Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

الصلاة…

$
0
0
الصلاة…
– نعجب من انفسنا فقد نسخنا من بيوتنا وعائلاتنا بالتدريج الكثير الكثير من العادات والتقاليد والامور التي تمسكنا بها بعدما تمسك بها آباؤنا واجدادنا لصالح تفاهات اقتحمت حياتنا عبر وسائل الحداثة والتواصل السريع…لعل افضل هذه الامور الحميدة التي نسخناها او كدنا من حياتنا العائلية هي الصلاة الجماعية والعائلية التي عاشها الاهل عبر التاريخ وعشناها نحن الى الامس القريب…
الصلاة وما اجملها وابلغها تأثيرا في تخفيف اثقال النفس، ومن منا لم يذق لذة ذلك السرور، ولم يشعر بتلك الراحة النفسية ذلك الشعور الروحي العميق الذي يتولد فينا بمناجاتنا ومعاشرتنا صديقاً طيب القلب سليم النية والطوية…

– ان الانسان عندما يُطلع صديقه الوفي على خفايا قلبه ومكنونات نفسه، عندما يكشف له اوجاعه ومخاوفه فهو يشترك معه نفسيا ووجدانياً وصديقه الوفي يشاركه نفسياً ووجدانياً…ففي مكاشفة ذلك يزول الغم ويتضاعف الهناء والسرور…
لكن أنىّ لنا صديقاً اكثر وفاء واشد اخلاصا من الله، الله ليس فقط أباً شفوقاً “يُشرق شمسه على الأبرار والظالمين ويُمطر على الأشرار والصالحين” بل هو جلت قدره خير صديق لا بل اعظم صديق لنا على اتم معنى الصداقة، الا يعطينا ذلك بقول الرب يسوع له المجد لتلاميذه:”انتم أحبائي”
ومع هذا ما اقل من يشعرون منا في الحديث معه اي في الصلاة بحالة النفس الحسنة التي تنشأ عن مرأى هذا الصديق الأمين ، فما اقل الذين يشعرون منا بضرورة رجوعهم الى الله تعالى كرجوعهم الى أخلص وأوفى صديق ليكاشفوه اوجاعهم النفسية وخاصة في ازمنة الضيق التي نعيشها منذ عشر سنوات وخاصة مع هذا العدو الخفي الذي اغلق في وجوهنا ابواب كنائسنا مرغمين تمشيا مع الحالة العامة للمجتمع والوطن والعالم…وكذلك يجب ان لاننساه في زمن السعادة والرخاء لنشكره على خيره لنا…
– السيد المسيح له المجد لم يفتر مدة وجوده على الارض بيننا في ناسوته لمدة 33 سنة عن مخاطبة ابيه السماوي…
– كم من مرة ترك تلاميذه قاصداً البرية وقمم الجبال وآخرها في ليلة العشاء الأخير ليصلي الى ابيه السماوي حتى في اشد حلات جزع ناسوته وهو على الصليب قال لأبيه السماوي:” ان شئت ان ان تبعد عني هذه الكأس.”
يسوعنا الحبيب كان في جميع حالاته النفسية كان يحدق بنظره الفعلي رافعاً نفسه وفكره نحو السماء، اليس في احضان ابيه كان يسكب كل المرارة وجل العذاب الذي كان يقاسيه يومياً في جهاداته المستمرة لمقاومة الشر والرذيلة والكفر وقساوة القلب والرياء، وليعيد الشعب ليصبح شعباً مختاراً من الله.
– اليس في احضان ابيه نفسه كان يودع فرحه بتلاميذه ونجاحهم؟ نعم انه كان يطلب اليه لأجلهم وقد جعلهم في دقائق حياته الأخيرة وديعة بيمين أبيه القوية الناصرة والحامية.؟
– ان روحية الصلاة نفسها فرضت ذاتها على تلاميذه وميزتهم ومن بعدهم جميع القديسين وتشددوا فيها على اضطهاداتهم المهولة واستشهادهم فقد جعلتهم منتصرين على الموت وقاتليهم بكل طمأنينة وسعادة…
هؤلاء الأبرار كانوا يسترشدون بالنور السماوي بالمعونة الالهية في كل عمل من اعمالهم لم يشعروا بوطأة الحزن الشديد لأن ربنا كان يلطف وقعه عليهم…
ليس السعيد فقط هو من يلجأ الى الصلاة في اوقات الشدة بل في اوقات السعادة كما سبق فقلت فيتخذ الله صديقاً دائماً وهذا مافعلته الكنيسة اي جماعة المؤمنين في صلواتها مع آبائها…
– لنجرب ذلك مجدداً كما كنا غي ماضينا واكيد سنحصل على كل السعادة روحاً وكياناً في الصلاة…
المجد لاسم الله من الآن الى الأبد.

مفردات شامية كلمات غريبة من قاموس أهالي دمشق ما تزال موجودة عند الكثير منا حتى الان …

$
0
0
مفردات شامية
كلمات غريبة من قاموس أهالي دمشق ما تزال موجودة عند الكثير منا حتى الان …
 
تؤبرني: تضعني بالقبر يعني اموت قبلك طبعا تقال للشخص اللي تحبه كثيرا وتتمنى موتك قبله ومثلها ايضا ً تشكل آسي اي تضع زهر الآس على قبري.
عجأة: يعني زحمة
ماني: اي لااريد ومثلها مابدي
دشرو: حل عنّو : يعني دعه و شأنه…ومنه يقال دشّرني:أي حل عني…وحل عني يعني اتركني بحالي.
لييك: اي انظر او شوف
ماني غضران او مابحسن : يعني لست بقادر
الواه الواه : تعبير نسائي قح يفيد التمسخر على شيء ما.

ولاك: أداة تستخدم في النهر والشتم.
ايدي بزنَارك: تعبير يستخدم للتعبير عن الرجاء أي ( داخل على الله ثم عليك ) وتفسيرها اي يدي في حزامك كانك تتمسك به وتترجاه
وضرَاب السخن: وهي مسبَة وتعني …… ان تصيبك الحمّى والحرارة
كوكِش…فتـّـش… بحبش: كلمات لنفس المعنى وهي تعني البحث مع التمحيص
ينمحئ: ينضرب على قامتو : يسطفل : خلّك بس ماعليك منه (اتركه بحاااااااله)
اعود يأأعـّـد رزك (اقعد يقعد رزَك) … يعني اجلس بمكانك وكفاية تتحرك…المعنى الأدق…يقعد رزك يعني تموت والناس ياكلو رز … لانو لمّا حدا بيموت من العادات انو بتصير عزيمة وبيطعموا الناس اوزي على روح الميت والاوزي اكله معروفة بالشام عبارة عن رقائق عجين محشية رز ببازلاء.
وين غاطط: يعني وينك مختفي مانشوفك ؟؟
والسبع تنعام: يعني النا الشرف. ،، تشرَفنا
ما بيعرف الخمسه من الطمسه: عن الرجل اللي ما عنده ثقافه.(؟)
سرّي مرّي: تقال للي دايما داخل طالع من البيت
شروي غروي او شندي بندي أو علاك مصدَي: كلها تحمل نفس المعنى وتقال على الرجل الذي يحكي كلام فاضي.
مجنّط – فايت بالحيط – طاقق الفيوز: كلهم للدلاله على واحد رايح فيها ومايدري عن شي
مأنشح: ماانشحه … تقال للانسان الغير نظيف بشكله او ببيته
كحته و بيحب الشحته -ايدو ماسكه : تقال على البخيل
شاطط و ماطط : يعني مدلع زيادة عن اللزوم
نايط: يعني شخص بارد.
شاضومه : يعني بنت مجلوئة ( شايفة نفسها )…و.. قليله ادب و مصبينه
شحاطة: يعني شبشب
تعسيله: نومه بعد الظهر.
قش الزفرة: يعني نانم عالقاعد شي خمس دقايق
مسرسبة: يعني بتحب النظافة كتير.
إغَيييييييييي : هذه يستعملها الابضايات يعني الرجال الشديدين (وتستعمل للإخافة )
يبعتلو اتلو شو سمج : ( أتلو : قتله ) .. يعني انشالله يموت و كلمة سمج يعني غليظ وثقيل الدم (حاير)
ازعر: صاحب مشاكل
زكرت او ابضاي: يعني قوي وشجاع وزكرت مستمدة من اهل زغرتا الاقوياء
عقلو جوزتين بخرج : الجوز طبعا معروف ،، خرج يعني كيس كبير فتخيل ان رجل عقله كرتين صغار داخل كيس كبير جدا ،،، يعني عقله صغير. (دايخ)
متل الاطرش بالزفة : يعني شخص اطرش وجالس فس زفة العرس ،، يعني ماله علاقة بالموضوع .
حاج تحوص متل الصوص : يعني يكفي حركة و لف ودوران زي الصوص ( ابن الدجاجة بالرضاعة )
يحرء حريشك : يعني انو هو ظريف ولطيف ودمه خفيف وحكايتو حلوة متلو
جدبة او خوتة :يعني مجنونة
حاجي او حاجتك بقى : يعني يكفي هذا
مجأ جأ : يعني مبلل
فوت : يعني إدخل
شوبك: يعني ماذا بك؟
ابوس روحك :للمدح
ورصاص :يعني دعاء بالموت
ارمغان : تعني الهدية
زلمة : رجل
“رفستو للمرض؟” وهي تعني “هل تخلصت من المرض؟”
“نفخها” وهي تعني انه توفي ولفظ انفاسه الأخيرة…
“لون ورز” اي طبق معين على المائدة، يؤكل مع الرز…
“كمونة” او “كلحوس” بخيلة او بخيل
“المبلغ الفلاني أو التوقيت الفلاني الا حنك” وهي تعني “القريب منه”…
“هاد يللي اسمو فلان” وتستخدم لتاكيد هوية شخص معين في الحديث، قد يكون قريب أو بعيد…
“في اخرة؟” وهي عبارة منسوبة لمشايخ دمشق عند سؤالهم عن وجود حلويات في ختام وجبة غداء او عشاء…
“فكت الحزن” وتستخدم عن الانتهاء من مظاهر حزن على وفاة شخص قريب…
“ضروب الرقم” وتعني اتصل بالرقم…
“اشراب نفس” وهي تعني “دخن أركيلة”
“مشقيت” وهي تعني “الى جانب”
“الفلافل شقرة” وتعني ان قرص الفلافل صنع بزيت نظيف ولونه فاتح
“عمنول” وتعني العام الماضي
“اول عمنول” اي العام قبل الماضي، او من سنتين.
“دجني دجتك العافية” عبارة تستخدم عند الكلام بصراحة ومن دون مقدمات منمّقة
“اولاد أدو” اي رفاق السوء
“لوص ونم” حديث عن الآخرين
“طم غم،” وهي عبارة تستخدم عندما يقوم اخدهم بالظهور اوالقدوم دون سابق انذار
“لخرى” وتعني “ثانية،او أخرى مثلا: اسكبلوا كبجاية لخرى
“أكل من رجلي شقف” اي انني مررت من هذا الطريق كتيرا
“مابسايل” تعني مافي مشكله وهي اختصار لـ مابأثر
دَشْرو : يعني حل عنّو .. تركو
ماني غضران : يعني لست بقادر وهي( بالميداني)
يوه تشكلو آسي : يوه مفرده يأتي شرحها لاحقاَ تشكلو آسي بعيد(الشر) : :تعبير يفيد شدة حب المتكلم للمتكلم عنه . .
الواه الواه : تعبير نسائي بحت يفيد التمسخر على شيء ما
معبّا بـ بنطرون : يعني واحد أجدب وجاية يحكي
ولا : آداة تستخدم في النهر والشتم
وخنان : مسبة مانها ظريفة بس وضعت للضرورة اللغوية
دشّرني : أي حل عني . . . وحل عني يعني اتركني بحالي
طلاع من راسي : كمان يعني حل عنّي
سد بوزك : يعني سكوت
سد نيعك : شرحو
أيدي بزنّارك : تعبير يستخدم للتعبير عن الرجاء
دخيل الله : أيضاَ تعبير والمقصود به هو الاستغاثة بالله
شَعرو متل الشوشة : أي أن شعره منفوش ومنكوش
متل فرشاية المدفع : يعني شعراتو خشنين ومنكوشين
وضرّاب السخن : وهي مسبّة. . وتعني . . . . ما بعرف بالضبط شو .. بس مسبّة
يوه الواه الواه : مفردة شهيرة جدأ عند النساء وتفيد الأوّية ( نوع من أنواع المسخره بين النساء)
كوكِش : يعني يفتش
بحبِِش : أيضاً مفردة تعني البحث مع التمحيص
ينمحئ : ويعني ينضرب على قامتو . . يسطفل
يبعتلو حمّى : أي تصيبه حمى ونخلوص منّو
يبعتلو أتلو : يعني يموت
يروح دعس : كمان يعني يموت بس دعس (دعس . فعس. معس )
متل مكّوك الحايك : يعني بحوص كتير
يفش نيعك : هي مسبّه
برِى عليك : يعني برافو أحسنت
شو مشان : يعني شو
تؤبرني : دليل محبّه
تشكل آسي : كمان محبّه
تؤبر عضامي : نفس المعنى بغير ريحه
تمشي على رمشي : شرحو
تطلع على أبري : كذلك
زواز : يعني زواج
سجره (بالسّين ): يعني شجره
أوضه : يعني غرفه
يتحورء : متل يبعتلو حمى
يتئوّص : بنفس المعنى
يتأمّع : كمان هيك شي
عود يئعد رزّك : يعني خيلتنا حاجة تحوص
والمعنى الأدق: يقعد رزك يعني تموت والناس ياكلو رز. . لأنو من المعروف عندما يموت حدى بتصير عزيمة وبيطعمو الناس أوزي على روح الميت والأوزي أكلة معروفة بالشام
وين غاطط : وين مو مبين
مافي أرنة: يعني لا يوجد مكان
مطرح مالو آعد : يعني بالمكان يلي يجلس فيه
والسبع تنعام : يعني إلنا الشرف
وأش كان : وتعني .. وأذا كان .. طز
ششمه : يعني تواليت
خالص : يعني منتهي أمرو … حرام عيشتو
حمل ضرب طْرِيئو : يعني يحمل حالو وراح
الداكونه : الغرفه يلي تحت الدرج
نمليّه : مكان بالمطبخ بيحطو فيه اغراض
صحن مئوبع : يعني صحن منتلي لآخرو
حيط بياخذو وحيط بيجيو : تقال للي بيسكر من كتر الترنّح
مابيعرف الخمسة من الطمسه : عن الرجل اللي ماعندو ثقافة
سرّي مرّي : عاللي بيخفق برات البيت
شندي بندي : للي بيحكي بلا طعمه شروي غروي
فايت بالحيط – طاقق الفيوز : للدلالة على انو ماعم يلاقي كلمة مناسبة
مجنّط : مفلس ولا قرش
كِحته : إيدو ماسكه . بخيل
شاطط ماطط : يعني مدلع زيادة
نعيان : يعني قلبو بارد
نايط : نعيان : بارد
شاضومه : بنت مجلوئة . . يعني كيف بدي إلكن . . . قليلة أدب ومصبْينه
شحّاطة : مايلبسه المرء في قدمه عندما يكون في المنزل
صرمايه : يعني حذاء
ديوانيّه : يعني صوفايه
صوفايه : يعني كنبايه
طائيّه : القبّعه التي توضع على الرأس
تعسيله : نومة بعض الظهر
تغدّى وتمدّى : يعني قيلوله بعد الغداء
مسرسبة : يعني بتحب النظافة كتير
مسمّاويه : يعني حقودة وأويّه
كركمّه : يعني ختياره مصوفنه
أسسييع أوعى الزيت : بمعنى أفسح طريق
زكرت : يعني أبضاي
أغّيييييى : هي للأبضايات وبس
خروء : يعني ضعيف كتير ما بيلئى كف
تاكلو الدوده العميا : يعني الواحد يموت وياكله الدود بعيد الشر
يبعتلو أتلو شو سمج : كمان يعني يموت وسمج يعني غليظ .
موَسوس : مهووس بشغله
محبّك : يعني زكي كتير
ضراع : يعني ذراع
المحروسه : كلمه تسبق اسم أحد في حال السؤال عنه مثلا : (كيفا المحروسه والدتك ..) وهي تذكر على النساء فقط
عئلو جوزتين بخرج : يعني عقله صغير
متل الأطرش بالزفّة : يعني مالو علاقة بالموضوع
حاجه تحوص وتلوص : يعني حاجة تفتل وتدور
شويّة لخار : بعد شوي .. وقت آخر
بنت عمّي : يعني مرتو وطبعاً بالعكس
تخورف : إتخوزء
مع ملاحظة أن حرف القاف يقرء همزه وليس قاف
مثلاً : (ينمحق : بنمحئ )
والسبع تنعام : يعني إلنا الشرف
شندي بندي : للي بيحكي بلا طعمه شروي غروي
مجنط : مفلس ولا قرش
كحته : إيدو ماسكه . بخيل
شاطط ماطط : يعني مدلع زيادة
نعيان : يعني قلبو بارد
نايط : نعيان : بارد
شحاطة : مايلبسه المرء في قدمه عندما يكون في المنزل
تعسيله : نومة بعض الظهر
مسرسبة : يعني بتحب النظافة كتير
أسسييع أوعى الزيت : بمعنى وسع وفسح طريق
أغّيييييى : هي للأبضايات وبس
يبعتلو أتلو شو سمج : كمان يعني يموت وسمج يعني غليظ .
موسوس : مهووس بشغله
عقلو جوزتين بخرج : يعني عقله صغير
متل الأطرش بالزفة : يعني مالو علاقة بالموضوع
حاج تحوص وتلوص : يعني حاجة تفتل وتدور
شوية لرخار : بعد شوي
بنت عمي : يعني مرتو وطبعاً بالعكس
ما بغضر:لا أستطيع
فرطلنا هالمسبحة: حلو المشكلة
منائرة : خنائة
عَيّ: مشاكل
إجكان:إ ذا
فركا: هرب
حمل ضرب طريئو و مشي: ذهب بدون اهتمام
هاد وش الضيف: لم نراه بعدها
حزي: لها عدة معاني منها ( شوف )
مثال : حزي الجدبة : شوف الجدبة
يحرئ ديبو: بدل الشتيمة
يحرئ حريشو: بدل الشتيمة
شرحو: نفس الشيء السابق
انطعج:انصعق
أكل كلاش عاطفي .. أكل مقلاية بوشو:
إما أنه أكل كلمة دج أو حدث معه موقف محرج
حجي:للمخاطب المذكر
حجة:للمخاطب المؤنث
شلي: استغابة
صئائ: الشارع
تكركب: تلَبَك
دزدان: جزدان الجيب
أمة لا إله الا الله: الكثير من الناس
سلخو كف: صفعه على وجهه
تشكُل آسي: نوع من أنواع الغزل الشعبي
تبئى حداه: و الله ما عم أعرف كيف بدي أشرحا
حشات الدكر:حاشاهُ ذكراً
عمن أول: السنة الفائتة أو ما قبل
كركوبة: غرض غير لازم
كركمة: ختيارة مصوفنة
شرنة: أم عجئة
يو الواه الواه: نوع من أنواع الردح
تتحورئي أو تتزهرمي: أي تأكلي
ضراب السخن: جواب السؤال الغير مرغوب فيه
أحط: إذهب
إغي: كناية القوة
باطل: كمان كناية عن القوة و تكبير الراس
شحوكة: للمخاطب البعيد
شحني: ليكني
سيرئوني: نوع من الألوان المنقرضة
همشري: جاهل أبو عجئة
شاطة ريالتو: غبي أو أجدب
و رصاص: شتيمة
إجازة: زجاج (ويقال أيضاً ‘الأجازين’ وهي تعني منطقة الأزازين)
سجرة: شجرة
هتي برتي: كناية عن بدئ المشكلة
ينباع بالعزا: ينمحئ
شنيكة: بسرعة فائقة
ستوكة: كناية عن فتاة شكلها فايت بالحيط تضع مساحيق التجميل بشكل مقرف على وجهها
ليش : لماذا
شلونك : كيفك؟
شو : ماذا
شبك : ما بك؟
بدي : أريد
هادا : هذا
طاقين فيوزاته , أجدب : مجنون
يللا : هيا
أبضاي : قوي و شهم
زكاتك : لو سمحت
أدّيش : كم
يسلمو : شكرا
منيح : جيد
لعمى : للدهشة
فوت : ادخل
لازم : يجب
خراس, سد حلقك : اسكت نهائيا
حليق ، قحط , اضوي : اذهب
ببو : طفل رضيع
زلمة : رجل
دبدوب : سمين أو لديه كرش
شحو ، ليكو : هو ظاهر أمامك
فز, أوم : انهض
باطل : عيب أو عار
خاطرك : مع السلامة
يعدّمني ياك : الله ياخدك
و السبع تنعام : لنا الشرف
على أبو موزة : دليل العشوائية
كربوج : لطيف و له خدود مدورة
جُـوّا : في الداخل
تمسيح جوخ : مدح شخص لغاية في النفس
تقبرني , تشكل آسي, تقبش عظامي : من شدة المحبة
يوو الواه الواه : مفردة شهيرة جدا عند النساء و هي كناية عن الاستهزاء بالمتحدثة الأخرى
تشكل آسي :أي تضع نبات الآس على قبري
تقبشني : أي تسكير الكفن للميت بربطة قماش
تقبرني :. أي تضعني في القبر
تطلع على قبري : أي كم أنا أحبك
ولي على بعضي.أي إرتبك….
ولي على قطاطك: أي كم أنت ظريفة
ولي على عيونك : أي تأنيب الآخر على شيء فعله
الواه ..الواه : أي تصغير من تتكلم معه
تنمحئ : أي إذهب إلى جهنم
سجرة : أي شجرة
يوه !! : أي إشارة تعجب
العين تسفأك : أي تصاب بالحسد
ولي على آمتي : أي أندم على ماجرى
محورقة :أي قوية وتغيظ من حولها
سكبة :أي ضيافة من الجيران
إزازة : أي زجاجة
مأمعه : أي يشطر رأسك عن جسدك
خرّاطتي :أي تنورتي
ملايتي :أي نقابي
يبليكي بدفشة : أي دعوة خفيفة للمداعبة شو يا بعدي
بعدي إسمو : أي مدح من شدة حبه
مبندق : أي كم أنت لعوب
ينيشنوك من بوب عينك : أي تقلع عينك
حضرتي وما حضر واجبك : أي مهما فعلنا فنحن مقصرين في حقك
عزيزة من غير قيام :أي لا تقومي رجاء
السبع تنعام : يعني إلنا الشرف
شندي بندي : للي بيحكي بلا طعمه شروي غروي
مجنط : مفلس ولا قرش
كحته : إيدو ماسكه . بخيل
… شاطط ماطط : يعني مدلع زيادة
نعيان : يعني قلبو بارد
نايط : نعيان : بارد
شحاطة : مايلبسه المرء في قدمه عندما يكون في المنزل
تعسيله : نومة بعض الظهر
مسرسبة : يعني بتحب النظافة كتير
أسسييع أوعى الزيت : بمعنى وسع وفسح طريق
أغّيييييى : هي للأبضايات وبس
يبعتلو أتلو شو سمج : كمان يعني يموت وسمج يعني غليظ .
موسوس : مهووس بشغله
عقلو جوزتين بخرج : يعني عقله صغير
متل الأطرش بالزفة : يعني مالو علاقة بالموضوع
حاج تحوص وتلوص : يعني حاجة تفتل وتدور
شوية لخار : بعد شوي
بنت عمي : يعني مرتو وطبعاً بالعكس
ما بغضر:لا أستطيع
فرطنا هالمسبحة: حلو المشكلة
منائرة : خنائة
عَيّ: مشاكل
إجكان:إ ذا
فركا: هرب
حمل ضرب طريئو و مشي: ذهب بدون اهتمام
هاد وش الضيف: لم نراه بعدها
حزي: لها عدة معاني منها ( شوف )
مثال : حزي الجدبة : شوف الجدبة
يحرئ ديبو: بدل الشتيمة
يحرئ حريشو: بدل الشتيمة
شرحو: نفس الشيء السابق
انطعج:انصعق
أكل كلاش عاطفي .. أكل مقلاية بوشو:
إما أنه أكل كلمة دج أو حدث معه موقف محرج
حجي:للمخاطب المذكر
حجة:للمخاطب المؤنث
شلي: استغابة
صئائ: الشارع
تكركب: تلَبَك
دزدان: جزدان الجيب
أمة لا إله الا الله: الكثير من الناس
سلخو كف: صفعه على وجهه
تشكُل آسي: نوع من أنواع الغزل الشعبي
تبئى حداه: و الله ما عم أعرف كيف بدي أشرحا
حشات الدكر:حاشاهُ ذكراً
عمن أول: السنة الفائتة أو ما قبل
كركوبة: غرض غير لازم
كركمة: ختيارة مصوفنة
شرنة: أم عجئة
يو الواه الواه: نوع من أنواع الردح
تتحورئي أو تتزهرمي: أي تأكلي
ضراب السخن: جواب السؤال الغير مرغوب فيه
أحط: إذهب
إغي: كناية القوة
باطل: كمان كناية عن القوة و تكبير الراس
شحوكة: للمخاطب البعيد
شحني: ليكني
سيرئوني: نوع من الألوان المنقرضة
همشري: جاهل أبو عجئة
شاطة ريالتو: غبي أو أجدب
و رصاص: شتيمة
إجازة: زجاج (ويقال أيضاً ‘الأجازين’ وهي تعني منطقة الأزازين)
سجرة: شجرة
هتي برتي: كناية عن بدئ المشكلة
ينباع بالعزا: ينمحئ
شنيكة: بسرعة فائقة
ستوكة: كناية عن فتاة شكلها فايت بالحيط تضع مساحيق التجميل بشكل مقرف على وجهها .
كركمة = كركوبة : امرأة كبيرة في السن
مطرمخة : كسولة
شرنة : لا تعتني بالنظافة
يملط : يستسيغ الطعام و يطيل في مضغه
انقرق : انزعج
حلّي سنونك = سمسمية : حلوى
آللش : اعتاد على الأمر
شرشحة : عكس مرتب
مسطوم : مسدود
مجعلكة = ملعبجة = مكرشنة
كمشة : حفنة
كوشة : مجموعة
مشبصة : متعبة
تخبيص : أخطاء متكررة
كرفتة : بشكل متتالي
خلنج : لم يستعمل
أيمع : بوظة
ألط : نظف بسرعة و بشكل عام
مبعوج
كربوج : مهضوم .. جميل
حربوء : يتدبر أموره بنفسه
خروء = تشتوش : لا يستطيع فعل شيء
محشوم : بعيد عن الشبهات
نشوءة : اصدار صوت عند البكاء
مزعبر
مبروء : ملئوط
ملووء
مدحوش = محشوك
يتناوء : ينظر خلسة
عفش : غير نظيف
مرحرحة : واسعة
فرتوك : صغير
منخار : أنف
أرابيز
شاطة ريالته
شيبة : امرأة مجنونة
ملبوش : اقحم بأمر لم يكن بالحسبان
و اللعية : تقال لمن يثرثر كثيراً
عصموص : شديد النحافة
مأنشح
رشم
تطريش
الصورة في دمشق القديمة ساحة الدوامنة وطلعة سفل التلة

 *الخميس العظيم المقدس مساءً (سحر الجمعة)* 

$
0
0

☦ *الخميس العظيم المقدس مساءً (سحر الجمعة)* 

عند المساء ندخل من نور الخميس العظيم إلى ألم الجمعة، يوم آلام المسيح وموته ودفنه، إذ يبدأ يوم الجمعة الليتورجيّ مساء الخميس بخدمة أناجيل الآلام التي هي صلاة سحر الجمعة.

فكما تبعنا يسوع في يوم الخميس العظيم إلى العليّة، نتبعه في يوم الجمعة العظيم إلى الجلجلة.

*الخدمة الطقسيّة* لهذا اليوم قديمةٌ جدًّا، تعود نواتها إلى العصور المسيحيّة الأولى، إلى صلوات كنيسة أورشليم كما سبقت الإشارة في المقدّمة. وقد ضمّت ثلاثة عناصر:

🕯– الأوّل يتألّف من تراتيل وقراءات وزيّاح ليليّ من جبل الزيتون إلى كنيسة القيامة حيث يوجد قبر المسيح؛

🕯– الثاني يتضمّن السّجود لبقايا الصليب الكريم؛.

🕯– الثالث يتضمّن الصلوات والقراءات في مكان الصلب نفسه.

هذه البنية الدراميّة للتسابيح تساعد المؤمنين على الغوص في المعنى العميق لآلام المخلّص وموته.

☦فهذا اليوم ليس فقط مجرّد رمز للصلب وتذكار له، فهو لا يتوقّف عند أمور ماضية. إنّه يوم يعلو فيه الشر ولكنه ينهزم على أقدام الرّب يسوع.

وأمام هذا الحدث الخلاصي الذي تّممه الرّب يسوع المسيح بفدائه الطوعي على الصليب يُطرح السؤال التالي: نحن الذين نسمّي أنفسنا مسيحيّين، ألا نجعل غالبًا منطقنا كمنطق هذا العالم الذي حكم على يسوع بالموت؟

*في أيّ جانب كنّا سنقف لو كنّا عائشين في أورشليم أيّام بيلاطس* ؟ هذا هو السؤال الذي يتوجّه إلينا مع كلّ كلمة من خدم الجمعة العظيمة.

هذا اليوم هو يوم دينونة هذا العالم الحقيقيّة لا الرمزيّة، ويوم دينونتنا الحقيقيّة لا الطقسيّة.
إنّه كشف لطبيعة هذا العالم الذي فضّل ولا يزال يفضّل الظلمة على النور، الشرّ على الخير والموت على الحياة.

إنّ هذا العالم الذي أدان المسيح للموت أدان نفسه للموت. ونحن بقدر ما نقبل روحه وخطيئته وخيانته لله بقدر ما نكون مدانين.

*ويبقى هذا اليوم يوم الفداء بامتياز، فموت المخلّص قد ظهر موتًا خلاصيًّا لنا. موت المسيح هو ذروة الكشف عن رحمته ومحبّته* .

وبالنهاية هو خلاصيٌّ لأنّه يحطّم نبع الموت نفسه: الشرّ.
فخلال آلامه كلّها، كان المسيح وحده المنتصر لأنّ الشرّ لا يستطيع أن يفعل أيّ شيء ضدّه. وهذا هو السرّ المزدوج ليوم الجمعة العظيم، السرّ الذي تظهره الخدمة وتجعلنا نشترك فيه:

فمن جهةٍ هناك التشديد الدائم على آلام الربّ كخطيئة الخطايا. ففيه نتوغّل مع الربّ في آلامه التي تقرأها علينا الكنيسة ١٢ قراءة كما سبقت الإشارة بدءًا من خطاب الوداع في يوحنّا، حيث يعذب كلام السيّد عن نفسه وعن الآب والروح المعزّي والكنيسة الطالعة من جنبه المطعون. القراءات الأخرى تخبرنا عن كلّ ما جرى للربّ: القبض عليه، محاكمته، والآلام (البصاق والسياط، والتقريعات) التي اكتملت بصلبه ودفنه.

نحن نقرأ الأناجيل الإثني عشر المتعلقّة بآلام الربّ كما وردت عند الإنجيليّين الأربعة، كي لا يفوتنا شيء من بهاء حبّ الربّ لنا.

☦ *التطواف بالصليب*:
بعد تلاوة الإنجيل الخامس يُطاف بالصليب المقدّس أثناء ترنيم :”اليوم عُلّق على خشبة” التي هي على نفس وزن ” اليوم يولد من البتول” التي نرتّلها في عيد ظهور الله في الجسد المعروف شعبيًّا بعيد الميلاد.
بعد التطواف يؤتى بهالصليب إلى وسط الكنيسة حيث يُثبّت في موضعه. نقول “اليوم عُلِّق على خشبة” للتعبير أنّه لم يبقَ زمانٌ يفصلنا عن موت السيّد المبارك.

اليوم يموت من أجلنا لنحيا بالإيمان به ونفهم أنّنا نرث اليوم ثمار الخلاص بحيث نرجو السيّد أن يُنزل علينا خلاصه ولا نبقى متردّدين بينه وبين خطايانا.

وفي نهاية الخدمة يسجد المؤمنون أمام مظاهر تواضع السيّد الطوعيّة.

لكنّ هذا الجوّ المفعم بالرهبة لا يحرمنا من فسحة رجاء إذ من الجهة الأخرى كلّ هذه القراءات تجعلنا نعيش الفرح وسط هذه الآلام منتظرين خلاصنا بالصليب.

*_من هنا سُمّيَ هذا اليوم في الكنيسة الأولى “فصح الصليب”، لأنّه هو بالواقع بداية الفصح.*

فذبيحة الحبّ التي تهيّء النصر الأخير تجعله حاضرًا منذ البداية.

فمن قراءة الإنجيل الأوّل (يوحنّا 13: 31 -18: 1) التي تبدأ بإعلان المسيح الجليل”الآن يتمجّد ابن الإنسان ويتمجّد الله فيه” إلى الاستيشارة في آخر الخدمة هناك ازديادٌ للنور ونموٌّ بطيء للرجاء واليقين أنّ “الموت سيحطّم الموت”: ” *إذ رأتك الجحيم المهزوء بها جدًّا يا منقذ الكلّ في قبر جديد موضوعًا من أجل الكلّ ارتاعت خائفة، وأبوابها وأقفالها حُطِّمت تحطيمًا والقبور فُتحت والموتى نهضوا والفرحان آدم إذ ذاك يا محبّ البشر ناداك شاكرًا المجد لتنازلك* “.

بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس ⁦☦

 

الآباء الرسوليون

$
0
0

الآباء الرسوليون

أطلق علماء المسيحية اسم “الآباء الرسوليون” على الجيل الأول من الكتّاب الذين عاشروا الرسل وخلفوهم في قيادة الكنيسة الناشئة، فكانت ثمرة كتاباتهم هي الاولى التي تلت مرحلة تدوين الأناجيل والرسائل. يتكوّن هذا الأدب الرسولي من رسالة القديس كليمنضُس أسقف رومية الى أهل كورنثوس وثمة رسالة ثانية منسوبة اليه، والذيذاخي (تعليم الرسل الاثني عشر)، ورسائل القديس اغناطيوس الأنطاكي السبع، ومقاطع من أعمال بابياس، ورسالة برنابا، ورسالتي القديس بوليكَربُس أسقف إزمير ووقائع استشهاده، وهرماس الراعي. كل هذه الأعمال، ما عدا استشهاد بوليكاربوس، قد دُوّنت قبل عام 130 للميلاد.

يتبين لنا أن مهمة الآباء الرسوليين تتلخّص، من خلال دراسة ما كتبوا، بأربعة أمور أساسية يبدو انها كانت تستحوذ على كل وقتهم، وهذه الأمور هي: البشارة والحفاظ على الإيمان الحقيقي، تنظيم الكنيسة، خلاص الإنسان والشهادة ليسوع المسيح. فهؤلاء الآباء عالجوا في كتاباتهم وضع الجماعات المسيحية ومشكلاتها الداخلية والخارجية والمسائل التي كانت تعترض المؤمنين في حياتهم اليومية. لذلك، وبفضل أعمالهم المكتوبة، نستطيع أن نكوّن صورة عن الحياة المسيحية الأولى وعن أبرز العوائق التي نشأت في طريق المؤمنين الأوائل.

نلاحظ بعد قراءتنا لأعمال الآباء الرسوليّين أن نشوء البدع المسيحية قد ترافق مع نشوء الكنيسة، والإشارات عندهم الى شطط بعض المجموعات عن الإيمان الأصيل كثيرة. كما أن التصادم الفكري بين المسيحيين من أصل يهودي واليونانيين من اصحاب الفلسفة كان يستدعي معرفة بأصول المنطق لإقناع دارسي الفلسفة بالتوحيد الإلهي وبقيامة يسوع المسيح وكسبهم بما يتمتعون به من علم هذه الدنيا. ولم يقتصر نشوء البدع على الآتين من الفلسفة اليونانية بل تعداهم الى المسيحيين من اصل يهودي. فنجد الآباء الرسوليين يدحضون تعاليم العرفانيين، كالمشبِّهين الذين أنكروا أن يكون ابن الله قد صار إنسانا، فتصدى لهم القديس اغناطيوس الأنطاكي مؤكدا حقيقة التجسد من أجل خلاص الإنسان. كما أكد الآباء الرسوليون ألوهة السيد المسيح في وجه الإبيونيين الذين أنكروها وشددوا على القول انه كان نبيا كسائر أنبياء العهد القديم. كما تجدر الإشارة الى أن الآباء الرسوليين قد استطاعوا التمييز في المخاطبة أثناء توجّههم في البشارة. فالذين كتبوا الى اليهود شدّدوا على اكتمال نبوءات العهد القديم بمجيء المسيح وصلبه وقيامته. اما الذين كتبوا الى الأمم فاختلفت لغتهم، حيث استرسلوا في الحديث عن وحدانية الله وعن قيامة المسيح. القيامة، اذاً، هي الأمر الوحيد المشترك في بشارة اليهود والأمم.

يتطرق الآباء الرسوليون الى دور الأسقف في الجماعة، فيُجمعون على انه الأمين على وحدة الإيمان والتعليم ونقل البشارة. وهو بحسب ما يعني لقبه المراقِب على حُسْن سير العمل في الكنيسة والمؤتمَن على خراف المسيح. والأسقف هو الذي يرئس الإفخارستيا في الكنيسة نهار الاحد محاطا بمحفل الشيوخ (او الكهنة) والشمامسة والشعب. وكان هو الذي يلقي العظة بعد قراءات من العهدين القديم والجديد، وكانت الجماعة تعترف بعضها لبعض بخطاياها، ثم تقام رتبة الافخارستيا ويقوم الشمامسة بتوزيع الخبز والخمر للمشاركة. وبعد الخدمة الليتُرجية، كان الحاضرون يقدّمون من أموالهم للفقراء والمحتاجين، فيمتد بذلك سر الشكر والمشاركة الى الحياة ايضا. ولا ينسى الآباء الرسوليون التنويه بمهمات الأسقف الرعائية، التي تشكل ركنا اساسيا من أركان رسالته.

يدعو الآباء الرسوليون المؤمنين الى الوحدة بشكل دائم. لهذا نراهم ينبذون الكبرياء والحسد ويعتبرونهما الأساس الذي يقوم عليه كل انشقاق في الكنيسة، فيشدّدون على التذكير بفضائل الطاعة والمحبة والتواضع، وبخاصة بوجوب طاعة الاسقف المؤتمَن مع مجمعه على الإيمان وصحته. اما كليمنضُس الروماني فيرى أن الحسد والغيرة والكبرياء هي سبب النزاع في كنيسة كورنثوس، لذلك يدعوها الى السلام والعودة الى الوحدة قائلا: “ايها الإخوة، عار جدا وغير جدير بالمسلك المسيحي أن نسمع أن كنيسة كورنثوس القديمة الراسخة قد قامت ضد متقدّميها بسبب شخص او شخصين”.

ما تتميز به هذه الكتابات الرسولية ايضا إنما هو الدعوة الى قبول الاستشهاد، الذي هو الطريق الحقيقي الى ملاقاة الرب عاجلا. لقد كان المؤمنون الأوائل يعيّدون لاستشهاد رفيق لهم لأنهم كانوا يعتبرون ذلك قيامة شخصية له، فالله يأتي ويحضن مختاره ويُدخله في ملكوته. لقد كان الاستشهاد بمثابة مجيء ثانٍ للمسيح خاص بالشهيد. لذلك لم يخَف الشهداء مواجهة الموت لأنهم آمنوا أنهم لا شك سيكونون مع المسيح في اليوم ذاته لاستشهادهم. فها القديس اغناطيوس الأنطاكي يقول: “إني أموت بمحض اختياري من اجل المسيح(…) اتركوني فريسة للوحوش. انها هي التي توصلني سريعا الى الله. انا قمح الله أُطحن تحت أضراس الوحوش لأُخبز خبزا نقيا للمسيح”.

لم يتخلّ الآباء الرسوليون ومعاصروهم من المسيحيين عن التزامهم بالإيمان المسيحي الذي تسلّموه من الرسل، على الرغم من كل الاضطهادات التي عانوا منها، واضطرارهم الى التخفّي لممارسة عباداتهم. لقد كان الانتماء الى المسيحية خيارا صعبا لا ترفا، فلم يترددوا في اقتبال المعمودية، ودفع الكثير منهم دمهم ثمنا لما اعتبروه أغلى ما عندهم. هذا لأن حياتهم كلها كانت متمحورة حول صلاة يمكن تلخيصها بالآية الخاتمة للكتاب المقدس: “تعال ايها الرب يسوع”.

الخلاصة
اذن  الآباء الرسوليون هم الآباء الذين خلفوا الرسل مباشرة وعاشوا في القرنين الأول والثاني. وقد لعبوا دوراً هاماً جداً في الدفاع عن الكنيسة والإيمان ضد الهرطقات والبدع والعقائد الغريبة عن الإيمان المسيحي والتي كانت منتشرة أو مزدهرة في هذين القرنين. من هذه العقائد الفلسفة الغنوصية ( المعرفية أو العرفانية ) ، والأفلاطونية وسواهما . وأهمية الآباء الرسوليين في أنهم خلفوا الرسل مباشرة فكانوا مرحلة مهمة في تاريخ الكنيسة المسيحية حيث تطور فيها اللاهوت والعقائد والحياة الروحية والليتورجية والإدارية .
من هؤلاء الآباء القديسون : اكليمنضس أسقف روما ، إغناطيوس الأنطاكي ، هرماس ، بوليكاربوس و بابياس ، وإيريناوس أسقف ليون …
وان كتابات هؤلاء الآباء تسلط الضوء على تطور حياة الكنيسة وإدارتها في الفترة التالية لفترة كتابة العهد الجديد

 

الفصح ربيع الحياة

$
0
0

الفصح ربيع الحياة

الفصح هو عيد الربيع، لكنه أيضاً عيد المسيحي الذي يعيش في جو الكنيسة. الربيع هو مهرجان الطبيعة الذي يوقظها من هجعة الشتاء ويهيؤها للإثمار. والفصح المسيحي هو ربيع هذه الحياة الذي يوقظ من ظلمة الموت ويهيء للتسامي. “الفصح هو فصح الرب، لأن المسيح إلهنا أجازنا من الموت إلى الحياة”.

☦الخُلُق الفصحي☦

إن الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة القيامة لأنها تعطي الأولية لانتصار المسيح على الموت. الفصح هو الانتصار على الموت، عبور الكلمة إلى القلب البشري فلا يتحوّل إلى المنطق والحواس البشرية.

عندما يتفحّص الإنسان خُلُق الأرثوذكسية يجد أنها تهب “الروح” والحياة الآتيين من القبر: “الحياة في القبور” كما نقول في الترنيمة. إنها بريق النور ونشوة الحياة. هنا يمكن أن نرى الفرق بين المسيحية الغربية والكنيسة الأرثوذكسية. القديس فرنسيس، في سيرة كازانتزاكيس، يبلغ إلى ذروة الحياة الروحية بإحساسه بالمسيح المصلوب في جسده. هو يصف ذلك: “إنه صليب أيها الأخ ليون، جسد الإنسان هو صليب، افتح ذراعيك وسوف ترى، المسيح مصلوباً عليه (الجسد)”. ومن ثم صلّى: “يا مسيحي، يا حبيبي، أطلب منك خدمة، خدمة واحدة قبل أن أموت، أن أشعر في جسدي ونفسي، بقدر الممكن، بوجعك وبألمك المقدس….” لقد بلغ نقطة رؤية جراح الصليب على جسده، وعندما سأل خبرة أخرى أعظم من الأولى، سمع صوتاً إلهياً يقول: “لا تطلب أكثر، هنا ينتهي صعود الإنسان، عند الصلب”.

من جهة أخرى، القديس الأرثوذكسي سلوان الأثوسي، رأى المسيح المصلوب واختبر الفصح في كيانه وفي الخليقة. بعد معاينة المسيح قائماً قال: “كنت أعيش في احتفال فصحي. كل شيء كان جميلاً؛ الكون كان رائعاً، الناس كانوا محبوبين، الطبيعة كانت فاتنة بشكل لا يوصَف، الجسد تغيّر وصار نوراً، القوة ازدادت… الروح طفحت بالفرح؛ تعاطفت مع الناس وصلّت من أجل العالم بأكمله”.

هذا الفرق بين التفكيرين الشرقي والغربي يظهر في الفرق بين جان بول سارتر والقديس سارافيم ساروفسكي. الأول (سارتر) في خيبته من المسيحية الغربية قال: “الآخر هو جحيمي”. الأخير (القديس سارافيم) كان يتوجّه إلى كل مَن يلتقيهم محيياً: “يا فرحي، المسيح قام”. كل “آخر” لم يكن “مختلفاً” ولا “غريباً” ولا “أجنبياً” بل أخاً. خبرة القيامة تتغلب على الموت وتبطل مفعول الأنانية وتبيد الجحيم. من دونها، يصير الإنسان مسجوناً في جحيمه الشخصي. كتب أفدوكيموف: “يمكننا تصوير الجحيم على أنه قفص مكوّن من مرايا: يمكن للإنسان أن يرى فيها وجهه فقط مضاعفاً إلى اللانهاية، من دون أي لمحة لأي وجه آخر. أن يرى الإنسان نفسه فقط معناه أنه متخَم بذاته حتى الغثيان، لا بل حتى الحازوقة الوجودية”.

☦معضلة قابلية الموت☦

في الاحتفال بفصحنا كعيد الأعياد وموت الموت والثمرة الأولى لحياة ثانية أبدية، نشعر في ذواتنا وحولنا برائحة الموت الروحي، بالحياة التي قبل قيامة المسيح. نحن نعيش هذه الحياة البيولوجية فقط للبقاء، وبالحقيقة كأشخاص قابلين للموت. نحن ننشد “المسيح قام”، نحتفل خارجياً، لكن مرارة الجحيم تسيطر في داخلنا، وحتى غالباً على الحياة الكنسية.

ذكر الموت مرّ، ومثله ألم الوحدة. هذه العوائق السامّة، حتّى في المسيحية، مُرّة. حتّى في الكنيسة نفسها التي هي استمرار لكنيسة القيامة ومعلّمة سرّ القيامة.

بالحقيقة إن ما يبعدنا عن مهرجان الحياة الوجودي هو الأهواء على اختلافها. الضغوطات المختلفة أيضاً تجعل الشعور بالحياة الكنسية مختلفاً عن ذلك. المسيحيون منقسمون بسبب اعتبارات سياسية متعددة، الأرثوذكسيون فيما بينهم في مزاحمات مختلفة. هذه الأمور لا تذكرنا أبداً بالمسيح القائم.

هكذا يستمر صلب الكنيسة الأرثوذكسية…

☦فصح الكنيسة الحقيقي☦

فصحنا، كانتصار على الموت وخبرة الحياة، نختبره اليوم بالرغم من القوى والميول الدهرية. الذين يختبرونه هم أولئك الذين يسلكون باتضاع ووجودياً ضمن الكنيسة، بعيداً عن الدهرية والعنصرية والاعتبارات السياسية. كما يمكن أن نراه بوضوح في رفات القديسين.

بشكل طبيعي، أجساد القديسين الراقدين، هي مجرد كتلة من الخلايا تضم فيما بينها خلايا الشيخوخة وينبغي أن تبلى. لكن، قوة ونعمة القيامة لا تتركها تتحلل، وهذا ما يثبت أن أصحابها تغلبوا على الموت. القديس إنسان يرقد منتظراً النداء الأخير ليقوم.

هذا هو إذاً فصحنا، كسرٍّ للقيامة، وليس كديانة مسيحية فيها أهواء محبة الأولية والانقسام والمنافسات. فصحنا لا يمكن استبداله بديانتنا التي تعيش تحت سلطان الموت. المسيح القائم لا يمكن أن يتشكّل من تعابير سياسية عن المسيحية، ولا قوة القيامة يمكن أن تتكيّف ضمن ما يُعرَف بالدول المسيحية. فصحنا يُختَبَر إيجابياً وهدوئياً كعشق وبتواضع.

* Ekklesiastiki Paremvasi, “Τὸ Πάσχα ἡμῶν”, May 2005.

☦الميتروبوليت ييروثيوس (فلاخوس)
تعريب أسرة التراث الأرثوذكسي☦

أسماء الله الحسنى المسيحية

$
0
0

 

اسماء الله الحسنى المسيحية

قبيل نشوء الإسلام كان الكثير من العرب يشركون بالله، وكانت المسيحيّة منتشرة في قبائل العربيّة. ويبدو من الآثار الأدبيّة التي وصلت إلينا أنّ تأثير المسيحيّة في الأدب والشعر الجاهليّين كان كبيراً، بحيث أنّ الشعر الجاهليّ يكاد يخلو من الإشارات إلى العبادات الوثنيّة، وهو أقرب إلى التوحيد منه إلى تعدّد الآلهة. والمدهش أنّ الشعر الجاهليّ مليء بأسماء الله الحسنى التي عُرفت فيما بعد في الإسلام.

إنّ اسم الجلالة “الله” في اللغة العربيّة مركّب من لفظ “إله” مسبوق بأل التعريف “الإله”، فصار “الله”. أمّا علماء اللغات الساميّة فيجمعون على أنّ هذا الاسم مشتقّ من أصل آراميّ “إيل” مفخّم بزيادة الهاء. وقد جاء هذا الاسم الكريم في الكتابات المسيحيّة النبطيّة. ولمّا كانت المسيحيّة قد دخلت إلى الجزيرة العربيّة عن طريق بلاد الشام، شاع اسم “الله” فيها بفضل المسيحيّة. لذلك تكرّر هذا الاسم كثيراً وخصوصاً في الشعر الجاهليّ الذي كان معظمه لشعراء مسيحيّين. وسوف نعرض سريعاً بعض الأشعار التي تتحدّث عن الله وصفاته وأسمائه.

يقول الشاعر زيد بن عمرو

إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا            وقولاً رصيناً لا يني الدهرَ باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه      إلهٌ ولا ربٌّ يكون مدانيا
رضيتُ بك اللهم ربّاً فلن أُرى        أدين إلهاً غيرك الله ثانيا

ويقول الأعشى

وذا النصُب المنصوب لا تسكنَّنه        ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا

وقال الشاعر أميّة بن أبي الصلت

إلهُ العالمين وكلّ أرضٍ        وربّ الراسيات من الجبال

تبرز أسماء الله الحسنى التي ورد ذكرها في القرآن في الشعر العربيّ الجاهليّ. وهذه الصفات قد عرفها المسيحيّون في عصر الجاهليّة واستعاروها من الأسفار المقدّسة من العهدين القديم والجديد. وهي تدلّ على وجود الله الواجب وقيامه بذاته وجلاله وعلمه وحكمته وغناه وأبديّته. ومن ذلك قول أميّة بن أبي الصلت

لك الحمد والنعماء والملك ربَّنا        فلا شيء أعلى منك مجداً وأمجدُ
مليكٌ على عرش السماء مهيمن       لعزّته تعنو الوجوه وتسجد
عليه حجاب النور والنور حوله       وأنهار نورٍ حوله تتوقّد
فلا بشرٌ يسمو إليه بطرفه             ودون حجاب النور خلقٌ مويَّد

(تعنو الوجوه أي تخضع) وفي موضوع وحدانيّة وقدرته وبقائه وصمدانيّته وملكه المتعالي، يقول الشاعر نفسه

سبحان ذي العرش سبحاناً يعادله        ربّ البريّة فردٌ واحدٌ صمدُ
مسخَّرٌ كلُّ ما تحت السماء له            لا ينبغي أن يناوي ملكَه أحدُ

ما يلفت الانتباه في هذا الشعر الذي قيل قبل الإسلام ما ورد فيه من صفات لله وأسماء له يردّد ذكرها القرآن في مواقع عدّة. وقد سمّاه أميّة مقدّساً وذا الجلال والباقي

فكلّ معمّر لا بدّ يوماً        وذي الدنيا يصير إلى الزوال
ويفنى بعد جدّته ويبلى      سوى الباقي المقدَّس ذي الجلال

وفي السياق عينه يقول الشاعر زيد بن عمرو

ألا كلّ شيء هالك غير ربّنا        ولله ميراثُ الذي كان فانيا

وقد دعاه زيد أيضاً بالعزيز والواسع

إنّ الإله عزيز واسع حكم        بكفّه الضرُّ والبأساءُ والنِّعمُ

ومن بديع أبيات أميّة بن أبي الصلت قوله يصف خالق البريّة

هو الله باري الخلقَ والخلقُ كلّهم        إماءٌ له طوعاً جميعاً واعبدُ
وأنّى يكون الخلقُ كالخالق الذي         يدوم ويبقى والخليقة تنفد
ونفنى ولا يبقى سوى الواحد الذي      يميت ويحيي دائباً ليس يهمد

وهذا الشاعر نفسه يتحدّث عن الخلق ويصفه، وكأنّه يستعيد المزمور المائة والثالث الذي تقرأه الكنيسة في كلّ صلاة غروب، فينشد

وسوّاها وزيّنها بنور                  من الشمس المضيئة والهلال
ومن شُهب تلألأ في دجاها           مراميها أشدّ من النصال
وشقّ الأرض فانبجست عيوناً      وأنهاراً من العذْب الزُّلال
وبارك في نواحيها وزكّى           بها ما كان من حرثٍ ومال

ويصف زيد بن عمرو الله بالرحمن، فيقول

ولكن أعبد الرحمن ربّي        ليغفر ذنبي الربُّ الغفور

ما نستنتجه من هذه الأبيات هو أنّ أهل العربيّة قبل الإسلام لم يفُتهم شيء من معرفة الإله الحقّ، وقد تأثّروا بدون ريب بالمسيحيّة والمسيحيّين، وهذا ما نجده في أشعارهم وأقوالهم والألفاظ المستعملة في لغتهم. وتالياً، نستطيع القول بأنّ الجاهليّة لم تكن “جاهليّة” مطلقة، بل كان فيها الكثير من الإطلالات الإلهيّة على البشر.

(رعيتي، نشرة مطرانية جبل لبنان 2001)

 

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)

$
0
0

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم (1) الثلاثة والجوهر الواحد)
هذا هو ايماننا المسيحي الاله الواحد
ليس الإيمان بالثالوث الأقدس عقيدة نظريّة أو فلسفيّة أو عقليّة مجرّدة، بل هو عقيدة قائمة على الكشف الإلهيّ الذي تمّ بتجسّد كلمة الله في التاريخ واكتمال سرّ التدبير الخلاصيّ بموت المسيح على الصليب وقيامته. لقد عرفت الكنيسة منذ نشأتها الإيمان بالثالوث الأقدس المؤسَّس على الكتاب المقدّس وتعاليم الرسل والجماعة الأولى. وإنْ لم تستعمل الكنيسة المصطلحات اللاهوتيّة السائدة اليوم مثل: الثالوث، الأقانيم، الجوهر، الطبيعة… إلاّ أنّ الكنيسة الفتيّة كانت ذات إيمان ثالوثيّ، فالأناجيل وكتاب أعمال الرسل ورسائل القدّيس بولس تضمّ تعابير وتسابيح ثالوثيّة كانت تُستخدم في العبادة الجماعيّة.
عندما سلمنا ربنا صيغة الإيمان بالآب والابن والروح القدس(2)… لم يقرن هذه النعمة بعدد… فهو لم يقل باسم الأول والثاني والثالث…ولا أشار إلى واحد واثنين وثلاثة…بل منحنا نعمة معرفة الإيمان الذي يقودنا إلى الخلاص…حتى أننا نخلص بالإيمان وبمعرفتنا بأسماء الأقانيم المقدسة.
أما العدد فقد اخترعه العقل كوسيلة لحصر الكميات…أما الذين يجلبون الدمار على أنفسهم فيريدون استخدام طريقة ” العد ” ضد الإيمان…ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عددياً كلٌ بعد الأخر فى تسلسل عددي…إلاَّ أن أولئك الذين يرون استخدام العدد في الكلام عن الطبيعة الإلهية يتجاوزون الإكرام اللائق بالبارقليط…ونحن نعلم عن كل أقنوم على حده.
وإن كان يجب علينا استخدام الأعداد…فإننا لا نسمح لأنفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الآلهة في الوثنية .. نحن لا نجمع بالإضافة واحد زائد واحد وبذلك نتدرج من الوحدة إلى الكثرة… كما أننا لا نقول واحد .. اثنان .. ثلاثة .. ولا نقول أولاً وثانياً وثالثاً بل مكتوب ” أنا الله الأول وأنا الآخر” (إش44: 6)
ولم نسمع قط حتى هذا اليوم عن إلهٍ ثانٍ بل أننا نبعد الإله من الإله .. ونعترف بتمايز الأقانيم وفي نفس الوقت نتمسك بالوحدانية .. ولا نبدد اللاهوت بتجزئته إلى أقسام متعددة .. بل جوهر واحد غير مجزأ نراه في الله الآب والله الابن الوحيد .. ووحدة بلا انقسام لأن الابن في الآب .. والآب في الابن .. وهو ما ينفي وجود اختلاف بينهما .. بل يجعلهما جوهراً واحداً .. وبالتمايز هما الاثنان أقنوم .. وأقنوم وبالاشتراك في الطبيعة الإلهية الواحدة هما واحد .. كيف إذاً وهما واحد وواحد ليس اثنين؟
السبب هو: أننا نتحدث عن ملك واحد وعن صورته .. وهذا لا يعني وجود ملكين .. فلا السلطة ولا القدرة ولا المجد ينقسم .. بل السيادة والسلطة والحكمة هي واحدة.
وفي اللاهوت نفس الوضع لأن المجد الذي نقدمه لله يقدم إلى الواحد وليس إلى تعدد الآلهة .. لأن إكرام صورة الملك هو إكرام الملك. وفي حالة الملك والصور فإن الفرق بين الملك والصورة هو في الطبيعة .. إذ هي تُمَّثل الملك.
أما في حالة الآب والابن فالطبيعة واحدة. وفي الفنون يحاول الفنان أن يرسم شبيهاً متقناً .. أما في اللاهوت فالطبيعة الإلهية بسيطة غير مركبة فإن الوحدة بين الآب والابن هي وحدة قائمة على الشركة في الجوهر الإلهي بينما الوحدة بين الملك والصورة هي وحدة في الملامح فقط .. واحد هو الروح القدس الذي هو واحد مع الآب الواحد والكل هو الثالوث المبارك المسجود له.
وواضح بشكل كافٍ أن الروح القدس قائم في شركة الجوهر مع الآب والابن. لأنه لا يحسب ضمن الخليقة المتعددة بل نتكلم عنه كواحد لا مثيل له في الخليقة. وكما أن الآب واحد والابن واحد، كذلك الروح القدس واحد وهذا يجعله بعيداً تماماً عن الطبيعة المخلوقة. لأن الفكر السليم لا يسمح لنا بأن نضع الواحد الذي لا مثيل له والبسيط غير المركب مع الخليقة المركبة القائمة في كثرة من الأجساد. أما الروح القدس فهو متحد مع الآب والابن في وحدة لا مثيل لها.
وما ذكرناه سابقاً ليس هو المصدر الوحيد للبراهين على الشركة في الجوهر, بل لأن الروح القدس “هو من الله” (1كو1: 12)، ومعنى “من الله” ليس مثل الكلام عن الخليقة التي هي أيضاً من الله، بل المعنى الدقيق المتعارف عليه وهو أنه صار من الله، ليس بالولادة مثل الابن. وإنما مثل النفخة الصادرة من الفم. ولكن الفم هنا لا يعني مطلقاً ذلك العضو الجسد، ولا نفخة الفم التي تتبدد بمجرد خروجها من الفم، بل هو الفم على المستوى الإلهي الذي منه يصدر الروح القدس أقنوماً حياً متميزاً بطبيعة التقديس الفائقة. وهكذا يمكننا أن ندرك وحدته مع الآب والابن. بينما يظل كيانه الإلهي غير المدرك فوق القدرة على التعبير.
ويقال عن الروح القدس أنه روح المسيح لتأكيد علاقته الروحية بالابن كما قيل “من لم يكن فيه روح المسيح فهو ليس منه” (المسيح) (رو8: 9). فبالروح هو وحده الذي يمجد الرب حسبما قيل “هذا يمجدني” (يو16: 14).
ولكن ذلك التمجيد ليس مثل تمجيد الخليقة, بل يمجده لأنه “روح الحق” (يو14: 17). الذي يعلن الحق في ذاته بكل وضوح وكروح الخدمة يعلن لي عظمة المسيح الذي هو “قوة الله وحكمة الله” (1كو1: 24). ولأنه البارقليط (المعزي) يعلن في ذاته صلاح البارقليط (الابن) الذي أرسله ويظهر في كرامته وعظمة الذي منه انبثق (الآب).
ولكي ندرك أن الروح القدس ليس مثل الخليقة ولا منها، علينا أن نميز بين المجد الذاتي الذي يشع من ذات الله مثل إشعاع نور الشمس، والمجد الذي يعطى بحرية لمن يستحقه وهو مجد يضاف من الخارج. والمثل الواضح هو ما قيل أن “الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده” (ملاخي6:1). وإكرام العبد هو ما تقدمه الخليقة، أما الإكرام الآخر الذي يمكن أن يقال أنه إكرام المتساويين في الكرامة فهو ما يحققه الروح القدس. وكما قال ربنا “أنا مجدتك على الأرض العمل الذى أعطيتني قد أكملته” (يو17: 4).
يقال نفس الكلام عن الروح القدس “ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويعلنه لكم” (يو16: 14). وكما أن الابن يُمَجدْ من قِبل الآب كما قال “مجدتك وسوف أُمجدك أيضاً” (يو12: 28). وأيضاً يمجد الروح فالشركة في الجوهر التي له مع الآب والابن، وبشهادة الابن الوحيد عنه التي يقول فيها “كل خطية وتجديف يغفر للناس، أما التجديف على الروح فلن يغفر” (مت12: 31).
وعندما نستنير بالقوة التي فينا، ونحدق النظر في جمال صورة الله غير المنظور، ومن الصورة نبلغ إلى الجمال الفائق الذي للأصل وعندما يكون روح المعرفة حاضراً بلا انفصال فإنما في ذاته، لمن يحب رؤية الحقيقة وقوة معاينة الصورة، لا من الخارج بل يقودهم إلى معاينتها في ذاته (الروح القدس). وكما أنه لا أحد يعرف الآب إلا الابن (مت11: 27). وأيضاً لا يقول أحد أن يسوع هو الرب إلا “بالروح القدس” (1كو12: 3) ولم يقل بواسطة الروح القدس، بل يقول بالروح القدس، لأن الله روح والذين يسجدون له، فبالروح والحق يجب أن يسجدوا (يو4: 24). كما هو مكتوب، في نورك نعاين النور أي باستنارة الروح “النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم” (مز36: 9) – (يو1: 9).
وهذا يوصلنا إلى أن الروح القدس هو الذي يعلن في ذاته مجد الابن الوحيد وأنه هو الذي يمنح للساجدين الحقيقيين المعرفة الحقيقية لله. إذن طريق معرفتنا بالله يبدأ بالروح الواحد من خلال الابن الواحد إلى الآب الواحد ولكن بعكس ذلك يصلنا الصلاح الإلهي وقداسة الله ومجد الملكوت من الآب بالابن الوحيد في الروح القدس. وفي كلا الاتجاهين يظهر الاعتراف بالأقانيم ولا ينتهك الإيمان الحق بالوحدانية، أما أولئك الذين يعتمدون على فلسفة الأعداد ويقولون أول وثان وثالث بقصد إظهار اختلاف الأقانيم. فعليهم أن يعرفوا أنهم يجلبون مبدأ تعدد الآلهة من ضلال الوثنية ويحاولون إدخاله في لاهوت المسيحيين النقي. وضلال الاعتماد على الأعداد ظاهر، لأنه يؤدي إلى الاعتراف بأكثر من إله ويصبح ثمة إله أول وثان وثالث.
أما نحن فيكفينا التسليم الذي سلمه إلينا الرب، وكل من يمزج بين هذا التسليم والمعرفة الغريبة فإنه ليس أقل جرماً في تعدى الشريعة من الوثنيين.
خلاصة القول:
1- معنى “أقنوم” ؟
الأقنوم هو الشخص مع الجوهر أو الطبيعة التي يحملها.
والأقنوم يعني التمايز فهو يعني الكينونة المتمايزة.
2- من هم الأقانيم الثلاثة ؟
الأقانيم الثلاثة هم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد :
1- الآب هو الله من حيث الجوهر .. وهو الأصل من حيث الأقنوم.
2- الابن هو الله من حيث الجوهر .. وهو المولود من حيث الأقنوم.
3- الروح القدس هو الله من حيث الجوهر .. وهو المُنبثقمن الاب والذي هو مع الاب والابن.
3- كيف أنّ الآب والابن والروح القدس واحد؟
النار يوجد بها لهب .. واللهب يخرج منه نور وحرارة. فاللهب يسمى نار .. والنور يسمى نار .. والحرارة تسمى نار. والدليل على ذلك من الممكن أن نقول إنّنا نوقد النار .. أو إننا نوقد اللّهب.
أحياناً نقول نحن نستنير بالنار أو نحن نستدفئ على الحرارة أو نحن نستدفئ على النار. فاللّهب والنور والحرارة الخارجة منه شئ واحد أي نار واحدة وليسوا ثلاثة نيران. ولكن اللهب غير النور غير الحرارة. ومع أن اللهب غير النور غير الحرارة ولكن اللهب إنّ لم يلد نوراً ويشعّ حرارة لا يكون ناراً على الإطلاق. فاللّهب بنوره وحرارته يكون ناراً حقيقيّة.

وهكذا إذا تأمّلنا فى الثالوث القدوس نفهم أنّ الآب هو الله .. والابن هو الله .. والروح القدس هـو الله. مثل اللّهب نار .. والنور نار .. والحرارة نار .. فالآب هو الله الآب .. والابن هو الله الابن .. والروح القدس هو الله الروح القدس .. ويمكن أن يُقال الله فقط بدون الآب .. كما نقول أن اللهب هو نار فالتسمية ليست مشكلة ولكن إذا لم يوجد الابن لا يوجد الله .. لأنه لا يوجد آبٌ بغير ابن .. ولا توجد نار بغير حرارة .. حتى لو كان هناك لهب.
لأن اللهب بدون حرارة ليس له قيمة .. وكذلك أيضاً العقل بدون فكر ليس له قيمة .. فالمولّد يلد كهرباء .. والنور يلد شعاع .. والعقل يلد فكر .. والزهور تلد رائحة .. والنبات يلد براعم .. ولا يوجد شئ في الوجود كله لا يلد غير الحجر والجَماد الأصم.
فالله أعلن لنا أنّه إله واحد هو آب وابن وروح قدس.
فالآب والإبن والروح القدس .. هم الله واحد في ثلاثة أقانيم وليس ثلاثة آله.

مطران عكار نيقوديموس زوغرافوبولوس

$
0
0

مطران عكار نيقوديموس زوغرافوبولوس

توطئة

من الشخصيات القيادية الروحية المنسية في كرسينا الانطاكي المقدس وهو من المجاهدين في سبيل الكرسي الانطاكي وكنيستنا الرومية الارثوذكسية بدون تعصب للجنسية وقد خدم في كل موقع عينته به الرئاسة الكنسية 

السيرة الذاتية

هو نقولا بن قسطنطين زوغرافو بولوس، وُلد في 25 آذار سنة 1839 في القسطنطينية حي اسكيدار. وكان وحيداً لوالديه ولكن القدر لم يعطيه السعادة اذ بعد ولادته ببعض شهور توفيت والدته حنه وفي عام 1852 توفي والده أيضاً فعاد يتيماً فأخذه اليهما عماه نقولا وباسيلي فعاش عندهما نحواً من سنتين الى عام 1854حيثما سافر مع احد أقربائه الى القدس قاصداً الانتظام في سلك الرهبنة هناك فمثل لدى البطريرك الاورشليمي كيرلس، فأعجبته كثيراً نجابته ومظاهر ذكائه ونشاطه فأرسله الى السيد نثنائيل مطران الاردن ليكون مبتدئاً عنده، فأدخله المطران نثنائيل مدة 4 سنوات في المدرسة الارثوذكسية، ولما أتم دروسه فيها تتلمذ للمطران المذكور، وبقي لديه ثماني سنين أخرى مبتدئاً في الاسكيم الرهباني.

في عام 1866 غادر القدس ذاهباً الى القسطنطينية وطنه فمر ببيروت وقبل يد البطريرك الانطاكي ايروثيوس (1850-1885) (الذي كان خارج مقره البطريركي بدمشق متنقلاً مابين القسطنطينية وبيروت وكان وقتئذ موجوداً في بيروت ومقيماً في دار المطرانية بسبب دمار الصرح البطريركي بدمشق في المجزرة الطائفية 1860 واعادة بنائه مع الكاتدرائية المريمية وقد تم تدشين الدار البطريركية والمريمية عام 1868 عندها عاد البطريرك الى دمشق) وسلمه تحارير كان قد سلمه اياها رهبان جمعية القبر المقدس الاورشليمية اليونانية، يطلبون بها من البطريرك ايروثيوس وان يبقيه لديه ويتدرج في مراتب الكهنوت في الكرسي الانطاكي لما كانوا قد توسموه به من النشاط والاقتدار  وان له مستقبلاً كهنوتياً مشرقاً وخادما  أميناً للكنيسة.

شموسيته

البطريرك ايروثيوس لم يأذن له بالذهاب وابقاه لديه، وفي تلك السنة رُسم المطران خريسندوس الأول (يوناني) مطراناً على ابرشية عكار فأرسل البطريرك ايروثيوس علمنا ليكون شماساً عنده حيث رسمه شماساً انجيلياً في  25 آذار سنة 1867.

كهنوته

وفي 25 آذار سنة 1870 رسمه مطران عكار كاهناً وارسله رئيساً لدير القديس ضوماط الكائن في وادي النصارى / المقعبرة، فأقام في رئاسته هناك ست سنوات وفي اول عام 1876 رسمه المطران خريسندوس  ارشمندريتاً  وأرسله رئيساً لدير مار الياس الريح الغربي في الصفصافة / قضاء صافيتا، وعينه  وكيلاً عنه في جميع اشغال الأبرشية.بقي هناك مدة ثماني سنوات.

في عام 1884 توفي المطران خريسندوس فعهد اليه البطريرك ايروثيوس بالوكالة على الأبرشية بناء على طلب رعايا الابرشية بالاجماع، وبعد سنة من وكالته هذه اي في عام 1885 انتخب خريسندوس صليبا مطراناً على ابرشية عكار فبقي معه علمنا مدة ستة أشهر لتسليمه أعمال الأبرشية، وفي أثناء ذلك توفي البطريرك ايروثيوس وخلفه على السدة الانطاكية البطريرك جراسيموس(1885-1891) 

مطرانيته على ديار بكر

ابرشية ديار بكر وسائر بلاد مابين النهرين وهي من الابرشيات الانطاكية الشهيدة  وعاصمتها ديار بكر، وتقع على ضفة نهر دجلة جنوب شرق آسيا الصغرى وتعد جغرافياً جزءاً شمالياً من الجزيرة السورية الفراتية العليا ومحصورة بين نهري دجلة والفرات مع نهر الخابور  ويعيش فيها المسيحيون بأغلبية سريانية ارثوذكسية وكاثوليكية وآشورية وكلدانية وارمنية،  اضافة الى الرعية الانطاكية الارثوذكسية اليونانية والعربية اما بقية السكان فيتشكلون من اغلبية كردية واقلية تركية والعشائر العربية وكلها تدين بالاسلام السني…

انتخبه المجمع الانطاكي المقدس مطراناً على ابرشية ديار بكر وابلغه بذلك مطران عكار فكتب اليه علمنا موافقا وشاكرا وذلك في مطلع آب 1885 فاستدعاه البطريرك جراسيموس الى دمشق ورسمه مع السادة اعضاء المجمع الانطاكي المقدس في الكاتدرائية المريمية في 30 آب 1885

ذهب المطران نيقوديموس الى مقر ابرشيته ديار بكر وسائر بلاد مابين النهرين 

وتشير الوثائق البطريركية الخاصة بهذه الابرشية الانطاكية الشهيدة الى معاناة السكان المسيحيين الأنطاكيين وخاصة في القرى الوعرية النائية من ظلم الاكراد الموصوفين بالتوحش، ومن مضايقات ابناء الطوائف المسيحية الأخرى. 

ومع ذلك وحباً منه بالجهاد لأجل كرمة المسيح الانطاكية اقام علمنا هناك يرعى ابرشيته الفقيرة بكل اقتدار متحملا كل الصعوبات والمضايقات فنال محبة الرعية بقسميها اليوناني والسوري واكتسب محبة البقية مع انه كان  وفي الخمس سنوات التي عاشها في هذه الابرشية كان يقاسي امر العذاب من صعوبة التجول في الابرشية وفقر رعاياها وتناثرهم والاخطار والاغارات وقلة الواردات فاستعفى الى البطريرك جراسيموس مراراً فلم يقبل استعفاءه وفي الوثائق البطريركية برقية منه ابرقها من مقر مطرانيته في ديار بكر الى الوكيل البطريركي بدمشق وهي باللغة العثمانية ومؤرخة في 9 آذار 1888 تحمل رقم 14 راجيا فيها معرفة موعد عودة البطريرك جراسيموس الى مقره البطريركي بدمشق بعد جولته الرعائية الانطاكية توثق لحالة من مساعيه بالاستعفاء اي بعد ثلاث سنوات من مطرانيته وذلك لتقديم الاستعفاء.واخيرا قُبِلَ استعفاؤه.

مطراناً على عكار

في تلك الأثناء توفي خريسندوس صليبا مطران عكار فقدمت كافة الرعايا العكارية عرائض وبرقيات الى البطريرك جراسيموس والمجمع المقدس يطلبون فيها بالحاح اقامته مطراناً على ابرشيتهم بعدما خبروه شماساً وكاهنا ووكيلا عن المطران ولمسوا فيه وعاشوا  محبته الرعوية لهم وانجازاته وتفانيه لخدمة الرعايا واديار الابرشية وما اضافه اليها من اوقاف، وتكرر  الحاحهم باجماع الرأي عليه مطراناً عليهم مظهرين العناد بعد قبول غيره وتكررت عرائضهم فاضطر البطريرك والمجمع بتدبير اجابة ملتمس رعايا ابرشية عكار وشخص علمنا الى ابرشيته عكار في 6 ايار 1889 واستقبلته جماهير الابرشية استقبال الفاتحين.

قام هذا الراعي مستكملا جهاده السابق في خدمة هذه الابرشية العطشى الى الرعاية الروحية والمترامية  الاطراف في كل سهل عكار  وصافيتا وطرطوس ووادي النصارى وعكار ( اللبنانية اليوم) بشكل جبار وحدث دار المطرانية وفرشها بما يليق بالرغم من ضيق اليد، وذلك بزيادة  ريعية الاوقاف واستصلاح اراضي اديرة الابرشية وفتح مدارس ارثوذكسية في التجمعات السكانية وارسل الطلاب الى الرهبنة والتتلمذ في مدرسة دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي واكليريكية البلمند…

دوره في الازمة البطريركية

حينما استعفى البطريرك اسبريدون( يوناني) (1891-1898) وتم انتخاب السيد ملاتيوس الدوماني مطران ابرشية اللاذقية بطريركاً وتمرد المطارنة اليونان جرمانوس كيليكيا وبنيامين ديار بكر ونكتاريوس مطران حلب والاسكندرون على قرار المجمع وتمسكهم ببقاء السدة الانطاكية يونانية من خلال صيرورة جرمانوس بطريركا لم يقف علمنا المطران نيقوديموس مؤيداً لهم بدافع التعصب للجنسية اليونانية كما فعل هؤلاء الثلاثة بل كانت له يد بيضاء على انطاكية العظمى بقي التاريخ يذكرها له وقد ظهر فيها مظهر العدل والوفاء ونحا بها نحو من يفضل الصالح العام على صالحه الخاص وانتصر للحق بالتعريب.

وفاته

في ليل الخميس 4 تشرين الاول 1901 فجع الكرسي الأنطاكي بوفاة علمنا  في بيروت على اثر حمى خبيثة عجز الأطباء عن شفائها.

يوم الخميس تم نقله الى كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت وسجي فيها جثمانه وتناوب الاكليروس على قراءة الانجيل المقدس والقراءات على الجثمان، وتوارد القوم افواجاً لالقاء نظرة الوداع الاخير والتبرك…

وبعد ظهر يوم الجمعة في 5 تشرين الاول احتفل بجنازته فتولى صلاة الجنازة مطران طرابلس غريغوريوس ومطران اداسيس اثناسيوس ابو شعر الوكيل البطريركي بدمشق بتكليف من البطريرك ملاتيوس، وابنه مطران طرابلس تأبيناً بليغاً افتتحه بآية المزمور القائلة:” أعطنا عوناً في الحزن فباطل هو خلاص الانسان” وعدد في تأبينه خصال الفقيد واتعابه ومآثره ومناقبه الرسولية وتجرده لخدمة الكرسي الانطاكي ورعاياه في الابرشيتين اللتين ساسهما بكل اقتدار وكانت الكاتدرائية تغص بالجموع الباكية. ثم اودع اللحد في جانب هيكل الكنيسة.

الاوسمة التي حازها

-الوسام المجيدي الثالث من السلطان العثماني

-وسام من ملك اليونان

-وسام من قيصر روسيا

-وسام من بطريرك اورشليم 

مصادر البحث

-امين ظاهر خير الله : “كتاب الارج الزاكي في تهاني غبطة البطريرك الانطاكي السيد ملاتيوس”  طباعة المطبعة العثمانية في بعبدا(لبنان)سنة 1899

– جريدة المنار البيروتية العدد 1 السبت 3 تشرين الثاني 1901 السنة الرابعة ص7

– الوثائق البطريركية (ابرشية عكار-ابرشية ديار بكر)

 


مطران حلب والاسكندرونة ابيفانيوس السمرا الدمشقي 1902-1903

$
0
0

مطران حلب والاسكندرونة ابيفانيوس السمرا الدمشقي 1902-1903

توطئة…

ابرشية حلب من الابرشيات الهامة في تاريخنا الانطاكي وقد قدمت العديد من البطاركة العظام امثال البطريرك افتيموس كرمة والبطريرك مكاريوس بن الزعيم زالبطريرك اثناسيوس الدباس الدمشقي…وكانت رافدة للايمان الارثوذكسي القويم 

ولكنها كانت بالتالي من اهم الابرشيات التي اعتنقت الكثلكة  عام 1724 فانخفض عدد ارثوذكسييها بشكل حاد، ولكن مع بداية تعريب السدة الانطاكية مع اعتلاء البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي 1898 حيث اختار غبطته علمنا ابيفانيوس السمراء من دمشق لمطرانية حلب والاسكندرونة…كأول المطارنة الوطنيين  ولكن القدر لم يمهله ليقوم بواجبات هذه الرعية فقضى مأسوفاً على شبابه وعلمه واقتداره بعمر 36 سنة ولم يدخل ابرشيته بعد…

هي سيرة اليمة لراعٍ انطاكي جليل قدم عمره القصير في سبيل الكرسي الانطاكي ومجد الارثوذكسية في كل مكان وابرشية ودير خدم به 

السيرة الذاتية

هو من مواليد دمشق  اواخرعام 1876.من ابوين تقيين معروفين بحسن الصفات والتقوى المسيحية هما عبده بن اليان السمرا ونزهة ابنة روفائيل اوزون، من محلة آيا ماريا ( القيمرية) فرباه والداه على التقوى وممارسة الحياة الكنسية والصلاة في البيت وفي مريمية الشام وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي.

   درس في اول أمره اللغة العربية والتعاليم المسيحية في المدرسة الارثوذكسية الدمشقية / الآسية. فظهرت عليه منذ حداثته محبة خدمة الكنيسة فكان يقوم بالخدمة في هيكل الكنيسة وفي كل ماتحتاجه الكنيسة من خدمة اضافة الى وقوفه مع المرتلين منذ طفولته فاكتسب منهم معرفة الموسيقى البيزنطية وحسن الترتيل واجادته باللغتين العربية واليونانية، وكان لذلك محبوباً جداً من معلم اليونانية والموسيقى الكنسية المطران اثناسيوس عطا الله ارشيدياكون الكرسي البطريركي الأنطاكي وقتئذ فاتخذه تلميذاً خصوصياً.

رهبانيته

بعد أن ارتقى اثناسيوس عطا الله فوضت اليه رئاسة دير النبي الياس الغيورشويا البطريركي في ضهور الشوير سنة 1882 وعاد من ثم الى دمشق بأشغالله خصوصية سنة 1884 ذكر تلميذه صاحب الترجمة وحسن استعداده وبعناية وسعي اخته الحاجة مريم السمراء رئيسة دير سيدة صيدنايا البطريركي وادخله بخدمته وأصحبه معه الى الدير.

في اليوم الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1884 يوم عيد دخول السيدة للهيكل البسه اسكيم الرهبنة فأخذ يتخرج تحت يد معلمه المشار اليه فظل ملازماً خدمته حتى بعد ارتقاء المعلم الى درجة رئاسة الكهنوت مطراناً على ابرشية حمص وتوابعها.

حياته الاكليريكية

في 1تشرين الثاني سنة 1887 رُقيَ الى درجة الشموسية في كنيسة القديس اليان بحمص، وكان قد تمرن تحت انظار معلمه المطران اثناسيوس عطا الله  بالوعظ والتبشير  واتقان فن الموسيقى الكنسية حتى أصبح بحق يسمى موسيقياً بما اوتيه من نعمة رخامة الصوت  وحسن الترتيل…

في سنة 1891 زار علمنا الأماكن المقدسة في فلسطين حاجاً وتبرك بزيارة المهد المقدس والقبر المقدس، وبعد عودته دخل في خدمة مطران طرابلس غريغوريوس حداد، ثم طلبه البطريرك اسبريدون(1891-1898) الى الخدمة لديه في الدار البطريركية بدمشق.

بعد فترة من خدمة البطريرك اسبريدون وبعد ان اكتشف قدرته عهد اليه بالوكالة في دير سيدة البلمند البطريركي، ولكن ظروف وحوادث تلك الأيام جعلته بعد قليل من تكليفه يستقيل من الوكالة فعاد الى طرابلس الى معية مطرانها غريغوريوس حداد.

بعد تعريب السدة الأنطاكية عام 1898 نتيجة استعفاء البطريرك اسبريدون(يوناني) وتكليف مطران اللاذقية ملاتيوس اليوناني الدمشقي بالقائمقامية البطريركية ومن ثم انتخابه بالاجماع بطريركاً باسم البطريرك ملاتيوس الثاني عام 1899.

وعندما استقرت الأحوال للبطريرك ملاتيوس الثاني(1898-1906) في سنة 1900 دعاه الى الخدمة مجددا في دمشق وابرشيتها وتحت رعايته، فرقاه الى رتبة الارشمندريتية وأقامه رئيساً على دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي.

مطرانيته على حلب

هناك  في دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي ظهرت مواهب علمنا  بما اظهره من النشاط والإقدام على صعاب الأمور وتدبير امور الدير المتعثرة في ذاك الزمان، وذلك النجاح جعل غبطته ان يعيده اليه ليرقيه الى درجة رئاسة الكهنوت جزاء صدق خدمته وشهامته فاتفق وقتئذ الترشيح لمطرانية ابرشية حلب.

لاحظ غبطته حسن صفاته وسجاياه وما احرزه مع النشاط والشهامة والتقوى من الاقتدار على الوعظ والتعليم والكتابة اللاهوتية والتضلع في الليتورجيا والموسيقا الرومية، فوضع اسمه مع اسمين مرشحين بحسب الأصول وهكذا جرى الانتخاب في المجمع الانطاكي المقدس فأصابه الاجماع بأصوات هيئة أعضائه.

في نهار السبت الواقع في 2 شباط سنة 1902 عيد دخول السيد الى الهيكل رقاه غبطته مع المطارنة الى درجة رئاسة الكهنوت الجليلة مطراناً قانونياًعلى ابرشية حلب والاسكندرونة وتوابعها.

وتوالت الرسائل والتهاني البرقية من الكهنة واعيان ووجهاء ابرشية حلب مرفوعة للبطريرك ملاتيوس واعضاء مجمعه المقدس بالشكر والامتنان ولراعيهم الجديد بالتهاني الفؤادية الخالصة.

وقد جاء في “تاريخ لطيف”من نظم جرجي عطية قصيدة هنأ بها المطران ابيفانيوس عندما ذاع خبر انتخابه لمطرانية حلب وهذا هو مطلعها:

لله صوتٌ دعا في جلق سحراً……………….فرنَّ منه هتاف البشر في حلب

به ابيفانيوس الأريحيُّ غدا…………………. للأسقفية أرخْ خيرَ منتخبِ

1902

وفاته

وقضى ابيفانيوس متروبوليت حلب مأسوفاً عليه، ولم يدخل ابرشيته وكان في شرخ الشباب غير متجاوز السادسة والثلاثين من عمره. وقد ادركته المنية في دير سيدة صيدنايا حيث كان يزور الدير ليقدم الشكر لوالدة الاله  في طريقه الى ابرشيته وكانت شقيقته رئيسة دير سيدة صيدنايا البطريركي المجاهدة مريم السمرا  كما اسلفنا، ويبدو انه كان مصاباً بالسل بدون ان يدري بذلك في غمرة جهاده، وقر رأي الأطباء ان يتريث في الالتحاق بأبرشيته ليبل من مرضه… ونصحوه بتغيير الهواء في صيدنايا في الدير الشريف لمافي مناخ صيدنايا الجاف من الصحة له، وذلك باذن من البطريرك ملاتيوس…

اقام في الدير مستشفياً محفوفا بعناية شقيقته والراهبات الفاضلات، لكن عادت صحته للتدهور بسبب تمكن الداء العضال من جسده النحيل الى ان فاضت روحه الى باريها وكان انتقاله في 3 آذار 1903…

المؤسف والأشد ايلاماً انه كان يتوق الى الوصول الى ابرشيته  ليشمر عن ساعد الجد وبقي ذلك الألم حتى اللحظات الأخيرة من عمره، فلم يتمكن من الدخول الى ابرشيته ولم يتسلم امور تدبيرها ولم تحظ بما كان مأمولاً منه ان يعمله لأجلها…وسط أسف غامر من ابناء رعيتها الذين صبروا كثيرا عدة سنوات منذ نكتاريوس المعزول وكان سرورهم غامراً بهذا المطران المقدام وبنوا عليه الآمال في اعادة بناء الابرشية نظراً لسجاياه وجهاداته.

وبدلا من دخوله ابرشيته عاد الى دمشق مسقط رأسه جثة هامدة حيث تم نُقل جثمانه الطاهر الى دمشق، وسجي  في الكاتدرائية المريمية التي كانت قد تمت فيها قبل سنة ونيف رسامته مطراناً على حلب. وفي اليوم التالي 4 آذار 1903 رئس البطريرك ملاتيوس اثاني خدمة صلاة الجنازة  باكياً  على علمنا بما فطر غبطته عليه من الحنان والتقوى، لأنه مع ابيفانيوس كان قد وَطَّنَ النفس باعادة حلب والاسكندرون الى زهوها الارثوذكسي الأصيل في الحضن الانطاكي بعد طول معاناة سابقة مع مطرانها المعزول نكتاريوس الذي رفض مع مطران جرمانوس كيليكيا وبنيامين ارضروم في الازمة البطريركية التي اعقبت تعريب السدة الانطاكية 1898 الاعتراف به بطريركا كونه عربي…وسط مقاطعة من البطاركة اليونان ويونان الابرشيات الانطاكية في آسيا الصغرى.

شارك في صلاة الجنازة مطارنة: حمص معلمه اثناسيوس عطا الله، طرابلس معلمه الثاني غريغوريوس حداد، واداسيس الوكيل البطريركي اثناسيوس ابو شعر، وجبل لبنان بولس ابو عضل… ولفيف الاكليروس البطريركي وذلك في مريمية الشام وبحضور جماهيري لافت من الدمشقيين الباكين على علمنا ومن الطوائف الاخرى وبحضور الاسقف بطرس من السريان الارثوذكس ومعه كهنته وممثلين عن الطوائف المسيحية الاخرى… ورئيسة وراهبات دير سيدة صيدنايا البطريركي.

وقد ابنه معلمه المطران غريغوريوس بكلمة رثاء مؤثرة ونقل بموكب تشييعي حاشد جداً وقد شارك في تشييعه اكثر من 20000مشيع مع الجمعيات وتلاميذ المدارس الارثوذكسية…ثم دفن في مدفن المطارنة في مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية.

اللغة اليونانية المعروفة اليوم

$
0
0

اللغة اليونانية المعروفة اليوم

امتزاج اللغتين الفينيقية والإغريقية القديمة، نتج عنه “اللغة اليونانية المعروفة اليوم “، ليتيح فيما بعد “امتزاج الآلهة والطقوس تماماً”. فصارت معبودات المدن الفينيقية، نفس معبودات الجزر اليونانية. والطقوس اليونانية نفس الطقوس الفينيقية. وأنظمة الحكم في المدن الفينيقية نفس أنظمة الحكم في المدن اليونانية. والفنون والنقوش والهندسة والألبسة والاعتماد على التجارة في الحياة الاقتصادية وغير ذلك. وبناء عليه نرى “أشخاصاً من المدن الفينيقية” يشاركون في الالعاب الوطنية الأولمبية التي كانت تقام في أثينا، وكان يأتي إليها متسابقون من “كل المدن الهلينية”( وقد عدّت المدن الفينيقية من ضمن المدن الهلينية، حتى قبل مجيء الاسكندر). فمن فينيقيا مثلاً أتى “ايفيبوس” ليشارك في الألعاب الأولمبية في أثينا وأصبح “معبود اليونان”.
– في الصراع الفارسي – اليوناني القديم، كانت المدن الفينيقية على الدوام تميل إلى شقيقاتها من المدن الهلينية الطابع. وقد احتل الفرس المدن الفينيقية، وعندما اتى الاسكندر المقدوني، رحبت به كل المدن الفينيقية وتعاونت معه، وعلى رأسها صيدا مثلها مثل أكثرية المدن الهلينية الطابع (ما عدا صور التي قاومته على الأرجح بسبب تمكن الفرس فيها، كما قاومته مدن يونانية في داخل اليونان الحالية، لأن تلك المدن كانت تحاول الحفاظ على استقلالها السياسي، وليس لأنها اعتبرته من “حضارة عدوة”).
وقد وجدت مسكوكات وعملات عليها كتابات يونانية في المدن الفينيقية قبل مجيء الاسكندر.

اللغة اليونانية هي لغة المشرق
– كل ذلك سهل فتح الاسكندر للمشرق، وأصبحت اللغة اليونانية بعده، وبعد مئات السنين من التزاوج، لغة رسمية، وأصبحت “الحضارة الهلينية القائمة على هذا المزيج” هي الحضارة الحاكمة، وأتت جاليات هلينية من الجزر اليونانية لتمتزج مع الفينيقيين، وذهب فينيقيون ليمتزجوا مع يونانيين، في إطار “الدولة الواحدة والحضارة الواحدة التي جمعتهم لألف عام”

خرج من “الهلينيين المشرقيين” ، اي الذين دعوا “للامتزاج” ، خرج أباطرة وحكام فيما بعد (وهذا ما ينفي نظرية الاحتلال الغريب ويؤكد نظرية “الامتزاج والتطور الحضاري الطبيعي”) ، إلى أن احتل العرب المشرق عام 634 م، وهم عندما احتلوه قالوا إنهم “يحتلون بلاد الروم” بكاملها، ولم يكن في ذهنهم، ولا في ذهن الروم من أهل البلاد، أن المشرق حالة قومية أو حضارية مختلفة عن سائر المدى، فهم غزوا قبرص أيضا وكريت، وكانوا متوجهين إلى القسطنيطينية.

وتشهد الوثائق أنهم تكلموا مع روم المشرق وقبرص وكريت عبر تراجمة يجيدون اللغة اليونانية، التي أطلقوا عليها في مراجعهم اسم اللغة “الرومية”. وهي اللغة التي كتب فيها أباء كنيسة الروم المشرقية الكبار (يوحنا الذهبي الفم ابن انطاكية، ويوحنا الدمشقي ابن دمشق، وأندراوس الكريتي ابن دمشق، ورومانوس المرنم ابن حمص).

المصادر

تاريخ سورية

اسد رستم تاريخ انطاكية

نسور الروم

مميزات الرقم 3 في العهد الجديد

$
0
0

مميزات الرقم 3 في العهد الجديد

يكثر ذكر هذا الرقم 3 في حياتنا العادية. فأول مايخطر على بال المسيحي أنه يشير الى الثالوث الأقدس ( الآب والابن والروح القدس) الذي به نؤمن جميعاً وباسمه نرسم الصليب في بدء كل عمل وختامه وقبل الطعام وبعده وقبل السفر وبعده…وقبل الامتحان وبعده…هكذا تربينا وتعلمنا وربينا ونعلم…

بعد أن نالت سيدتنا العذراء فائقة القداسة والطهر، البشرى السعيدة من الملاك جبرائيل، فصار الكلمة جسداً وحل فيها، ذهبت مسرعة الى بيت اليصابات نسيبتها، التي كانت حبلى في شهرها السادس ( أي ثلاثة في اقنين فمكثت عندها نحو ثلاثة أشهر.

وجاء في تقليد الكنيسة أن ثلاثة من المجوس هم الذين سجدوا للطفل الالهي يسوع في مغارة بيت لحم وقدموا له هداياهم المثلثة من ذهب ولبان ومر.

وقد لازم هذا الرقم (3) الرب يسوع كل حياته على الارض. فقد هربت العائلة المقدسة وعددها ثلاثة الطفل يسوع وامه العذراء ويوسف خطيب مريم وحارس بتوليتها من فلسطين الى مصر. كما ان ثلاثتهم ذهبوا الى الهيكل في اليوم الاربعين من ولادة يسوع، وكذلك لما كان عمره اثنتا عشرة سنة (ثلاثة في اربعة).

ولكن رجع يوسف ومريم ولم يشعرا أنه بقي وحده هناك. ولمابحثا عنه وجداه بعد ثلاثة ايام جالساً في وسط المعلمين يسألهم ويناقشهم. وكان ينمو بطبيعته البشرية والانسانية في هذه الأمور الثلاثة ( الحكمة والقامة والنعمة) عند الله والناس. وفي اعتماده المقدس، في نهر الأردن، ظهرت السجدة (للثالوث): الآب في السماء والابن في الماء والروح القدس بشكل حمامة في الهواء.

ورسل المسيح عددهم اثنتا عشر (ثلاثة في اربعة) وثلاثة منهم (بطرس ويعقوب ويوحنا) عاينوا تجليه الالهي على الجبل. وظهر معه النبيان موسى وايليا.

فقال بطرس ليسوع:” لنصنع ثلاث مظال، لك واحدة. ولموسى واحدة. ولإيليا واحدة”. وقد رافق هؤلاء الرسل( الثلاثة) الرب يسوع حين أقام ابنة يا ايروس من الموت.

وبعد أن آمن نثنائيل (برثلماوس) بالسيد له المجد، ففي اليوم (الثالث) كان عرس في قانا الجليل. وقال يسوع:” أنا أُخرج الشياطين وأشفي اليوم وغداً.” وفي اليوم (الثالث) أكمل.وحيثما اجتمع اثنان او (ثلاثة) باسمي فأنا اكون في وسطهم. وقد تحنن على الجمع لأن لهم ثلاثة أيام يتبعونه وليس لديهم ما يأكلون. وشفى امرأة مريضة منذ ثماني عشرة سنة (ثلاثة في ستة)وأخرى مريضة منذ اثنتي عشرة سنة (ثلاثة في اربعة)

وقال مثلاً عن كرام وبخه سيده بقوله:” هوذا ( ثلاث) سنين أطلب ثمراً فيهذه التينة ولم أجد”. ومثلاً آخر عن رجل أرسل (ثلاثة) من عبيده الى الكرامين ليعطوه من ثمر كرمه.,وآخر عن ملكوت الله الذي يشبه خميرة خبأتها امرأة في(ثلاثة) أكيال دقيق حتى اختمر الجميع. ومثلاً آخر عن وقوع احد المسافرين بين ايدي اللصوص، فأثخنوه بالجراح ومر به كاهن ولاوي وسامري، لكن لم يلتفت اليه ويهتم بشأنه من هؤلاء( الثلاثة) غير السامري الصالح. وهو يرمز الى المخلص الوحيد يسوع الذي بذل نفسه فدية عن البشرية بسفك دمه على الصليب.

وثلاثة تقدموا الى يسوع وهم (الرسولان يعقوب ويوحنا ابنازبدى وأمهما) وطلبوا اليه أن يجلس الواحد عن يمينه ولآخر عن يساره في ملكه.فلما سمع باقي الرسل ذلك اغتاظوا. وكانوا يتساءلون في الطريق ويقولون:” من هو الأعظم فينا”!….

لو كان اخوتنا الكاثوليك معهم لأجابوا قائلين:” أنه بطرس” اما السيد له المجد فقد علمهم أنهم جميعاً اخوة، لا رئيس فيهم ولا مرؤوس، ولاينبغي أن تكون بينهم هذه الأوهام، وأنهم سيجلسون على اثني عشر كرسياً يدينون أسباط اسرائيل الاثنى عشر (ثلاثة في اربعة) وهذا دليل على مساواة الرسل في السلطان المعطى لهم بلا تفرقة ولا تمييز…

ومن أقوال يسوع سيكون خمسة في بيت واحد، فينقسم ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة…

البطريرك اثناسيوس الدباس الدمشقي

$
0
0

البطريرك اثناسيوس الدباس الدمشقي

عندما يرد امامنا في التاريخ الانطاكي والسوري اسم هذا البطريرك (العظيم/ البعض يذكره اثناسيوس الثالث والبعض الآخر يعدده الرابع../.حسب المؤرخين وكتاب التاريخ…!)

 على الفور تبرز امامنا ابرشية حلب التي رعاها مطراناً وبطريركاً وجعل من دار المطرانية الحلبية  داراً للبطريركية…وبطريركاً مقيماً في دارالبطريركية الانطاكية الرومية الارثوذكسية بدمشق… والمطبعة العربية الاولى التي سافرالى بلاد الفلاخ والبغدان (رومانيا) لسنوات طويلة، وتدرب فيها على الطباعة العربية ليطبع بها كتب روحية ارثوذكسية خدمة لكرسينا الانطاكي المقدس، ثم احضرها معه من رومانيا الاولى مطلع القرن الثامن عشر… وتبرز معنا في السياق مطبعة البلمند… وريثة مطبعة حلب… ومطبعة الشويرالناشئة بعد اختفاء مطبعة البلمند مع الرهبان الذين اعتنقوا الكثلكة وانتقلوا الى دير الشير ورئيسهم الشماس  عبد الله زاخر الذي عمل تحت يد البطريرك اثناسيوس في حلب في مطبعته الدباسية وتعلم منه فيها فن الطباعة…!!!

مقدمة في حلب

كان لمدينة “حلب” عبر التاريخ دور بارز في الحضارتين العربية والإسلامية وكانت على الدوام مركز إشعاع فكري وثقافي، كما أكسبها موقعها الجغرافي أن تكون ممراً وملتقىً لمختلف الثقافات والحضارات البشرية فكانت أول مدينة سورية وفي منطقة الشرق الأدنى ككل تعرف فن الطباعة.

القناصل والدبلوماسيون في حلب

إن المعاهدات المبرمة بين الدول الكبرى الغربية.والإمبراطورية العثمانية منحت لهذه الدول الحق في افتتاح قنصليات في أهم المدن تتمتع بامتيازات لحماية مصالح رعاياها.

افتتحت قنصلية البندقية في حلب عام 1548 وقنصلية فرنسا عام1562 وقنصلية إنكلترا عام 1583وقنصلية هولندا (الفلمنك) عام1613، وسائر الدول التي لها مصالح في حلب افتتحت لها قنصليات خلال القرن الثامن عشر.

المرسلون اللاتين

وصل الفرنسيسكان إلى حلب عام 1571لخدمة معبد قنصلية البندقية وأوكل إليهم رعاية التجار اللاتين المستقرين في حلب.

وبإيعاز من مجمع انتشار الإيمان الكاثوليكي  وبدعم ريشوليو الدبلوماسي وصلت إلى حلب ثلاث مجموعات من المرسلين اللاتين خلال العقد الثالث من القرن السابع عشر الكبوشيون عام 1623والكرمليون عام1625(وقد أخذ اللعازريون مكان اليسوعيين بعد أن حُلّت الرهبنة اليسوعية عام 1773)كانت غايتهم إعادة وحدة الكنائس الشرقية مع الكنيسة الكاثوليكية وتحت رئاسة بابا روما والإنعاش الثقافي والروحي لهذه الطوائف.وكانت حلب إشعاع المرسلين باتجاه دمشق و(لبنان…صيدا، طرابلس، عينطورة، حريصا).

 الانفتاح على العالم المسيحي الشرقي

في عهد المماليك كان مسيحيو حلب يتصلون بصعوبة مع بقية العالم المسيحي الشرقي. الاحتلال العثماني لبلاد الشام  وصل بين المسيحيين العرب والكتلة المسيحية الشرقية. اليونان المتنفذون في القسطنطينية وضعوا يدهم على بطريركية القدس من خلال رهبنة القبر المقدس اليونانية، وأعيد اعمار دير مار سابا بعناصر اغلبها يونانية. وجذب هذا الدير العديد من الحلبيين الذين تأثروا بالثقافة الأورثوذكسية اليونانية. بقيت البطريركية الإنطاكية بيد العناصر العربية  إلى غاية 1724،  وصارت الجاليات اليونانية المنتمية الى الكرسي الانطاكي تشغل مناصب خدمة في بطريركية إنطاكية المضيافة، وتبوأ بعضهم رئاسة أبرشيات هامة. والعديد من الحلبيين استقروا للتجارة في القسطنطينية والعديد من المدن الأناضولية حيث كانت تقطن جاليات كبيرة من اليونان كمرسين وطرسوس وارضروم وديار بكر. كما أن تجاراً يونان لاسيما من قبرص استقروا في الإسكندرون وفي حلب. وهكذا انفتح الحلبيون على الثقافة اليونانية المعاصرة.

 شخصيات محلية مرموقة

ما عدا هذا الانفتاح والتأثير الخارجي عرفت حلب في هذه الحقبة عدة شخصيات مرموقة: أحبار لامعون (ملاتيوس كرمة، مكاريوس الزعيم، اندراوس اخيجان الارمني، اثناسيوس دباس، جرمانوس فرحات الماروني…) لاهوتيون، شعراء، فنانون ونخبة برجوازية من الأعيان ساندت الفنون والمشاريع وحامت عن الكنيسة.

مقدمة في الطباعة

لم يبرز فن الطباعة بالأحرف العربية في المشرق إلا بعد مرور قرنين ونصف على التعرف اليه في اوربة، وقد حافظ المخطوط العربي في هذه الأثناء على مكانته المتميزة لدى المعلمين بأعداد الوعاء الرئيس لنقل المعلومات والثقافة.

الى ان ظهرت أول مطبعة عربية لغةً وحرفاً سنة 1701 في دير والدة الإله بسناغوف بوخارست (رومانية) خاصة  بالكرسي الانطاكي الأرثوذكسي المقدس على يد بطريركه السعيد الذكر والمجاهد أثناسيوس الرابع  ابن دباس الدمشقي (1685-1724)م الذي عاد الى حلب من رومانيا، ومعه العلم والفن الطباعي والخبرة التي اكتسبها وليؤسس أول مطبعة عربية في المشرق سنة 1706، في مدينة حلب العريقة بالعلم والثقافة والزاخرة بالمكتبات والمخطوطات وقد اغنى مكتبة مطرانية حلب الغنية اساساً بكنوز افتيموس كرمة ومكاريوس الزعيم واثناسيوس الثالث دباس وشقيقه كيرلس،  ثم تأسست مطبعة ثالثة لدى المسلمين باسطنبول سنة 1726، وتبعتها بعد ذلك سنة 1711 مطبعة دير سيدة البلمند البطريركي لتتوقف فجأة وتختفي ادواتها واحرفها ثم  تظهر مطبعة في دير الشير الكاثوليكي في الشوير على يد الطباع ذاته الشماس عبد الله زاخر سنة 1734 ومطبعة جديدة في جاسي(مولدوفا) سنة 1745 وأخيرة في بيروت سنة 1751م.

وتعد ظاهرة تأسيس هذه المطابع عربية خلال نصف قرن علامة بارزة في عملية التحول التي أقدم عليها المجتمع العثماني في القرن الثامن عشر، التي كان يتوقف من خلالها للانتقال الى مرحلة جديدة من تاريخه وهي مرحلة الاصلاح والنهضة التي سيلعب فيها الكتاب المطبوع دوراً بارزاً. ولكن لا يمكن نقل الآراء الجديدة والمعارف العصرية في ذلك العصر بسرعة والتعريف بها على نطاق واسع إلا عبر الكتاب المطبوع. وادت أفكار الإصلاحيين التي برزت في هذه الفترة  والتي تعبر عن رغبة جديدة في تغيير المجتمع والاتجاه الى استعمال ادوات ثقافية متطورة.

دير سيدة والدة الإله بسناغوف بوخارست
دير سيدة والدة الإله بسناغوف بوخارست

كان المسلمون مترددين في استعمال فن الطباعة،  رغم أنهم كانوا على إطلاع مبكر منذ ظهور أحرف الطباعة المنفصلة بأوربة في القرن الخامس عشر، بل كانوا على علم ب”فن الكتابة الجديد” الذي اكتشفه الصينيون في القرن الحادي عشر. ولايختلف الأمر كذلك بالنسبة للمسيحيين الأرثوذكسيين في بلاد الشام الذين كانوا مطلعين على ورشات الطباعة الموجودة عند بعض الطوائف الدينية في الدولة العثمانية منذ القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

ان القسطنطينية العاصمة قد سبقت غيرها من عواصم الشرق في صناعة الطباعة. لكن سلاطين بني عثمان لم ينظروا في اول الأمر الى المطبوعات بعين الرضى، وانما كانوا يخافون أن يلجأ أصحاب الغايات الى تحريف الكتب الدينية الاسلامية او حتى يعمدوا الى تزويرها، او يستغلوا الطباعة  لبث الدعوة التحررية عن السلطنة العثمانية.

فقط رخص السلاطين للأقليات الدينية بالطباعة ( اليهود في القسطنطينية واحدثوا مطبعتهم عام 1494 باللغة العبرية، والارمن وكانت اول مطبعة لهم باللغة الارمنية في مدينة سيفا عام 1567 ، واليونان انشأوا مطبعة في القسطنطينية باللغة اليونانية عام 1627…) بشرط عدم استخدام الحرف العربي لأنه يستخدم في اللغة التركية بوجهها العثماني. من هنا نرى أن المطبوعات العربية بالحرف العربي لم تظهر في الشرق الا مع بداية القرن 18م وذلك في حلب على يد البطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي المقدام اثناسيوس الرابع دباس (1685-1724)

مع هذا العَلم  الانطاكي العظيم راحت الطباعة العربية تسلك الطريق الى أقطار الشرق عموماً، من مطبعته  في حلب…وان كان العثمانيون ينظرون الى الطباعة بارتياب كما اسلفنا لأنهم رأوا فيها بارقة وعي تشرق في اذهان الشعوب المحكومة، وتصلها بأجواء الوعي الفكري الذي كان يصطخب في دنيا الغرب آنئذٍ، ومن هنا فإنها ستربي فيها روح التمرد، وستكون معولاً بهدم نفوذهم.

آل دباس

عائلة دباس من العائلات المتجذرة في بلاد الشام وهي من كبريات العائلات المسيحية العربية ذات النفوذ الواسع، وتعتبر من أبرز العائلات الكهنوتية التي أعطت الكثير من البطاركة والاساقفة والكهنة والرهبان في خدمة الكنيسة الارثوذكسية والكنيسة جمعاء مدة اربعة قرون. ترقى بجذورها الاولى الى بلدة ازرع في العربية (حوران) وهي بلدة تاريخية متجذرة يونانيا ورومياً بالمسيحية وعرفت المسيحية مبكرة وفيها كنيسة القديس جاورجيوس وكنيسة النبي الياس وتعودان الى مطلع القرن الخامس، بدلالة الكتابات الرومية (اليونانية) المنقوشة في الاولى…وتزامن عمر الثانية معها…

باب توما
باب توما

في عام 1386 سكنها كبير العائلة عبد المسيح، ويبدو ان مهنته كانت صنع الدبس واعتمدت الكنية زمن اعتماد الكنيات في بلاد الشام زمن الاحتلال العثماني وتحديداً مطلع القرن السابع عشر… ومن حوران ومع الفتح العثماني، وانتشار الامن بعد القضاء على المماليك انتقلت عائلة دباس الى دمشق واستقرت فيها، ثم تفرعت في مدن عدة فوصلت الى القدس واللد وحيفا ويافا وبيروت والقاهرة ودمياط والاسكندرية ومرسين وطرسوس في ابرشية كيليكيا بآسية الصغرى، كما وصلت في مراحل لاحقة الى مدن اوربية واميركية كبقية العائلات الاصيلة ومنها آل الحداد والمعلوف وعائلتنا زيتون…المتجذرة في الارض السورية الواحدة.

في اواخر القرن16 واوائل القرن 17 وصلت العائلة الى ذروة الشهرة، لعبت في هذه الحقبة، دوراً اساسياً وقيادياً ناجحاً وشجاعاً على المستويين الكنسي والزمني وذلك عندما اعتلى شابان اخوان من ابنائها العرش البطريركي الارثوذكسي الأنطاكي وهما أثناسيوس الثالث (1)(1611-1619) وكيرلس الرابع(1619-1628)

كان اثناسيوس الثالث الصوت المغرد في الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية منذ أن نُصِّبَ مطراناً على حوران مع بيروت وجبل لبنان(1581-1611)حيث شهدت ابرشية بيروت معه حركة روحية نشطة.

تم اختياره بطريركاً في ايلول من العام 1611 في ظل ظروف صعبة، كان معها الكرسي الانطاكي قد بدأ يشهد اختراقات من الرهبنات الكاثوليكة، سرعان مانمت في قلب الكنيسة. بالاضافة الى الديون الكبيرة التي كانت تترتب عليها للسلطنة العثمانية.

في البداية عمل أثناسيوس الثالث على وقف تقدم هذه الرهبنات الى حلب، بعد أن كانوا قد وصلوا اليها في مطلع سنة 1525 وأسسوا فيها اديرة ومدارس ونظموا حملات لشد المسيحيين الى كنائسهم واديرتهم ومدارسهم بغية جذبهم اليهم.فرسم ملاتيوس كرمة مطراناً على حلب في 12 شباط من العام 1613، والمعروف عن المطران كرمة ( البطريرك افتيموس كرمة 1634 مؤسس مدرسة الآسية البطريركية الارثوذكسية توفي 1635) علمه وثقافته وادارته، وذلك لوقف المرسلين اللاتينيين وحماية الرعية الارثوذكسية من الاستلاب الكاثوليكي.

حلب القديمة
حلب القديمة

كما انه واجه الظلم العثماني بفرض الضرائب الباهظة والمذلة على المسيحيين  والرئاسة الروحية، وأخذ على عاتقه تسديد الباقي من عجز الشعب المسيحي للدولة العثمانية سنوياً خلال مدة رئاسته على الكرسي الأنطاكي التي دامت سبع سنوات.

بعد وفاة البطريرك اثناسيوس الثالث، اعتلى الكرسي اخوه مطران حوران ومايليها كيرلس في 24 نيسان من العام ذاته يوم احد السامرية وسمي كيرلس الرابع

وتنازع مع ملاتيوس مطران حلب ولكنه كان فد تابع خطى شقيقه أثناسيوس في وقف تقدم الرهبنات الكاثوليكية وفي دمشق مقر الكرسي كان يديرها بطريقة جيدة بمساعدة وكيل عينه عليها هو ابن عمه جرجس دباس الذي كان من الشخصيات النافذة في دمشق وعلى عكس علاقة كيرلس المتينة مع السلطات الحاكمة لم تكن علاقته جيدة مع الدمشقيين لتأييدهم للبطريرك اغناطيوس الثالث 1617ابن عطية المؤيد من مجمع رأس بعلبك وهو الذي اسقط البطريرك كيرلس من السلسلة البطريركية(2) توفي كيرلس الرابع في اول حزيران من العام 1628 وهدأت الاحوال للبطريرك اغناطيوس الثالث حتى وفاته في عام 1634.

“اما والد كل من البطريركين فهو الخوري موسى دباس الحوراني الأصل(1526-1617) وهو عم جرجس دباس وكيل البطريرك كيرلس الرابع في تدبير امور البطريركية في دمشق.

اذن ان مؤسس العائلة في العصر الحديث هو الخوري فضل الله (1620-1706) بن بولس بن موسى بن جرجس بن بولس(1624-1614)، وبولس الأخير هو شقيق الخوري موسى الحوراني(1526-1617).

نزح الخوري موسى الحوراني الى دمشق مطلع القرن 16 مع اخيه بولس الذي انجب جرجس (الوكيل البطريركي) جد بولس والد الخوري فضل الله(1620-1706) الذي تزوج في دمشق من مريم طرزي وأنجب منها ستة اولاد وهم:

1- بولس البطريرك اثناسيوس الرابع (1685-1724)،2- موسى (1661-1749) وهو الجد الأكبر للفرع الدمشقي – البيروتي، موسى هذا كان أحد الأعيان من زعماء الطائفة الأرثوذكسية اللذين في يدهم مقاليد امورها في ذلك الوقت، لعب دوراً كبيراً بجانب ابن اخته البطريرك سلفستروس القبرصي (1724-1766) زمن نشوء الكثلكة في دمشق.3- يعقوب الذي اسس الفرع اليافاوي – البيروتي، ومنه خرج اول رئيس للجمهورية اللبنانية شارل دباس (1926-1932) 4- يوسف الذي اسس الفرع العكاوي، ومنه خرج المطران كيرلس راعي ابرشية صور وصيدا(1810-1826)، والقس أثناسيوس (1710-1797) 5- أوستين. 6- فوتين، والدة البطريرك سلفستروس القبرصي الذي خلف خاله البطريرك اثناسيوس الرابع علمنا على الكرسي الانطاكي.

وهكذا فإن العائلة مرتبطة بعضها ببعض  بسلالة الجد الأعلى الخوري موسى (1526-1617) مروراً بالجد الأكبر الخوري فضل الله بن بولس دباس الدمشقي (1620-1706) الذي ينزل من نسب عبد المسيح(1386)، الى نسب ديمتري يوسف دباس ببيروت (1837-1912) وصولاً الى أحفاده اليوم في بيروت.”(3)

السيرة الذاتية

هو بولس ابن الخوري فضل الله بن بولس دباس الدمشقي الأصل. ولد في عام 1647 في حارة بولاد في باب توما بدمشق من والدين ارثوذكسيين، نشأ البطريرك وترعرع في مدينة دمشق، وفي عائلة أغلى ما لديها إيمان راسخ بالله، احترام وحب للكنيسة الارثوذكسية الأنطاكية وفي مدينة القديس بولس منطلق المسيحية الى العالم، وكان والده الخوري فضل الله من عداد الكهنة الدمشقيين المتميزين وقتها في المعرفة اللاهوتية والعلوم الزمنية، وكان حاضراً مع بقية الكهنة في الاحتفال الذي أقيم لمناسبة ارتقاء مكاريوس بن الزعيم العرش البطريركي الأنطاكي في 12تشرين الثاني 1647. لذلك كانت الحياة الروحية تملأ قلب الطفل بولس من خلال والده الخوري وعائلته المؤمنة جدا والممارسة لايمانها الارثوذكسي في كنيسة مريم وكنيسة القديس نيقولاوس وكنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا في الصرح البطريركي الدمشقي.

دمشق القديمة
دمشق القديمة

تلقى العلم على والده طفلاً وفي كتَّاب دار البطريركية في دمشق، فتميز بولس علمنا بحدة ذكائه منذ طفوليته وباجتهاده، وكانت إرسالية رهبنة الآباء اليسوعيين اللاتينية قد فتحت مدرسة للصغار بدمشق، فأدخله والده فيها وكانت هي  اول مدرسة مسيحية نظامية في دمشق(4) وتم الترخيص لها بمساعي  سفيري فرنسا والنمسا، وكان الى جانب دراسته في مدرسة الآباء اليسوعيين يعمل في الخياطة كبقية اقرانه ليتعلم مهنة يكتسب منها ايرادا مالياً وبالذات هي مهنة العائلة. وكان جميل الصورة جداً.

في النصف الثاني من القرن السابع عشر انتقل مع والده وبعض افراد اسرته من دمشق الى القدس. وهناك تعرف على الحياة الرهبانية عن كثب.

الكاتدرائية المريمية (كنيسة مريم) الايقونسطاس
الكاتدرائية المريمية (كنيسة مريم) الايقونسطاس

رهبنته

في القدس تعرف على الحياة الرهبانية عن كثب، ولم يلبث أن اعتنق الرهبنة ولبس الاسكيم الرهباني الكبير(5) في دير القديس سابا للروم الارثوذكس التابع لبطريركية اورشليم والواقع جنوب شرق أورشليم على بعد ستة كيلومترات(6) وهذا الدير يُعد معقلاً للارثوذكسية في فلسطين وسائر سورية الكبرى، وهو المركز الذي تفتقت فيه عبقرية المسيحيين العرب، عند ذلك  دُعي بروكبيوس وقيل بائيسيوس. وشهد نبوغ القديس يوحنا الدمشقي…

اتقن اللغة اليونانية القديمة والحديثة مع اطلاع واسع على ثقافتها وهي لغة الاناجيل ولغة المجامع المسكونية ولغة آباء الكنيسة الشرقية، غدت لغة الأرثوذكس قاطبةً، بحيث أصبح بالامكان مقارنتها ايجابيا باللاتينية والعربية، وهما لغتا الثقافتين الكبيرتين في ذلك العصر.

كما اتقن اللغة اللاتينية بطريقة مميزة وتعلم نحَوها وصَرفها بعد ان كان قد درس مبادءها عند الآباء اليسوعيين في دمشق، وتعلم الايطالية عند الرهبان الفرنسيسكان في أورشليم، وعرف الرومانية والسريانية والعثمانية والعبرانية باجتهاده الشخصي، بالاضافة الى تمكنه من اللغة العربية وقد اكتسبها على والده الخوري فضل الله وفي كتَّاب البطريركية بدمشق، ومن ثم تثقفه الذاتي بالعربية وصار من اكبر متضلعي عصره بها، ودرس في الدير الدراسات العالية للعلوم اللاهوتية والدينية واليتورجية.

تخصص في الترجمة والتعريب كما كان خطيباً مفوها. ثم رُسمَ قساً(7). وبعد فترة من الزمن أصبح رئيساً للدير. وكان الدير بالنسبة له مركزاً دائماً ونقطة انطلاق في تجوله حول المدينة المقدسة. وصار علامة عصره.

رسمه بطريرك اورشليم دوزيئس الثاني (1669-1707) اسقفاً(8)سنة 1685 وارسله الى دمشق(9).

بطريركيته

اختاره الشعب الدمشقي الارثوذكسي ومطارنة المجمع الانطاكي المقدس بطريركاً خلفاً للبطريرك نيوفيطوس الاول (1674-1684) واحتفل في تنصيبه يوم الاربعاء في 25 حزيران 1685 في كنيسة مريم (الكاتدرائية المريمية) في الشارع المستقيم وهي كاتدرائية البطريركية وتقع في حرمها. وتولى السدة البطريركية في 25 آب من عام 1685في دمشق.

وكان قد تم الاجماع في الوقت ذاته من فريق من الدمشقيين واعضاء من المجمع المقدس على اختيار كيرلس ابن بولس ابن مكاريوس بن الزعيم بطريركاً  لأنطاكية تقديراً لجهاد جده البطريرك العظيم مكاريوس بن الزعيم لأجل الكرسي الانطاكي.

وقعت الازمة البطريركية واستعر الخلاف بين البطريركين واستمر النزاع بينهما حتى العام 1694 حين تصالحا بصيغة اتفاق بينهما على ان يتنازل البطريرك دباس عن الكرسي البطريركي في دمشق مقابل رئاسة ابرشية حلب وتوابعها وكانت  ابرشية كبيرة لها اهميتها في الكرسي الانطاكي ورعيتها كبيرة، وان يوقع “أثناسيوس البطريرك الانطاكي سابقاً” وعندما يموت ايهما يتولى الآخر السدة البطريركية دون منازع…

وهذا ماتم اذ عند وفاة كيرلس بن الزعيم في العام 1720 عاد اثناسيوس الرابع ابن دباس بطريركا على انطاكية وسائر المشرق من دون منازع حتى وفاته عام  1724، وفي هذه الايام قويت مداخلة طغمة الرهبان اللاتينيين التي دخلت كرسينا الانطاكي في عصر البطاركة السابقين بدون تظاهر منها بما ظهر بعدئذ من المجافاة واجتذاب الناس الى آرائها.

وقد هب هذا الراعي الجليل البطريرك اثناسيوس دباس الى الدفاع عن رعيته ومعتقدها الارثوذكسي القويم والوقوف في وجه التبشير والتغلغل الكاثوليكي المنتظم المدعوم بالمال والاطباء وكبار اللاهوتيين والممول بشكل غير موصوف من اجل لتننة الشرق الارثوذكسي، فألف ونشر جملة كتب بالطبيع في بلاد رومانية كما سنرى وفي مدينة حلب بثقلها الثقافي والروحي الارثوذكسي وبالجبهة العريضة بمواجهة الرهبان الغربيين وابرزهم اليسوعيين جيش روما.

اثناسيوس كتب ونشر كتب الفروض والانجيل الطاهر وكتاب قضاء الحق لنكتاريوس وكتاب في الخمير لأرجنتي الطبيب وعندما شعر بدنو الأجل أشار على الشعب أن ينتخب خلفاً له شماساً كان عنده قبلا وهو إذ ذاك منقطع للعبادة في آثوس في الجبل المقدس اسمه سلبسترس يوناني الأصل من قبرص وهو ابن شقيقته فوتين، فخلف خاله البطريرك اثناسيوس الرابع علمنا على الكرسي الانطاكي.(10)

واثناء رئاسته على ابرشية حلب الانطاكية الارثوذكسية انتُخب من مجمع كنيسة قبرص رئيساً لأساقفة قبرص في العام 1705 بعد موت رئيس اساقفتها جرمانوس (1690-1705) وبقي محتفظا برئاسته على ابرشية حلب، وصار يتنقل بين حلب وقبرص، وبقي في هذا المنصب الى حين عودته بطريركاً انطاكياً مجدداً(11)عام 1720 محولا من مقره في مطرانية حلب مركزاً بطريركياً لادارة الكرسي الانطاكي.

حلب قديما
حلب قديما

كان البطريرك اثناسيوس الرابع دباس الدمشقي رجل انفتاح وعلم وقداسة. جعل الكتاب المقدس والكتب اللاهوتية المختلفة خبزه اليومي استقى منها بشغف، فكَّونَ ثقافة لاهوتية مميزة، مما جعله قدوة للمؤمنين في ثباته على استقامة الرأي والعقيدة الارثوذكسية.

تكمن اهمية هذا العَلَمْ الارثوذكسي الانطاكي الكبير من جمعه لصفات كثيرة في شخص واحد، قداسة السيرة، اللاهوت، الاطلاع على علوم العصر، الجرأة في مواجهة البدع والانحرافات ودفاعه عن الارثوذكسية في مواجهة الغزو التبشيري الكاثوليكي، الموسيقى البيزنطية والتأليف الطقوسي، وتعريب وتأليف الكتب الدينية والعقائدية، واهتمامه بفن كتابة الايقونات البيزنطية، والحوار مع غير المسيحيين بجرأة قل نظيرها في زمن الانحطاط…

تطور العلاقات بين الكرسي الانطاكي ورومانيا في القرن 17

تطورت العلاقات الدينية الارثوذكسية والثقافية بين الطرفين بفضل الاتصالات التي قام بها البطريرك الانطاكي اثناسيوس الرابع ابن الدباس علمنا (1685-1724)، فقد سافر عدة مرات الى بلاد الفلاخ والبغدان(رومانيا)(12) التي كانت تتمتع بنوع من الحرية في ذلك الزمان نظراً للتعاون الوثيق القائم بين امرائها والسلطنة العثمانية. وامكن لحكام رومانيا تنشيط الحياة الثقافية الفنية عندهم بفضل إنشاء مطابع بأحرف يونانية ورومانية واصدار العديد من الكتب. وقد ارسلوا الى اخوانهم ارثوذكس انطاكية  كتب صلوات باللغة اليونانية للاستفادة منها في كنائسها. وقد وجد البطريرك أثناسيوس الرابع الفرصة سانحة للتقدم بطلب الى حاكم بساربيا ويوضا في البلاد الرومانية لطبع كتب عربية بعد حركة التعريب الواسعة للكتب الكنسية خلال القرن السابع عشر وندرة المخطوطات عندهم.

لكن لم يكن للارثوذكس في انطاكية الامكانيات المادية ولا الخبرة الفنية الكافية للمبادرة بتأسيس مطبعة عربية في الكرسي الانطاكي.

ولم يكن أثناسيوس الرابع اول بطريرك انطاكي او ارثوذكسي يزور الفلاخ والبغدان طلباً للعون وخصوصاً من اجل جمع التبرعات لأداء الجزية للعثمانيين ومن اجل الحماية السياسية حيث يفتقد الارثوذكس لمن يحميهم في ظل الاحتلال العثماني والمظالم الواقعة عليهم والجهل والتعصب الديني الواقع عليهم من الوسط الاسلامي وخاصة في زمن الانحطاط العثماني…!

لقد سبق علمنا الى تلك البلاد الغيورة على الايمان الارثوذكسي “بلاد المسيحيين وراء الدانوب او ولايات الدانوب” وفق ادبيات الزيارات التي قام بها العديد من الرهبان والأساقفة والبطاركة الأرثوذكسيين من انطاكية واورشليم والقسطنطينية والاسكندرية، فالبطريرك الانطاكي يواكيم الخامس ضو اواخر القرن 16 هو اول من قام برحلة خاصة الى الفلاخ والبغدان في طريقه الى روسيا ومن بعده البطريرك كيرلس دباس في اوائل القرن 17 ثم جرت العادة لبعض البطاركة ان يسيروا على خطاهما بالسفر الى رومانيا وروسيا او ارسال احد من قبلهم. منهم البطريرك الأنطاكي افتيموس الرابع الساقزي المصور(1735-1647) الذي ارسل من قبله الى رومانيا ارميا الحلبي مطران عكار.

كذلك البطريرك الانطاكي مكاريوس ابن الزعيم (1647-1672) الذي قام بزيارتين الى تلك البلاد، الا ان علمنا البطريرك اثناسيوس الرابع تجاوز المألوف في زيارات من سبقه وكانت تحمل وجه جمع المساعدات للكرسي الانطاكي المظلوم، اذ اهتم بطباعة الكتب الدينية باللغة العربية بعد ان كان قد عربها عن اليونانية وغيرها من اللغات، الأمر الذي طمح اليه البطاركة السابقون لاسيما البطريرك افتيموس كرمة ومكاريوس ابن الزعيم ولم يتحقق.

جذور مطبعة حلب: النشر العربي في بوخارست

بدأت حركة النشر العربي في اوربة مع بداية القرن الثامن عشر حيث ظهرت مطابع عربية في العديد من المدن اولها بوخارست عام 1701 ثم جاسي ولندن ومدريد ولشبونة وفيينا وغيرها. وقد بلغ عدد الكتب العربيةالمطبوعة في ذلك القرن حسب العلامة شنور مائة وستة وخمسين كتاباً.

آلة طباعة قديمة
آلة طباعة قديمة

وطوال خمسة قرون قدم الرومانيون المساعدات المادية والأدبية والأعمال الفنية الى المؤسسات والمراكز الثقافية الارثوذكسية في كل من بلغاريا وصربيا واليونان وجبل آثوس المقدس ودير القديسة كاترينا في سيناء…

لم تكن لدى الرومانيين فائدة مباشرة في طبع كتب عربية على ارضهم حيث لايوجد سكان عرب، ولا علماء مستعربون في جامعاتها، لكن الفائدة تنحصر باخوانهم الأرثوذكسيين في الكنيسة الانطاكية، وكان الاكليروس الارثوذكسي يتردد على رومانيا لمناقشة مسائل دينية. وفي كل مرة يسافر فيها البطاركة والمطارنة الانطاكيون الى رومانيا كانوا يهتمون بالكتب اليونانية والرومانية ويحرصون إما على نسخها او ترجمتها. فمثلا تولى البطريرك مكاريوس الزعيم ترجمة كتاب:” الدر المنظوم في اخبار ملوك الروم” الذي يغطي الفترة الممتدة من الأمبراطور قسطنطين الى السلطان مراد، وقد عهد البطريرك مكاريوس بعملية التعريب عن اليونانية الى ابنه الارشيدياكون بولس والخوري يوسف المصور، اما علمنا البطريرك اثناسيوس الرابع  فقد عرَّب العديد من الكتب عن اليونانية والرومانية منها:

1-“تاريخ بطاركة انطاكية” كتبه بالرومانية ومن ثم عربه سنة 1702.

2- “اصلاح الحكيم وفساد العالم الذميم” عربه عن اليونانية وكلف المطران جرمانوس فرحات مطران حلب الماروني بمراجعته. الى جانب هذه الترجمات جلب البطاركة معهم من رومانيا مجموعة مهمة من المخطوطات واودعوها مكتبات كنائسهم في سورية.

اما اول محاولة للنشر بالعربية فقد ظهرت في سنة 1701 بفضل امير الفلاخ والبغدان حسن العبادة قسطنطين برانكو فيانو الغيور على الارثوذكسية (1688-1714) الذي اسس مطبعة بالأحرف العربية في دير سيدة والدة الاله في سناغوف بالقرب من بوخارست سنة 1701 بناء على طلب البطريرك اثناسيوس الرابع علمنا الذي اعرب عن حاجة انطاكية وابرشياتها وكنائسها واديرتها الى كتب ارثوذكسية مطبوعة بالعربية. وكانت هذه الورشة المصدر المباشر للمطبعة التي أُقيمت بعد خمس سنوات في مدينة حلب عام 1607 عاصمة كرسي البطريرك اثناسيوس(13).

الأمير قسطنطين برانكوفيانو حاكم فلاشيا رومانيا 1688-1714
الأمير قسطنطين برانكوفيانو حاكم فلاشيا رومانيا 1688-1714

بالاضافة الى بعض الآلات والتجهيزات التي نقلت من سناغوف – بوخارست الى حلب، كان أبرز شخصية باشر عملية النشر في بوخارست هو البطريرك اثناسيوس الرابع علمنا. وتكمن اهمية مطبعة بوخارست هذه في انها اول ورشة داخل الامبراطورية العثمانية تصدر كتباً عربية، كما انها تعكس تحولاً مهماً في تاريخ الكتاب العربي المطبوع وفي موقف الباب العالي بالنشر بالحرف العربي الذي كان يرفض اصلاً طبع الكتب العربية كما اسلفنا.

وكان تأسيس المطبعة العربية في سناغوف-بوخارست بمثابة تمهيد لظهور المطابع العربية المسيحية

 حلب، البلمند، الشوير، جاسي، بيروت.

مهدت مطبعة بوخارست هذه لتأسيس مطبعة حلب الأرثوذكسية بصفة مباشرة وهي مطبعة البلمند، ومطبعة الشوير الكاثوليكيةلاحقاً!!!

اما مطبعة جاسي في مولدوفا فقد مهدت الطريق لمطبعة بيروت الارثوذكسية.

سفرة البطريرك اثناسيوس الرابع الى رومانيا

اسباب السفرة الى رومانيا

في شتاء 1697-1698 كان الناس في ضيق شديد من قلة الأمطار، كما انه في نهاية العام 1699 اجتاح الجراد منطقة سورية، واصبح الناس في وضع اقتصادي حرج، لذلك عزم البطريرك اثناسيوس الرابع في آذار من سنة 1700 على القيام بجولة يطلب فيها المساعدات للشعب المسيحي في دائرة الكرسي الانطاكي المصاب بأزمة غذاء ، واستقبل في كل مكان بالحفاوة والتكريم اذ كانت تربطه علاقات متميزة مع البلاد الارثوذكسية في رومانيا وروسيا وجورجيا وفالاشيا ومولدافيا. وكانت الامارتان الأخيرتان تحت الاحتلال العثماني، وكانت كراسينا الارثوذكسية في انطاكية  واورشليم… قد أقامت علاقات دائمة معهما وكان رهبان الأراضي المقدسة اول من ذهب الى اوربة الشرقية لجمع الاحسان تسهيلاً للحجاج الى فلسطين فشيدت لهم مستشفيات وأديار وخانات على طول الطريق لايوائهم، وكانت هذه الأديار تقوم بواجبات انسانية كبيرة، واعمال حميدة عبر احتضان المسافرين وعابري السبيل تقدم لهم الزاد والماء والعلف لدوابهم. وذلك قبل قيام الارسالية الروسية الامبراطورية منتضف القرن التاسع عشر لتتحول الى الجمعية الامبراطورية الفلسطينية-الروسية الارثوذكسية اواخر القرن ذاته وتفتح مدارس لها في كل بلاد الشام.

خريطة رومانيا
خريطة رومانيا

استقبل علمنا في رومانيا من قبل امير بسربا ويوضا الحسن العبادة يوحنا قسطنطين برانكوفيانو(1645-1714) وقد حكم من (1688 الى1714) وقد استقبله باحتفال كبير، واجرى معه محادثات ودية، واتخذه أباً روحياً له. وفي أيار من العام نفسه بارك زواج ابنة الأمير(سافتا) من رئيس الديوان الملكي(14) (لورداش كريتزولوسكو)، كما حضر في تموز سنة 1703 احتفالات مبايعة آل برانكوفيانو امراء على الفلاخ والبغدان(رومانيا)، كما أنه قام برسامة العديد من الاساقفة على الابرشيات الشاغرة في الامارة.

ومن خلال المباحثات بينهما علم الامير برانكو فيانو ان لغة الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية هي العربية، وانهم يحتاجون الى تعريب للكتاب المقدس والنصوص الطقسية الأرثوذكسية، وان بطريركية انطاكية بحاجة لنقل كل النصوص المقدس الى لغة الشعب وهي العربية.

وافق الأمير على طلب البطريرك دباس لدعم مطبعة للكتب، وكان هذا الأمير يحبذ كثيراً نشر وتوزيع الكتب الارثوذكسية. واسس بعد ان رصد موارد مالية خاصة مطبعة بأحرف عربية في دير سيدة والدة الاله في سناغوف ببوخارست. ويشير البطريرك اثناسيوس الرابع الى طلبه هذا في مقدمة ثاني كتاب عربي يُطبع ببوخارست وهو “الأورولوجيون”، فيقول متحدثاً عن الأمير الروماني برانكوفيانو:”لما علم من حقارتنا في المحل الذي حضينا فيه بالاجتماع مع سعادته، واعلامنا له عن قلة الكتب الكنائسية بسبب انها كتابة اليد وتعذر اقتناؤها، فمن زيادة ورعه وحسن ديانته في الأمور الالهية اجتهد في عمل طبع عربي لأجل الكتب الضرورية بكلفة زايدة واطلاق يد في المصرف”(15).

الامير يوحنا قسطنطين برانكوفيانو 1688-1714 حاكم بسربا ويوضا في البلاد الرومانية
الامير يوحنا قسطنطين برانكوفيانو 1688-1714 حاكم بسربا ويوضا في البلاد الرومانية

ويؤكد البطريرك دباس في طلبه الى الأمير على ندرة المخطوطات العربية وعدم قدرة الناسخين وعددهم كبير على تلبية حاجات كنائس الكرسي الأنطاكي في النصوص العربية الجديدة بعد أن تم تعريب الكتب الدينية للكرسي الانطاكي من اليونانية.

ويتحدث البطريرك دباس عن ظروف انشاء مطبعة عربية في دير سيدة والدة الاله في سناغوف – بوخارست فيقول:” ان الأمير استجاب لطلبه وأسس مطبعة عربية وأمر الاب المتوحد انثيمس ايفير الكرجي الأصل وهو مطبعي ماهر يعمل عنده بطبع كتب دينية باللغتين العربية واليونانية، ووفر له الأموال اللازمة لحفر الحروف العربية بكل دقة”.(16)

الطباع الأب المتوحد انثيموس ايفير الكرجي

هو اندراوس بن يوحنا أفيريانول، ولد في منتصف القرن 17 في ايبيريه (في جورجيا على البحر الأسود وحدود تركيا بين ارمينيا وروسيا). كانت جورجيا اذ ذاك تابعة للبطريركية الأنطاكية، وقد دخلت في دائرة الكرسي الأنطاكي في عهد البطريرك الأنطاكي القديس أفستاثيوس (336-342م) الذي ذهب في القرن الرابع الى تلك البلاد ونصَّرَ سكانها وأقام لهم اساقفة وكهنة وشمامسة، وبنى لهم كنائس في نحو الف قرية بمساعدة القديسة نونا.

الغلاف الداخلي لكتاب الاورلوجيون المطبوع بسناغوف -بوخارست سنة 1702
الغلاف الداخلي لكتاب الاورلوجيون المطبوع بسناغوف -بوخارست سنة 1702

كان اندراوس الكرجي طباعاً بورشة مطبعة الأسقفية ببوخارست في العام 1694 استقدمه اليها من القسطنطينية الأمير برانكوفيانو، واصبح مديرها، وكان ماهراً جداً في الطباعة وفي صنع الكتب.

رسمه ثاودوسيوس متروبوليت بوخارست كاهناً باسم انثيموس، ثم رقاه الى رئاسة دير سيدة والدة الاله في سناغوف (الموجود وسط جزيرة تقع على بعد 30كم شمالي بوخارست) وبقي فيها ثماني سنوات، وكان يتقن اللغات اليونانية والسلافية والرومانية والجورجية والتركية، ودرس الأدب الروماني واليوناني والتركي، فضلاً عن بعض اللغات الأخرى التي كان له فيها المام.

فلما أوعز اليه الأمير أن يعد مطبعة عربية للبطريرك أثناسيوس الرابع، لبى الطلب بطيبة خاطر وشرع  بحفر الحروف العربية (اللغة العثمانية كانت تُكتب بأحرف عربية)، وبقي لذلك في الدير واصلاً الليل بالنهار، فأنشأ فيه مطبعة عربية طبعت بعض الكتب.

رسمه علمنا البطريرك اثناسيوس الرابع اسقفا على ريمنيك قي 31 آذار من العام 1705 ونقل اليها الحروف والمطبعة. وبعد وفاة متروبوليت بوخارست ثاووسيوس، رسمه البطريركان الاسكندري والأورشليمي متروبوليت على بوخارست وسلمه عصا الرعاية الأميرقسطنطين برانكوفيانو في 22 كانون الثاني من العام 1708، فنقل من دير السيدة في سناغوف الى بوخارست.(17)

 اعلان قداسة القديس انثيموس

في عام 2016 تم اعلان قداسة القديس  انثيموس الكرجي في رومانيا حيث رئس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشرالخدمة الالهية والاعلان في29 ايلول 2016، في إطار زيارته رومانيا وفي إطار احتفالية القديس انثيموس الايفيري، قداسا في دير القديس انثيموس الايفيري في رمنيكو فلتشا،  حيث تمت خدمة تكريس كنيسة الدير على اسم القديس أنثيموس وينبوع الحياة. شاركه في الخدمة البطريرك الروماني  دانيال

غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية يعلن قداسة انثيموس الكرجي في رومانيا
غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية يعلن قداسة انثيموس الكرجي في رومانيا

والمتروبوليت يوحنا ممثل  كاثوليكوس جيورجيا والوفد الأنطاكي والجورجي ولفيف من رؤساء الكهنة والكهنة والشمامسة في حضور شعبي كبير ولافت. وعرضت في القداس الالهي  العصا الأثرية التي قدمها بطريرك أنطاكية أثناسيوس الرابع دباس في مطلع القرن الثامن عشر هدية للقديس انثيموس وهي من صنع حلب.

الطباعة في رومانيا

انتقل الاب انثيموس الى دير سيدة والدة الاله في سناغوف وقام بطبع الكتب بعد قام بحفر الحروف العربية وكانت خشنة غير دقيقة، ولم تكن عملية تنضيد النصوص العربية جيدة فقد ارتكب أغلاطاً كثيرة، ويعترف الاب انثيموس بهذا النقص في خاتمة كتابه الثاني:”ايها الاخوة المكرمين الذين تطالعون في هذا الكتاب المبارك أسألكم وأتضرع اليكم أنا الفقير صانع هذا الطبع أن تسامحوني عن جميع ماصدر فيه من الأغلاط وعدم التقويم بما اني غريب عن اللغة العربية”(18) وجد هذا الطباع صعوبة كبيرة في حفر الحروف العربية وفي عملية التنفيذ رغم تعاونه مع البطريرك اثناسيوس علمنا، وهذا الأخير هو الذي راجع النصوص العربية، وكانت البداية دائماً عسيرة في عملية النشر بصفة عامة.

وهكذا بدأ العمل، فأخذ البطريرك دباس يستعد لتحضير المؤلفات التي قام بترجمتها، والمخطوطات ومراجعتها واعدادها للطبع.

كنيسة في رومانيا
كنيسة في رومانيا

المنشورات العربية في سناغوف-بوخارست التي قام بها علمنا

1- الكتاب المقدس بكامله 1700

2- كتاب “الليتورجيكون” أو “القدسات الثلاثة الالهية” (قنداق الكاهن) وهو خدمة القداس الالهي للآباء القديسين باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم ويعقوب الرسول طبع سنة 1701 وقد طبع بالعربية واليونانية ليصل الى اكبر عدد من رجال الاكليروس الارثوذكسي.

3- كتاب “اورلوجيون” اي السواعي سنة 1702 باللغتين العربية واليونانية وهذا الكتاب طبع حسب النص الذي راجعه البطريرك افتيموس كرمة واعاد مراجعته علمنا البطريرك اثناسيوس الرابع من هنا كان حرص البطريرك دباس على الدفاع عن الايمان القويم واستقامة النعليم من كل تحريف والحفاظ على استقلالية كنيسته، من كل تدخل غربي في شؤونها فكان أن توجه الى اخواته الارثوذكس برومانيا لطبع كتبه وانقاذها من التشويه والتحريف. لاسيما وان مجمع انتشار الايمان في روما رفض طبعه باشتراط مراجعة هذا الكتاب وفق النص اللاتيني قبل طبعه واعتراف البطريرك بالايمان الكاثوليكي، ويذكر أثناسيوس انه يهدي كتابه الى حاكم بلاد الفلاخ.

كتاب الانجيل الشريف باكورة المطبعة وقد اوقفه على كنيسة السيدة في دير عطية سنة 1720 مذيلة بامضاء البطريرك اثناسيوس الرابع وخاتمه
كتاب الانجيل الشريف باكورة المطبعة وقد اوقفه على كنيسة السيدة في دير عطية سنة 1720 مذيلة بامضاء البطريرك اثناسيوس الرابع وخاتمه

4- كتاب “تاريخ بطاركة انطاكية” طبع في بوخارست سنة 1702 كتبه باللغة العربية ثم ترجمه الى اللغة اليونانية العامية، وقد ترجم الى اللغة الرومانية من اجل الأمير يوحنا برانكوفيانو

تكمن اهمية مطبعة سناغوف – بوخارست في انها مهدت الطريق للارثوذكس الأنطاكيين لاقامة مشاريع مماثلة ببلدهم فالدعم المادي والفني من رومانيا مؤمن بالاضافة الى نجاح ورواج منشوراتها لدى ابناء الكرسي الانطاكي واكتساب البطريرك اثناسيوس للخبرة الفنية الكافية علاوة على تحمسه للمطبعة. كل ذلك قد اسهم في القيام بأول تجربة في بلاد الشام تتمثل في تأسيس مطبعة بأحرف عربية في مدينة حلب.

توقفت مطبعة سناغوف-بوخارست بسبب سفر البطريرك اثناسيوس الرابع الى قبرص وتعيينه رئيساً لأساقفتها سنة 1705

ولما عاد الى حلب نقل معه آلات مطبعة جديدة الصنع اهداه اياها الامير يوحنا الى جانب مجموعة مهمة من المخطوطات اودعها مكتبات كنائسه وتابع تأليفه واصدار كتبه.

مطبعة حلب

تأسيس المطبعة والمؤسس

تتفق المصادر التاريخية المحلية والانطاكية والارثوذكسية العالمية والمؤرخون …على ان مؤسس اول مطبعة عربية في سورية الكبرى والمشرق هو علمنا البطريرك اثناسيوس الرابع الذي ذُكر في اهم مصدر أصلي، وهو الكتاب الأول الذي طُبع في مدينة حلب (الكتاب المقدس) سنة 1706، متحدثاً عن دوره في طباعة هذا السفر المقدس:” فشرعت حيئذ بطبعه بعد أن ترجمته عن اللغة اليونانية بوضعه جملة فجملة وأصلحت اعرابه لفظة فلفظة”(19). يتبين من هذه الفقرة أن بطريرك أنطاكية أشرف على طبع الكتاب، وأنه سخر كل خبرته التي اكتسبها في سناغوف ببوخارست من أجل تصوير مطبعة حلب الجديدة.

في العام 1706 بدأت المطبعة بالعمل في “دار البطريركية” بحلب(20) يقول علمنا:” انه عمل مع مجموعة من الأشخاص حيث أن الله وفقنا الى عمل طبع الحرف العربي”.

ونجد ذكراً للشخص نفسه في مقدمة آخر كتاب تصدره المطبعة:

“كير أثناسيوس البطريرك الأنطاكي الأفخم والهمام النبيل المعظم لما باشر مشارفة طبع هذا الكتاب الجلي المعاني الواضح المباني”.(21)

الصفحة الاولى من كتاب صلاح الحكيم وفساد العالم الذميم الجزء الثالث
الصفحة الاولى من كتاب صلاح الحكيم وفساد العالم الذميم الجزء الثالث

نبذة في اصدارات مطبعة حلب الدباسية

1- كتاب ” الانجيل الشريف الطاهر والمصباح المنير الطاهر”طباعة سنة 1706

2 و3- كتاب “الزبور الالهي” المعروف بكتاب المزامير طبعه عام 1706 وهو تعريب الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي المطران، جدد طبعه 1709 في المطبعة الدباسية وأعيد طبعه في لندن سنة 1725.

4و5- كتاب ” الدر المنتخب من مقالات القديس يوحنا فم الذهب” عربه عام 1700 وطبعه سنة 1707 اعاد الارشمندريت غفرئيل شاتيلا الدمشقي طبعه في مطبعة المعارف في بيروت سنة 1872

6- طبعة جديدة من الكتاب المقدس مع تفسيرات لقراءات الآحاد والأعياد سنة 1707

7- كتاب “النبؤات الشريف” طبع في سنة 1708 وهو كتاب معروف في الكنيسة اليونانية(22).

8- “فصول من الانجيل المقدس”، لكل أعياد السنة، وفي آخر كل فصل تفاسير. طبع في سنة 1708.

9- كتاب “الرسائل”، طبع سنة 1711.

10- كتاب “مواعظ البطريرك اثناسيوس الأورشليمي (1460-1464).

11- كتاب” الباراكليتيكي” اي “المعزي” وهو من الكتب الطقسية اليونانية المعروفة اعاد النظر في تعريبه قبل طبعه في سنة 1711.

12- كتاب”سلك الدرّ النظيم في سر التوبة والاعتراف القويم” طبع في سنة 1711.

البطريرك اثناسيوس الرابع وضع مؤلفات وترجمات تاريخية وعقائدية ودفاعية وروحية وكتب ونشر مقالات لآباء الكنيسة وبطاركتها من أجل توعية الشعب الأرثوذكسي.

المؤلفات التي وضعها البطريرك اثناسيوس الرابع

1- “تاريخ بطاركة أنطاكية”

وضعه البطريرك اثناسيوس في نهاية القرن السابع عشرويمتد من عهد بطرس الرسول الى ايامه، كتبه اولاً باللغة العربية ثم نقله الى اللغة اليونانية. وتم ذلك على الارجح عام 1702 وقد اهداه في حزيران من العام نفسها الى الامير برانكوفيانو اثناء زيارته الى رومانيا.

في مقدمة الكتاب يقول:”خلال اقامتنا لدى سموّكم في بوخارست المحروسة بالله…ترجمنا هذا العمل من اللغة العربية الى اليونانية الدارجة، تاريخ بطريركي كهذا ترجمناه بمباركة الله…” وقد اعتمد التاريخ الارثوذكسي الخاص ببطريرك الاسكندرية الطبيب والمؤرخ الارثوذكسي أفتيخيوس وهو سعيد بن البطريق وابن اخته يحي ابن السعيد الانطاكي، وكذلك الاعمال التاريخية الخاصة بالبطريرك مكاريوس ابن الزعيم  وابنه بولس. كذلك اعتمد على العديد من المؤلفين والمؤرخين الكنسيين كمصادر له مثل اوسابيوس القيصري(265-340)م وسقراط سكولاستيكوس القسطنطيني (380-450)م صاحب كتاب ” التاريخ الكنسي” وثيوذوريتوس اسقف قورش (423-460)م والمؤرخون البيزنطيون ثيوفانس القرن الثامن…

2- “سلك الدر النظيم في سر التوبة والاعتراف القويم” واحياناً يدعوه رسالة وجيزة توضح كيفية التوبة والاعتراف وفيما يلزم المعترف والمعرف. طبعه في حلب عام 1711م.

وكانت غايته من تأليفه هذا الكتاب بالاضافة الى شرح سر التوبة والاعتراف، تثبيت الأرثوذكسية لاتدعو الى الاعتراف.

حيث كانت قد رسخت العادة منذ بدء التبشير اللاتيني في صفوف الارثوذكسيين دعوة المؤمنين الأرثوذكسيين للاعتراف عند كاهن كاثوليكي. وقد زرع المبشرون هذه الفكرة فيهم لدرجة الاعتقاد ان الكنيسة الارثوذكسية لاتقول بسر التوبة ولاتدعو المؤمنين الى الاسترشاد او الى الاعتراف. من جهة ثانية كانت جلسة الاعتراف بالنسبة لهؤلاء المبشرين فرصة ذهبية لايصال الدعوة اللاتينية الى المؤمنين الارثوذكسيين.

في ارشيف “مجمع انتشار الايمان” في روما عدد كبير من الرسائل والتقارير كتبها مبشرون لاتينيون تتحدث عن تحول اكليريكيين ارثوذكسيين الى الكاثوليكية اثر اعترافهم عند كاهن كاثوليكي. وقد واجه علمنا البطريرك اثناسيوس هذا الموقف وهو على فراش الموت.

3- “مواعظ آحاد وأعياد السنة” اصدرها بمنشور في تموز من العام 1716 وكان قد ترجمها وجمعها في كتاب ليستخدمها الكهنة والوعاظ ليستفيد منها ابناء الكنيسة.

4- سيرة القديس خريستوذولوس

5- “قوانين خاصة بالأسرار”

الترجمات التي قام بها البطريرك اثناسيوس الرابع

1- في القانون الكنسي ويمكن القول بحق انه صاحب أهم مجموعة قانونية باللغة العربية منها آ- “تاريخ المجامع”ب- “اعمال مجامع نيقيا وسرديكيا والقسطنطينية”ج- ” اعمال المجمع المسكوني الثالث في افسس 431م” د- ” اعمال المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية م451″

2- الأدب الآبائي

…والكثير الكثير من الانتاج اللاهوتي والتاريخي والطقسي

الخاتمة…

يدل هذا على دور هذا البطريرك العظيم الذي اشرف على طباعة الكتب المقدسة الارثوذكسية بالعربية وبعضها بالعربية واليونانية لمنفعة كل الاكليروس الأنطاكي وفي كل الأبرشيات وهو الذي انشأ مطبعة حلب وطبع بها من سنة 1606 الى حين توقفها سنة 1711، اي انه واكب كل مراحل هذه المطبعة التي بدأها في رومانيا عندما سافر اليها  عام 1700وطلب مساعدة اميرها لفائدة الكرسي الانطاكي المقدس وبالتالي الكرسي الاورشليمي فلم يبق مكتوف الأيدي بعد توقف مطبعة بوخارست العربية في سنة 1702 عن العمل، اذ سعى منذ عودته الى حلب بعد سنتين من ذلك الى تأسيس مطبعة، وتمكن من الحصول على مساعدة مادية مهمة من حاكم الفلاخ فالاشي لتنفيذ مشروعه

ان الدعم الذي قدمه هذا الحاكم لتأسيس المطبعة، لاينفي  دور البطريرك أثناسيوس الرابع في صناعة هذا المشروع، فهو مؤسس مطبعة حلب ومديرها.

كان البطريرك اثناسيوس الرابع دباس الدمشقي رجل انفتاح وعلم وقداسة. جعل الكتاب المقدس والكتب اللاهوتية المختلفة خبزه اليومي استقى منها بشغف، فكَّونَ ثقافة لاهوتية مميزة، مما جعله قدوة للمؤمنين في ثباته على استقامة الرأي والعقيدة الارثوذكسية.

تكمن اهمية هذا العَلَمْ الارثوذكسي الانطاكي الكبير من جمعه لصفات كثيرة في شخص واحد، قداسة السيرة، اللاهوت، الاطلاع على علوم العصر، الجرأة في مواجهة البدع والانحرافات ودفاعه عن الارثوذكسية في مواجهة الغزو التبشيري الكاثوليكي، الموسيقى البيزنطية والتأليف الطقوسي، وتعريب وتأليف الكتب الدينية والعقائدية، واهتمامه بفن كتابة الايقونات البيزنطية، والحوار مع غير المسيحيين بجرأة قل نظيرها في زمن الانحطاط…

حواشي البحث

(1) اثناسيوس الثاني عند: دباس، انطوان/ ورشو، نخلة بكتابهما “تاريخ الطباعة العربية في المشرق” وقد خالفا  في الترتيب د. رستم، اسد في كتابه” تاريخ انطاكية…”، وخير الله، امين ظاهر بكتاب ” الأرج الزاكي في تهاني البطريرك الانطاكي” ونحن بكتابنا ” زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية وكيليكية والاسكندرون1992″د.جوزيف زيتون طباعة دمشق 1994  وينسحب ذلك على علمنا هنا.

(2)بريك/ الخوري ميخائيل:”الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية”- ظاهر خير الله / امين:” الأرج الزاكي في تهاني غبطة البطريرك الانطاكي ملاتيوس…”لم يتعرض انطون قيصر دباس ونخلة رشو الى النزاع في حلب مع ملاتيوس ولامع اغناطيوس في دمشق بكتابهما:”تاريخ الطباعة العربية في المشرق” ولم يذكرا اسقاطه من مجمع رأس بعلبك من السلسلة البطريركية.

(3) دباس ورشو” تاريخ الطباعة العربية في المشرق.

 (4) كان محظورا على المسيحيين المحليين ورئاساتهم الروحية فتح الكتاتيب والتعليم خارج دور الكنائس… فقط وبمساعي دبلوماسية  من سفراء وقناصل فرنسا والنمسا سمحت السلطات العثمانية للرهبنات الغربية الوافدة كاليسوعيين والفرنسيسكانيين والبيزنسون و…الخ بفتح مدارس ومن ذلك الاذن بفتح الجامعة اليسوعية… وكذلك الحال سمح للارساليات البروتستانتية الواردة من بريطانيا وايرلندا واسكوتلندا والمانيا واميركا بفتح مدارس ومنها الكلية السورية الانجيلية (الجامعة الاميركية) وهذا ماساهم في اعتناق الكثلكة والبروتستانتية بقوة في ارجاء الكرسيين الانطاكي والاورشليمي الارثوذكسيين وقلب عقيدة مدن وبلدات وقرى بأكملها خلال القرون المنصرمة من الارثوذكسية الى الكثلكة ونشوء طوائف كاثوليكية من كنائسها الام.

(5)الاسكيم هو الثوب الرهباني أو ماجُعلَ منه على الرأس.

(6) انظره هنا في موقعنا في باب آثارنا المسيحية وقد ترهب في هذا الدير القديس يوحنا الدمشقي في القرن الثامن المسيحي

(7) في الكنيسة الارثوذكسية ثلاث درجات للكهنوت المقدس هي الشموسية والقسوسية والاسقفية، وان كل رئيس كهنة او الاسقف هو كاهن كل الرعية وكل مذبح، وان مانسميه “الخوري” هو ذاته القس الذي ينتدبه الأسقف لرعاية جماعة محددة من الرعية. مع توضيح هو ان الخوري وقبل ان يتم تسليمه الحُجْرْ من الاسقف (والحُجرهو القطعة القماشية المربعة المتدلية  على جانب الكاهن الايمن كالسيف) يُدعى قساً اي لم ينل بعد سلطة الحل بموجب سر الاعتراف، وغيرمسموح له سماع اعتراف المؤمنين ومن ثم منحهم سلطة الحل، ولايمنح عادة  هذا الحُجْرْ للقس الا بعد فترة زمنية.

(8)يُعطى الأسقف الارثوذكسي عند رسامته سلطة مثلثة:1-اقامة الأسرار2-التعليم 3-الادارة والتوجيه.

(9)بريك، ميخائيل (الخوري) تاريخ بطاركة انطاكية.

(10) دباس،انطوان قيصر ورشو، نخلة”تاريخ الطباعة العربية في المشرق” وقد انفردا بأن سلبسترس القبرصي ابن شقيقة البطريرك اثناسيوس الرابع، لم يذكر ذلك د. رستم بكتابه تاريخ انطاكية، وخير الله، أمين بكتابه الارج الزاكي في تهاني البطريرك الأنطاكي.

(11)بابادوبولس، خريسوستموس تاريخ كنيسة انطاكية ص786 تعريب الاسقف استفانوس حداد.

(12)الفلاخ والبغدان: رومانيا حالياً، كانت إمارة في اوربة، تقع جنوبي شرقي البحر الأسود بين اوكرانيا ومولدافيا وبلغاريا وصربيا والمجر، عاصمتها بوخارست تحررت من العثمانيين عام 1878 وتبنت النظام الملكي حتى اعلان الجمهورية عام 1947. كانت قبلا تعرف بالفلاخ والبغدان على اسم الجبال التي احتلتها قبائل داق سكان البلاد القديمة  وعرفها مؤرخو العرب مثل ابي الفداء والقلقشندي وغيرهم باسم اولاق ومن ذلك اتت تسمية فلاخ. اما البغدان فسميت باسم احد زعماء قبائلها القديمة ومعناها بلغتهم “هبة الله”. واسرة بغدان التي تعيش في بلدة عربين بريف دمشق وهي من العائلات الارثوذكسية الكبيرة في هذه البلدة وهي قد اتت من تلك المنطقة، ومنهم اسرة بوغدانوف في روسيا.

وكانت بوخارست عاصمة البغدان الصيفية وطرغشتا عاصمتها الشرقية. انظر مجلة النعمة البطريركية، حزيران 1911 دمشق، السنة الثالثة، الجزء الأول، ص 44-45

(13) كانديا، فرجيل، “موجز عن تاريخ رومانيا” عربته ايلينا جوركان تشوفو طباعة دار النشر – ميريدياني بوخارست 1977

(14) ادلبي، ناوفيطوس (المطران)، اساقفة الروم الملكيين بحلب، ص 115

(15) كتاب الاورولوجيون، سناغوف-بوخارست 1702

(16) مقدمة كتاب الليتورجيكون، سناغوف – بوخارست 1701.

(17)النعمة، حزيران 1911، ايضا دباس، أثناسيوس (البطريرك)، تاريخ بطاركة انطاكية.

(18) كتاب الأورولوجيون، سناغوف – بوخارست 1702

(19) كتاب الانجيل المقدس، حلب، 1706،ص2

(20) كانت دار مطرانية حلب الارثوذكسية في حارة ابو عجور مكان دار باسيل الأنطاكي، وكانت فيها المطبعة الأرثوذكسية التي أنشأها البطريرك اثناسيوس دباس، وكانت تسمى الدار البطريركية بسبب اقامة علمنا وهو بطريرك فيها مدة 40 سنة تقريباً. انتقلت اوائل القرن التاسع عشر الى مكانها الحالي في حي الجديدة في الصليبية بعد ان احترقت ورممت سنة 1859. مجلة النعمة تشرين الثاني 1910الجزء الثالث السنة الثانية ص 407.

(21) كتاب المواعظ، حلب، 1711، ص2

(22) شيخو، لويس (الأب)، تاريخ فن الطباعة في المشرق، ص34.

المراجع 

– د. اسد رستم، تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى

– خريسوستموس ببادوبولس تعريب الاسقف استفانوس حداد، تاريخ كنيسة أنطاكية، منشورات النور، 1984

– غطاس قندلفت تاريخ البطاركة الانطاكيين، المنار 1899

– الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية

– امين ظاهر خير الله، الأرج الزاكي في تهاني غبطة البطريرك الانطاكي السيد ملاتيوس، طبع المطبعة العثمانية، بعبدا سنة 1899

– انطوان قيصر دباس ،نخلة رشو، تاريخ الطباعة العربية في المشرق/ البطريرك أثناسيوس الثالث دباس(1685-1724) طباعة دار النهار بيروت 2008 

– الاب لويس شيخو اليسوعي، تاريخ فن الطباعة في المشرق

– مجلة النعمة البطريركية دمشق 1910 و1911

– المطران ناوفيطوس ادلبي، اساقفة الروم الكاثوليك بحلب.

 

ما بعد الإنسانية…

$
0
0

ما بعد الإنسانية…

منذ ظهور الكورونا وتحولها إلى جائحة، أطلق معتنقو نظريات المؤامرة العنان لأفكارهم إذ وجدوا الظرف مؤاتياً لتطبيق رؤياهم. ليس سهلاً التعليق على كل السيناريوهات التي طُرِحَت. وقبل أي نقاش، يجب الإشارة إلى أن التهدئة ضرورية لتصويب المسار. التهدئة الفعلية تقوم على الحقيقة. والحقيقة لا تعني إنكار وجود ضد المسيح وأنه سوف يظهر وسوف يكون هناك حرب معه. تقتضي الحقيقة أن يفهم المسيحي أن المعركة مع ضد المسيح هي معركة المسيح، ونحن منخرطون كجنود للمسيح ولسنا مستقلّين عنه. كلّ مَن يتنطح ويغرق بالسيناريوهات يكون مخدوعاً.
وعليه، قرار متى تكون الحرب ليس متروكاً بيد ضد المسيح، وربّنا لم ينسحب حتى يأخذ مكانه أي أحد، لا من أعدائه ولا من جيشه. لهذا، اليقظة شرطٌ لعبور الزمان الممتد من اللحظة إلى يوم القيامة. واليقظة لا تعني أن يقضي الإنسان وقته يراقب ضد المسيح بل هي أن يراقب نفسه، كما يعلّم القديس بورفيريوس. إن هو راقب نفسه يزرع السلام من حوله أما إذا انشغل بمراقبة ضد المسيح فسوف يدفع المؤمنين إلى الذعر والعيش بانفصام في واقع الحياة الذي لا ينقصه انفصامات. اليقظة ليست حالة فكرية بل روحية نبلغها بالجهاد الروحي في الكنيسة، على ضعفاتها.
ما يهمنا في هذا المقال من نظريات المؤامرة، هي تلك التي ربطت الجائحة بضد المسيح، أما غيرها من النظريات، التي تقع في السياسة والمال، فلن نتطرق إليها. النقطة المركزية في هذه النظرية هي علامة الوحش حيث صارت الشريحة الرقمية العلامة تارة، واللقاح الذي لم يوجَد بعد تارة أخرى، ويخرج مَن يؤكّد أن اللقاح يحمل رقم الوحش المعروف ب666. ويكون الاستنتاج أن على المسيحيين رفض الشريحة ورفض اللقاح. هذا الكلام يعتوره الكثير من قلة الدقّة. من متطلبات النصر في الحروب هو دقة المعلومات وإلا تصير الحرب مع طواحين الهواء فيما العدو يتفرّج و”يشمت”، بحسب تعبير الذهبي الفم.
قبل التطرق إلى الحرب مع  او ضد المسيح، من الضروري أن نضع الشريحة في مكانها الصحيح. هناك اليوم في العالم اهتمام كبير بالشرائح التي توضَع في جسم الإنسان، منها ما هو لأهداف طبية ومنها ما هو لمجرد البحث العلمي ومنها ما هو أبعد من ذلك. يُنفَق الكثير من المال عالمياً على هذه الأبحاث والدراسات. البعض القليل منها ينجح في التطبيقات الطبية، أما في الحقول الأخرى فعدم الوضوح هو السمة الغالبة. من هذه الشرائح اثنتان، الأولى اقترح بيل غايتس بأن تكون لتحميل اللقاح ضد الكورونا عليها فيمتص الجسد اللقاح وتبقى هي وتكون محمّلة بمعلومات صاحبها الشخصية. هذه العملية يقول مقترحوها أنها تساعد على تحديد مَن أخذ اللقاح، وهنا يبدأ النقاش حول إلزامية اللقاح، وأن اللقاح الذي لم يتوصل إليه أحد بعد هو أيضاً من الشيطان. أما الشريحة الثانية فهي أيضاً بنفس مواصفات الأولى ما عدا أنها ليست معنية باللقاح وسوف تكون إلزامية لكل البشر وتحلّ مكان كل الجوازات والبطاقات، فلا يحتاج الإنسان من ثمّ إلى جواز سفر ولا إلى بطاقة المصرف ولا رخصة السَوق ولا غيرها. إلى هذا تحمل البطاقة كل المعلومات البيومترية التي يحملها اليوم الجواز وغيره من البطاقات. هذه الشريحة هي جزء من مشروع كوني عنوانه الهوية 2020 (ID2020) ويعمل عليه عدد كبير جداً من الشركات العملاقة والصغيرة، وغالبيتها في أوروبا، ومعهم عدد كبير من الجامعات ومراكز الأبحاث والباحثين المنفردين والمموّلين.
الهوية 2020 هي جزء مهيّء لمشروع أكبر يحمله تيار “ما بعد البشرية (transhumanism)”، وفي شقّه التكنولوجي أُطلِق عليه لاحقاً اسم Humanity 2.0، أي النسخة الثانية من البشرية، أو البشرية الجديدة، حيث يأمل المنخرطون فيه إنتاج إنسان هجين بين البشر والآلة. يتّخذ هذا المخلوق المرجو عدة أسماء، الأكثر انتشاراً بينها هو سايبورغ (Cyborg). وقد بدأت بعض الاختبارات على أشخاص من أصحاب الاحتياجات الخاصة حيث تم استبدال الأعضاء المريضة أو الميتة بأجهزة وشرائح. الأعضاء التي نجحوا في تصنيعها في المختبرات هي اليد، الرِجل، الذاكرة اي جزء من الدماغ، البنكرياس، العين، والأذن. وقد وصل البحث حول القلب إلى نقاط متقدمة، لكن لم يُصَر بعد إلى إنتاج قلب اصطناعي.
تضمّ حركة ما بعد البشرية مفكرين وعلماء ومستثمرين من كافة الحقول، كالفلسفة والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والهندسة والطب وغيرها. من مبادئهم وجوب استخدام تقارب التقنيات الجديدة لتغيير الإنسان من عاقل (Homosapien) إلى تكنو إنسان (Technosapien). يعتبر بعض دعاة هذه الحركة أن البشر الحاليين هم نموذج عفا عنه الزمن، ويدافعون عن موقفهم بأن الناس هم أصلاً على طريق ما بعد الإنسان، حيث أنهم يستخدمون التكنولوجيا لتعزيز وتوسيع القدرات البشرية، كالهواتف المحمولة والإنترنت والأطراف الصناعية الطبية وما إلى ذلك. وبالتالي يجادلون بأن ما يدافعون عنه لا يختلف عينيًا عما سبق أن قَبِله البشر على أنه أخلاقي ومقبول. طبعاً، إلى اليوم لم تلقَ هذه الأفكار القبول الذي يضعها على المستوى التطبيقي الشامل مع أن منظومة مقتدرة من الإعلام والسينما والأدب والموسيقى تعمل على التسويق لهذه الأفكار ونشرها. قيمة ميزانيات هذه الأبحاث والنشاطات تفوق ما يحتاجه العالم لحل مشاكل الجوع والأمية، من دون أن ندرِج كلفة تطبيق هذه الأفكار على علوم الحرب وأدواتها.
يتحدث جماعة ما بعد الإنسانية، او الإنسانية الجديدة، عن الخلود وإطالة الحياة وتأخير الشيخوخة، ويعملون على تحقيق هذه الأمور عن طريق التكنولوجيا. حلمهم الأبعد هو الحياة الأبدية على هذه الأرض أو على كوكب آخر. لهذان يمكن اعتبارهم ديناً يعِد بالخلود عن طريق التصاعد والتحول اللذين يحققهما العلم. وكسائر الأديان، يعتبرون مَن يخالفهم الرأي رجعياً ومعادياً للكنولوجيا والتطور.
من المهم التمعّن بما يؤدّي تدخل التكنولوجيا والعلوم في داخل الإنسان أكثر مما يؤثر عليه من خارج. لا يؤمن أتباع الإنسانية الجديدة بأن للإنسان جوهر ينبغي احترامه. نحن المسيحيون نعرف أن داخل الإنسان صورة الله وهي جوهره. بالتالي، التطور يلحِق الضرر بصورة الله التي فينا والتي نتمسّك بها وندافع عنها. الكلام عن الرجل الآلة هو ضرب لهذه الصورة ولقدسية الحياة التي فيها. أن يقبل الناس أنهم جزئياً آلات يقودهم عملياً إلى التخلي عن كل ما نعتقده قدسيةً للجسد، من الحشمة وصولاً إلى الاستباحة الكاملة، وحتى إلى الإجهاض والانتحار والموت الرحيم. إذا كنا نستطيع أن نتصرّف بالآلات على هوانا وحتّى أن نتلفها أو نتخلَص منها أو ندوّرها، فلمَ تكون هذه الآلة البشرية استثناءً؟
يدعو أتباع الإنسانية الجديدة إلى تبني التقنيات التي تهدف إلى تعزيز قدرات الإنسان العقلية والأخلاقية. حجتهم هي أن الإنسان المعزز سوف يكون أكثر سلامية وعدائية لأنه لا ينقصه شيء. هذه التقنيات مبنية على علم النفس وطبّها وهي تطال الأفراد والجماعات. من أشهر هذه التقنيات ما يُعرَف بالهندسة الاجتماعية التي يقوم عليها الكثير من ألاعيب علوم التسويق والدعاية. تضخّ إلينا الشاشات، بكافة أشكالها، كمّاً كبيراً من تطبيقات هذه التقنيات.
طبعاً، لا يقف العالم متفرجاً على جماعات ما بعد الإنسانية ينفذّون مشاريعهم ولا خططهم تسير كما يشتهون. هناك جماعات دينية وأخلاقية كثيرة تناهضهم. وهنا تكمن ضرورة التمييز في كيف يناهضهم الإنسان وأين ومتى؟ مَن يندفع من دون تمييز يستنفد قوته وموارده قبل الأوان.
على سبيل المثال، يتحدّث مناهضو الشريحة عن أنها سوف تكون مدخلاً إلى التحكم بالبشر وتوجيههم. أيعتقد ناشرو هذه التحذيرات بأن الشريحة سوف تكون أكثر فتكاً مما ينتشر حالياً في المجتع من مظاهر ثقافة تغيير المزاج والتحكم بالأفكار، وتقنيات التأمل التصاعدي، وحتى العقاقير التي تعمل على الأعصاب وعلى النفس، والمخدرات؟ أليست هذه كلها أشكال تحكّم بالناس؟ كثيرون يحذّرون من أن اللقاح سوف يتيح لقوى الظلام التحكّم بمَن يأخذه، فهل يعتقدون بأنه سوف يكون أكثر تحكماً من الهاتف الذكي والرسائل المخفية والموسيقى المخدّرة؟
طبعاً هذا الكلام ليس للدفاع عن الشريحة بل لوضعها في مكانها الصحيح. جماعة الإنسانية الجديدة يخططون للانتقال من خارج الإنسان إلى داخله متى استطاعوا. هذا يعني أن الحرب الحقيقية تكون في داخل الإنسان. المؤمن الذي انتصر في داخله، على ذاته أولاً، يكون محصّناً مستعداً لمواجهة ما يأتي من خارجها. يحكي الأخرويون عن أن الناس سوف تهرب كي لا تحمل علامة الوحش وهذا صحيح. لكن مَن الذي سوف يترك بيته وماله ومجتمعه ويهرب؟ وحده غير المتعلّق بما يملك، الذي كنزه في السماء وبالتالي هناك قلبه، الذي لا يشدّه إلى مكانه شيء سوى أن الله وضعه فيه، متى أراده الله أن ينتقل يكون جاهزاً. الاستعداد داخلي وبرنامجه واضحٌ اسمه التوبة. ألفا سنة والكنيسة تعلّم عنه، تصوم وتجاهد من أجله.
إن وصف الرسول بولس لهذه الحرب دقيق جداً: “وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ… وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ… جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ…فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ” (1تسالونيكي 1:5-8).
إذاً، هناك معركة قادمة. أما كيف وأين فللرب أن يقرر. يخطئ مَن يعتقد أن القرار بيد ضد المسيح. “وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ… إِلاَّ الآبُ” (مرقس 13: 32). لهذا نحارب بالتوبة لا بالنظريات ولا بالسلاح ولا حتّى بالعلم. فليستعدّ كل واحد بالوزنة التي أُعطيها. لسنا كلنا أطباء ولسنا كلنا علماء. فلنأخذ الطب من الطبيب والعلم من العالِم. نظريات المؤامرة هي استجلاب للسياسة إلى الروحيات. لا يجوز أن نخلط السياسة بالإيمان ونتصوّر أننا نقرأ الواحد بالآخر. لا ألعاب الأرقام ولا شؤون الأرض ولا قراءة الإنجيل هوليوودياً تنفع المؤمنين وتثبّتهم وراء سيدهم في التجربة. وحدهم التائبون يرون الفرج “تُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ” (أعمال 19:3).
ختاماً، باختصار على لسان هامة الرسل: “أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا. فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ. لِذلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ.” (2بطرس 8:3-14).

الأب أنطوان ملكي

☦هل الارثوذكسي المتمسّك بإيمانه هو متعصّب؟☦

$
0
0

☦هل الارثوذكسي المتمسّك بإيمانه هو متعصّب؟☦

لـمّا كان إخوتُنا المسكونيّون يهاجمون لاهوتَ آبائنا القدّيسين المجيدين، مخاطِبين “عواطفَ” الناس لا عقولَـهم وكيانَـهم العميق، ولـمّا كانت هذه الخطابات العاطفيّة مجبولةً بالأفكار المسكونيّةِ الـهدّامة للإيمان الأرثوذكسيّ والـمُعثِرة لنفوس إخوة المسيح، ارتأينا أن نُـجيبَ موضّحين إيمان آبائنا القدّيسين، مخاطِبين عقولَ الناس لا “عواطفَهم”، ومُـحترِمين قدراتِـهم الذهنيّةَ العميقةَ على إدراك الحقائق السامية التي إنّما أتى بها المسيحُ لأجلهم أولًا.
إنَّ اللاهوت الأرثوذكسيّ هو نِتاجُ خبرةِ أولئك الذين التمعوا بالنسك والجهاد، وبلغوا الثاوريا (معاينة الله)، فكان الروح الناطق بالآباء القدّيسين روحًا واحدًا غيرَ منقسمٍ على ذاته وغيرَ مشوَّش، على عكس الروح أو الأرواح الناطقة بفلاسفة هذا الدهر. من هنا اعتقد (اللاهوتيّون) مِن أتباع فلاسفة هذا الدهر أنَّ التشويش الحاصل عندهم هو نفسه حاصلٌ عند الآباء القدّيسين، جاعلين بالتالي الروحَ القدسَ روحًا ناقصًا (كقولهم بأنّه لا حقيقة كاملة عند أحد)، وروحًا منقسمًا على ذاته (كمحاولتِهم هَدْمَ سُلطةِ الآباءِ المطلقةَ في التعليم)، بل روحًا يعمل بِـمَعزِلٍ عن الكنيسة، وبِـمَعزِلٍ عن المسيح…
بِـهذه العيون الدهريّة، يَنظرُ المسكونيّون إلى الحقائق المسيحيّةِ كحقائقَ ناقصةٍ وجزئيّة، مُـخالِفِين القدّيسَ مكسيموس المعترف القائل: “تسلّمَ التلاميذُ الحقيقةَ كاملةً يوم العنصرة”. وبالتالي، يشوِّهُ المسكونيّونَ طبيعةَ الحقيقةِ الإلهيّةِ التي لا يمكن أن توجد بشكلٍ جزئيٍّ أو نسبيّ، ولا يمكن أن تكون مختلطةً بغيرِها من زؤان البدع والهرطقات، فإمّا تكون الحقيقةُ كاملة أو لا تكون.
فيزعمون بأنّ من تمسّك بفكر الآباء القدّيسين هو متعصّب. والحقيقةُ أنّ المتمسّك بالتعاليم الإلهيّة لا يجدُ حَرَجًا في أن يقول للآخَرِ “نحن مختلفون معك إيمانيًا” في الجوهر والعمق، ومع ذلك، نحن مستعدّون للعيش معك في هذا المجتمع وهذا الوطن بل وخدمتك وطاعتك إذا كنتَ رئيسًا علينا في كلّ ما يخصّ الحياة الاجتماعيّة والوطنيّة. لذلك فهموا التعصّب بشكلٍ معاكس وليس بمفهومه الدقيق الذي هو الأنانيّة وانطلاق الإنسان من ذاته، فأصبح التحرّرُ عندهم انغلاقًا والانغلاقُ تحرّرًا، مكرّسين سلطان الأنا في تحليل كلّ شيء. ولهذا دعوة الأرثوذكسية الحقّةِ هي أن يتحرّر الإنسانُ من أناه من خلال النُّسك، لكي يتحرّر من التعصّب ويترك الكلام والتصرّف لله الذي يعمل فيه. فهل الاعتمادُ على الآباء القدّيسين والاستشهادُ بهم والتسليمُ الكلّيّ لِفكرِهم يُعتبر تعصّبًا وتقوقعًا!! بالعكس تمامًا هو قمّةُ الانفتاح والتحرُّر من الأنا، والتواضعُ والتسليمُ الكُلّيّ لإلهام الروح القدس غيرِ الـمُتغيّر مع تغيّر الأزمنة.
مُن نُعت بالمتعصّب أُتبع بأوصافٍ أُخَر كالتكفيريّ والكارِه وعادم المحبّة. وفي الـمُقابلِ يتّخذون لأنفُسِهم عنوانًا أساسيًّا هو “المحبّة”، تلك المحبّةُ المزعومةُ التي تتصدّر العملَ المسكونيّ وترافقُه، وهي محبّةٌ مزيّفةٌ جَوفاء، ليس فيها من المحبّة سوى لفظِها. أن تترك أخاك الإنسانَ يتمادى في تدمير خلاصه ولا تعطيه الحقيقةَ كما هي، ليس من المحبّةِ في شيء. لا بل إنّ مزاوجة الحقيقة مع الزيف هي قلّة محبّة. الحقّ أرفع من المحبّة، كما يقول القدّيسُ يوحنّا الذهبيُّ الفم: “إذا رأيتم التقوى تتألّم في مكان ما، لا تقدّموا الاتّفاقات على الحقّ، بل التزموا بشجاعةٍ حتّى الموت… ولا تخونوا الحقّ في أيّة مناسبة”.
يلعبون على عواطف الناس بأساليبهم التضليليّة مستغلّين أقوالاً آبائيّة، تظهر وكأنّ الأرثوذكس المتمسّكين لا ينفّذونها، أمّا الحقيقة فيفهمها المتمسّكون وحدهم وبالتالي ينفّذونها، ولكن همّهم هو، إظهار الأرثوذكس المتمسكين بأنّهم مبغضون وكارهون، وتشويه صورتهم وكسب عطف الناس وأنّهم يقتلون من هو خارج عن ايمانهم!! يحملون سكاكين وأسلحة !! صدقًا لم أجد أشخاصًا محبّين للناس أجمع، أكثر من الأرثوذكسيّين المتمسّكين بأقوال الربّ يسوع حتّى المنتهى. فآية “أحبّوا أعداءكم” لم ولن يفهمها إلا الأرثوذكسيون المتمسّكون بنهج القدّيسين الباذلين أنفسهم من أجل الإيمان المستقيم. أمّا قمّة البذل فهي بأن لا أبذل المسيح وأقدم لهم مسيحًا جديدًا مبتذلاً نابعًا من أهوائي، بل أن أحبّهم لدرجة إرشادهم إلى المسيح الحقيقيّ، إلى الحقّ والحياة.
لهذا كلّه ولكي لا نكون متعصّبين على أفكارنا، في كلّ مرّة نريد أن نعرف موقف الكنيسة من أيّة فكرة حديثة، نلجأ الى آراء القدّيسين، ودائمًا هم في اتّفاق، على عكس ما يروّج المسكونيّون لهم معتمدين على تفسيرٍ معيوبٍ لنقاش دار بين هامتي الرسل بطرس وبولس. أتى موقف الرسول بطرس نتيجة سقطات وضعفات بشريّة لأمور تدبيريّة في الكنيسة لا علاقة له بالإيمان لديه.. فكيف يلتمع اذا الروح الواحد هنا وهناك إن كان هناك عكس هنا وبالصميم!! فهل أفهم من هذا أنهم يقولون بأنّ هذا الروح مشوّش!! منقسم على نفسه!! يدعو بتعدديّة الكنائس على عكس شريكه في الألوهة الابن يسوع المؤسّس لكنيسة واحدة!! هل يلتمع الروح في الطائفة المختلفة عن الكنيسة أم في أشخاص ولو خارج الحظيرة وحصرًا، لكي يقودهم إلى الأرثوذكسية!! ولهذا نحن لا نحكم على من هم خارج الأرثوذكسية ولا حتى على من هم في داخلها، لأنّ الحكم لله.. بل جلّ ما نطلبه هو تكريس طريق الملكوت والمحافظة عليها وعدم تشويهها من أجل جميع الناس… لنستخلص من كلّ هذا، أنّه لا توجد أي التماعات لفعل الروح القدس وحضوره إلاّ في الكنيسة الأرثوذكسية، وإلاّ كان روح تشويشٍ وضلال، مع العلم بأنّه يلتمع كما قلنا في أشخاصٍ من خارج الحظيرة ليقودهم إلى الكنيسة، وعكس ذلك يحتاج إلى قولٍ آبائي.
وفي موضوعنا هذا، إنّ الرفض هو كلّيّ لتوجّه الحوار المسكونيّ، وأهمّ من واجهها القديس يوستينوس بوبوفيتش الذي نعتها بهرطقة الهرطقات والقديس بورفيريوس والقديس نكتاريوس والقديس بايسيوس و…. أمّا من غير القدّيسين فنجد لاهوتيّين أرثوذكسيّين كبارًا (فلوروفسكي ورومانيدس) الذين اختبروا هذه التجربة ونعتوها فيما بعد بأنها الأسوأ في تاريخ الكنيسة لكون همّها الأساسيّ تدمير العقيدة والإيمان. كان يلزمنا أبٌ قديسٌ واحد من الكنيسة تكلّم عن المسكونيّة بشكلٍ جيّد لكنّا تبنّيناها فورًا، ولكنهم لم يعلنوا قداسة أثيناغوراس وغيره. حتى المسكونيّون لم يعلنوا قداسة أحدٍ من المسكونيّين!!
ذهب الأب رومانيدس إلى اللقاء المسكوني ليبشّرهم بالأرثوذكسية فقط لا غير، وبشكل خاص الأنكليكان حيث عمل على تعليم صلاة يسوع لأساقفتهم، ولكن الآباء الأرثوذكس وقفوا بوجهه يقولون له بأنه لا يجب أن يعلّمهم لاهوتًا بل أخلاقيّاتٍ مزيّفة، ولهذا رُسمت خارطة طريق للحوار المسكونيّ همّها طمس العقيدة، وتقديم تنازلات عقائديّة في هذا الحوار، وعدم الشهادة للحقّ، وإرضاء الطوائف التي تُـهرطقُ قدّيسِينا العظام. فتلكَ الطوائف تعتبر القدّيسين أمثال غريغوريوس بالاماس ومرقس الأفسسيّ أكبر المهرطقين في التاريخ المسيحيّ، بينما هما في الكنيسة من أعمدة الإيمان الأرثوذكسيّ اللذَين حفظا الإيمان حتى يومنا هذا. فهل نعتبرهما متعصّبَين!! هل هما سلفيّان لأنّـهما تمسّكا بالإيمان المستقيم في وجه الغربِ الـمُنحرف!! هل تحدّياتُ عصرِهما كانت مختلفةً عن تحدّيات عصرنا!!
لسنا بحاجة إلى تقديم شهادات من كتابات الآباء القدّيسين عن المسكونيّة، بل سنكتفي بما يقوله القدّيس نكتاريوس العجائبيّ: “التقليد (التسليم) المقدّس هو الكنيسة بعينِها وبدون التقليد المقدّس لا توجد كنيسة. إنَّ من ينكر التقليد، إنّما ينكر الكنيسة وتعليم الرسل”. وبقول الشيخ صفرونيوس زخاروف تلميذ القديس سلوان الآثوسي: “اللاهوت الأكاديمي لا يكفي للخلاص. إقرؤوا خاصةً الآباء النساك. هناك تتعلّمون اللاهوت الحقيقيّ”. يقول هو نفسه في موضعٍ آخر: “ولكنّ “اتّحاد الكنائس” صعبٌ، إن لم يكن مستحيلاً. أولئك الذين يتحدّثون عن “اتّحاد الكنائس” لا يعرفون عقليّة غير اﻷرثوذكس ولا سموّ الأرثوذكسية… أنا لا أريد “اتّحاد الكنائس“ لأنّ الكاثوليك لن يتغيّروا والأرثوذكس لن ينحرفوا.”
يقول القدّيس باييسيوس الآثوسيّ: “لسنا بحاجةٍ لأن نقول بأنّ المسيحيّين غير الأرثوذكس ذاهبون إلى الجحيم أو أنّهم ضد المسيح. ولكن أيضًا لا ينبغي أن نقول لهم إنّهم سوف يخلُصون، لأن هذا يمنحهم تطمينات كاذبة، ونحن سوف نُحاسَب على ذلك. علينا أن نعطيهم قدْرًا جيدًا من عدم الارتياح، وأن نقول لهم إنّهم مخطئون”.
تسمّى القديس باييسيوس الآثوسي العظيم هذا على إسم القديس باييسيوس الكبير (القرن الرابع). كان لهذا الأخير راهب يتتلمذ على يده. التقى هذا الراهب مع أشخاص غير مؤمنين تحاوروا معه قائلين بسخرية وتهكّم: “المسيح ليس الله”. فأجابهم الراهب حتى يتجنب الحوار معهم: “مثلما تريدون لا يهمّ”. وعندما ذهب إلى الدير، قرع القدّيس باييسيوس الباب عليه وقال له: “مّن أنت أيها الغير معمّد”. فبقي يجاهد سنين كثيرة لكي تعود نعمة المعمودية الى العمل.
مَن ضلّ في واحدة ضلّ في الجميع، ولهذا ليس صدفةً أن يكون المسكونيّون مع تشريع الصلوات المشتركة مع الغير، ومع هدم سلطة الآباء المطلقة في التعليم، ومع جعل كنيستنا الوحيدة جزءًا من الكنيسة، وهم أنفسهم لا يعترفون بتاريخية العهد القديم…
النهاية البسيطة لكلّ ما قلناه، هو أنّ الحركة المسكونيّة هي حركة أرضيّة بشريّة من دون نعمة الله، انطلاقاتها بشريّة محضة ولا تسعى إلى تقديم الملكوت، لذلك لا نستطيع أبدًا التبشير في هذه اللقاءات لأنّها تشوّه الحقيقة لعدم وجود النعمة فيها وتهيئ للمسيح الدجّال على حدّ قول الأب أثناسيوس ميتيليناوس: من أراد أن يكرز ويبشّر بالمسيحية الحقّة لا عليه سوى أن يتحاور مع الآخر على الصعيد الشخصيّ، وهذا ما منعته الحوارات المسكونيّة بين الطوائف. فهذه الإتفاقيات المسكونيّة تمنع تبشير الطرف الثاني بالكلّيّة (وهذا واضح في الاتفاقيّات التي عُقدت بين الغرب وبطاركة الروم). التبشير بالأرثوذكسيّة هو الغاية ولكن لا يتاح إلاّ لأشخاص أرثوذكسيّين لا يساومون أمثال القديس باسيليوس الكبير الذي قد شوّهوه مؤخرًا ليصبح مسكونيًا، هو الذي أنهى على الآريوسيّة بالكامل بنقاشاته معهم.
أُنهي بقولٍ للقدّيس ثيوذوسيوس الكهفيّ: “يا بنيّ لا يليق الثناء على معتقدٍ آخر، فمن يُشِيد بإيمانٍ غريب هو كالذي يذمّ بإيمانه الأرثوذكسي، من يُثني على دينه كما على دينٍ آخر، هو رجلٌ مزدوج الإيمان وقريب من الهرطقة، أتعتبر أنّ لله إيمانَين؟ ألم تسمع ما يقوله الكتاب المقدس “ربٌ واحدٌ، إيمانٌ واحدٌ معمودية واحدة(أفسس 4:5)”.
لقد صدق الشماس اللاهوتي اسبيرو جبور، )نفعنا الله ببركاته( بقوله: “الأرثوذكسيّةُ جوهرةٌ في رقبة خنزير”.

☦الشماس نقولا سجيع الشامي☦

اضيف جملة واحد لما ورد وانامتفق مع كات به كل الاتفاق اقول وبكل اسف:

“ان مجرد  توضيح عقيدتنا الارثوذكسية وليتورجيتنا بمقال او بحديث يجعلنا مباشرة تحت اتهام بأننا متعصبون ونخلق الفتن الطائفية” 

لوكنا متعصبين لما كنت ترى اي طائفة اخرى في انطاكية العظمى كل ماتم هو لأننا كنا منفتحين ومؤمنين بأننا واحد في المسيح وفتحنا للمبشرين بيوتنا وقلوبنا قبل كنائسنا وهذا ماجعل البسطاء فينا والعظيمي الايمان يُستلبون اما العارفين والمثقفين والمدافعين فتهمتهم جاهزة…التعصب…!!!

“شو هالروم شو متعصبين وشو هالزلمة شو متعصب”!!!

سليمان الخوري عيسى الحمصي…1830-1902

$
0
0

سليمان الخوري عيسى الحمصي…1830-1902

هو سليمان بن الخوري عيسى اول كهنة (بروتوباباظ) ابرشية حمص الأرثوذكسية وواعظها الشهير بما اختزنه من معلومات روحية وطبية ورياضية اكتسبها من المصريين الاعلام الذين كانوا مع الحملة المصرية على بلاد الشام (1831-1840)(1)

السيرة الذاتية

ولد علمنا سليمان في مدينة حمص سنة 1830، ومع ان وسائل التعليم كانت قليلة جداً في تلك الايام وبالذات للمسيحيين الذين كان محظوراً عليهم فتح مدارس والتعليم فيها.(2) لكن كان والده الخوري عيسى حريصاً على اكتسابه المعارف والعلوم قد بذل جهده في تأديبه وتثقيفه بنفسه، ثم بواسطة بعض مشاهير العلماء المسلمين، فاتقن اللغات العربية والتركية والفارسية بفروعها (وهذه كانت الاساس في اللغة التركية العثمانية لجهة الحروف والكلمات والنحو والادب العثماني)، واحرز كثيراً من العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية والطبية، فأصبح جهبذاً وطبيباً ماهراً.

كاتدرائية حمص الارثوذكسية كاتدرائية الأربعين شهيد
كاتدرائية حمص الارثوذكسية كاتدرائية الأربعين شهيد

في سنة 1849 ارسل الباب العالي العثماني أكبر اطباء المكتب الطبي الشاهاني(3)  لفحص أطباء  وصيادلة الأناضول وسورية والمناطق العربية”عربستان”  فلما وصل الى حمص وفحص علمنا سر كثيراً بمستواه العلمي، وأثنى على معارفه الطبية في مجلس الحكومة وأعطاه شهادة وترخيصاً لمزاولة الطب.

وبناء على هذه الشهادة صدر عن وزارة الداخلية العثمانية امرٌ عالٍ بتسميته طبيباً قانونياً، في العام ذاته برقم وتاريخ اصولاً.

ونظراً لمستواه الطبي الرفيع فقد كان المرضى يفدون اليه للتطبيب ليس من حمص وحدها بل من حماه وحلب ودمشق وطرابلس وغيرها، فحصل على شهرة فائقة، وفي سنة 1857 صدر امر من النظارة العظمى (رئاسة الوزراء) بمنحه لقب أفندي (4) فكان أول من لقب بهذا اللقب من المسيحيين بحمص.

في سنة 1859 انتخب عضواً دائماً لمجلس مطرانية الروم الأرثوذكس لأن غيره من الأعضاء كانوا ينتخبون ويتبدلون كل عام فبذل جهده في سبيل تقدم الملة وخصوصاً بتنشيط المدارس وإنشاء مدرسة للبنات وكان يخصص كل يوم جزءاً من وقته الثمين لزيارة المدارس وتفقد صحة التلاميذ والتلميذات وتنشيطهم بأرق العبارات وكم له في مثل هذه المواقف من عظات وخطب مفيدة.

وكيلاً بطريركياً

في 18 تشرين الثاني سنة 1865 استأثرت رحمة الله بوالده المرحوم الخوري عيسى الذي كان وكيلاً بطريركياً في ابرشية حمص لعدم وجود مطران فيها، فرفع كهنة الرعية الارثوذكسية ووجهاؤها  عريضة الى البطريرك الأنطاكي ايروثيوس(1850-1885) الذي كان وقتئذٍ في الأستانة العليا بنتيجة مجزرة فتنة 1860 يمدحون فيها علمنا ويذكرون بالشكر مساعيه الحميدة، ويطالبون غبطته ان يعينه وكيلاً  بطريركياً خلفاً لأبيه. فتم ذلك واصدر البطريرك ايروثيوس بذلك منشوراً بطريركياً بتاريخ 11 شباط سنة 1865، وأعلم البطريرك بذلك الحكومة فصدر امر من ولاية سورية الى حكومة حمص بوجوب معرفته بالوكالة المذكورة. فقام  حينئذ بإدارة شؤون رعية حمص بعزم وهمة، ودبر مهامها وحل خلافاتها ومشاكلها بحكمة وحزم.

عضوية مجلس ادارة القضاء

في السنة المذكورة شكلت الدولة العثمانية ماسمي “الولايات الشاهانية”، وعُينت مدينة حمص مركز متصرفية فانتُخِبَ علمُنا وعُينَ عضواً نائباً عن المسيحيين في مجلس ادارتها وبقي الى سنة 1867 التي بها انتقل مركز المتصرفية الى مدينة حماه، فانتُخب عضواً لمجلس ادارتها باتفاق الآراء. وصدر أمر الولاية بتعيينه في العضوية المذكورة إنما فرط حبه الشديد لوطنه دعاه أن يستعفي فقبُبلَ طلبُه، ولكنه بقي عضواً في مجلس ادارة قضاء حمص

ديونيسيوس مطران حمص

في تلك السنة 1867انتخب المجمع الانطاكي المقدس الارشمندريت ديونيسيوس مطراناً على ابرشية حمص، رسم البطريرك ايروثيوس السيد ديونيسيوس مطراناً، فعين علمنا نائباً له في كل ايام مطرانيته ودعمه في مساعيه الحميدة لأجل الأبرشية، وقد منحه المطران ديونيسيوس لقب “ليوغوثيني”(5) الرعية الارثوذكسية الحمصية.

كانت سمعة علمنا وصيت افعاله ونزاهته وامانته قد ذاعت في المنطقة فمنحته الدولة العثمانية الرتبة الثالثة سنة 1868 مكافأة له على صدق خدمته، وكان هو الأول الذي احرز هذه الرتبة في حمص، وبقي عضواً في مجلس ادارة قضاء حمص الى سنة 1884 حينما استقال منها لأسباب خاصة. الا انه بعد ستة أشهر انتُخِبَ وعُيِّنَ  عضواً في محكمة البداية، وفي السنة الثانية مستنطقاً في المحكمة المذكورة فكان اول مستنطق في حمص، وقد قام بواجبات هذه الوظيفة حق القيام بشهادة الجميع، وبقي فيها حتى عام 1900 حينما استقال منها بسبب شيخوخته.

في سنة 1882 اصابته مصيبة هائلة شاطره الحزن عليها جميع اصحابه واقاربه وجميع ابناء حمص وهي فقده نجليه عيسى ونجيب في الثورة العرابية(6) بطنطا في مصر، حيث كانا  يتعاطيان التجارة فيها، وقد فقد معهما أموال طائلة فأظهر  الصبر على هذه المصيبة، ما ادهش الناس حتى غدا مضرب المثل في الايمان عند حلول المصائب.

 اثناسيوس عطا الله مطران حمص

مطران حمص اثناسيوس عطا الله
مطران حمص اثناسيوس عطا الله

في اوائل عام 1885 توفي مطران حمص ديونيسيوس فانتخب علمنا وعين وكيلاً  بطريركياً، وكان ايروثيوس قد توفي،  واعتلى السدة الانطاكية جراسيموس، وتم انتخاب الارشمندريت اثناسيوس عطا الله متروبوليتاً على ابرشية حمص من قبل المجمع الانطاكي المقدس،  وبعد تنصيبه متروبوليتياً  بدأ بانجازاته التي سجلت له، فاتخذ علمنا وكيلاً له ومساعداً في كل امور الأبرشية ومشاريعها الخيرية والعلمية وادارة المجلس الملي في غيابه ومساعدا له في حضوره، وخاصة في تجديد بناء كاتدرائية حمص “كاتدرائية الاربعين شهيد” سنة 1890 وفي كنيسة القديس جاورجيوس 1891 وفي احداث مدرسة الغسانية للاناث 1902 ماسجل كل هذه الاوابد الارثوذكسية في تاريخ المطران اثناسيوس وهذا الارثوذكسي البار بأحرف من ذهب.

وفي سنة 1888 منح الرتبة الثانية من الدولة العثمانية بناء على مسعى من البطريرك جراسيموس المحكي عنه وتقارير مأموري وزارة العدل العثمانية الى وزيرها، وبتأييد كامل من الولاية، فسر مواطنوه بذلك سروراً عظيماً لأنه يمثلهم وقد نال هذه الرتبة عن جدارة واستحقاق، ثم تتابعت انعامات الدولة العثمانية عليه نتيجة شدة اخلاصه، فأنعمت عليه بمنحه الرتبة الممتازة العام 1900 بناء على التماس مطران الابرشية اثناسيوس عطا الله وموافقة وطلب من والي سورية ناظم باشا المعروف بأعماله الحميدة في ولاية سورية وفي ولاية بيروت بعدها…

في سنة 1890 لما كانت جائحة الكوليرا تضرب بعنف في حمص، شكلت الولاية لجنة صحية ضمت الكثير من الاطباء العسكريين والمدنيين للنظر في مايجب اجراؤه، وتم تعيينه رئيساً لهذه اللجنة نظراً لتبرزه ومقدرته الطبية، فتمم واجبات وظيفته أحسن تتميم رغماً عما كان يتعلق به من مهام وظيفية في المحكمة الابتدائية، وواجباته الكنسية في الأبرشية ومعالجة المصابين بالكوليرا، وخصوصاً  منهم الفقراء مجاناً وجمع الاحسانات من المسيحيين الارثوذكسيين من أجل إعمار كاتدرائية الاربعين شهيد الى غير ذلك من الأعمال التي يقتضي للقيام بها عدة أشخاص.

صفاته

كان الوجيه سليمان الخوري عيسى معتدل القامة أبيض البشرة  بهي الطلعة وكامل الخَلق والخُلق…

اتصف كما بدا للجميع بحسن السيرة والسريرة، وحسن تعامله  مع الجميع وتحليه بسمات الرقة والرزانة والحُلم  والمواساة، كما اشتهر بسمو المدارك وسداد الرأي وقوة الذاكرة، وحلاوة اللسان وطيب المعشر موصوفاً بالثبات والشجاعة والإقدام والصبر مزيناً بالفضائل المسيحية.

وكان على جانب عظيم من التقوى والورع يكره التعصب ويحب السلام ويكرم حتى الولد الصغير.

ارثوذكسيته

كان شديد التمسك بالايمان الارثوذكسي القويم  محافظاً على طقوسها متمماً لأسرارها (وليس كما وصفه احدهم زوراً وبهتاناً في جريدة… ) من انه كان ميالاً للبروتستانية، لا بالعكس كان ارثوذكسياً مكيناً سار على خطى ابيه وعائلته وجارى المطارنة الذي خدم بمعيتهم في خدمتهم للأبرشية، ولولا ذلك لما تم تكليفه بالوكالة البطريركية لأبرشية حمص بالرغم من علمانيته من البطريركين ايروثيوس وجراسيموس اليونانيين المتمسكين بالارثوذكسية بشدة.

علمنا ارثوذكسي نقي لاغش فيه، ولد وعاش ومات هكذا ارثوذكسياً حراً يكره المواربة والرياء، ولم يمل فكره وقلبه لآراء غير ارثوذكسية. نعم كان كثير المجاملة والتلطف مع الجميع بمختلف مذاهبهم، لكنه لم يحد عن الارثوذكسيية قيد انملة، وقد جاهد في سبيلها وبصماته العمرانية والعلمية والخيرية…في ابرشية حمص تشهد له. خاصة ومعروف عنه ترفعه عن الرياء والخداع بل كان صادق المواقف ومافي قلبه ووجدانه من صدق الانتماء الارثوذكسي شاهد صارخ وظاهر في تعامله وعمله.

من صفاته الممدوحة جليل اعماله في خدمة المرضى والفقراء وتقديم العلاج والادوية لهم مجاناً، وقد اشتهر بهذه الصفات في كل حياته وخصوصاً في ايام الكوليرا سنوات 1875، 1890، و1895.

كان بارعاً في الخطابة والإنشاء وكم له من الخطب الطنانة في المحافل العامة التي تدل على تبحره وتضلعه في المعارف والحكمة والعلم والاخلاص لوظيفته والدولة التي كافأته كما مر…

قبل تسقيف مثلث الرحمات اثناسيوس عطا الله مطراناً على حمص المشهور بعظاته، كان علمنا هو المكلف بالعظات، وكان يكتب العظات التي تتلى في القداس الالهي بحيث كان يقرأها احد الكهنة على جمهور المصلين في الكنيسة، وتتصف عظاته بجزالة النص وشدة التعبير عن ارثوذكسيتها مايُشهد له بدقة الفكر وطول الباع.

 ومن جهة خبرته القانونية (كخبرته الطبية) اتصف بهذه الخبرة القانونية والتضلع بالأنظمة والقوانين المعتمدة من الدولة، وعمل عليها خلال سني وظيفته القانونية في المحاكم، ولذلك اتصف بالمرونة في حل التناقض بين هذه الانظمة والقوانين واستنباط الحلول للمشكلات الناشئة وفق نص المبدأ القانوني” التوفيق بين النظرية والتطبيق”.

وفاته

كنيسة وضريح القديس اليان الحمصي الارثوذكسية
كنيسة وضريح القديس اليان الحمصي الارثوذكسية

استأثرت رحمة الله بعلمنا وهو بعمر الخامسة والسبعين عاماً وذلك صباح الثلاثاء في 22 تشرين الأول شرقي 1902  بعد اصابته بالتهاب  رئوي حاد  لم يمهله الا بضعة ايام  أتم فيها واجباته الروحية والاسرار الكنسية  حيث تقدم في خلال مدة مرضه في ايامه الأخيرة قبل وفاته،  فاعترف وتناول القربان الالهي… 

وعلى الفوربعث غبطة البطريرك ملاتيوس الدوماني كتاب تعزية لأسرة علمنا (زوجته وولديه) مملؤاً  عطفاً وحناناً اتصف به غبطته حيث عبر لهم بعبارات الاكبار والاجلال  بصفات الراحل الكريم ماخفف هول مصابهم الأليم وبَّرَّدَ قلوب افراد الاسرة بندى العزاء الابوي المعروف عن مثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس وحنانه.

وقد اقيم له مأتم مهيب دوت بذكره حمص ومحيطها، اشترك فيه الجميع على اختلاف الملل وسارت الجموع الغفيرة باكية وراء نعشه المحمول  على الاكتاف الى المدفن في مقام وكنيسة القديس اليان الحمصي، وكانت اجراس الكنائس تقرع حزنا وتلاميذ المدارس الارثوذكسية يسيرون امام الموكب الحزين بالبستهم الرسمية وهم ينشدون الحان الرثاء وقد مشى رجال الشرطة في مقدمة الموكب… بشكل مهيب.

صلى عليه مطران الابرشية اثناسيوس ولفيف الاكليروس وفي ختام الجناز ابنه المتروبوليت تأبيناً بليغاً عدد فيه مناقبه بكلمات ابكت الجموع على فقيد حمص فقيد المرؤة والوجاهة والشهامة، كما ابنه الكثير من ادباء  حمص واساتذة المدارس الغسانية الارثوذكسية الحمصية ثم اودع الجثمان في مدفن العائلة. 

خلاصة القول

البطريرك ملاتيوس الدوماني
البطريرك ملاتيوس الدوماني

بالنتجة كان سليمان الخوري اسعد من قافلة الذين تفتخر بهم الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية عامة وحمص ابرشية ورعية خاصة في القرن التاسع عشر،  حيث كان ومضة مضيئة من الاخلاص والمناقب الانسانية حيث كان في اكثر ايام حياته خادماً لحمص وشعبها بتجرد وخادماً للكنيسة …وفي مجال الطب الروحي والجسدي له خدمات مبرورة يندر لغيره ان يبذل حياته في سبيلها، فعاش عيشة صالحة ومات ميتة صالحة وخلف ذكرى صالحة.  

وقد خسرت فيه الكنيسة الارثوذكسية الحمصية ركناً متيناً وخسرت فيه الدولة خادماً اميناً وخسر بموته كل الفقراء الذين كان يغيث بؤسهم ويعيلهم بصمت يستوجب الرثاء الحقيقي وهذا ما بدا في رثاء البطريرك ملاتيوس برسالته للعائلة، وفي تأبين راعي حمص المطران اثناسيوس، وكلمات وقصائد المؤبنين لجهة غيرته الارثوذكسية واحساناته للفقراء والمساكين وانجرافه في مساعدة الجمعيات الخيرية، فلاغرو ان وصل الأسف عليه زماناً طويلاً بعد وفاته.

حواشي البحث

  1. الحملة المصرية على بلاد الشام من 1831-1840 قام محمد علي باشا والي مصر وبقيادة ابنه ابراهيم باشا القائد الفعلي للحملة وحررت كل سورية الطبيعية ووصلت الى مشارق البوسفور و كادت ان تفتح القسطنط،ينية لولا تكالب الدول الاوربية ضدها وبالذات بريطانيا التي خشيت قيام دولة عربية قوية، وقد انضم المسيحيون عامة الى حملة ابراهيم باشا وفي المقدمة بشير شهابي  وبالتالي كان تحرير سورية سيتم من هذا الاحتلال العثماني الثقيل الجاثم على صدرها… وبنتجة هذه الحملة التحريرية اعترف بمحمد علي باشا خديوي لمصر واسرته تتوارث الملك وقد سقطت الملكية في مصر في 23 تموز 1952 بيد جماعة “الضباط الاحرار”
  2. كان محظوراً على المسيحيين في الدولة العثمانية فتح مدارس قانونية او حتى كتاتيب خارج اسوار الكنائس تحت طائلة العقوبات الشديدة التي تصل الى حد الاعدام، وكانت اول المدارس قد تم افتتاحها من قبل الارساليات اللاتينية المغطاة من قناصل فرنسا النمسا…في اسطنبول
  3. المدرسة الطبية العثمانية السلطانية العليا
  4. مصطلح أفندي هي ذات أصول يونانية من (افنديس) وإستعارها الأتراك في القرن (13) ميلادي وتعني السيد، ولقب به قاضي إستانبول حينها، كما استعمله العرب كنية لنقيب الأشراف. الأفندي إصطلاحا تعني المالك والمولى والسيد والكتاب عموما، ويطلق أيضا على كتاب ديوان الروزنامة بمعنى عنوان تفخيم وأبهة. أما كبير الأفندية (الروزنامجي) فهو المسؤول عن جباية الأموال والضرائب، واخيرا سمي قاضي عسكر أناضول (سماحتلو أفندم حضرتلري). وذكر سهيل صابان بأنها” أستخدمت في العقد الثاني من القرن الخامس عشر، وحلت محل كلمة الجلبي”. ( المعجم الموسوعي). وإختص به العلماء فيما بعد. وصار لقبا رسميا بعدها يُطلق على أمراء المناطق والأقاليم. كما أطلقت على طلاب الكلية الحربية. ومن رتبة ملازم إلى بكتاشي.
  5.  تسمية يونانية تعني المحامي عن حقوق الطائفة
  6. ثورة احمد عرابي باشا في مصر ضد المستعمر البريطاني وقد سقط فيها الكثير من المدنيين ومنهم من السوريين الذين  كانوا قد سافروا الى مصر للعمل بالتجارة وسواها.

المعمودية الأرثوذكسية وضرورة التغطيس ثلاثا كما في الكنيسة الأولى

$
0
0

المعمودية الأرثوذكسية وضرورة التغطيس ثلاثا كما في الكنيسة الأولى

1– يستوجب سرّ المعموديّة التّغطيس ثلاث مرّات. فقد ورد في قوانين الرسل القدّيسين، في مجموعة الشرع الكنسي، القانون 50: “أيّ أسقف أو كاهن لا يتمّم سرّ المعموديّة بثلاث غطسات، بل بغطسة واحدة لموت الرب، فليسقط، لأن الربّ لم يقل عمّدوا لِموتي، بل قال: “اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت 28: 19)”. 
+++
2- لماذا التغطيس؟ ولماذا ثلاث مرّات؟
النّزول تحت الماء يرمز إلى موتنا مع المسيح، والصّعود من الماء يرمز إلى قيامتنا معه.
يقول بولس الرسول: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع اعتمدنا لموته فدُفِنّا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك في جدة الحياة. لأنه إن كنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته”(رومية6: 3-5).
فنحن إذاً عندما ننزل تحت الماء نموت مع يسوع، ندفن الإنسان العتيق فينا، المجبول بالخطيئة، لنقوم معه متجددين بالروح القدس. نُدفن مع يسوع بنزولنا تحت الماء، ونقوم معه بخروجنا منه.
ونغطس ثلاثاً، رمزاً لدفن يسوع الثلاثي الأيام، وباسم الثالوث.
يقول القديس كيرلس الأورشليمي عن التغطيس: “المعمودية ليست تنقية من الخطايا ونعمة للتبني فقط، ولكن أيضاً صورة لآلام المسيح”. المعمودية هي موت أنانيتنا وكبريائنا، وهذا هو الموت “على شبه موت المسيح”. 
+++
3- أما فيما يتعلّق بترتيب ليتورجية سر المعمودية كما حدّدته الكنيسة الأولى، فنقرأ في كتاب الافخولوجي الكبير صفحة 289 ما يلي:
… يأخذ الكاهن الطفل من على يديّ عرّابه ويضبطه بيديه مستقيماً، موجَّهاً نحو الشرق، ويعمّده مغطّساً إيّاه كلّه في الماء قائلاً:
يُعَمَّد عبد الله (فلان) باسم الآب آمين، وينشله.
ثمّ يغطّسه مرّة ثانية قائلاً: والإبن آمين، وينشله.
ثمّ يغطّسه مرّة ثالثة قائلاً: والروح القدس، آمين. وينشله ويضعه على المنشفة التي على يديّ العرّاب…
* ويضيف الكتاب ملاحظة في هامش الصفحة عن السرعة الواجبة للقيام بالغطسات:
اعلم أنّه يجب على الكاهن ان يتمم هذه الغطسات الثلاث والنشلات الثلاث بقدر ما يمكن من السرعة. 
+++
4- شهادات من آباء الكنيسة بأن المعمودية كانت تتمم بالتغطيس في الكنيسة الأولى، وعن قوتها الشفائية نفسًا وجسدًا: 

أ- في رسالة برنابا (كُتِبَت بين 100 و 120) يقول: “ننزل في الماء مملوئين خطايا وأدناسًا، بيد أننا نخرج منه محمّلين ثمارًا…

ب- ترتليانوس (155-220) في كتابه عن المعمودية الذي كتبه عام 198م، يتكلم على بِركة “بيت حسدا” أنها كانت رمزًا للمعمودية، لكنّ هذه البِركة كانت تشفي جسديًّا وتُعطي خلاصًا وقتيًّا، أما المعمودية فأصبحت تشفي النفس وتعطي خلاصًا أبديًّا. “حين يُمحى الإثم يُمحى بالطبع العقاب أيضًا… حالما يُستدعى الله، ينزل الروح القدس من السماء ويحلّ عليها ويقدّسها بحضوره…”
ويتكلم أيضًا عن إتمام سرّ المعمودية، يقول: “قبل دخولنا بقليل في الماء، وفي حضور جماعة المؤمنين وتحت يد الأسقف أو الكاهن، نعترف بأننا ننكر الشيطان وكل خيلائه وملائكته. بعدها نُغَطّس ثلاث مرّات في المياه…

ج- القديس باسيليوس الكبير يقارن بين الخلاص الذي تمّ في البحر الأحمر وماء المعمودية، فيقول: “البحر هو رمز للمعمودية، قاد إلى خلاص الشعب من فرعون، بالطريقة ذاتها تخلص أنت من طغيان إبليس، في المعمودية. الشعب خرج من البحر سالمًا، ونحن أيضًأ نخرج من الماء كأحياء يخرجون من بين الأموات.

د- القديس يوحنا الذهبي الفم يقول: “عندما نغطّس رؤوسنا في الماء، يُدفَن إنساننا القديم في القبر أسفل، ويختفي اختفاءًا تامًّا. وعندما نرفعه يرتفع الإنسان الجديد مكانه. وكما يسهل علينا أن نُغطس ونرفع رؤوسنا ثانية، كذلك يسهل على الله أن يَدفن الإنسان القديم ويُبرِز الإنسان الجديد. وهذا يتمّ ثلاث مرّات لكي تعرفوا أن قدرة الآب والابن والروح القدس تتمم كلّ هذا. كما أنّ المعتمِد في الماء يقوم بسهولة لأن طبيعة الماء لا تشكّل عائقَأ أمام ذلك، هكذا قام المسيح بسهولة عُظمى بعد أن نزل إلى الموت، ولذلك يُسمّى موته معمودية. 

5- ممارسة سرّ المعمودية بالتّغطيس لم يكن يومًا مؤذٍ للإنسان، بل عكس ذلك تمامًا. كثيرًا ما قرأنا ونقرأ عن معجزات، من رؤى، وشفاءات، وإنقاذ من الموت للكثيرين بعد خروجهم من جرن المعمودية، نذكر منهم القصص التالية:

أ- هنا شهادة هائلة من الأب سمعان، ملحد سابق، وهو من مواليد ال”بيرو”. عندما كان صغيرًا، قالت له والدته: “عندما تكبر، سوف ترتدي ثيابًا سوداء، لست أدري ماهية هذه الثياب. سوف تعيش في مكانٍ ليس هو جزيرة إلّا أنّك لن تصل إليه إلّا بالقارب.”
كبُرَ ودرس وجال العالم. ذهب إلى باريس، وهناك التقى براهب أرثوذكسي تعرّف من خلاله إلى الأرثوذكسية. جاء إلى جبل آثوس وهنا اجترح الربّ أعجوبته! تعمّد، وأصبح راهبًا بإسم سمعان ، ومن ثم رُسمَ كاهنًا.
بعد سنوات ذهب إلى وطنه، بيرو، وهناك بشّر والدته وعمّدها في بحيرة. ثلاث مرات أمسك بها وغطّسها في الماء وانتشلها. بعد الغطسة الثالثة، وقفت أمّه بلا حراك، مرتدية قميصًا ناصعَ البياض. بقيت للحظات بلا حراك، من ثم أغمي عليها وسقطت على الأرض. فهرع إليه إخوته ظنًّا منهم أن شقيقهم الراهب قد أغرق والدتهم. لكنّ المرأة قامت وقالت لهم:
“بعد الغطسة الثالثة عندما وقفت، رأيتُ ضوءًا مثل البرق قد ملأ المكان، فيضٌ من نورٍ مشِعّ أحاط بي كرداءٍ منير ومضيء وملأني فرحًا جمًّا. تسلّل هذا النور إلى داخلي وملأني كلّيًّا، أغرقَني، غمرني وجعلني حاملةً للنور. “
كان ذلك الضوء قويًّا جدًّا، والشعور به كان قويًّا جدًّا لدرجة أنها لم تحتمله فأُغمي عليها.
لقد أخبرنا بهذه الحادثة الأب سمعان، المؤمن التقيّ، نفسه.
هذه هي المعجزات التي تحدث في سرّ المعمودية! 

ب- في 19 تشرين الأول عام 1829، في قرية تدعى “سورا” في مقاطعة “أرخانغيلسك” (أي رئيس الملائكة) في روسيا، وُلِدَ طفل ضعيف جدًّا. وخوفًا من أنّه لن يعيش، طلب والداه من الكاهن قبل طلوع الفجر أن يعمّده على الفور، وأسمياه يوحنا. لكن الطفل لم يمت بل عاش، وأصبح قدّيسًا في الكنيسة الأرثوذكسية وهو القديس “يوحنا كرونشتادت”. 

ج- في يوم من أيّام الآحاد وبعد نهاية القدّاس الإلهيّ إذا بسيّدة فقيرة تقدّمت وهي تحمل طفلاً صغيرًا، وطلبت منّي أن أعمّد لها الطفل لأنّه مريض وهي تخشى أن يموت دون أن ينال بَرَكة المعموديّة. كنت يومها حديث العهد بالكهنوت. نظرت إلى الطفل فإذا هو شبه ميت شاحب اللون، وعيناه مغمّضتان متورّمتان، ويتنفّس بصعوبة بالغة. والحقّ يقال إنّني خفت وخشيت أن أعمّده. فقلت للكاهن الآخر: “أنا لا أستطيع، فالطفل لا يحتمل، وأنا خائف”. فردّ عليّ الكاهن بتعجّب: “وهل ممكن أن يموت طفل أثناء المعموديّة؟ عمّده يا أخي ولا تخف فنعمة الله هي الفاعلة.”
صلّيت على الطفل مرغَمًا، وكنت في داخلي أصلّي لكي يمدّني الربّ بالقوّة والإيمان ويطرد عنّي الخوف.ثمّ أخذته من يد أمّه بحرص شديد، وأنزلته جرن المعموديّة وأنا أقول يعمّد عبد الله فلان… ثمّ غطّسته بسرعة في الماء المقدّس وانتشلته وأنا أقول لنفسي هل ما زال حيًّا؟ وإذ رأيته يشهق ويتنفّس فشكرت الله وتقوّيت أكثر. دهنته بالميرون المقدّس، ثمّ ناولته الأسرار الطاهرة بعد أن ألبسته ثياب المعموديّة، وأنا أنظر إلى هذا الطفل الذي بدا بعد المعموديّة منيرًا وقد زال الاصفرار عنه، وعاد طبيعيًّا.
ما إن انتهيت من المعموديّة حتّى وافاني الكاهن وهو يبتسم:
– لا بدّ أن يكون لنا، نحن الكهنة، إيمان عميق وقويّ بفاعليّة الأسرار المقدّسة. أليست المعموديّة قيامة؟ فنحن نُدفن للموت حتّى كما أقيم المسيح من الأموات نقوم نحن في الحياة الجديدة.
اسمع ما جرى معي ذات يوم: جاءني زوجان غنيّان يحملان طفلة حديثة الولادة يريدان أن يعمّداها، وفي هذه الأثناء، وبينما كنت أصلّي على المياه، وافت أرملة فقيرة تحمل طفلها، وطلبت منّي أن أعمّده، فقبلت طلبها. ولمّا خلعت المرأة الفقيرة ملابس ابنها إذا بجسمه مملوء دمامل، فتأفّفت الأمّ الغنيّة من المنظر، وقالت لي: “لا يمكن أن أعمّد ابنتي مع هذا الطفل، لئلا يصيبها هذا المرض”. حاولت إقناعها أنّ للأسرار المقدّسة قوّة إلهيّة فائقة، فلم تقتنع، وأصرّت أن تُغطَّس ابنتها أوّلاً في جرن المعموديّة. وهكذا كان إذ عمّدت البنت أوّلاً ثمّ الولد الفقير، وأنا أتأسّف في داخلي على قلّة الإيمان والنظرة المادّيّة للأسرار.
وفي الأسبوع التالي حضرت الأرملة مع طفلها وقد تعافى تمامًا، بينما جاءتني المرأة الغنيّة تشتكي من أنّ صحّة ابنتها ليست على ما يرام. فأريتها الطفل الفقير وقلت لها: “بسبب قلّة إيماننا لا نحصل على كثير من النعم. انتبهي، يا سيّدتي، فالربّ بنعمته الإلهيّة الكائنة في الأسرار يشفي ويبرئ، ويقيم حتّى من الأموات.”
تأثّرت جدّاً من كلام الكاهن، وتمنّيت لو أرى الطفل الذي عمّدته. ولقد حقّق لي الربّ أمنيتي. وبعد أسابيع إذا بالسيّدة الفقيرة أمامي، فأسرعت إليها أسألها عن حال طفلها، لم تردّ جوابًا، بل أشارت بإصبعها إلى طفل يحبو على أرض الكنيسة، ووجهه طافح بالصحّة. حملته بين ذراعيّ، ورحت أقبّله وكأنّه ابني وأنا أكاد أطير من الفرح. لقد تبدّل الإنسان الميت، وصارت فيه قوّة حياةٍ جديدة.

تابع الاعجوبة في تدوينتنا”حدث يوماً في دمشق”

السيد عبده يني بابا دوبولس

$
0
0

السيد عبده يني بابا دوبولس

اصل عائلة يني بابا دوبولس من اليونان تنتسب الى اسرة ارثوذكسية حارة الايمان وتوارثت الكهنوت لذا فهي في كنيتها بابا دوبولس  وكأننا نشير في كنياتنا في بلادنا الى الخوري فلان…

وفد كبيرها يني او ايواني بابادوبولس وتعريب الاسم هو حنا الخوري بولس من اليونان مع العديد من العائلات اليونانية الى الساحل السوري واستقروا في المدن اللاذقية والاسكندرون ومرسين وبيروت وطرابلس والساحل الفلسطيني والى المدن الداخلية دمشق وحلب وانطاكية والقدس… كما لجأوا الى  المدن الساحلية والداخلية في مصر كالقاهرة والاسكندرية… وطرابلس الغرب وتونس والدار البيضاء بشمال افريقيا ابان ثورة الاستقلال اليونانية ضد الاستعمار التركي بحلته العثمانية…

حرب الاستقلال اليونانية والهجرة خارج اليونان 

  Ελληνική Επανάσταση إللينكي إباناستاسي أي الثورة اليونانية 

هي حرب استقلال مريرة استمرت من عام 1821-1832 واثمرت  باستقلال اليونان عن المستعمر العثماني بدعم كامل من روسيا …وبريطانيا وفرنسا الذين وقفوا الى جانب كفاح اليونانيين المرير ضد الدولة العثمانية وقدم الشعب اليوناني اكثر من 50000 الف شهيد وحوالي 180 من الحلفاء فيم بلغت خسائر العثمانيين وحلفائهم حوالي 115000وقاتل الى جانب الجيوش العثمانية كحلفاء قوات من مصر وتونس وليبيا والجزائر… وخاصة بالاسطول البحري الكبير… الذي اعده والي مصر محمد علي باشا، وقد تم تدمير هذا الاسطول كليا وخرجت اليونان من تحت الاستعمار التركي وتأسست المملكة اليونانية…هذه الحرب التحريرية اليونانية  وماخلفته من دمار وجوع ومآسي للشعب اليوناني طيلة 11 سنة دفعت بالآلاف من اليونانيين الى عبور البحر الابيض المتوسط الى سواحله الشرقية كالساحل السوري- اللبناني- الفلسطيني وساحل شمال افريقيا…  

يني او ايواني بابادوبولس

وقد استقطبت سورية الكبرى وبالذات دمشق العديد منهم ومن كل الهجرات اليونانية اللاحقة لأن  معظم سكانها المسيحيين  من نفس العقيدة الارثوذكسية وكان البطاركة من اليونان… كان من اللاجئين والد علمنا عبده وهو السيد يني او ايواني بابا دوبولس الذي وفد وعائلته الى دمشق  وكان على السدة الانطاكية البطريرك اليوناني سيرافيم (1813-1832) ووضع نفسه بخدمة هذا البطريرك وحاشيته الاكليريكية اليونانية وعمل مع هذه الحاشية كاتبا في القلم اليوناني… ثم عمل بخدمة خليفته البطريرك متوديوس وكان يونانياً ايضاً من 1832-1850…ونشير هنا الى ان البطاركة اليونان جلسوا على السدة الانطاكية منذ عام 1724 مع البطريرك سلفستروس القبرصي الى 1898 مع البطريرك اسبريدون…

كان يني مرتلاً ضليعاً بالموسيقى الرومية وصاحب صوت جميل، فرتل في الخورس اليمين في كنيسة مريم  المخصص للغة اليونانية (وفق النهج الدارج زمن البطاركة اليونان 1724-1898 ولكنه استمر مع المرتل الشهير البروتوبسالتي المريمية ديمتري كابلانس الى حين وفاته منتصف عهد البطريرك اغناطيوس الرابع 1979-2012)، وبالمقابل كان الخورس اليسار يرتل باللغة العربية…فكلفه البطريرك سيرافيم اضافة الى  مهام امانة سره والكتابة في القلم اليوناني في الدار البطريركية، كلفه بتعليم مبادىء اليونانية في كتَّاب الصرح البطريركي الدمشقي…

نبذة في مدرسة الآسية البطريركية الدمشقية

عندما اسس القديس  الخوري يوسف مهنا الحداد الدمشقي ( الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي) المدرسة الارثوذكسية الدمشقية للذكور(الآسية) خارج الصرح البطريركي في عام 1836 بترخيص نظامي اصولي من والي دمشق التابع للحملة المصرية على بلاد الشام (1831-1840)(1) استعان بالمذكور ايواني بمباركة من البطريرك متوديوس ليقوم بتعليم اليونانية لطلاب المدرسة.

وكان الخوري يوسف قد ضم الى هذه المدرسة البطريركية التي دُعيت بمدرسته كل تلاميذه الذين كانوا يتعلمون عنده في بيته قبلاً (سراً)(2).

اما هذه المدرسة ونتيجة للفقر المدقع  فقد كانت حين إحداثها على شاكلة الكتَّاب(3)، عبارة عن غرفة كبيرة في دار عربية بجوار الصرح البطريركي وهذه الغرفة كانت مقسومة الى غرفتين بساتر قماشي، فكان قديس دمشق الخوري يوسف وزميله يني بابادوبولس يقومان بالتدريس في هاتين الغرفتين، فاختص القديس يوسف بتدريس العربية والرياضيات والعلوم الروحية ومبادىء اليونانية والخط للطلاب، بينما اختص يني بتدريس اليونانية بآدابها وكان يتعلم من الخوري يوسف العربية ويعلمه هو اليونانية بآدابها. واستمرا معا في خدمة الكنيسة والمدرسة الدمشقيتين والمقر البطريركي الى حين استشهاد القديس يوسف في 10 تموز 1860 والدمار الشامل.

وانتقل ايواني وعائلته زوجته وولديه عبده ونقولا الى بيروت،  وسكنوا مع بقية المهاجرين الدمشقيين في محلة الاشرفية التي كانت عبارة عن تلة دغلية اقاموا فيها بمخيمات مؤقتة ثم اعمروها ببيوت صغيرة واوجدوا بها مدارسهم، وربما كان قد تولى التدريس في مدرسة الدكتوريوسف عربيلي(4) التي اسسها وانتسب الى اخوية العائلات الارثوذكسية الدمشقية في بيروت التي تتولى شؤون العائلات الدمشقية المحتاجة وتزويج البنات الفقيرات…

 وتولى في بيروت وكالة البطريرك الأنطاكي لادارة شؤون الاوقاف البطريركية واوقاف دير سيدة صيدنايا البطريركي فيها واوقاف كل الاديرة البطريركية  الموقوفة من المحسنين في  ابرشية بيروت وجبل لبنان… فأخلص في عمله وكان مثال النزاهة والامانة والتجرد الى حين وفاته اواخر عهد البطريرك ايروثيوس تقريبا…

خدم ايواني بابادوبولس الكرسي الأنطاكي المقدس ماينيف عن ستين سنة خدمة أقل مايقال فيها انها كانت عنوان النزاهة والاخلاص ومثال الغيرة والتجرد الذاتي وكانت الناس تذكر مااشتهر به ايواني من سعة العقل واصالة الرأي ومكارم الأخلاق حتى أنه كان موضوع ثقة البطاركة سيرافيم ومتوديوس وايروثيوس وكثيرا ماكان يُرجع اليه في حل أعظم المشاكل الدينية، وكان بيته ملتقى لرجالات دمشق وكبار رجال الكنيسة الارثوذكسية والمقامات الرفيعة في الدولة والقناصل الاجانب ينزلون في بيته بكل اكرام وكان عظيم المهابة عند الجميع.

عبده يني بابا دوبولس

وكان ايواني بابادوبولس قد رُزق بولديه عبده ونقولا خلال اقامته في دمشق، وقد ورث  علمناعن والده كل الصفات المحكي عنها، والمقام السامي فخدم البطريركية الانطاكية على عهد البطاركة ايروثيوس (1850-1885) وجراسيموس (1885-1891) واسبريدون ( 1891-1898) واوائل عهد البطريرك ملاتيوس الدوماني (1898-1906) والبطريرك ملاتيوس كان يحب المذكور وقد كانا رفاق طفولة مشتركة ودراسة في الآسية على الخوري يوسف وبقيا على التواصل ذاته وملاتيوس كان مطراناً للاذقية 1864-1898 برسائل تعنى بالشأن الانطاكي مع المغفور له السيد ديمتري شحادة الدمشقي في اسطنبول وهواي عبده في بيروت.

وقد ورث عن ابيه خدمة البطريركية في ابرشية بيروت كوكيل بطريركي لشؤون اوقاف الكرسي في بيروت وجبل لبنان، وكان خير مدافع ومحامي عن حقوق الوقف ومتولي الاوقاف غبطة البطريرك الانطاكي على التتابع… فحاز بدوره ثقة البطاركة وتقديرهم وكانت لكلمته الوزن المحترم لدى ولاية بيروت والقناصل ومطران بيروت ولبنان غفرئيل شاتيلا الدمشقي رفيق دراسته ايضاً في الآسية بدمشق، وصار صاحب مكانة سياسية ودبلوماسية وعينته مملكة اليونان قنصلاً عاماً لها في بيروت.

وقد حاز المنزلة المرموقة ليس فقط عند البطاركة الانطاكيين ومطران بيروت  الارثوذكسيين…فقط بل كانت له المكانة ذاتها عند كل رؤساء الطوائف المسيحية الاخرى، وكان يسعى لخدمة مصالحها بكل تجرد بحكم مكانته.

وجدير ذكره  يتوجب التوضيح انه وبالرغم من كل هذه المكانة والاقتداركان مستور الاحوال ولم يكن من اصحاب الثروة وارباب المناصب والمراتب.

كان عبده يني بابادوبولس خير قدوة للأغنياء وغير الأغنياء ليتعلموا منه وكان شعاره :”ان الانسان يُذكر بما هو يملك من الفضائل لابما يملك من غنى ومجد دنيوي زائل، وان رجال الفضل ولو ماتوا جسديا لايموت ذكرهم عند الناس…” عبده يني كان عاشقا للرب يسوع مفتديا بتجرده عن حب المادة معطيا للكنيسة والفقراء عاملاً بكلام الرب يسوع:” لاتكنزوا لكم كنوزاً على الارض”.

هكذا كان عبده بابا دوبولس وشقيقه نقولا كما كان والدهما يني بابا دوبولس عاشوا بسطاء نظيفي الكف وماتوا كذلك.

اسس عائلة صغيرة مؤلفة منه ومن زوجته وابنة صبية،  اضافة الى شقيقه نقولا وعائلته وكان مكان سكنهم في الاشرفية بالقرب من كنيسة القديس ديمتريوس الارثوذكسية.

وفاته

كان علمنا قوي البنية شديد العافية ولم يسبق له ان اصيب بمرض او اعتلال. ولما داهمته العلة لم تكن في بداية الامر الا توعكاً بسيطاً خفيفاً الى ان اشتدت وطأتها بغتة فضعفت قواه، ولم يستطع الاطباءُ إنقاذه ففاضت روحه وارتقت الى خالقها ليل الثلاثاء في4 تشرين الثاني 1902 في الساعة العاشرة ليلاً بعد نزع هادىء وآلام مبرحة كانت تضربه، وهو صامت جبار عليها، فمات ولم يمح الموت عن وجهه اللطيف ابتسامته المألوفة…

لم يتجاوز عمره الثالثة والخمسين عاما وتوفي بعد ان تمم اسرار الكنيسة لجهة الاعتراف والمناولة بعد ان اقعده المرض عن متابعة جهاده في سبيل الكنيسة وكان البطريرك ملاتيوس يواصل الاستعلام عن صحته، وكان هو اول من علم بوفاته ببرقية وردته باسم العائلة وارملته وابنته، فرد(6) البطريرك بكتاب تعزية يحمل الرقم 1627 بتاريخ 6 تشرين الثاني1902 من الدار البطريركية في دمشق استهله ” ايها الابناء الأحباء بالرب الأجلاء الأكارم عائلة المرحوم عبده يني جميعا المحترمين داموا مباركين…  وتابع البطريرك ملاتيوس بالقول “…بالحقيقة اننا نحن ابوياً في مقدمة من تجب لهم التعزية لأن الخسارة لم تكن للعائلة الكريمة خصوصاً بل لنا وللملة الارثوذكسية عموماً لماكان عليه الفقيد من غر الصفات وسجايا التقوى المسيحية والتفاني في الخدم العمومية المبرورة وخدمة وكالتنا البطريركية التي نذكرها بالجميل وخدمة الامور الكنائسية بما يستحق حسن  الثواب وجليل المكافأة….” في كتاب البطريرك ملاتيوس الاسف العظيم للأسرة بتعزية ابوية بكلام مشبع بالعبرات والحنان وروح الحب الابوي  والتعزية الالهية وقد كان لها على العائلة اعظم الوقع فجاءت كبلسم سماوي لجرحهم المؤلم  وتوارد القوم من جميع الطبقات ومن الولاية والقناصل والجالية الدمشقية واليونانية في بيروت مع حضور لمطران بيروت جراسيموس مسرة وكهنة الابرشية ومطران جبل لبنان بولس ابو عضل وكهنته،

تشييعه

عند الساعة العاشرة يوم الاربعاء 6 تشرين الثاني 1902 حُمل نعشه على عربة الجنازات المغشاة بالأكاليل  ومشى امامها قواصة القناصل في بيروت وتلاميذ المدارس الخيرية الارثوذكسية وهم  يرددون ترانيم الجناز ولفيف الاكليروس من ابرشيتي بيروت وجبل لبنان. ومشى في الجنازة وراء النعش قنصل عام المملكة اليونانية  واركان بعثته الدبلوماسية وآل الفقيد وقنصل روسيا وعدد غفير من الوجهاء والادباء حيث اقيمت صلاة الجنازة في كنيسة القديس ديمتريوس للروم الارثوذكس. رئس مراسم الجناز مطران بيروت جراسيموس مسرة ممثلاً للبطريرك ملاتيوس، في الختام  ابنه بكلمة رعوية جميلة نقل للعائلة ولجمهور المشيعين تعزية البطريرك ملاتيوس وتعزيته الشخصية مستمطراً عليه الرحمة جزاء اعماله الصالحة ومآثره الغراء تجاه الكنيسة .

وقد اراد فريق من اصدقاء علمنا تأبينه في المقبرة ولكن منعهم تعكر الطقس وهطول الامطار الكثيفة وكان منها تأبين صديقه الدكتور الشهير نقولا فياض…وهو الذي اشرف على علاجه فأفاض في مناقبه وفي ماتحمله من آلام بصبرمشهود.

 هذا وقد ارسل البطريرك المسكوني يواكيم طرس تعزية بطريركي الى شقيقه نقولا وذلك في 29 تشرين الثاني 1902من البطريركية المسكونية في القسطنطينية(7) اعرب فيها عن بالغ اسفه واشتراكه بها مع نقولا والعائلة “… وماكان لشقيقكم الطيب الذكر من المحبة والرعاية الأبوية عندنا يظل موجهاً الى شخصكم المكرم…”

صفاته

اما الصفات التي حببت به الناس وبكل آل يني بابا دوبولس وخلدت ذكر علمنا وابيه كثيرة يضيق تعدادها، فمن جهة الصفات الانسانية فقد حوى احسن مزايا العقل والتهذيب والرزانة والحصافة والرقة واللطف والوداعة.

ومن جهة الايمان المسيحي الارثوذكسي فهو مثال للارثوذكسي المكين في ايمانه والرفيع المعرفة لاهوتيا وطقسياً، وهو من اشد الارثوذكسيين تمسكاً بديانة آبائه وأجداده وأعظمهم غيرة على كنيسته الانطاكية خاصة والارثوذكسية عامة وشدة محافظته على تقاليدها وعقائدها…

وكان قد ورث عن ابيه حب الترتيل والمعرفة الموسيقية وجمال الصوت والأداء ومارسها في كنائس بيروت الارثوذكسية بكل شغف…

ومن جهة امانة الخدمة كوكيل للبطريرك التي انتُدب اليها في كل تاريخه، فهو كان خادما اميناً نزيهاً كما اسلفنا.

كان متضلعا في اليونانية والعربية واسع الاطلاعوالمعرفة للامور الكنسية والقوانين الشريفة حتى انه كثيرا ماكان يُرجع اليه في المعضلات التي تطرأ في هذه الشؤون، وكم دخل في مساعي حميدة لاصلاح الخلافات بين بعض ابناء الرعية.

ومن جهة عائلته فهو كما عاش في كنف ابيه الفضيلة والايمان والنزاهة والتجرد كذلك علم وربى ابنته كما تربى (فكان مثال الوالد الحنون العائش بخوف الله وتقواه)  اشرف تربية مسيحية ممارسة لأرثوذكسيتها…

انتاجه الكنسي

ترك علمنا في كنيستنا الانطاكية الارثوذكسية، من ترجماته عن اليونانية، وماكتبه بالعربية من الكتب الطقسية الارثوذكسية، ماسد قسماً عظيماً من الفراغ الذي كانت تشكو منه اللغة العربية في الكتب الطقسية. فترجم كثيراً منها كالميناون والاجيزمطاري والسواعي الكبير والسواعي الصغير وغيرها مما كانت كنائسنا الانطاكية الارثوذكسية تحتاج اليه.

وآخر انتاجه كان كتاب “رفيق المسافر” في عام 1900 قبيل آخر حياته

فقد نشط في هذه الفترة وعرب عن اليونانية كتاب رفيق المسافر الذي أُعد بسعي المعلم فوتيرا وباجازة المجمع القسطنطيني المقدس، ومما قاله علمنا عبده فيه:” ان الواجبات الدينية والفروض الكنائسية هي من اخص الالتزامات الأولية على كل مسيحي قويم الرأي…” وأضاف:”…أنه لما كانت هذه الفروض صعبة التناول لتفرقها في كتب شتى اي في كتب الانجيل الشريف والرسائل والسواعي وخدمة القداس والتريودي والبنديكستاري والميناون والمعزي وغيرها وكان جمعها لايتسنى لكل فرد لندرة وجودها او لغلاء أثمانها فقضت بنقل هذا الكتاب من اليونانية الى العربية.”(5)

من عائلته في دمشق آل يني…ومنها المرحوم الارشمندريت قسطنطين يني وهو راعي صالح من رعاة ابرشية دمشق زمن البطاركة ثيوذوسيوس السادس والياس الرابع واعناطيوس الرابع…وقد استقال من الكهنوت وسافر الى اميركا عند شقيقاته الى حين انتقاله الى الأخدار السماوية.

وآل يني بابادوبولس الوجيهة في دمشق وبيروت…

الخاتمة

وجملة القول اننا كيفما قلبنا صفحات علمنا هذا لانجد فيها إلا كل ما يشرف الانسان في حياته، ويُبقي له اطيب الذكر بعد وفاته ويكنز له خير الكنوز في السماء.

علمنا وفق ماشهد به معاصروه كان عاملا نشيطا قائماً حق القيام بواجباته كانسان مسيحي مخلص للكنيسته الارثوذكسية واسع الصدر  قليل التذمر  والشكوى يحتمل بصبر اعباء الجهاد في هذه الحياة الثقيلة…

وقد دلت جنازته والموكب الذي شيعه ليس على غناه  ولا على مكانته ورتبته الدبلوماسية والوطنية بل  للدلالة على الاثر الطيب الذي تركه وه الرجل الطيب.

حواشي البحث

1) كان محظورا على المسيحيين فتح مدارس في ذاك الزمان وهو زمن الانحطاط العثماني وكان يسمح فقط للكهنة التعليم في داخل اسوار الكنائس، ولكن حملة ابراهيم باشا المصري كانت حملة تنويرية اصلاحية فسمحت بفتح المدارس حسب الاصول بأبنية مدرسية خاصة خارج بناء الدار البطريركية بدمشق لذا قام الخوري يوسف مهنا الحداد (القديس يوسف الدمشقي) بالحصول على الترخيص بفتح مدرسة الآسية من والي دمشق عام 1936وفتحها ثم حدثها عام 1840 وفق المدارس الاوربية.

2) الحاشية (1)ذاتها.

3) زيتون، جوزيف كتابنا” الآسية مسيرة قرن ونصف 1840-1990″ اصدار بطريركية انطاكية دمشق 1991

4) الدكتور يوسف عربيلي الدمشقي من مواليد قرية عربيل (عربين) بجانب دمشق، تعلم في المدرسة الآسية الأرثوذكسية بدمشق على يد الشهيد يوسف الدمشقي ثم علَّمَّ فيها. نزح الى بيروت بعد فتنة 1860 حيث أنشأ مدرسة للدمشقيين الأرثوذكسيين المهاجرين، ثم تولى إدارة مدرسة الأقمار الثلاثة. هاجر وأسرته عام 1878 إلى أميركا الشمالية، كان طبيباً ومعلماً وشاعراً وأديباً وقد رئس الجمعية الدمشقية الأرثوذكسية في أميركا الشمالية /نيويورك. وهو من كاتب الإرشمندريت روفائيل هواويني باسم الجمعية ليقوم برعاية السوريين الأرثوذكس في أميركا، واستأذن رئيس الإرسالية الروسية المطران بلاطون بشأنه بإسم السوريين وجمعيتهم، وحصل على الموافقة. أولاده الدكتوران ابراهيم ونجيب عربيلي مؤسسا أول صحيفة عربية في المهجر وهي : “كوكب أميركا” السنة 1892

5) د. اسد رستم ككنيسة مدينة الله انطاكية العظمى الجزء الثالث

6) مجلة المحبة بيروت العدد 191 في 6 تشرين الثاني 1902

7) مجلة المحبة بيروت العدد 196 في 21كانون الاول 1902

 

منتخبات…  من مؤلفات الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي

$
0
0

منتخبات…  من مؤلفات الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي

مقدمة…

مازالت كنيستنا الانطاكية الارثوذكسية تنشىء أبطالاً مجاهدين في الايمان الارثوذكسي القويم رافعين منار الفضيلة في كل عصر حتى إذا خلا منهم سيد قؤُّول فعول.

احدى اهم حلقات سلسلة هذا الجهاد الروحي هو رائد التعريب في الكرسي الانطاكي المقدس هو الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي الذي ظهر(1) في فلك الكنيسة الكنيسة الارثوذكسية نجماً ثاقباً، فخدمها بمؤلفاته النفيسة ومعرباته النافعة فأفردنا لها هذه التدوينة.

نعود للتذكير بهذا العلم القامة الباسقة لأنه من ابطال الكرسي الانطاكي المقدس

الشماس عبد ابن الفضل الانطاكي

هو الشماس ابو الفتح عبد الله بن الفضل بن عبد الله المطران الانطاكي الأصل فهو سميّ جده الذي يظهر أنه عقيب وفاة زوجته رُسم مطراناً  وقد وهم بعض النساخ فأعطاه لقب جدَّه (المطران) ولكنه على مايظهر لم يرتق الى مافوق درجة الشموسية.

كانت نشأته وشهرته في اثناء القرن الحادي عشر المسيحي، وقد أثنى عليه كثير من المؤلفين ولاسيما البطريرك مكاريوس ابن الزعيم الحلبي في كتابه “النحلة” اذ قال عنه في مقدمته مانصه:

“وذلك بأن الله لما نظر صبرهم وفضائلهم رحمهم وارسل اليهم رجلاً فاضلاً يدعى الشماس عبد ابن الفضل الأنطاكي وكان عالماً جداً باللغة العربية واليونانية والسريانية فأخرج حينئذ للمسيحيين سائر الكتب العتيقة المقدسة وسائر  الكتب الجديدة المنزلة من الله مع سائر تفاسيرها ثم أخرج من هذه التفاسير  أشياء عجيبة وهي من تفاسير الانجيل والرسائل وأمر المؤمنين بقراءتها في ايام الآحاد والسبوت وايام الخمسينيات بعد قراءة الاجيل والرسائل وأعمال الرسل وأخرج أيضاً سائر مايحتاج اليه المؤمنون من الأمور الضرورية مثل مقالات أيام الاعياد وبعض أخبار القديسين وأفنى كل عمره في هذه الأعمال الصالحة وأبقى لنا القوانين باللسان اليوناني والسرياني لأنهما الأصل وحتى لاتُترك هذه اللغات المقدسة التي نطق بها سائر آبائنا القديسين” ووهم بعضهم أنه توفي سنة 6560ىللعالم الموافقة لسنة 1052 مسيحية(2) مع انه في هذه السنة أنجز بعض كتبه كما يظهر من خواتمها. ولقد بالغ النساخ بألقابه دلالة على منزلته في أعين القوم كالفيلسوف والشيخ والكاتب…

شعار الكرسي الانطاكي
شعار الكرسي الانطاكي

ومن طالعَ مؤلفاته أو معرباته، يحكم برصانة عبارته وقوة بادرته، وتضلعه من اللاهوت في التفسير والعقائد، فضلاًعن معرفته للعلوم اللغوية والرياضية والطبيعية والفلكية والشرعية والمنطق والأخلاق. ولقد اشتهر خاصةً بحسن تعبيره  في تفسير الكتب الدينية وسلامة ذوقه في اختيار المؤلفات اليونانية وتعريبها حتى تنافس العلماء وكتاب اللاهوت الفحول باستنساخ مؤلفاته ومعرباته فغصت المكتبات الخاصة والعامة بها وقلما حصل ذلك لمن تقدمه.

وعلى الجملة فإن آثار أقلامه من اجَّلّ الآثار المسيحية الباقية في اللغة العربية الى عهدنا هذا إذ أغنى المسيحية بكتبه ونوَّر الاذهان بفوائده، وأفاد اللغة الكنسية العربية بمصطلحات كثيرة وضعها في تعريبه لم يُسبق اليها. وكان بارعاً باللغات الثلاث العربية واليونانية والسريانية كما ذكر البطريرك مكاريوس . وعرَّب عن الاثنتين وألفَّ بالعربية وباليونانية أيضاً.

ومما يؤسف له أنه لم توضع له ترجمة مفصلة تُعرف منها سنة ولادته ووفاته ويوثق بها لقلة أخباره مع شهرة كتبه. ولكننا نرجح مما وضعه من الكتب الكثيرة أنه عُمِّر وربما بقي حياً الى الربع الأخير من القرن الحادي عشر. وحبذا لو اعتنى الباحثون في استقراء آثاره ولاسيما في جهات أنطاكية وحلب…

مؤلفات ومجموعات ابن الفضل الانطاكي

كتاب المصابيح

وهو نادر الوجود في مجموعة من مؤلفات ومعربات المترجم تحتوي على كتاب بهجة المؤمن والروضة وقد مزقت بعض اوراقهما. ثم منتخبات من روضة الفريد وسلوة الوحيد من المعلم للتلميذ. ثم نخبة من كتاب المصابيح هذا. ثم رسالة في الصلاة. ثم مقالة في المعاني النافعة للنفس. ثم منتخب مواضيع من الانجيل المقدس وتفسيرها على طريقة السؤال والجواب جمعها من اقوال يوحنا الذهبي الفم وباسيليوس الكبير وشقيقه غريغوريوس النيصصي وغريغوريوس الثاولوغوس مخطوطة بخط كنسي جميل على ورق صفيق بالحبرين الأحمر والاسود بتجليد شرقي أحمر. وقد اكل العث بعض حوافي الأوراق ولكنها لم تُفقد الكتاب كلمة منه.

فرغ من استنساخها جميعها يوسف بن الياس بن عبد الله بن نقولا الخماش الملكي الارثوذكسي المذهب البمفيلي (اليبرودي) الأصل. الدمشقي الموطن يوم الثلاثاء في 23 حزيران في صوم الرسل سنة 7221لآدم و1125 للهجرة الاسلامية الموافقة لسنة 1713م.

اما كتاب المصابيح هذا فيشتمل على كلام الحكماء والانبياء والرسل القديسين بوَّبه تبويباً لطيفاً مثل باب (خوف الله ومعرفة الخالق والمحبة الالهية الروحانية والصلاة. وقد أكثر من الأمثلة الكتابية من العهدين القديم والحديث واقوال الفلاسفة وهاك نخبة من كل فصل منه لم نصلح منها الا ما كان من غلط النسَّاخ.

معربات...
معربات…

فمن باب خوف الله ننتخب هذه الفقرات

” وقال برشير الحكيم: من يحب الله يسلك طرقاته. ويتعمد سننه ويعمل مرضاته. وفاع الخير محفوظ في سبله. فان سقط وجد من يعضده. وأصل الأصول في حفظ المفترض. وأفضل الأعوان على ادراك الغرض.مجانبة الهوى المنازع الى عاجل اللذات. ومغالبة الجسد المسارع الى ارتكاب الشهوات. والرأي السليم من الهوى يوزن بالصلاح. والنفس المستمرة على العفاف تأمن الجماح. وردع النفس ممكن على اللبيب سهل. ودفع الشهوة ممكن لمن باين الجهل. ومن ألف اجتناب الرذائل. وتبين قبائحها. وعرف أسباب الفضائل. وتيقن مصالحها. درَّج نفسه في الانقياد الى الصواب. والارتقاء الى رتبة الفلج بادراك المحاب. وانما المتبع شهوات الجسد بلا مراقبة.ولاخيفة ذم ولافكر في عاقبه. كالرَمِد في التذاذ دلك عينيه.والجِرب يحك جلده في يديه. والمحموم في تبريد كبده.والمقشعر في اسخان جسده. من غير تأمل مايلحقهم من بعد. من طولسقمٍ وغرم وعناءٍ وجهد.فيأثمون من حيث يرتجون الصلاح. ويخسرون من حيق يقدرون الارباح، والانسان انما يفضَّل على الحيوانات الغير الناطقة واللامرئية. بتمييز العقل واختيار الفعل وأعمال الفكر واروَّية. لان البهائم عاملة بماتدعو اليه الإلفة والطباع. غير عارفة بعقبى ولاقادرة على الامتناع. ومن آثر أن يزكي نفسه ويكمل لها الفضائل. راضها على مخالفة الهوى ومباعدة الرذائل. ولم يمكن الشهواتمن التسلُط عليه فيصير اتباعُه لها عادة. فان له في تركيب جبلته على حبّ الدنيا شغلاً يعينهُ على الزيادة. والعاقل اذا قهر الهوى واتضح له القصد. وتصّور قباحة الغي واستصحَّ نباهة الرشد. رغب في حياذة العلى واستحلى مطالب الزهاده. واستعذب التصاعد في التقوى واستعلى على مذاهب العباده. لاسيما اذا اقتضى المحامد واجتنى اثمار أعماله. وكثر حسد الناس له واشتياقهم الى مثل

 حاله. فانه يزداد في ارتباط الحكمة واستمداد النعمة انبساطاً. ويبادر الى المنى عند التناهي في الثقة بالتقى اغتباطا. ويلبس تاج الفخر. ويتدرع حلة الظفر. ويصير من الفائزين بنعيم التأبد. الحائزين الطوبى بحسن التعبد.”

باب معرفة الخالق نقتطف منه

مخطوط الانجيل المقدس
مخطوط الانجيل المقدس

” معرفة الخالق. وعلم الحقائق. والعمل الموافق. اسباب تصحّللمؤمن بسكون النفس. وفراغ القلب. وصفاء العقل. لأنه بنور القلب. ينظر الى مجد الرب. وسرائر افعاله. ومواقع رحمته وافضاله. وباماتة الشهوة الجسدانية يشرق ضياء النفس الناطقة. وتخرج القوى النفسانية الى الفعل وبطهارة النفس يظهر لها خفيات القلوب. وبكمال الفضائل الانسانية. تنال الفضيلة الالهية. والنفس اذا كانت طاهرة من الأوضار. مواصلة البحث والنظر.واحبت الباري سبحانه وتعبدت له. واتحد بها نور من نوره. وقبلته بالضياء الذي اكتسبته. وجددت فيها العلم والخشوع وعرفت سائر الأشياء. والنعمة التي للصالحين افادتهم المعرفة الصادقة واعطتهم القوة على علم المستورات.والمعرفة حياة المؤمن وهي فوق كل الاشياء. يهبها الله لمن يشاء. اذا طلبها بصلاة وصيام. وخشوع وقيام. ومن استعمل العقل المجرد من الهوى في التماس معرفة الحق ايقظته العناية وشملته الهداية واكتنفته نعمة الروح القدس. حتى تعدل به الى الايمان بالله ومحبة الناس وطهارة الجسد والرضى بتدبير الله. وطلب القربة منه. وكما تزيل الشمس الظلام تزيل المعرفة الحقيقية شبه الضلال. واذا عرف الانسان خالقه وحفظ اوامره وسلك طرائقه وعمل ما يوافقه لم يُخله من تاييده وتسديده.

من اعتمد في اموره على شيءٍ وهو أقوى في نفسه من الثقة بالله ماعرف الله حق معرفته. ولا وفاه شكر ما اولاه من نعمته. ومن اكبر الخطايا سوء الظن بالله. وينبغي للمخلوق ان يحسن ظنه بالله. ومن عبد الله بعقل ومعرفة كشف عن قلبه كل ظُلم الشبهات. ومن صوَّر الموت بين عينيه كفاه موته الاهتمام بالارضيات. ومن انقطع الى الله عزَّ اسمه فاز بالراحة من الدنيا ولاحت له محامد العقبى. لأن حياة هذا العالم كالحلم وسائر مافيه يبطل ويزول. ولذات الدنيا تعقب الندم والخسارة. والزاهد في الدنيا لايرغب في الارضيات ولايهواها بقلبه ولايمسُّهابيده ولايلحظها بعينه. من احب الزهد في الدنيا فليدمن ذكر الموت. وليجدَّ في العمل قبل القوت. من اخب أن يعيش سالماً فلينفرد عن الناس صامتاً. وطوبى لامرىءربح نفسه وترك الدنيا.

مانفع نفسه من باعها بدنياه. ومن اراحها عاجلاًأتعبها آجلاً. اربح لنفسك نفسها فلن تربح مثلها. مت بالارادة تحيَ بالطبيعة. من احب لنفسه الحياة اماتها في دنياه. المغبوط من اهل الدنيا الزاهد فيها. احرص على الموت. توهب لك الحياة. من تصور الموت زهد في الدنيا. ذكر الموت يهدم القوة ويشغل عما سواه. الزهد في الدنيا الراحة العظمى. الهرب من الناس يحيي. الوحدة تمنع من الخطيئة. افضل مانال الانسان فراغ القلب  ولايناله الا القنوع المعتزل للدنيا.

من كرمت عليهِ نفسه صغرت الدنيا عنده. من اراد الدنيا عانى الذل. اهل الدنيا ركب يُسار بهم وهم نيام. الأمل مدّ البصر والاجل تحت القدم. من عرف الله احبهُ. من عرف الدنيا بغضها. ماعصى الله كريم. ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم. ليس يرى صحة من كان الموت مطوقاً على عنقه. العزلة عن الناس توقي العرض وتبقي الجلالة وتستر الفلقة وترفع مؤونة المكافأة وتمكن من اسباب العبادة. لامطمع في الانس بالخالق مع الانس بالمخلوقين. ولا في الفلاح مع العُجب. ولا في النجاة مع حب الدنيا. اترك العالم من اجل رب العالم. اترك الارض لرب السماء. تجد الارض والسماء. اترك ما لك تجد ما ليس لك. ابغض العالم فانه يحبك.

اطرح كل شيء لاجل مالك الاشياء. عظِّمْ رب كل شيء تصر مالك كل شيءٍ، واجتهد في كل شيء لتجد الله الواحد الذي به تملك كل شيء. كما وعد للواحد مائة وما لانهاية وحياة الأبد. امنع انت نفسك من الافكار الرديئة. ليسكن قلبك خوف الله. ويحل في صرك اكتساب الفضائل التي بها تنال حياة الابد. التقيّ من غلب نفسهُ. من لم تطعه نفسه فيما يكرهها فلا يطيعها فيما تحبهُ. أُثر ماتلقاه غداً على مالا تراه ابداً. القناعة راحة الابدان. عزّ المؤمن استغناؤه عن الناس. الزهد تقصير الأمل. كثير الدنيا قليل لمن تبصرها بحق.

من عصى الله أساء الى نفسه واضرها بحبه. ماضي الدنيا حلم وباقيها أمانيّ. اكمل العبادة اليقين. صحة الظنون مفاتيح اليقين. من لم ينفعه اليقين ضرَّهُ الشك. النجاة مع الحذر والقصد في القوت من اسباب العبادة. من توكل وقنع ورضي كُفيَ التعب. من ملك شهوته قدر على العبادة والتقوى. من قل رجاؤه هلك. اذا قوي الرجاء صحت النية. الزاهد لايفرح بما اقبل ولايحزن على ما ادبر. الزاهد لايطلب المفقود حتى يعدم الموجود. من سرَّهالاَّ يحزن لايستكثر من الدنيا. من عدم العفة لم ينفعه ماءٌ ولانار. اللذة خناق من عسل. من كفاه مايغنيه ادنى مافي الارض يكفيه. من احب الدنيا ملكته. ومن زهد فيها ملكها.

قال حكيم:”في الوحدة ثلاثة أشياء جليلة محمودة عالية مريحة. بالانعزال عن الناس السلامة من شرهم والراحة من مداراتهم والكون مع الله.”

قال فيلسوف:”من ترك الدنيا لعز التقوى اغناه الله بلا مال واعزَّهُ. بلا عشيرة. من جعل التقوى زاده. حلَّ في الارض اينما أحب. من اراد الحياة الهنية. قنع ولم يستكثر. مازاد على قوام النفس جالب للهمّْ. النجاة من العالم تؤّمن. التقي يحفظ نفسه من العجلة والغضب والأفكار الرديئة وسوء الظن بالله. العاجز من عجز عن سياسة نفسهِ. يصلح الدين الورع ويفسدهُ الطمع. الفاضل من غلب رأيه هواه. الحازم من كابر هواه. وكبر مناه. من ملك شهوته قدر على الصلاح.من شحَّ على دينه  استشعر الخوف. صلاح الآخرة بالتقوى. كثرة التمنيتفسد العقل وتضعف الدين وتطرد القناعة. ليس شرب الخمر صرفاً باذهل للعقل من الطمع. اذاكان شيءٌ يكفيه الترك فاتركه.

كفى بالتجارب تأديباً وبتقلب الايام اعتبارا وبذكر الموت زاجراً عن المعاصي…

…العصمة في التقوى. والنعمة في الهدى. أعز العز الامتناع عن الهوى. من اطاع هواه. انال عدوه مايهواه. عند تصحيح السرائر يغفر الله الكبائر.خف الله في الناس ولا تخف الناس في الله فان الله مانعك من الناس ولايمنعك الناس من الله. سخاء النفس عما في يدي الناس خيرٌ من السخاء بالبذل. ما استغنى احد بالله الا افتقر الناس اليه.

المسألة تقرب من الله وتبعد من الناس. والطلبة من الله تزين ومن الناس تشين…

…الاجتهاد سبب النجح والتوفيق سبب الاجتهاد. ماقل وكفى خير مماكثر والهى…

ليس من هالك من لا له خلق غير التقوى. المرؤة اجتناب الريب ومخالطة اهله. المرؤة اعطاءٌ من حُرم. وصلة من صُرم. والعفو عمن ظُلم. ان قصر بك الضعف عن العمل فكف عن المعاصي. ولاتغترَّ بحلم الله على العصاة فانه لايخاف الفوت. ويعصم من ارتكاب الذنوب استشعار الناس شكراً دائماً لواهب المعرفة رحمة منه.

المشكورات

خدمة الرب. صفاء القلب. طهارة النفس. مجانية الرجس. معرفة القدر. مواصلة الشكر. مشايعة الملوك. مسامحة المملوك. اعظام الاتقياء. احتشام الاغنياء. اداء الفرض. اعتياد التواضع. بدل القرض. ابعاد الترفع. حسن الخُلق. استقامة  الطرق. ستر العرف(3).غض الطرف. كتمان السر.قبول العذر.خفض الجناح. رفض اللحاح. اعتقاد الوفاء. اجتناب الجفاء.بذل الحلم. صلة الرحم. ايثار التقى. التردي بالحياء. تعزية المثلوم. تسلية المهموم. تفقد المرضى.تعهد الاسرى.اغاثة اللهيف. اعانة الضعيف. اكثار الصمت. حذار البهت. التمسك بالحق. التيمن بالصدق. السعي للصلح. الجود بالصفح. وكل سجية مرضية توجب الى الله زلفى وقربة. وتقتضي من الناس وداً والفة وحمداً ومحبة.

المحظورات

الكبر. الفخر. الحسد. الحقد. الشر. الغدر. الظلم. الغشم. الغصب. الغضب. العناد الكياد. الغيلة. الحيلة. الشتيمة. النميمة. الطغيان. العدوان. الغيبة. المسبة. النفاق. الشقاق. المراءُ. والرياء. النكث. الخبث. العجب. الكذب. البهت. المقت. العداوة. القساوة. الجبن. الغبن. الزنا. الخنى. المكر. العسر. البخل. التدلل. وكلما يتولد من خطرات الهوى. ووساوس الشيطان. ويتفرع من شهوات الجسد وهواجس الطغيان.

المذمومات

الشره. السفه. الخرق. سوء الخلق. الأسف. العسف. الهزء. اللهو. الكسل. الملل. المكاثرة. المفاخرة. التسلط. التسخط. قلة الصبر. اظهار الفقر. نخوة البطر. مسابقة القدر. مصاحبة الجهال. متبعة الضُلاَّل. عسرة المفسد. عسف العبد. الاستهزاء بالخاطي. تعيير المُمتَحَنْ. الشماتة بالمحن. اتباع الهوى. الوشاية بالردى. حب السمعه. صد المنفعة. انتقام ثاكل. اغتنام باذل. مكالبة الدنيا. مجاذبة الادنيا. التبذل للسؤال. التوسل بالمحال. الطمع. الجزع. العجلة. الاستطالة. زكل نستقبح في الشرع والعقل والوصايا والكتب. ومسترذل في الطبع والخلق والسجايا والادب.

المحبة الالهية ننتخب منها 

” المحبة نجح الصلاح. وملح الفلاح.المحبة يكمل الصف. وترتجى الزلفى. ويدوم الوفا. وتطول الالفة.المحبة تثبت الايمان وتنفى ترجح الارتياب. وتؤكد اسباب التقى وتبين سبل الصواب. المحبة اذا خلصت من النفاق والردى. ادامت مودة السلم وازالت سطوة العدى. المحبة تطيب العيش وتورث الدعة.وتجزل الانس وتؤمن الفزعة. المحبة الصافية. امان وعافية. المحبة التامة. تكون لله وللناس عامة. المحبة الكاملة. نعمة شاملة. المحبة الصادقة. بخلوص الايمان ناطقة. المحبة خلاص الآيات المنزلة على موسى النبيوالشعب. وافضل وصايا الانجيل الداعية الى طاعة الرب. وقيل الطوبى لمن اختار المحبة الصالحة والخالصة.   الطوبى لمن شملته المحبة بحقيقتها. الطوبىلمن يفني ايامه في محاب خالقه”. الى ان قال:” قال برشير الحكيم في الاصحاح الاول: محب الله لايخالف أمره والذين يحبونه يتعمدون رضاه. ويحفظون سنته ونواميسه ووصاياه. والمحب في الايمان لاشبه له. المحبون لله يُخلصون له المودة. واذا كملت المحبة تفرَّع منهاودُّ الاحباء وولدت الرغبة. في ابتداء الخير واكمال المرام والطلبة. واوجبت مؤاساة اهل الجوهر. والوفاء والمصافاة فيما خقي وظهر. واقتضت المشاركة احتمال المكروهفيهم ومنهم. وبذل الموجود والمستطاع عندهم ولهم. ومن فرَّق محل صديقه وعدوه في قلبه وسائر تقلبه. لم يقض مايجب عليه من دينه وحقائق مذهبه. وسنَّ سيدنا يسوع المسيح هذه السنة. قولاً وفعلاً وقال: اسلمت نفسي لأجل رعيتي وبذلتها للقتل فدية غنمي. وهكذا يفعل الراعي الصالح الذي يملك غنمهُويشفق عليها. ودعا وقت الصلبوت لأعدائه وقال: يا ابتاه اغفر لهم فلا علم لهم بقدر ماصنعوا. فعل رحيم حليم. الى الارشاد والتعليم. ابرهيم المؤمن بصفاء محبته لأهله. حزن للذين توَّعد الله باستعبادهم من نسله. وتحنن بالاشفاق عليهم. وهو لايطمع في رؤيتهم.وردد القول مع الرب تعالى اسمه في معنى اهل سدوم وعمورة وهو لايعرفهم.وخرج الى خمسة من الملوك والجيوش في ثلاثمائة وثمانية عشر من عبيده واشياعه. باذلاً نفسه لأجل لوط والسبي المأخوذ. فعرف الله ذلك له ونصره وعجَّل ثوابه. واجزل اجره. لوط ابن اخي ابراهيم بذل نفسه للقتل وابنتيه للفساد من اجل الملاكين اللذين اضافهما في سدوم وهو لايعرفهما فنجاه الله وابنتيه من النار المبيدةلأهل سدوم وعمورة. موسى النبي لما سخط الله على قومه واراد ابادتهم تضَّرع الى الله جل اسمه وبذل نفسه دونهم وقال: يارب ان صفحت عن قومي فهم عبيدك. والا فأحلّ نقمتك فيَّ وابدني من حياة العالمفأجابه الله فيهم وعفا عنهم. هرون اخوه بذل نفسه عن الشعب للهلاك بعصيان الرب في عمل العجل. لما طالبوه بإله يتخذونه اراد بذلك ارتباطهم الى عودة موسى. ومنعهم من الهة الامم وعرف الله نيته. وغفر له خطيته.

ايوب بن زارح الصديق كان يقّرب القرابين لله من اجل خطايا البشر. ويستغفر في مواقفه بين يديه للسيئات. ويصوم ويصلي عن قومه. ويجعل طلباته من الله لهم. فرضي الله فعله وزكَّاه. وشهد له بصحة التقوى والزكاة.

داود لما حلَّ الموت الفجائي بقومه سأل اقالتهم. وبذل نفسه فديتهم. وقال: يارب ان كنت انا اخطأت. فهذه النعاج السليمة ماذنبها. احلّ نقمتك عليَّ وعلى اهل بيتي وارحم هؤلاء المساكين. وارتضى الرب بقوله ورفع الموت عنهم.

يونان بن متاي النبي لما ركب البحر هارباً. واشتدت الأمواج بالمركب وعلم ان ذلك لأجله. سمح بنفسه دون القوم. وأُلقي في لجة البحر حياً. وسار المركب نجيَّا. وعرف الله فعله فوقاه.

دانيال النبي كان يصلي ويصوم. ويسأل الله ردّ بقية سبي اسرائيل من بابل الى بيت المقدس. وهو لايقدر على العودة اليهم. عناية بأهل جوهره. ومحبة لقومهِ. وقال في الجب عند ابتهاله: ليس اسألك ربي خلاص نفسي الا ان تشاء انت. وانما رغبتي في النجاة. ليرجع هذا الخلق لعبادتك.

من رجاحة المحبة تفسير العلماء قول سيدنا يسوع المسيح: ان المؤمن العالم يجازىللواحد بثلاثين. والمؤمن العالم العامل يجازى للواحد بستين.والمؤمن العالم العامل المحب لله وللناس كافةً يجازى للواحد مائة.ويضاعف الله لمن يشاء بفضله الى ما لانهاية. ولما ظهر الدين المنصوب على السلامة والالفة. وصالح الأعمال. المفروض في وصاياه التقوى والزلفة والتواضع والاحتمال صارت محبة الله فاتحة كل فضيلة. ومودة الناس خاتمة كل منقبة جليلة. وتجاوز المعتقدون بها حدّ العدد. وجازوا الشرف السابق ونباهة ما تجدد. وثابروا على اخلاص المحبة للمؤمنين بالمسيح من قلوب صافية واعتقاد صحيح. رغبة في ما وجدوا بها من الصلاح. ومحبة الفوز بما وعدوا معها من الارباح. ومن اختار الحظوة بشرف المحبة. واراد بلوغ الغاية في علو الرتبة. اخلص الايمان بالله. وتعمَّد رضاه. واحب المسيح وتمسك بوصاياه. ورفرف على اهل جوهره. وافاض عليهم من خيره. واعتقد المحبة لله خالصة. وللجمهور كافية. وقصد جوالب المودة والالفة. وعصم النفس من الدنس والدناءة. وتوفر على الاعمال المرتضاة. وابعد من قلبه الكبر والفخر. والحقد والحسد. والكذب والغضب. والرياءُ والمراء. والعناد والفساد. واعتضد الصفاء والوفاء.والصلح والصفح. والشكر والصبر. والحق والرفق. والرحمة والسلامة.

وواظب على الخصلة الجليلة. الواضح نبلها. اللائح نفعها. والصالح فعلها. بذل المعاونة بالمجهود. ومؤاساة اهل الجوهر بالموجود. فانها متى اقترنت بالايمان والمحبة. كانت النهاية في علو الرتبة. وصارت ارجح الأعمال وزناً. واوضح الطرق الى بلوغ المنى. بها فُضِّل ابرهيم على سائر التقيين. وزاد على الاخيار والاصفياء والصديقين. وبفعلها علا ايوب على سائر اهل الزمان. وشهد الله له بالقول المشهور البيان. ان ليس على الارض مثله. وابتلاه فاحمد صبره وشكر فعله. والله اذا عرف الايمان. وصفا المحبة. ورأى الاجتهاد في القربى وابتغاء المثوبة. احمد التوفيق. وقرب القصد. وسهل السبيل. وبين الرشد.واحسن العون على بلوغ الارادة. وقرن صالح الاعمال بسبوغ السعادة.

وفي آخر هذه المقالة هذه الابيات

تَّمَ       بحمد       الهي…………على كمال التناهي

كالدر في السلك زاهي…………..اذا   بدا   منظوما

يارب  انت    رجائي……………ومستجيب دعائي

فاغفر جميع خطائي…………. فقد جرمتُ جروما

فقد  جسرتُ  عظيماً…………وقد   فعلتُ    ذميماً

ولم   أَسر   مستقيما…………يارب كن لي رحيما

ومن اقوله في الصلاة ماصدَّر مقالته به وهو

الصلاة محجة القصد. ومطية الرشد. موقعها جليل. ونفعها جزيل. الصلاة تستفتح ابواب السماء. وبقوتها تستنتج ابواب النماء. الصلاة أجّلّ الأقوال قدراً. وافضل الأعمال نظراً. وأكثر الدواعي صلاحاً. واوفر المساعي ارباحاً. بقولها تزكو مطالب العباد. وبفعلها تعلو مراتب الزهَّاد. الصلاة الصادقة من يصليها مستمعة. توجب الزلفى وتجلب المنفعة. والصلاة والصوم. امرهما مفترض حتم. والانسان بهما وعلى تركهما معاقب. وسواهما يُعمل بحسب الرغبة في الثواب. او الرهبة من العقاب. والصلاة اشرف الفضيلتين لانها بذاتها حسنة.  وحقها لازم في كل يوم وقبل كل سنة. والصلاة عن غيرها مستغنية. والصالحات بلا صلاة غير زاكية. لأن الصلاة وحدها حسنة مقبولة. والاعمال بلا صلاة الايمان مرذولة. ومن داوم الصلاة وترك باقي الفروض عُدَّ خيِّراَ. ومن جانب الصلاة وان ادى الفروض دعي كافراً.

الصلاة تساوي بين الانسان والملائكة. وتنجيه من الخطايا والبلايا المهلكة. فيها يخاطب العبد خالقه. وبها يرضيه ويوافقه. هي ناطقة بالضمير وجامعة للفكر. ومنبهة للخاطر ومحركة للذكر. الصلاة بحرقة القلب. ابلغ الوسائل الى الرب. الدموع تغسل الخطايا…

…فإن هذه الصلاة اذا صدرت عن ايمان ويقين وطوية صافية. اوجبت اشتمال الخير والدعة والاستقامة والنعمة والعافية.”

نكتفي بهذا القدر…

حواشي البحث

1) كتبنا عنه مقال وافي في موقعنا هنا باب اعلام كنسيون انظره…

2) من هؤلاء الخوري مخائيل بريك الدمشقي في مخطوطه الشهير “تاريخ بطاركة أنطاكية الذي قال: انه نشأ بزمن البطريرك يوحنا وهو يريد السابع لأنه ذكر أنه بعد نيكيفورس فيكون ابن الفضل اذن حياً في الربع الأخير من القرن الحادي عشر كما اشرنا…

3) بمعنى الاحسان

مؤسس الرهبنة القديس باخوميوس

$
0
0

مؤسس الرهبنة القديس باخوميوس…
بالمناسبة فهو والقديس انطونيوس الكبير الملقب بأبي الرهبان هما اول من استبدل الاستشهاد بعد توقف الاضطهادات المريعة والدموية بحق المسيحيين باستشهاد من نوع آخر هو الرهبنة…

فمن هو القديس باخوميوس؟
القديس البار باخوميوس الكبير(+348م): نعيد في كنيستنا الارثوذكسية الجامعة يوم 15 ايار له
⁜ ولادتُهُ ونشأتُهُ

وُلد في صعيد مصر الأقصى، من أبوين وثنيَّين حوالي العام 292م. وقد نشأ على اعتقادات والديه، وعلى المعارف القبطية ( المصرية) الوثنية. غبر أنه كان منذ يفاعته وديعاً محتشماً يمجَّ الاحتفالات الوثنية.
⁜ اقتباله المسيحية

في العشرين من عمره صار جندياً في الجيش – ربما زمن الإمبراطور الروماني مكسيمينوس – فلمَّا بلغ المجندون مدنية لاتوبوليس اعتنى بهم مسيحيو تلك المدنية وعملوا على خدمتهم حباً بالمسيح. هذا الفعل ، أكبرهم في عيني باخوميوس، الذي لما علم أنهم يفعلون ذلك من فيض محبتهم تشبهاً بحبّ المسيح إلههم، تولدَّت لديه رغبة عميقة في اقتبال الإله الذي يؤمن به هؤلاء المسيحيين. انطلق باخوميوس إلى شينوبوسكيون المعروفة بقصر الصياد، حيثُ سجَّل اسمه في قائمة الموعوظين وجرت عمادتُهُ.
⁜ ترهبُهُ

بعد أن أعتمد باخوميوس، صار همهُ الوحيد، أن يكون جندياً حقيقياً للرب، ولما كان قد سمع بشيخ قدّيس يقيم في البرية، بقرب القرية، اسمه بلامون، انطلق إليه وسأله أن يقبله لديه تلميذاً. بعد أن شرح له بلامون صعوبة الحياة الرهبانية، ومدى التجارب التي يتعرض لها من يختاره، إزدادت عزيمة باخوميوس أكثر فأكثر لأن يكون راهب، كي يحظى برضا ربّه. لذا وَعَدَ، لتوِّه، بالتزام ما يجعله الشيخ عليه. فقبله بلامون وضمه إلى قلاّيته وأعطاه الثوب الرهباني.
⁜ مؤسساً للأديرة

في حدود العام 325م، أي بعد حوالي عشرين سنة من تأسيس القدّيس أنطونيوس الكبير ديره الأول، بنىَ باخوميوس ببركة معلمه بلامون قلاية صغيرة في طبانسين على ضفاف النيل. بعد أن سمع كلام الملاك وتوجيهاته حول أصول الحياة الرهبانية إثر ظهورٍ حدث له وهو يصلي في موقع الخلاء الذي اعتاد التردد إليه. أوّل الذين قدموا إلى باخوميوس كان أخاه الأكبر يوحنا، ثم جاءت أخته، التي أسّس لها ديراً في الاتجاه المقابل من النيل، ضمَّ حوالي ثلاثمائة راهبة. بينما في ديره بلغ عدد الرهبان المجتمعين إليه، المائة راهب.
⁜ نظامُ ديورتِهِ

عمل باخوميوس على إرساء قواعد في حياة الترهب، لحفظ الرهبان وصيانتهم من التهاون وتجارب إبليس التي تعترض حياتهم، فصارت مطالعة الكتاب المقدس والسهر والصوم وأعمال الرحمة، درباً مشتركاً لجميع من يقطن الدير متعبداً. وقت الطعام كان مشترك، كذلك، وقت المناولة. نموذج حياة رهبان باخوميوس لفت الأنظار حولهم. فزاد عدد المتوحدين ابتغاء الحياة الرهبانية. هذا ما دفع باخوميوس إلى بناء ستة أديرة أخرى في نواحي ديره. ومنذ العام 336م أختار الإقامة في دير بابو. وقد نما هذا الدير نمواً كبيراً حتى قيل إن عدد رهبانه بلغ الألف والخمسمائة. وعلى نصيحة الأسقف سرابيون بنى قديسنا كنيسة في القرية للرعاة الفقراء وكان هو بنفسه يقرأ على الشعب كلمة الله بغيرة عجيبة حتى بدا كملاك كإنسان. وقد هدى العديدين وقاوم الآريوسيّين. وزاره القديس أثناسيوس الكبير في طبانسين.
⁜ نعمةُ الله عليه

مَنَّ الله على باخوميوس بنعمة إجتراح العجائب، كشفاء المرضى والممسوسين، والتكلم بلغات يجهلها، وبنعمة التمييز التي حارب بها كل تجارب إبليس المجرب. أيضاً نعمة النبوءة.
⁜ رقادُهُ

مرض بوباء اجتاح مصر وحصد مائة من رهبانه فأبدى صبراً عجيباً. وقد رقد، في الرب، عن سبعة وخمسين سنة بعدما عاين في الأديرة التي أسسها حوالي سبعة ألاف راهب. وقد بقيت رهبانيته عامرة إلى القرن الحادي عشر.
⁜ من أقواله

سُئِلَ باخوميوس ما هي الرهبنة؟ فأجاب: هي الصوم بمقدار، والصلاة بمداومة، وعفّة الجسد وطهارة القلب وسكوت اللسان وحفظ النظر والتعب بقدر الإمكان، والزهد في كل شيء.

( السنكسار الارثوذكسي)

الشيخ ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي البيروتي

$
0
0

الشيخ ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي البيروتي…

(ولد نحو سنة 1801-وتوفي سنة 1887)

المقدمة…

وددت الكتابة عن هذا العلم الانطاكي ابن جبيل من ابرشية بيروت وجبل لبنان(1) الذي تدين له الأبرشية وكرسينا الانطاكي المقدس بالكثير ومعظمنا (ان لم نقل كلنا) يجهله ويجهل مآثره، ومن باب الوفاء ابحث في اعلام كرسينا الانطاكي المقدس في كل ارجاء جغرافية الكريم لأسلط عليهم بعض الضوء واعيدهم الى الذاكرات احياء نستكثر بخيرهم وفضلهم وندعو لهم بالذكر المؤبد الحميد…

من هؤلاء كان الشيخ(2) ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي اللبناني في اثناء القرن الثامن عشر، وسيرته وطيدة العلاقة بتاريخ بيروت ولبنان وحوادث والي عكا الجزار احمد باشا والامراء الشهابيين وغيرهم… لذا تدوينتنا مطولة وتحمل تفصيلات كثيرة من المواقع والشؤون التي لم تطبع في كتاب على حدة فضلا عن ان معظمها لايزال طيّ الكثير من المخطوطات النادرة التي نحاول دوما ان نكتشف مجريات الاحداث التاريخية المعروفة في ذاكرات الناس… وكل قصدنا  في موقعنا هنا تسليط الضوء على اعلامنا الانطاكيين الارثوذكسيين من بطاركة ومطارنة وكهنة وعلمانيين استمراراً لنهجنا في تسليط الضوء عليهم وعلى تاريخنا الانطاكي الارثوذكسي في النشرة البطريركية منذ احداثها عام 1991 وغيرها من المجلات والكتب…برجاء الحصول على رضى ربنا له المجد وبراً بكرسينا الانطاكي المقدس في كل جغرافيته في الماضي واليوم. وبكل اسف لم نتمكن من العثور له على صورة شخصية وحتى ولو كانت تخيلية…

شعار مطرانية بيروت الارثوذكسية
شعار مطرانية بيروت الارثوذكسية

في تدوينتنا هنا استناد على كتاب ” تاريخ اساقفة بيروت” للمقدسي(3) عبد الله بن ميخائيل طراد البيروتي(4) نزيل طرابلس الشام اذ ذاك انجزه سنة 1824م، و”تاريخ الدر المرصوف في حوادث الشوف للقس حنانيا المنير الزوقي اللبناني”(5) و”تاريخ الرهبنة الحناوية”له ايضاً، و”تاريخ لبنان وسورية” للقس روفائيل كرامة الحمصي الذي عاش في القرن 18 وكلا القسين من الرهبنة الحناوية الكاثوليكية، وكتاب”تاريخ ظهور الكثلكة لميخائيل بن جرجس الصباغ الدمشقي الارثوذكسي وهو ابن عم رجل المبرات القديس المنسي ديمتري بن نقولا شحادة الصباغ الدمشقي الارثوذكسي (الذي اشرنا اليه كثيرا وخاصة تلمذته لقديس دمشق يوسف الدمشقي في آسية دمشق 1836 وزمالته لأعلامنا ملاتيوس الدوماني وغفرئيل شاتيلا وغفرئيل جبارة…وقيامه بالدور الأكبر في تعريب السدة الانطاكية وتدريسه التلاميذ الانطاكيين  في خالكي (روفائيل هواويني الدمشقي القديس وجراسيموس مسرة اللاذقي…) و(جرجي مرقص الدمشقي في روسيا…))… و”تاريخ الامير حيدر الشهابي الشملاني” و”أخبار الأعيان في جبل لبنان” لطنوس الشدياق، و”تاريخ الخوري ميخائيل بريك” و”تاريخ الدكتور مخائيل مشاقة” وغيرها من المطبوعات.

اسرة نقولا

نشأت اسرة نقولا الارثوذكسية في مدينة جبيل اللبنانية(6)، وهي سورية حورانية خرجت من ازرع وتقرب بعض فروعها من حكام جبيل وقتئذ كالامراء المعنيين والسيفين والشيوخ الحماديين وغيرهم، فولوهم بعض الأعمال الادارية والكتابية فقاموا بأعبائها أحسن قيام، من مشاهيرهم الذين ذكروا في اثناء القرن 17 الشيخ جرجس نقولا(7) الذي اشتهر من اولاده الياس والياس ولد نقولا وجرجس …ونقولا والد علمنا هنا.

جبيل والتقلبات السياسية وتأثيرها على الاسرة

وكانت مدينة جبيل في ذلك العهد تتنازعها الأغراض والمآرب وتعبث بسكانها ايدي المطامع وجور الحكام وهي من المدن العريقة في القدم التي عاصرت الفينيقيين وغيرهم، واشتهرت بأبنيتها وآثارها وبأنها منشأ  المؤرخ فيلون  الجبيلي وغيره، فكانت تتبع في القرون المتأخرة طرابلس الشام واحياناً صيدا، وتارة تتبع دمشق الشام رأساً.

ومن النكبات التي خربتها كانت محاصرة الأمير فخر الدين المعني حاكم لبنان اياها سنة 1618م وإخراجه سكانها منها بالقوة، وقطع اشجارها واحراقها…ثم تولى امرها المشايخ الحماديون، وفي سنة 1676م كان حسن باشا والي طرابلس، فقرب منه الحماديين وترك لهم جباية الضرائب والاموال الأميرية التي كان الوالي حسن باشا يفرضها على السكان، فاستقووا به وعاثوا في بلاد جبيل والبترون فساداً واضطهدوا سكانها فنزحوا عنها ولاسيما المسيحيون منهم الذين نزحوا الى نواحي كسروان وبيروت، وبينهم آل نقولا، للنجاة من جورهم حيث لقوا الامن والامان في تلك المناطق.

جبيل قديماً
جبيل قديماً

اضطر الوالي حسن باشا  الى نزع الحكم من ايدي الحماديين وولى ابن الحسامي وابن النمس حكم جبيل فازداد شر الحماديين انتقاماً فارسل الوالي قبلان باشا خليفة حسن باشا في الولاية عسكراً لقصاصهم ومصادرتهم فسكنت الخواطر.

وفي آخر هذه السنة استقدم النازحين عنها، ورغبهم في السكنى بها مجدداً، فعاد بعضهم ومنهم اسرة نقولا اصدقاء آل الحسامي ولم يكد المقام يستقر بهم والعيش يصفو لهم، حتى زاد في الطين بلة ان والي طرابلس ارسلان باشا بن احمد آغا المطرجي فرض على مقاطعاته الاموال الاميرية الفادحة والضرائب الباهظة مثل الجوالي(8) والصرصار والبلدار والصليان ولم يستثن احداً منها، فشق الامر على آل نقولا لأنهم كانوا قد اعتادو لتقربهم من حكام تلك البلاد وتوليتهم بعض الشؤون عندهم ان يعفوا من مثل هذه الضرائب. فتركوا المدينة قاصدين  صيدا. التي كانت اذ ذاك اقل قلقاً من طرابلس.

فجاء بعض بني نقولا  بينهم نقولا وجرجس ولدي الياس بن جرجس نقولا المذكورين، واختاروا قرية ساحل علما قرب جونيه على شاطىء البحر موطناً جديداً لهم، فطابت لهم الاقامة فيها. وتقرب نقولا وجرجس من الامراء الشهابيين الذين خلفوا الامراء المعنيين في الحكم، ولاسيما نقولا فانه نال حظوة فاتخذوه دهقاناً(9) يدير شؤون عقاراتهم ورفعوا منزلته.

فرزق نقولا في ساحل علما أربعة ذكور هم يونس وسالم ومنصور والياس فيونس علمنا الذي لم يرزق الا بابنة  وحيدة، ورزق الباقون سلالات منهم سالم ولد عبد الله وعبد الله ولد نقولا  ونقولا ولد سليم كبير الاسرة البيروتية…

في منتصف القرن الثامن عشر انتقل نقولا وجرجس بأولادهما من ساحل علما الى مدينة بيروت وتوطنوها…وكانوا يعرفون اولاً بآل نقولا حتى منتصف القرن 19 ثم تغلب عليهم لقب الجبيلي نسبة الى موطنهم الاول في مدينة جبيل الى يومنا…

وهذه الاسرة وجيهة نبغ منها افراد خدموا الكنيسة الارثوذكسية والوطن والحكومة وابرزهم في القرن 18 كان علمنا الشيخ يونس…

الشيخ يونس نقولا الجبيلي

السيرة الذاتية

ولد الشيخ يونس بن نقولا بن الياس بن جرجس بن نقولا الجبيلي في اوائل القرن 18 في قرية ساحل علما كما مر، فترعرع على الوجاهة والفضل، وكان والده نقولا متصلاً بالأمير حيدر الشهابي حاكم امارة جبل لبنان نافذ الكلمة لديه، ثم اتصل بخدمة ولده الامير ملحم الذي خلفه في الحكم سنة 1729 اما اخوه الامير احمد الشهابي حاكم كسروان، فاتخذ الشيخ يونس هذا كاتباً. ثم انتقل الشيخ يونس الى خدمة اخيه الامير ملحم حاكم جبل لبنان وصار كتخداه (كاخيته)(10) ولما انتحر الشيخ ابو ظاهر بطرس الشدياق  في سجنه في طاقة القصر ببيروت سنة 1747م لأنه كان من خاصة الامير ملحم فتغير عليه وسجنه وصار الشيخ يونس هذا مستشار الامير يعتمد عليه في جميع شؤونه ويثق بصدقه وامانته.

بيروت في القرون الماضية
بيروت في القرون الماضية

سنة 1747 كان قد ولد للامير ملحم الأمير يوسف، فوكل امور تربيته الى علمنا الشيخ يونس والى الشيخ سعد الخوري صالح من رشميا وهذا كان من المقربين من الأمير النافذي الكلمة عنده.

وكانت منزلة الشيخ يونس تزداد رفعة يوماً فيوماً لدى الامراء وحكام صيدا الذين كثيراً ماكان الامير الحاكم يرسله اليهم مندوباً لفض ماينشأ من مشاكل في ولايته فيحل معضلاتها بصائب تفكيره فعُرف الشيخ يونس بميله الخاص الى الامير ملحم وولده الامير يوسف وسلالته.

في اواخر النصف الاول من القرن 18، كان متسلم مدينة بيروت ياسين بك فسعى الامير ملحم مع والي صيدا لعزله وتولي المدينة سنة 1748م، فسكن الامراء الشهابيون فيها. وتسلم الديوان الشيخ يونس لمهارته في الكتابة ونبوغه في الحساب ومقدرته في ادارة العمل المالي والاداري في الديوان اضافة الى مقدرته في حل  المشكلات والعوائق الناشئة في هذا العمل ما اراح الشهابيون اليه.

بنى الامير ملحم وانسباؤه بعض دور ومحلات لهم في بيروت سنة 1749 وخاناً وقيسارية باسم الامير الحاكم وكل ذلك تم بمناظرة وعناية علمنا الشيخ يونس علمنا الذي سعى بتنظيم المدينة وعمارتها، فكانلطيفا دمثاً محباً للناس، يساعد الجميع بدون تعصب وتشيع، ويساعد المشاريع الخيرية لجميع الطوائف بلا تمييز فأحبه الجميع وتهيبوه.

خلاف الروم الارثوذكس والكاثوليك

ولما استفحل الخلاف في ابرشية بيروت الارثوذكسية بين الروم الارثوذكس والمنشقين الكاثوليك، اغتنم الرهبان الكاثوليكيون هذه الفرصة “فأغروا”الشيخ سعد الخوري كاخية الامير يوسف” وزينوا له اضطهاد الارثوذكسيين ” على ماعنده من الميل الى ذلك” فأطلقت يده في الضغط عليهم، وعذب اناساً منهم وصادراموال آخرين  وقتل جماعة من نبلائهم واخذ منهم عدة كنائس وسلمها الى الكاثوليكيين وقتل من المتقدمين بين الارثوذكسيين اثنين اتهمهما بالخيانة احدهما عبد الله ابن مالك  والثاني اسعد العازار”(11) وكثر الاعتداءعلى بعض الكنائس والاديار الارثوذكسية  بغياب المسيحيين الارثوذكس  الذين هربوا الى الجبل بنتيجة الفتنة وسببها الحرب بين الروس والعثمانيين …

كان لعلمنا الشيخ يونس اليد الطولى في  وقف الفتنة وحل المشاكل بصفته متقدماً في طائفته الارثوذكسية كما فعل في دير مار الياس شويا (البطريركي) الذي اعاده من استيلاء الكاثوليك عليه الى كنيسته الارثوذكسية، وبالتالي اعطاء دير يوحنا السابق ودير النبي اشعياء للروم الكاثوليك. فحسم الخلاف واستقر كل فريق في ادياره، وكانت تتم تغذية الخلاف بين الفريقين من الحكام طمعاً بالمال و”بلص” الفريقين بالمبالغ الباهظة.  لكن بحكمة ورجاحة عقل علمنا لم يطل عهد هذه الخلافات فكان له ولغيره الدور في التهدئة والتسوية وهدأت ثورة التعصب.

مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية ببيروت

شعر الشيخ يونس بحاجة الكنيسة الارثوذكسية الى مطبعة عربية لطباعة الكتب الطقسية بعد ضياع مطبعة حلب الارثوذكسية التي انشأها البطريرك اثناسيوس الرابع في العقد الاول من القرن 18(12). وكانت هذه المطبعة العربية هي الاولى في مشرقنا، فقام الشيخ يونس بمباركة من البطريرك سلفستروس القبرصي وهو الذي اعد لهذا المشروع منذ ان كان في دير القديس سابا في بوخارست-رومانيا، وقد لعب الشيخ يونس الدور الاساس في تأسيس “مطبعة بيروت” هذه مستفيداً من مساعدة ابناء الكنيسة الارثوذكسية الاغنياء فأنشأوا “مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية” في اول النصف الثاني من القرن 18 ذاته. وقد  نشرت المطبعة حال استكما علمنا معداتها وادواتها من مطبوعاتها  كتاب “المزامير” بالعربية سنة 1751م في 367 صفحة بقطع صغير وله مقدمة في 30 صفحة يرجح انها للشماس عبد الله ابن الفضل الانطاكي(13) وتشبه حروف مطبعة القديس جاورجيوس حروف مطبعة حلب القديمة لمؤسسها خالد الذكر البطريرك اثناسيوس الدباس الدمشقي.

ثم طبع كتب “السواعي” و”القنداق” و”التعليم المسيحي” سنة 1753 و لاتزال تلك موجودة في خزائن كتب الكنائس والاديرة.

توقفت هذه المطبعة اواخر النصف الاول من القرن 19 ثم جددت في بيروت مرتين باسم “مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية” ثم عطلت سنة 1895 (عند المعلوف1895، وعند قيصر دباس1890 الذي يؤكد بيع ادواتها الى ابراهيم الاسود في برمانا).

وفي سنة 1755م رمم الشيخ يونس باشارة من الامير ملحم قلعة بيروت التي هدمت  صاعقة مدمرة اجزاء واسعة منها، وجعلها منيعة الاركان.

ترميم دير النبي الياس شويا (البطريركي)

في 18 تشرين الاول 1759 ضربت هزة ارضية شديدة منطقة سورية الكبرى وتكررت في ليلة مرفع صوم الميلاد في 15 تشرين الثاني 1759م  دمرت الكثير من الابنية و… في بعلبك ودمشق ووادي التيم وجبل لبنان ورأس بعلبك  وانطاكية  وصيدا…  وأصيب دير النبي الياس شويا الذي كان يسمى دير المحيدثة بأضرار فادحة فتهدمت كنيسته كلها، وغرف الدير العليا ماعدا الاقبية،  وكان رئيس الدير الخوري صفرونيوس ابن يونس الصيقلي البيروتي، وكان على بيروت اسقفها  ايوانيكوس القبرصي، فسعى علمنا الشيخ يونس بترميم الدير واعادة اعمار كل ماتهدم منه  جاء البناء الجديد متقن العمارة جميلها، وأُرخ هذا التجديد على ثلاثة احجار باقية الى يومنا وعلى احدها:”ان تجديد هذا الدير كان باسقفية المطران يوانيكيوس ورئاسة الخوري صفرونيوس وملاحظة الشيخ يونس نقولا سنة 1759″ والحجران الباقيان كان احدهما فوق باب الكنيسة الشمالي والثاني فوق الباب الغربي.

دير النبي الياس شويا البطريركي
دير النبي الياس شويا البطريركي

استيلاء الكاثوليك على كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية

في عام 1764 استولى الكاثوليك على كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت وكان الوجيه الكاثوليكي جرجس الدهان قد استغل عطف الامراء الشهابيين عليه، فرسم نسيبه القس الحناوي الكاثوليكي يواصف الدهان قساً  باسم تيودوسيوس، واستولى المنشقون الكاثوليك بزعامته على هيكل النبي الياس في الجانب الشمالي من الكاتدرائية الارثوذكسية  وصار يقدس لهم فيه، فتكدر مطران بيروت الارثوذكسي ناوفيطوس وعمي لشدة تأثره.

ومازاد الخطورة حضور كيرلس طاناس الى بيروت للاستيلاء على رعيتها الارثوذكسية واخضاعها له ودفع مبلغاً كبيراً من المال الى الامير ملحم الشهابي حاكم بيروت آنئذ واستولى على الكنيسة كلها واحضر اسقفين من الجبل وشرطن القس ثيودوسيوس الدهان مطراناً على بيروت، بحياة مطرانها القانوني نيوفيطوس. واكره المذكور وهو قد صار ضريراً كما مر على النزول الى الكنيسة وألبسه البطرشيل والأموفوري في اثناء شرطونية ثيودوسيوس مطراناً على بيروت، ومطرانها الشرعي نيوفيطوس لايزال على رأس ابرشيته بالرغم من فقده البصر. على ان هذا الاستبداد لم تطل مدته اكثر من اسبوع واحد. فإنه على اثر بلوغ الخبر بقرب وصول البطريرك سلبسترس مصحوباً بالأوامر السلطانية ببطريركيته على انطاكية وبنفي كيرلس طاناس اسرع هذا والاسقف تيودوسيوس الذي تشرطن منه وهربا الى الجبل. فاسترجع الارثوذكسيون كنيستهم(14) بهمة الشيخ يونس  لما عاد الى بيروت في نفس العام 1764 حيث استعاد كاتدرائية القديس جاورجيوس واتفق مع الكاثوليك على ابقاء هيكل النبي الياس في ايديهم فبنوا عليه  كنيسة النبي الياس وهي كاتدرائيتهم الحالية.(15)

الجزء الاعلى من ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية  المذهب
الجزء الاعلى من ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية المذهب

كتب البيروتيون الارثوذكسيون بعد استرجاع الكنيسة الى البطريرك سلفستروس بماجرى،  وبرغبة نيوفيطوس لتقدمه في السن وفقد بصره في الاستعفاء من منصب المطرانية، وطلبوا  من سلبسترس شرطنة اسقف بدلاً منه. وكان سلبستروس في طريق عودته من القسطنطينية عائداً الى مقره بدمشق وزار ابرشية ارضروم. فأخذ عريضتهم وهو في هذه الابرشية وشرطن لهم شماسه يوانيكيوس القبرصي وارسله حالاً. وبوصوله استلم الكرسي بكل هدوء بعد ان تنزل له نيوفيطوس(16) وجاء للخوري قسطنطين الباشا المخلصي ان نيوفيطوس تفرغ عن كرسيه وابرشيته على يد كيرلس طاناس لثيودوسيوس دهان ولكنه لم يذكر مراجعه.(17)

عندما رسم البطريرك سلبستروس  يوانيكوس القبرصي خلفاً لناوفيطوس مطراناً لبيروت. سعى الشيخ يونس هو واعيان الارثوذكس في بيروت بترميم كاتدرائية القديس جاورجيوس لكن مطرانها ايوانيكوس منعهم، ثم اغتنموا فرصة غيابه في دمشق لطبخ الميرون مع البطريرك سلبستروس وفي بعض المخطوطات ان البطريرك سلبستروس ارسله بالميرون الى قبرص في هذه السنة، كما افاد الخوري ميخائيل بريك ايضاً فهدموا الكنيسة، ووسعوا نطاقها واتموا بناءها في 1767م قلما عاد المطران ايوانيكيوس الى بيروت وعرف بما تم اغتاظ منهم.

وفي الاحد الثاني من الصوم الكبير في 4 آذار سنة 1767 وكان الناس في الكاتدرائية يحضرون القداس الالهي هبط عليهم سقفها فجأة، فاستشهد تحت الانقاض 87 شهيداً من الرعية، وجاء في تاريخ القس حنانيا المنير الزوقي الحناوي ان سقوط السقف حدث في 26 شباط سنة 1767 وان عدد الضحايا هو مائة، ولكن شهادة المعلوف تتفق مع تاريخ الخوري ميخائيل بريك وهو الارجح اي ان العدد هو 87 شهيداً.

الاوضاع السياسية

في سنة 1767 نوى محمد باشا العظم والي صيدا مهاجمة بيروت اقتصاصاً من الامير منصور الشهابي. وبينما هو يتأهب لذلك نُمي الخبر الى البيروتيين، فغادروا بيروت ولاسيما المسيحيون منهم وذهبوا الى جبل لبنان. ثم عزل  السلطان العثماني والي صيدا محمد باشا العظم في اثناء ذلك، ولم تتم مهاجمة بيروت ولكن بقي النازحون عنها في الجبل ثلاثة اشهر. ولما هموا بالعودة نوى الارثوذكسيون تجديد بناء كاتدرائية القديس جاورجيوس المهدمة، وكان الساعي الى ذلك هو علمنا الشيخ يونس هذا فاستقدم من مدينة اللاذقية(18) بنَّاءً اسمه عبد الله ابو الياس ووكله بالهندسة والبناء. وعين ناظراً للعمال جرجس العسلي من اعيان مسيحيي صور. فأُنجز بناؤها في اول آذار سنة 1772م وذهّبَّ علمنا على نفقته ايقونسطاسها الخشي البديع المحفور.(19) وبنى له ضريحاً تحت مذبحها، وعندما جدد مطران بيروت جراسيموس مسرة بناءها وجد فيها ضريح علمنا فرتبه في الكنيسة الحديثة.

بروز احمد باشا الجزار

احمد الجزار
احمد الجزار

اكرم الامير يوسف الشهابي احمد باشا الجزار  في دير القمر وكان لاجئاً فاراً لامركز له وهوالباني الاصل( بشناقي) وقد خدم عند امراء مصر وقتل كثيرين لذا لُقب بالجزار…وارسله الامير الى الشيخ يونس في بيروت ورتب له نفقة من الجمرك ببيروت وكان بادارته وبهذا تمكنت الصداقة بينهما…

ومرت على بيروت ظروف قاسية بسبب السياسة وتقاتل ولاة الدولة العثمانية فيما بينهم في الثلث الاخير من القرن 18 واستولى الجزار على بيروت اول عهده وحصن اسوارها ومعروف عنه بطشه حتى بمن احسن اليه وخاصة الامير يوسف الشهابي ولي نعمته ومجيره.

 فاستنجد الامير يوسف بالشيخ ظاهر العمر حاكم عكا ضد الجزار فاستجار الاخير بالاسطول الروسي المرابط في قبرص الذي حاصر بيروت بأربعين سفينة حربية وضربها بالمدفعية فهرب المسيحيون الى الجبل ودخل الروس بيروت فهرب احمد الجزار…

 مالبث الجزار ان اخذ ولاية صيدا وقويت شوكته وصارت بيروت تحت ولايته، وحدثته نفسه بالاستيلاء على كل سورية وفلسطين …

ومع كل هذه التقلبات والخصام الدامي بقي الشيخ يونس نائلاً رضى الامير يوسف الشهابي من جهة وعدوه اللدود احمد الجزار من جهة اخرى.

فرض الامير يوسف على مسيحيي بيروت ضريبتين كبيرتين مكررتين فعارضه الشيخ يونس متولي الجمرك البيروتي لأنه كان غيوراً على بيروت وعلى سكانها  كثير الرفق بالناس عالماً بما تحدثه الضرائب الكثيرة الباهظة من الضغط وقلة المال والضيق ووقف الحال، وكان علمنا واسع الثروة ينفق من جيبهمساعداً الفقراء من كل البيروتيين، فحسده فارس الدهان الذي عينه الامير مناظراً للشيخ يونس بنظارة ديوان الجمرك لأن الامير تغير رضاه على الشيخ يونس لمعارضته له في فرض الضرائب مرتين على البيروتيين، وكان لفارس الدهان الكاثوليكي الحظوة الكبرى عند الامير بشير الشهابي الكبير منازع الامير يوسف على حكم جبل لبنان…ولكن الشيخ يونس بقي مثابرا في حنانه على الناس  منهم انه تشفع لدى الجزار بشأن  كثيرين اراد الجزار الاقتصاص منهم وكانت منهم الراهبة المارونية كاترينا لتي لجأت اليه هرباً من قصاص الجزار.

تدخل لفض الخلاف بين الامير يوسف واخويه سيد واحمد على حكم البلاد، وكان الجزار مع الاخوين ضد الأمير يوسف ومن معه من مشايخ الشوف وبعض الامراء اللمعيين، وجرت معارك دامية بين الفريقين، فتدخل الشيخ يونس وأصلح بين الجزار والامير يوسف فاستتب الحكم للأميريوسف.

لقب ابو عسكر

في سنة 1780 نقل الجزار كرسي الولاية من صيدا الى عكا، واستتب له النهي والامر، ورضي عن الامير يوسف، فوضع الشيخ يونس ناظرا للجمرك في بيروت واقال فارس الدهان وفوض للشيخ يونس تنظيم الشرطة  ببيروت. فقام يونس بما أوكل الجزار اليه احسن قيام.

في هذه الاثناء كان الجزار ذاهباً بعسكره من عكا الى طرابلس، فلما دنا من بيروت لاقاه الشيخ يونس بحفاوة عظيمة وقدم طعاماً لعسكره على نفقته، فسر الجزار من كرمه واعجب بشهامته، ودعاه “يا أبا عسكر” فاشتهر الشيخ يونس منذ ذلك الحين بلقب “ابي عسكر”.

وقع خلاف بين مطران بيروت وجبل لبنان الكاثوليكي اغناطيوس صروف والرهبنة الشويرية الكاثوليكية على بعض الاديار مثل دير سيدة النياح في بقعاتا(كسروان) ودير القديس سمعان العمودي في وادي الكرم (المتن) وكان البطريرك  الكاثوليكي يميل الى مطرانه الذي اراد  ان يستولي على امطوش الرهبنة الحناوية في بيروت وكنيسته ويطرد الرهبان منها، وكان المطران يحاول اقتاع كاثوليك بيروت ان يقولوا ان الكنيسة لهم وليست  للرهبنة المذكورة، ولكن لم يتفق الجميع معه على ذلك، في حين ان البطريرك وافقه بالرغم من مخالفة الرعية لهما، فلما بلغ الخبر الى الجزار ارسل الى الشيخ يونس ان يمنع المطران من ذلك ففعل.

في سنة 1784 م ضرب الطاعون مصر وفتك بالناس فتكاً ذريعاً  حتى كان يموت 1000 شخص يومياً ففرت الناس ولجأت الى بيروت فأكرمهم علمنا وسهل امورهم بسعيه عند الامير لأجل ايوائهم.

وفي نيسان من العام ذاته ثقل قلب الجزار على الامير يوسف وطلب جمع الاسلحة من جبل لبنان فأبى الامير والاقطاعيون ذلك، فحاصر الجزار بيروت بعدما دارت معارك انتصر فيها معارضو الجزار وسقط من قواته العديد…ففر الامير الى جبال اللاذقية بعد لجوئه الى جبيل ووجه الجزار قواته اليها بقصد ايقاع القبض عليه.

هذا الشأن اثر كثيراً على الشيخ يونس حتى خرج الدم من فمه ولزم الفراش، لأنه وقع بين الاثنين فهو الذي ربى الامير، وفي الوقت ذاته هو معتمد الجزار، ولما علم الجزار بمرضه ارسل طبيبه سليمان صوان الارثوذكسي ولما عرف الطبيب القصة، قام بنقلها  للجزار الذي كان يحب الشيخ يونس فعلى الفور رفع الحصار عن جبيل، واستقدم الامير يوسف اليه والبسه الخلع على الجبل فسري عن الشيخ يونس وشفي من دائه بزوال السبب…

ثم عاد فكرهه مجدداً وحاصر بيروت وقام بجمع السلاح من المسيحيين وثقل قلبه عليهم، وامرهم بتغيير ملابسهم، ولبس اللباس الذي خصصه للمسيحيين تنزيلاً لهم. ولكنه ابقى لباس الشيخ يونس عليه وسمح له ان لايغير شملته المقصبة اعتباراً لمقامه الرفيع لديه.

ونتيجة لازدياد شراسة احمد الجزار وبطشه بأقرب المقربين واستيلائه على ارزاق الناس من الحرير والقمح والقطن والزيت والسمن والصابون… بالمصادرة، وفرض الاتاوات، وقتل اعيان المسيحيين، ومنهم ميخائيل ابن حنا السكروج واخوته  الذين كانوا يديرون خزينة الجزار. في نفس الوقت في عام 1785م كف الجزار يد علمنا من ديوان بيروت وسلمه الى فارس الدهان الذي قام بعدها بعد سنة بالوشاية بالشيخ ابي عسكر فأمسكه الجزارفي بيروت وصادره بمبالغ فاحشة ولكن لما توسطه المذكور قَبِلَ منه اقل من هذه القيمة لأنه كان يكرمه بالرغم من وشايات الكارهين واولهم الدهان المذكور.

في السنة التالية 1787 امسك الجزار بفارس الدهان واخيه وابن اخيه وصادرهم بمبلغ كبير فتوسط علمنا بهم فقبل مبلغاً اقل.

كل من عرف الجزار وفتكه وقرأ الحوادث التي كانت بعهده  عرف عنه انه مثال الغدر والمكر والظلم وقد “كان يذكر الله ويذبح” على قول المؤرخين المعاصرين…

لقد غدر بالمقربين منه قبل الخصوم وصادرهم وشوَّههم حتى انه قتل 400 جارية عنده بحرق وجوههن على المنقل، وهو يدوس على رأس الواحدة حتى الموت… وقد اعدمهن كلهن لمجرد الشبهة بخيانة جنسية ارتكبتها احدهن مع احد عماله…

لقد سجن المقربين وضايقهم ونكل بهم تنكيلاً وهم من اشد المخلصين له فقطع رأس ابراهيم حنا القالوش الصفدي(20)من خاصة المشايخ الزيادنة وشنق ولي نعمته الامير يوسف الشهابي حاكم جبل لبنان وبعض خاصته، وهم الشيخ غندور السعد وابراهيم عزام وولده خليل وذبح الشيخ محمد القاضي وهرس عظام الشيخ عبد الله مفتي عكا. وقتل مخائيل السكروج وشقيقه بطرس ولدي حنا السكروج وجدع انف كل من حنا العوراء وحاييم فارحي اليهودي وهذا صلم اذنه وفقأ عينه اليمنى فوق ذلك، وصادر مال الياس اده وسجن فارس الدهان حتى مات بالسجن.

علمنا نجا من غدر الجزار بحكمته ودرايته وربما كان هو وحده من خاصته الذين لم يلحقهم منه اذى فمات موتاً طبيعياً بلا فتك ولامكر ولكنه لم ينج من مصادرته…!

فوق كل ذلك فان لأبي عسكر اليد الطولى بالمداخلات مع الجزار بشأن البيروتيين واللبنانيين وكثيراً ماكان يتشفع بمن تحامل عليهم.

ولما ضويق مسيحيو بيروت مرة ارسل علمنا كتاباً الى الجزار مع احدهم المدعو سلمون ايوابت فقبل وساطته بسرور ورفع عنهم التكاليف واجابه على رسالته كما كان يكتب له دائماً بقوله:

“فخر أمثاله الصادق بأقواله محسوبنا الشيخ يونس نقولا” واستقدمه اليه الى عكا والبسه الخلع الفاخرة بواسطة الوجيهين الشقيقين مخايل وبطرس السكروج الارثوذكسيين وكانا من اخلص عماله، وهما  في الوقت ذاته من اصدقاء علمنا (قتلهما الجزار لاحقاً) واسند الجزار كما اسلفنا له ادارة شؤون الجمرك في بيروت وادارة نظام البلد وفرض عليه ان يضع المتسلم والتفكجي باشي ممن يخنارهم هو ويدير جفاتلك(21) البلدة التي كانت اولا ملك الامراء الشهابيين واستولى عليها وصارت بكاليك.(22)فعاد علمنا الشيخ يونس الى بيروت وعين متسلما عليها احمد آغا الطرطوسي واستلم هو ادارة الجمرك ووضع تحت يده شقيقه سالم وارسل منشورا باسم الجزار الى مسيحيي بيروت ان يعودوا اليها من الجبل وطلب منهم ترميم بيوتهم التي خربها الجند ويمارسوا اعمالهم بشكل طبيعي، فنزل المسيحيون البيروتيون من الجبل الى بيروت ونفذوا ماطلبه الشيخ يونس لأنهم كانوا يثقون به ويعلمون غيرته عليهم ودرجة حبه لهم.

وكتب بالتالي الى مطران بيروت الارثوذكسي مكاريوس صدقة (23) والى مطران بيروت للكاثوليك اغناطيوس صروف(24) ليعودا مع الرعايا من الجبل الى بيروت، فنزلا ولم يبق في الجبل الا فارس الدهان واخوته لأنه كان غنياً ويكره الشيخ يونس ويسيء الظن به ودوما كان يوشي به للجزار مع ان الشيخ يونس كان يحبه ويعامله معاملة حسنة.(25)

وفاته

عرف الشيخ يونس طباع الجزار ولكنه لم يسلم من غدره بالرغم من اعتداله في مواقفه ومحبة الجزار له، لذلك اراد ان يتملص فذهب الى بلدته المنصورية وهي تحت دير القلعة في بيت مري ترويحا للنفس وبعداً عن المداخلات والخلافات المستمرة بين الجزار والامراء الشهابيين فلبث فيها مدة مرتاحاً ولكن الجزار لم يشأ بعده عنه لسداد آرائه وطيب عنصره.

في بلدته اصيب بمرض”ريح اللاوص” واشتدت وطأته عليه حتى عجز الاطباء عن شفائه فتوفي يوم الاثنين في 18 آذار1787 (26) وطُيِّرَ نعيه الى بيروت وجبل لبنان فصعد المطران مكاريوس صدقة اسقف بيروت واعيانها من جميع الملل الى المنصورية، ونقلوا جثته الى بيروت بموكب حافل تحف به الجماهير الحزينة على فقده. واقاموا له في بيروت مأتماً عظيماً اشترك فيه المسيحيون والمسلمون من كل الطوائف، ونُعي علمنا الى الجزار فتأثر كثيراً وارسل من قبله المعزين باسمه، (وعين اخاه  سالم في خدمته خلفا لأخيه اكراما لذكراه) ومشت الناس بجنازته من داره قرب سوق الفشخة الى كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية التي تدين له، فأودع الجثمان في الضريح الذي شيده لنفسه بجانب الكاتدرائية وهو من جددها، وبكاه الجميع معددين صفاته ومتحسرين على فقده لأنه كان عضد الفقراء وغوث المحتاجين من بيروت والجبل على اختلاف اديانهم ومذاهبهم بدليل الحشد الكبير منهم في جنازته، ونُقش على الضريح التقريظ التالي(27)

“حيا  الاله  ضريح من ………….ساد البوادي والحضر

اي يونس الشيخ الذي …………..فيه   لقد   تم    القدر

وسقاه من روض الجنان………..غيوث  عفوٍ    كالدرر

وحباه   من رضوانه …………..رحمات  تاريخ   اغر” (1201 هجرية)

 لم يترك علمنا الشيخ ابو عسكر يونس سوى ابنة كما مر عند ذكر اسرته.

صفاته واعماله

كتب عنه القس حنانيا المنير الزوقي الراهب الكاثوليكي الحناوي في كتابه ” الدر الموصوف في تاريخ الشوف” فقال

“كان علمنا رجلاً عاقلاً وديعا محمود السيرة والسريرة كما مر معنا، وكان له منذ حكم الامير ملحم الشهابي متسلما ديوان بيروت ولم ينازعه احد عليه وكان محبا للجميع محبوبا من الجميع معتبرا عند الجمهور حتى انه عند مروره في الاسواق في طريقه الى عمله قامت اليه الناس محيية فلا يملك ان يرد التحية بكل الفاظها…”

“…كان مسيحيا ارثوذكسياً نقياً وتناقلت الالسنة ذكر محبته للجميع. حتى انه وبدلا من السعي لعقاب مواطنه سيد احمد الزوين السليط اللسان الذي تهجم على اخيه وشتمه فقابله بتقديم هدية له فكاد المذكور ان يذوب خجلا وفي المساء جاء سيد احمد ومع كل قومه الى بيت ابوعسكر معتذرين جميعا منه ومن شقيقه. وقال لشقيقه الذي تضايق من ابي عسكر :” ياجاهل واي انتقام افضل من اكرامنا لرجل نمتن عليه بقبولنا له.””

ومما يروى عن تدينه وماتناقلته الناس انه رأى بعض العوائد الذميمة  قد تفشت بين المسيحيين تبرجاً وتزيناً  في حياتهم وخاصة في الكنائس اذ كانوا يزينون عمائمهم بالورود  والبعض منهم كان يحمل زجاجة ماء صغيرة ليضع بها الورود لتبقى منتعشة وفي ذلك خروج عن آداب الكنيسة، فأزعجه ذلك كما ازعج المطارنة…واتفق( ولكي يحمل الناس على ترك هذه العادات والاقلاع عن هذه الحالة فعل مثلهم ودخل الى الكنيسة) مع المطران على ان يفعل مثلهم وعلى ان ينهره المطران عليها… وهذا ماحصل فخشيت الناس والتزمت بالاقلاع عنها بتاتاً وحمل الناس على الوقوف في الكنيسة بخشوع وسكون وصمت.

وكان ينصح الحكام الذين يقربونه اليهم، وكان يقف منهم المعارض لظلمهم، ويترفق بالناس على اختلاف اديانهم  وهو ماظهر بعد وفاته حيث ان الامير يوسف  الذي كان علمنا مربيه وقيم اعماله واستاذه ازداد جورا فقتل نسيبه الامير بشير حاكم راشيا ومرافقه عبد الله مالك الارثوذكسي  من راشيا ايضا وسمل عيني اخيه الامير سيد احمد الذي فر من وجهه لقتله اخيه.

بالنتيجة فان علمنا كان روح المسيحية بعصره وقد أنشأ معاهد خيرية كثيرة وتعهد المدارس والكنائس بعنايته…

ارثوذكسياً

 – رمم كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت ووسع نطاقها كما مر وعمل ايقونسطاسها وذَّهَّبه على نفقته ايضا هذا الايقونسطاس الفخم الجميل المذهب

– شيد كنيسة قريته المنصورية الارثوذكسية في النصف الثاني من القرن 18

– شيد كنيسة ارثوذكسية اخرى لهم في المكلس.

– شيد كنيسة ارثوذكسية في وادي شحرور الفوقاني.

– جدد كنيسة دير النبي الياس شويا، وبنى بعض غرف في طبقته العليا.

– سعى بتكثير اوقاف الكنائس

وللطوائف الاخرى

– ساعد الكاثوليك في بناء كاتدرائيتهم ببيروت كاتدرائية مار الياس عندما استولوا على هيكل مار الياس في كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية كما مر.!

–  بنى كنيسة للموارنة في المكلس بجانب الكنيسة الارثوذكسية التي شيدها (اعلاه)

– بنى كنيسة مارونية في وادي شحرور

* ساعد ببناء الجوامع  في بيروت وترميمها

* ساعد ببناء كنس اليهود في بيروت وترميمها

بعض مما قيل فيه

-عندما قبل الجزار استقالته كتب له الكتاب التالي:

“فخر امثاله الصادق بأقواله محسوبنا الشيخ يونس نقولا

بعد السؤال عن حالك قد شفقنا على شيخوختك. المراد نلتزم بيتك وتكون طيب الخاطر مرتاح البال من نحونا متقيد بالدعاء لنا. وتسلم الكمرك وجميع اقلام ميرة بيروت ومسقفاته الى محسوبنا فارس الدهان والسلام.

                                                   احمد الجزار”

لم يطل الوقت على الدهان فكف  الجزار يده وامر بسجنه وبمصادرته بألف كيس دراهم وارسل الى شيخنا يونس نقولا منشوراً باعادته الى عمله وهو:

“انني قد تحققت صدق خدماتك وخيانة غيرك وانك لاتنكرني  ولا تعمل قصوراً في خدمة أفنديك لتنظر منه كل مايرضيك. وان تكون مباشراً لتحصيل الغرش المطلوب من فارس الدهان لأنه رجل خائن والسلام”

ولكن لحسن اخلاق علمنا كان يوصي المتسلم والسجان بملاطفة الدهان وتخفيف عذابه مع ان هذا كان يؤذيه وقأذى شقيقه سالم وسجنه تشفياً.

كتبت عنه مجلة المشرق الكاثوليكية

” للشيخ يونس نقولا الجبيلي المشهور بأبي عسكر شهرة كبيرة عند الروم فإنه هو الذي بنى كنيستهم سنة 1761م ثم خربت عند انتهائها ومات تحت ردمها كثيرون سنة 1767م فجدد الشيخ يونس بناءها ونجز سنة 1772م وكان له نفوذ عظيم عند الجزار فوكل اليه نظارة ديوان(كمرك) بيروت وفوضهُ في تنظيم شرطتها وبه دعيت بعض أزقة البلدة المعروفة الى اليوم بفشخة ابي عسكر عند سوق الخضرة وكانت وفاته سنة 1787م ةدفن قرب كنيسة الروم وقد وُجد قبره منذ زمن قليل(28) فنقلت بقاياه الى الكنيسة الحديثة. وكان واسع الثروة ذا بصيرة وحزم انشأ بعنايته مطبعة الروم الارثوذكس في اواسط القرن الثامن عشر…الخ”

اصدقاؤه ومعارفه

كان لعلمنا الشيخ يونس نقولا الكثير  الكثير من المعارف من اعلى الطبقات الى المواطنين البسطاء بالناس اذ قلما رآه أحد وكاتبه لم يتعلق بمحبته فكان من اصدقائه المخلصين له الذين يكرمهم ويحترمهم كثيرا

 البطريرك السوري صفرونيوس الكلسي بطريرك اورشليم فالقسطنطينية المشهور بمعارفه.

 البطريرك السوري انثيموس الانطاكي او الدمشقي بطريرك اورشليم مؤلف  كتاب “الهداية” وغيره.

البطريرك سلبستروس القبرصي 1724 بطريرك انطاكية للروم الارثوذكس

نيوفيطوس مطران بيروت الارثوذكسي

خليفته ايوانيكيوس القبرصي مطران بيروت

المطران مكاريوس صدقة مطران بيروت الارثوذكسي

المطران اغناطيوس صروف مطران بيروت للكاثوليك

الكونت جوني المسكوبي اميرال الاسطول الروسي المرابط في قبرص الذي جاء لمساعدة ظاهر العمر الزيداني كما مر معنا وهو الذي فاوضه واتفق معه على  رفع الحصار عن بيروت.

حنا ماريتي الرحالة الايطالي الذي دخل بيروت في شهر تموز سنة 1767م

صديقه الحميم الشيخ احمد البربير الذي تولى القضاء في جبل لبنان زمن الامير يوسف الشهابي

وتلميذه الشيخ عبد اللطيف فتح الله المفتي البيروتي الحنفي

الشيخ عمر اليافي

والاعلام من العلمانيين والادباء والقناصل والموظفين الرفيعين…

ابراهيم الصباغ، ميخائيل البحري، والدكتورسليمان صوان الارثوذكسي طبيب الشيخ ظاهر العمر ثم الجزار. ويوسف قسيس الكاثوليكي وابراهيم مشاقة صديقه. وابراهيم حنا قالوش الصفدي والشيخ طه قائد الاكراد عند الجزار ويوسف مارون والياس اده وغيرهم الكثر.

الخاتمة

كما اسلفنا… اردنا في كتابتنا هنا عن هذا العلم الارثوذكسي الشيخ يونس نقولا جبيلي ان نعيده الى الاذهان ونلقي بعض الضوء على سيرته وانجازاته المبرورة وان كنا تعبنا كثيراً في البحث والكتابة والمقارنة و… لتترحم الناس عليه خاصة واهم آثاره ككاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت بناء وايقونسطاساً بديعا، ودير النبي الياس شويا البطريركي وبقية الكنائس التي اوجدها خدمة لكنيسته الارثوذكسية في بيروت وجبل لبنان تشهد على مبراته.

الشيخ يونس هو احد العظماء في كرسينا الانطاكي المقدس الذين افنوا اعمارهم لأجله وقدموا كل مايملكون…

هكذا صرف هذا المحسن الكريم حياته في العمل بحكمة وتدبير وخوف الله حتى انشد الناس له بعد وفاته

هيهات ان يأتي الزمان بمثله………………………..ان الزمان بمثله لبخيل

حواشي البحث

1) نكرر ماسبق مراراً واشرنا اليه وهو ان ابرشية بيروت كانت ومعها جبل لبنان ابرشية واحدة الى مطلع القرن 20 عندما تمت قسمتها الى ابرشيتين عام 1902 نتيجة مناشدات كثيرة جداً وعرائض جماعية من رعايا انحاء جبل لبنان يرجون فيها  وبالحاح وتوسل البطريرك ملاتيوس الدوماني(1898-1906) والمجمع الانطاكي المقدس ذلك وان يكون لهم مطران خاص لأن الابرشية كبيرة ومترامية الاطراف وتحتاج كل منطقة الى مرور عدة سنوات ليزورها المطران ومطرانيته في بيروت.(الوثائق البطريركية بيروت وجبل لبنان)

البطريرك والمجمع ارتأوا التريث اكراماً لمطران الابرشية غفرئيل شاتيلا الدمشقي(1870-1902) الذي افنى حياته وقدم كل مايملك من جيبه الخاص لاحياء موات اديرة الجبل واوقافه طيلة زمان مطرانيته (الوثائق البطريركية)

بوفاة المطران غفرئيل قرر المجمع المقدس فصل الابرشية وانتخب مطرانا لها بولس ابو عضل الدمشقي وتحددت حدود ابرشيته بواقعها الحالي تحت تسمية ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما… ثم انتخب لمطرانية بيروت جراسيموس مسرة اللاذقي ومنحت ابرشية بيروت بلدة سوق الغرب من جبل لبنان تابعة لها وصار دير القديس جاورجيوس فيها مقراً صيفياً لمطران بيروت. وكانت الابرشية قبل القسمة تحت تسمية ” ابرشية بيروت ولبنان ومايليهما” بمعنى ان تسمية لبنان كانت تنصرف فقط الى جبل لبنان وهو متصرفية ذات حكم خاص في ظل الدولة العثمانية تم ترتيب وضعه بمؤتمر دولي لحفظ حقوق المسيحيين والدروز… وخاصة بعد مذابح المسيحيين في الجبل من 1849-1860.التي قضت على مئات الالوف من مسيحيي الجبل ودير القمر وزحلة والاقضية الجنوبية راشيا وحاصبيا ووادي التيم والبقاع الغربي…  

2) “الشيخ” هنا رتبة اجتماعية بمكانة مميزة وجمعها “مشايخ القوم”.

3) “المقدسي” نسبة اما الى من تبرك بزيارة القدس”بيت المقدس” (وفق التسمية الشائعة فيما مضى) وقدس الى قبر ومهد السيد له المجد في فلسطيننا المقدسة، او انه ابن “بيت المقدس” او القدس، وقد تكنى بهذه التسمية حين اعتماد الكنيات في بلاد الشام بدءاً من القرن 17 ولكن هنا لاينطبق على كاتب المخطوط  المقدسي هذا فهو ابن بيروت ولكنه كان مقيماً في “طرابلس الشام” وتقال طرابلس الشام تمييزاً لها عن طرابلس الغرب عاصمة ولاية  ليبيا وفق ذاك الزمن تحت الاحتلال العثماني.

4) له ايضاً مخطوط جميل  خطه بيده اسمه”ادبيات فلاسفة اليونان” أنجزه في آخر حزيران سنة 1797مسيحية بخط جميل وفي آخره حواشٍ خطها بقلمه عن حوادث عصره منها، أنه لما احتل الفرنسيون مصر بقيادة نابليون ” الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801) وزحفه الى بلاد الشام، فَّرَّ البيروتيون الى جبل لبنان. ولما ترك الفرنسيون عكا في اول آب سنة 1800 ذهب المؤلف بعياله من لبنان الى طرابلس واستوطنها، وربما كان هو جد اسرة “طراد” الارثوذكسية العريقة في لبنان.

5) اورد  معلمنا العلامة المرحوم الاستاذ عيسى اسكندر المعلوف وصف معظم هذه المخطوطات في كتابه الشهير “دواني القطوف في سيرة آل معلوف” وعائلات مؤلفيها ، كذلك وصف بعضها في مجلة النعمة البطريركية السنة الاولى في مقاله”التواريخ النصرانية”

6) لذا تكنت العائلة بالجبيلي نسبة الى جبيل.

7) ذكر الشيخ جرجس هذا في كثير من المخطوطات ومنها “تريودي” بمكتبة دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير، خطه يوسف بن الخوري حبيب بن بسترس سنة 1660 مسيحية في زمن المطران فيليبس اسقف بيروت وفيه حاشية أن المطران باعه للقس شحادة بن الخوري شحادة بن الخوري جرمانوس من جبيل باثني عشر قرشاً اسدية بشهادة جرجس نقولا وابي كرم الريشاني.

8) كثرت الضرائب وتنوعت وقل من عرفها لتمييزها وبالنسبة لضريبة “الجوالي”  وهي جمع الجالية وهم الذين تركو موطنهم فسميت جزيتهم باسمهم.

9) “الدهقان” رئيس القرية او الاقليم.

10) الكتخدا والكتخداي تسمية فارسية معناها معتمد او مدبر اشغال والعامة تسميه كاخية ومن معاني هذه التسمية كاتم الاسرار او النائب. وتحل محلها الكلمة الافرنجية “سكرتير”.

11) نشأة الروم الكاثوليك: الحقائق الوضية ص 120-121 – د. اسد رستم كتاب”كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى/ الجزء الثالث ص164-165

12) كما اوردنا في مدونتنا هنا بموقعنا عن البطريرك المذكور وبمدونتنا عن الطباعة العربية بموثعنا هنا ايضاً…

13) انظر مدونتنا هنا  في موقعنا بعنوان “منتخبات… الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي”، ومدونتنا الاسبق بعنوان “الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي”

14) د. اسد رستم كتاب كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى/ الجزء الثالث ص149- 150.

15) عيسى المعلوف الشيخ ابو عسكر 1910 ص540

16) نشأة الروم الكاثوليك: الحقائق الوضية ص110-112 – د. اسد رستم”كنيسة انطاكية…”ج3 ص150

17) تاريخ الطائفة الملكية للخوري قسطنطين الباشا ج2 ص 318- د. رستم المصد  السابق ذاته والصفحة ذاتها.

18) كان اللاذقيون في ذلك العهد من امهر البنائين لأن علمنا الشيخ يونس لما جدد دير انبي الياس شويا البطريركي سنة 1759 كان رئيس البنائين الذين كان عددهم 14 بنّاءً هو الخوري ابراهيم اللاذقي كاهن الدير واحد رهبانه.

19) يعد ذلك الايقونسطاس الخشبي من اجمل آثار النجارة والحفر الشرقي وقد كُتبَ عليه انه أُنجز بسعي الشيخ يونس والمطران مكاريوس صدقة وصانعه هو وهبة النجار الدمشقي والد مطران طرابلس صفرونيوس النجار الدمشقي المتوفي 1882 ومن الجدير ذكره ان فن النجارة وحفر الخشب هو من اختصاص الفنانين الدمشقيين ومنهم عائلتنا التي كانت مكونة من المرحومين جدي فارس وابنيه عمي نقولا ووالدي جورج وشقيقي الاصغر الشهيد مروان وقد تركت هذه العائلة كرسي البطريرك والمطران في كنيسة الصليب المقدس وكل ماهو موجود من اعمال خشبية محفورة ومذهبة من ابواب الهيكل الثلاثة الى الايقونسطاسات والطاولة وحاملات الايقونات والايقونات و”ابانا الذي… “هي من انتاج وتقدمة الوالد رحمه الله من1984 الى حين انتقاله الى الحضن الالهي 1996 قدمها الى الكنيسة المذكورة لراحة نفس شقيقي الشهيد مروان وعن صحته وصحة العائلة والتذكار المؤبد اضافة الى قطع محفورة في الكاتدرائية المريمية وكنائس كيرلس الكاثوليكية وحرستا الارثوذكسية و…غيرها…حفرها ونقشها بازميله المبدع.

20) ابراهيم القالوش هو الجد المؤسس لأسرة حنا العربيلي الدمشقية الشهيرة  والاصل من سكان بلدة عربين من ريف دمشق الشمالي الشرقي بعدما هربت العائلة من ظلم الجزار الى وادي النصارى ثم انتقلت الى عربين. من الاسرة الدكتور ابراهيم عربيلي الشهير في دمشق وبيروت ونيويورك.

21) كلمة تركية معناها العقارات والمزارع والقرى الخاصة بالحكومة ولكنها شبه اقطاع للرعية.

22) اصل معناها التركي مايخص البيك ويراد بها العقارات والاسواق التي هي تصرف الحكومة وتدبيرها.

23) مكاريوس صدقة هو طرابلسي الاصل.(انظر ترجمته هنا في موقعنا)

24) هو دمشقي ارثوذكسي الاصل من بني المخلع الدمشقية الارثوذكسية الشهيرة ومنها العديد من المطارنة الارثوذكس.

25)عرفت اسرة الدهان في بيروت بقدمها وقد ورد ذكرها في عام 1570  وقد صارت كاثوليكية زمن كيرلس طاناس واستولوا على كاتدرائية بيروت الارثوذكسية، ثم اقامتهم كنيسة مار الياس لهم من هيكل مار الياس في كنيسة القديس جاورجيوس كما مر معنا. وكان فارس هذا  يناظر الشيخ يونس وبالرغم من قربه من الجزار الا انه لم يسلم من مكره فسجنه سنة عام 1790 وتوفي في السجن وكان الشيخ يونس قد اوصى بحسن معاملته بالسجن بالرغم من كل المكائد التي دبرها له… لم ينصف المؤرخون الدهان بشهاداتهم عنه امثال القسين روفائيل كرامة وحنانيا المنير الكاثوليكيين وقد وصفوه بالبخل وانه لايبالي بالمعروف، وكم حمل البيروتيين المسيحيين وسواهم من المغارم بعكس الشيخ يونس، ويشهد على ذلك “تاريخ الامير حيدر الشهابي” ايضاً ص862. ولما مات الشيخ يونس وكان شقيقه سالم في هذا العمل الى سنة 1791  سعى الدهان لعزله من الجمرك واستلم منه مابعهدته وكان كل شيء مضبوطا ووفق الاصول، ومع ذلك ولكرهه له ولشقيقه سجنه تشفياً منه، واحضر مباشر الديوان وكتب له اسماء بعض الارثوذكسيين والموارنة والكاثوليكيين الذين يميلون الى آل نقولا وآذوهم وصادروا اموالهم، لكن فارس الدهان لسوء تصرفاته هذه ربما لقي مصيره  ولم تكد تنتصف سنة ادارته للجمرك حتى امر الجزار بالقبض عليه ومات  بالسجن مصادرا كما مر. 

26) وفي تاريخ اساقفة بيروت للمقدسي عبد الله مخايل طراد البيروتي انه توفي يوم الاثنين في ذذ آذار سنة 1789م من السبة الثانية من الصوم. وفي الدر المرصوف للقس حنانيا المنير انه توفي سنة 1205 هجرية الموافق 1790م

27) قيل انه من نظم الشيخ احمد االغر احد اعلام بيروت وتولى امانة الفتوى(1783-1857م)  وله ديوان شعر رقيق …ربما نظم هذا التخليد بعد ذلك حيث انه عند وفاة الشيخ يونس  كان بعمر 3 سنوات!!، ويقول المعلوف انه ربما كان من نظم الشيخ احمد البربير الشهير المولود عام 1747 والمتوفي 1811م وله اشعار رقيقة نُشرت بمجلة المشرق وهذا كان من معاصري علمنا واصدقائه، ويقول المعلوف ايضاً انه:” قد ظهرت قبرية علمنا عند تجديد الكنيسة والابيات غير ظاهرة فصححتها أنا وصديقي الألمعي الشيخ رشيد نفاع الذي أفادني شيئاً عن اسرته فاشكر له عنايته وتدقيقه.”

28) عندما جدد مطران بيروت جراسيموس مسرة الكاتدرائية مطلع عهده(1902-1936) اكتشف القبرونقل الرفاة الى الكاتدرائية بعد تجديدها وفاء لذكر هذا العلم الارثوذكسي البار…

من مصادر البحث

-جوزيف زيتون كتاب “الآسية مسيرة قرن من الزمان”

-جوزيف زيتون سيرة القديس يوسف الدمشقي

-عيسى اسكندر المعلوف مجلة النعمة البطريركية دمشق  1910مشاهير الملة -الشيخ ابو عسكر يونس نقولا اللبناني. وقد استفدنا منه كثيرا

-د. اسد رستم كتاب كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى الجزء الثالث

-نشأة الروم الكاثوليك لمجهول

 -الحقائق الوضية، وتاريخ الشام للخوري ميخائيل بريك.

-غطاس قندلفت مجلة المنار البيروتية 1899 ” تاريخ البطاركة الانطاكيين”

-انطوان قيصر دباس ونخلة رشو “تاريخ الطباعة العربية في المشرق” 2008

-عيسى اسكندر المعلوف” دواني القطوف في سيرة بني المعلوف”

-مركز الحريري الثقافي كتاب “لبنان في تاريخه وتراثه”

-ميخائيل مشاقة”مشهد العيان بحوادث سورية ولبنان”

– المقدسي عبد الله بن ميخائيل طراد البيروتي الارثوذكسي” تاريخ اساقفة بيروت”

-القس حنانيا المنير الزوقي اللبناني الحناوي الشويري”تاريخ الدر المرصوف في حوادث الشوف “

– “تاريخ الرهبنة الحناوية”له ايضاً

-القس روفائيل كرامة الحمصي الحناوي الشويري “تاريخ لبنان وسورية” 

-ميخائيل بن جرجس الصباغ الدمشقي الارثوذكسي “تاريخ ظهور الكثلكة”

وغيرها من مخطوطات ومطبوعات… 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>