار) الربيع العربي في سورية فلا تبحثوا كثيرا في العمق فأصدق الصور تلك الظاهرة في ملامحهم و لا تخجلوا من الاعتراف بأنكم رأيتم الحقيقة واضحة أمامكم و لم تصدقوها و حاولتم البحث عن أسباب تبرر ذلك الهيجان المحموم بغير ما ظهر و حاولتم تبرير القتل و سفك الدماء بحجة الحرية و الديمقراطية و كثيرون منكم تمادوا في تضليل النفس و خداعها حتى ارتطموا بحائط الحقيقة السورية التي أظهرت زيف ادعاءات ملوك التخلف و طواغيت الحروب و مصاصي الدماء .
 
كيف لأحد يرى و يسمع و يفكر ان يصدق أن العربان سيأتون لسورية العظيمة بالحرية و الديمقراطية ، كيف لعاقل أن يقتنع أنهم يريدون لنا الخير و هم منبع الشرور و أصل الفساد في كل العالم ، كيف لإنسان طبيعي أن يقتنع بأن أميركا تحارب الإرهاب وهي أمه الطبيعية تحتل ارضنا وتسرق نفطنا واقامت داعش القديمة وداعش الجديدة قسد العميلة وتقسم سورية وتعطيها الشمال والشرق لتقيم دويلتها المسخ…وتحرق حقول قمحنا ومحاصيلنا وغاباتنا وتمد يد العون لسفاح العصر كأسلافه الاتراك العدو التاريخي لشعبنا والانسانية اردوغان المأفون وجيشه التركي العدو وكلابه المرتزقة الذي يحتل شمالنا السوري وادلب ويسرق كل معاملنا واقتصادنا ويحرق محاصيلنا… ويفرض عملته واداراته في اراضينا؟ و كيف لأي مخلوق يمتلك ذرة عقل أن يصدق ان إسرائيل أصبحت فجأة صديقة للشعب السوري وهي التي بدأت منذ العام الماضي اجراءات ضم الجولان واليوم تقيم مستوطنة جديدة بعد اعتراف المأفون ترامب بأن الجولان ملك للكيان وفي نفس السياق القدس للكيان ؟
الطفل الصغير يعرف ان كل ماحل في سورية منذ 1948 وحتى الان من ارهاب وتجويع ومافرضته اميركا واوربة على سورية من عقوبات والارهاب تحديدا في السنوات العشر العجاف فقط لأن سورية قالت لا للكيان الصهيوني نعم لفلسطين للفلسطينيين…والقدس عاصمة دولة فلسطين
 
كيف سنصدق نحن السوريون الذين عشنا على هذه الأرض ان السارق و المرتشي و الخائن و القاتل و الفار و الفاسد و المتسلق و كومة من الانتهازيين بلا ملامح و حفنة من داعرات الوسط الفني و جوقة من داعري السياسة و قوادو الأزمات و نخاسي الاوطان و لاعقي الاقفية و سمسارو الحروب و المرتزقة من بلاد لم نسمع باسمها من قبل سيحملون لنا الازدهار و التغيير و الحرية و الإصلاح ؟ والا فقانون قيصر…
 
من يصدق ذلك و يخجل حتى الآن بالاعتراف بأنها فورة لقيطة قذرة نجسة ضمت كل شرور العالم فهو غبي أعمى البصيرة ابن مزابل لم يرث سوى القذارة .
 
اسعدكم الله يامن قلتم الحق و رقابكم تحت سواطير الجزارين …يامن لم تكفروا بالوطن رغم كل الاهوال …
صباح ومساء وكل الجيش السوري الاسطوري والقوات الرديفة

من هم القوطيون؟ ما تاريخهم وما هي أصولهم؟

$
0
0
من هم القوطيون؟ ما تاريخهم وما هي أصولهم؟

كان القوط شعبًا جرمانيًا من البدو الرحل الذين جابهوا الحكم الروماني في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلادي، وساعدوا في سقوط الإمبراطورية الرومانية بعدما سيطرت على معظم أوروبا لعدة قرون. يقال إن صعودهم يمثل بداية فترة العصور الوسطى في أوروبا.

جرى الإشارة إليهم أولاً من قبل المؤرخ (هيرودوتس) باسم السكوثيون أو الإصقوث، ولكن تجدر الإشارة إلى أن (هيرودوتس) كان يميل إلى التعريفات الشاملة للأشخاص الذين اعتبرهم “برابرة” وربما وصف القوط “بالسكوثيون” لأنهم ببساطة عاشوا في المناطق المحيطة بالبحر الأسود، وهي أراضي السكوثيون سابقًا.

رفضت الدراسات الحديثة جمع القوط مع السكوثيون القدماء. المصدر الرئيسي لتاريخهم يأتي من عمل المؤرخ القوطي (يوردانس) الذي عاش في القرن السادس الميلادي وكتب Getica «أصل وأعمال القوطيين»، والذي يقدم نسخة شبه أسطورية لقصة هذا الشعب، وبالتالي جرى الأخذ بروايته بتروي من قبل بعض العلماء ورفضها تمامًا من قبل آخرين.

كان عمل (يوردانس) بمثابة ملخص للعمل الأطول، الذي كتبه العامل الروماني (كاسيودوروس) في بلاط الملك القوطي (ثيودوريك) الكبير (454-526 م) وفُقد الآن. يُعرف عمومًا أن (كاسيودوروس) ألّف جزء كبير من سجلاته لإضفاء الشرعية على عهد (ثيودوريك) من خلال منح القوطيين تاريخ لامع. من أين جاء القوط بالضبط هو أمر غير معروف حتى الآن.

في التاريخ الروماني ظهر ذكر القوطيين لأول مرة على لسان الفيلسوف الطبيعي والقائد العسكري (بلينيوس) الأكبر (حوالي 75 م) وحديثه عن أسفار المستكشف والجغرافي الإغريقي (بيثياس الماسيلي) 350 ق.م في شمال أوروبا وتفاعله مع الأشخاص الذين أسماهم Gutones، وهي قبيلة جرمانية تعرف باسم القوط، وهو تعريف تدعمه أيضًا رواية (بطليموس) الذي عاش بعد فترة قصيرة من (بلينيوس).

يجري ذكر القوطيين بشكل مكثف إلى حد ما في أعمال المؤرخ الروماني (تاسيتوس) وكتابه «جرمانيا» (98 م)، حيث يصفهم بالتفصيل، ويتعامل معهم أيضًا كُتّاب لاحقون مثل الروماني (أميانوس مارسيليانوس 390 م)، الذي كتب استمرارًا لتأريخ (تاسيتوس).

جاء القوط من جزيرة في الشمال
جاء القوط من جزيرة في الشمال

تم التطرق لهم لاحقًا من قِبل المؤرخ السوري (كاسيودوروس) الذي صنفهم لـ Visigoths (القوط الغربيون) وOstrogoths (القوط الشرقيون)، لكنهم لم يشيروا إلى أنفسهم بهذه التسميات. كما يبدو أن الادعاء بأن القوط الغربيين كانوا يحكمون في الأصل من قبل عائلة تدعى (بالثي أو بالتس) والغربيون من قبل عائلة (أمال) الشهيرة فيه بعض الحقيقة، ولكن يُعتقد أنه من اختراع (كاسيودوروس) أو حتى (يوردانس).

من أين جاء القوط القدماء على وجه التعيين هو لغز لم يُحل حتى الآن، لكن (يوردانس) ادعى أنهم جاءوا من جزيرة باردة تسمى Scandza، ربما تدل على الدول الاسكندنافية الحديثة. منذ متى عاشوا هناك أمر غير معروف كذلك. كتب:

”من جزيرة سكاندزا، كخلية من الأعراق أو رحم أمم، قيل إن القوط خرجوا منذ زمن طويل تحت قيادة ملكهم (بيريج). حالما نزلوا من سفنهم و وطأوا الأرض، منحوا اسمهم للمكان على الفور. وحتى اليوم، يُقال إنه يُطلق عليه اسم Gothiscandzan.“

اعتبر المؤرخون مثل (بيتر هيذر) أن Gothiscandza هي مدينة غدانسك في بولندا الحديثة على بحر البلطيق، وهذه النظرية مدعومة بشكل عام بالأدلة الأثرية، على الرغم من أنها غير مقبولة من قبل جميع الباحثين، وعلى الأخص (مايكل كوليكوفسكي) الذي يدعي أنه نظرًا لأن (يوردانس) هو المصدر الوحيد لدينا عن التاريخ القوطي المبكر وهجرتهم، ولأن الكثير من أعماله مشكوك فيها، يجب رفض نظرية الهجرة من الدول الاسكندنافية.

لكن على كل حال وبعد سلسلة من الهجرات جنوبًا، وجدوا أنفسهم يعيشون بالقرب من حدود الإمبراطورية الرومانية.

معرفتنا عنهم قبل تفاعلهم مع الرومان محدودة. لكننا نعرف أن كان لديهم لغة مكتوبة استخدمت النقوش الرونية. ومع ذلك، لم يتم العثور إلا على القليل من هذه النقوش وتلك القابلة للقراءة قصيرة جدًا. قد يكون دينهم قد اعتمد على الأطباء السحرة الشامان، وأولئك الذين عملوا بمثابة وسطاء بين شعبهم والآلهة.

القوطيون قبل انخراطهم مع روماملابس القوطيين

وصف المؤرخ الروماني (تاسيتوس) القوطيين، الذي وقع على لقاء معهم في ألمانيا لأول مرة، بأنهم جنس جرماني متماسك، متمسكين بأرضهم، ومقاتلين شرسين. وكتب:

”أتفق مع أولئك الذين يرون أن الجرمان لم يسبق لهم الزواج من أمم أخرى؛ فقد فضلوا أن يكونوا عرقًا نقيًا غير مختلط وله سمات خاصة. ولهذا ينتشر الشبه العائلي فيهم جميعًا، على الرغم من أن أعدادهم كبيرة جدًا، فلهم عيون صارمة زرقاء، شعر متورد وأجساد كبيرة قوية جبّارة، ولكن ليس لهم صبر في العمل والجهد، غير قادرين على تحمل العطش والحرارة. لكنهم اعتادوا البرد والجوع من بيئتهم وتربتهم.

الحديد ليس بغزير عندهم كما تستنتج من طبيعة أسلحتهم. نادرًا ما يستخدمون السيوف أو الرماح العريضة. لكنهم عمومًا يحملون رمحًا، يطلقون عليه في لغتهم اسم فراميا، والذي له شفرة حديدية، قصيرة ضيقة، ولكنها حادة للغاية ويمكن التحكم فيها بحيث، عندما تتطلب الحاجة، يستخدمونها إما في قتال قريب أو بعيد المدى.

هذه الرمح، بالإضافة للدرع، هو سلاح الفرسان فقط. أما المشاة، فبالإضافة إلى ذلك، يملكون أسلحة قابلة للقذف، عدة منها لكل رجل، والتي يرمونها على مسافة هائلة. في المعركة إما يكونون شبه عراة أو يرتدون رتينة خفيفة. ليس لديهم أي اعتزاز بمعداتهم والأسلحة، يتم تزيين دروعهم فقط بألوان مختلفة. يتزويد القليل منهم فقط بدرع صدر ونادرًا ما ترى محاربًا منهم يضع خوذة.

خيولهم لا تتميز بجمالها ولا سرعتها، ولا يجري تدريبها قبل خوض المعركة. قوتهم الرئيسية، على وجه العموم، تتجسد في المشاة، الذين يتم دمجهم مع سلاح الفرسان؛ ما يجعل هذا سهلًا ويتفق بشكل جيد مع طبيعة معارك الفروسية هو رشاقة هؤلاء الجنود المشاة، الذين يختارونهم من خيرة الشباب، ويضعونهم في المقدمة.

في انتخاب الملوك ينظرون إلى النسب، في اختيارهم الجنرالات يختارون الشجاعة. ليس لملوكهم سلطة مطلقة أو غير محدودة، وسلطة جنرالاتهم أقل. فهم فقط إذا كانوا جريئين ومغامرين وذوي مآثر بارزة، يكسبون الطاعة والإعجاب ممن يلهمونهم.

لا يجري الجرمان أي تعاملات، عامة أو خاصة، دون أن يكونوا مسلحين، لكن ليس من المعتاد أن يحمل أي شخص السلاح حتى توافق السلطات على قدرته على استخدامه.

في ميدان المعركة، من المشين أن يتفوق أحد على القائد في الشجاعة؛ من المشين ألا يتساوى رفاق القائد به؛ ولكن من العار والخزيّ بعد حياة متتالية الانتصارات التراجع من الميدان والهروب حيًا.

ما بين الحروب، كانوا يمضون وقت أقل في الصيد من وقت الراحة والاسترخاء، مقسومًا بين النوم والشرب. إن أشجع المحاربين يرعون منازلهم وشؤونهم الأسرية وأراضيهم والنساء والرجال المسنين، وأضعف الخدم. مشروبهم هو الخمرة المعطرة والمحلاة المحضرة من الشعير أو القمح الذي يجعله التخمير إلى حد ما يشبه النبيذ.“

يتلاءم هذا الوصف مع الروايات اللاحقة للقوطيين، لكن المؤرخين يقترحون توخي الحذر في قبول القول بأن القوطيين اللاحقين هم نفس الأشخاص الذين وصفهم (تاسيتوس) أعلاه. مثل قبائل (ألامانيون)، يُعتقد أن الهوية القبلية للقوطيين قد شهدت تحولًا بين القرن الأول الميلادي عندما كتب (تاسيتوس) والقرن الثالث والرابع عندما ظهرت العديد من الروايات الأخرى عنهم.

قد لا يكون القوطيون الذين تحالفوا لاحقًا مع أو ضد الهون، أو الذين قاتلوا ضد روما، هم نفس الأشخاص الذين يصفهم (تاسيتوس) هنا، ولكن على عكس قبائل اليماني، يبدو أن هناك احتمالًا أكبر بأنهم القوطيون أنفسهم، فكما يبدو أن الأوصاف اللاحقة تناسبت مع سابقتها بشكل وثيق إلى حد ما.

ففي الدين على سبيل المثال، مارس القوطيون الذين وصفهم (تاسيتوس) نفس النوع من الوثنية القبلية النوردية التي دافع عنها لاحقًا الملوك القوطيون مثل (أثاناريك) في القرن الرابع الميلادي. كان تبجيل الأسلاف، بالإضافة لتمجيد الطبيعة واللجوء للمواقع الطبيعية المقدسة والطواطم القبلية جزءًا من الديانة القوطية في القرن الأول بقدر ما كانت بالنسبة إلى القوط في وقت لاحق قبل مجيء المسيحية.

لاحقًا شن أسلاف القوط الغربيين غزوًا ناجحًا على الإمبراطورية الرومانية، ابتداءً من عام 376، وهزموهم في معركة أدريانوبل Adrianople عام 378 م.

بعد إخراج الرومان من معظم القارة الأوروبية، حكم القوط مساحات شاسعة من الأراضي، من ألمانيا الحالية إلى نهري الدانوب ونهر الدون في أوروبا الشرقية، ومن البحر الأسود في الجنوب إلى بحر البلطيق في الشمال.

بعد طردهم من روما عام 410 ميلادي، امتد تأثير القوط الغربيين من شبه الجزيرة الإيبيرية (البرتغال وإسبانيا الحالية) وصولاً إلى أوروبا الشرقية.

(ألارك الأول)

ألاريك الأول
رسم لـ (ألاريك الأول)، ملك القوط الغربيين، في أثينا، للرسام الألماني (لودفيج ثيرش)

يعتقد أن قبائل القوط الغربيين هم أحفاد مجموعة سابقة من القوط تدعى ثيرفينجي. كانت ثيرفينجي هي القبيلة القوطية التي غزت الإمبراطورية الرومانية لأول مرة في عام 376 ميلادي، وهزمت الرومان في معركة أدريانوبل عام 378.

بعد المعركة، دخل هؤلاء في معاهدة صلح مع الامبراطور الروماني (ثيودوسيس الأول) وبات والرومان شركاء تجاريين وعسكريين على مدى العقد التالي. ولكن بعد موته نقضوا المعاهدة وهاجموا مقدونيا واليونان بقياده أول ملوكهم (ألاريك الأول)، كما بدأت القبيلة غزوًا ناجحًا لإيطاليا، حتى شمل معقل روما في عام 410.

مع هزيمة منافسيه الرئيسيين للسلطة في أوروبا، أسس (ألاريك) وشعبه مملكتهم في بلاد الغال (فرنسا الحالية)، في البداية كأمة نائية عن مركز الإمبراطورية الرومانية، قبل توسيع أراضيهم لتشمل المناطق المعروفة الآن بإسبانيا والبرتغال، استولوا على هذه الأراضي عنوة من (السويبيون) و(الفاندال)، في أوائل القرن الخامس.

حافظوا في البداية على علاقات إيجابية مع الرومان، وحصلوا على الحماية من الإمبراطورية. ومع ذلك، سرعان ما سقطت المجموعتان، وتولى القوطيون الغربيون الحكم الكامل لمملكتهم في عام 475 تحت حكم الملك (يوريك). في الواقع، حافظ القوطيون الغربيون على وجود في شبه الجزيرة الإيبيرية، مستقرين في المكان متخلين عن عاداتهم البدوية، من منتصف القرن الخامس وحتى أوائل القرن الثامن، عندما هزمهم الغزاة من المغاربة الأفارقة.

القوطيون الشرقيونعاش الـOstrogoths، أو القوطيون الشرقيون، في المنطقة القريبة من البحر الأسود (رومانيا وأوكرانيا وروسيا الحديثة). مثل القوط في أماكن أخرى، قام الشرقيون بعمليات توغل متكررة داخل الأراضي الرومانية حتى غزا الهون أراضيهم من أقصى الشرق. ولكن بعد وفاة (أتيلا)، أصبح القوطيون الشرقيون أحرارًا في التوسع في الأراضي الرومانية.

تحت قيادة (ثيودوريك الكبير) استطاعوا هزيمة الحاكم الجرماني (اوداكار) -الذي قضي على الامبراطورية الغربية- وبذلك استولى على إيطاليا ودلماشيا، حيث وسعوا أراضيهم من البحر الأسود إلى إيطاليا وإلى الغرب. كما أصبح الحاكم الفعلي لمملكة القوط الغربية، وبذلك استطاع (ثيودريك) توحيد ممالك القوط من جديد.

بعد وفاته أنقسمت الدولة الي شرقية وغربية مرة أخرى، ودب الخلاف في العائلة الحاكمة. شجعت كل هذه العوامل الدولة البيزنطية مع تولي الامبراطور (جستنيان) الحكم والذي سعى إلى توحيد الامبراطورية الرومانية ثانيةً من خلال القيام بحملة للقضاء على القوط الشرقيين والاستيلاء على ممتلكاتهم، فانطلق في حملة إلى إيطاليا عام 536 واستطاع الاستيلاء على صقلية وميلانو وروما، وفي سنة 540 استولي الرومان على رافينا عاصمة القوط، وفي سنة 552 قتل آخر ملوك القوط الشرقيين.

قانون القوطيين

مملكة القوطيين الغربيين
مملكة القوطيين الغربيين

في عام 643، أمر الملك القوطي (تشينداسوينث) بكتابة ما يسمى قانون القوط الغربيين. تم توسيع هذه القوانين لاحقًا في عهد نجله في عام 654.

الجدير بالذكر أن قانون القوط الغربيين قد طبق بالتساوي على القوطيين الغزاة وعلى السكان عامة في المملكة، الذين كان معظمهم من أصول رومانية وعاشوا في السابق تحت سلطة القوانين الرومانية. أنهى التطبيق الجديد التمايز بين شعب القوطيين والرومانيين في نظر القانون، وأعلن أن جميع المقيمين داخل المملكة الغربية يعتبرون “هيسبان”.

مصطلح ” هيسبان” هو سابق للمصطلح الحالي “إسبان”، والذي يستخدم لوصف الأشخاص من أصل إسباني.

يجمع قانون القوط الغربيين أيضًا بين عناصر القانون الروماني والكاثوليكي والجرماني القبلي، مما يضع قواعد جديدة للزواج و وراثة الممتلكات. ومن المثير للاهتمام أن القانون كان تقدميًا فيما يتعلق بحقوق المرأة بشكل ملحوظ، إذ سُمح لها بوراثة الممتلكات وإدارة الأصول بشكل مستقل، دون الحاجة لأزواجهن و/أو أقربائهن الذكور. وبموجب القانون، يمكن للمرأة تمثيل نفسها في الإجراءات القانونية وترتيب الزيجات الخاصة بها.

ظلّت بعض عناصر قانون القوطيين الغربيين تُطبق حتى فترة طويلة بعد زوال المملكة. وقد وجد المؤرخون إشارات إلى القوانين في المواثيق الرهبانية التي صيغت في عهد مملكة غاليسيا (مملكة جليقية كيان وجد في جنوب غرب أوروبا، الشمال الغربي من شبه جزيرة إيبيريا تحديدًا، أسسها ملك السويبيون هيرميريك) في القرن العاشر. ومن المعروف أنها شكلت الأساس للقوانين التي وضعها المورو المغاربة (المورو أو المور اسم يُطلق على كل سكان شمال أفريقيا أي المنطقة المغاربية) بعد غزوهم للمملكة في أوائل القرن الثامن.

تحت حكم المغاربة، سُمح للمسيحيين بالعيش بحسب قوانينهم الخاصة، شريطة ألا يتعارضوا مع قوانين الأفارقة المسلمين. قد يعود هذا للتأثر بمبادئ قانون القوط الغربيين.

في عام 1050 ميلادي جرى وضع الترجمة الكاتالونية للقانون القوطي الأصلي وهي بذلك من أقدم النصوص في اللغة المنطوقة في المنطقة المحيطة ببرشلونة الحالية.

تراث القوطيين الغربيينقبل سقوطهم، خلق القوطيين الغربيون تراثًا نجا إلى حد اليوم. كما تحوّل القوطيون الغربيون، مثل معظم القبائل القوطية، تدريجيًا من الوثنية الجرمانية إلى المسيحية على مدار القرنين الخامس والسادس. ومع ذلك، فقد تبنوا في البداية المذهب الآريوسي المسيحي، على عكس مجمع نيقية أو المذهب الكاثوليكي الذي مُرس في معظم روما.

وهكذا، نظر الرومان إلى القوط الغربيين المسيحيين على أنهم زنادقة حتى تحولوا في النهاية إلى الكاثوليكية في القرن السابع.

بقيت العديد من الكنائس الكاثوليكية التي بناها القوط الغربيون في إسبانيا والبرتغال على فن عمارتهم حتى يومنا هذا، بما في ذلك سانتا ماريا دي ميلك في توليدو الحالية، إسبانيا.

 

قانون الارهاب الاميركي قانون قيصر

$
0
0

قانون الارهاب الاميركي

قانون قيصر

– لايمكن لاي قرار ان يكون جديدا في هذه الحرب الارهابية على سورية منذ حوالي عشر سنوات …ولا يمكن لاي مخطط جديد سواء كان عسكريا او امنيا او… بأن يتحرك او ينجح دون ادوات داخليه تساعده …كلنا نذكر حصان طروادة وما حمله من تدمير للانتصار والمقاومه … وقد دمر طروادة؟؟

_ كلنا نذكر وزير الخارجيه الامريكي جون كيري ليرث خيبته بومبيو

الذي اكد انهم خسروا المرحله الاولى من الحرب وانهم سيتجهون الى الخطه (ب) هذه الخطه التي تعتمد على التدمير الاقتصادي بعد حرب 10 سنوات ….؟؟ لايمكن لاي دولة في الكون دمرت مدنها …وبنيتها التحتيه …ودمرت زراعتها وصناعتها …وتم السيطره على ثرواتها …وعلى مدى هذه السنوات الطويله اصبحت ارضا محروقه …..ان تبقى على قيد الحياة ولكننا بقينا بارادة ابنائنا …..؟؟ كلنا نعلم ان المجهود الحربي يستهلك كل رصيدنا وكل مساعدة الحلفاء وكل جهد قوتنا الفاعله على الارض الاقتصاديه ….؟؟ لهذا اعتمدت الخطه (ب) ….على توجيه ضربة قانون قيصر المركبة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ….

– لايمكن لقانون قيصر ان ينجح ان لم يكن له ادوات داخليه تنفذه ….ولايمكن لاي ضربة اقتصادية او حرب اقتصادية ان تحقق اهدافها ان لم يكن لديها جيش اقتصادي داخلي ينفذ خططها …..؟؟ هذا الجيش موجود فعليا …وهو متعاون مع جيش من الفساد الذي يستفيد من ترهل القوانين الادارية والمالية ومن اختراق تنظيم الاخوان المسلمين للمؤسسات والادارات وللاسواق واهم شيئ لكوادر القرارات الحازمة….؟؟ هذا التنظيم الذي لديه المقدرة المالية الداخلية المدعومة اقليميا ودوليا …يضاف الى ذلك المقدرة على اختراق او تصفية اي شخص سواء اداريا او ماليا او حتى شخصيا ان قاوم بمواجهتهم …..مضاف الى ذلك تحالفه مع القوى الضاربة ماليا لفرض العقيدة على انه هو الوحيد القادر على ضبط الاوضاع في سورية وتفكيك الحلف الذي يواجه اسرائيل عبر تمزيق اقتصاده وفرض حصار قاتل على الانظمة لكي لا تستطيع خدمة شعوبها مما يؤدي الى انقلابها عليها مهما طال الزمن ويؤدي حكما الى اسقاطها بثورات شعبية من الموالين لها …..؟؟

– هناك وضع اصبح واضحا من بنود قانون قيصر وهو حصر نوافذ اختراق قيصر بيد التجار الغير متعاملين مع الدولة …وهؤلاء حكما لديهم دعم خارجي مما يطورهم بعد زمن قصير ليكونوا قوه حاكمة اقتصاديا تمهيدا ليصبحوا حاكمين سياسيا ….وللعلم حتى الفاسدين لن يستطيعوا تحريك اموال فسادهم دون رضى هذه الطبقة التي حددها قانون قيصر…

– لهذا …ولمواجهة هذا الامر يجب ان نتعامل مع هذه الامر كأننا نخوض حربا عسكرية ….ويجب ان يكون هناك غرف عمليات زراعية وصناعية عسكرية بمعنى ان يكون لها صلاحيات قانون الطوارئ في الزراعة والتسويق للمنتج وبسعر يناسب دخل المواطن …يجب ان لايكون اي منتج سوري ومهما كانت العناوين الا ملك لمقدرة السوري حتى يستطيع المواجهة …

يجب تحريك المحاكم الميدانية العسكرية وليس المدنية لمواجهة الجيش الاقتصادي الفاسد …

يجب زراعة كل متر في مناطق سيطرة الدولة السورية فحوران لوحدها كانت تطعم روما بكاملها … وكما قاتلنا عسكريا يجب ان نقاتل اقتصاديا ….وللعلم ومن اجل من يقول ولماذا لا نهادن الامريكيين ونعطيهم مايريدون …فياعزيزي نحن جزء من حرب دوليه كبرى يريدوننا ان نكون وقودا لها ولم يضعوا اسرائيل الا من اجل ذلك …لاتعتقد انك تستطيع ان تكون حرا في بلدك طالما ان الاسود والملون والهندي الاحمر يسحل تحت اقدامهم داخل بلدانهم …

لا تعتقد انك تستطيع ان تكون حرا في بلدك طالما ان توراة اسرائيل تعتبرك عبدا مغضوب عليه …انت تدافع عن حريتك فإن اردت بيعها مقابل وجبات غذاء فانت ساقط من قوائم الشرف والحريه ….ليس امامنا الا العمل …وكما واجهنا عسكريا وكان لدينا كم هائل من الفساد فيجب ان نمرر هذه المرحله بقوانين صارمه وعمل صارم وارادة صارمه …

سوريه لم تخلق لتموت 

اعيدوا فرض الاحكام العرفية وتطبيق قانون الطوارىء وعلقوا المشانق برقاب مجوعي الشعب من الفاسدين سارقي لقمته من فمه…

(عماد جبور بتصرف بسيط)

خربشات سياسية 18/حزيران 2020 …قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟

$
0
0

خربشات سياسية 18/حزيران 2020 …

قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟

كل الدلائل تشير الى مواجهة ساخنة جدا بين روسيا ومعها ايران وسورية مع اميركا، فالمنطقة على صفيح ساخن وربما ستشهد المنطقة جولة عسكرية تقوم بها سورية مدعومة من محور المقاومة الممتد من ايران الى العراق مرورا بسورية مطرح عقوبات قيصر ولبنان في مواجهة الكيان الاسرائيلي كما تسرب الدوائر الاستخبارية العالمية والاوربية لأن كل هذا الضرر الاوربي والاميركي والحصار بكل اشكاله والاحتلال الاميركي لشرق الفرات ودعمه قسد الانفصالية وسرقة النفط السوري…وحرق الغلال السورية ومالم تحرقه قسد واميركا تحتكره لنفسها وتمنع على المزارعين السوريين بيعه للدولة السورية كما هو حاصل بارهاب ما يسمى الادارة المدنية بعدوان عصابات الاسايش على المواطنين وصولا الى التصفية والمنطقة باتت على شفير الانفجار…سيوصل المنطقة وبشكل متدحرج الى جولة حربية وبالصواريخ تتناول شمال فلسطين المحتلة…

كذلك المناطق التي تحتلها تركيا ومايقوم بها تابعوها فضلا عن الصراع الدموي بين هذه الفصائل الارهابية على المغانم وبيوت السكان…وكذلك حرق المحاصيل او تسويقها بالبلطجة الى تركيا مع ماتبقى من محولات كهربائية ومصانع وشبكات ري في مناطق الاحتلال التركي…

خربشات سياسية 18/حزيران 2020 ... قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟
خربشات سياسية 18/حزيران 2020 … قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟

وعود على بدء الى زمن غزو العراق عام 2003 عندما وصل ​وزير الخارجية​ الأميركية الأسبق ​كولن باول​ إلى دمشق، رمى أمام ​الرئيس السوري​ ​بشار الأسد​ سلّة مطالب غربية، أساسها إنسحاب دمشق من “محور ​المقاومة​”، وما يتضمّن ذلك من فك التحالف السوري-الإيراني وطرد مسؤولي حركة “حماس” من ​الشام​، ووقف التعامل مع “​حزب الله​”. يومها رفض الأسد كل الشروط الأميركية وانهى المقابلة وخرج كولن خائبا من لقائه بالاسد الذي لم يستجب لأي عنوان، رغم ان معظم عواصم المنطقة كانت ترضخ لأي طلبات أو تمنيات أميركية من دون نقاش بعد دخول الأميركيين بعصا غليظة الى ​العراق​.

صمدت دمشق، ثم شاركت بعد ثلاث سنوات في دعم قتال اللبنانيين ضد ​إسرائيل​ عام ٢٠٠٦، ولم يأبه السوريون للتداعيات التي كانت تتراكم غربياً  وعربيا وخاصة خليجياً بحق ​سورية​. وبعد بضعة أعوام حلّت مااسميت  ​الأزمة السورية​ سنة ٢٠١١ وفي حقيقة الامر هي حرب كونية على سورية تقودها اميركا واسرائيل بأدوات تركية وعربية واموال خليجية، وتدرّجت فيها المحطات من شعارات “سلمية”، إلى خطوات دبلوماسية، إلى مشاكل أمنية، إلى مواجهات عسكرية مع حوالي نصف مليون تكفيري طرحوا شعارات اسلاموية ودمروا الكنائس والاديرة 65 كنيسة ودير، واجتاحوا الاحياء المسيحية كما في حمص والقرى المسيحية  وفتكوا بالسكان من مسيحيين وسواهم،  واقتصرت سلطة الدولة وقتها الى 20% لكن الأسد بقي ثابتاً، خصوصاً ان حلفاءه، تحديداً: الروس و​الصين​يين والإيرانيين رسّخوا صمود سورية في كل المراحل، عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً.

خربشات سياسية 18/حزيران 2020 ... قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟
خربشات سياسية 18/حزيران 2020 … قانون قيصر هل هو مواجهة مباشرة بين روسيا واميركا في سورية؟

ماذا بعد؟ حلّ العنوان الإقتصادي كمدخل لإخضاع كل السوريين للضغط على دمشق وإجبار الأسد على القبول بذات الشروط التي طرحها كولن باول عام ٢٠٠٣. لم تتغير العناوين الأميركية. بقيت هي ذاتها مطروحة تحت الطاولة، ليأتي قانون “قيصر”، ويشكّل عملياً دافعاً لتطبيق الشروط الأميركية في دمشق، تتضمّن في جوهرها طلب التخلي عن “محور المقاومة” وعدم بقاء الإيرانيين و”حزب الله” على ​الأراضي السورية​.

ما قاله المبعوث الأميركي لدى دمشق ​جيمس جيفري​  مؤخراً واضح: المطلوب ان يبدّل ​النظام السوري​ سلوكه، ولا نطالب بتغيير النظام. يعني هذا الكلام ان السلوك المرتجى أميركياً هو أن يرضخ الأسد لعناوين المرحلة ​الجديدة​ التي تتقدمها ​صفقة القرن​. خصوصاً أن القانون المذكور يشير الى إنفتاح مطلوب من سورية لفتح صفحة جديدة مع االكيان الصهيوني. يريدون من دمشق أن تلتزم بتوقيع اتفاقيات مع ​تل أبيب​ على غرار ما فعلته دول عربيةكمصر والاردن وحتى السلطة الفلسطينية. يعتقد الأميركيون أن السوريين سيضطرون لقبول الشروط الأميركية، لأن ال​عقوبات​ ستؤدي إلى تجويع ​الشعب السوري​. ومن هنا جاءت الحرب على ​الليرة السورية​ كما في افتخار جيفري وذلك  لتأمين شروط اللعبة الإقتصادية، ومنع اعمار ماتدمر من سورية من خلال  منع الدول والشركات من التعامل مع دمشق تحت طائلة عقوبات “قيصر”.
لكن سورية التي واجهت كل أنواع العقوبات والحصار والحروب في محطات عدة من تاريخها وخاصة بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والصلح بين مصر والكيان الصهيوني وقيام الاخوان المسلمين بارهابهم في الثمانينات من القرن الماضي ولمدة نيف وست سنوات ، هل هي مضطرة الآن للبقاء في خيارها الوطني-القومي؟ أم أن مغادرة محورها الممانع هو الأفضل لسورية؟

– اذا تخلت دمشق عن ​فلسطين​ سيدفع العرب و​الفلسطينيون​ اثمانا باهظة. وإذا طلّقت سورية حلفها الإستراتيجي مع “محور المقاومة” ستصبح أضعف إلى حد تهديد وحدتها. مما يعني ان إرتباط دمشق بثوابتها الحالية هي ذات أبعاد وجودية. في حال غادرت سورية مكانها الطبيعي  السياسي فمن يضمن عدم تقسيمها وضربها وإبقاء شعبها في دورة الأزمة المفتوحة؟ وقياسنا لذلك هو هل ارتاحت ​الدول العربية​ التي وقّعت “اتفاقيات سلام” من أزماتها الإقتصادية؟ لا مصر ولا ​الأردن​ ولا ​السلطة الفلسطينية​ يعيشون الفرج الإقتصادي ولا الإرتياح المالي.
في أحد أوجه قانون “قيصر” يصوّب الأميركيون على الروس والصينيين الذين يتعاملون مع دمشق، ويتحضّرون لإجراء استثمارات في سورية. مما يعني ان ​موسكو​ وبكين معنيّتان بمواجهة “قيصرية”مع الاميركيين.
في الواقع فان دمشق الصامدة بقوة صمود شعبها الوفي وجيشها من خلف القيادة السورية فان اجراءات التجويع بعقوبات مرفوضة بموجب احكام القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان وميثاق الامم المتحدة  ستصمد  مهما فُرضوا عليها من عقوبات. لكن العقوبات الجديدة وفق قانون قيصر  تأتي لمعاقبة الشركات الروسية والصينية. بالتأكيد لن ترضخ لا موسكو ولا بكين. مما يرجّح ان يكون للعقوبات صدى في بداية تنفيذ القانون، ثم يتدرّج المسار نحو التعايش معها أو الالتفاف عليها.
يمكن لدمشق ان تتباهى بقدرة الرئيس السوري على إبقاء المبادرة بين يديه، ضمن اللعبة الجارية، وتتباهى ايضا بقدرة مصرفها المركزي على إعادة امساك وضع الليرة قبل ان تنزلق الى هاوية التي شارفت ​الليرة اللبنانية​ للوصول اليها.
صحيح ان الليرة السورية تراجعت قيمتها في الاشهر الماضية، لكن لولا اجراءات مصرفها المركزي كانت ستتوسّع مساحات الضعف والارباك.
– لا تعفي الأزمات الاقتصادية الروسية والايرانية والصينية عواصمهم من مؤازرة سورية اقتصادياً، وتصريحات المسؤولين من قمة الهرم السياسي الى اسفله في روسيا وايران والصين تعكس الاستعداد الداعم لسورية وبالتالي فإن طهران التي اوصلت ​النفط​ الى ​فنزويلا​ قادرة على إيصال معونات الى سورية.
السؤال الاخير…
هل تقدم كل من الصين و​روسيا​ على المضي قدماً في دعم صمود السوريين؟

الجواب ان طبيعة التحالف السياسي والشعبي، ونوعية المواجهة الدولية تفرض عليهما الوقوف الى جانب سورية. هذا ما هو منتظر منهما سراً او علناً. سيما والتصريحات الداعمة وحضور المسؤولين من هذه الدول الى سورية متواتر  لأن المواجهة قائمة قيصرياً بين موسكو وواشنطن في دمشق، ولا يمكن ان تتخلى روسيا لا عن سورية ولا عن مكاسب موسكو في المشرق العربي بعد كل هذه التضحيات العسكرية والسياسية في سورية.

–بستان الجرن

$
0
0

– بستان الجرن

*رداً على سؤال من صديق عن سؤال ان كان ثمة رابط بين جرن الكبة وفق بوست كنت نشرته على صفحتي على الفيسبوك وبين منطقة الجرن في محلة العدوي

اقول مصححا في البداية ان بستان الجرن ليس من منطقة العدوي بل من بساتين القابون التي كانت تمتد الى ساحة العباسيين، واقول جواباًعلى السؤال
– منذ وعي عندما كنا اولاداً صغار وكانت دمشق محاطة بغوطتها كان الناس يخرجون في اثنين الراهب الى البراري المحيطة وحكماً يخرج الشوام المسيحيون الى البراري المجاورة وكان آخر حد للعمران بحارة القصاع هو شرقاً الطريق المار حاليا بجانب سوق الهال ( كان غير موجود وكانت البساتين متصلة بجوبر وبلدات الغوطة الشرقية) وكان يتصل مع طريق القصاع وسكة الترامواي يتصلان بقرية جوبر ( حالياًما بعد ملعب العباسيين) ثم زملكا فعربين فحرستا فدوما، وكانت ساحة العباسيين حالياً شمالا هي آخر حد لعمران حي القصاع، لم تكن الساحة هكذا اطلاقاً هكذا بل كان مجرد شارع ضيق يصل المحافظات الداخلية والساحلية في سورية وكأنه الشارع الحالي شارع فارس خوري وكانت الخضرة متصلة شمال المنطقة، والى الغرب تتصل الخضرة ببساتين العدوي المدعوة (بساتين ابو جرش)، ولم تكن حارة القصور موجودة انما موجود بضعة

مشهد من حفلات مساخر القصاع يوم اثنين الراهب والصورة لعمي المرحوم جوزيف متنكرا كزعيم الهنود الحمر
مشهد من حفلات مساخر القصاع يوم اثنين الراهب والصورة لعمي المرحوم جوزيف متنكرا كزعيم الهنود الحمر

قصور لايزالون الى الآن بعد كنيسة سيدة دمشق والكنيسة هذه كانت فيلا آل الكزبري وسط (بساتين الكزبري) والكزبري عائلة من اقطاعيي دمشق وكان يتصل بستانها اليانع ببستان يدعى (بستان الجرن) استطيع ان احدد مكان الاتصال بين بساتين الكزبري وبستان الجرن بنقطة كنيسة القديس ميخائيل في كورنيش التجارة وهذا لم يكن موجوداً في بستان الجرن كان معظم مسيحيي القصاع يخرجون يوم اثنين الراهب ويجلسون مفترشين الارض تحت اشجار الجوز والتوت والمشمش والتفاح السكري والاجاص الصغير وكانت تفصل بين قطع الارض الزراعية دكوك سميكة من الطين المجفف ويربط بينها جميعا طريق عريض ترابي ويصل الى جسر تورا على نهر تورا وهو النهر المار من الحديقة المتاخمة لكنيسة القديس جاورجيوس… وهناك كان موجود معمل لشراب العرق سوس وفق مشاهداتي
– وفي يوم اثنين الراهب كانت عطلة عند المسيحيين وكلهم يستقبلون اول يوم من الصوم الكبير المقدس طيلة اليوم بفرح واغاني ورقص ودق الدربكة وطبخ المجدرة والسلطات ثم يعودون مساء ومباشرة الى الكنائس واذكر كنيسة الصليب المقدس حيث بعد حضورهم اول صلاة في الصوم يارب القوات يخرجون مع المساخر التي كانت جزءاً من تراث عائلتنا ومعظم العائلات القصاعية الاصل وكانت هناك جمعية للمساخر يرأسها المرحوم الحلاق سليم حروق وعضوية عدد من شباب الحي القبضايات وكان جدي فارس رحمه الله منهم يتنكر بزي زعيم الهنود الحمر بتاج الريش الكبير وحل محله عمي المرحوم جوزيف وكان كل من المرحومين ابي جورج وعمي الكبير نقولا وعمي الصغير حنين رحمهم الله يتنكرون بلباس العفاريت الأسود واقنعتهم الحمراء واذيالهم وبيد كل منهم شوكة الحصادين.. وغيرهم…وكان يترافق هذا الاحتفال الذي يجعل قاعدته وعروضه وسط القصاع امام باب المستشفى الافرنسي ويمتد حتى العاشرة ليلاً مع عزف فرقة موسيقية طربية مع لعب السيف والترس من نخبة من قبضايات القصاع منهم الأبركسيا ويوسف جبور وابو ميشيل سعيد…الخ رحمهم الله، وفي بعض السنوات كان فوجنا الكشفي فوج القديس جاورجيوس يشارك بعرض واستعراض وبالموسيقا في هذا الاحتفال…

مشهد لكرنفال المساخر يوم اثنين الراهب  بالقصاع الصورة عنتر وعبلة في الهودج على الجمل
مشهد لكرنفال المساخر يوم اثنين الراهب بالقصاع الصورة عنتر وعبلة في الهودج على الجمل

وقد الغيت هذه الاحتفالات مع مطلع الوحدة 1958 اسوة بالغاء احتفالات الشيعة بيوم عاشوراء التي كانت تتم في الجورة وباب توما وحي اليهود والست رقية… وكان الغاء احتفالات الشيعة هو الاساس وقياساً عليها الغوا بعدها احتفالات الكرنفال في اثنين الراهب لأن الاحتفالات ذات طابع ديني.!!!! بكل اسف مع الفارق بين الاحتفالين فالأول كان يمتزج بالدماء والالم والبكاء… بينما احتفال المساخر في القصاع كان يبعث البهجة والفرح والسعادة وكأنك في كرنفال من الكرنفالات الشهيرة في العالم…
– اما السبب في تسمية المنطقة ب(بستان الجرن) فكان ان في وسط البستان وفي الطرق المار بوسط البستان كان جرن كبير موضوع منذ القدم ويضع فيه الفلاحون وهم ينزلون ثمار بساتينهم من كل شيء من جوبر والقابون وبرزة وحرستا.. ويضعون فيه ماتجود به اريحيتهم في رمضان ليأكل منها الفقراء وهذه زكاة عن صومهم للفقراء…

عائلة تحتفل بيوم اثنين الراهب في بستان الجرن
عائلة تحتفل بيوم اثنين الراهب في بستان الجرن

الصورة: عائلة محتفلة باثنين الراهب+ صورة للغوطة وهي من مدونتي بعنوان “غوطة دمشق” في موقعي…
– صور من الكرنفال عمي المرحوم جوزيف بلباس الهندي الاحمر وبيده القوس والنشاب ويبدو العفاريت بلباسهم الاسود والموقع في باب توما بجانب النادي العائلي (من ارشيف ابن العم رياض زيتون…)
– من الكرنفال عبلة في الهودج على الجمل وبجانبها على الفرس عنتر يحرسها لاحظوا الجماهير المحتشدة وكلها من اهل القصاع لاغريب يبنهم… ومظاهر السعادة والابتهاج على وجوههم…
– هذه من مشاهداتي وحتى عام 1959… بعمر سبع سنوات….
آمل ان اكون قدمت فائدة.
سقى الله ذلك الزمن الجميل وكم كانت الشام جميلة وحي القصاع حينا العريق حيث ولدنا وقبلنا الاهل…بكل اسف تحول من حي وادع بأهله الودعاء مضرب المثل بنظافته ورقيه ورقي ابنائه وورعهم وروحانيتهم الى سوق مكتظ “شي بروس شي بلا روس”
د.جوزيف زيتون

لباس الحشمة القديس يوحنا ذهبي الفم

$
0
0

لباس الحشمة

القديس يوحنا ذهبي الفم

“وكذلك النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة، مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن، بل كما يليق لنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة” (1 تي 2)

ما هذا؟!
أتقتربي من الله للصلاة بالضفائر والحلي؟
هل أنت ذاهبة لحفلة رقص؟
هل أنت ذاهبة إلى عرس أو عيد عالمي حيث مكان الحلي والضفائر والثياب الفاخرة؟
هنا ليس لها إحتياج.
أنت أتيت لتصلي، أتيت لتتوسلي من أجل مغفرة خطاياك، لتلتمسي الرحمة من أجل ذنوبك، لكي تتضرعي للرب وتستعطفيه بصلواتك.
لماذا إذاً تزينين نفسك؟ ليس هذا هو المظهر الذي يليق بالتوسل، كيف تتنهدين؟ كيف تبكين؟ كيف تصلين بحرارة وأنت مُحملة بالحلي؟ إذا بكيت، دموعك سوف تكون مصدر سخرية للذين يشاهدونك، لأن التحلي بالذهب لا يتفق مع اللائي يبكين، ألا يكون هذا تمثيلاً ورياءً. أليس هذا تمثيلاً أن تتدفق الدموع من قلب يسكنه حب الترف والزهو؟

إطرحي بعيداً عنك هذا الرياء! الله لا يُسخَّر منه! هذه الثياب تخص الممثلين والراقصين، الذين يعيشون على خشبة المسرح، كل هذه الأمور لا تناسب إمرأة مُحتشمة، بل يليق بها التزين بالورع والتعقل.

لا تقلدي إذاً المحظيات، فهن بهذا الثوب يغرين عشاقهن، ومن ثم كثيرات جلبن على أنفسهن شكوك شائنة، وبدلاً من كسب أي فائدة من زينتهن تسببن في ضرر الكثيرين بسلوكهن. لأنه كما أن الزانية إذا كان مظهرها محتشم لا تنتفع شيئاً في يوم الدينونة عندما يستعلن كل ما تم فعله في الخفاء، كذلك أيضاً المرأة الشريفة إذا كانت بهذا الثوب تقتدي بالزانية سوف تفقد فائدة عفتها، لأن كثيرين تضرروا من هذا السلوك. قد تقولين: “وماذا أفعل أنا … إذا كان شخص آخر ينظر لي هكذا؟”، لكنك أنت التي تعطينه الفرصة من خلال ثوبك ونظراتك وإيمائاتك.

لهذا السبب، يهتم بولس بتوجيه النظر للورع وحشمة الملبس. وإذا كان ينبه على تلك الأشياء التي تدل فقط على الثراء مثل الذهب واللآلئ والملابس كثيرة الثمن، فكم بالأكثر يكون التنبيه على الزينة المتعمدة كالمساحيق، تلوين العيون، المشية المتخاطرة، الصوت المتصنع، النظرة الواهنة الخليعة، العناية المفرطة في إرتداء الصدرة والمعطف، الأحزمة المطرزة بدقة، الأحذية الأنيقة؟ إذ أنه قد ضم كل هذه الأشياء بكلامه عن “لباس الحشمة” و”الورع والتعقل”، لأن كل هذه تدل على عدم اللياقة وعدم الحشمة.

أرجو أن تحتملن هذا الحديث، لأني بهذا التوبيخ غرضي ليس جرحكن أو التسبب في الألم لكن، بل لكي أزيل من قطيعي (شعبي) كل تصرف غير لائق.

وإذا كانت هذه الممنوعات موجهه للنساء المتزوجات الثريات، اللائي يعشن في الرفاهية، فكم بالحري بالنسبة للآئي كرسن حياتهن للبتولية. لكن قد تقولون: أي بتول تتزين بالحلي وضفر الشعر؟ إلا أنه قد تكون هناك عناية زائدة حتى مع الثوب البسيط، بحيث تكون الزينة لا تساوي شيئاً بجانبه. قد تكون العناية بالمظهر عند التي تلبس ملابس عادية أكثر من تلك التي تلبس بالذهب. لأنه عندما ينسحب رداء غامق اللون بشكل وثيق حول الصدر بالحزام – كما يلبسن الراقصات على المسرح – بإتقان شديد بحيث لا ينبسط بإتساع أو ينكمش بضئالة، وعندما يبرز الجسم من جراء كثرة اللفات، ألا يكون هذا الرداء أكثر إغراءً من أي رداء حريري؟!

لنخف أيها الأحباء، لئلا نسمع نحن أيضاً كلام النبي الذي وجهه للعبرانيات، الذين كن مفرطات في العناية بزينتهن الخارجية: “من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق … فيكون عوض الطيب عفونة وعوض المنطقة حَبلُ وعوض الجدائل قرعة” (اش 3).

كل هذه الزينات وأخرى كثيرة، التي تم إبتكارها فقط للعرض وجذب المشاهدين تعتبر أكثر إغراءً من الحلي الذهبية. هذه الأخطاء ليست تافهة، بل تُغضب الله، وكافية لإفساد جهاد إنكار الذات الذي للبتولية.

عروسك هو المسيح، أيتها العذراء، لماذا تسعين وراء جذب انظار الرجال؟ سوف تدانين وكأنك لاسمح الله زانية. لماذا لا تريدين الزينة التي ترضيه: الحشمة، العفة، اللياقة، واللباس المتزن؟ هذه بهرجة زائفة وشائنة. لم نعد نستطيع التمييز بين بائعات الهوى والمتبتلات، إلى هذا الحد من عدم اللياقة وصلن. يجب أن يكون لباس العذراء بسيطاً غير منمقاً وبلا جهد، لكنهن قد إبتكرن الآن حيل كثيرة لجعل أثوابهن ملفتة للنظر.

أيتها المرأة أتركي هذا الجنون، حولي هذه العناية لزينة نفسك الداخلية. لأن هذه الزينة الخارجية التي تشغلك تتعارض مع الزينة الداخلية. لأن الذي يعتني بالخارج يُهمل الداخل، والذي يُهمل الخارج يركز كل عنايته في تزيين الداخل. “
(ALETEIA ORTHODOX()بتصرف بسيط


 القواص الباشا…

$
0
0

 القواص الباشا…
لمن لايزال يتذكره… ولمن لايعرف شيئاً عنه وعن القواصين…
– وهو المرحوم متري الباشا قواص البطاركة الكسندروس طحان وثيوذوسيوس ابو رجيلي واول عهد البطريرك الياس معوض… ورثها عن أبيه الذي كان قواص البطريرك غريغوريوس حداد ثم الكسندروس طحان…
الصورة تعود الى عام ١٩٥٤ في ساحة البطريركية وتحت الرواق الملاصق للبناء الغربي…
وكان في البطريركية اكثر من قواص اي مرافق
معلومة عن القواصين…
القواص وجمعه قواصة او قواصون، هو المرافق للمسؤول وعندما منح ابراهيم باشا المصري في حملته على بلاد الشام من 1831-1840 المسيحيين الحقوق والواجبات ذاتها الممنوحة للمسلمين في بلاد الشام وتحديداً دمشق وسارت الدولة العثمانية على منواله بعد طرد هذه الحملة من بلاد الشام، سمح للبطريرك بأن يمشي امامه ووراءه قواصة او رجال مرافقة كالقناصل لحمايتهم وكان هذا هو لباس القواصة ويحملون غدارات وبنادق وسيوف…وفي الاساس يقومون باطلاق الرصاص امام المسؤول لفسح الطريق …
ولكن قواصة البطريرك ومن ثم المطارنة كانوا يحملون عكازات مخروطة من خشب الجوزومطلية بالبرداخ الاسود او البني (كالتي يحملها البطريرك والمطران كالعادة والتي نراها بأيديهم وهم في لباسهم الكهنوتي اليومي وليس الحبري اي في الخدم الالهية…)وكانوا يطرقون بها على الارض اثناء المشي فتفسح الناس المجال لمرور البطريرك والمطران…
وصار تقليداً جميلاً تم الغاؤه في عهد البطريرك اغناطيوس الرابع… اما في القدس في بطريركية اورشليم الارثوذكسية واللاتينية فلا زالت عندهم كتقليد جميل وعادة الكنائس ذات النهج اليوناني تحافظ على العادات المتوارثة ومنها وظيفة القواص…
ومن يتتبع فيض النور المقدس من القبر السيدي في كنيسة القيامة يلاحظ القواصة يمشون قبل البطريرك الاورشليمي بالطرابيش انما بلباس مختلف عبارة عن بدلة كحلية اللون وهم يطوفون بالعكاكيزفي الزياح سبع مرات حول القبر المقدس قبل دخول البطريرك الاورشليمي الى داخل القبر المقدس …
د.جوزيف زيتون

قانون قيصر.. لا تتركوا سورية وحدها!‏

$
0
0

 

 

قانون قيصر.. لا تتركوا سورية وحدها!‏

قبل أن تبدأ الولايات المتحدة بتطبيق قانون «قيصرها» بحق سورية، ثمة أحداث وإجراءات حصلت على الساحة السورية ـ اللبنانية، قبل فترة وجيزة من الموعد المحدّد لبدء تطبيقه يوم 17 حزيران، لتطرح تساؤلات، وتثير علامات استفهام عديدة، كان لا بدّ من التوقف عندها، ونحن في مواجهة ما تضمره وتبيّته واشنطن حيال الدولتين التوأمين سورية ولبنان بشكل خاص، ولدول المنطقة والعالم بشكل عام.
لعلّ ما شاهدناه من تطورات في الأسابيع الأخيرة، ليدفعنا الى تسجيل بعض المواقف والحوادث والتطورات، على الساحتين السورية واللبنانية التي تصبّ في خدمة قانون قيصر، الذي يمعن في الضغوط على النظام، ويشدّد الخناق الاقتصادي والمالي والتجاري على سورية، وعلى مَن يتعاطى معها من دول المنطقة والعالم، بعد سريان مفعول القانون الظالم، الذي به تريد الولايات المتحدة، توجيه ضربات قاتلة لاقتصاد سورية وإنتاجها القومي، وايضاً، لمن يحاول أن يتجاوزه أو يتعاون مع النظام. ولعل الأحداث والتطورات الأخيرة، تدفع بالمراقب المتابع لها، إلى تسليط الضوء على أمور عدة أبرزها:
1 ـ لقد شهدت سورية مع اقتراب موسم حصاد القمح، سلسلة من الحرائق التي اندلعت بفعل فاعل، ولم تكن صدفة، حيث التهمت النيران مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالقمح، وهو الغذاء الاستراتيجي الذي تعتمد عليه سورية، والتي آثرت منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، ليجنّبها مستقبلاً اللجوء الى الدول المصدّرة له، ويبعدها بالتالي عن الابتزاز السياسي من قبل بعض المصدّرين له.
هذه الحرائق المتعمّدة من قبل مجموعات داخلية إرهابية، ومعارضة، والتي تنسّق مع جهات خارجية، تستهدف ضرب الاقتصاد السوري في الصميم، وثروته الغذائية، وإرهاقه أكثر فأكثر، من أجل تحميل الدولة أعباء ثقيلة تضاف إلى الأعباء التي تتحمّلها، جراء الحرب المفروضة عليها منذ تسع سنوات وحتى اليوم. فما عجزت عن تحقيقه قوى العدوان في الحرب العسكرية على سورية، تريد أن تعوّضه بحرب اقتصادية شرسة مدمّرة. وما إحراق محاصيل القمح على مساحات واسعة، إلا ليصبّ في إطار التدمير الممنهج للاقتصاد السوري.
2 ـ في ظلّ الظروف الحساسة التي تشهدها دول المنطقة، علت أصوات في الداخل اللبناني، من قبل أطراف ما كانت يوماً إلا في خانة العداء ضدّ سورية. لتنبري فجأة تطالب بإقفال معابر التهريب، بذريعة أنها تضرّ باقتصاد ومالية لبنان.
لا أحد مع التهريب، ولا أحد ضدّ القانون. لكن أن نقفل المعابر غير الشرعية ـ وهذا حق ـ ونترك العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع سورية، دون ان نفعّل الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة معها، وعدم التواصل الفعلي والجدي مع المسؤولين السوريين، لتنظيم أطر العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية والجمركية، والتنسيق معاً في مواجهة تداعيات قانون قيصر على البلدين، فهذا أمر لا يصبّ في مصلحة لبنان وشعبه، حيث تشكل له سورية على الدوام رئته الشرقية الوحيدة، التي يتنفس منها وهو يطلّ من بابها بصادراته إلى العراق ودول الخليج العربية.
3 ـ إنّ تحريك الشارع اللبناني الذي يشهد ظروفاً داخلية حساسة وخطيرة، وفي ظلّ أوضاع اقتصادية ومالية ومعيشية ونقدية واجتماعية قاهرة، بمظاهرات مشبوهة، تطالب بنزع سلاح المقاومة، وتحميلها مسؤولية ما يشهده الداخل اللبناني، والتصويب عليها عشوائياً، مدار استغراب واستهجان. فبدلاً من أن تركز هذه التظاهرات على الفساد والحالة المزرية التي أوصلتنا إليها الطبقة السياسية، جاء مرتزقة المظاهرات المدفوعة الثمن من قبل محرّضيهم، وموجّهيهم، ليشوّشوا على المقاومة، ويفرغوا حقدهم وتعصّبهم، تماشياً وتناغماً، مع سياسات وأهداف أطراف داخلية، وإقليمية وخارجية غربية، ما كان هدفها الأول إلا حصار المقاومة وتعطيل دورها، والنيل منها، ومن ثم القضاء عليها وإنهاء وجودها.
4 ـ انّ قرار الإدارة الذاتية الكردية، بمنع مزارعي محافظة الحسكة ـ وهي الخزان والسلة الغذائية الرئيسة لسورية ـ من تسليم محاصيلهم من القمح للمراكز التابعة لدمشق، يشكل سابقة خطيرة، نظراً لمفاعيله وتأثيراته السلبية الكبيرة على اقتصاد الدولة وعلى الأمن الغذائي للشعب السوري. رغم أنّ وقف تسليم القمح للسلطات السورية، ستترتب عليه خسارة لمزارعي القمح، وأيضاً كساد المخزون. هذا القرار الذي لم يأت من فراغ، وإنما بتوجيه وطلب من رعاة وداعمي الإدارة الذاتية الكردية، الذي ينسجم بالكامل مع قانون قيصر. والأسوأ من ذلك، أنّ مكوّناً من مكوّنات الشعب السوري، يفرض حصاراً على أبناء شعبه، من دون أيّ اعتبار إنساني أو أخلاقي، ليشكل هذا القرار إذا لم تتراجع الإدارة الذاتية الكردية عنه، قمة الخيانة والنذالة بحقّ وطن وشعب. لتثبت الإدارة الذاتية الكردية، مدى عمالتها وتواطئها ودعمها المسبق، من دون تحفظ لقانون قيصر.
5 ـ لم يقتصر الأمر على الإدارة الكردية، إنما تبعته إجراءات أخرى، لجأت إليها سلطات الاحتلال التركي في الشمال السوري، وفي المناطق التي تسيطر عليها، حيث تفاقمت ممارسات الاحتلال، من خلال سياسات التتريك الممنهجة للمناطق الخاضعة له، لا سيما في أرياف حلب والرقة والحسكة. إنّ الاحتلال التركي، لم يتوقف عن سياسة تغيير الديموغرافيا للبلدات والقرى، وبالذات العربية منها، وتهجير سكانها باستخدام العنف، وتوطين الفصائل الإرهابية وعائلاتهم مكانهم بالقوة والإكراه، وإجبارهم على اعتماد العملة التركية في المناطق المحتلة والتداول بها، وإقامة مراكز رسمية تركية فيها، كالبريد وربطه بالبريد التركي.
وفي سياق الحرب الاقتصادية على سورية، فرضت تركيا منذ أيام قليلة على مؤسسة الحبوب التابعة لها، بتسويق المحاصيل الزراعية في رأس العين، الى تركيا حصراً وبالأسعار المناسبة لها.
6 ـ منذ بداية الحرب على سورية عام 2011، اعتمد الكرد ـ دون ضوابط أو محاذير ـ على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بما فيها «إسرائيل»، سياسياً، وعسكرياً، ومالياً، ولوجستياً واستخبارياً. وهم الآن ليسوا في وارد العودة الى الحضن السوري، والوقوف بجانب الدولة والقيادة والشعب، وهم في مواجهة قانون قيصر. كما أنهم أيضاً ليسوا بوارد التنصّل من القرارات الأميركية ذات الصلة بسورية، أو عدم الالتزام بها، او تحييد دورهم عنها. فطبيعة العلاقات الأميركية الكردية، وتأثير واشنطن الكبير على الكرد، وتحكّمها بقراراتهم وسياساتهم ومصيرهم، سيجبر الإدارة الذاتية الكردية، كي تكون حصان طروادة لقانون قيصر، الى جانب أحصنة عديدة في المنطقة والعالم. فهي ستشارك من دون حدود، وفق ما يرسمه لها الأميركي، في حصار سورية وشعبها، أياً كانت الأسباب والذرائع الواهية، والنتائج الوخيمة.
7 ـ ما تريده واشنطن من قانون قيصر، شلّ اقتصاد
سورية، وتضييق الخناق على شعبها، ثم تحميل النظام في ما بعد، المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع، ودفع السوريّين إلى التظاهر والعصيان، مدعومين من قوى خارجية معادية، تقوم بترويج لحملة إعلامية واسعة النطاق، ضدّ دور إيران وروسيا، وتشويه دور وتواجد المقاومين من لبنان إلى جانب سورية في مواجهتها للإرهاب، على أنهم السبب الذي دفع بواشنطن الى فرض العقوبات التي يعاني من نتائجها الشعب السوري.
الحقيقة الواضحة هي انّ الولايات المتحدة التي لم تستطع مع حلفائها، وبالذات مع العدو الإسرائيلي، ان تأخذه من سورية بالحرب التي فرضت عليها منذ تسع سنوات، تريد ان تحققه من خلال حرب اقتصادية شرسة ناعمة، متعددة الجبهات والقطاعات، ترمي إلى تركيع النظام، وتجويع الشعب السوري، والاستفراد به، ووضع الدولة السورية أمام خيار واحد من خيارين:
أما القبول برحيل النظام وتسليم السلطة للمعارضة، وأما الخضوع للعقوبات، والحصار والتجويع، وبعد ذلك الاستسلام لمشيئة واشنطن في كلّ صغيرة وكبيرة، من دون قيد او شرط.
8 ـ لا يقتصر قانون قيصر على سورية لوحدها، كما يظنّ البعض في لبنان، انما يستهدف أيضاً كلّ دولة، وكلّ كيان، أو هيئة أو مؤسسة او أفراد في العالم، يريدون التعاون مع دمشق بأيّ شكل من الأشكال. كما يمنع قانون قيصر، ايّ جهة تقوم بنشاطات تجارية، او مالية، أو صناعية، او استثمارية، لا سيما في قطاع النفط والغاز او غيرها من النشاطات، او تقديم المساعدات وإنْ كانت مجانيّة، لتنشيط القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية أو المصرفية، مما حمل بعض المصارف الأجنبية العاملة في سورية، الى وقف نشاطها، وإقفال مكاتب فروعها، قبل بدء سريان مفعول قانون قيصر.
9 ـ انّ قانون قيصر لن يوفر في مفاعيله السلبية لبنان ودول المنطقة، التي تواجه القرارات المذلة، وسياسات الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة، بحق الشعوب الحرة للمنطقة، الرافضة لصفقة القرن، والتطبيع مع العدو. والخضوع للإملاءات الأميركية. اذ قانون قيصر وانْ استهدف بالدرجة الاولى سورية، إلا انّ تطبيقه، سيلحق الأذى بلبنان واللبنانيين، ودول الجوار. لأنه سيغلق الباب أمام اللبنانيين ويمنعهم تحت التهديد بفرض العقوبات عليهم، من أي تعامل تجاري، او صناعي او خدمي او استثماري. وهذا الأمر سيلحق ضرراً كبيراً باللبنانيين، خاصة بعد إطلاق ورشة إعادة بناء سورية ما بعد الحرب، مما سيحول دون تخفيف الأعباء المعيشية والمالية والتجارية عن اللبنانيين داخل بلدهم. حيث سيحرم قانون قيصر، الصادرات اللبنانية، الصناعية منها والزراعية، ومختلف البضائع من دخول الأراضي السورية، ومنها الى دول الخليج، وهذا ما سيلحق ضرراً كبيراً بالمنتجين، والأفراد والتجار، والصناعيين في هذا المجال.
ولا يقتصر مفعول القانون على لبنان وحده، وإنما سيطال أيضا إيران، رغم أنّ هذه الأخيرة تواجه في الأساس، عقوبات أميركية صارمة.
واشنطن تريد من قانون قيصر، أن يطال بشظاياه دولاً تراها الإدارة الأميركية متمرّدة عليها. فهي تريد من سورية فكّ ارتباطها النهائي مع إيران، ومع المقاومة في لبنان، ووقف الدعم لها. كذلك فكّ ارتباطها مع روسيا، وتقليص العلاقة معها، والعمل على وضع حدّ للتمركز العسكري الروسي ـ الإيراني، وإخراج قوى المقاومة وإبعادها عن سورية. إذ ترى واشنطن، انّ تمدّد التمركز الروسي الإيراني في سورية، وكذلك قوى المقاومة، يشكل تهديداً استراتيجياً لمصالح الولايات المتحدة، و»إسرائيل»، وحلفائها في الشرق الأدنى، لا سيما في منطقة الهلال الخصيب.
10 ـ انّ المسؤولية الوطنية والقومية، تحتم على الجميع، العمل على احتواء قانون قيصر بكلّ أبعاده وأهدافه، اذ إنّ سورية، ليست معنيّة به وحدها، وهذا لا يتمّ إلا بتضافر الجهود والتنسيق الكامل، بين سورية ولبنان والعراق وروسيا وإيران والصين وغيرها من دول العالم. إذ لا يمكن لهذا القانون التعسّفي، الأحادي الجانب، الذي سنّته دولة بكلّ عنجهيتها، خارج إطار القانون الدوليّ، والشريعة الدولية، لتفرضه في ما بعد، على دول العالم، وتلزمها التقيّد به، غير عابئة بسيادتها، وكرامتها، واستقلالها وحرية قرارها.
لا بدّ من تحرك دولي لكسر هذا القانون، الذي يجسّد شريعة الغاب بكلّ المقاييس، شريعة تعوّدت عليها الولايات المتحدة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من سلوكها اللاإنساني المقيت، حتى ولو دمّر هذا السلوك وطحن شعوباً بأكملها.
على اللبنانيين أن يدركوا، رغم التهويل بفرض العقوبات عليهم، انه من غير المقبول ان يؤخذ لبنان رهينة بيد قانون قيصر، ومن غير المقبول ان يظلّ أسيراً، ورهينة في يد من يريد السير به الى فلكه، والتحكم بقراره ومصالحه الوطنية، ومنعه من التنفس من خلال رئته الشرقية الوحيدة ـ سورية. يتوجب على لبنان، وعلى مسؤوليه، تفادي الانزلاق والوقوع في الفخ الأميركي المرسوم. لأنه سيكون وبالاً على لبنان وشعبه، عاجلاً أم آجلا. إذ لن يفيده ولا يجديه نفعاً في نهاية المطاف العسل الأميركي المشبع بالسمّ القاتل.
واشنطن تريد إسقاط سورية، لأنه بإسقاطها، ستتهاوى دول المنطقة المعارضة للسياسة الأميركية، كأحجار الدومينو. وهنا تكمن مسؤولية الجميع، للحفاظ على سورية، ودورها، ومكانتها، ومقاومتها، والوقوف الى جانبها مهما كلف الأمر، ولحين إسقاط قانون القرصان

د.عدنان منصور
وزير الخارجية الأسبق

الأساس الذي نشأت عليه الموسيقى البيزنطية 

$
0
0

الأساس الذي نشأت عليه الموسيقى البيزنطية 

الموسيقى قديمة جداً في الحضارة البشرية، وقد وجد ناي مصنوع من العظم يعود إلى ما قبل نحو 32000 سنة، أي في وقت ظهور أقدم عمل فني (تمثال) معروف، و منذ بداية ظهور ما يسمى بالإنسان العاقل المبكر. إنما لظهور نظام موسيقي متطور وبحث موسيقي وتدوين موسيقي كان لا بد من انتظار اختراع الكتابة.
و نعلم عن طريق حضارة شرق المتوسط التي أعطتنا أقدم تدوين موسيقي وأقدم قطعة موسيقية معروفة في العالم في “أوغاريت” قرب اللاذقية انتقل علم الموسيقا إلى الإغريق عبر العالم الشهير “فيثاغورَس” ومن حضارة الإغريق انتقل إلى أوربة . كما أن ثاني أقدم قطعة موسيقية تعود إلى شاعر إغريقي قديم يدعى يوربيدس، حين تم تلحين قصيدته “أوريستس”.
و قد تعلم اليهود العبرانيين أيضاً هذا النظام الموسيقي و أنشدوا به المزامير.

الموسيقا الكنسية منذ بدايات المسيحية حتى القرن الرابع

في بدايات المسيحية استعمل المسيحيون نفس الموسيقا الموجودة عند اليهود، إذ كان المسيحيون يرتلون في طقوسهم المزامير بنفس الألحان القديمة المستعملة عند اليهود بأسلوب يدعى “التنغيم البسيط”. كما أخذ الروم بدورهم بتأليف تراتيل جديدة سميت “المزامير الخاصة” وصلنا منها ترتيلة “يا نوراً بهياً” التي تقال في صلاة الغروب حتى اليوم و الذي تعد أقدم ترتيلة مسيحية وصلت إلينا، و كذلك المجدلة “المجد لك يا مظهر النور”.
كان المرنمون ينشدون المزامير و يرد عليهم الشعب بلازمة مثل “فإن إلى الأبد رحمته. هلوليا” أو ” المجد لك يا إلهنا المجد لك” …الخ أما في جماعات الرهبان الناشئة (الثيرابيين) فكان كل يرتل بدوره و يرد عليه الجميع.
التدوين الموسيقي كان بنفس أسلوب اليهود باستعمال الحروف الأبجدية، كذلك استخدم المسيحيون الاساليب اليونانية “الرومية” في التدوين التي تعتمد أيضاً على الحروف الأبجدية.

الموسيقى الكنسية من القرن الرابع عشر و حتى سقوط القسطنطينية 

في النصف الأول من القرن الرابع عشر ظهر التأثير الكبير لناظم التراتيل و الملحن يوحنا غليكيس و تلاميذه ( في القسطنطينية عاصمة الروم) الذين شكل عملهم النبع والأساس للنغم البيزنطي، واستمر تأثيرهم في القرون اللاحقة و حتى أيامنا الحالية.
عمل يوحنا غليكيس و تلاميذه في التأليف والتدوين الموسيقي و قاموا بحفظ التقليد الشفهي السماعي عن طريق التدوين كما كونوا العديد من الجمل الموسيقية المركبة الفخمة والتي نجدها في قطع متعددة.
من أبرز تلاميذ يوحنا غليكيس القديس يوحنا كوكوزيليس الأكثر شهرة بين المرتلين الكنسيين عبر التاريخ.
تعلم يوحنا باباذوبولس الملقب كوكوزيليس في مدرسة القصر الملكي في القسطنطينية ثم عين معلماً و مدير المنشدين في القصر لسعة معارفه ومقدرته ومرنماً أول في كنيسة البلاط. بسبب ميله للحياة النسكية هرب و التجأ إلى أحد الأديرة في جبل آثوس في اليونان على أنه متسول فقير فوكلوا إليه رعاية قطيع المعز.
سمع أحد النساك يوماً “راعي المعز” و هو ينشد فانذهل من جمال ترتيله فشُهر أمره واستبدل رئيس الدير وظيفته، فعاد يوحنا منذ ذلك الحين إلى عمله الموسيقي و تلحين التراتيل.
قام يوحنا بإلباس التراتيل القديمة ألحان جديدة مزركشة، كما أسس لمدرسة في الإبداع الصوتي في اللحن الكنسي، وأسس لطريقة جديدة في توزيع الكلمات في الألحان المطولة تقوم على تقسيم الكلمة،  تكرار أجزاء منها ضمن سياق اللحن، وهو المؤسس الرئيسي للجمل الموسيقية الكلاسيكية التي تتكرر في الكثير من الألحان الكنسية. لقب يوحنا كوكوزيليس بـ “أستاذ الأساتذة” و “الموسيقار” و غيرها من الألقاب وطوّب قديساً في الكنيسة.
بالإضافة إلى تلحينه العديد من التراتيل طور العلامات الموسيقية، وزاد عليها الكثير وهو الذي أدخل العلامات الموسيقية المقسمة للوقت فأصبح من الممكن تدوين تقسيمات الزمن الصغيرة ( نصف و ثلث و ربع الوحدة الزمنية ) بعد أن كان التقسيم الزمني يعتمد على الحفظ السماعي.
انتشر أسلوب التدوين الحديث شيئاً فشيئاً حتى عمّ بلاد المشرق في القرن الخامس عشر، و كان عمله ضماناً لاستمرارية التقليد الموسيقي القديم بعد سقوط القسطنطينية.
من الملحنين المشهورين قبل سقوط القسطنطينية أيضاً مانويل خريسافي (منتصف القرن الخامس عشر) و غريغوريوس نبوتي، وقد قاما بتدوين أعمال الملحنين السابقين غير المدونة. و تعود أهمية مانويل خريسافي إلى أنه حسّن وأبدع في تلحين العديد من القطع القديمة وأضاف ألحان كثيرة جديدة و متميزة.

الموسيقا الكنسية بعد سقوط القسطنطينية 

بعد سقوط القسطنطينية بحوالي قرن أي في القرن السادس عشر والسابع عشر بدأت الموسيقا الكنسية في العودة إلى التقليد القديم (قبل السقوط) في ما عرف بمرحلة المتابعين والمحدّثين للتقليد وذلك نتيجة لنسخ عدد كبير من المخطوطات القديمة، وظهرت أسماء كبيرة كثيرة في القرن السابع عشر في مجال التلحين الكنسي اعتبروا بموازاة ملحني القرن الرابع عشر أهميةً.
تسمى الفترة 1170 حتى 1670 تقريباً مرحلة إكمال وخلق العلامات في التدوين البيزنطي، وتسمى الفترة اللاحقة 1670 حتى 1814 المرحلة العبورية التفسيرية للتدوين البيزنطي حيث نشأت بعد ذلك مرحلة المنهج التفصيلي الحديث المستمر حتى اليوم.
في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من أهم الأسماء بطرس البيريكيتي وبنايوتيس خلاجغلو، ويعد الأخير أول من لحن على مقام الكرد الذي أخذه عن الموسيقا العربية.
نذكر كذلك بطرس الموري وهو ملحن تركي و مطرب السلاطين العثمانيين، وقد بسط التدوين الموسيقي وقام بإدخال سلم “عجم” على الموسيقا الكنسية.
يقول الأستاذ غريغوريوس ستاثي قائد جوقة معلمي الترتيل في أثينا ومؤسس فرع علم الموسيقا البيزنطبية في جامعة أثينا “الموسيقا اليونانية، و كل موسيقات الشعب السلافي الأرثوذكسي حتى حدود 1820 لم تتعرف و لم تتأثر بأي نمط خارج عن الثقافة اليونانية باستثناء الموسيقا العربية والفارسية مخصصة إياها في الألحان الخارجية” ويقصد بالألحان الخارجية الألحان التي لا تدخل ضمن تصنيف الألحان الثمانية التقليدية. لكن الوضع قد اختلف الآن حيث أصبحت نغمات الحجاز والهزام و العجم جزءاً لا يتجزأ من بنيان الألحان البيزنطية.
لا يمكن كذلك أن نتجاهل عدد من الملحنين الهامين جداً في تلك الفترة مثل يوحنا لامباذاري و تلاميذه دانيال المرتل الأول وبطرس لامباذاريوس و يعقوب المرتل الأول و بطرس البيزنطي الذي قام بوضح ألحان جديدة لكتاب القياميات وهو كتاب يشمل تراتيل صلوات السبت مساءً و الأحد صباحاً بالألحان الثمانية.

من القرن التاسع عشر حتى اليوم 

ظهرت في القرن التاسع عشر حاجة ملحة لإعادة ترتيب تصنيف الألحان البيزنطية بعد إدخال الكثير من التطورات والعناصر الجديدة إليها القادمة من الموسيقا العربية وإعدادها في قالب واضح يخدم عملية التصنيف الأكاديمي والتعليم وهذا ما دعي بالإصلاح، و كان من أبرز رواد الإصلاح المطران خريسنثوس المديتي ( أواخر القرن الثامن عشر – 1843) و غريغوريوس المرنم الأول (1777 – 1822) وخورموزيوس أمين مخطوطات بطريركية القسطنطينية (أواخر القرن 18 – 1840) الذين وضعوا أسس الموسيقا البيزنطية و أصبحت على الشكل الذي نراها فيه اليوم.
المطران خريسنثوس المديتي يعد المؤسس للمنهج التفصيلي الحديث في التدوين الموسيقي البيزنطي والذي يعمل به في أيامنا الحالية، و أدخل بشكل رسمي نغمات الحجاز في الألحان البيزنطية، وكذلك سلالم النيشامبور والحصار والمستعار والعجم، حيث كانت تستعمل قبل ذلك في الألحان البيزنطية دون أن يكون لها تصنيف ضمن الألحان.
كذلك قام غريغوريوس المرنم الأول بوضع العديد من الإشارات من أجل التحويل بين السلالم الموسيقية، وقام بتلحين أنغام عديدة يرتل يها اليوم وساهم في نشر طريقة التدوين الحديثة.
أما خرموزيوس أمين مخطوطات بطريركية القسطنطينية فقد قام بوضع كتب هامة في الموسيقا النظرية و العملية ودراسات موسعة للإشارات الموسيقية القديمة و الحديثة.
تدعى طريقة التدوين الحديثة أحياناً بطريقة المعلمين الثلاثة، ويقصد بهم المطران خريسنثوس وغريغوريوس وخورموزيوس المذكورين أعلاه.

– “هذه الموسيقى المنتشرة في شرق البحر المتوسط ومع قيام الروم بإنشاء دولتهم ” الرومية ” واندماج شعوب شرق البحر المتوسط وحاليا هي ” اليونان وقبرص وفينيقيا وسورية وفلسطين العبرية والكنعانية اعطت موسيقى تسمى ب “بالموسيقى الرومية ” منبعثة من عظمة وأمجاد الإمبراطورية ومن روحانية الكنيسة وإيمانها المستقيم الرأي .
مع بدايات المسيحية لم تنقرض او تتبخر عادات هذه الشعوب وموسيقاهم وتقاليدهم، بل نتج عن هذا المزيج حالات متطورة ومن ثمَ نُظمت في نطاق الكنيسة والامبراطورية الرومية” .

ومن اهم كتَّاب الموسيقا في التاريخ الرومي
القديس “الحمصي” “رومانوس المرنم”، في القرن السادس المسيحي الذي كتب “الحياة في قبر، i zoi en tafo” او بما يعرف “يايسوع الحياة” .

والقديس “يوحنا الدمشقي” المولد في دمشق عام 660م والذي كتب ترتيلة “المسيح قام من بين الأموات” عام 735 م ، وهو الذي وضع قانون القيامة والكثير من الاناشيد الكنسية، وهو الذي وضع نظام “الالحان الثمانية” البيزنطية ( الاوكتوايخوس ) المتبع في كنيسة الروم الى اليوم.

(نسور الروم)

يقول الاستاذ جوزيف يزبك القائد المبدع لجوقة ابرشية جبل لبنان الارثوذكسية والموسيقار والمدون الموسيقي البيزنطي، وهو احد اعلام هذا الفن في انطاكية العظمى خاصة والعالم الارثوذكسي عامة في تعليقه على هذه التدوينة  المنشورة في صفحة نسور الروم  التعليق التالي:

 “في موضوع تاريخ الموسيقى الرومية ثلاث روايات متقاربة بشكل عام ولكن تختلف في كثير من تفاصيلها الأساسية:
١. الرواية اليونانية التي تجعل اليونان مصدر ومحور والف وياء الموسيقى الرومية.
٢. رواية الغربيين الذين درسوا الموسيقى الرومية وانتهوا الى نتيجة أن الموسيقى التي نرتلها اليوم لا علاقة لها بالموسيقى البيزنطية. وهذا موضوع تمكن اليونانيون من نقضه.
٣. الرواية الانطاكية التي تستعيد العناصر الانطاكية من تاريخ موسيقانا والتي كان لها تأثير كبير وأهملها اليونانيون.
الرواية في هذا البوست هي الرواية اليونانية”.

المراجع

بالعربية
* “مبادئ الموسيقا الكنسية البيزنطية” اللارشمندريت أنطون هبي طبعة 1964
* متري المر”حفلة تكريمية أقيمت بتاريخ 11 حزيران 1993″ منشورات مطرانية الروم الأرثوذكس باللاذقية
* “فلسفة الموسيقا الشرقية” لميخائيل الله ويردي، الطبعة الثانية
* “تاريخ الموسيقا العربية”  هنري جورج فارمر، ترجمة جرجيس فتح الله المحامي، إصدار دار مكتبة الحياة بيروت
* “حوار مشرقي” لغريغوريوس ستاثيس، ترجمة الشماس رومانوس داوود، إصدار مؤسسة “التعاضد” التابعة لكنيسة اليونان
باليونانية الرومية
* “النظري والعملي في فن التدوين البيزنطي”  مجموعة من المحاضرات ألقيت في (المؤتمر اليوناني العام الأول للموسيقا البيزنطية) إصدار المجمع المقدس لكنيسة اليونان و مؤسسة علوم الموسيقا البيزنطية أثينا 2001
* “الأناغراماتيزمي والماثيماتا في اللحن البيزنطي” لغريغوريوس ستاثيس، الإصدار الرابع 1998 إصدار مؤسسة علوم الموسيقا البيزنطية أثينا

دمشق واضاءة بسيطة على الحرفة والصناعة في تاريخها

$
0
0

دمشق والصناعة في تاريخها

تمهيد

عرفت الصناعة في العالم القديم فان توبال بن قايين كان اول ضارب بالمطرقة.

وكانت عند قدماء اليونان موهبة من اثينا الهة الحكمة وقد وصف هو ميروس ابو الشعراء اليوناني الضرير كثيراً من الصناعات والصنَّاع فوصف هيلانة تطرز بابرتها (راجع الالياذة العربية صفحة 324):

وجدَتها بالصرح تنسج ثوباً            بحواشي البرفير والارجوانِ

وبرأس  الخياط  ترسم  فيهِ            واقعاتٍ   أبلت  بها   الفئتانِ

ووصف المناضد المتحركة في صفحة 911 والحدَّاد هيفست اله النار في صفحة 911 أيضاً والحدادة 916 ومعادن قبرص الحديدية 625 وكوب نسطور والخراطة والصبغ للعاج والبرفير والصياغة وصياغة الفضة في صيدا. والصيقلة والغزل والنجارة وعمل المركبات والنسج الفينيقي وبناء السفن في كثير من الصفحات ومن ابدع وصفه ما ذكر فيه ترس أَخيل صفحة 925 وصفاً مطولاً منه:

أودعهُ  نقشاً    به    تحارُ             لحسنه   الأنظار   والأفكار

فالأرض  والسماء  والبحارُ            منهن   لاحت  فوقه  الآثارُ

                     وساطعُ الشمس  وثمَّ  البدرُ

وقد حذا حذوه المعتمد بن عباد ملك اشبيلية (الاندلس)  يصف مجنَّاً فيه كواكب فضةٍ وقد أمره ابن المعتضد بذلك فقال:

       مجنٌ حكى صانعوه السما         لتقصر عنه طوال الرماحْ

      وقد صوروا فيه شبه الثريا        كواكب تقضى لهُ  بالنجاح

اشتهر الآشوريون والبابليون والكلدان والمصريون…اشتهار الفينيقيين بالصنائع مما لا محل للافاضة فيه الآن.

دمشق وتوائم تاريخها وتاريخ الحرف الفنية ودور المسيحية

ولكن دمشق اشتهرت منذ بدء تاريخها بالصناعة والحرف، وتبلورت فنيات الحرفة والصناعة في دمشق المسيحية فيها … بصنائعها المتقنة وتميز الفنان الدمشقي المسيحي بفنه ورقيه لأن المسيحية قدست العمل اليدوي اكثر من التجارة لذا ازدهرت الحرف بيد المعلمين المسيحيين.

ولانخفي سراً ان قلنا انه وحتى اندحار الفرنجة من بلادنا في الفرن 13 كانت نسبة المسيحيين في سائر بلاد الشام عموماً وفي دمشق خصوصاً هو 60% من مجموع السكان، وقد انخفضت نسبتهم الى النصف بسبب ردات الفعل الدموية من مواطنيهم بكل اسف اذ اعتبروهم جهلاً وعند الحكام كان مقصوداً انهم  مسيحيين كالفرنجة وقد حفزوهم على تلك الاضطهادات الدموية والتطهير العرقي كما فعل الظاهر بيبرس بأنطاكية واهلها وكانوا كلهم مسيحيين بابادة مائة الف ونقل من بقي منهم الى مصر واحلال مسلمين في انطاكية الامر الذي دفع الكرسي الانطاكي الى الانتقال من انطاكية المدمرة 1268 الى دمشق  عام 1342.  والبعض من المنصفين من المؤرخين النزيهين يقر بأن المسيحيين في بلاد الشام قاسوا الظلم والقتل والاستعباد ومحاولة فرض العقيدة الغربية بالقهر والقتل على المسيحيين الشرقيين من قبل الفرنجة، ويقرون بردات الفعل الدموي عليهم من مواطنيهم المسلمين ومن الحكام، وبمزيد من الاسف فان الكثير من مزوري التاريخ عندنا ومن دعاة الحاضر المتعصبين يعتبرون مسيحيي المشرق ويصرخون بأنهم صليبيين او من بقاياهم…

مخطط دمشق قبل 500 سنة
مخطط دمشق قبل 500 سنة

هنا لامندوحة من التذكير بأن مسيحيي المشرق هم اساس السكان وخاصة في سورية ومنذ قبل اعتناقهم المسيحية والمسيحية نمت في بلادنا والمسيح له المجد فلسطيني بالجسد… ومن سورية انطلقت وبالضبط من دمشق مع بولس الرسول.

مما لاشك فيه ان هذه  الاحداث الدموية  افنت الكثير من ارباب الحرف، ولكن التصميم والدأب دفع باعادة عجلة الصناعة برمتها الى التطور والرقي.

وبقيت هذه الصناعات الفنية والمسيحية برمتها راقية الى غزوة تيمورلنك لدمشق عام 1401م فانحطت وتلاشت. وقام تيمورلنك بعد ابادته العدد الكبير من رجال دمشق وشبابها من حاميتها ومن شعبها الذين قاوموا  حصاره مدينتهم وأشعروه بالاهانة وهو القائد الحربي الدموي غير الرحيم الى ان استطاع اقتحامها ونكل بالمدافعين عنها وقطع رؤوسهم، واقام كعادته برجا من رؤوس الشهداء الدمشقيين في محلة برج الروس حاليا وكانت بيدراً، كما دمر دير الصليب المقدس الرهباني (بستان الصليب وهي كنيسة الصليب المقدس اليوم ومدرسة القديس يوحنا الدمشقي ودار جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين) وحرث أرضه وقطع رؤوس رهبانه وأضافها الى بقية رؤوس الشهداء في برج الرؤوس، واسترق كل حرفييها وفنانيها  الى بلاده وهناك اقاموا صروح الحضارة الدمشقية وكان منها قصر تاج محل الذي بناه وجعله آية فنية اكراماً لزوجته.

 من ضمن العائلات المسيحية الفنية التي ساقها الى بلاده، كانت اسرة بولاد المعروفة التي تميزت بسر  صناعة وسقاية الفولاذ الدمشقي وجعله بشهرته المعروفة في صنع السيوف، وتنسب حارة بولاد في باب توما القديمة الى هذه الاسرة، كما ساق  سبياً فنانون من آل هواويني (المعروفة في دمشق القديمة والصناعة القديمة، والمهجر حالياً) الى بلاده، وهم في الاساس من سباكي وصناع المدافع الثقيلة، وامتهن من بقي منهم في دمشق مهنة صناعة الهواوين النحاسية الشهيرة، فاشتهروا بها وينتسب الى هذه الاسرة مطران اميركا القديس روفائيل هواويني الدمشقي عام 1915  وكان الفرنجة قد نقلوا بعضها الى بلادهم فلم يتفوقوا  فيها تفوق الدمشقيين ولاسيما صناعة السيوف الدمشقية التي طارت شهرتها بفضل الفولاذ الدمشقي، اضافة الى صناعة الهاون النحاسي وبقية الصناعات النحاسية، وصناعة الفسيفساء والبناء… وصناعة الزجاج التي نقلوها من صور، وصياغة المعادن الثمينة وتركيب الاحجار الكريمة، والقيشاني والخزف والفسيفساء والطلاء والنقش. وكلها طمست آثارها الى عهدنا الحالي منذ ما بعد دخول المكننة.

الفنون والحرف الدمشقية كما اسلفنا في معرض كافة منشوراتنا عنها، هي كانت وحتى منتصف القرن 20 تقريبا كانت حصراً بالمسيحيين الدمشقيين، وبعضاً من هذه الصناعات كانت مختصة حصراً باليهود، ومنها ماكان يعمل بها فتيات اليهود كحفر النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة.

وكان حي آيا ماريا (القيمرية) المنسوب الى المريمية وخاصة هذه المنطقة المحيطة بالمريمية يتسمى حتى مابعد الاحتلال العثماني بتسميته الأصل (آيا ماريا).

وكان وبالاضافة الى انه حي سكني مسيحي كامل  وبامتياز يصل الى مشارف النوفرة ودرج الاموي، كان يزخر بخانات المهن والحرف العائدة لسكان آيا ماريا، ومن أهم الحرف التي كانت تزخر به وعلى وعينا وفتوتناكانت مهنة صناعة الحرير من تسدية ونسج وصباغ، وكان قد اشتهربتسدية الحرير والد القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي الذي استشهد ذبحاً في مذبحة 1860 ونقيم تذكاره في 10 تموز من كل عام، وعائلة شاتيلا الدمشقية  الوجيهة، ومنها مطران بيروت الارثوذكسي غفرئيل شاتيلا بها، وعائلةطرزي التي ظهر منها مطران ارضروم قسطندي طرزي، وآل ابو شعر التي نبغ منها المطران اثناسيوس ابو شعر الوكيل البطريركي زمن البطريرك غريغوريوس حداد، وآل ابو عضل ومنهم اول مطران على ابرشية جبل لبنان بولس ابو عضل 1902، وعائلة الشاعر الشامي جورج صيدح عاشق الشام… وقلما نجد عائلة من العائلات الشامية المسيحية التقليدية خلال القرون المنصرمة حتى منتصف القرن 20 لم تعمل بمهنة سدي الحرير كما تبين لنا من بعض اعلامها الحضاريين، اما مهنة الصباغة فكانت في اغلبها بيد اليهود الدمشقيين…

ومن الصناعات الدمشقية الشهيرة التي تميز بها  المسيحيون ولايزالون صياغة الذهب والمعادن الثمينة ذات الشهرة العريقة ولاتزال بمافيها من ثقة وموثوقية… ومايرتبط بها من تركيب الاحجار الكريمة ومعظم العائلات المسيحية الدمشقية ومن كل الطوائف نبغ منها معلمون فنانون كان منهم توفيق النحات والعربيلي ووديع شاغوري وعمي المعلم جوزيف زيتون والرومية و… ومئات من معلمي الكار…

وكان سوق الصاغة القديم يجاور الجامع الاموي بحي له بابين هناك تتم فيه صناعة المصوغات وبيعها… وهذا السوق تعرض لكارثة حرق اواخر العقد السادس من القرن 20 كانت وفق استطلاع الرأي مفتعلة لاخراج الصاغة من هذا السوق، وقد انتقل الصياغ الى السوق الجديد في محلة الحريقة.

وفي مطلع القرن 20 كان اهم معمل صناعي فيها للخواجات جرجس وجبران نعسان وشركائهم في منطقة الباب الشرقي واليوم بيتهم قصر النعسان في الموقع ذاته، وهو عبارة عن قصر مفتوح للسياح ويحتوي على روائع المصنوعات من النحاسيات والخشبيات والفسيفساء الخشبية والصدف وكان قد تأسس المعمل نحو سنة 1880 وكان يعمل بهذا المصنع في هذه الحرف الفنية حوالي 500 عامل وكان يشتغل بالنحاس والخشب والفسيفساء الخشبية والصدف، وادق مافيه وقتئذ ترصيع المعادن بالذهب والفضة وعمل الميناء  وكان وفق شهادات الزائرين والمهتمين المعاصرين واولهم العلامة عيسى اسكندر المعلوف الذي يشهد بأن هذا المعمل التراثي الدمشقي ينفق كل سنة سبعة قناطير من القصدير المتخذ للترصيع بالصدف والتئام (لحام) النحاس وهذا الصنف يتم استيراده من انكلترا. ومائة وخمسين قنطاراً من النحاس ويتم استيرادهامن فرنسا وبلجيكا، وقيمة ماينفق من الخشب على اختلاف انواعه (وقتئذ)3500 ليرة ذهبية، ومن الصدف 20 قنطاراً تجلب من دير الزور وشواطىء شرق المتوسط، والفسيفساء الخشبية اكثر من مائتي الف غرش. والفضة نحو قنطار وربع تستعمل للترصيع على النحاس. اما الذهب فكمية قليلة يرصع بها النحاس. وانواع الخشب الجوز والليمون والمشمش والتوت والورد والزيتون، وهذه تجلب من الرقعة التي كانت تشكل الدولة العثمانية ولكن معظمها من دمشق ومن غوطتها المحيطة بها احاطة السوار بالمعصم.

اما الابنوس والماهو كوني والتوها فمن الخارج. والعظم يجلب من هذه الرقعة الخاضعة للسيطرة العثمانية، ويتخذ للفسيفساء والترصيع.

من الصناعات الشامية البديعة بكينونتها المسيحية الدمشقية هي صناعة الميناء وهي خرز يسحق كالدقيق، ويوضع فوق النحاس الأحمر ويذوب بطريقة دقيقة فيمثل القاشاني على الخزف رونقاً ورواءً، ويستخدم في السنة نحو ستة قناطير من الخرز الذي يجلب من خارج سورية.

وكان انتاج معمل النعسان (أعلاه)  من الادوات هي مواعين واوانٍ ورياش ومناضد ونحوها من ادوات الزينة الفاخرة التي كانت تزدان بها بيوت الدمشقيين وتصدر الى اوربة، وهي مرغوبة بشكل عظيم هناك، لأنها على الطراز الشرقي القديم المعروف في العاديات العربية والاواني الشرقية بديع الهندسة والتقطيع والتلوين والترصيع، انتاج دقيق الصناعة متين الوضع بما يأخذ بمجامع الابصار دقة واتقاناً، ويبرهن عن الذوق الشرقي اللطيف ومع ذلك تجد اقبال الوطنيين على هذه المصنوعات قليلاً ومن طبقة الاثرياء، اما اقبال السياح الاجانب على اقتنائها فهو المعول عليه في العمل حتى ان المعلوف يشهد نتيجة مشاهداته في معمل النعسان عام 1910 هي الثريات والمصابيح الكهربائية المتميزة الصنعة…

المعلم الفنان جورج زيتون وحفر الخشب

اما النجارة فتميز بها المسيحيون الدمشقيون ومرد ذلك ان النجارة مهنة قدسها  السيد المسيح له المجد بعمله فيها طفلاً وفتى في ورشة مربيه يوسف النجار خطيب السيدة العذراء مريم ام يسوع، كما يشهد الكتاب المقدس. لذا اشتهر المسيحيون بمهنة النجارة والصناعات المرتبطة بها كحفر الخشب وكانت منهم عائلات تتوارث هذه المهنة البديعة ومنهم عائلتنا آل زيتون وشهرتها بحفر المفروشات بتسمياته من فاطمي وايوبي ومملوكي ودق رمل كالمفروشات التي كانت تفرش بها الدوائرالحكومية في العهدين التركي والفرنسي وفي الاستقلال، اضافة الى قاعة ومفروشات البرلمان السوري ومفروشات رئاسة الوزراء السورية وهذه من حفر المرحومين جدي وعمي نفولا ووالدي جورج زيتون، والمفروشات الافرنجية تسمياتها والمنسوبة فنونها الى عهود ملوك فرنسا لويس السادس عشر والسابع عشر…، اضافة الى المفروشات والابقونسطاسات والمنابر الكنسية، ثم منابر المساجد التراثية والكنس اليهودية وكان والدي جورج رحمه الله (توفي عام 1995) قد ملأ تلك الاوابد الدينية من كنائس وكنس ومساجد من اعمال يديه، ونال تكريما عاليا من وزارتي السياحة والثقافة السوريتين  وشكر من البطريركيات المسيحية ووزارة الاوقاف على ابداعه…

ومن العائلات التي اشتهرت بحرفتي النجارة وحفر الخشب كانت اسرة سيوفي التي انتقلت الى بيروت بتأثير مذبحة 1860 واشتهرت بحفر ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت والكثير من ايقونسطاسات الكنائس والاديرة الارثوذكسية في لبنان…

ومن الحفارين المعاصرين لوالدي كان المعلمون روِّح وهنا وبخصار… 

 اما نقش الخشب فقد اختص به اليهود وكما اسلفنا كان عمل بنات اليهود…يرتبط بالنجارة البرداخ ومن ثم البخ، اضافة الى تخريق الخشب ولايزال بعض معلميها المسيحيين يعملون بها وهم من المعلمين المبدعين كبار السن، والصدف وكان ينتشر الصدافون في حي آيا ماريا (القيمرية) على وعي من المعلمين المسيحيين المشهورين وفن الموزاييك الذي ابتدعه السيد جرجي بيطار ( انظره هنا في موقعنا)

اما عمل النحاس فيقسمه ارباب هذا الفن الدمشقي الى ثلاثة اقسام دق وحفر وترصيع (تنزيل) واهمها الحفر. فدق النحاس او تطريقه صناعة قديمة استخدم الانسان بها النحاس وصنع اواني ومواعين وادوات تزيين كالمصابيح وماشاكل ثم عرف الحفر والترصيع. وكان سوق النحاسين في دمشق خارج المدينة القديمة مشهورا تتم فيه اقسام النحاس الثلاثة وقد اشتهرت عائلات مسيحية في هذا الفن لم يبق منها احد سوى الكنيات تشهد كما بقية الحرفيين وعائلاتهم…

 وكان بعض الصناعات النحاسية  تتم في خان النحاس وهو وقف لبطريركية الروم الارثوذكس يقع في مئذنة الشحم في منطقة البزورية وكانت تمارس فيه الصناعات النحاسية الدقيقة وخاصة الحفر والترصيع، واصل الترصيع من بلاد الموصل ومنها انتقل الى سورية لاشتهارها بالنحاس ولاتزال آثارها في متاحف اوربة ذات شأن ولاسيما الصُفو (النحاس الأصفر) والشبهان (النحاس الأسمر او البرونز) وقد عرفت هذه الصناعة بالظاهرية نسبة الى الملك الظاهر الذي وضع شعاره عليها حين تمدده من مصر الى سورية، وبعد وفاته  اخذت في الانحطاط الى ان تلاشت ولم يبق من آثارها الا مصنوعتها الفاخرة التي تزدان بها المتاحف والكنائس والكنس اليهودية والمساجد الاسلامية وبيوت الخاصة.

وفي سنة 1856 ادخل حفر النحاس المعلم الياس الحمصي  ودق النحاس المعلم رشيد الاراكيلي الى دمشق فاشتغلا في هذين الفنين بحسب حذاقتهما وفطرتهما. ولكن قدم الى  دمشق في تلك الاثناء ميشيل دوناطو وشقيقه اسكندر، فساعدا المعلم الياس الحمصي بكتابٍ كان معهما فيه رسوم عربية قديمة لكثير من الاواني والمواعين فاستعان برسومه وارتقت صناعة الحفر وقلدت الرسوم المتقنة بنظام وترتيب مع رواء وبهاء.

لكن اول من بدأ بصناعة حفر النحاس في دمشق المعلم اليهودي الدمشقي يحي الزغلول واسس معمله سنة 1867 واستمر هذا المعمل حتى زمن الاستقلال في سورية، وكان معمله في الشارع المستقيم بدمشق القديمة، وكان الزغلول يستجر كل سنة عشرين قنطاراً من النحاس لتصنيع مصنوعاته التي كان يصدرها الى مصر والجزائر والقسطنطينية والمغرب وفرنسة والمانية وانكلترا.

ومن المصانع الشهيرة لحفر النحاس التي كثرت وكان اولها هو معمل الخواجات ديمتري طرزي واولاده في محلة آيا ماريا ( القيمرية) ومن عائلته مطران ارضروم قسطندي طرزي، وله مستودعات مشهورة في دمشق وبيروت والقدس، ومعمل هبرة اخوان والمشهور في مدخل القيمرية بورشة الهبرة والخواجات اصفر والخواجات كاتب واخوانه وبعضها يشتغل بالادوات الخشبية ايضاً كورشة الهبرةعلى وعينا وحتى الآن…

اما صناعة الميناء ففارسية اصلها مينه ( جوهر الزجاج) هي طلاءٌ زجاجي ممزوج بحوامض ( اكاسيد) معدنية يقال انها من صنائع الحثيين، ثم اخذها عنهم المصريون والفينيقيون والآشوريون وامم الشرق الأقصى من هنود وصينيين واشتهر بها الفرس ومنهم انتقلت الى الروم البيزنطيين والى دمشق تحديداً… فكانت دمشق مشهورة بمصنوعاتها هذه ومنها اخذ الفرنجة هذا الفن في غزوات الفرنجة الى اوربة، كما تميز الشركس بالميناء.

المعلم عبده جرجي النحات

من المعامل التي تميزت بصناعة النجارة الراقية في اواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين معمل الخواجه عبده جرجي النحات وقد تفوق فيه بصناعة النجارة التي مارسها منذ نعومة أظفاره وسنفرد له في موقعنا بحث مستقل في باب (اعلام ارثوذكسيون) وله (طاولة وسط) خشبية بديعة مطعمة بالصدف والموزاييك  اهداها الى البطريركية الارثوذكسية بدمشق، ونسخة مماثلة اهداها الى السلطان العثماني مطلع القرن 20 وتميز عمله بالمعرفة الهندسية التي وضع اسسها رغم انه ترك الدراسة بعمر 14 سنة وانصرف الى العمل وتميز بصناعة الاعواد الموسيقية، ومن اقتنى عوداً من انتاج المعلم نحات يفوق نظرائه من معلمي تونس والقسطنطينة ومصر…على وعينا وماكنا نسمع من كبار السن وشاهدنا بعضاً من الاعواد المصدفة الرائعة…

معمل الخواجه جرجي بيطار مبتكر فن الموزاييك ( انظره في باب اعلام سوريون في موقعنا)

الحديث يطول…

 

 

الاستاذ الدكتور الوزير مرشد الخاطر -1888-1961م

$
0
0

الاستاذ الدكتور الوزير مرشد الخاطر -1888-1961م

طبيب جراح، موسوعي، له فضل في ترسيخ دعائم تدريس الطب باللغة العربية، ولد في بتاتر، قرية من قرى قضاء الشوف في لبنان. وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة الحكمة المارونية في بيروت ونال شهادتها عام 1906. ثم التحق بكلية الطب الفرنسية ببيروت وبعد انتهاء دراسته فيها اجتاز امتحان الدكتوراه أمام لجنة فرنسية تركية منحته شهادة طبية من الجمهورية الفرنسية في 7 كانون الثاني عام 1911.
بعد إعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914، استدعي للخدمة العسكرية في الجيش التركي عام 1915 وفي أثناء خدمته في محطة غدير الحج (جنوب معان) أسره الجيش العربي، وعهد إليه برئاسة القسم الجراحي في مستشفى أبى الأسل ورقاه إلى رتبة أعلى. وبعد دخول الجيش العربي لدمشق كلف برئاسة القسم الجراحي بالمستشفى العسكري إلى أن انتخب في 8 تشرين الثاني عام 1919 أستاذاً للأمراض الجراحية وسريرياتها في المعهد الطبي العربي الذي أنشئ بديلاً من المدرسة الطبية التركية. وافتتح في 23 كانون الثاني عام 1919 كما انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي في العام نفسه. ويعود الفضل له في إنشاء مجلة المعهد الطبي العربي التي ظل رئيساً لتحريرها منذ ظهورها عام 1924 إلى أن توقفت عام 1944.
اقنع المندوب السامي الفرنسي ببيروت مع ثلة من رفاقه بانشاء كلية الطب بدمشق التي تدرس بالعربية ولا تزال قائمة للان
بقي مرشد خاطر يدرِّس الجراحة في كلية الطب حتى عام 1947 حين أحيل على التقاعد، ولكن الجامعة سألته الاستمرار في التدريس حتى نهاية عام 1958. وإضافة إلى عمله بكلية الطب عين رئيساً للقسم الجراحي في مستشفى يوسف العظمة العسكري من عام 1948 حتى 1952، إذ تولى وزارة الصحة في سورية من التاسع من حزيران عام 1952 حتى الحادي عشر من تموز 1953 كما ترأس وفد سورية إلى الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية في جنيف عام 1953 إذ انتخبته وفود الدول المشتركة وعددها ثمانون رئيساً لتلك الدورة.
قام أثناء توليه وزارة الصحة بمشروعات كثيرة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية منها إنشاء مراكز لمكافحة السل والبرداء (الملاريا)، كما أسس مركزاً لرعاية الأم والطفل في دمشق وقد أوفد في أثناء توليه الوزارة عدداً من الأطباء للتخصص في البلدان الأجنبية.
وقد عني خاصة بوضع المصطلحات الطبية، وترجم وألف وشارك في تأليف كتب عدة منها: «الأمراض الجراحية» في ستة مجلدات، «السريريات والمداواة الطبية» في مجلدين، «فن التمريض» مجلد واحد أعيد طبعه مرات عدة، «إصلاح النسل» في مجلد واحد. كما ترجم عن الفرنسية: «جراحة أنبوب الهضم»، «الدروس العملية في الأمراض النسائية»، «أمراض جهاز البول».
ونشر باللغة الفرنسية الكثير من الأبحاث في المجلات الطبية منها «مجلة المجمع الجراحي الفرنسي» كما نشر باللغة العربية عشرات الأبحاث في «مجلة المعهد الطبي العربي» وفي مجلات بمصر ولبنان.
قام بإجراء دراسة بمشاركة بعض أساتذة المعهد عن داء الجلبان الذي تفشى بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يكن معروفاً بشكل كاف قبل تلك الدراسة التي صارت مرجعاً للمؤلفين والباحثين.
وفي مجال المعاجم نقل مرشد خاطر بمشاركة أحمد حمدي الخياط ومحمد صلاح الدين الكواكبي إلى اللغة العربية معجم المصطلحـات الطبية الكثير اللغات لمؤلفه الفرنسي أ.ل كليرفيل احتوى ما يقرب من خمسة عشر ألفاً من المصطلحات الطبية.
ومعجم العلوم الطبية بالاشتراك مع أحمد حمدي الخياط، وقد نقحه وأتم المجلد الأول بعد وفاتهما محمد هيثم الخياط، وهو يحتوي (15228) من المصطلحات العلمية والطبية.
حظي مرشد خاطر باحترام وتقدير عدد كبير من الجمعيات والمجامع العلمية التي انتخبته لعضويتها منها: المجمع العلمي العربي بدمشق ومجمع اللغة العربية في القاهرة والمجمع الطبي العسكري البرازيلي والمجمع العلمي الفرنسي والجمعية الجراحية الفرنسية. كما منحته دول كثيرة أوسمة رفيعة منها: فرنسة وإيران ولبنان والبرازيل وبلجيكة والڤاتيكان، إضافة إلى وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة. 
لروحه السلام والخلود
الصورة الاولى للدكتور مرشد خاطر واما الثانية فلها قصة انها للدكتورة منيرة العظم من اوائل الفتيات السوريات اللواتي التحقن بكلية الطب في دمشق يوم كان والدها الأستاذ عبدالقادر العظم مدرسا بكلية الطب وتخرجت طبيبة أطفال. ومثّلت سورية في جنيف إلى جانب الاستاذ الدكتور مرشد خاطر وزير الصحة الذي اختارها معه في مؤتمر الصحة العالمية عام ١٩٥٣حيث أبدعت بخطاب قدمته باللغة الفرنسية التي كانت تجيدها و استحقت عليه وسام الجمهورية السورية الذي اقترحه لها الوزير مرشد خاطر.
هكذا كانت نساء سورية اللواتي أفنين عمرهن في خدمة الوطن.

  الدكتور مرشد خاطر والدكتورة منيرة العظم من اوائل الفتيات السوريات اللواتي التحقن بكلية الطب في دمشق يوم كان والدها الأستاذ عبدالقادر العظم مدرسا بكلية الطب وتخرجت طبيبة أطفال. ومثّلت سورية في جنيف إلى جانب الاستاذ الدكتور مرشد خاطر وزير الصحة الذي اختارها معه في مؤتمر الصحة العالمية عام1953
الدكتور مرشد خاطر والدكتورة منيرة العظم من اوائل الفتيات السوريات اللواتي التحقن بكلية الطب في دمشق يوم كان والدها الأستاذ عبدالقادر العظم مدرسا بكلية الطب وتخرجت طبيبة أطفال. ومثّلت سورية في جنيف إلى جانب الاستاذ الدكتور مرشد خاطر وزير الصحة الذي اختارها معه في مؤتمر الصحة العالمية عام1953

كرمه الوطن بتسمية شارع رئيس في دمشق على اسمه وهو الشارع الممتد من شارع حلب الى ساحة السبع بحرات…

 

مستند تاريخي كتاب الانجيل الطاهر، والمصباح المنير الزاهر للبطريرك مكاريوس بن الزعيم

$
0
0

مستند تاريخي

من المستندات التاريخية المحفوظة في خزانة البطريركية الانطاكية هنا بمدة غبطة البطريرك الحالي غريغوريوس الرابع (1)

“المجد لله دائماً

ماكاريوس برحمة الله تعالى البطريرك الانطاكي وساير المشرق

اعلم بأن هذا كتاب الانجيل (2) الطاهر، والمصباح المنير الزاهر. وقفاً مؤبداً وحبساً مخلداً على كنيسة مار يوحنا المعمدان(3) بمحروسة مدينة الله انطاكية العظمى قد اوقفوه الحرمتين الارملتين وهم مريم حرمة المرحوم الخوري يوسف وبنتها تقلا حرمة المرحوم الخوري سليمان لطلب الأجر والثواب من الله الملك الوهاب فكلمن (فكل من) اخرجه عن الوقفية بوجه من الوجوه او باعه او اشتراه او سرقه او احتال عليه بحيلة من الحيل الشيطانية فيكون محروم مفروز(محروماً مفروزاً) من مجد الله تعالى ومن الآباء القديسين الثلثماية وثمانية عشر ومن فمي انا الحقير كاتبه بيده ماكاريوس البطريرك الانطاكي لما حظرنا (حضرنا) الى هذه المدينة (انطاكية) في الحادي عشر من شهر كانون الاول سنة سبعة آلاف وماية واثنين وسبعين للعالم(4)  وكان ذلك في السنة السادسة عشر من بطركية الفقير (بطريركية الفقير يقصد نفسه) وهي السنة التاسعة والعشرون من رئاسة كهنوتنا من حين شرطونيتنا مطران على مدينة حلب. وفي هذه السنة  المذكورة اعلاه كان اخينا ديونيسيوس بطريركاً على مدينة القسطنطينية الذي صار بعد برثانيوس البطريرك الذي كان سابقاً مطراناً على مدينة بروصه وكان وقتئذ اخينا باييسيوس بطريركاً على مدينة الاسكندرية الذي عقب المرحوم ايوانيكيوس بطريرك الاسكندرية الذي كان سابقاً مطراناً على مدينة فاريا وهي فرافرياط. وفي بطركية (بطريركية) اخينا كير نقطاريوس بطريرك مدينة الله اورشليم  الذي اتخلف (خلفه) (على الكرسي المذكور بعد المرحوم باييسيوس بطريرك اورشليم)  الذي كان رئيس دير الغلطه على اسم عيد الصعود الالهي بمدينة “البغضان” (مدينة البغدان و”الفلاخ والبغدان” يشكلان رومانيا حالياً).

البطريرك مكاريوس بن الزعيم
البطريرك مكاريوس بن الزعيم

وكان وقتئذ روساء (رؤساء) كهنة ابرشيتنا(5) الأحبا (الأحباء) ارميا مطران صور وصيدا. وناوفيطس مطران اللاذقية. وغريغوريوس البصير مطران حوران. وملاتيوس مطران طرابلس. وفيليبس مطران بيروت. ونيقولاوس مطران عكار. وانطونيوس مطران بعلبك. وناوفيطوس مطران حماه. وثاودوسيوس مطران امد.(هي ديار بكر ومابين النهرين)

واما رؤساء الكهنة الذين توفيوا (توفوا) من ابرشيتنا (كرسينا الانطاكي) فهم غبرئيل مطران باياس (في كيليكيا) ويواصف مطران قارا (قاره). واثاناسيوس مطران يبرود وبخوميوس مطران صيدنايا وجراسيمس مطران الزبدان(الزبداني) واثاناسيوس مطران حمص. واثاناسيوس اسقف الحصن ( حصن الاكراد او قلعة الحصن يعني اسقف وادي النصارى في عكار السورية). ومطروفانوس مطران حلب. وماكاريوس مطران كمخ(6) وكانت كراسي هولاء (هؤلاء) المتوفين خالية ولم يعقبهم احداً (احدٌ) لعظم البلا والظلم الكاين وقتيذٍ ( لعظم البلاء والظلم الكائن وقتئذ) على رعاياهم وكذلك كانت مدينة دمشق وقتيذٍ (وقتئذ) في غاية الشدايد (الشدائد) والظلم وبخاصه (بخاصة) لاجل الديون والفوايد (الفوائد) والخسائر الكائنة على كرسي البطريركيه (البطريركية) هي التي اضطرتنا  واحوجتنا للخروج منها سابقاً الى بلاد الروم(7) وهذه الدفعه الى بلادها وانطاكية وحينئيذ (حينئذ) كتبنا هذا التاريخ لأجل التذكره (الذكرى) ولكي كل من قراه او سمعه يدعو لكاتبه بالمغفرة حرر ذلك في التاريخ المعين اعلاه

كتبت وقد ايقنت يوماً كتبته………………بان يدي تبلا ويبقا كتابها

فبالله يا قارى لخط اناملي ………………تفكر في يدي وماقد اصابها

وقال ايضاً:

الخط يبقا زماناً بعد كاتبه…………….. وكاتب الخط تحت الارض مدفوناً

فياقاري الخط فل الله يرحمه…………… وياسامع القول قول بالله آمينا

ماكاريوس برحمة الله تعالى البطريرك الانطاكي وساير المشرق”

 

حواشي البحث

1) مجلة النعمة البطريركية الجزء الحادي عشر، السنة الاولى دمشق في 16 تشرين الثاني سنة 1909 ص338-340

2) يوجد هذا الانجيل المقدس اليوم (بتاريخ نشره في مجلة النعمة عام 1909) في منزل المرحوم الحاج ( المقصود بذلك انه حج الى القبر المقدس في القدس) باسيل خوري بأنطاكية

3) تم تحويلها الى جامع حبيب النجار (كتابنا زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية والاسكندرونة وكيليكية جوزيف زيتون  طباعة 1994): “حبيب النجار حسب المتداول في انطاكية  هو اول انطاكي آمن بالمسيحية بفضل تبشير الرسل وكان يساعدهم في التبشير، وكانت مهنته النجارة، وقد استشهد بعد قطع رأسه من قبل الوثنيين وان رأسه تدحرج  من امام مغارة القديس بطرس الى الموقع الحالي حيث دفن الجثمان مع الرأس، وبعد انتشار المسيحية رسمياً اقيمت كنيسة على ضريحه وسميت كنيسة القديس يوحنا المعمدان وقد تحولت الى مسجد”

4) 1663م تقريبا

5) يقصد رؤساء ابرشيات الكرسي الانطاكي

6) مدينة في بلاد ارمينيا

7) سفرته الاولى الى العالم المسيحي الارثوذكسي 1652-1659 زار فيها القسطنطينية وجبل آثوس وبلغاريا والفلاخ والبغدان(رومانيا) وبولونيا ثم الى بلاد القوزاق(اوكرانيا وعاصمتها كييف)ثم المسكوب (روسيا وعاصمتها موسكو وهي آخر محة في الذهاب ودخلها سنة 1655)

من مراجع البحث

مجلة النعمة البطريركية الجزء الحادي عشر، السنة الاولى دمشق في 16 تشرين الثاني سنة 1909 ص338-340

الجولان سوري وآثاره تشهد على هذا الحق الساطع

$
0
0

الجولان سوري وآثاره تشهد على هذا الحق الساطع

هناك على أرض الجولان العزيز نواجه عدواً متغطرساً واحتلالاً بشعاً غاشماً، يجثم على صدورنا في جزء من قلب العروبة النابض بالوفاء والعز والكبرياء والحنين. منذ 5حزيران 1967، وحاول العدو الصهيوني فرض الهوية الصهيونية على الجولانيين فكان الاضراب العام والرفض المطلق في مطلع التسعينيات…

واليوم وبوعد ممن لايملك الحق اعطى ترامب لمن لاحق لهم، وقد وقع مرسومه بأن الجولان ملك الكيان الصهيوني مؤخراً 

هناك في أرضنا السورية وهي الرقعة الجغرافية المتصلة والتي لاتفصل بينها عوائق، بلاد الشام او سورية الواحدة التي قسمتها اتفاقية سايكس بيكو الغادرة عام 1916 واكمل التفتيت بلفور الوزير البريطاني اليهودي بوعده باقامة الوطن القومي لليهود… وجاء ترامب بعد 103 سنوات ليلحق  الجولان السوري بالكيان الصهيوني البلفوري على ارض فلسطين العربية…!

الجولان جنة من جنان سورية
الجولان جنة من جنان سورية

سورية الواحدة التي خبأت في جوفها أصالة التاريخ وعمق الانتماء، وهي الموصوفة من كبار الآثاريين العالميين بأنها المتحف المصغر للانسانية ثمة آثار أينما ضربت معاول المنقبين (كما قال احد علماء الآثار والتاريخ) تشكل في أهميتها المادية والمعنوية مصدراً رئيسياً لكتابة تاريخ اقليم مفعم بالحيوية، بالحضارة الإنسانية النيرة، ومنجزاتها الجميلة الخيرة، فتشهد للحق الساطع وأهله وتكشف زيف ادعاءات الصهاينة الذين ما زالوا حتى يومنا هذا يحاولون تقديم الدلائل الباطلة التي ساقها إليهم علماؤهم الآثاريون بعبثية يتجلى قبحها في البحث عن فترة ازدهار افتراضية للاستيطان اليهودي في الجولان، إنهم واهمون لأنها أدلة استنتاجية تعتمد على تفسير رموز استخدمها عامة البشر جميعاً، وليست يهودية خاصةا زال علماؤنا وأدباؤنا ومثقفونا يتصدون لهذه الافتراضات والادعاءات، تيسير خلف درس وبحث فوجد أن الأدلة الواضحة الدامغة التي لا تقبل مجالاً للشك هي تلك العائدة إلى الحقبتين المسيحية والإسلامية، حيث يؤكد ذلك الانجيل المقدس وان السيد المسيح له المجد وصل الى المدن العشرة وهي المطلة والمجاورة لطبريا وسفر اعمال الرسل يدل على البعد التبشيري ذاته ورحلات بولس الرسول واستشفائه بمياه الحمة الكبريتية…

كما  تشير الكتابات والرموز إلى تجذر هاتين الديانتين في الجولان، وقدم نتائج بحثه في محاضرة في ملتقى الجولان الأول، تناول فيها مواقع يمثل كل واحد منها مرحلة زمنية معينة ويرمز إلى ثقافة عصر معين، ولذلك نجد موقع رجم الهوى المتميز، يعبر بشكل صادق عن حقبة العصر البرونزي،

الجولان الجميل
الجولان الجميل

وهو من العصور ما قبل تاريخية، وموقع التل في البطيحة الذي يعتقد العلماء بأنه موقع بيت صيدا، ليمثل ثقافة العصر الحديدي والممالك الآرامية.‏‏

أما موقع سوسيا (هيبوس) فهو يجسد مدينة بنيت على النمط الاغريقي-الروماني، ومدينة بانياس التي ضمت باقة من الآثار الايطورية العربية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية.‏

وأما مدينة القنيطرة التي بنيت كنواة لمدينة في زمن الاحتلال العثماني  فلم يتم التنقيب فيها حتى الآن لمجموعة من الظروف لكن لا تزال آثارهذه الاسوار بادية للعيان.‏

اسيجة الجولان، الآلاف من القبور المنتشرة قبور الدولمن التي تعود إلى العصر البرونزي بمختلف مراحله تعد شواهد حية على جوانب من معتقدات إنسان الجولان القديم.‏

قلعة الصبيبة

قلعة الصبيبة
قلعة الصبيبة

قلعة الصبيبة تمثل مرحلة متطورة من فنون العمارة السورية في العهدين الأيوبي والمملوكي.‏

 تعتبر قلعة الصبيبة واحدة من أكبر وأفخم وأحصن قلاع بلاد الشام قاطبة، بناها اهل الارض السوريون في القرن السابع الهجري لإحكام السيطرة على الأقاليم المحيطة بها من الجولان وبلاد صفد ووادي التيم وبلاد بشارة.‏

وكثيراً ما خلط الباحثون والمؤرخون بينها وبين قلعة مدينة بانياس التي تقع داخل البلدة القديمة وضمن سورها التاريخي كما نسبها بعضهم للفرنجة زوراً واعتباطاً، على اعتبار أن العرب المسلمين لم يكونوا بهذا المستوى من التطور العمراني والعسكري، الذي يؤهلهم لبناء هذاالصرح الشامخ المثير للاعجاب والباقي على مر الدهور، وقد بنى هؤلاء تخميناتهم على نص لعز الدين ابن شداد في مؤلفه الضخم (الأعلاق الخطيرة) زعم فيه، خطأ، كما أخطأ في غير معلومة أخرى أن الفرنجة بنوها بعد المائة الهجرية الخامسة، علماً أن الفرنج لم يطؤوا بأقدامهم هذه القلعة مطلقاً ولم تكن تحت سيطرتهم في أي لحظة من لحظات التاريخ.‏

أما حديث المستشرقين ابتداء من روبنسون ثم كلير مون-غانو، وماكس فان برشيم ثم دوشامب وأخيراً فولفغانغ مولر-فيتز، عن وجود جدران منسوبة للفرنج وأخرى فينيقية، فهذا حديث خرافة لا يستند إلى أي سند آثاري يعتد به.‏

فتاريخ بناء القلعة واسم بانيها الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل الأيوبي مثبت بالمصادر العربية وترميمها كذلك وأسماء المرممين مدرجة في المراجع ابتداء من الملك السعيد، الحسن بن عثمان الأيوبي، والسلطان الظاهر بيبرس البندقداري، وانتهاء بالأمراء الشهابيين، بل لا يوجد في هذه القلعة أي كتابة تدل على أن شعباً آخر غيرالسوري ساهموا في بنائها، والأهم أن المعطيات الآثارية تتفق إلى حد التطابق مع النصوص التي تركها لنا الاخباريون العرب المعاصرون حول ذلك.‏

الجولان جنة سماوية على الارض
الجولان جنة سماوية على الارض

المعلم الحرفي عبده جرجي النحات الدمشقي وعائلته النحاتية

$
0
0

المعلم الحرفي عبده جرجي النحات الدمشقي وعائلته النحاتية

مقدمة

عبده جرجي النحات الدمشقي نجار فنان وحفار ونقاش وصداف… مشهود له ب”المعلمية”…

 عندما يشاهد الناظر ماهو من آثار يديه من انتاجه البديع في فن النجارة ونقش الخشب وتطعيمه بالصدف والعظم…يصرخ ياللجمال وياللحرفة المتقنة من يدي هذا المعلم الفنان، هذا الأثر الباقي منذ زمن كان يدفعني الى البحث عن سيرة هذا المعلم الفنان تلك المنضدة البديعة الموجودة في قاعة الاستقبال في دار البطريركية الانطاكية الارثوذكسية التي كان قد اهداها للبطريرك هي منضدة من ابدع ماتشاهده العين وابسط وصف يقال فيها انها شغل اعظم معلم… وكان قد كتب بالصدف اسمه وانها من شغله وتقدمته الى غبطة البطريرك

 وهنا لامندوحة من التذكير لما  كنا قد كتبناه في تدوينتنا عن الحرفيين الدمشقيين، وكانوا في شتى المهن من المسيحيين على الاطلاق، وبيَّنا الاسباب الداعية الى امتهانهم الحرفة الفنية والعمل اليدوي، واتينا على ذكر بعض الاعلام منهم، لم يكن المعلم الخواجا عبده النحات ووالده جرجي واخوته واولادهم لم يكونوا هم الوحيدين الذين قصدناهم بتدوينتنا تلك.  ونحن وفي كل كتاباتنا في موقعنا وسواه كنا نسلط بعض الضوء بعد ابحاث مضنية قمنا بها لتوثيقهم وتوثيق ابداعاتهم وفي ذلك كل الوفاء لاسيما واني ابن عائلة فنية حرفية في حفر الخشب وفي الصياغة وكتبت عنهم عموما وعن والدي الفنان المبدع المرحوم جورج زيتون صاحب ازميل الحفر والنقش … ولكنه البعيد عن الاضواء وعن الشهرة… وماعرف عنه هو تلك الآثار الخالدة التي ابتدعها وابدعها بازميله وتركها تحكي قصة الفن الدمشقي وقصة هذه العائلة الدمشقية المغمورة…هو ووالده فارس وشقيقه الاكبر نقولا وابنه شقيقي الاصغر الشهيد مروان ومعهم من ذكرنا في تدوينتنا السابقة ومنهم عبده  جرجي النحات وجرجي البيطار و…  كانوا انموذج من هؤلاء الفنانين العظماء البسطاء بآن معاً الذين اثروا دمشق بحرفهم ومهارتهم، ورفعوا اسمها فوق رؤوسهم تاجاً مرصعاً يختالون به، وهي رفعتهم أبناء بررة كونهم يحملون جنسيتها…

 يكفي انهم كانوا قد جعلوا البيت الدمشقي أيقونة ناطقة وكانوا صناع لهذه الايقونات…

عبده نحات كان إضافة إلى معلميته في النجارة مع عائلته صانعوا أعواد فاقوا في شهرتهم كل من سبقهم ومن اتى بعدهم، وحكت، وتحكي ابداع هذه العائلة الفنية التي اندثرت، ومن بقي من امثالي كنت سمعت في طفولتي عن اعواد النحات وشاهدته في بيت العائلة وعليه الشمسية الحاملة اسمه لاسيما وكان عوداً قديماً  بحوزة جدي فارس رحمه الله  يعزف عليه، وكان “صمدية” كما نقول في دارج الكلام في  صدر مربع الصالون ببيت العائلة العربي…

ايقونة للعذراء الطاهرة محفوظة في بطريركية صربيا الارثوذكسية من شغل عبده النحات على تاجها الصلاة التالية: "لأن وسائل الام تستطيع ان تستعطف السيد" وظاهر التاج صورة عبدة النحات وهي من صنعه تعود الى اوائل القرن 20
ايقونة للعذراء الطاهرة محفوظة في بطريركية صربيا الارثوذكسية من شغل عبده النحات على تاجها الصلاة التالية: “لأن وسائل الام تستطيع ان تستعطف السيد” وظاهر التاج صورة عبدة النحات وهي من صنعه تعود الى اوائل القرن 20

لاتزال عائلة النحات في دمشق، لكن بكل اسف  انتاج رواد العائلة الفنانين انتهى… حتى ان بعضهم بالكاد يتذكر هذا الابداع،  لذا كان من الواجب علينا ان نؤرخ مع من اهتم ويهتم بهم كرمز سوري دمشقي متميز وكعلم من اعلام كنيستنا الانطاكية والدمشقية  الارثوذكسية التي تركت بصماتها في دمشق والمشرق…وفي المهجر البرازيلي وكاتدرائية سان باولو الارثوذكسية الانطاكية تشهد للفنان الياس النحات…

من هو عبده جرجي نحات ومن هي عائلته وماهو هذا الابداع الذي تميزوا به؟؟؟

تسمية الاسرة

قال البعض في بعض ترجماتهم عن عبده النحات مبررين كنية العائلة بارجاعها الى نحت الخشب، ونحن مع الاحترام للقائل بذلك نغالطه، ذلك لأن لايوجد شيء في النجارة وصناعة الاعواد التي امتهنتها هذه الاسرة تسمية نحت الخشب…

صورة عبده النحات خلف تاج ايقونة العذراء المهداة الى بطريركية صربيا
صورة عبده النحات خلف تاج ايقونة العذراء المهداة الى بطريركية صربيا

 نحت الخشب هو عند الفنانين المثالين، وليس النجارين والحفارين والنقاشين والخراطين…، لأن الاصل في التسمية هو حفر ونقش الخشب كأسرتنا وآخر مبدعيها كما اسلفت القول في تدوينتي عنه، هو والدي المبدع والفنان المعلم المرحوم جورج زيتون المتوفي 1995 وبوفاته انتهت المهنة من آل زيتون.

وللتوضيح تنحصر تسمية النحات بنحات الحجر…كما تنحصر مهنة النحَّاس بصناعة النحاس…

وكان نحاتو الحجر الدمشقيون من الابداع والمعلمية  بنحتهم الحجر وكأنهم يجعلونه ينطق محولين اياه من حجر اصم الى حجرناطق بابداعهم…

ترس الطاولة المربعة البديعة الموجودة في الصالون البطريركي والمصنوعة من عبده النحات واهداء منه الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901 وفي كل زاوية تطويبة من التطويبات
ترس الطاولة المربعة البديعة الموجودة في الصالون البطريركي والمصنوعة من عبده النحات واهداء منه الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901 وفي كل زاوية تطويبة من التطويبات

 وكغيرها من المهن التراثية الفنية الدمشقية، كانت هذه المهنة الفنية محصورة بالدمشقيين المسيحيين، وهي حرفة العائلة  يرثها الاحفاد والابناء عن الآباء والاجداد وكلهم يقيمون في بيت واحد ويعملون في ورشة واحدة، وكان شيخ الكار يمتحن المتقدم (منذ تنظيم المهن كنقابات في دمشق في القرن السادس عشر) للامتحان لينال شهادة تؤهله العمل بحماية نقابته او طائفة العمل. وكان اختباره الاول /على علمنا/ يتم في تحويله حجر الى كرة يتوجب دحرجتها بدون اي خلل او تعرج… وكان الامتحان يتم وجاهيا امام لجنة من شيوخ الكار وضمن مدة زمنية محددة، عندها يقررون نجاحه او العكس، ويستحق او لا يستحق الانتساب الى طائفة النحاتين، ويزاول المهنة بحمايتهم.

روى لي والدي جورج رحمه الله من ذكريات طفولته هذه القصة التي جرت امامه وكان  بعمر 10 سنوات، كان لفقر العائلة يعمل كصبي، في العطلة الصيفية المدرسية، للتنظيف في عيادة طبيب في منطقة الشهداء بدمشق حوالي سنة 1938 تقريباً (وهو ابن القصاع ويعمل من الثامنة صباحاً الى السادسة مساء كل يوم مقابل أجرة هزيلة… تحتاجها العائلة الفقيرة والكبيرة العدد)

 عرض الطبيب بيتاً له في المنطقة للبيع وجرت المساومة في العيادة… وطلب سعراً اعتبره الشاري غالياً جداً فأجابه الطبيب مستغرباً بقوله الفوري:

” هذا البيت كلف والدي رحمه الله (يقصد والد الطبيب) مبالغ طائلة حين بنائه لقد دفع اجرة نحت كل حجر من حجارته الخارجية ليرة انكليزية ذهبية لمعلم نحات مسيحي…”

تاج ايقونة العذراء في بطريركية صربيا الارثوذكسية من شغل عبده النحات
تاج ايقونة العذراء في بطريركية صربيا الارثوذكسية من شغل عبده النحات

اذن اسرة نحات اعتمدت مهنة نحت الحجر، ومنها استقت الكنية حين اعتمادها منذ مطلع زمن الوجود العثماني في بلاد الشام في القرن 16 وكانت سورية الكبرى  أسبق من كل المنطقة العربية في اعتماد الكنيات، بينما لاتزال الكثير من المناطق والدول العربية تعتمد الاسماء الثلاثية والرباعية كما في مصر وحتى الآن.

ولكن هذه العائلة نحات اختارت منذ القرن18 كما لاحظنا من السياق والبحث مهنة النجارة وصنع الاعواد هذه الآلة الطربية التي لم يكد يخلو بيت مسيحي من آلة العود، ويوجد اكثر من فرد من العائلة يعزف…

 بقيت عائلة النحات محافظة على كنيتها المسجلة قبل اكثر من قرن وهي من العائلات الدمشقية الشهيرة ولاتزال…

عبده النحات… بعض من السيرة الذاتية

عبده جرجي النحات من مواليد دمشق وبقناعتنا هو من مواليد 1864اذ ليس من ثبت يؤرخ سنة الميلاد، ومن منطقة حي آيا ماريا (القيمرية) حيث اننا في بحثنا اكتشفنا ان الاسرة كلها سكنت في بيت العائلة في هذا الحي وفيه اقامت معمل النجارة والاعواد ثم اقام علمنا معرضه ملاصقاً لمعمله منذ 1884 تقريباً وليس هذا بغريب فحي آيا ماريا كان حي النجارة بامتياز الى ثمانينات القرن 20.

طاولة الصالون البطريركي وهي من صنع نحات اخوان ومقدمة من عبده الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901
طاولة الصالون البطريركي وهي من صنع نحات اخوان ومقدمة من عبده الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901

عبده النحات ابن اسرة امتهنت النجارة، فالحرفة الدمشقية وخاصة عند المسيحيين، كما اوضحنا مراراً كانت عائلية، والاولاد يتعلمونها على الاب المؤسس ويعملون معه حتى يتقاعد، ثم يختط كل واحد منهم طريقه ويؤسس معمله ومعه اولاده، وهكذا كان علمنا عبده فهو ابن المعلم جرجي ابن المعلم حنا النجار المؤسس الشهير لورشته منذ  اواخر القرن 18  وصانع الاعواد الشهير.

تعتبر صناعة الأعواد فناً راقياً في دمشق خاصة و في سورية والشرق عامة، انتقلت أسرار هذا الفن من الأب الى الابن، بالضبط كما حصل مع عائلة النحات التي يعتقد تاريخياً أنها شرعت في صناعة العود منذ العام 1800 أو حتى قبل ذلك مع المؤسس حنا النحات. فمنذ نهاية القرن الثامن عشر، راح أبناء هذه العائلة يكرّسون أنفسهم نجارين مهرة للمصنوعات الخشبية والمحفورة ولمنقوشة وبارعين في صناعة آلة العود،  وتميز عود النحات بفرادته وخصوصيته على ماعداه وصار الاسم شهيراً “عود النحات”.
لقد اشتهر الكثير من أبناء عائلة النحات كصانعين مهرة كما نعرفهم في وسطنا الشامي كعائلة تقليدية، إلا أنّ أحداً لا يملك اليوم العودة بشجرة عائلة النحات الى ما قبل عبده جورجي نحات، وماكتبناه هو بحث منا واجتهاد…

جرجي والد علمنا عبده وجده هو يوسف نحات. رزق الله جرجي بأربعة أبناء على التوالي هم  روفان (1854) وعبده (1865) وأنطون (1867) وحنا (1872).

مسقط امامي لطاولة الصالون البطريركي وهي من صنع نحات اخوان ومقدمة من عبده الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901
مسقط امامي لطاولة الصالون البطريركي وهي من صنع نحات اخوان ومقدمة من عبده الى البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1901

 راح افراد آل النحات ومنذ اواخر القرن 18 ومطلع القرن 19 والقسم الاول من القرن 20 في دمشق ومن ثم بعد هجرة علمنا الى البرازيل، راح كل منهم  يتخصّص في بناء العود وكافة “المصنوعات الشرقية”  والعود هو تلك الآلة الطربية الشهير وكان يصنعها في ذات الورشة.

 درس علمنا عبده منذ طفولته في مدرسة الآسية التي كانت قد لملمت جراحها بعد دمارها واستشهاد طاقمها  الا وكيلها ميخائيل كليلة الاستاذ المتميز الذي بقي سالماً وتابع مسيرتها، وهو من اعاد توقيفها على قدميها واطلقها بالرغم من الفقر والاستشهاد وهجرة الرعية وفاء منه لزميل دربه ومعلمه مؤسسها الخوري يوسف مهنا الحداد ” القديس يوسف الدمشقي” شهيد 1860. وكان علمنا عبده يعمل بعد انصرافه من المدرسة الى معمل نجارة والده وشقيقه، وقد تفوق بصناعة النجارة التي مارسها منذ نعومة اظفاره واكتسبها على شقيقه يوسف اكثر من ابيه بعد وفاة المذكور، وكان يتفنن بعمل اشياء غريبة الوضع مبتكرة في بابها واذا رأى شيئاً واعجبه حاكاه بصناعته حتى لاتكاد تفرق الفرع عن الأصل ومن اهمها (بشهادة العلامة عيسى اسكندر المعلوف معاصره عام 1911) “الكرة الارضية التي اصطنعها وكان في الثانية عشرة من عمره، وقدمتها وكالة المدارس الأرثوذكسية  الدمشقية هدية للوزير مدحت باشا” (1870)والي سورية لما زار المدرسة وكان علمنا عبده احد طلبتها فأعجب بها وأثنى عليه كثيراً.

فيترينا بمرآة بديعة مع تاج محفور في ردهة الصالون البطريركي انتاج عبده النحات مهداة منه الى
فيترينا بمرآة بديعة مع تاج محفور في ردهة الصالون البطريركي انتاج عبده النحات مهداة منه الى البطريرك غريغوريوس حداد

لما بلغ الرابعة عشرة ترك المدرسة نهائياً، وعمل في النجارة ليساعد شقيقه يوسف الذي كان قد تعلم المهنة (النجارة وصنع الاعواد) على يد معلمه جرجي، في معمله الصغير الذي كان قد أنشأه.

وما كاد يستقر به المقام مع اخيه حتى توفي، فشق عليه فراقه وأبى ان يتعلم هذه الصناعة على يد غيره فصار يعمل الأعواد حيث يتكرس الاعتقاد بأن ذلك اعتباراً من عام 1880، حتى تفوق فيها تفوقاً غريباً، وكان عازفوا زمانه الشهيرين يتفاخرون باقتناء ما يصنعه عبده النحات، حتى مضى عليه خمس سنوات وهو يجتهد بالاتقان والنظر في الهندسة وله نظرية هندسية وظفها في النجارة وقام بتدريس حرفة الصناعة الخشبية والعلوم المرافقة بما فيها هذه النظرية لطلاب مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية التي تأسست عام 1885 وضمت ابناء الطائفة الفقراء ليتعلموا الحرف بدوام مسائي في مدرسة الصناعة التابعة لهذه المدرسة الاسبق في دمشق كلها وسورية عموماً ودرس فيها لمدة 18 سنة.

عود عبده النحات
عود عبده النحات

 وكان عبده بالرغم من حداثة سنه  طيلة هذه المدة يقوم مساء بتدريس الحرفة وعلومها في النجارة والحفر والنقش وتطعيم الخشب والموزاييك والصدف في المدرسة الصناعية هذه…

لقد تميز في ذلك وله مقالات في الهندسة المحكي عنها ادرجها العلامة المعلوف في مجلة النعمة اول اصدارها عام 1910 وتميز في اتقان الرسوم وطبعات الحفر والنقش  التي تؤهله للبراعة الفنية، ما اهله لانشاء معمل للنجارة والحفر والترصيع سنة 1884 ومعرضاً لعرض منتجاته.  واشتهرت مصنوعاته بجمعها بين المتانة والرونق ودقة الصناعة وجمال الرسم، فاتقن كتابة الخط الكوفي وانواع الخطوط الاخرى كالفاطمي والايوبي والحفر العربي وحفر الخيط العربي ودق الرمل والتصوير اليدوي والشمسي. وكان يقوم بتصنيع جميع الادوات التي يحتاج اليها في صناعته هذه حتى اشتهر معمله بلقب “معمل ومعرض النقوش الشرقية” واهمها الترصيع على خشب الجوز بعظام الجمال والصدف والخشب الملون والنحاس بدقة تامة ورسم بديع يأخذ بمجامع الابصار رواءً ويسترق النفس جمالاً وتناسباً…  

 بقي عبده جرجي نحات يعمل في دمشق حتى عام1935 في النجارة عموماً وصناعة الاعواد خصوصاً  وكان قد تزوج من السيدة لبيبة… يسود الاعتقاد أنّه بدأ بصنع الأعواد في سورية منذ العام 1880  وبقي حتى زهاء عام 1935 ، قبيل هجرته الى البرازيل.

كرسي البطريرك في الصالون البطريركي الثاني انتاج واهداء عبده النحات عام 1914 الى البطريرك غريغوريوس حداد
كرسي البطريرك في الصالون البطريركي الثاني انتاج واهداء عبده النحات عام 1914 الى البطريرك غريغوريوس حداد

 وكان ابنه الياس  1902-1993 ساعد ابيه الايمن مماحدا بالأب الى حفر اسم الابن ايضاً على بعض شمسيات الأعواد  التي صنعها في دمشق ، فرأينا بعضها وقد كتب عليها “عبده نحات وولده الياس”

في عام  1938هاجر عبده نحات ومعه زوجته لبيبة واولادهما الى البرازيل واستقرّا في مدينة ساو باولو تحديداً، بعد أن كان أولادهما جورج وباسيل قد سبقاهما الى هناك عام 1935.

قدِم الأب عبده الى البرازيل برفقة باقي أولاده: الياس ونقولا وفريد وقيصر وجولييت، بينما هاجرت ابنتاه ماري وروزا الى الولايات المتحدة بُعيد زواجهما،  أما ابنته أدما وهي آخر البنات فقد بقيت في دمشق حيث لحقت بالعائلة بعد وفاة زوجها عام 1951. لانعلم السبب الذي دفع بعلمنا وهو في هذه السن المتقدمة الى الهجرة للبرازيل ومعه عائلته هل كانت هجرة قسرية نتيجة ضغوط معينة؟ سياسية او اجتماعية ام انه خيار ذاتي لغرض لم شمل العائلة سيما وان ولديه جورج وباسيل كانا قد سبقاه الى هناك عام 1935 كما مرمعنا اعلاه.

المعلم الحرفي عبده جرجي النحات الدمشقي وعائلته النحاتية
المعلم الحرفي عبده جرجي النحات الدمشقي وعائلته النحاتية

ولكن بالتأكيد عائلة نحات من خلال علمنا  إختفت مثلما إختفوا الفراعنة !!
خصوصا أن عمله كان رائجا ويكفي أن كبار العازفين كانوا يشترون الأعواد منه ونذكر منهم القصبجي والشريف محيي الدين وعود الاخيرنسخة مكررة عن عود القصبجي والشريف محي الدين لايقل بشهرته كعازف عود مصري معاصر للقصبجي عن المذكور… وغيرهم كثر… والصورة المرفقة لعود عبده الاقدم عند احدهم واسمه على الشمسية (عبده) يعود الى عام 1885

اقدم عود موجود 1885 صنعه عبده النحات ويحمل اسمه
اقدم عود موجود 1885 صنعه عبده النحات ويحمل اسمه

وكما اسلفنا اعلاه فان اولاد  الاب جرجي وهم روفان وعبده  وأنطون  وحنا، اشتغلوا كلهم في صناعة العود  وبعد هجرة عبده الى البرازيل بقي شقيقه روفان واسرته في دمشق يعملون في مهنة صناعة الاعواد…حول روفان، يتساءل المهتمون:” لماذا شهرت عبده طغت اليوم على شهرة أخيه روفان في صناعة العود؟”
والارجح انه وفق قناعة العارفين المهتمين والعازفين الشهيرين ان السبب هو عود القصبجي / حمزة علاءالدين ذو الشمسية ذات المقامات الرائعة/ وقد يكون هذا العود لصانعه عبده ساهم بطغيان شهرة عبده على شقيقه روفان، في حين من الممكن أن يكون عود روفان أكثر جودة وخبرة و شهرة أيضا في شهادات الدمشقيين العارفين والعازفين ومنهم جدي فارس رحمه الله وهو من جهة حفار خشب مرموق ومن جهة ضليع في اسرار صناعة العود واهمية خشبه، وعازف مكين عليه…

في شهادة من الكويت معلومة أخيرة يقول صاحبها :” عرفنا العود في منتصف القرن التاسع عشر (تقريبا بعد 1854) وكان العود ذو 4 أوتار ويسمى عود هندي، بعد ذلك بسنوات تم جلب العود العربي المعروف اليوم للكويت وكان يسمى بالعود الشامي،والآن أتصور بأن الكويتيين أسموه بالشامي نسبة لانتشار أعواد نحات والله أعلم”
عبده واسرته في البرازيل

بعد استقرار عائلة عبده النحات في سان باولو وبحكم موهبة أبنائها في صناعة الأثاث ، قام النحـّاتوت باستثمار رأس مالهم في البرازيل في إقامة مصنع متخصّص لنجارة الأثاث، يصنع الأصص الخشبية والأرائك وباقي قطع الأثاث الكبيرة المنحوتة والمعشّقة، الى جانب المصنوعات الأكثر تعقيداً كصناديق الموسيقى المطعّمة بالفضّة.

سرعان ما تعرّف إليهم البرازيليون بعد أن شدّتهم جودة ونظافة ورقيّ أذواق وطرق عمل آل النحات في فنون النجارة الدمشقية.

طاولة منتصف مربعة موجودة في الصالون البطريركي الثاني من انتاج عبده النحات واولاده ومهداة الى البطريرك الكسندروس طحان عام 1932
طاولة صالون نصفية مربعة موجودة في الصالون البطريركي الثاني من انتاج عبده النحات واولاده ومهداة الى البطريرك الكسندروس طحان عام 1932

في غياب الطلب على الأعواد في البرازيل، لم يصنع علمنا عبده أعواداً هناك حتى وفاته في عام 1941.

شهرة صناعة الاعواد عند عبده النحات وذريته وعائلته

طبقت شهرة أعواد النحات المصنوعة في سورية آفاق الشرق قاطبة. وكما يهفو عازفو الكمان إلى كمان من صنع ستراديفاريوس، وعازفو القيثار إلى قيثار من صنع سمالمان وهرمانوس وسوجياما، يهفو عازفو العود الى عود النحات…

ترس طاولة الصالون البطريركي الثاني وتحمل اقوال حكمية وصك الصناعة من عبده نحات واولاده عام 1932 واهداء الى البطريرك الكسندروس
ترس طاولة الصالون البطريركي الثاني وتحمل اقوال حكمية وصك الصناعة من عبده نحات واولاده عام 1932 واهداء الى البطريرك الكسندروس

لقد تعرّفت أوربة الى العود إبّان حقبة الخلافة العربية في اسبانيا، واحتلال العرب لهذه المنطقة، واقامتهم الخلافة الاموية في الاندلس ، وفي تلك الفترة قام الفــارابي وابن زيلة وآخرون بدراسة آلة العود ووضعوا نظرياتهم للآلة التي اعتبرت دعامة علم الموسيقى، فقد تمّ شرحه وتفسيره وتطبيقه آنذاك بواسطة آلة العود، حتى أنّ تسمية آلة “اللوت” في أوربة قد أشتقّ من لفظة “العود” العربية .. وبسبب تميّز هذه  

الياس عبده نحات وفن صناعة العود

لم يَعُد ابنه الياس الى صناعة الأعواد في سان باولو إلا  في عام 1969، بعد أن رأى أباه ظاهراً في المنام وعبر عن أمنيته برؤية العائلة تواصل صناعة الأعواد.

الياس عبده النحات
الياس عبده النحات

استأنف الياس هناك صناعة العود من جديد، وجاءت صناعته جديدة تماماً، إذ شرع في توظيف الأخشاب البرازيلية القاسية في صناعته الفنية هذه، بعد أن درس طبيعتها وطبيعة الأرض في الوطن الجديد البرازيل. أما الأخشاب التي سخّرها الياس في صناعة العود، فكانت تلك الأخشاب القاسية ذات الجودة والقيمة العالية في الأسواق العالمية منها ما قد أصبح فيما بعد مهدّداً بالانقراض، فحُظر قطعه ولم يعد متوفّراً للأغراض التجارية، كخشب الجاكاراندا وغيره…

ليس هنالك ضبط بأعواد الياس نحات التي كان قد صنعها في دمشق مع ابيه في الفترة مابين 1902 وحتى الهجرة الى البرازيل، إذ كان في دمشق قد كرّس كل صناعته للأعواد للاستهلاك المحلي في غياب أيّ تبادل تجاري عالمي في تلك الأوقات. كما انه لم يعُد الى دمشق مذ هاجر الى البرازيل، لذا فإنّ أعواده “البرازيلية” قد بقيت هنا.

قد يكون شقيقه جورج عبده نحات، أخو الياس الأكبر، ويحمل اسم جده (جرجي) على عادة الدمشقيين، قد ساعد أخاه الياس في صناعة اعواده، إلا أنّ هذه المعلومة لم تتأكد مطلقاً، إذ يشير الملصق التالي على الأعواد البرازيلية التي صنعها الياس

“أشهر الأعواد في العالم من صنع أبناء المرحوم عبده النحات في ساو باولو البرازيل”.

الصالون البطريركي الثاني وفي الوسط طاولة موزاييك من انتاج عبده نحات
الصالون البطريركي الثاني وفي الوسط طاولة موزاييك من انتاج عبده نحات

هذا الوصف يؤكد على أنّ الياس عبده نحات  قد تلقّى العون من أحد إخوته في صناعه الأعواد، لأنّ ذكر”أبناء” عبده نحات في الملصق يشي بوجود أكثر من واحد من أبناء عبده في تلك الصناعة، إلا أنّ الأمر يبقى غامضاً ما لم ترد عليه بيّنة أوضح، وهو مما لم يرِد الى اليوم.
بلغ عدد الأعواد التي صنعها الياس في البرازيل قرابة مائة فقط خلال 15 سنة

لقد وظف الفنان الياس في كلّ آلة عود صنعها الحرفية والفن الرفيع والمتانة وعذوبة الصوت. لكن ساهمت قلّة الطلب على هذه الآلة في انخفاض عدد الأعواد التي أنجزت في البرازيل، فلقد  كانت صناعة الأعواد عند الياس نوعاً من الهواية الى جانب العمل في النجارة والتجارة، وقد توقف الياس عن انتاج الأعواد عام 1984 حين خارت قواه ، كما أفادت عائلته، ولم يعد يستطيع أن يعمل.

لا زال أبناء الجالية العربية في البرازيل يذكرون الصانع الياس عبده نحات، الذي سكن في شارع بيدرو مورجانتي، وهو يجرّب أصوات اعواده ويحدّق في من يحيط به ليرى مدى إعجابهم برنين الأوتار.
كان الياس أحد مصمّمي كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأورثوذكس في سان باولو، فقد ساهم في

كاترائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في سان باولو والياس له بصمات فيها
كاترائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في سان باولو والياس له بصمات فيها

مشروع بناء قبة الكنيسة كما أشارت المخطوطات التي تركها وراءه. كما وكان الياس فيما يبدو خطاطاً أتقن فنون الخط العربي وصمّم شمسيات أعواده بنفسه.
كان الياس قد اقترن في سان باولو في عام 1942 بالسيدة نظيرة كلح (1916-2008) ابنة احد المهاجرين السوريين، ورزقا بأربعة اولاد: عبده1945 ليلى 1946 واليانا 1952 ولبيب…

توفي الياس عبده النحات عام 1993 ولم يستمرّ أحد من أولاده أو أحفاده في صناعة العود وعلى هذا يُعد الياس آخر النحاتين صناع آلة العود في الوطن والمهجر.

اذ يعتبر الياس بن عبده جرجي نحات آخر من صنع الأعواد من سلالة آل النحات بعد ان كرس معظم حياته لصناعة الأعواد الشامية التقليدية، وتميَّز بصناعته الرائدة حين قام بتسخير الأخشاب البرازيلية في بناء آلة العود، فقد صنعت آخر آعواد النحات في المناطق الاستوائية، ونُحت بعضها من خشب باو- برازيل، لتحمل الآلة اسم بلادنا من ناحية، وجذورناالدمشقية السورية من الناحية الأخرى
تعتبر أعواد الفنان الياس الدليل الحيّ للانصهار الحضاري الذي ميّز تاريخ هجرة والده وهو الى البرازيل، وكما أنّ جذور الموسيقى العربية متينة ومتواصلة وخالدة، فكذلك هي أعواد النحات، فقد صنعت لتخلد عبر الأجيال…

معرض عبده جرجي النحات

اقام علمنا  في دمشق معرضاً يحمل اسمه لعرض انتاجه البديع من المفروشات والاعواد وكان ذلك في عام 1880

وبسبب تميزه حاز على جائزة قيصر روسية ووضع فيه اول عود يحمل في شمسيته اسمه عبده…

معرض عبده النحات
معرض عبده النحات اقدم عود

 نبذة في انتاج المعلم عبده جرجي النحات

-العود

 اقدم عود موجود في متحف العود المصري في القاهرة هو عود من صنع الاخوين نحات الدمشقيين ومؤرخ بتارخ 1890

ويعد إخوان نحات من أمهر صناع العود فى سورية والوطن العربي، وتميزت صناعتهم بالعديد من المميزات التى يصعب تكرارها، وكان أكبر “إخوان نحات” وأشهرهم هو  علمنا “عبده نحات” الذى يرجح أن يكون هذا العود من صناعته، ويبلغ طول العود بالكامل 72.1 سم أما طول الوتر فيبلغ 62.5 سم، ويبلغ طول الرقبة 19.6 سم، ويبلغ طول القصعة 52.5، ويبغ عرض القصعة 36 سم ويبلغ عمق القصعة 19 سم

ومن المفروشات والأثاث

– البوم بديع اهداه مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع لما كان اسقفاً على ابرشية طرابلس اواخر القرن 19 الى الغراندوق الروسي سرجيوس وهو عم القيصر ورئيس الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الارثوذكسية الروسية. فقدم لعلمنا خاتماً ماسياً ثميناً شكراً منه واقراراً ببراعته.

– البومان اهداهما الى السلطان العثماني بيد والي سورية (وقتها) ناظم باشا فكافأه السلطان بالنوط (الميدالية) الصناعي.

– اطاران (بروازان) بديعان يعلوهما الشعار(الارمة) الروسي قدمهما  البطريرك ملاتيوس الدوماني الى قيصر روسيا.

– قدم لمعرض الشوير في جبل لبنان قطعاً مختلفة بديعة من صناعته، فنال الامتياز على جميع زملائه وحاز المكانة الاولى على جميع العارضين.

– مكتبة نفيسة بديعة الصنع مؤلفة من خشب السرو والابنوس والحور الرومي والمشمش والليمون وعظم الجمل والدبل(عظم السلحفاة) والصدف بديعة الهندسة والوضع تتجلى فيها جميع فنون هذه الصناعة الشرقية وصفتها مجلة المشرق (13:3) وابدعت…على ان هذه المكتبة لايضاريها مثيل…

– قدم الى دار البطريركية بدمشق زمن البطاركة ملاتيوس الدوماني 1898-1906 وغريغوريوس حداد 1906-1928 والكسندروس طحان 1931-1958 اهداءات رائعة من أثاث المكاتب البطريركية ولقاعة الاستقبال البطريركي منها هذه المنضدة البديعة التي يصدق في وصف مواد صنعها ماورد في الفقرة السابقة ولاتزال زاهية تشهد لفن صانعها المتميز…والمكتبة اعلاه…

تاج المكتبة الموجودة في ردهة الصالون البطريركي وفي وسط الشمسة عبارة عبده النحات
تاج المكتبة الموجودة في ردهة الصالون البطريركي وفي وسط الشمسة عبارة عبده النحات

كما ان البطريركية ابتاعت الكثير وقتها من الاثاث الدمشقي البديع.

وفي الزيارة البطريركية السلامية التي قام بها غبطة البطريرك يوحنا العاشر 2012… الى بطريركية صربيا قدم له اخيه بطريرك صربيا ايقونة دمشقية  واذ بها من انتاج عبده نحات وتعود في صناعتها الى مطلع القرن 20 وعلى تاجها بالصدف الصلاة التالية لوالدة الاله:”لأن وسائل الام تستطيع ان تستعطف السيد” وبظاهر التاج صورة فوتوغرافية للصانع المعلم عبده نحات في دمشق الشام…

ومن اللافت (على قول معاصريه وشهاداتهم الشفهية) والغريب ان من يدخل معمل هذا الفنان  الشهير المتفنن يجده بسيط الادوات قليل العمال ولكنه آية الكمال في الصناعة الشرقية، وهو يشتغل جميع انواع الموبيليا والبراويز والرياش والامتعة البيتية النفيسة التي تتحلى بها القاعات، وتزدان بها الجدران، وتكلَّل بها الطاولات وهنا يحضرني ان كل المبدعين كانت ورشاتهم بسيطة كما كان معمل علمنا…من هؤلاء المبدعين كان المرحوم الفنان والدي جورج رحمه الله فمن كان يشاهد دكانه لايصدق ان هذا الانتاج البديع في الحفر والنقش على الخشب تم انجازه في هذه الدكان الصغيرة الفقيرة وارضها ترابية مملوءة بكسارة الخشب وجدرانها ملأى بمئات الطبعات الكرتونية.

ومن جهة الربح كان الحال ذاته ثمة تماثل بين المردود المادي لوالدي  ولعلمنا المعلم عبده وامثالهما  اذ كانا لايربحان من هذه الاعمال الا النذر اليسير لقلة اقبال المواطنين على مصنوعاتنا الوطنية خوفاً من انها غالية الثمن… وتفاخراً باقتناء الاجنبية التي اعتمدت الآلة وابتعدت عن حفر اليد مابعد الثلث الاخير من القرن 20 وصار المتسلقون على المهنة يعملون بالآلة، وفي هذا تصغيراً لانتاجنا الوطني اليدوي الحرفي على مبدأ الفرنجي برنجي بينما نرى الاجانب يُصعقون من انتاج مبدعينا في حرفهم الشرقية الشامية كما كنت اشاهد ردود فعل السياح الاجانب وهم يقفون طويلاً لمشاهدة والدي يحفر الخشب بيديه رحمه الله

وهذه السلبية نجدها في جميع صناعاتنا الفنية الدقيقة بكل اسف!!!.

بعض اعواد آل النحات الشهيرة

عود جرجي حنا نحات
جرجي نحات هو ابن العملاق الصانع حنا نحات وهو الشقيق الاصغر لتوفيق تعلم المهنة على يد والده فكان صانعا مبدعا ومميزا وقد تميز عن اخيه توفيق بغزارة الانتاج
عمل بصناعة العود ببداية القرن الماضي وله اعواد غاية في الجمال والروعة وكثرة الزخارف والتزينات
وباشكال وطرق فنية من حيث الضهر واشكال القمريات وتزين الزند بالصدف والعظم.
اشتغل بورشة عمل لصناعة العود مع فؤاد عبدالله السلكا بسوق الحميدية الشهير بدمشق الى اخر الستينات وهو امتداد لعائلة النحاتين المبدعين.

عود توفيق حنا نحات
توفيق نحات هو الابن الاكبر للصانع العملاق حنا نحات فتعلم منه المهنه ومن اعمامه ايضا الذين ابدعوا في صناعة العود بدأ العمل مع والده ثم انتقل للعمل لوحده مع بداية عشرينات القرن الماضي.
لم يختلف توفيق نحات بالصناعة عن والده واعمامه فهو من نفس المدرسة التي امتازت بكثرة رنين الصوت ورخامته وزخارفه الجميلة والتزينات الرائعة
اعتمد العمل بقمرة واحدة او بثلاثة.

عود انطون نحات
انطون نحات من كبار صناع العود وهو الشقيق الاصغر لحنا وعبده وروفان نحات
انه امتداد لنفس المدرسة المبدعة التي مازالت اعوادهم محافظة على حالها برونقها ورخامة صوتها وجمال تزيناتها وزخارفها الرائعة.
عمل بصناعة العود من اواخر القرن الثامن عشر مع اخوته وبنفس الطريقة فله اعواد بقمرية واحدة او بثلاثة قمريات وطبعا اشتغل بنفس القوالب التى اشتهر بها اخوته اي بطول الوتر من 59 سم الى 61 سم.

الخاتمة

بعد كل تسليط ضوء نسلطه في اعقاب جهد متعب جداً في البحث والتنقيب عن علم من اعلام كرسينا الانطاكي والوطن نشعر بسعادة فائقة، لأننا قمنا بما يتوجب علينا تجاه هؤلاء الرواد ونأمل ان نكون قد اصبنا كبد الحقيقة، ونأمل دوماً ان نتوفق للمتابعة…

لعلنا نحظى بمن يسلط علينا الضوء بعد انتقالنا وخدمتنا النقية تجاه الكنيسة والوطن واعلامهما…

والله من وراء القصد…

عود جرجي النحات 1946
عود جرجي النحات 1946

 

 بعض مراجع البحث

عيسى اسكندر المعلوف مجلة النعمة عدد اذار 1911

“آخر النحاتين الياس عبده النحات” مقالة لباحثة برازيلية من اصول لبنانية تدعى ليفيا يعقوب اختارها منتدى زمان الوصل … الفارابي

شهادات شفهية لمعاصرين

 

 

التجلي الالهي على جبل ثابور

$
0
0
التجلي الالهي على جبل ثابور
كلمة تجلي في اليونانية كما أتت في النص الإنجيلي هي μετεμορφώθη أي ما هو أبعد من الشكل.

ونجدها نفسها في الرسالة إلى رومية عندما يناشد بولس الرسول المؤمنين قائلا:
“وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” (رو2:12).

إذ تأتي “تغيروا عن شكلكم” في اليونانية μεταμορφοῦσθε.

وهنا لا بد لنا من التوقف عند كلمة Μορφή التي تختلف تمام الإختلاف عن كلمة σχῆμα التي يستعملها بولس الرسول عندما يقول “لأن هيئة هذا العالم تزول” (1كو31:7).

فالكلمة الأولى تعني تغييرًا جذريًا في العمق، تغييرًا كليًّا، أما الثانية فهي خارجية فقط.

عندما تجلى الرب يسوح المسيح كشف عن عمقه، عن طبيعته، عن حقيقته بالكامل.

وعندما يطلب منا بولس الرسول أن نتغير، يطلب منا أن نتغير بالكامل، بالعمق وليس من الخارج فقط.

دعوتنا اليوم أن نعود إلى عمقنا الذي هو المسيح، الملكوت الموجود في داخلنا،فنتجلى ويتجلى العالم من حولنا.  

يخبرنا الإنجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا عن حادثة التجلّي.

إنجيل العيد

 (مت 17: 1 – 9).
1- فِي ذَٰلِكَ الزَّمَانِ، أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. 3وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». 5وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً:«هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». 6وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. 7فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». 8فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ. 9وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً:«لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ». 

مقدّمة وتعريف

يُشدّد اللاهوت الأرثوذكسيّ على طبيعة النور غير المخلوق الذي شعّ من الرّب يسوع في هذا العيد، فهو لم يكن إلّا طبيعته الإلهيّة نفسها. ويشرح بالتالي أنّه كشف إلهيّ إذ إن الربّ يسوع يجمع في شخصه الطبيعة الإلهيّة الكاملة والطبيعة الإنسانيّة الكاملة، فهو إله كامل وإنسان كامل.

لهذا الكشف الإلهيّ تسميةMetamorphosis ، وهي كلمةُ يونانية تعني “تغيّر”، المقصود هنا تغيّر “إلى ما بعد الشكل – أبعد من الشكل”، فكلمة Meta تعني “بعد” Beyond، وكلمة (μορφή (morphe تعني الشكل. المسيحيّة تنظر وتصبو إلى ما أهو أبعد من المنظور، وأبعد من الأرضيّات أيّ إلى السماويّات.

نحن مدعوّون أن نقوم بهذا التغيّر، هو تغيّر في العمق وإعادة تصوّيب هدف حياتنا. هو تركٌ للخطيئة والسير نحو الرّب يسوع. وهذا معنى كلمة Metania التي تُترجم باللغة العربيّة إلى كلمة “مطانيّة”. 

هذا التغيّر هو استنارة داخليّة وتركٌ لظلمة السقوط واستعادة نور ما خُلقنا عليه، وهذا تمامًا ما ترنّمه الكنيسة في سحر العيد: “أيّها المسيح لمّا لبست آدم بجملته، غيّرت الطبيعة التي أُظلمت قديمًا، وجعلتها لامعةً، وألّهتها بتغيّير صورتك”.

هذا ا التغيّر هو تغيّر كامل في الذهنية والاهتمامات والتصرّفات وعدم إدانة الآخرين والسعيّ الدائم إلى التوبة من خلال جهادٍ حقيقيّ مكلّل بالصلاة والصوم دون تعبٍ أو كلل.

هذا ا التغيّر دعوة قداسة وسعيٌ أبديّ لتأله الطبيعة الإنسانيّة بنور الله غير المخلوق من خلال الاتّحاد به. هذا كلّه لا يمكن أن يتم دون أن نموت عن ذواتنا ونولد مِن جديد. وهنا يأتي الصليب، فنلاحظ بأن الكنيسة ترتّل كاطافاسيّات الصليب ابتداءً مِن سحر عيد التجلّي، كما أن عيد رفع الصليب الكريم المحيي يأتي بعد أربعين يومًا مِن عيد التجلّي.

تاريخ العيد
ارتبطت خدمة عيد التجلّي بشكل كبير، بحسب التاريخ الليتورجي – الذاكرة الليتورجيّة – ، بخدمة تكريس بازيليك جبل ثابور[1](القرن الرابع-الخامس).

t1

 يأتي الاحتفال بالعيد متأخِّرَا عن عيد رفع الصليب الكريم المُحيّي بأكثر من قرن، إذ دخل الاحتفال رسميًّا بعيد التجلّي في آواخر القرن الخامس وبدايات القرن السادس. وقد وُجدت فُسيفساء من تلك الحقبة في الحنية في بازيليك Parenzo وبازيليك القدّيس أبوليناريوس في رافين Basilique saint apollinare in classe – Ravenne، وفي دير القدّيسة كاترينا في سيناء – مصر.

كذلك المشاهد في أيقونة التجلّي تمثّل الحدث الإنجيليّ الأساسيّ، إلّا أنّه هناك تفاصيل أضيفت لاحقًا على مرّ العصور. عيد رفع الصليب الكريم المحيّي الذي يقع في 14 أيلول.

والعلاقة بين هذين العيدين تظهر بقوّةٍ من خلال ترتيل كاطافسيّات عيد رفع الصليب ابتداءً من عيد التجلّي.

تبدأ خدمة غروب عيد التجلّي بالإشارة إلى الصليب:”لمّا تجليّت قبل صلبك يا ربّ، شابه الجبلُ سماءً، وانبسطت السحابة كمظلّةٍ، وشُهد لك من لدن الآب…”

التجلّي وكتابة الأيقونات

هناك قول قديم في فنّ كتابة الأيقونة يقول:”نحن نحتاج لأن نمزج مع الألوان الروح نفسه، والنور الوهّاج نفسه الذي صنعت العالم به، أيّها القدّوس لنحيط بجمالك”.

v

تركّز الكنيسة بشكلٍ أساسي على دخول الإنسان في سر نور الله غير المخلوق، نور التجلّي، من هنا تطلب من الذي يريد كتابة الأيقونات، (نقول الأيقونة تُكتب ولا تُرسم لانّها تكتب مشاهد إنجيليّة للتعّليم والبشارة وبالتالي تُترجم لاهوت الحدث)، أن يصوم ويصلّي، وحتى قبل مباشرته العمل، يتلو عليه الكاهن،  في كلّ مرّة،  صلاةً خاصّة بعد أن يتلو صلوات تخصّ التجلّي مع الطروباريّة، يُطلب خلالهم المعونة من الرّب، كانّه بذلك يقول:”بنورك نكتب ما لا يُكتب”، كذلك يتضرّع أمام أيقونة والدة الإله “الهادية/المرشدة”  Hodigitria  طالبًا منها أن ترشده في عمله وتهديه إلى الطريق القويم.

يقول اللاهوتي بول إفذوكيموف[2]، في السياق نفسه،:”نحن نكتب لا الأيقونة بالألوان، بل بنور ثابور، وهو النور نفسه الذي عاينه التلاميذ في التجلّي”.

هذه الحالة النورانيّة تنعكس في الأيقونة نورًا وبهاءً، وهو بالتالي يُفعّل دور الروح القدس الذي يجعل جمالها يتخطّى الجمال المشاهد بالعين الطبيعيّة، جمال أبعد من مقايّيس الألوان، فيتحقّق فيها المقولة اللاهوتيّة:”الأيقونة نافذة إلى الملكوت”.

كذلك تعلّم الكنيسة أنّه كلّ من يريد أن يتعلّم فن كتابة الأيقونة، يجب عليه اوّلًا أن يبدأ بأيقونة التجلّي حتى إذا امتهن هذا الفن الإلهيّ ينتقل إلى غيرها.

التجلّي نور أبديّ لا يوصف: كان وكائن وسيكون.

يضعنا التجلّي أمام تضاد إيجابيّ كبير. النصّ الإنجيليّ يصف ما لا يوصَف، وكذلك أيقونته.

يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-395م) في معاينة موسى النبي لله:

moise-brousaille 

التقى موسى النبيّ الله أوّلاً في النور، فكانت العليّقة الملتهبة وغير المحترقة(خروج3)، ثُمَّ كان له لقاءات أخرى معه، وتكلّم معه في الغمام، ولكنّه أدرك أن الله لا يراه أحد(خروج 20:33).

وهذا ما تعلّمه الكنيسة في عقيدتها: إنّ جوهر الله لا يُدرك، ولكنّ، الإنسان يتألّه بالنور والقوّة غير المخلوقة  Energie non créée النازلة من الله على الإنسان وغير المنفصلة عن جوهر الله.

لقد اختبر كثيرون من القدّيسين هذا الأمر في علاقتهم بالله، وعبّرت الكنيسة عن ذلك خاصةً في المجمع المسكوني الرابع(451م) فكانت لغة اللاوصف واللاتحديد، اللاهوت التنزيهيّ  L’apophatisme، فهو أبعد وفوق الرحمة، وأبعد فوق النور، وأبعد وفوق المحبّة،…

يُظهر النصّ الإنجيليّ حول التجلّي هذا العجز البشري عن التحديد والوصف بشكل واضحٍ جدًا: “وتغيّرت هيئته قدّامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًا كالثلج، لا يقدر قصّار على الأرض أن يبيّض مثل ذلك (مرقس2:9-3)”.

نور الله لا يمكن وصفه، وما يقوله الإنجيليون الثلاثة (متى17-مرقس9-لوقا9) ما هو إلّا تشابيه بشريّة ناقصة.

يشّع النور من الرّب يسوع: ثياب المسيح هي ثياب القيامة، انفجار الألوهة، إنبعاث الحياة، هذه الحياة التي هي حياة الناس، يسوع هو الحياة: “فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه (يوحنّا 4:1)”.

يأتي الوصف اللغويّ ضعيفًا أمام عظمة السيّد. هو أنصَع من البياض نفسه، وأكثر إشراقًا من الشعاع، وأبهى جلالاً من المجد. إنّه مصدر كلّ هذه الأشياء وغيرها.

هو الذي أوجدها وصنعها من العدم، هو الله الذي تجسّد وأصبح إنسانًا مثلنا، من دون أن يفقد شيئًا من ألوهيّته.

يكتب القدّيس يوحنّا الذهبي الفم (349-407) حوارًا مع الإنجيليّ مرقس، ويتوسّع ليشمل بحديثه باقي الإنجيلييّن الذين تناولوا حدث التجلّي:

القدّيس يوحنا: كيف تجلّى؟ أخبرني.

مرقس الإنجيليّ: بقوّة كبيرة.

القدّيس يوحنا: لماذا قلتم مثل الشمس؟ لقد قلتم مثل الشمس أليس كذلك؟

مرقس الإنجيليّ: نعم

القدّيس يوحنا: لماذا؟

مرقس الإنجيليّ: لأنّي لا أعرف كوكبًا أكثر منه إشعاعًا. وكان أيضًا “أبيض مثل الثلج”.

القدّيس يوحنا:  لماذا مثل الثلج؟

مرقس الإنجيليّ: لأني لا أعرف مادة أشدَّ بياضًا من الثلج.

وهنا يشرح القدّيس يوحنّا فيقول:

صحيح، فلو كان نوره مثل الشمس، وبياضه مثل الثلج لما وقع التلاميذ أرضًا، فوقوععهم أرضًا هو شهادة بحدّ ذاتها على عدم تحمّل الطبيعة البشريّة قوّة الطبيعة الإلهيّة ومجدها.

اللاهوت التنزيهيّ  يظهر في أيقونة التجلّي من خلال دوائر ثلاثة موجودة خلف الرّب يسوع وتنتقل بالتدرّج من اللون الفاتح إلى الداكن، فالداكن يرمز إلى ما لا يمكن إدراكه، وكانّه بذلك تقول: كلّما غصنا أكثر في معرفة الله theognosia، كلّما اكتشفنا أن عمق جوهره لا يُدرك.

الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبديّة. آمين (1 تيموتاوس 16:6)”.

لقد حذّر الآباءٌ القدّيسون الدارسين والباحثين في اللاهوت والكتاب المقدّس من الوقوع في فخّ الانتفاخ العقليّ، ومصيدة الكبرياء القاتلة المميتة، ومرض الإدّعاء والخروج بتفاسير وتحديدات عن الله صادرة عن تحاليل عقليّة بشريّة صرف، مهما يعلو شأن الباحث والدارس.

القاعدة ثابتة، لم ولن تتغيّر: “بنورك نعاين النور”، وهذا النور لا يُكتسب إلاّ بإخلاء الذات من كلّ انتفاخ أرضيّ للامتلاء من الروح القدس. “إنّها معرفة الله وليس معرفة عن الله”.

بالعودة إلى التجلّي، نقول، النور يقود إلى النور، لأنّ المسيح هو نور من نور، والنور هو الحياة، لأنّ المسيح هو الحياة، وهذه الحياة موجودة في أعماق كلّ إنسان منّا، وما علينا إلّا الغوص لاكتشافها. إنّها الحياة الأبديّة، الملكوت الذي يدعونا الله إليه: “ملكوت الله داخلكم”(لوقا 20:17).

إنّها دعوة إلى أبعد ما هو منظورBeyond، إنّها دعوة للمجد الإلهيّ، إن أحسنّا الاختيار:”اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض“(كولوسي3)”.

t3

يقول القدّيس نيقولاوس كاباسيلاس (1319/1323):” من يكتفِ بالعلاقة من الخارج يبقَ خارجًا، وكلّ شيْ خارج نور المسيح ظلام”، ويكمّل:”بقدر ما يغوص المرء في نور الله تزول العوائق، والحواجز تضمحلّ بنور المسيح لأنّ نور الرّب ساطع ولا شيء يحجبه”.

كذلك يقف هذا القدّيس مرنّمًا ومدهوشًا إزاء النور الإلهيّ فيقول:” آه، كم هو جميل النور الذي هو داخل الإنسان، إنّه حضور الله بذاته، وشعاعاته تشعّ في كلّ الاتّجاهات مزيلةً كُلَّ الظلام والسواد”.

أظهر بعض كاتبي أيقونة التجلّي تركيزًا أقوى من غيرهم للتعبير عن قوّة النور وخصائصه، ، فنجد مثلًا عند كاتب الأيقونات ثيوفانس اليونانيّ (1350-1410) أسهمًا تنبعث من السيّد لتشكّل مع السيّد نفسه نجمًا بستة رؤوس ويشّع في كلّ الاتجاهات.

لهذا الشكل من النجم – معنىً – مثلّثان متساويان متداخلان –  وهو اتحّاد الروح بالمادة، واتّحاد العوامل القويّة بالضعيفة (الإيجابيّة والسلبيّة)، وأيضًا يُشير إلى حركة قوّة لا تتوقّف   Le rythme du dynamism”” ، وهو يُدعى أيضًا خاتم سليمان في اللغة القديمة، وهو شكلٌ يرمز إلى القوّة والجبروت والسلطة على كلّ المخلوقات الحيّة.

وهنا الشيء نفسه، فيسوع هو سيّد السماء والأرض والجحيم.

هذه القوّة أعطاها الله للإنسان، “الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال اللتي أن أعملها يعملها هو أيضًا،ويعمل أعظم منها (يوحنا 12:14)”.

هذا بالفعل ما تسميّه الكنيسة “مؤازرة”Synergy [3] أي العمل معًا، الله يعمل فينا بإرادتنا ونحن نعمل معه. المؤازرة هذه تصل بالتجلّي إلى كمالها، فهي لا تكشف فقط عن طبيعة الرّب يسوع الإلهيّة بل، تكشف عما يمكن للإنسان أن يُصبح عليه إذا ما اتّحد بهذا النور.

هذه هي ثمار التجسّد، الذي ليس ما يحويه: يتّحد بالطبيعة الإنسانيّة إتّحادًا كاملًا ليرفعها إلى الإلهيّات (القدّيسين ذيذيموس الضرير وأثناسيوس الكبير، القرن الرابع ميلادي). حبّ إلهيّ مطلق نازل من فوق، وقبول وجهاد صاعد إلى فوق.

ومن الشعاع ينبثق شعاعات ثلاثة تتّجه نحو التلاميذ الثلاثة، كلّ واحد بدوره، وهذا تاكيد لمشاهدتهم نور الرّب.

ينشد القدّيس كليمنضس الاسكندري (150-215) في هذا الأمر مفارقة إيجابيًّة تفوق العقل والإدراك فيقول:”في التجلّي، يكشف المسيح عن طبيعته الإلهيّة، بحيث أن الذين أصعدهم معه ليروا هذا المجد لا يستطيعوا أن يروا”[4].

هذا تمامًا ما تقصده طروباريّة التجلّي:” … بحسب ما استطاعوا”.

من هنا يقصد كاتبوا أيقونة التجلّي أن يميّزوا بين بياض النور الصادر من الرّب وبين النور القريب من التلاميذ اذي يميل إلى الرمادي أو يغمق بعض الشيء، وهو طبعًا لا يخفّ بطبيعته وإنّما ليشير على ضعف قدرة احتمال التلاميذ.

بطرس الرسول يُشير إلى الرّب يسوع تأكيدًا لقوله: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. (متى 16)

حركة يوحنّا تترجم المهابة والرهبة.

يعقوب يحاول أن يستر وجهه، هذا طبيعي، وكانّه بذلك يكشف لنا العهد القديم بكامله:

– “لا تستطيع أن ترى وجهي يقول الرّب (خر20:33)”.

– “لم يكن يستطيع العبرانيّون مشاهدة وجه موسى النبيّ بعد نزوله من الجبل، وفي كلّ مرّةٍ كان يدخل فيها خيمة الاجتماع ليلتقي بالله، لذا كان يضع برقعًا على وجهه (خروج 29:34-35)”.

دائرتان وكواكب ونجوم خلف الرّب يسوع

نشاهد في بعض الأيقونات دائرتين خلف الرّب يسوع وفي الدائرة الأولى كواكب ونجوم.

هذا مرتبط ببعض الأحاديث التي تناقلت حول أن السماء انفتحت  والشعوب، جيل بعد جيل، كانت تأتي لتنظر إله يعقوب، مشتهى الأمم، وكانت تنتقل بالتالي إلى السماء الثانية.

icon8

الكواكب والنجوم ترمز إلى المسيح القائم والمتلّحف بالأبيض، لون القيامة، والى الصالحين والأطهار. نقرأ في سفر دانيال: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الابديّة، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبديّ. والفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردّوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور (2:12-3)”. و”مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر، لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد.(1كور41:15)”.

وأيضًا، نقرأ في سفر العدد :” أراه – يقول بلعام- ولكن ليس الأن.أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من اسرائيل، فيحطّم طرفي مؤاب ويهلك كلّ بني الوغى. (17:24)”.

نلاحظ جليًّا هنا كيف أن النبؤّات تنجلي أمام الذي يتجلّى، لأنّه هو”هو” أيّ الكائن:

أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرّب الكائن والذي كان، والذي يأتي القادر على كلّ شيء” (رؤ1: 7، 8).

والنجم الأساسيّ او الكوكب الأساسي الأوّل مبدأ كلّ النجوم وصانعها موجود في الوسط: “أنا أصل وذريّة داود. كوكب الصبح المنير(رؤيّا 16:22)”.

من المهم جدًّا أن نعيّ ما  المقصود بقول “كوكب الصبح“. فهو الذي يُعلن الولادة المستمرّة للنهار أيّ الحياة، وهو مبدء الحياة وعلّتها.

المسيح يشرق على الدنيا بأسرها، على كلّ الشعوب، والنور يبدّد الظلام، ظلام الخطيئة وسواد الشرير.

وهكذا تتحقّق مرةً تلو المرّة آية أشعياء النبي:”الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت اشرق عليهم نور (2:9)”.

التجلّي والبعد الثالث

البعد الأول في الأيقونة هو ارتفاعها، والبعد الثاني هو عرضها، أمّا البعد الثالث فهو العمق. 

هو عبور من ما هو زائل وترابيّ إلى ما هو أبديّ وإلهيّ. إنّه جمال ما بعده جمال، جمال يذهب أبعد بكثير من العين الترابيّة.
هذا ما نسميّه بالبعد الثالث غير المنظور. فلنذهب إلى العمق ونرمي شباكنا للصيّد الإلهيّ.

التجلّي إعلان إلهيّ: نورٌ يضيء ظلمة العالم.

سأل الرّب يسوع التلاميذ:”من يقول الناس إنّي أنا ابن الانسان؟”  فقالوا:”قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء“. قال لهم:”وأنتم من تقولون إنّي أنا؟” فأجاب سمعان بطرس:”أنت هو المسيح ابن الله الحيّ (متى16)”.

سؤال يطرحه على كلّ إنسان وفي كلّ الأزمان. من الذي يتجلّى؟ لنرى هنا ماذا يحصل؟

نشاهد في بعض أيقونات التجلّي، على الجهّتين اليمنى واليسرى، تضاريس صخور تبدو كأنّها مغارة وفي وسطها الرّب يسوع المسيح وثلاثة تلاميذ:”بطرس ويعقوب ويوحنّا” (وحده الرّب على رأسه هالة). إنّهم التلامذة أنفسهم الذين اخذهم الرّب يسوع على حدةٍ في الجسمانيّة.

maghara

في التجلّي، يُصعدهم يسوع معه ليكشف لهم عن ذاته.
الجبل كمكانٍ مرتفع هو رمز لحالةٍ مرجوّة: “أرفع عينيّ إلى الجبال، من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرّب (مزمور 121 : 1-2)”.

في العهد القديم كان الجبل المكان الذي تكلّم الله فيه مع النبيّين موسى وإيليّا.

الجبل هو عكس الوادي الذي يرمز إلى الجحيم ومسكن الخطيئة والشر. (حتّى في الحضارات الوثنيّة كانت قمم الجبال مسكن الآلهة).

ها قد بدأ الرّب يسوع بالاقتراب أكثر فأكثر، مُضيئًا ما هو مظلم، هو يبدأ بالكشف عن ما لا يُدرك، عن ما ليس له نهاية. فأيقونة التجلّي عنوانها النور، وتخبرنا عن النور، نور لا ينتهي إلى آبد الآبدين[5]

ولا بدّ لنا هنا أن نتذكّر ما يقوله القدّيس يوحنا الدمشقي (القرن السابع ميلادي) :”لنصوّم عيوننا بالطهارة والنقاوة قبل النظر إلى الأيقونة”، أيّ لنزيل منها كلّ ظلمة وشهوة رديئة.

حركة الصعود واضحة مع التلاميذ، الرّب يسوع يتقدّمهم وهم يتبعونه، تمامًا كالخراف التي تتبع الراعيّ. “مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ:قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ (أشعيا 7:52).”

الطبيعة الصخرية تُعطي انطباعًا لمغارة مظلمة، وكانّه هناك ولادةً ميلاديّة جديدة.

في التجلّي يظهر سرّ التجسّد بملئه، أيّ الاتّحاد بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة.

لقد ساد في الماضي اعتقاد فلسفي أفلاطوني، كذلك عند الأفلاطونيّة الجديدة، أن العالم هو مغارة كبيرة[6]، فأتت المسيحيّة لتنير تلك المغارة[7]، إن كان في الميلاد أو في كلّ حدث تظهر فيه – في الميلاد، في الصلب، في النزول إلى الجحيم (القيامة) – فالمسيحيّة بلاهوتها تتخطّى الفلسفة وتعطي معنى أعمق للحياة الحقيقيّة والآبديّة.

كذلك تظهر جليًّا رغبة الرّب يسوع برفع التلاميذ إلى العلى، وأن يُدركوا ويعاينوا، ولو لبرهة قصيرة، حقيقة ألوهيّته التي أعلنها بطرس الرسول في قيصريّة فيلبس(متى16).

إنّه في الحقيقية انفصال عن الماديّات Detachment، وهذا تمامًا ما نحن مدعوّون إليه ونحن في هذه الخيمة الأرضيّة (الجسد): أن نعيّ أنّنا مواطنو السماء”Beyond”.

يقابل الصعود حركة نزول. إنّها عودة إلى العالم، إلى الألم والتجارب والجهاد. إنّه خروج من المغارة والعودة إليها، ولكن هذه المرّة بعد معاينة النور الإلهيّ، ليعي المرء أن لحياته معنى وهدف ألا وهو الاتّحاد بالله لينقل بدوره النور الإلهيّ إلى العالم.

وأجمل ما في هذه الحركة أن الرّب يسوع ينزل أمام التلاميذ، يسبقهم إلى تحت ليعود يرفعهم إلى فوق. يرفعهم ويرفعنا، يجذبهم ويجذبنا.“وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيع، قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ (يوحنا 32:12-33)“.
croix

تبدأ الكنيسة بترتيل كاطافسيّات الصليب إبتداءً من عيد التجلّي ولمدّة أربعين يومَا أي إلى حين بلوغ عيد رفع الصليب الكريم المحيّي الذي يقع في ١٤ أيلول 

وبحسب ترتيب الإنجيل يقع التجلّي قبل صلب الرب يسوع بأربعين يومًا ولكن تم نقله إلى قبل عيد رفع الصليب كي لا يقع في الصوم.فالصليب قاعدته في الأرض ولكن رأسه في السماء، وبفتحه يديه عليه ضم السيد المسكونة جمعاء الى قلبه.

 هذا هو لاهوتنا وهذه هي محبّة الله اللامتناهية لكلّ واحدٍ منّا، أدرك ذلك أو لم يُدرك.

كذلك نشاهد في الأيقونة الرّب يسوع ينحني نحو التلاميذ أثناء النزول، وهي إشارةُ إلى أنّه دائمًا معهم، ومعنا. الله لا يتركنا يتامى. بل على العكس تمامًا، النور موجود في داخل كلّ واحدٍ منّا وينتظرنا. هذا النور لا يضيئنا نحن فقط، بل يضيء كلّ من نلتقي به إذا أحسنّا تفعيله وقبوله. 

حركة النزول لا تعني بتاتًا أنّنا تخليّنا عن ما هو فوق، وهذا بالضبط ما نشاهده في الأيقونة التي تظهر التلاميذ ينظرون إلى الرّب كأنّهم يقولون له: ها قد عدنا،” أمكث معنا، لأنّه نحو المساء وقد مال النهار (لوقا 29:24)“، تمامًا، كما قال تلميذا عمّاوس للرّب عند لحظة الاافتراق. ليل التجارب والمحن يقترب،

يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي[8]: “هذا هو التحدّي، وهذه هي الحذاقة، ألا نفقد في هذا الزمان العابر جمال ما هو فوق”.

يُنشد القدّيس رومانوس المرنّم (القرن الخامس) في حدث التجلّي ما يلي:”الذي نزل بتدبيره إلى الأرض، وهو وحده يعرف كيف، والذي صعد إلى العلى، يدعو اليوم الذين أحبّوه وتبعوه أن يصعدوا إلى فوق، ويقودهم لكيّ يرتقوا إلى ما هو أسمى من الأرضيّات”.

لنرى جيّدًا، كيف يأتي الرّب يسوع إلى كنيسته. إنّه يقفز على قمم الجبال، وها البرقع يسقط وينشقّ الحجاب، وينكشف كلّ شيء، والعروس، أي الكنيسة، تلاقي عريسها المسيح[9].

الله يتجلّى على الأرض. يتجلّى على الجبل، لا في السهول ولا في الوديان، بل فوق، على القمّة، لكيّ ندرك ضرورة الارتقاء دائمًا إلى فوق والبحث عنه وقلوبنا إلى فوق.

على الجبل قديمًا، أُعلنت الشريعة التي ستقودنا إلى المسيح. العهد القديم يكتمل بالعهد الجديد ومكمّله الإله المتجلّي.

النبيّ موسى يُشير إلى الشريعة، وقد أخذها من الله، وها هو يقف أمامه الآن، وكان الله قد كشف له عن اسمه، “يهوى”، الذي هو يهوشع ويسوع أو يشوع، ومعناه الكائن من ذاته الذي يخلّص.

كذلك إيليّا النبيّ، الذي يمثّل الأنبياء، كان يقول: “حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ (1ملوك 15:18)”، وها هو اليوم أيضًا يقف أمام الإله نفسه قبل ذهابه طوعيًّا إلى الصلب.

جبلُنا اليوم هو حفظ وصاياه والعمل بها، هو معرفة الله بروحه القدّوس. فكما التلاميذ تبعوا الرّب إلى القمّة، كذلك نحن نقوم من خطايانا، بنعمته، لنتبعه إلى حيث هو موطننا الأوّل وننتقل معه من “مجدٍ إلى مجدٍ (2كور18:3)”.

موسى وإيليّا النبيّين: وألم تكن هنا أيضًا تُفتح الكتب بظهور موسى وإيليّا؟ 

وفيما هو يصلّي صارت هيئة وجهه متغيّرة ولباسه مبيّضًا لامعًا، واذا رجلان يتكلّمان معه وهما موسى وإيليّا اللذان ظهرا بمجدٍ وتكلّما عن خروجه الذي كان عتيدًا أن يكملّه في أورشليم (لوقا 29:9)”.

موسى صاحب اللحية القصيرة، يقف عن يسار المسيح، يبدو شابًا نضرًا: “وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ولم تكلّ عينه ولا ذهبت نضارته (تثنية الاشتراع 7:34)”.

moise-tablettes-ttt

في حركة إنحناء، يقدّم موسى للرّب يسوع لوحيّ الشريعة اللذين كتب عليهما يسوع في العهد القديم قبل أن يتجسّد، وكانّه بذلك يقول:” تفضّل يا رّب أنت هو صاحب الشريعة وكاتبها، فهلّم أكمل ما ينقصها إذا هي لا تكمل إلا بك”، كذلك نراه يتأمّل ويشاهد ما اشتهى كثيرون أن يشاهدوه: “الحق أقول لكم، إنّ أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا(متى 17:13)”.

عيناه تشخصان إلى إلهه ” يهوى” الكائن، وقد علّم الشعب أن ينظر دومًا إلى فوق من حيث يأتي العون.

موسى هو القائد، كليم الله والمصلّي. يشرح القدّيس غريغوريوس النيصصي عنه فيقول:”هو صورة مسبقة عن المصلوب المنتصر، أيّ الرّب يسوع المسيح، وصورةٌُ عن الكاهن الاوّل الذي يرفع يديه حاملًا  القرابين لينال البركة من الله”.

نعم، موسى النبيّ يرفع عصاه فينشق البحر، يلمس الصخرة فتتفجر المياه وتروي العطشى، يرفع يديه ليصلّي فينزل المن والسلوى ويأكل الجائعون، يلقي عصاه فتصبح حيّة لتبتلع الحيّات الأخرى، ويمدّ يديه على شكل صليب فينتصر الشعب. كان موسى على رأس التل يرمز للسيِّد المسيح الذي صُلب على جبل الجلجثة، وكان يشوع بن نون مع رجال الحرب يجاهدون ضد عماليق رمزًا لجهاد الكنيسة المستمر ضد الخطيئة.

رفْع يديّ موسى ومساعدة الجماعة له بحملهم يديه، يُشيران إلى حياة المثابَرة والجهد والشركة حتّى النهاية، إذ ما كان يمكن له أن يبقى رافعًا يديه بدون هرون وحور، وبهذا يدرك كلّ مؤمن موقعه في العمل الإلهيّ، فلا يستهين أحد بمواهبه مهما صغرت.

لنلاحظ جيّدًا كيف أن الصليب موجود في كلّ حدث خلاصيّ، كذلك في أيقونة التجلّي، ومحورُه الرّب يسوع المسيح. موسى وإيليّا يمينًا ويسارًا (الخط الأفقيّ) والتلاميذ في الأسفل (الخط العامودي).

فكما يسوع يجمع في شخصه الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة، كذلك هنا يجمع العهدين القديم والجديد وعالم الأرض والسماء.

وجود موسى مع الشريعة في التجلّي هو تأكيدٌ لما قاله الرّب:” لا تظنوا إنّي جئت لانقض الناموس أو الانبياء. ماجئت لانقض بل لأكمّل(متى 17:5)”.

أليست الشريعة تقود إلى يسوع؟ وهل يمكن فصل العهد القديم عن العهد الجديد؟ بالطبع لا.

يخفق بطرس الرسول بقوله “فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة””، هناك خيمة واحدة تجمع الكل ألا وهي الرّب يسوع المسيح[10].

elia

في الجهة المقابلة عن يمين السيّد يقف إيليّا النبي الذي يعني اسمه “يهوى إلهّي” أي “يسوع إلهي”.

إيليّا ذقنه طويلة وشعره طويل، وهذه من علامات النسك والجهاد والتخلّي عن كلّ شيء من أجل الرّب.

إيليّا يمثّل الأنبياء، كلّ الأنبياء ونبؤاتهم التي تتحقّق بالرّب يسوع. هناك اكثر من ثلاث مئة نبؤة في العهد القديم عن يسوع.

في الأعلى وفي كلّ زاوية من الأيقونة، نشاهد ملائكة رافقت قدوم النبيّين، كما تشير الملائكة أن موسى وإيليا لم يموتا بل هم أحياء بالمسيح كحال كلّ مؤمن به.

وفيماهو يتكلّم اذا سحابة نيّرة ظلّلتهم وصوت من السحابة قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا»

السحابة هي من علامات حضور الله. نعم الله حاضر، وعبارة ابني الحبيب التي أتت في الظهور الإلهيّ، تُذكر هنا ثانيّةً مع إضافة وتأكيد أن للرّب يسوع السلطان الإلهيّ الكامل:” له اسمعوا”.

نهايةً، يسوع بتجليّه دعانا إلى مجده الآبديّ لأن:”جميعنا (جميعكم) أبناء نور، وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة(1 تسالونيكي5:5)”.

حواشي البحث


[1] G.HABRA, La Transfiguration selon les Peres Grecs. R.DE FEERAUDY, L’icône de la Transfiguration.

[2]  Paul Evdokimov was a Russian and French theologian, writer, and professor of theology at St. Sergius Institute in Paris.

[3] From Ancient Greek συνεργία ‎ joint work, assistance, help. Working together, σύν‎ means “together” + ἔργον(‎ergon)  means work.

[4] CLÉMENT D’ALEXANDRIE Stromates

[5] القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-394)

[6] Platon – La Repuplique 7

[7] القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-394)

[8] Saint Grégoire de Nysse– L’être humain et le temps.

[9] (أوريجنس القرنان الثاني  والثالث)

[10] أوريجنّس – عظة في اللاويّين

مؤرخ اللاذقية المجهول الياس سمعان صالح

$
0
0

 

مؤرخ اللاذقية المجهول الياس سمعان صالح

بقعة ضوء

عندما نسمع عن المخطوط الشهير ” آثار الحقب في لاذقية العرب” نستذكر هذا الكاتب والمؤرخ والشاعر الذي عاش في القرن 19

 البعض سلط عليه بعض الضوء كالعلامة خير الدين زركلي في موسوعة الاعلام السوريين

وهو ترك اضافة الى هذا المخطوط بأجزائه الثلاثة كتاب ترجمه عن الفرنسية بعنوان “مذابح سورية” وكتاب “نظم المزامير” وديوان شعر.

ومن سياق واجبنا بتسليط الضوء على اعلامنا الانطاكيين المغمورين والمنسيين ونشرهم في موقعنا جئنا هنا نسلط الضوء على هذا العالم الانطاكي الارثوذكسي العقيدة والسوري الجنسية ولعلنا نكون قد توفقنا…

في الاسرة

نشأ جد علمنا الأعلى صالح في في مدينة غزة من اسرة مسيحية ارثوذكسية وخدم الحكومة المحلية فيها باخلاص. فترعرع ولداه خليل وسمعان على مبادئه وخدما الحكومة، الاول  تولى رئاسة كتَّاب حكومة غزة وتوفي فيها في اوائل القرن الثامن عشرقبل قتل اخيه سمعان بقليل وترك ولداً اسمه سمعان ولقب بأبي داود وسلالته  هي من عائلات غزة الارثوذكسية.

اما سمعان  بن صالح الجد الأعلى فقد هجر موطنه غزة وانتقل الى يافا وسكن فيها اذ استقدمه اليها حاكمها محمد باشا ابو مرق واتخذه رئيساً لكتاب الولاية، وكان سمعان ارملاً وله ولد اسمه سالم. ثم حدثت خلافات بين ابو مرق واحمد باشا الجزار والي صيدا، ففر ابو مرق الى اللاذقية خوفاً من بطش الجزار فأكرم مثواه في اللاذقية الخواجا حنا كبة الذي كان متسلم المدينة(1) وسعى له بأمر من الصدارة العظمى الى الجزار ان لايتعرض له بسوء فعاد الى يافا مقر ولايته، فأوغر ذلك صدر الجزار على حنا كبه فأثار عليه غيظ عذر آغا حاكم قلعة المرقب فقتله سنة 1803 ولم يطل العهد على الجزار حتى توفي بعد سنة.

وكانت ارملة حنا كبه بعد قتل زوجها قد استغاثت بمحمد باشا ابي مرق صديق زوجها، فاستقدمها اليه مع ولديها جرجس وديمتري وابنتها ايرين فلما خلف سليمان باشا الجزار في ولاية عكا. اتخذ سمعان صالح رئيس كتابه فسعى ابو مرق بتزويجه بابنة حنا كبه ايرين المذكورة وربى ولدي حميه.

وكان والي فلسطين ابو نبوت وولايته تابعة لدمشق، فقام عليه الفلسطينيون وأغلقوا باب يافا في وجهه بعد عودته من عكا لظلمه لهم، فاتهم سمعان صالح بالثورة واضمر له السوء. فسعى به لدى وكيل والي دمشق حسين باشا احد غلمان سليمان باشا وصديق ابي نبوت ورفيقه، فاستقدمه حسين باشا لمحاسبته فخاف من غدره وبعث بولده سالم عوضاً عنه، فسجنه وتهدد والده بقتله اذا لم يقابله في دمشق، فاضطر استبقاء لحياة ابنه ان يذهب الى دمشق فسجنه فيها، وبعد يومين  شاع قرب وصول والي دمشق الأصيل سليمان باشا الذي كان صديقه، فانتهز الوكيل حسين باشا الفرصة قبل وصول معلمه، وعجل بشنق سمعان صالح مع زوج ابنته (صهره) قسطنطين برهومه الذي رافقه الى يافا. وبعد انزالهما عن المشنقة كان برهومه لايزال حياً، فصودر وفرَّ الى الرملة فسكنها وعاش فيها سنوات. ثم ارسل حسين باشا وضبط جميع عقارات سمعان صالح ومقتنياته في يافا والقدس واطلق ولده سالماً فسكن القدس وسلالته بقيت فيها.

وكان سمعان صالح قد رزق من زوجته الثانية المذكورة ولدين، الياس الذي توفي فتى، وموسى، فذهبت به امه الى اللاذقية واقامت بها، وذلك بعد فتح ابراهيم باشا المصري لعكا، فتزوج موسى بن سمعان صالح وهو في التاسعة عشرة من عمره سنة 1837 ورزق خمسة ذكور بقي منهم ثلاثة أحياء وهم الياس علمنا الذي ولد في 26 كانون الثاني 1839، وسليم ولد في 29 كانون الاول 1844 ويوسف ولد في 23 ايلول 1847.

لم يصادف موسى نجاحاً في اللاذقية فترك اسرته فيها وسار الى اخيه سالم في القدس وتوفي فيها سنة 1867  وكان اخوه سالم قد توفي فيها قبله وذلك سنة 1862 وله ولدان سمعان وصالح وسلالتهما فيها.

نشأته

ترعرع الياس سمعان بن سمعان صالح الغزي في اللاذقية مسقط رأسه. ودرس اللغات العربية والايطالية والافرنسية، والم بالانكليزية والتركية، واتقن الخط العربي حتى جوَّده. واتقن العربية في مدرسة الاميركان فيها.

في سنة 1866 عُيِّنَ ترجماناً لقنصل اميركا، واشتغل بالتجارة وتزوج سنة 1871 وفي السنة التالية تولى وكالة القنصلية، وسافر الى مصر سنة 1874 وبقي فيها سنة، ثم استقال من خدمة القنصلية، وخدم الحكومة الى وفاته على اثر مرض عضال في 3شرقي و15 ايلول غربي سنة 1885.

كان علمنا موسيقياً وشاعراً ومؤلفاً وقانونياً واديباً.

مؤلفاته

أنشأ الياس صالح في السنة 1866 خطبة في “حقيقة التهذيب” طبعت في المطبعة العمومية في بيروت في 24 صفحة بقطع ثمن، ومن اقواله فيها:”ان شرف الجنس البشري انما هو بالعقل فكما يعتني الانسان بتغذية جسده بالمأكول والمشروب يجب ام يعتني بنوع اخص “بتغذية عقله بالعلوم والمعارف بواسطة البحث والمطالعة …” ومنها:” ومما ينبغي الحاقه في ماتقدم وجوب تعليم النساء فان المرأة اذا شغلت اوقاتها الفارغة بمطالعة الكتب المفيدة وتعليم اولادها الصغار تكون منفعتها لنفسها ولزوجها ولأولادها ولبيتها أكثر مما اذا جلست في زاوية الجهل  كالآلة الصامتة او المقلقة” وختمها بقصيدة في احد عشر بيتاً يقول العلامة عيسى المعلوف انه لم يجدها بديوانه المطبوع منها:

فجر العلوم على ارجائكم طلعا………فنبهوا منكم الطرف الذي هجعا

……

……

…..

…..

…..

…..

…..

ليس التهذيب في تقليد من نسبوا………اليه ان لم يكن بالغلم قد شفعا

وسنة 1869 اقترح عليه مرسلو الاميركان في اللاذقية ان ينظم لهم المزامير”نظم المزامير” مع بقاء المعنى الاصلي وتوقيعه على الحان الترنيم. فشرع به واتمه سنة 1874 وسافر حسب طلبهم الى مصر لمقابلته على الاصل وبقي سنة فيها. و”نظم المزامير” هو مطبوع طبعاً متقناً مسبوكاً في قالب البلاغة والانسجام في بيروت في مجلد كبير.

وسنة 1873 باشر وضع تاريخ مطول للاذقية سماه “آثار الحقب في لاذقية العرب” وهو مخطوطه الشهير وموجود نسخة منه في مكتبة بطريركية انطاكية وسائر المشرق بدمشق وفيه معلومات مفيدة عن اللاذقية وتسميتها وجغرافيتها وسكانها الذين كان عددهم اذ ذاك 11200 نسمة منهم 8819 مسلمون و1845 مسيحيون ارثوذكسيون، والباقون من الارمن والموارنة واللاتين والبروتستانت. ثم قوَّمَ منازاها ومساجدها وكنائسها ومعاملها فعَّدَ فيها معملين بخاريين لحلج القطن وثلاثة مكابس لكبسه. وقال ان “اسكلة”(ميناء) اللاذقية لاسكان فيها ولكن مخازنها التجارية 60.

وصف آثارها كقلعة صهيون والمرقب وبانياس وجبلة وغيرها، وبحث في عادات سكانها واجتماعاتهم وصناعتها وزراعتها وتجارتها وحاصلاتها وكلها ابحاث مطولة دقيقة، ثم عقد فيه فصلاً للنصيرية (العلويون) وعاداتهم وعشائرهم ومذاهبهم والاسماعيلية ومايتعلق بهم. ثم اشار الى الوقائع القديمة وتنظيم الولاية ونحو ذلك من الابحاث المحققة. وذكر بعض أُسرها وأنسابهم مما يدل على سعة اطلاعه.

وسنة 1875 وضع يومية حياته مفصلة واصفاً مارافقها من الحوادث الى غير ذلك من آثار أقلامه.

شعره

كان نظمه رشيقاً نحا في بعضه منحىً عصرياًمثل قوله في وصف الباخرة كما في ديوانه المطبوع صفحة 44 من قصيدة بعث بها الى ابن عمه سمعان سالم صالح في القدس:

ما غراب البين من طير السما ………انما فلك بظهر البحر لاح

قوته   نار      تشب      وله ………من بخار عوض الريح جناح

ومنظوماته مرتبة على سبعة ابواب باب الغزل، والنسيب، والمراسلات، والمدائح والتهاني، والمراثي والتعازي، وباب اغراض شتى، ومدائح العذراء. والتواريخ وقد اجاد في معظمها وله تخاميس وتشاطير رشيقة.

وقد راسل الكثير من شعراء وادباء عصره مثل فرنسيس مراش واسكندر كاتسفيلس واحمد وهبي ونقولا بك نوفل وسليم بسترس وسليم بك عنحوري وغيرهم ومدح الخديوي اسماعيل  والكثير من الولاة وارباب المقامات الدينية من عربواتراك وافرنج، ورثى بعض علماء عصره كفرنسيس مراش وسليم البستاني وغيرهما وقَّرَّظَ بعض الكتب وردَّ على احمد العمري الموصلي الذي تعرض للمراش عند نظمه قصيدة”بوق الحرية” الذي وصف فيه انشقاق الحلبيين وحضهم على الاتفاق…

ومن تواريخه الشعرية قوله في بندلي زخريا قنصل اليونان في اللاذقية المتوفي سنة 1865 من ابيات

نكس اليونان اعلاماً لهم………..اذ غدا قنصلهم في الترب

حل لما ارخوه نازلاً………….جنة الخلد بأزهى الرتب

وغير ذلك من قصائد التأبين…

منزلته

كانت منزلته بين الادباء رفيعة المقام وقد رد سليم عنحوري الدمشقي على تقريظه كتابه”كنز الناظم” بأبيات طبعها العنحوري في الكنز…

وكذلك مدحه فرنسيس مراش بقصيدة مطلعها

واذا غدا امل التخلص فاسداً……..فالقصد عندي صالح مستظرف

لما توفي رثاه كثير من الشعراء والادباء والعلماء كقول الشاعر اللبناني اسعد داغر:

لهفي على الياس صالح زائدُ………ومن المحال السعي في نقصانه

وأرخ ضريحه اسعد داغر بتاريخ بليغ منه

اتاه من المولى الملاك مبشرا…….للقاء   احضان    المسرة   فاتحاً

وناداه  اذ لله    ارخته    لجا…….لالياس اضحى موطن الخلد صالحاً

صفاته

كان طويل القامة اسمر اللون نحيل الجسم، كان كما قلنا موسيقياً وشاعراً ومؤلفاً وقانونياً واديباً.كان الياس صالح عاقلاً مفكراً وراوية حافظاً سريع الخاطر وافر الذكاء جامعاً لكثير من صفات الرجال المشهورين.

نأمل ان نكون قد سلطنا عليه الضوء بالحد الادنى، وجدير ذكره  انه في عام 1910 قام ولده الصيدلي رفيق صالح الموجود وقتئذ في السودان بطبع ديوان والده وهو في 168 صفحة مطبوعا بالمطبعة الوطنية في اللاذقية. ولكن بكل اسف ليس موجوداً وهو نادر الوجود، وعرفنا عنه، لأن  العلامة عيسى اسكندر المعلوف قد اشار اليه في مجلة النعمة عدد تشرين الاول 1910 وهو ليس موجوداً في مكتبة البطريركية ولم نعثر عليه في اية مكتبة اخرى.       

حواشي البحث

1) وكان من ارثوذكس اللاذقية يتجر بالدخان واشتهر  بحذقه واقدامه ومحاماته عن وطنه فنفذت كلمته لدى حكومتها فسعى بارسال مخائيل ديب من مسيحي حلب الى الاستانة ليرفع تكاليف الباشاوات عن اللاذقية بواسطة اخيه ثيودوراكي ديب كاخية امير الفلاخ والبغدان الذي كان نزيل  الاستانة نافذ الكلمة فيها فحصل فرماناً بسلخ اللاذقية عن طرابلس وجعلها محصلية مستقلة تفاوض الباب العالي رأساً وتعيين محصل مسلم بكفالة حنا كبه المتعهد بتوريد مال لواء اللاذقية الذي كانت قيمته نحو مائتين وعشرة آلاف غرش سنوياً فاستاء والي طرابلس وحاصر اللاذقية وارتد عنها خائباً فعين حنا كبه متسلماً للمدينة ورمم المساجد والكنائس التي خربها زلزال سنة 1796 وحسَّن المدينة فكان الجزار اذ ذاك متغيراً عليه فسعى بقتله سنة 1803 وقاتله مصطفى الكلّ. اما ولده جرجس وديمتري فبعد ان أقاما مدة في يافا عند صهرهما سمعان صالح سافرا الى مصر فديمتري توفي فيها شاباً غريباً وجرجس اقام عند باسيلي يوسف فخر الطرابلسي في دمياط فثقفه لصداقة ابيه له وصار يتنقل بين فلسطين واللاذقية الى ان توفي باللاذقية غريباً سنة 1857م وانقطغت به سلالته من الذكور وكان جرجس ظريفاً حسن المعاشرة له مراسلات وتآليف هزلية منها كتاب (روضة العزبان) الفه سنة 1824 في القدس فضّلَ فيه العزوبية على الزواج وطبع في مصر وبيروت، وألف كتاب (كبه وكرنبه) في مدينة غزة سنة 1831 وهو يحتوي على الفرق بين عادات الملابس الافرنجية والعربية على نسق محاورة بينه وبين كرنبه وهو اسم مجهول لافرنجي متحزب للعادات والملابس الافرنجية والكتابان بالعامية ولهما طلاوة وحلاوة.

التوسع العربي الإسلامي تاريخياً غزو أم فتح أم احتلال؟

$
0
0

التوسع العربي الإسلامي تاريخياً غزو أم فتح أم احتلال؟

توطئة بسيطة…

هو مقال اعجبني لكاتبه أ. حمزة رستنوي منشور في موقع” لاعقيدة اسمى من الحقيقة”فهو موضوعي وجدير بالنشرويعطي الفكرة عن موضوعية كاتبه بعيداً عن انتماء كاتبه الديني، فنشرته بدوري مع ملاحظاتي المخالفة له او الموضحة… وقد اضفتها بين قوسين مع مدخل وقد أوقعتُ المدخل والملاحظات المضافة بين قوسين(…)لتمييزها عن متن نص الكاتب…

(مدخل

نستعمل في تاريخنا الاسلامي وفتح بلاد الشام ودمشق اولها…وبقية سورية وآسية الصغرى وبلاد الرافدين وفارس… وشمال افريقيا واسبانيا وجبال البيرينة الفاصلة بين فرنسا واسبانيا …ومصطلح الفتح يأخذ مداه الابعد عند احتلال العثمانيين القسطنطينية  حتى ان السلطان العثماني اطلقوا عليه لقب الفاتح مبررين انه اقتحم اكثر المدن تحصيناً في العالم… 

يستخدم المسلمون بالمقابل على اية محاولة لاسترجاع مافتحوه واحتلوه  مصطلح “الغزو  والعدوان”  ك”الغزو الرومي الذي اراد استرجاع دمشق وبقية الارجاء السورية وآسية الصغرى اي غزو كل المناطق …الرومية… والغزو الفارسي لبلاد الرافدين وحتى غزو  الاحباش وابرهة الاشرم قبل الاسلام لمكة فهو عدوان وغزو واحتلال،  ويستوي معه  الغزو الفرنجي الذي يتشدق البعض من كتاب التاريخ المتعصبين بتسميته “الصليبي” خلافاً للمؤرخين المسلمين المعاصرين وللواقع اللاديني  بل استعماري بدليل مارتكبه الفرنجة من مظالم بحق اغلبية السكان المسحيين /60% كانت نسبة الوجود المسيحي في بلاد الشام قبيل غزو الفرنجة/ وبحق الكنائس الشرقية واستلاب كراسيها الرسولية…! والمصيبة عند متسلقي كتابة التاريخ من اكاديميين ومقلدين وسواهم في وقتنا انهم يعرفون هذه الحقيقة الدامغة ولكنهم يصرون على استخدام تسمية الحروب الصليبية ربما بقصد جرح الضمير المسيحي العربي والمشرقي… وكذا غزو الاندلس الخ…

فلم التباين في بين منطق الفتح للمسلمين والغزو والعدوان بحق غير المسلمين فالموضوع واحد؟ ونشير الى ان كل المناطق التي دخلها المسلمون وضموها الى امبراطوريتهم اللاسلامية كانت في ارقى درجات الحضارة كدمشق وسورية والرافدين ومصر وان المسلمين في امبراطوريتهم بقوا يستخدمون كل اساليب الادارة والحكم وحتى النقود…واللغة اليونانية في الكتابات الرسمية…الى حين التعريب في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد…

ثم ماالقول في تحويل كنيسة القديس يوحنا المعمدان الدمشقية الى الجامع الاموي  وكل كنائس دمشق ال35 واديارها  الى مساجد ولم تبق الاكنيسة واحدة اغلقها الفاتح هي كنيسة مريم وتقع على الخط الفاصل بين دخول جناحي المسلمين مدينة دمشق صلحاً وحرباً (للاستزادة انظر في موقعنا هنا بحث “كاتدرائية دمشق” و”الكاتدرائية المريمية” و”سور دمشق وابوابها” و”دير خالد او جامع الشيخ ارسلان”واديار وكنائس الغوطة 18 الى مساجد  وكنائس حمص وفي اولها الكاتدرائية وتسمت باسم جامع خالد ومثلها في حلب واللاذقية وكيليكيا وديار بكر وارضروم وحوران…وكنيسة العذراء بطرطوس وآخرها تحويل محمد الفاتح كاتدرائية آجيا صوفيا ابنة القرون العشرة الى جامع ليأتي اتاتورك ويجعلها متحفاً ارضاء لخطه العلماني والسوفييت انصاره الحلفاء الذين اقروه على ماتوسع به بموجب معاهدة لوزان 1923ليأتي اردوغان ويحقق انتصاراً مدويا باعادتها جامعاً وماوراء الاكمة ماوراءها من التنسيق  المبطن مع اسرائيل لتحويل الحرمين الابراهيمي في الخليل والقدسي في القدس في قادم الايام…ماذا نسمي ذلك؟ ) 

وكان موقع وطن الدبور قد نشر في آذار 2016 مقالاً بعنوان:
“أنظمة عربية: الفتوحات الإسلامية عنف وكراهية وسنحذفها من المناهج

“كشف مصدر مطلع بنقابة المهن التعليمية، عن أن اتحاد المعلمين العرب في دورته التاسعة عشرة يجتمع الآن في جلسة سرية لمناقشة كيفية تطوير المناهج في الدول العربية، وحذف الموضوعات التي من شأنها حض الطلاب على العنف والكراهية.

وأكد المصدر، لصحيفة «الشروق»، أن هذه المناهج تشمل اللغة العربية والتربية الدينية ومناهج التاريخ المختلفة، موضحًا أن هذه المناهج تضم بعض المصطلحات الطائفية والموضوعات التي تحرض الطلاب ضد بعضهم البعض، مثل موضوعات الفتوحات الاسلامية في كتب التاريخ، حسب قوله.

وأشار إلى أن اتحاد المعلمين العرب، والذي يضم وفودًا من 13 دولة عربية سينتهي إلى كتابة تقرير يتضمن توصيات بشأن المناهج في الدول العربية، ويتم عرضه على وزارات التربية والتعليم المختلفة في دول الاتحاد لتطوير المناهج على ضوء هذه التوصيات.

يذكر أن اتحاد المعلمين العرب، يضم دول مصر وسورية واليمن وتونس والسودان والمغرب والإمارات العربية المتحدة والعراق وليبيا والجزائر وفلسطين وموريتانيا والبحرين.”

ولكن هل تتقيد بذلك وزارات الاوقاف المعاهد الاسلامية العليا في  الدول المذكور وفي المقدمة السعودية وتوقف حملات الشحن الطائفية والكراهية بحق ابناء الاديان الاخرى والمذاهب الاخرى لدرجة التكفير كما ظهر في سورية في الاقسام المحتلة بالارهاب  وفي مصر  والعراق… وفي مناهج  كليات الشريعة  كالازهر ومعاهد الفتح وسواها…؟

الدين لله والوطن للجميع والله لم يعط لدين آخر افضلية على بقية الاديان ليؤيدها ويكفرها…

سؤال المعيار

ما هو المعيار الذي نستخدمه للحكم على الغير، وتوصيف الظواهر التاريخية؟

أصحاب الأيديولوجيات الإسلامية والقومية العربية يعتبرونه فتحاً مباركاً بلا شكٍّ(بالعكس فان ارباب القومية العرب في بلاد الشام اواخر القرن 19 “المتنورون الشوام”  هم من اطلق فكرة القومية العربية ومعظمهم كانوا من المسيحيين، واظهروا ان المسيحيين اسهموا بشكل اساس ورئيس في الحضارة العربية بلبوسها الاموي والعباسي واخرجوها من الحضارة الاسلامية الى الحضارة العربية بدعوتهم للقومية العربية والتقوا بالمتنورين المصريين في الدعوة والكره لللاستعمار التركي والخضوع للدولة العثمانية التي تتخذ الدين والخلافة الاسلامية اداة لشد المتعصبين المسلمين العرب تحت الجامعة الاسلامية كما اردوغان اليوم وحزب الحرية والعدالة في تركيا اليوم وتحويله متحف ايا صوفيا جامعا من جديد والتهليل المريع المرافق من المتعصبين الذين عدوا فعله فتحاً اسلامياً مباركاً.)

 بينما من يعادون الأيديولوجيات الإسلامية والقومية العربية سوف يعتبرونه مجرَّد غزو عسكري همجي ليس أكثر! والمقاربة التالية تحاول البحث عن معيار للتوصيف والاصطلاح بعيداً عن الأدلجة والتصوُّرات العقائدية المُنحازة.

في الدلالة اللغوية

غَزَا العدوَّ: هاجمه، سار إلى قتاله في أرضه، الغَزْوةُ: المَرَّة من الغزو والجَّمع غَزَوات وغَزْوَات (معجم المعاني الجامع).

فتَحَ الْبِلاَدَ: دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ غَلَبَ أَهْلَهَا وَأَخْضَعَهَا لِسُلْطَتِه. الفتوحات: ما فُتح من البلدان في الحرب (معجم المعاني الجامع).

بمراجعة الدلالة اللغوية المعجمية لكلمتي الغزو والفتح لا نجد فرقاً كبيراً، كلاهما يشيران إلى منطق الغلبة والقتال، ولم تكن دلالة الغزو سلبية آنذاك، حيث لا يجد عموم المسلمين اليوم حرجًا من تسمية حروب دولة الرسول بغزوات، كغزوة بدر وغزوة الخندق ونحوها. مع ذلك تشير كلمة الغزو إلى الطارئ مقارنة بالفتح الذي يكون أطول زمنًا، كما تشير كلمة الغزو إلى حرب وقتال فقط، مقارنة بالفتح الذي يرتبط أكثر بدلالة سياسية حضارية ترافق الحرب والقتال.

محاكمة التاريخ بمفعول راجع!

إشكالية المصطلح بين الغزو والفتح، هي إشكالية حديثة ظهرت في بدايات القرن العشرين، مع انبعاث الحركات القومية المحلية كالقومية السورية والقومية الفرعونية ولبنان الفينيقي… الخ، كذلك مع انبعاث الهويَّات الفئويَّة ما قبل وطنية عرقيَّة كانت أم دينيَّة، كما في حالة الأقباط في مصر أو الموارنة في لبنان أو حالة الكرد والأشوريين في سورية العراق، أو الأمازيغ في المغرب العربي… الخ. ينبغي النظر إلى إشكالية المصطلح هنا في سياق الصراع الفئوي الهويَّاتي في العالم العربي الإسلامي (مع مارافقه من تحويل لأقدس واهم المقدسات في بلادهم التي انتصر عليهم فيها المسلمون)، وكيف تنظر الفئويات القومية والدينية إلى نفسها ومحيطها الذي هو في الغالب عربي إسلامي( وبشكل معاكس لما عاشوه من  ظلم يفوق الاحتمال في زمن الانحطاط والظلم الاسلامي في العهود الفاطمية والمملوكية والعثمانية من مصطلحات طورق وشمل ومنع ركوبهم الخيول ومنع ارتدائهم الوان محددة كالاخضر لون النبوة والاقتصار على لباس محدد ومنع خروجهم خارج المدن… والتسخير بالحمل والضرب والثورات الدموية المتلاحقة ضدهم كما في فتنة 1850 في حلب والقلمون و1860 في دمشق وجبل الدروز وجبل الشيخ وجبل لبنان والغوطة وحوران وزحلة والبقاع والجنوب اللبناني اليوم).

من الضروري تجنُّب محاكمة التاريخ بمفاعيل راجعة وبمقياس معاصر، لا ينبغي إعادة صوغ المصطلحات بما يلائم نزاعات أيديولوجية راهنة بحيث يتحوَّل التاريخ إلى استمرار بمفعول راجع للصراعات والأحوال الاجتماعية السياسية الحاضرة، وهو ما يُعرف في علم التاريخ Chrono-centrism. من هذا المنظور لا ينبغي تصوُّر وجود مبدأ المواطنة المتساوية تاريخيًّا في الدول العربية الإسلامية، هذا المبدأ وهذه الأفكار لم تكن شائعة ومطروحة للتداول في العالم القديم، وفي دول القرون الوسطى، ومبدأ المواطنة المتساوية ينافي الأيديولوجيا الدينية الإسلامية السائدة آنذاك، من جهة أن المسلمين لا يمكن مساواتهم بغير المسلمين من أهل الكتاب والكفَّار والمشركين! أو من جهة استثناء طبقة العبيد أيضًا! لم يكن هذا حكرًا على الدول العربية الإسلامية آنذاك، بل هو قاسم مشترك بين كلِّ الامبراطوريات والدول المجاورة والمُزامنة، وفي هذا يمكن المقارنة مع الامبراطورية الرومانية البيزنطية أو الامبراطورية الساسانية أو الصينيَّة حتَّى. إذًا لا يمكن الحديث آنذاك عن المواطنة المتساوية بل يمكن الحديث عن التعايش والتسامح المعروض على النسبية، مثلاً كيف كان المسلمون يُعامَلون في الامبراطورية البيزنطية؟ أو الامبراطورية الكارلينجية الفرنجية؟ حيث يغيب الوجود المُستوطن للمسلمين! كيف كان المسيحيون يُعاملون في الدول العربية الإسلامية آنذاك؟ ما هو وضع السكان اليهود مثلاً بالمقارنة بين الدول العربية الإسلامية وغيرها آنذاك! هذا على صعيد الفئويات العقائدية الدينية، بالإضافة إلى ذلك ينبغي النظر إلى البناء الطبقي للمجتمعات آنذاك وإمكانات الانتقال من طبقة إلى أخرى، ضمن مجتمعات المسلمين وغير المسلمين أنفسهم، والموقف الديني من ذلك! كلها عناصر ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

حربٌ على النفوذ والسيطرة

من الواضح تاريخياً أن امتداد الامبراطوريات العربية الإسلامية والدولة العثمانية لاحقاً، لم يكن سلميّاً ولم يكن لغاية نشر الإسلام وهداية السكان المحليين إلا بشكل جزئي. كانت (حروباً توسعية) تستهدف امتداد النفوذ والسيطرة والبحث عن موارد اقتصادية جديدة إضافة إلى البعد الأيديولوجي العقائدي. لقد كانت الدولة الراشدية والأموية والعباسية ومن ثم العثمانية دولاً ذات أيديولوجيات إسلامية سنّية بلا شك، بينما كانت الدولة الفاطمية ذات أيديولوجيا شيعية اسماعيلية مثلاً، ولم تكن هذه الدول استثناء عن طبيعة الدول في تلك العصور، فالدول آنذاك كانت تقوم على عصبيَّة عائلية وذات صبغة دينية في غالب الحالات. الأيديولوجيا الدينية كانت عاملاً مُحفِّزًا على التوسع والحروب، بلا شك هي أحد العوامل المؤثرة في السياسات الداخلية والخارجية للدولة بالإضافة إلى عوامل سياسية اقتصادية اجتماعية (قبلية – عرقية) أخرى.

السياسة في مواجهة الدين!

لنتوقف عند سرد تاريخي منسوب إلى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي يُلقَّب بخامس الخلفاء الراشدين (99 -101 للهجرة) ( الخليفة الورع والاغلب انه توفي مسيحياً ودفن في دير القديس سمعان العمودي في سهول حلب وكان يريد التقيد بعهد النبي بعدم اذية المسيحيين وتشير سيرته واتصالاته بالقديس يوحنا الدمشقي انه كان  يريد اعادة كل ماتمت مصادرته من كنائس وحولت الى مساجد ومنها كاتدرائية دمشق حيث توحي سيرته المكتوبة كما وصلت إلينا، بالاستقامة الدينية – الأخلاقية ولذلك اعتكف بمايشبه الرهبنة مع رهبان العمودي، للاستزادة عنه انظر سيرته هنا في موقعنا).

يورد الطبري في تاريخ الرسل والملوك في أحداث مئة للهجرة، في سبب عزل الجرَّاح بن عبدالله والي خرسان، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الجراح يشكو كثرة دخول الناس في الإسلام، وهذا ما سوف يتسبب في انقاص نسبة الضريبة من نصاب الجزية إلى نصاب الزكاة التي تُفرض فقط على المسلمين! “كتب عمر إلى الجراح: أنظر من صلَّى قبلك إلى القبلة، فضع عنه الجزية، فسارع الناس إلى الإسلام، فقِيل للجراح: إن الناس قد سارعوا إلى الإسلام، وإنما ذلك نفورًا من الجزية، فامتحنهم بالختان. فكتب الجراح بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمدًا ص داعيًا ولم يبعثه خاتنًا”[1]. وفي رواية أخرى يوردها ابن كثير “فكتب إليه عمر: إن الله إنما بعث محمدًا ص داعيًا ولم يبعثه جابيًا. وعزله وولى بدله عبد الرحمن بن نعيم القشيري على الحرب، وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج”[2]. تطرح هذه السردية التاريخية صراعاً مُحتدماً بين مصالح المشروعية العقائدية للدولة ومصالح السلطة السياسية من جهة كونها سلطة مستبدة.

خارج معادلة الغزو والفتوحات!

استمر الحضور العربي الإسلامي ما يقارب أربعة عشر قرنًا في بلاد الشام والعراق ومصر وشمال افريقيا، ومازال البعد العربي الإسلامي حاضراً بقوة في ثقافة المجتمعات القاطنة في هذه الجغرافيا السياسية. المجتمعات المحلية في غالبها تفتخر بتاريخها العربي الإسلامي ولا ترى نفسها غريبة عن الفضاء العربي الإسلامي، لقد اعتنقت هذه المجتمعات في غالبيتها دين الفاتحين لأسباب عقائدية واجتماعية سياسية (ولمكاسب وللخلاص من نظام الذمة ودفع الجزية)، ولكن عندما أتيح لهذه المجتمعات حكم نفسها في التاريخ سواء عبر تشكيل دويلات على أرضها من أبناء جلدتها، أو إبان طور الاستقلال عن الاحتلالات الاوربية، لم نجدها تخرج عن الفضاء العربي الإسلامي، بالطبع هذا لا يلغي خصوصياتها ومشروعية قيام دول وطنية حديثة، قائمة على المواطنة المتساوية واحترام الخصوصيات الثقافية للفئويات الدينية والقومية المختلفة ضمن حدودها. ما قصدته أن الغزو عادة ما يكون طارئًا ذا طابع عسكري دونما تأثيرات ثقافية اجتماعية عميقة بعيدة المدى. من هنا لا يمكن تفسير ما حدث بكونه مجرد غزو عربي إسلامي. كذلك لا يمكن تزوير التاريخ وأسطرته وتقديم توسع الدول العربية الإسلامية (راشدية – أموية – عباسية) أو الدولة العثمانية بكونه فقط لنشر دعوة الإسلام، أو الادِّعاء بأنَّ هذا التوسع كان سلميًّا قليل العنف أو حتَّى قليل المجازر! لقد كانت الأهداف السياسية الاقتصادية حاضرة وبقوة منذ البداية. كان الإسلام ومنذ عهد دولة الرسول مشروعًا سياسيًا بامتياز. مشروع دولة توسعية بأيديولوجيا دينية، بما كان سائدًا في العالم ذلك الزمن. وفي هذا نلتقي مع ما يقوله حسام عيتاني في كتابه الفتوحات العربية في روايات المغلوبين في ضرورة تجاوز، أولاً- الرواية التقريظية التمجيدية ببطولات العرب في الفتوحات، ثانيًا- الرؤية التبخيسية التحقيرية لكل ما قام به العرب على امتداد تاريخهم[3].

دول متعددة الأقوام والعقائد الدينية

الدول العربية الإسلامية تاريخيًا كانت امبراطوريات متعددة الفئويات الدينية والعرقية، حيث عاش المسلمون فيها بجانب المسيحيين واليهود والصابئة، وضمن الإسلام نفسه نجد فئويات عقائدية سنية وشيعية مختلفة، ومن جهة ثانية عاش العرب بجانب الترك بجانب الفرس بجانب الكرد بجانب البربر بجانب الأقباط… الخ، ما قصدته هو التأكيد على سِمَات الحضور السياسي – الثقافي المتفاعل متعدد الثقافات والإثنيات، لم تكن الدول العربية الإسلامية السابقة أو الدولة العثمانية مجرد دول استبدادية فقط.. بل كانت وفي كثير من مراحلها تتحوَّى منظومة التعاون الصوري منطقيًا[4] بحيث يوجد مجال للتعايش والانخراط المشترك في الحياة الثقافية والسياسية أمام غالب هذه الفئويات، مع أولوية لصالح الفئويات المُسلمة على غيرها. لنتذكر على سبيل المثال لا الحصر بأن معظم علماء اللاهوت المسلمين لم يكونوا من أصول عربية، ولكنهم كانوا ينتمون للثقافة العربية الإسلامية، أصحاب الكتب الستة الأكثر شهرة في رواة الحديث النبوي عند السنَّة لم يولدوا في مدن عربية ولم يكونوا من أصول عربية، فالإمام مسلم من نيسابور في بلاد فارس، وأبو داوود من سجستان، والنسائي من خرسان، والترمذي والبخاري من أوزبكستان حاليًا، وابن ماجة من نواحي بحر قزوين كذلك. كثير من علماء اللغة العربية ومؤسسيها لم يكونوا من أصول عربية، سيبويه ولد في البيضاء من بلاد فارس ومعنى سيبويه في الفارسية “رائحة التفاح” حيث كانت أمُّه تلقِّبه تحبُّبًا بذلك. الكسائي مؤسس مدرسة الكوفيين في النحو كان من أصول فارسية كذلك. وما يقال عن هؤلاء يقال كذلك على معظم الفلاسفة العرب المسلمين من ابن سينا إلى الطبيب أبو بكر الرازي الذي ولد في مدينة الري قرب طهران حاليًا، بينما كان الفيلسوف يعقوب ابن اسحاق الكندي مسيحيًا من بني كنده. في العهد الأموي كان ابن آثال طبيب معاوية بن ابي سفيان ووزيره وواليه على حمص مسيحيًا، وكان الشاعر الأخطل مسيحيًا من بني تغلب، وكان يوحنا الدمشقي وزيرًا ومستشارًا في بلاط عبد الملك بن مروان والخلفاء الأمويين وكان مدافعًا متحمِّسًا عن المسيحية. قليلاً ما يُذكر صلاح الدين الأيوبي بصفته كرديًا! بل هو شخصية ما زالت تحظى بالتقدير والانتماء للثقافة العربية الإسلامية. قليلاً ما يُذكر طارق بن زياد بصفته أمازيغيًا على الأرجح! بل هو شخصية مازالت تحظى بالتقدير والانتماء للثقافة العربية الإسلامية. لستُ في وارد تقديم صورة وردية حالمة للتاريخ العربي الإسلامي فهو تاريخ حافل بالانقسامات والصراعات والتحالفات والبطولات والمجازر والاضطهادات فيه من الإيجابيات والسلبيات الكثير، ولكن صيرورة التاريخ العربي الإسلامي لا يمكن اختزالها تحت مُسمّى الغزو العربي والغزاة المسلمين. العثمانيون لم يكونوا عربًا! السلاجقة لم يكونوا عربًا! الزنكيون من أصول تركية، والأيوبيين لم يكونوا عربًا بل من أصول كردية! لنتذكر بأن تأسيس الدولة الفاطمية بزعامة عبيد الله المهدي 910 م. في المغرب العربي استند أساسًا على تبنِّي قبيلة كتامة الأمازيغية لهذه الدعوة (الشيعية) مثلاً! قامت دولة المرابطين ومن بعدها دولة الموحدين على أساس عصبية قبلية أمازيغية مع أيديولوجيا سنية، حيث كان (أمير المسلمين يوسف بن تاشفين) أمازيغيا من قبيلة صنهاجة على سبيل المثال لا الحصر. ولا ننسى في العصر الحديث ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي (ذو الأصول الأمازيغية) ضد الاستعمارين الفرنسي والاسباني. في الأندلس كان اليهودي حسداي بن شبروت مستشارًا ووزيرًا للخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث وقد انتعشت في هذه الفترة الثقافة اليهودية العبرية كما نجدها عند (مناحيم بن ساروق) الذي وضع معجمًا مفهرسًا للغة العبرية، وقد تميَّز شعراء عبريين من قبيل سولومون بن غابيرول ويهودا حلبي وصموئيل بن ناكريلا.. كل ذلك قبل أن يتم اضطهادهم على يد المرابطين والموحدين لاحقًا. لنتذكر بأن الدولة العباسية باستثناء المئة سنة الأولى من حكمها كانت فعليًا تحت القادة الترك السلاجقة والفرس البويهيون ومن ثمَّ المماليك (من أصول تركية قوقازية شركسية مغولية) ثمَّ إن اللهجات العربية المختلفة المُنتشرة ليست سوى نتاج تفاعل وتثاقف لغوي بين لهجات القبائل العربية ولغات السكان المحليين في الشام ومصر والعراق والمغرب العربي والسودان، اللغات الفارسية ولغة الأوردو في باكستان مازالت تُكتب بالخط العربي، كذلك اللغة التركية حتى بداية القرن العشرين كذلك.

الهاجريون أم السراسنة! في التاريخ المُبكر للصدام!

أطلق سكان بلاد الشام على العرب المسلمين – استمرت الأعمال الحربية ما بين 634-638 للميلاد – القادمين من جوار شبه الجزيرة العربية تسميات مختلفة، منها الاسماعيليون أي أبناء اسماعيل بن النبي ابراهيم وفقًا لما ذكره المؤرخ الأرمني سيبيوس، وهو المؤرخ الأكثر قرباً في التاريخ لهذه الأحداث، والذي بدأ بتدوين تاريخه 675 للميلاد. كذلك برزت تسميات أخرى منها الهاجريون، أي أبناء هاجر خادمة وزوجة النبي ابراهيم وفقًا للتراث اليهودي المسيحي، وثمَّة كتاب بعنوان الهاجرية: صناعة العالم الإسلامي للمستشرقة الدانماركية باتريسيا كرون والإنكليزي مايكل كوك يستفيض في شرح ذلك… ما قصدته أنَّ سكان بلاد الشام القاطنين في ذلك الوقت – أغلبهم من المسيحيين اليعاقبة، كانوا متمرِّدين على الكنيسة البيزنطية الملكانية الرسمية (للتوضيح ونقداً لرأي الكاتب ا.حمزة: هذا الرأي يصدق على اغلبية شرق الفرات والجزيرتين السوريتين العليا اي ديار بكر والجزيرة السورية السفلى الحالية بينما غرب سورية بمدنها الرئيسة والمدن الساحلية وشمالها ومنتصف آسية الصغرى ومناطق في ديار بكر وارضروم  كان رومي خلقيدوني وبه حصلت المقاومة من الجيوش الرومية للفاتحين المسلمين  ولم يتم التمكن من فتحها الا بصعوبة بالغة وفي مناطق اخرى كاليرموك كان بسبب انحياز القوى المقاتلة الغسانية وفي الاعلى الارمنية للمسلمين- لم ينظروا، في حدود معقولة، إلى القادمين الجدد كغرباء بل كأقرباء بعيدين لهم في النسب( الادق محررين من الحكم الرومي والعقيدة الكنسية الرومية الخلقيدونية الغالبة، ومن ضمن التراث التوحيدي للديانات الابراهيمية. وثَّق المؤرخون ورجال الدين المسيحيين في بلاد الشام أيضًا تسميات باكرة أخرى للقادمين الجدد منها من قبيل الطائيين، نسبة إلى قبيلة طي، ذات الانتشار الواسع في شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام والعراق، كما تداولت كذلك تسمية السراسنة Saracens وهو اسم كان يطلق على عرب الصحراء قبل الإسلام، ويوجد نظريات مختلفة في أصل هذه التسمية، من كلمة الاتجاه “شَرْق” أي السراسنة = الشرقيون، أو قد يكون من فعل “سَرَقَ” أي السراسنة = السرَّاقون، أو قد يكون نسبة إلى مدينة Saraka في بلاد النبط وفقًا للمؤرخ البيزنطي ستيفينس في كتابه Ethnika، أو نسبة لمنطقة Sarakēnē في العربية الحجرية وفقًا لوصف بطليموس[5].

في نقد الحرب الدينية المقدَّسة في مسيرة التوسُّع العربي الإسلامي

  1. ناصر جزء من العرب المسيحيين الفاتحين المسلمين في حروبهم في العراق وبلاد الشام، حيث ناصر بنو تغلب المسيحيون الوليد بن عقبة عند فتحه الجزيرة الفراتية، وقاتل بنو تغلب كذلك إلى جانب المسلمين ضد الروم البيزنطيين، وقاتل الشاعر المسيحي أبو زيد الطائي الفرس في معركة الجسر عام 12 للهجرة، وساند العرب المسيحيون المسلمين في حصارهم لمدينة تكريت( وذلك لخلاف عقيدي مع كنيسة الدولة الرومية الرسمية كما فعل القس يونان بمساعدة خالد في فتح دمشق مقابل وعد منه بعدم اذية رعيته ومنحهم المكتسبات).
  2. بينما حارب جزء من العرب المسيحيين الفاتحين المسلمين حيث كان جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة على رأس جيش من المسيحيين العرب إلى جانب الروم البيزنطيين في معركة اليرموك( للسبب ذاته وهو الخلاف العقيدي. والحال ذاته في مصر وتعاطف الاقباط مع عمرو بن العاص في فتح مصر وان الفتح الاسلامي لم يجد المقاومة الحقيقية الا في الاسكندرية حيث العاصمة الهلينية البطلسية…)
  3. هذه السرديات التاريخية تزعزع الصورة النمطية عن الحرب الإسلامية المقدسة ضد الكفار (النصارى) كما تؤكد استحالة وجود فئوية قومية موحَّدة، كما تؤكد على ضرورة عدم تنميط قاطني بلاد الشام والعراق ضمن جسد قومي أو ديني أو جغرافي صلب ومتجانس، كل فئوية دينية أو قومية يوجد فيها اتجاهات وصراعات وتضامنات مختلفة، وبإمكانات تتراوح بين الانفتاح والانغلاق. في سياق مشابه يمكن ذكر ثورة عمر بن حفصون في الأندلس على الحكم الأموي، حيث استمر حكمه على الرعايا المسلمين والمسيحيين رغم اعتناقه المسيحية، واستمرت علاقته بالولاة المسلمين المنافسين للحكم الأموي من العباسيين والفاطميين في شمال أفريقيا، وفي هذه الحالة سوف تلعب الولاءات التقليدية الطبقية-الاقطاعية دورًا مشابهًا للولاء الديني في ترسيخ حكمه عمر ومن ثم أولاده. لم تكن علاقة العرب المسلمين بأهل البلاد المفتوحة علاقة بسيطة وفقًا لمبدأ الغالب والمغلوب، إذ كيف نفسِّر أن الجيش المسلم الذي غزا الاندلس كان في جزء كثير منه من البربر والمصريين! كيف نفسر أن استمرار الفتوحات ما بعد بلاد فارس، كان عبر استخدام الفُرس المسلمين أنفسهم وتحمُّسهم – جيوش من أخلاط عرقية – لهذا الغزو! كيف نفسر أن دولاً قوميَّة شكَّلها المغلوبون كانت بدورها تتبنى أيديولوجيا الفاتحين المسلمين، مثال الدولة السامانية في ايران وامارات السلاجقة والأراتقة والعثمانيين، حيث قدَّمت مفاهيمَ للإسلام تناسب خصوصياتها القومية والثقافية.

مقارنة بين الفتوحات العربية والاستعمار الأوربي!

هل من صفات مشتركة ما بين ظاهرة (الفتوحات العربية الإسلامية) وظاهرة (الاستعمار الغربي الأوربي) رغم اختلاف السياقات؟ نترك الإجابة اقتباسًا من المستشرق الأميركي جون تولان:

“يوجد مجموعة من المتشابهات والمتوازيات، منها أن الفتوحات الإسلامية والاستعمار الغربي حمل كل منهما رسالة خلاصية دينية في الحالة الأولى، وتحضيرية تنويرية في الحالة الثانية، وأن الظاهرتين جاءتا لحاجات الشعوب التي برزت فيها الرسالتان العرب والأوربيين، من دون الاهتمام بأوضاع الشعوب التي توجهت إليها الفتوحات والحملات الاستعمارية إليها، وإذا كان صحيحًا أن أحدًا لم يستدع الاستعمار – على الأقل موجته الأولى حيث ظهرت في بعض الانحاء دعوات حقيقية أو مصطنعة لمجيء المستعمر وعقد المعاهدات معه – لاحتلال بلاده، فإنَّ أحدًا لم يطلب من المسلمين المجيء إلى دياره ونشر رسالتهم فيها. نحتاج إلى الكثير من التدقيق في أخبار المصادر العربية والإسلامية عن طلب شعب بعينه ازاحة هذا الحاكم أو ذاك عن كاهله.”[6]

نحو فهم حيوي للعروبة والإسلام

تتجاوز العروبة كونها فقط عرقًا وقومية مخصوصة بل هي فضاء ثقافي حضاري غنيٌّ يشمل مجموعات عرقية وقومية مختلفة وُجدت تاريخيًا وتفاعلت مع بعضها البعض، هي فضاء ثقافي حضاري شَمَل ويشمل الأكراد والآشوريين والأقباط والأمازيغ والسريان وغيرهم إلى حدود كبيرة، بالطبع دونما تميز سياسي فئوي ضدَّهم أو معهم ودونما انكار لحقوقهم الثقافية. يتجاوز الإسلام كونه عقيدة دينية فقط، بل هو فضاء ثقافي حضاري مُشترك يشمل المسيحيين المشرقيين وغير المؤمنين بالخاصة، كما يشمل كل التعبيرات المُمكنة عن الإسلام من مذاهب وتيارات.. وضمن هذا الاعتبار يمكن قبول مصطلح (الفتوحات العربية الإسلامية) دونما تقديس أو تطهير لهذا الحدث التاريخي الهائل المؤسس لما بعده. كذلك لا يمكن نفي صفة الغزو العسكري عنه فقد جاء آنذاك في سياق صراعات وتوسع امبراطوري، ولم يكن خالصًا لوجه الله، بعيدًا عن المغانم الدنيوية كما يروِّج دعاة الإسلام السياسي وأسطورة دولة الخلافة الإسلامية!

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي (مينا)، 14 سبتمبر 2018 

(أ.حمزة رستناوي بتصرف وافر د.جوزيف زيتون بين قوسين(…))

 الحواشي والمراجع

[1] تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1967، ج 7، ص 556.

[2] البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، دار عالم الكتب، الرياض، 2003، ج12، ص 664.

[3] الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، حسام عيتاني، دار الساقي، ط1، 2011، ص 14.

[4] فقه المصالح، رائق النقري، دار الأمين، القاهرة 1999، انظر إلى فقرة ” لمحة عن التحوِّيات الفئوية والمعرفية وحيوية منظومتها المنطقية”، ص 58-59.

[5] للمزيد راجع كتاب: الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، مرجع سابق، الفصل الأول: العرب السراسنة الطائيين الهاجريون، ص21-37. راجع كذلك مقال أسماء عُرف بها العرب والمسلمون في الغرب، بشار بكور، موقع معهد الفتح الإسلامي alfatihonline.

[6] الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، مرجع سابق، ص 265.

 

بيتهوفن …

$
0
0
بيتهوفن…

يعتبر الموسيقار لودفيج فان بيتهوفن من أشهر مشاهير مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية، وما تزال ألحان سينفونياته تعزف في شتى أرجاء العالم. ويقام سنويا في مدينة بون، موطن الموسيقار الشهير، مهرجانا يعرف بـ”مهرجان بيتوفن”. فيما يلي صور مختارة تبرز بعض محطات حياة الموسياقر الشهير.

نبذة عن سيرته الذاتية

لودفيج فان بيتهوفن ‏(17 كانون الأول 1770 – 26  آذار 1827) مؤلف موسيقي ألماني. كانت ولادته في مدينة بون. يعتبر من أبرز عباقرة الموسيقى في جميع العصور، وأبدع أعمالاً موسيقية خالدة.

كان له الفضل الأعظم في تطوير الموسيقى الكلاسيكية، وقد قدم أول عمل موسيقي وعمره 8 أعوام.

تشمل مؤلفاته للأوركسترا تسع سيمفونيات وخمس مقطوعات موسيقية على البيانو ومقطوعة على الكمان. كما ألّف العديد من المقطوعات الموسيقية كمقدمات للأوبرا.

بدأ بيتهوفن يفقد سمعه في الثلاثينات من عمره، إلا أن ذلك لم يؤثر على إنتاجه الذي ازداد في تلك الفترة وتميز بالإبداع. من أجمل أعماله السيمفونية  السيمفونيات: الخامسة والسادسة والتاسعة.

كانت وفاته في فيينا بالنمسا في العام 1827م.

ظهر تميزه الموسيقي منذ صغره، فنشرت أولى أعماله وهو في الثانية عشرة من عمره أي في العام 1783 ميلادية. اتسعت شهرته كعازف بيانو في سن مبكرة، ثم زاد إنتاجه وذاع صيته كمؤلف موسيقى.

اصغر لوحة للطفل بيتهوفن
اصغر لوحة للطفل بيتهوفن

معاناته العائلية

عانى بيتهوفن كثيراً في حياته، عائلياً وصحياً، فعلى رغم أن أباه هو معلمه الأول الذي وجه اهتمامه للموسيقى ولقنه العزف على البيانو والكمان، وقد قام بتعليمه على العزف والكلافير، وقد حصل بفضله على عدد من الدروس الإضافية على الأورغن، حيث كان هدف والده أن يراه من أعظم المؤلفين الموسيقيين، وعلى ذلك كان أول ظهور له في الحفلات في عام 1778 م وكان له مقطوعة موسيقة رائعة قام بعزفها، إلا أن والده لم يكن الأب المثالي، فقد كان مدمناً على الكحول، كما أن والدته توفيت وهو في السابعة عشرة من عمره بعد صراع طويل مع المرض، تاركة له مسؤولية العائلة، ما منعه من إتمام خطته ثم السفر إلى فيينا، عاصمة الموسيقى في ذلك العصر. فكان التأليف الموسيقي هو نوعاً من أنواع العلاج والتغلب على المشاكل بالنسبة لبيتهوفن.

اصابته بالصمم

بدأت إصابة بيتهوفن بالصمم، فبدأ في الانسحاب من الأوساط الفنية تدريجياً، وأمضى حياته بلا زواج. إلا أنه لم يتوقف عن الإنتاج الفني، ولكن أعماله اتخذت اتجاهاً جديداً. ومع ازدياد حالة الصمم التي أصابته، امتنع عن العزف في الحفلات العامة، وابتعد عن الحياة الاجتماعية واتجه للوحدة، وقلت مؤلفاته، وأصبحت أكثر تعقيداً. حتى أنه رد على انتقادات نقاده بأنه يعزف للأجيال القادمة. وبالفعل مازالت أعماله حتى اليوم من أهم ما أنتجته الموسيقى الكلاسيكية العالمية.

قصته مع السيمفونية التاسعة

بيتهوفن يقود الاوركسترا في السيمفونية التاسعة
بيتهوفن يقود الاوركسترا في السيمفونية التاسعة

يعد بيتهوفن من أعظم المؤلفين الموسيقين حيث  يكون أعظمهم على مر العصور في إعداد الموسيقى الكلاسيكية وعمل على تطويرها بشكل كبير ، وله العديد من الأعمال الموسيقية الناجحة ، ولكن أهم أعماله الموسيقية كانت في أواخر عشر سنوات من حياته ، وإن كانت واجهته مشكل كبيرة متعلقة أنه أصم .

حيث تعد سيمفونية بيتهوفن التاسعة آخر الأعمال  الفنية التي قدمها، وهي من أهم الأعمال الموسيقية الكاملة له ، والتي أنتهى من إعدادها عام 1824 م وقد تحدث النقاد عن ذلك العمل الموسيقي بأنه من أعظم أعمال هذا الفنان، بل قيل عنها  انها أهم عمل موسيقي في التاريخ الفني.

مقاطع السيمفونية التاسعة

استخدم في تلك السيمفونية لأول مرة مؤلف موسيقي يقوم بتأديته عدد من أصوات المغنيين وقدم وصفها بالكورالية وقد تم إنشاد المقطع الأخير منه من خلا أربعة مغنين سولو وجوقة، وقد تم الحصول على تلك الكلمات من نشيد فرح كتبه الشاعر الألماني فريدريش شولو عام 1785، وتم مراجعتها عام 1803 م.

وهذا قد تم إضافة عدد من المقاطع على العمل الموسيقي لبيتهوفن، وقد حصل هذا المؤلف على تفويض من “جمعية فيلهارموني الملكية” في لندن بعمل تلك المقطوعة الموسيقية الرائعة، وقد استغرقت مدة تأليف المقطوعة سنتين، ولكن تم الحصول على بعض الكلمات والنغمات لأعمال موسيقية سابقة لبيتهوفن.

وقد ضمت السيمفونية بعض القطع الأخري الموسيقية القائمة بذاتها، وكانت تلك الأعمال وكأنها عمل تمهيدي للسيمفونية، وفي عمل كورال الخيام في مصنفه والذي يُطلق عليه كونشيرتو للبيانو أساسا وتم تقديم جوقة ومغني سولو لقرب النهاية، ويعد هذا العمل من أضخم الأعمال التي تم الإعداد له، وقد عزفت نغمة الكورال الصوتي بعدد من الالات الموسيقية وهي مقابلة لما هو موجود في قرب نهاية السيمفونية التاسعة.

وكانت قصة العرض الأول من السمفونية التاسعة يتم سردها والتنازع عليها على نطاق واسع، كان بيتهوفن قد فقد سمعه بشكل ثابت أثناء تكوين السمفونية، وبحلول وقت عرضه  كان أصماً بشدة، على الرغم من أنه ظهر على خشبة  المسرح كمديرعام للأداء، إلا أن kapellmeister Michael Umlauf قادت الأوركسترا بالفعل مع عصا الموصل.

وأخذت إشارات إيقاعية من بيتهوفن. ووفقا لأحد روايات الحدث ، صفق الجمهور بشدة في ختام العرض لكن بيتهوفن، الذي لم يتمكن من سماع الرد، واصل مواجهة الجوقة والأوركسترا، قام مغني في النهاية بإدارته حتى يتمكن من رؤية دليل على التأكيد الذي تردد في جميع أنحاء القاعة.

تؤكد حسابات أخرى أن الحادث الدرامي وقع في نهاية حركة شيرزو الثانية (في ذلك الوقت ، كان من الشائع أن يصفق الجمهور بين الحركات) كلما حدث التصفيق، فإن تمريره دون أن يلاحظه بيتهوفن يوضح أنه لم يسمع أبدا ملاحظة عن تكوينه الرائع خارج خياله.

مشاكل إعداد السيمفونية التاسعة 

والجدير بالذكر قد واجه بيتهوفن عدد من المشاكل الكبيرة عند تأليف العمل الموسيقي للسيمفونية. وقد أشار الى ذلك أحد أصدقاء بيتهوفن المقربين منه وهو أنطون شيندلر أثناء بداية عمل تلك السيمفونية وخاصة في الحركة الرابعة له، حيث كان يتحتم عليه تقديم ملائمة مع “نشيد شيلو”.

وعندما تغلب بيتهوفن على ذلك صاح من الفرح ب”أنه وجدها”.

وقد أشار إلى تأدية غناء النشيد الخالد “شيلر” ولكن قد قام بتعديل عدد من الأعمال عليه إلى أن تم الوصول للشكل النهائي له ، وكان يتطلع بيتهوفن  أن يتم عزف السمفونية اولاً في برلين وذلك حتى يتم الإنتهاء منه. وذلك لأن مدينة فيسينا بإيطاليا يسيطر عليها عدد من الأذواق الفنية للمؤلف كروسيني ، ولكن عند سماع أصحابه للسيمفونية نصحوه بتقديمها في إيطاليا.

تقديم السيمفونية التاسعة

 تم تقديم السيمفونية لأول مرة في ايار 1924 م في مدينة فيسينا بايطاليا، وكان بيتهوفن لأول مرة يظهر على المسرح منذ نحو اثني عشر عاماً، وكانت صالة المسرح ممتلئة للغاية، وقد أدت السوبرانو والالتو مغنيتان معروفتان في ذلك الوقت وهما كارولين أنجز وهنرييت سونتاغ.

تم العرض بقيادة مايكل أوملاف الذي كان يقود المسرح، ولكن بيتهوفن  قام بمشاركته في ذلك، وإن كان بيتهوفن الأصم  قام بقيادة الأوركسترا، وذلك أثناء التدريب على العمل أوبرالي فيديلو، ولما كان نهاية العرض كارثي أدى ذلك لعزوف المغنين وكذلك العازفين عن بيتهوفن كلياً، وقد حدد بيتهوفن عند كل جزئية من العمل الموسيقي، سرعة الإيقاع الخاصة به والتحكم به، وعند عدم سماعه للأوركسترا كان يسرع بالنوتة الموسيقية بشكل كبير.

ورغم نجاح العرض الأول للسيمفونية بشكل كبير، إلا أن كل الانتقادات بشهادات بعض الحضورعن هذه السيمفونية بأن الأوكسترا لم يتم التدرب عليها بشكل جيد، حيث تم تدريبهم لمرتين فقط قبل العرض، فأدى ذلك إلى عدم ترابط بعض فقرات العمل الموسيقي أثناء التنفيذ، ولكن لا يجب إلقاء أي لوم على بيتهوفن الذي كان يقدم السيمفونية بنفسه، وكثيرا ما كان يغضب ويصاب بالعصاب أثناء التنفيذ، وكثيرا ما كان ينزل على الأرض، وكأنه يراد أن يقوم بتقديم كل شئ بنفسه، وإذا كان بيتهوفن يستطيع الغناء لقام بذلك في تلك الأجواء، وكان يقوم بمتابعة جميع الموسيقيين.

رد الجماهير على السيمفونية

وكان رد فعل الجمهورعلى تلك السيمفونية بالإعجاب، وقد قاموا بالتصفيق كثيراً، وقدم النقاد بعض النقد منها ان  بيتهوفن كان يتخلف عن الأوركسترا لبعض الوقت، وكانت الكونترالتو كارولين أنجز تتوجه إلى بيتهوفن، وكانت توجهه ليرد على الجمهور فيتبادل معهم التحية والتصفيق.

وكان بيتهوفن في رد فعله على الجمهوريتصرف بإحترام شديد في عرض جميع الأجزاء إلى أن تم الإنتهاء منها، وكان الجمهور وفق روايات الشهود قد وقف لإلقاء التحية للمؤلف الموسيقي بيتهوفن لأكثر من مرة، وألقوا العديد من المناديل والقبعات بالهواء لجذب إنتباه بيتهوفن  عن مدى إعجابهم بتلك السيمفونية الموسيقية.

 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


Latest Images

<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>