هو أحد الأصوام الكنسيّة المعبّرة جداً التي تطلبها الأرثوذكسية من جميع المؤمنين (باستثناء المرضى والأطفال) في كلّ مرّة يتقدمون إلى “شركة الكنيسة” (المناولة)، ليفهموا، بأكثر عمق، طبيعة كيانهم المتوثّب إلى الأبد، ويختبروا “الآن وهنا” بعض ما سوف يذوقونه في فرح الملكوت الآتي.
ولا أبغي الإساءة إلى ضمير أحد، أو المفاضلة ما بين قبولِ نِعَمِ الله المقدَّمة بوفرة في اجتماع الحقيقة (القداس الإلهي) وبين التهيئة لها، إذا أوحيتُ أن إهمال هذا التقليد وشيوع التبريرات التي تخالف الحقّ، هو انحراف رديء – وتشويه لمتطلّبات الالتزام – يدينها، بقوّة، تعليم الكنيسة الذي شهد له القدّيسون، بأمانةٍ، في كل جيل.
لا يحتاج المدقّق في التاريخ الكنسي إلى كثير من العناء ليعرف أصالة هذه المسلّمة الإلهية. نقرأ في كتاب “التقليد الرسولي” المنسوب إلى هيپوليتس (+236): “ليحرص جميعُ المؤمنين على أن يتقبّلوا الإفخارستيا قبل أن يتذوّقوا أيّ شيء. لأنّ الذي يتقبّلها بإيمان لا يصيبه ضرر البتّة… لأنّها هي جسد المسيح الذي يجب أن يأكله المؤمنون ولا يجب احتقاره” (32). هذا ما زكّاه آباء كثيرون، ونورد هنا قولاً رائعاً لأغسطينُس المغبوط، لعلّه نطقه في ما كان يواجه بعض الذين انحرفوا عن التعليم القويم، إذ قال: “إنه من الأمور الواضحة أنّ التلاميذ عندما تناولوا جسد الرب ودمه لأول مرّة لم يكونوا صائمين. فهل يجيز لنا هذا أن ننتقد الكنيسة الجامعة لأنّها لا تجيز، في أيّ مكان، أن يتناول هذا السرّ إلاّ من كان صائماً؟ لا على الإطلاق. لأنّ الروح القدس شاء منذ ذلك الحين أن يحدّد أنّه تكريما لسرٍّ عظيمٍ كهذا يجب أن يؤخذ جسد الرب قبل كلّ طعام يتناوله المسيحي بفمه…” .
بيد أن القاعدة التي أرساها الرب يسوع هي متّكلنا الأول، لأنّها تردّنا إلى أساس معنى هذا الصوم -وكلّ صوم- والفائدة الروحية التي يجتنيها مَن يلتزم به، وأعني قوله المبارك: “هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم، ولكن ستأتي أيام حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون” (متّى 9: 15). ونرى أن هذا التعليم الإلهي الذي حفظه التراث الحيّ واستفاد من وجوهه المتعدّدة، يتحقّق في هذا الوجه الذي نعالجه اليوم، وذلك لأنّ “الصوم الإفخارِستي” (الصوم قبل المناولة) الذي يختبر فيه المؤمن غياب العريس الإلهي (وهو الشعور الذي ينمّيه الرب في أتقيائه ليطلبوه بقوّة أكبر)، يقطعه حضور الرب والاتّحاد به الذي يتمّ في يوم عرس الحَمَل، لمّا يخطب الربُّ ودَّ الكنيسة بكلمة الإنجيل، كما أوحى العلاّمة أوريجانس، ويقترن هو نفسه بها إذا ما سكب فيها جسده ودمه.
ينطلق الأب أَلكسندر شميمن في كتابه “الصوم الكبير” من هذه القاعدة الإنجيلية التي أوردناها أعلاه، لمّا يتحدث عن هذا “الجوع الى الله” (الصوم قبل المناولة)، ويُدْرجه بين أنواع ما يسمّيه ب”الصوم الكلّي” (وهو الصوم الذي “يقوم علي امتناع كلّي عن الشراب والطعام”، امتناع تقتصر مدّته على فترة قصيرة “يوم أو جزء منه”)، ويؤكد أن الإفخارستيا تطلبه “وتتوافق معه”. ويعود الأب شميمن الى تعابير الكنيسة القديمة وكنوزها فيكشف اسماً خاصاً عُرِّف به هذا النوع من الصوم، بقوله إنّه “التأهّب”، فيعطينا به، من جهة، أن نفهم أكثر طبيعة هذه الممارسة ومعناها الواسع فلا نهتم لما هو زائل، ويجعلنا، من جهة ثانية، أن نتماسّ والكنيسةَ الأولى التي كانت تنتظر الربّ يسوع الذي “يأتي إليها في الإفخارستيا” والذي سيأتي بغتة “في آخر الأزمنة” لنكون بذات رصانتها وعمقها الروحي وتيقّظها (راجع مرقس 13: 33-37) .
ولعلّنا لا نزيد شيئا على فهم الفاهمين إنْ قلنا إنّ هذا الصوم هو “الصحراء” التي تطلب الكنيسة من المؤمنين المرور فيها قبل الدخول إلى أرض الموعد (يسوع المعطى لنا في الكأس المقدسة). ولذلك مَن أدركَ أنّه واحد وشعب الله المرتحِل إلى الراحة الأبدية، واختار هذا العراء الطيّب، والتَحَفَ بالطاعة والفهم والحب، له أن يهرب ممّا يردّده بعض العامة والغرباء -وأعني الذين شرّعوا أبوابهم لكلّ ريح مضادّة (يقولون مثلاً: إن هذا الصوم “وصفة قديمة جوفاء”؟!)، وأهملوا ما أوصى به الروح الإلهي وأجمع على منفعته القدّيسون، وشوّهوا مَعالمه – لئلا يتيه وتأكله رمال الصحراء.
هذه الوسيلة – وغيرها ممّا ينفعنا ويربّينا (الصلاة ومصالحة الإخوة…)- يقيّد بها البارُّ نفسَه قبل أن يدنو من “النار الإلهية” (المناولة)، لتكون حياته كلّها تعبيراً عن انتظاره للرب الآتي، وتالياً ثماراً لحضوره البهي والاتّحاد به.
تعتبر الكنوز من المشوقات لمحبي المغامرات عامة وصائدي الكنوز خاصة وتدخل مادة الكنوز في ادبيات التاريخ لدى الشعوب وترتبط بشخصيات واقوام اخذ الكثير منها طابع الاساطير… منها اسطورة القرصان بلاكبيرد
فهل ترك القرصان الانكليزي الأسطوري (بلاكبيرد) كنوزه مخفية على جزيرة كنوز حقيقية، ام ان ذلك من قبيل الاساطير؟
(إدوارد تيتش)، أو كما اشتهر باسم (بلاكبيرد)، هو المعنى الكامل لصفة قرصان، وهو الشخصية الأشهر على الإطلاق من عصر عرف باسم العصر الذهبي للقرصنة.
في مستهل القرن الثامن عشر، نشر هذا القرصان الإنجليزي الرعب بين السفن المبحرة في مياه جزر الهند الغربية أو كما تعرف باسم ”الأنديز“، حتى وإن صار لاحقاً يعتمد أكثر على قوة سمعته السيئة أكثر من العنف بحد ذاته. استمرت سمعته السيئة تلك بالتوسع والانتشار عبر السنوات، ومازاد من رواجها أساطير حامت حولها تتعلق بكنوز مفقودة، دفنها (بلاكبيرد) بنفسه على جزيرة قاحلة ما، وهذه الكنوز التي مازالت تنتظر أن يتم العثور عليها إلى يومنا هذا.
يتفق المؤرخون الأكاديميون الباحثون في تاريخ القراصنة قبل قرون مضت بشكل كبير أن هؤلاء الأخيرين لم يكونوا في الواقع يخفون كنوزهم في مواقع سرية. بعد كل شيء، لطالما كان لقباطنة القراصنة طواقم تتألف من عشرات الرجال الذين يتبعونهم حيثما حلوا، ومنه كانت آمالهم في الإبقاء على مواقع دفن كنوزهم وإخفائها سراً تؤول إلى الصفر، وعلى الرغم من ذلك، تستمر قصص خيالية على شاكلة «جزيرة الكنز» في الدفع بمخيلات الناس إلى أبعد ما يمكن، حيث يوجد هناك حتى من يؤمن بأن أشهر قرصان عاش على الإطلاق قد أخذ معه سر موقع دفن كنوزه إلى قبره.
مقتله
بكل تأكيد، لم تكن هناك من طريقة قد تجعل من (بلاكبيرد) يفصح عن سرّه، وهو الذي بدل أن يؤسر على يد السلطات البريطانية، قُتل بطريقة وحشية في معركة على مشارف سواحل جزيرة (أوكراكوك) في غرب الأنديز سنة 1772. وفقاً لروايات شهود عيان من رجال قاتلوا إلى جانبه، فقد أطلق عليه النار خمسة مرات وطعن بالسيوف أكثر من عشرين مرة، ثم عند التأكد من موته قطع رأسه وأحضر إلى الولايات المتحدة بينما ألقي بجثته في عرض البحر. في سنة 1996، حدد علماء الآثار البحرية موقع غرق سفينته (انتقام الملكة آن)، على الرغم من أنهم لم يعثروا على أي علامة تدل على وجود كنز فيها.
لذا، في حالة ما قام (بلاكبيرد) بالفعل بإخفاء بعض الكنوز بعيداً، فإنه لم يفصح أبداً عن موقعها. يعتقد بعض الباحثين الهواة أنه قام بدفن عملات ذهبية تحت رمال خليج صغير معزول في (نيو بروفيدانس) أو (كارولاينا الشمالية)، بينما يشير آخرون إلى أنه قد يكون اختار في ذلك جزيرة (باتون) أو جزيرة الجمجمة للحفاظ على سرية موقع ثروته.
على الرغم من كل تلك القرون التي مضت، ترفض هذه الأسطورة بشكل ما الزوال والاضمحلال، ويعتقد المحققون أن فحصاً دقيقاً للسجلات التاريخية من تلك الحقبة قد يكون كل ما نحن في حاجة إليه من أجل العثور على كنز (بلاكبيرد).
وفقاً للفلكلور الشعبي، فمن عادة القراصنة قتل أحد الأسرى في موقع دفن الكنوز، فهل يكون هذا ياترى مفتاح سر كنز (بلاكبيرد)؟ أم أن الأمر مثل شخصية الرجل نفسه، حيث تتفوق الأسطورة على الواقع فيما يتعلق بالحماس الذي تولّده.
الأدب الكنسي المنحول او الاناجيل المنحولة…انجيل توما مثلا
تعريف عام
الانجيل كلمة معربة من ( اليونانية εὐαγγέλιον، ايوانجيليون) وتعني البشارة السارة أو البشرى السارة أو بشرى الخلاص. تعني لدى المسيحيين بالمفهوم الروحي البشارة بمجيء يسوع الذي هو المسيح او ماسيا( الوارد في العهد القديم) المنتظر، وتقديم نفسه ذبيحة فداء على الصليب نيابة عن الجنس البشري، ثم دفنه في القبر وقيامته في اليوم الثالث، كما جاء في كتب النبوات في العهد القديم. قد يُقصد بها مجازاً، عند المسيحيين وغيرهم، الكتب الأربعة الأولى في كتاب العهد الجديد والتي نسبت إلى كل من متى ومرقس، لوقا ويوحنا. ويؤمن المسيحيون بأن هذه الأربعة كتبت بوحي من الروح القدس وليست من تأليف بشري كما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس “اني قد انشأت الكلام الاول ياتيموثاوس…”
فخلاصة القول بخصوص الأناجيل الأربعة، أنها إنجيل واحد في بشائر أربع. فهذه الأناجيل الصغيرة منسجمة مع بعضها ومكمّلة لبعضها البعض، وتشكل أربع شهادات لأقوال الرب يسوع وتعاليمه ومعجزاته وصلبه، وآلامه وموته وقيامته حسب الايمان والعقيدة المسيحية.
الحيوانات الأربعة المحيطة بعرش الله، كما ورد في رؤيا يوحنا وهي ترمز إلى الإنجليين الأربعة، وفق المعتقدات المسيحية
– في السياق التاريخي لكتب البشرى المسيحية، انه بعد عام 150 للمسيح دعت الحاجة في الكنيسة إلى وضع قاعدة شاملة، تنظم المؤلفات الدينية حول الفادي يسوع الذي هو مؤسس الكنيسة، تمهيداً لإدراجها ضمن قانون الكتاب المقدس، فكان المعيار المتبع صحة نسبتها إلى الرسل، وبرزت الاناجيل الاربعة نظراً لصحة نسبها إلى الرسل من وجهة نظر الكنيسة. ومن ناحية ولما تحلّت به صفات تتطابق مع التقليد الشفهي، وذلك بعد نقاشات طويلة حول صحة نسبتها، إذ لم ينته ضم جميع الأسفار حتى نهاية القرن الثالث المسيحي وبداية القرن الرابع المسيحي. أما تلك الكتب التي لم يثبت صحة نسبتها، فقدت تدريجيّاً حظوتها في الكنيسة ولدى المسيحيين كأسفار مقدسة. وباتت ادبا كنسيا منحولا او اناجيل منحولة.
الأدب الكنسي المنحول، أو الأناجيل المنحولة
كتابات وُضِعت (معظمها) في فترة تدوين كتُب العهد الجديد، وأعطت ذاتها صفة ً شرعية، ذلك أن كتّابها نسبوها، اختلاقاً، إلى الرسل أو إلى تلاميذهم.
تقسيم كتب الادب الكنسي المنحول
قسّم العلماء هذه الكتب إلى ثلاثة أقسام، هي
الأناجيل المدعوة إزائية، وهي القريبة من تصميم الأناجيل الإزائية القانونية (متى ومرقس ولوقا)، ومنها: أنجيل بطرس، إنجيل العبرانيين، إنجيل الناصريين، إنجيل المصريين، إنجيل الأبيونيّين، (المعروف أيضا بإنجيل الاثني عشر).
الأناجيل الهرطوقية، ومنها: إنجيل يهوذا، إنجيل برثلماوس، إنجيل برنابا، إنجيل باسيليدس وإنجيل توما (عرّبته مجلة النور في العام 1995)…
الأناجيل الخيالية التي تروي قصص خيالية عن طفولة يسوع، منها: إنجيل يعقوب، إنجيل متّى المنحول، قصة طفولة يسوع لتوما، قصة يوسف النجار، وقصة الآلام (أو إنجيل نيقوديموس)…
احدى نسخ العهد الجديد باللغة العربية ترقى للعام 1590 ومزودة بالرسوم والأيقونات.
لا بدّ أن نعرف بدءاً أن الكنيسة التي عرفت خطورة معظم محتوى هذه الكتب شجبتها كلّها وأبعدتها عن التداول (أي عن لائحة الكتب القانونية)، وذلك لأن تعاليمها غير نافعة (توحي بعقائد غير مستقيمة)، وتخالف المسلَمات (رغم أن كتّابها أخذوا، في بعض المواضع، من النصوص القانونية، وذلك بغية إيهام القارئ بصحة كتاباتهم)، وهي تخدم نوايا بعض المبتدعين القدماء (الغنوصييّن…)، وتروي خرافات وأقاصيص فارغة وغير واقعية، وتقوم ” على الخوارق من دون العِبَر التي تأتي عنها”… فمثلا يروي كتاب ” طفولة الرب يسوع” المنسوب إلى توما، قصة عن يسوع حين كان طفلا في الخامسة يلعب قرب غدير: “فجبل طينا ناعما وصنع منه اثني عشر عصفورا. وفعل ذلك يوم السبت”. فشكاه أحد اليهود إلى يوسف لأنه يدنس السبت. وبعد تأنيب يوسف له، صفق يسوع بيديه وصرخ قائلا للعصافير:”طيري” فابتعدت العصافير وهي تزقزق (انظر مجلة النور، 1995، صفحة 174). وهذا، من دون ريب، يشّوه إنسانية يسوع، ويحرّف عجائبه التي غايتها إعلان اقتراب (حضور) ملكوت الله. ويعرف المطَّلعون أن هذا الأدب تكلم على حدث تجسد الرب الخلاصي كأنه ” خرافات ذات طابع مظهريّ غير ملموس”، وتاليا، وبالطريقة ذاتها، تناول موته على الصليب وقيامته. ناهيك عن أنه يقسّم شخص المسيح ابن الله المتجسد، وهذا لا ريب تعليم غنوصيّ أدانته الكنيسة. وذلك أن الغنوصييّن كانوا يعتقدون بأن المسيح (الكائن الإلهي) الذي هو فيض من الألوهة، قد حلّ على يسوع الإنسان أثناء معموديته، وتركه قبل الآلام. ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر ما قاله، عن الغنوصيّين وتعليمهم، القديس إيريناوس أسقف ليون الذي وضع كتابه “ضد الهرطقات”، بخاصة للرد على هذه البدعة التي انتشرت في القرن الثاني والثالث، يقول:” إن المدارس الغنوصية قد أفسدت المعنى الحقيقي للكتاب المقدس وزوّرته، إذ أنها كانت تأخذ مقاطع من العهد القديم، ومن النبوءات، ومن أمثال المسيح، وتحوّرها كما يوافق تعليمها، أو أنها كانت تجمع مقاطع من هنا وهناك وتدمجها بعضها مع بعض لتعطيها معنى جديدا هو بعيد كل البعد عن الحقيقة التاريخية…”.
انجيل توما
هو مثال عن الاناجيل المنحولة، نحاول،هنا، أن نقف على بعض ما ورد في هذا “الانجيل” المنحول، ونحلل بعض أخطائه (وبخاصة إنه تُرجم إلى العربية كما ذكرنا أعلاه) لنبيّن عيب هذه الكتب جملةً.
الأدب الكنسي المنحول او الاناجيل المنحولة…
إنجيل توما هو كتاب غنوصيّ، يتألف من “أقوال سرّية” (114 قولا)، نُسبت إلى يسوع “خارج أي إطار قصصي أو تاريخي”. يركز الكتاب على المعرفة، وبخاصة معرفة الإنسان لذاته وحصر الخلاص بها (الأقوال 3، 4، 5، و67…)، وفي هذا نقضُ لحقيقة الله التي هي مطلب المؤمن الحقيقي. ذلك أن المؤمن الحق يعرف أن الله هو وحده مالك الحقيقة ومعطيها، وأن علاقته بالله هي التي تمكّنه من أن يعرفه ويعرف نفسهُ ليحب ويتوب أكثر. وهو (إنجيل توما) يؤثر الخرافة (7)، ويجعل دخول المؤمنين إلى ملكوت الله أمرا مستحيلا، وذلك بترداده تعليما مبهماً، يقول: “….قالوا له (تلاميذه): “هل ندخل نحن الملكوت إذا رجعنا أطفالا؟”، فيجيبهم يسوع: “عندما تعملون الاثنين واحدا والباطن كالخارج والخارج كالباطن، وتعملون ما هو فوق كالذي أسفل والذكر والأنثى تعملونها واحدا بحيث لا يبقى الذكر ذكراً ولا الأنثى أنثى، وعندما تعملون عيوناً عدة عوض عين واحدة ويداً عوض يد ورجلاً عوض رجل وتعلمون صورة عوض صورة، عندها تدخلون الملكوت” (22).
ولا يخفى أن الرب كشف، في تعليمه، عن صعوبة دخول الإنسان إلى الملكوت، غير إنه لم ينفِ كونه “مستطاعاً عند الله” (لوقا 18: 27). ومما يعنيه قول يسوع، في سياقه، هو أن لله مقاييسه في اختيار المخلصين له، وهو صاحب القرار في مَن يدخل (إلى الملكوت) ومَن لا يدخل، وليس عَمَل الأعمال الواردة في القول(22). والكتاب يشكك المؤمنين في سياق التعليم حول العبادة، إذ ينادي بحفظ يوم “السبت” (27)، ويتكلم بخفة على الصوم والصلاة باعتبار أن من يمارسهما يعرّض نفسه ” للخطيئة والشر” (14، انظر أيضا القول 104). ويناقض(كتاب توما الغنوصي) تعليم يسوع عن القيامة، يقول:”قال يسوع: سأنقض هذا البيت ولا أحد يستطيع بناءه” (71، قارن مع إنجيل يوحنا2: 19). ويفصل بين النفس والجسد ويحتقر الأخير (29). ويزدري بمريم والدة الإله وبالنساء عموما، نقرأ:” قال سمعان بطرس: فلتخرج مريم من وسطنا، لأن النساء لا يستحققن الحياة. قال يسوع: ها إني أجتذبها لأجعل منها ذَكّراً وتصير أيضا روحا حيّة تشبهكم أنتم الذكور. لأن كل امرأة تجعل نفسها ذَكَراً تدخل ملكوت السموات ” (114). يبيّن هذا العرض السريع بعض الأسباب التي دعت الكنيسة إلى رفض تعاليم هذه الكتب المنحولة، فهي تشوّه الحقيقة وتسمم أفكار المؤمنين(الضعفاء) الذين يفعلون خيراً – إن وقعت بين أيديهم- إذا ابتعدوا عنها، والتصقوا بماء الحياة المتدفّق من إنجيل الحياة.
ما هي هذه المسرّة؟ وما المقصود بها؟ لكي نصل إلى عمق الجواب وجوهره يجب أن نعود إلى ما قاله الله على لسان أشعياء النبيّ وتحديدًا في الإصحاح ٥٣ منه الذي يتكلّم بشكل واضح عن الآلام التي سيتحملّها المسيح لأجل خلاصنا.
لاحظوا أنّ كلمة مسرّة مرتبطة بمشيئة الله الآب وهي أن يُسحق ابنه كذبيحةٍ أبديّة عن بني البشر.
فمشيئة الله هي قداستنا. إنّها مسرّة الآب الأزليّة بخلاص البشر من نير الخطيئة ومن سطوة الشرير.
والمسرّة بمعناها اللاهوتي هي إتمام مقصد الله من خلق الإنسان على صورته كشبهه، حيث إنّ الخليقة تتّحد بالخالق وتمجّده. وكلا الأمرين تحقّقا بتجسّد المسيح وصلبه وقيامته.
فولادة الرب لا تنفصل عن صلبه وقيامته. وما يبدو حزنًا واحتقارًا هو مسرّة خلاصيّة سلاميّة وأبديّة.
فصورة عبد الله «يهوه» المتألم أي ابن الله الوحيد على الصليب في نبوءة أشعياء النبيّ هي صورة التدبير الإلهيّ لخلاص البشر.
من هنا سمعنا في الظهور الإلهيّ (معموديّة يسوع) صوت الآب يقول عن المسيح: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (مت١٧:٣)، ليعود الآب ويقول الأمر نفسه في التجلّي مع إضافة «لَهُ اسْمَعُوا» (مت ٥:١٧).
“ها أنا أقف على الباب، أقرع”: الميلاد هو أن أنهض وأن أفتح الباب.
أولى عطايا الميلاد هو “السلام”. وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه. رنَّم الملائكة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرَّة”. عندما نمجد الله في حياتنا، يحل السلام في قلوبنا، وعندها يفرح البشر ببعضهم البعض. كيف أفرح بأخي ويفرح أخي بي، إن لم يكن هناك سلام في قلبي وقلبه؟ أرأيتم، المنطلق دوماً في حل مشاكلنا وتجاوز كافة الصعوبات التي تعترضنا هو “المسيح”. لننظر إلى الأطفال ولنتعلَّم منهم، أو فلنتعلَّم من أنفسنا عندما كنَّا أطفالاً، ماذا كنَّا نفعل، عندما كنا نرتعب من شيء ما؟ من دون أن نفكر، وبشكل جداً عفوي، كنا نهلع راكضين إلى والدينا نتمسك متشبثين بهم بشدة، حتى نسترجع حالة الأمان والسلام التي تزعزعت والتي فقدناها. هكذا أيضاً، كلما اشتدَّت تجارب الحياة وطأة وقسوة وطال أمدها، علينا أن نتمسك بأبينا المسيح ولا نخاف. لنتعلَّم من أمنِّا العذراء. لم تخشَ شيئاً عندما أنبأها الملاك بخبر البشارة. لم تقل في نفسها، ما هذه الأقوال؟ كيف يطلب مني مثل هذا؟ سيفتكر الجميع فيّ بالسوء، ومن بينهم يوسف، وربما سيرجمونني. حتَّى عندما شكَّ بها يوسف، بقيت في سلام، كأنَّها في أحضان الله آمنة. وحتَّى عندما هربت إلى مصر؟ لم تتذمر؟ لم تقل أنا هي أم الله كيف يمكن أن يحدث لي هذا؟ ذهبت إلى مصر وكانت آمنة. المسيح معنا. هذا يعني، أنَّه مهما ارتفعت أمواج الاضطرابات في الحياة عاتية، إلا أننا سنتتصب إلى جانب المسيح فوق تلك الأمواج كأسياد عليها. لا يهم إذا كان هنا مشاكل واضطرابات في حياتنا أم لا، لكن المهم أن نتشبث ممسكين يد الله بقوة ولا نفلتها أبداً.
المسيح نفسه وهو ابن الله، عندما سمع هيردوس الملك خبر ولادته من المجوس اضطرب، واضطربت كل أورشليم معه، وبخباثة طلب من المجوس أن يفحصوا مكانه بتدقيق، لا لكي يسجد له بل ليقتله. ولم تلبث أن استعلنت نواياه الخبيثة، عندما أصدر أمراً من دون شفقة ضد أهله وأخوته في الإيمان نفسِه، بأن يُقتل جميع أطفال بيت لحم من دون السنتين من دون رحمة. قد اضطر يسوع، وهو طفل رضيع، أن يهرب إلى مصر مُحتملاً مشاق السفر وأتعابه. فإن كان بهذا القدر، ابن الله، مرفوضاً منذ ولادته، فكيف بالحري نحن، عندما نتذمر على الله ونتنكر لوجوده ولعمل عنايته الإلهية لمجرد أنَّ تجارب وصعاب تعترضُنا، إذ علينا أن نحتمل كل هذا المساوئ من دون أن نجزع أو أن نضطرب. بل أن نفرح لأننا نقاسم ونشارك الرب حياته. واثقين، كما أنَّ الرب أبطل مكائد هيردوس، سيبطل الرب كل المصاعب، وكل شيء سيتحطم ويفقد مفعوله. الميلاد هو أن نبقى نحن دوماً مع المسيح.
المسيحي هو عنصر وسفير السلام الإلهي على الأرض. حتى عندما تندلع الحروب، ويضيع السلام والأمان بين البشر، يبقى المسيحي ينشر السلام. إذ لا يخاف ولا يضطرب. اللاحرب هي حالة الأمن وسلامة العيش. مسيحياً السلامة والأمن شيء والسلام الداخلي هو شيء آخر. السلام الداخلي أعمق بكثير. من يملك السلام الداخلي، يصير صانع السلام. من هنا طوَّب المسيح صانعي السلام بقوله: “طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء لله يُدعون”. النصر الكبير دوماً هو انتصار الإيمان. ماذا يعني أن ينتصر الإيمان؟ ألا يغرق مركبنا الذي تتخبطه العواصف والأمواج من كل جهة. ماذا يعني أن ينتصر الإيمان؟ يعني أننا صرخنا جميعاً صلاة حارة إلى المسيح الذي يغط في نومه في طرف المركب الذي نحن فيه. فنهض للتو وأمر الريح والبحر، فهدأ كل شيء. كيف يعني أن نصرنا الكبير هو انتصار الإيمان؟ أننا مؤمنون وكلنا ثقة أن يسوع سيأتي في الهجعة الثالثة من الليل وسيقول لنا: “لا تخافوا”، وسنمشي إليه فوق الأمواج العاتية ولكن سننظر إليه ولن نغرق.
“ها أنا أقف على الباب، أقرع”: الميلاد هو أن أنهض وأن أفتح الباب. لا، المسيح ليس بوسعه أن يفتح الباب. الباب مغلق ومُفتاحه موجود فقط من الداخل وليس من الخارج. إذا عليَّ أن أنهض، وأن أفتح للمسيح. كيف يتم هذا؟ من خلال العناية بالغريب والفقير والمريض والسجين واليتيم. المرحلة هي أن نقبل الآخرين في حياتنا كما هم، فنحبهم ونهتم من أجلهم ونضحي ونبحث عما يُفرحهم بالرب. هنا يبدأ الشعور بحضور الرب. هنا تتغير اهتماماتنا. أي اهتمام خارج الرب سيصير لنا مُتعباً، وسنتحمس لكل ما يُرضي الرب، ولكل ما يُبقينا معه. تنمو الرغبة في داخلنا في أن نقضي أكثر وقت ممكن مع يسوع، من هنا نصلي أكثر ونصوم أكثر ونسهر أكثر، ونمارس نسكا أكثر ونعترف ونتوب أكثر على خطايانا. لا نعود نتوب ونعترف لأنه يجب أن نسترجع حالتنا الروحية السابقة. لن نتوب لأن كبرياءنا كبير لا يسمح لأي تدهور روحي أن يطول. سوف نتجاوز هذه التوبة الزائفة، ولا نعود نهتم لا بكبريائنا ولا بكرامتنا، ولا بما يقوله الناس فينا، ولا بنظرتنا الشخصية لذواتنا. الهم هو واحد فقط، أن أبقى بجانبك يا يسوعي العذب. هذا هو الميلاد أن نطلب وجه الرب في كل حركة من حركات حياتنا.
الحريديم هي طائفة يهودية متطرفة وهم جماعة من اليهود المتدينين تطبق الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق “التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية” وهي وفق هذا المعنى طائفة يهودية أصولية ويحاول الحريديم تطبيق التوراة في إسرائيل.،وقد أطلقت عليها الصحافة الإسرائيلية أسم “أمهات الطالبان”.
اصل التسمية
اسم حريديم هي جمع لكلمة «حريدي» وتعني “التقي”. وقد تكون الحريديم مأخوذة من الفعل حرد بمعنى غضب وبخل واعتزل الناس…
مميزات الحريديم
يرتدي الحريديم عادة أزياء يهود شرق اوربة، وهي المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء ويضيفون له الطالبت، ويرسلون ذقونهم إلى صدورهم، وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المضفور، واحيانا ترتدي النساء البرقع الذي يشبه النقاب إلي حد بعيد. وهم لا يتحدثون العبرية على قدر استطاعتهم (باعتبارها لغة مقدَّسة) ويفضلون التحدث ب”اليديشية”(1) وتتميَّز عائلات الحريديم بزيادة عددها لأنهم لا يمارسون تحديد النسل، ولذا فأعدادهم تتزايد بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والانجاب. بالمقابل ليس من السهل الحصول على معلومات دقيقة عن هذه المجموعة، تتعلق بأعدادهم لأنه ليس من السهل الوصول إلى تعريف خاص بهم، إضافة إلى عدم وجود مصادر خاصة تعطي إحصائيات دقيقة تتعلق بهم.
ومن مميزاتهم الدينية أنهم يتميزون بتبنيهم للتفاسير الأكثر غلواً في التراث الديني، وللتشدد في أداء العيادات والطقوس الدينية، بما يدفعهم إلى الانعزال عن اليهود غير المتقيدين بحذافير التعاليم الدينية، واعتزالهم، لذلك يفترض الحريديم أن على غيرهم من اليهود الاحتذاء بهم لأنهم يلتزمون بتعاليم الكتاب المقدس. وهم –بشكل عام- ينتظرون مجيء المسيح اليهودي المُنتظر ليخلصهم من متاعب الحياة، ويقيم لهم مملكة الرب على الأرض التي ستتحد مع مملكة السماء.
معظم الذكور في المجتمع الحريدي يبقون في المدارس الدينية حتى سن الاربعين سنة، وبالتالي فهم لا يشاركون في القوى العاملة في المجتمع الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يفسر عيشهم في ظل ظروف سيئة، وفي حالة فقر مع الاعتماد الكبير على دعم الدولة. وبناء على الأفكار الحريدية يُطلب من اليهودي الانسحاب من كل النشاطات العالمية والتفرغ للدراسات الروحية. وبالتالي فإن المشاركة في الجيش أو النشاطات الاقتصادية أو الأدب الحديث أو الرياضة أو الموسيقى أو الأفلام والتلفاز تعتبر خطيئة.
ومن بين المميزات التي تميز مجتمع الحريديم أيضاً هو أن متوسط الزيادة السكانية لدى الحريديم هو الأعلى في إسرائيل، وهو ما نتج عنه زيادة سنوية وصلت إلى 6% تقريباً عام 1996، و7.3% عام 2000، وحوالي 6% عام 2001، وحوالي 7% عام 2002، وهي نسب مرتفعة مقارنة بالمجتمع الإسرائيلي العلماني. والسبب الرئيسي لزيادة السكان الحريديم هو الزيادة الطبيعية العالية (حوالي 72% من مجمل الزيادة السنوية في عام 2001). ويصل عدد الولادات السنوية لدى الحريديم إلى 35 ألف ولادة بما يشكل 25% من مجموع ولادات إسرائيل، كما يتزوج في إسرائيل سنوياَ حوالي 5 آلاف زوج حريدي. ينجب كل زوج منهم ما بين 7 – 9 ولادات، ينتج عنها زيادة كبيرة في أعدادهم، ونسباً عالية من الزيادات السنوية مقابل معدل ولادات منخفض نسبياً للعلمانيين يتراوح بين 1-1.5 بنسبة زيادة سنوية: 1.6% فقطنساء الحريديم
صفات الحريديم
الطائفة اليهودية الحريدية طائفة محافظة من “اليهودية الأرثوذكسية”(2). تنقسم إلى مجتمعات مختلفة لا توجد بينها موافقة كاملة على أسلوب الحياة والعقائد الجديرة، ولكن جميعها تتميز بالصفات التالية:
التمسك بشكل تام ب”الهالاجاة الأرثوذكسية” ومعارضة إعادة النظر في الشرائع والتقاليد اليهودية الدينية.
تفضيل اليشيفات والتعليم الديني التقليدي على أي نوع آخر من التعليم أو التربية. ويتعلم أبناء الطائفة الحريدية العلوم العلمانية عند الحاجة فقط، من أجل إنقاذ الحياة (مثل تعلم الطب) أو من أجل كسب الرزق. أما تعلم الأدبيات، الفلسفة… وغيرها، فمرفوضة عند اليهود الحريديين.
التحفظ من تبني تكنولوجيات جديدة مثل التلفزيون، الحاسوب، الهاتف النقال… إلخ. هذه الاختراعات موجودة عند اليهود الحريديين ولكنها أقل شيوعا عندهم.
التمسك باللباس التقليدي، وخاصة باللباس الذي كان شائعا لدى اليهود في شرقي أوربة قبل القرن ال20.
مذاهب الحريديم
التصنيفان الرئيسان لمجتمعات الطائفة الحريدية هما
– المجتمعات الحسيدية وهي التي تتابع أفكار الحاخام يسرائيل باغل شيم طوف (1700-1760م)
– المجتمعات “اللتوانية التي تتابع أفكار الحاؤون من فيليس (الحاخام إلياهو بن شلومو زالمان 1720-1797م).
الصراع عند العلمانيين
الجذور التاريخية لهذا الصراع بدأت من مرحلة ما قبل قيام اسرائيل، وقد وجدت هذه الصراعات بسبب الأمر الواقع الذي بدأت فيه عند قيامها فيما يتعلق بترتيبات الدين وممارسة الشعائر الدينية، فالقوانين التركية والبريطانية في فلسطين تركت قوانين الأحوال الشخصية في يد الزعماء الدينيين لكل طائفة، وهو الأمر الذي استمر عند قيام إسرائيل، بما يتضمن أن قوانين الزواج والطلاق تخضع للقانون الديني في حين لا يوجد زواج مدني، ولا زيجات مختلطة. هذا الأمر يتضمن أيضاً أن يوم السبت عطلة رسمية، وأن المطاعم المدعومة من الدولة ستلتزم بقوانين الطعام اليهودية، وأن لجميع الآباء الحق في إرسال أبنائهم إلى المدارس العامة أو إلى المدارس الدينية، وأن طلاب الأخيرة لا يخدمون في وحدات الجيش.
من مميزات هذا الصراع أنه صراع طويل جعل كلا المجتمعين، الديني والعلماني، يسعى إلى تحصين عالمه على نحو يمكنه من العيش وفق رؤيته هو لا وفق رؤية الطرف الآخر، وهذا يعني محاولة كل طرف الوصول لمرحلة انعزال كل مجتمع عن الآخر، والتوقف عن محاولات التأثير والاستقطاب بين المجتمعين، وهو ما أوصل المجتمع الإسرائيلي في نهاية التسعينات إلى الاتجاه أكثر نحو الفصل التام بين المجتمعين، وتخصيص مناطق سكن معزولة للحريديم خاصة في القدس. كل هذه الأمور تجعل قراءة مستقبل المجتمع الإسرائيلي وهويته بين الدين والسياسة أمراً صعباً، لأنها تجعل من إسرائيل دولة غير قادرة أن تكون دولة يهودية ضمن المفهوم الديني، ولا أن تكون دولة علمانية وفق ما تتطلبه العلمانية من مفاهيم. فالطرفان حاربا من أجل الأهداف نفسها وفق ما ترويه التوراة والتلمود والتراث اليهودي، وما يحدث هو محاولة لإدارة الصراع على شكل الدولة والهوية، ولم تشهد إسرائيل أو الحركة الصهيونية أية محاولة لإنهاء أو حسم الصراع الديني العلماني.
ولا شك أن هناك كمية كبيرة من العزلة الاجتماعية تتميز بها العلاقات الاجتماعية العامة في إسرائيل بين المتدينين وغير المتدينين، كلا الفريقين يفضل الاتصالات الاجتماعية مع أشخاص من مستويات مماثلة من التدين.
يعتبر الحريديم أنفسهم أقلية عددية بين اليهود، لذلك فهم يرغبون بالانسحاب من الحياة العامة من أجل الحفاظ على نقاء هذه الأقلية، وتسعى إلى بقاء مجموعتها. أما على المستوى السياسي فهم لا يريدون الحصول على الحقوق كأقلية دينية، إنما يسعون لتغيير تعريف الدين ودوره في الحياة لتطبيقه واعتماده من قبل الدولة.
المناوشات تستمر بين المعسكرين وتتصاعد بشكل دوري من الأقوال إلى الأفعال لتشمل استخدام الأسلحة والحرق وأعمال الشغب وتدمير الممتلكات العامة والعديد من الأعمال التي من شأنها الإضرار بالنظام.
نشاط الحريديم السياسي
رجال الحريديم
مراكز اليهودية الحريدية موجودة في مدينة القدس (في حارة “مئة شعاريم” مثلا وفي حارات يهودية أخرى)، في مدينة يني براك المجاورة لمدينة تل ابيب من جانبها الشرقي، وفي بعض حارات مدينة نيويورك.
ولا علاقة لليهود الحريديم بالحركة الصهيونية عند تأسيسها، بل عارضها الكثير منهم بشدة في مراحلها الأولى إذ اعتبروها حركة علمانية تهدد الحياة اليهودية التقليدية.
أما اليوم فمعظمهم يؤيدون دولة إسرائيل ويتعاونون معها، باستثناء مجتمعات معينة مثل حركة “ناطوري كارتا” ما زالت معارضة بشدة لمؤسسات الدولة وترفض التعاون معها.
موقف الحريديم من الدولة
حركة “ناطوري كارتا” وهي الاكثر تشددا في طائفة الحريديم في الموقف من كيان الدولة العبرية، ما زالت معارضة بشدة لمؤسسات هذه الدولة، وترفض التعاون معها وكانت بزعامة الحاخام الراحل موشيه هيرش الذي كان منذ الاساس معارضا لقيام هذه الدولة، وكان هو جماعته الصغيرة يحرقون أعلام إسرائيل في “يوم استقلال إسرائيل” وكان موشيه هيرش مقربا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عينه وزيرا لشؤون اليهود في السلطة الوطنية الفلسطينية وكان مستشاراً له أيضا، وكان منفتحا على الزعماء الفلسطينيين الدينيين ومنهم المطران عطا الله حنا والزعماء السياسيين، حتى يُسجل له لقاءات مع شخصيات رفيعة في ايران.
الحاخام موشيه هيرش الوزير في السلطة الفلسطينية المعين من ياسر عرفات
موقف الحريديم من الخدمة العسكرية
الأغلبية الساحقة من اليهود الحريديين يفضل عدم الخدمة في الجيش الاسرائيلي، أما الدولة فتوافق على إعفاء أبناء الطائفة من الخدمة العسكرية، مع أن هذه السياسة تثير الجدل في المجتمع الإسرائيلي، غير انه تم إنشاء كتيبة في الجيش تحت بيرق نهال ويسمى ب”نهال حريدي” خصصت هذه الكتيبة للمتدينين الراغبين في الخدمة العسكرية كحل وسط من الحكومة، حيث تراعي هذه الكتيبة متطلبات الحياة الدينية للمتدينيين.
من ناحية أخرى الأصوليون اليهود ليسوا قدريين، بمعنى أن اليهود يؤمنون بضرورة أن يكونوا عوناً لله في عملية إصلاح العالم، ولذلك فمن العناصر الأساسية في رؤيتهم للعالم اعتقادهم أن نجاح الجهود الرامية إلى تحقيق بعض الأهداف السياسية الضرورية للخلاص يتوقف على رؤية القادة اليهود وإحساسهم بمقتضيات الحياة ولاسيما الإيمان الأعمى والانضباط الروحي للشعب اليهودي ككل. ويترتب على ذلك أن كل الاتصالات السياسية بالبيئة الدولية لا تفسّر كفرص سانحة لتكيف الموارد مع الأوضاع المتغيرة، بل اختبارات لبصيرة الشعب اليهودي وقادته وشجاعتهم وقوة عزيمتهم.
أحزابهم السياسيةيمثل جمهور المتدينين الحريديم عدة أحزاب بناء على الأصول الإثنية للحريديم، فالحريديم الاشكناز تمثلهم كتلة يهودية التوراة أو يهودات هتوراه (المنبثقة من أغودات إسرائيل التاريخي وهديجل هتوراة)، والحريديم الشرقيين الحريديم الشرقيين يمثلهم حزب شاس.
وقد حققت يهودات هتوراه التي تم تأسيسها عشية انتخابات الكنيست عام 1992 اربعة مقاعد، وكذلك في 1996 ، وخمسة مقاعد عام 1999، وكذلك في عام 2003، وستة مقاعد في عام 2006، وفي انتخابات الكنيست عام 2009 خمسة مقاعد. لكنها في الوقت نفسه ترفض الكتلة المشاركة بأية مناصب وزارية، لكنها تشارك في الحكومات الائتلافية من خلال تولي منصب نائب وزير، أو لجنة برلمانية مهمة. ويعود السبب في رفضها تولي حقائب وزارية إلى عدم رغبتهم بأن يكونوا شركاء في المسؤولية السياسية في اتخاذ قرارات تتناقض مع مضامين الشريعة اليهودية المتشددة.
الحريديم أكثر تشدداً بحق النساء
نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية سابقاً، خبرا مفاده أن حاخامات يهود ينتمون إلى الحريديم قد أصدروا فتوى تلزم النساء الإسرائيليات بعدم التبرج، وبارتداء البرقع، وعباءة واسعة لإخفاء كل أجزاء الجسد، إضافة إلى عدم الحديث في الهاتف أثناء الوجود بالشارع أو الأماكن العامة.
حسب الحريديم، فإن هذه الفتوى تبتغي الحفاظ على مكانة واحترام المرأة لجسدها وذاتها، تنفيذا لتعاليم الدين اليهودي الذي يدعو إلى الالتزام بالأخلاق والاحتشام. هذه الفتوى وصفتها ذات الصحيفة، بالمتطرفة والمتشددة، كما اعتبرتها بداية لولادة طالبان اليهودية في إسرائيل.
إلى جانب فرض ارتداء برقع شديد السواد على المرأة، فإنها أيضا تعفى من الخدمة العسكرية على خلاف كل الاسرائيليات، اللائي يخدمن في الجيش لمدة سنتين. كما يحرم عليها لعب دور سياسي، أو المشاركة في الحياة العامة مهما كان الدور هامشياً، إذا كانت ستظهر فيه بمظهر المنافس للرجل. كما أن الكثير من نسائهم لا يتلقين التعليم على يد الحاخامات لأنهم رجال.
كثيرة هي القصص التي يبرز فيها تشدد الحريديم في موضوع المرأة، ففي نيويورك مثلا حيث يقطن أتباع كثر لهذه الطائفة، يفصل بين الرجال والنساء في الحافلات العامة بستار يوضع في الوسط. كما أن المنشورات من جرائد ومواقع إلكترونية لا تصدر أبدا صوراً للمرأة، ودائما ما يتلاعب بالصور التي تظهر فيها النساء وتزال وجوههن أو تطمس، كما حدث سنة 2015، حين قدمت بعض الصحف التابعة للحريديم، الصورة الرسمية للحكومة الإسرائيلية منقوصة من نسائها. هذا وسبق أن رفض وزير الصحة الإسرائيلي مصافحة نظيرته الفرنسية بسبب معتقده الديني هذا المتشدد للحريديم.
المرأة مقموعة لدى الحريديم
النقاب عند المرأة
كثيرة هي القصص التي يبرز فيها تشدد الحريديم في موضوع المرأة، ففي نيويورك مثلا حيث يقطن أتباع كثر لهذه الطائفة، يفصل بين الرجال والنساء في الحافلات العامة بستار يوضع في الوسط. كما أن المنشورات من جرائد ومواقع إلكترونية لا تصدر أبدا صورا للمرأة
يدعو هذا التيار لفصل الرجال عن النساء و يعتبر مظاهر الحداثة كفر، وأتباعه يؤمنون بأنهم الوحيدون من يتبع تعاليم التلمود يرفضون الخضوع لأحد سوى الخالق، ويعارضون حكم العلمانية لأن الحكم بنظرهم للخالق وبحسب تعاليم التلمود فقط يعيش الحريديم في عزلة عن المجتمع في أحياء لهم فيها متاجر ومدارس خاصة حيث تعتبر دراسة التعاليم الدينية الأهم ويتم الفصل بين الذكور والإناث في مدارسهم حيث الحاخام يهتم بتعليم الأطفال ويحمل سلاحاً معه دائما مبرراً ذلك بضرورة تأمين الحماية للأطفال وتقضي الفتاة حياتها في مدرسة خاصة تغادرها لبيت زوجها فقط في عالم الحريديم المنغلق ذهاب الفتاة للجامعة حرام.
فقد كتب جون روبرت في موقع your jewish news المختص بأخبار اليهود في العالم ومقره في ولاية كاليفورنيا الأمريكية عن نساء هذه الطائفة “أنهن كن دائما فخورات بلباسهن المحتشم.. الذي يسمى فرومكا frumka ” يطلق عليه البعض أسم “برقع طائفة الحيرديم” “Haredi burka sect” وتعليقا على الموضوع قال الحاخام بنيزري لموقع your jewish news أن الطائفة اعتمدت هذا اللباس “بسبب مخاوف بشأن حالة تدهور الحياء في المجتمع اليهودي المتشدد”.
يشكل الحريديم 30% من سكان القدس والهوة بينهم وبين المجتمع تتسع ولكن مستويات التشدد فيما بينهم متفاوتة يعتبر حي المئة باب شمالي القدس مثالاً عن أحياء الحريديم المغلقة حيث لا ترى سوى أُناس بلباسهم الأسود والشعر الطويل والذقون الطويلة المجدلة، ويمنع على المسيحي العيش في هذا الحي. واذا سكن فيه أي شخص مخالف يتم تخريب ممتلكاته وإجباره على مغادرة الحي.
من مظاهر الفصل بين الذكور والإناث لدى بعض العوائل الفصل داخل البيت الواحد ضمن العائلة الواحدة يمنع على الأنثى التحدث مع الذكر أو تناول الطعام معه وتلبس المرأة لباساً اسود يشبه النقاب حيث لا يظهر منها شيء ابداً فالنقاب أصله يهودي ورثته الوهابية عن اليهود ويصل التشدد في بعض العوائل لاستحمام المرأة بلباسها والجنس لديهم بغرض الإنجاب فقط وليس للمتعة والرجل لا يقبّل زوجته
الحريديم أكثر تشددا على النساءنشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية سابقا، خبرا مفاده أن حاخامات يهود ينتمون إلى الحريديم قد أصدروا فتوى تلزم النساء الإسرائيليات بعدم التبرج وبارتداء البرقع وعباءة واسعة لإخفاء كل أجزاء الجسد، إضافة إلى عدم الحديث في الهاتف أثناء الوجود بالشارع أو الأماكن العامة.
حسب الحريديم، فإن هذه الفتوى تبتغي الحفاظ على مكانة واحترام المرأة لجسدها وذاتها، تنفيذا لتعاليم الدين اليهودي الذي يدعو إلى الالتزام بالأخلاق والاحتشام. هذه الفتوى وصفتها ذات الصحيفة، بالمتطرفة والمتشددة، كما اعتبرتها بداية لولادة طالبان اليهودية في إسرائيل.
إلى جانب فرض ارتداء برقع شديد السواد على المرأة، فإنها أيضا تعفى من الخدمة العسكرية على خلاف كل الاسرائيليات، اللائي يخدمن في الجيش لمدة سنتين. كما يحرم عليها لعب دور سياسي أو المشاركة في الحياة العامة مهما كان الدور هامشيا، إذا كانت ستظهر فيه بمظهر المنافس للرجل. كما أن الكثير من نسائهم لا يتلقين التعليم على يد الحاخامات، لأنهم رجال.
النقاب عند المرأة
كثيرة هي القصص التي يبرز فيها تشدد الحريديم في موضوع المرأة، ففي نيويورك مثلا حيث يقطن أتباع كثر لهذه الطائفة، يفصل بين الرجال والنساء في الحافلات العامة بستار يوضع في الوسط. كما أن المنشورات من جرائد ومواقع إلكترونية لا تصدر أبدا صورا للمرأة، ودائما ما يتلاعب بالصور التي تظهر فيها النساء وتزال وجوههن أو تطمس، كما حدث سنة 2015، حين قدمت بعض الصحف التابعة للحريديم، الصورة الرسمية للحكومة الإسرائيلية منقوصة من نسائها. هذا وسبق أن رفض وزير الصحة الإسرائيلي مصافحة نظيرته الفرنسية بسبب ذات المعتقد الديني المتشدد للحريديم.
حواشي البحث
1- “اليديشية” وهي حسب موسوعة ويكيبيديا هي “لغة يهود أوربة نمت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين من لغات عدة منها الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية . يتحدثها ما يقارب 3 ملايين شخص حول العالم، أغلبهم يهود أشكناز” و”اليديشية تستخدم الحروف العبرية في الكتابة ولكنها تختلف عنها في نفس الوقت.
2- الارثوذكسية كلمة يونانية مؤلفة من كلمتي ارثو وذوكسا وتعريبها المعتقد القويم او المستقيم الرأي وهي تستخدم في المسيحية للدلالة على فرع الكنيسة الارثوذكسية التي تتمسك بالتعليم الاساسي للمسيحية كتعاليم الرسل والمجامع المسكونية السبعة (الى ماقبل الانشقاق الكبير عام 1054م الذي قسم الكنيسة المسيحية الى ارثوذكسية وكاثوليكية) وتحافظ عليه ويسمى اتباعها” ارثوذكسيون او مستقيمو الرأي” ومن هنا اتت قياساً عليها “اليهودية الارثوذكسية” وانتقلت هذه التسمية الى كل لغات العالم.
قال له يسوع:” ماذا تريد” فقال له الأعمى: “يا سيدي أن أبصر”. فقال له يسوع: “اذهب، إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق” نتأمل معاً حالات العميِّ الذي شفاهم الرب يسوع حيث أن هناك فرق كبير بين أعمى و أعمى و أعمى .. (لوقا 18: 35-43). تفتيح أعين العميان من أهم المعجزات الإلهية فقد شفى يسوع المسيح أعين عميان كثيرين جداً، منهم من عانى بالعمى الجسدي، ومنهم من عانى بالعمى الأخلاقي أو العمى الإيماني أو الروحي، فيسوع عالج هذه الأنواع المتعددة للعمى. حتى من يتحملون المسؤولية القيادية وهم غير مؤهلين إيمانياً وعلمياً وأخلاقياً قائلاً لهم : “لا يستطيع أعمى أن يقود أعمى، وألا يسقطان معاً”. هذه المعجزة لها أبعاد عديدة جداً بالنسبة للإنسان، ومن أهم ما تكشفه هذه المعجزات أنها إشارة قوية جداً على ظهور عصر المسيح. فعصر المسيح منذ القديم تنبأ فيه الأنبياء وبذلك تأصل في فهم وعقول اليهود والفريسيون ومعلموا الناموس بشفاء الأمراض وخاصةً “العمي يبصرون والعرج يمشون” (لو 7: 23). فهناك نبؤات كثيرة جداً كانت تُشير إلى ارتباط عصر المسيا المنتظر بشفاء العمي والعرج والبرص. قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا. هوذا إلهكم الانتقام يأتي. جزاء الله. هو يأتي ويخلصكم، حينئذ تتفقح عيون العمي وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الأخرس لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر” (أشعيا 35: 4-6). وقد أخذ أشعيا النصيب الكبير في هذه النبوات حتى رسخ في ذهن جميع الشعب ارتباط ظهور المسيح بشفاء الأمراض وتفتيح أعين العميان. وهذا الذي جعل يسوع يكتفي بهذا البرهان للرد على يوحنا المعمدان عندما أرسل تلاميذه يستفسرون من المسيح عن شخصه فقال لهم: “اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. أن العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون” (لو 7: 23).
ومن أبعاد شفاء الأعمى أيضاً هو كشف عمل المسيح الخلاصي بالنسبة للإنسان وهذه الأبعاد في غاية الأهمية. فهناك مختلف من أنواع العميان شفاهم يسوع. النوع الأول شفاء أعمى منذ مولده (يوحنا 9: 1-41) وأخر في (مر 8: 22- 26). هذه المعجزة التي نحن في صددها وهو الأعمى الذي ولد أعمى بمعنى أنه لم يُخلق له من الأصل عين فهذا النوع فاقد جزء من الجسد وشفائه من الناحية الطبية شيئ مستحيل، لأن العين أساساً غير موجودة وتحتاج إلى أعادة خلق من جديد وهذا بالطبع لا يقدر عليه أحد بخلاف الله الخالق وحده. البعد الروحي لهذه المعجزة موقف هام فالمسيح جاء في الجسد لكي يصلح ما قد هلك بالفعل “لان ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك” (لو19: 10). في هذه المعجزة ينكشف عمل الله القوي نحو الإنسان الذي ليس له عين يرى بها الحياة الطبيعية، فهو إنسان ولد لا يعرف المسيح ولا سمع عنه، ربما لم يصل إليه أي معلومات عن المسيح. وأحياناً تصل مشوهة وغير حقيقية.
لابد من وجود أصدقاء ومعارف يأخذون هذا الشخص إلى المسيح ويطلبون من أجله أن يفتح المسيح عينه أو بالحري أن يخلق فيه عين جديدة وهذا ما حدث بالفعل في هذه المعجزة الأولى.
وربما تكشف هذه المعجزة مسؤوليتنا نحو أخوتنا الذين في العالم والذين تشوهت معرفتهم بالمسيح فنحن مُطالبون أن نقودهم للمسيح بالمحبة واللطف، فعندما نقودهم إلى المسيح بالمحبة يتحنن عليهم مع توسلاتنا وصلاتنا فيخلق لهم عين جديدة تستطيع أن ترى يسوع وكل الحاضرين بوضوح.
“وَجَاءَ يسوع، إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ” (مر 8: 22). انتهز بعض الأصدقاء المحبين للمسيح والعارفين به جيداً وبقدرته العجيبة على الشفاء فقدموا إليه أعمى لا يعرف المسيح وليس عنده أي معرفة به أو بشخصه. ولكن بدافع المحبة التي في قلوبهم، وأيضاً بدرايتهم بسر الحياة طلبوا إليه أن يلمسه.
هؤلاء هم الحكماء، والمؤمنين المخلصين الذين اختبروا المسيح، واختبروا عن قرب قوة الحياة التي في المسيح يسوع لذلك اختصروا الطريق وحددوا طلبهم بوضوح أن يلمس هذا الأعمى ..!! “فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ” (مر 8: 23). فلنصلي للرب لنيل نعمة الشفاء. ما أروع محبتك يا رب أنت بنفسك الذي أخذت بيد هذا الأعمى والذي كان لا يعرفك من قبل، أخذت بيده وأخرجته خارج القرية وبعيداً عن الزحام وعن الاهتمامات المعيشية ولهو الحياة، لأنها هي الحجاب الحقيقي الذي يحجب رؤية المسيح. أمسك بيدي أنا الأعمى لكي تخرجني خارج مشاكلي واهتماماتي الكثيرة التي تُثقل قلبي وروحي وتُعمي بصيرتي. أرجوك يا رب أضغط أكثر على يدي عندما تمسك بها لتخرجني خارجاً، لأني ضعيف الإحساس، ولا تتركني يا رب حتى أشعر بالقوة والأمان، وأنت تخرجني، من عالم الظلمة إلى عالم النور والحرية. ضروري أن أخرج ولا أمُتنع لأن الخروج من الاهتمامات التي تسيطر على قلبي وعقلي هي الحل في الشفاء من العمى الروحي. “وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟”(مر 8: 23).
عملية الخلق الجديد ومن يد المسيح الذي خلق له عين جديدة فهو تفل ووضع طيناً على عينه، تماماً كما فعل الله في بداية الخلق، عندما خلق الإنسان الأول من الطين، دلالة على إلوهية الرب يسوع. “ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً” (مر 8: 25).
عندما، يحدث خداع في الرؤية ويسأل يسوع ثم أجيب له بصدق عن ما يراه حينئذ يمد يسوع يديه ويضعها على عينيه ثم يقوي الإرادة بأن تتطلع، وبالتأكيد لابد أن تعود الرؤية صحيحة، فأبصر يسوع ووجه الإلهي الجميل بوضوح وأيضاً أبصر كل إنسان في المسيح جلياً. “فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: (لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ” (مر 8: 26). النوع الثاني الذين لم يعرفوا الحرّية من الإباحية، الّذين لم يعودوا يعرفوا النور من الظلام على نيّة كلّ من أعمت قلوبهم الكبرياء والسلطة والمال. في هذا النوع يكون الإنسان له عين فعلاً ولكن الشرير خدع الإنسان ودخل من خلال إرادته واستعبد إرادته وبالتالي أعمى الشيطان عين الإنسان فيكون له عين ولا يبصر، إذن ولا يسمع: اسمعوا هذا “أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون، لهم آذان ولا يسمعون” (إر 5: 21). “لأن قلب هذا الشعب قد غلظ. وآذانهم قد ثقل سماعها. وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم” (مت 13: 15). فهذه المعجزة تكشف دور المسيح بالنسبة للبشرية المؤمنة به، فالله يخلق من جديد الإنسان وهذا ما يحدث فعلاً في سر المعمودية، ليصيروا أبنائه وبناته.
فكل إنسان نزل جرن المعمودية، فهو مولود من جديد، ويضئ نوره أمام العالم كله، بيسوع المسيح مخلصه، فتنفتح عيونه ليرى يسوع المسيح نور العالم. “إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هو ذا الكل قد صار جديدا” ( 2كو 5 / 17). ولهذا هذه المعجزة نور يكشف لكل إنسان ولنفسي أنا أيضاً، أهمية وقيمة المعمودية التي فينا، فعندما أجد عيني مظلمة وليست بطاهرة حينئذٍ لابد أن انتبه أنني في خداع من الشرير. فقد أقنع نفسي بالتحالف مع جسدي وشهواته، فتظهر عيني مظلمة فلا ترى قداسة الله وبره الذي يسكن في الخليقة الجديدة. فلهذا على الرغم من أنني أملك عين حقيقية ولكن بخداع الشرير تظلم عيني وبالتالي جسدي يكون مظلماً، وحياتي تكون رديئة وسيئة. (متى 6: 23). أرى على الرغم من أنني أملك العين ولا ترى الخير، وجب عليَّ أن اذهب ليسوع واصرخ نحوه بكل قلبي ولا اتركه حتى يطرد الشر العنيد، والظلمة الشديدة من نفسي حينئذٍ تنفتح وتضاء عينيّ، وجهه الإلهي يؤكد شفائي وينقي عينيَّ أكثر فأكثر. النوع الثالث “حينئذ أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس. فشفاه حتى أن الأعمى الأخرس تكلم وأبصر” (مت 12: 22). هذا الإنسان غير عاقل، بمعنى أنه سلم نفسه للشرير وسيطر عليه وبالتالي أعمى الشرير عينه وكذلك سبب له الخرس، فاحضروه إليه فطرد يسوع الشيطان منه وللحال تكلم وأبصر. تكشف هذه المعجزة كيف يتسبب الشيطان في طمس العين وعدم الرؤية، وفي هذا الجيل يعمي الشيطان العين الروحية ويُضلل الإنسان بصور عديدة، فيظن الإنسان أنه مفتوح العينين ويرى كل شيئ وهو لا يدري أنه أعمى لا يبصر الحقيقة. ولهذا ضروري أن أطلب يسوع كل حين وأتضرع إليه أن يحميني من ظلمة الشيطان ويكون دائماً هو النور الذي في عيني والذي به أرى النور “لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا” (مز 36: 9 / 9). النوع الرابع “ووَصَلُوا إِلى أَرِيحا. وبَيْنَمَا يَسُوعُ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحا، هُوَ وتَلامِيذُهُ وجَمْعٌ غَفِير، كَانَ بَرْطِيمَا، أَي ٱبْنُ طِيمَا، وهُوَ شَحَّاذٌ أَعْمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّريق، فلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيّ، بَدَأَ يَصْرُخُ ويَقُول: “يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي”. فَٱنْتَهَرَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لِيَسْكُت، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ صُرَاخًا: “يَا ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي”. فوَقَفَ يَسُوعُ وقَال: “أُدْعُوه!”. فَدَعَوا الأَعْمَى قَائِلِين لَهُ: “ثِقْ وٱنْهَضْ! إِنَّهُ يَدْعُوك”. فطَرَحَ الأَعْمَى رِدَاءَهُ، ووَثَبَ وجَاءَ إِلى يَسُوع. فقَالَ لَهُ يَسُوع: “مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ؟”. قالَ لَهُ الأَعْمَى: “رَابُّونِي، أَنْ أُبْصِر”. فقَالَ لَهُ يَسُوع: “إِذْهَبْ! إِيْمَانُكَ خَلَّصَكَ”. ولِلْوَقْتِ عَادَ يُبْصِر. ورَاحَ يَتْبَعُ يَسُوعَ في الطَّرِيق” (لو 18: 35-43). تيماوس. كان هذا الأعمى “جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري، ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت، فصرخ أكثر كثيراً: يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يُنادي، فنادوا الأعمى قائلين له: ثق، قم، هو ذا يناديك. فطرح رداءه وقام، وجاء إلى يسوع. فأجاب يسوع وقال له: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيدي أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب، إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق” (مرقس 10: 46-52). كيف نصل لمرحلة أعمى أريحا بطلبنا من يسوع لشفائنا؟ 1- بالصلاة والتأمل بتواضع، جلساً على الطريق وهو محتاج ولا يرى أحد. 2- يصغي بانتباه شديد. سمع صوت ثم سأل: ما عسى أن يكون هذا؟ 3- مرشدون والكتب المقدسة. فأخبروه أنه يسوع الناصري. 4- طلب التوبة والرحمة . صرخ يا يسوع ابن داود، ارحمني 5- أصوات من العالم. أسكته الجموع. 6- بأيمان ولجاجة صرخ صراخاً شديداً يا ابن داود، ارحمني 7- سمع بإلهام الروح سمع صوته يسوع: ماذا تريد أن أفعل بك؟ 8- طلب بإيمان شديد قال يا سيد، أن أبصر”. 9- فأعطاه في الحال قال له يسوع أبصر إيمانك قد شفاك”. 10- نال الشفاء في الحال أبصر وتبعه وهو يمجد الله. 11- فلنمجد الرب معاً الشعب معه سبحوا الله. وقد قدم لنا الإنجيلي تفاصيل تفتيح عيني هذا الأعمى لما حمله هذا العمل من مفاهيم روحية عميقة: أولاً: كان الأعمى جالساً على الطريق يستعطي. فإن كان طريق العالم سهلاً وطريق الرب صعباً، لكن الأول يفقد النفس بصيرتها وحيويتها فيجعلها كمن في الطريق خاملة بلا عمل، تجلس في خيبة أمل تستعطي الآخرين. ثانياً: كانت صرخات الأعمى: “يا يسوع ابن داود” تعلن إيمانه به أنه المسيح المنتظر، الموعود به. لقد سمعهم يسبحون هذه العبارة من المزامير: “أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه، من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك” (مز 132: 11). لقد عرف أيضاً أن أشعيا النبي قال: “ويخرج قضيب من جزع يسى وينبت (يزهر) غصن من أصوله” (إش 11: 1). فإنه إذ آمن أن الكلمة بكونه الله تنازل بإرادته ليولد حسب الجسد من عذراء مقدسة من نسل داود، اقترب منه كما من الله، وقال له: “ارحمني يا ابن داود” .. لقد شهد أيضاً لمجده بسؤاله عملاً لا يقوم به غير الله وحده. ثالثاً: كانت الجموع تحيط بالسيد وتزحمه جسدياً، وعندما أراد الأعمى أن يلتقي به إيمانياً لم يجد من الجموع إلا المقاومة، كعادة البشر. إذ قيل: “فانتهره كثيرون ليسكت”، وأمام هذه المقاومة: “صرخ أكثر فأكثر”، من داخل إيمانه الذي لا يُغلب. حتى في داخل الكنيسة حينما يود إنسان أن يلتقي بالسيد خلال الروح قد يجد مقاومة وروح النقد تهبط الهمم، لكن النفس التي تتمسك بالإيمان الحيّ تشعر باحتياجها للمخلص، فتزيدها المقاومة صلابة، ويزداد صراخها الداخلي أكثر فأكثر، فيكرمها السيد المسيح بدعوتها أن تقترب منه وتتمتع بحضرته كما بعمله الداخلي فيها. يقول القديس كيرلس الكبير: (لتفهموا من هذا يا أحبائي أن الإيمان يدخل بنا إلى حضرة المسيح، ويقدمنا إلى الله (الآب) فنُحسب مستحقين لكلماته). رابعاً: إذ أمر السيد أن يُنادي، تحولت القوى المقاومة إلى قوة عاملة، إذ نادوه قائلين: ثق، قم، هو ذا يناديك. إن كانت هذه الجموع تشير أيضاً إلى الجسد الذي كثيراً ما يقاوم النفس حين تود الالتقاء مع مخلصها ببث روح الخمول والتراخي، لكن النفس المثابرة تستعطف المخلص فيحول الجسد إلى آلات برّ تعين النفس في لقائها مع الرب. لهذا يقول القديس يوحنا سابا: (يتنعم الجسد والنفس معاً في الرب بالمحبة والفرح). خامساً: طرح الأعمى رداءه وقام وجاء إلى يسوع. إنه تدريب يومي تَقَوِّي، فيه يطرح المؤمن أعمال الإنسان القديم كرداء، ويتمتع بالقيامة مع السيد ليكون دوماً معه وفي حضرته. سادساً: سأله السيد الرب: ماذا تريد أن أفعل بك؟ ليس من عدم معرفة، إنما ليعلن إيمانه أمام الجميع، وليؤكد أنه يعطي من يسألونه. سابعاً: تمتع بالبصيرة فتبع يسوع في الطريق. وكما يقول القديس جيروم: “أنتم أيضاً تستردون بصيرتكم أن صرختم إليه وطرحتم رداءكم القذر عنكم عند دعوته لكم … دعوه يلمس جراحكم ويمر بيديه على أعينكم، فإن كنتم قد وُلدتم عميان من البطن، وإن كانت أمهاتكم قد حبلت بكم بالخطية فهو يغسلكم بالزوفا فتطهرون، يغسلكم فتصيرون أبيض من الثلج” (مز 50: 5 ، 7). ملاحظة: يسوع يسأل الأعمى ويسألنا: “ماذا تريدون أن أفعل لكم؟” يسوع يمر باستمرار بحياتنا ولكنه يبقى غير مرئي لمن لا يرون فيه معنى لوجودهم وحياتهم، إنه لا يزال يدعو كل واحد إلى الخروج من الظلمة والعالم الفاسد ليسير معه. كان جواب أعمى العينين: “أن أُبصر …” فالرب هو نور الأنوار وهذا النور هو الوحيد الذي يمكنه أن يعطي الأنوار نورها. النور هو عطيَة السيد لمن يطلبه كما نرى ذلك في نص إنجيل تلميذي عماوس حين تفتّح بصرهما وعرفاه من كسر الخبز. طلب أن يبصر الطريق ليسير مع الطريق وفي الطريق وبالطريق إلى نهاية الطريق، طريق الحق والحياة لأنه، أي يسوع، هو وحده الطريق والحق والحياة.
هو قديس من قديسي الكنيسة الغربية من شمال افريقيا وتحديداً من الجزائر، عاش بين (13تشرين الثاني354-28 آب 430) كاتب وفيلسوف من نوميديا ويعد من اهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية.
تعتبره الكنيسة القبطية الارثوذكسية كالغربية قديساً، يعده العديد من البروتستانت وخاصة الكالفينيون احد المنابع اللاهوتية لتعاليم الاصلاح البروتستانتي حول النعمة والخلاص.
السيرة الذاتية
نص وُلد “أوريليوس أوغسطينُوس” في 13 تشرين الثّاني 354م، في مدينة “ثاغاست” في “نوميديا” التي كانت مقاطعة رومانية، وهي اليوم مدينة “سوق أهراس” في الجزائر. وعلى هذا يعتبر قديساً جزائرياً.
كان والده باتريسيوس وثنيًّا وهو بأصل افريقي لاتيني. وكانت والدته “مونيكا”، امازيغية مسيحية وبحسب “اعترافاته”، “كانت مسيحيّة مؤمنة مكرّسة ذاتها للرب يسوع، وعلى ذلك كان لها تأثير قويّ وواضح في حياة ابنها”.
درس “أوغسطينُوس” عِلم البيان في جامعة “ثاغاست”، ثمّ أتم دراسته في جامعة “قرطاج” اي تونس اليوم، ثم في “روما”، وتعمد في “ميلانو”.
تفلته من الايمان
عاش “أوغسطينُوس” الشّابّ حياة انفلات بعيدة عن الإيمان، واتّخذ له عشيقة ساكنها وأنجب منها طفلاً. في العام 374م، وفي أثناء وجوده في جامعة “قرطاج”، اعتنق “أوغسطينُوس”المذهب “المانويّ”(أتباع “ماني” الفارسيّ). لكنّه رجع إلى الايمان المسيحيّ في العام 387م، وذلك تحت تأثير الأسقف “أمبروز” في “ميلانو”.
وبعد صراع فكريّ وعاطفيّ طويل. عاد إلى وطنه في إفريقيا حيث رسم كاهناً، ثمّ رُسم أسقفًا على مدينة “هيبو” في العام 395م. وقد حافظ على مركزه هذا حتّى وفاته في 28 آب 430م.
نتاجه وعطاؤه اللاهوتي
عُرف “أوغسطينُوس” بوفرة مواعظه ونتاجه الأدبيّ من رسائل وأبحاث فلسفيّة، ونقده اللاّذع للهراطقة، وأيضًا كتاباته حول أساليب التّربية المسيحيّة، حتّى أنّه عُرف بأنّه اللاّهوتيّ الأكثر تأثيرًا في الكنيسة الغربيّة.
من أهمّ أعماله المعروفة: كتاب “مدينة الله” وكتاب “الاعترافات” الّتي وصف فيها حياته قبل أن يصير مسيحيًّا، وصار هذا الكتاب الأخير مرجعًا كلاسيكيًّا للرّوحانيّة المسيحيّة. ويعد اول كتب السيرة الذاتية في الغرب ولايزال مقرؤاً في كل العالم
محتويات كتاب “الاعترافات” للقدّيس أوغسطينُوس
من اقوال القديس اوغسطينوس
الجزء الأوّل: اعترافات “أوغسطينُوس” بعظمة الله الّذي لا يمكن أن يُسبَر غوره، وبمراحمه عليه في أيّام الطّفولة والصِّبا، وبتصلّبه وعناده. اعترافاته بخطاياه وتبطّله، وبسوء استخدامه لواجباته وللمواهب الّتي منحها له الله قبل سنّ الخامسة عشرة.
الجزء الثّاني: الغاية من كتابة اعترافاته. المزيد من حياة التّبطّل والخطيّة في سن السّادسة عشرة. رسالته حول شرور المجتمع القاسي الّذي أودى به إلى عالم السّرقة.
الجزء الثّالث: مكوثه في “قرطاج” من سنّ السّابعة عشرة إلى التّاسعة عشرة من عمره. أسباب الفوضى في سلوكه. شغفه بالمسرح. تقدّمه في دراساته وحبّه للحكمة. نفوره من الأسفار المقدّسة. ضلالته وقبوله المذهب “المانويّ”. دحضه لبعض معتقدات هذا المذهب. حزن والدته “مونيكا” على هرطقته، وصلاتها لتوبته. رؤيا أمّه، واستجابتها من خلال أسقف.
الجزء الرّابع: حياة أوغسطينُوس منذ التّاسعة عشرة وحتّى الثّامنة والعشرين من عمره؛ اعتناقه المذهب “المانويّ” وإغراء الآخرين بقبول هذه الفلسفة الفارسيّة الّتي علّمت بعقيدة الثّنويّة الّتي قوامها الصّراع بين النّور والظّلمة؛ سلوكه السّيّئ وخطاياه؛ استشارته للمنجّمين، وتعرّضه للصّدمات الفكريّة والرّوحيّة؛ فقدانه لصديق قديم؛ ملاحظاته حول الحزن، والصّداقة الحقيقيّة والمزيّفة، وحبّ الشّهرة؛ رسالته حول “العادِل والصّالِح”، على الرّغم من آرائه الخاطئة من نحو الله.
الجزء الخامس: أوغسطينُوس في سنّ التّاسعة والعشرين. لقاؤه “فاوستوس”، الّذي كان بمثابة أداة شيطانيّة بالنّسبة إلى كثيرين، أمّا بالنّسبة إليه فأداة خلاص، وإظهاره جهل “المانويّين” على الرّغم من ادّعائهم بحصولهم على الحكمة الإلهيّة. تخلّي أوغسطينُوس عن أفكار المانويّين، وذهابه إلى “روما” و”ميلانو” حيث تعرّف إلى القدّيس “أمبروز”. تركه المذهب “المانويّ”، وتلقّيه التّعليم المسيحيّ من جديد في الكنيسة.
الجزء السّادس: مجيء والدته “مونيكا” إلى “ميلانو”، وتقديمها الطّاعة للقدّيس “أمبروز” وتقديره لها، سلوك القدّيس “أمبروز” وطباعه، تخلّي أوغسطينُوس التّدريجيّ عن الخطايا والأخطاء، واعترافه بظُلمِه للكنيسة، رغبته في معرفة الحقيقة المطلقة، مقدار صدمته في أثناء سعيه للعالميّات، إرشاد الله لصديقه “أليبيوس”، مناظرته مع نفسه وأصدقائه حول أسلوب حياتهم؛ خطاياه المتأصّلة فيه، وخوفه من الدّينونة.
الجزء السّابع: أوغسطينُوس في سنّ الواحدة والثّلاثين، وتخلّصه التّدريجيّ من أخطائه، على الرّغم من استمرار أفكاره المادّيّة حول الله؛ اكتشافه أنّ الخطيّة سببها إرادة الإنسان الحرّة عبر مساعدة “نبريديوس” له من خلال حججه وبراهينه، ورفضه هرطقة “المانويّين” بشكل قاطع؛ شفاؤه من الإيمان بعلم التّنجيم، وارتباكه في شأن أصل الشّرّ في العالم؛ اكتشافه جذور عقيدة ألوهيّة “الكلمة” من خلال الفلسفة الأفلاطونيّة، وعدم توصّله إلى اكتشاف سرّ تواضع المسيح وكونه الشّفيع الوحيد، وبقاؤه بعيدًا منه؛ زوال كلّ شكوكه بعد دراسته للأسفار المقدّسة، وخصوصًا رسائل القدّيس بولس.
الجزء الثّامن: بلوغ أوغسطينُوس سنّ الثّانية والثّلاثين. استشارته لـ”سيمبليسيانوس” الّذي عرّفه إلى قصّة اهتداء “فيكتورينوس”، ثمّ توقه إلى تكريس حياته بالتّمام إلى الله، ووقوف عاداته القديمة عائقًا أمام تحقيقه الأمر. تأثير قصّة حياة القدّيس “أنطونيوس” في حياته، وقصّة تجديد رجلين من الحاشية الملكيّة. اختباره الخلاص في أثناء معاناته لصراع داخليّ عنيف وسماعه صوتًا من السّماء دفعه إلى فتح الكتاب المقدّس.
الجزء التّاسع: تصميم أوغسطينُوس على تسليم حياته كلّيًّا للرّبّ، وتخلّيه عن مهنة الخطابة، عودته إلى بلده واستعداده لقبول نعمة المعموديّة، ثم معموديّته مع “أليبيوس” وابنه “أديوداتوس”. وفاة والدته “مونيكا” في “أوستيا”، في طريق عودته إلى إفريقيا. حياة والدته وشخصيّتها.
الجزء العاشر: اعتراف أوغسطينُوس بحقيقة حياته قبل تجديده ومعموديّته. بحثه في كيفيّة معرفة الله، وتوسّعه في موضوع ميزة الذّاكرة وغموضها، وفي التّجارب الّتي تعرّض لها من قبل الشّهوات الثّلاث: شهوة العيون وشهوة الجسد وتعظّم المعيشة، وما يمكن تعلّمه عن “كبح النّفس”، وبخاصّة عن الشّهوة الجنسيّة، في الحياة المسيحيّة. رسالته حول يسوع المسيح، الشّفيع الوحيد الّذي يشفي كلّ وهن وعيب.
الجزء الحادي عشر: اتّجاه أوغسطينوس إلى الرّهبنة، واعترافه بمراحم الله الّذي فتح له الأسفار المقدّسة. رسالته في أنّ كتب موسى لا يمكن فهمها إلاّ من خلال المسيح، وبخاصّة الكلمات الأولى في سفر التّكوين: “في البدء خلق الله السّماوات والأرض”، وإجابته على المعترضين الّذين سألوا: “ماذا عمل الله قبل خلقه السّماوات والأرض؟”. بحثه في طبيعة الزّمن.
الجزء الثّاني عشر: تفسير أوغسطينُس للإصحاح الأوّل من سفر التّكوين، وشرحه بأنّ “السّماوات” هي الخليقة الرّوحيّة وغير المادّيّة المعتمدة على الله من دون انقطاع، وأنّ “الأرض” هي تلك المادّة الخربة حيث شُكّلت فيها الخليقة في ما بعد. اعترافه بأنّه بالإمكان استخلاص أفكار متعدّدة ومنوّعة من تفسيره عن الخلق، على الرّغم من عدم اعتراضه على وجود تفاسير أخرى. الجزء الثّالث عشر: متابعة تفسيره تكوين 1، شرحه سرّ الثّالوث، رؤيته لتأسيس الكنيسة وتوسّعها ودعمها.
أعمال الرسل 11: 26 “وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً”
أنطاكية: وكان سلوقوس الأول قد رصد النسر من الجبل الأقرع فأنشأ حيث حل هذا النسر في الثالث والعشرين من نيسان سنة 300 قبل الميلاد مدينة سلوقية. ثم كفر وضحى في جبل سيلبيوس ورصد النسر في أول أيار من تلك السنة فأكمل بناء انتيغونية التي كان قد شرع مناظره انتيغونوس في بنائها على بعد قليل من موقع أنطاكية. ولاحظ سلوقوس بعد ذلك أن النسر حمل فريسته وأتى بها سفح سيلبيوس فأمر بنقل المواد التي كانت قد استحضرت لبناء انتيغونية إلى السهل عند سفح سيلبيوس. وفي الثاني والعشرين من شهر ارتميسيوس (أيار) من السنة 300 وعند بزوغ الشمس أسس عاصمة لملكه دعاها أنطاكية على اسم والده انطيوخوس.
ورأى المؤرخ ديودوروس أن انتيغونوس انتقى منحى العاصي مركزاً لعاصمته ليكون في وسط يشرف منه على سير الأمور ولايته الشرقية والغربية في آن واحد. وجاء في جغرافية سترابون وفي خطب ليبانيوس أن أنطاكية جمعت في موقعها الجغرافي بين فوائد البحر والبر. فالبحر كان قريباً والعاصي كان صالحاً للملاحة بين أنطاكية والبحر. ورغب سلوقوس وخلفاؤه في إنماء عاصمتهم هذه فربطوها بستربية بابا بطريقين معبدتين تسهيلاً لنقل الجيوش وتشويقاً لانتقال التجار وتبادل السلع. وقالوا بتهلين الشرقيين من رعايهم فسهلوا لهم الإقامة في العاصمة. ونمت أنطاكية في عهد السلاقسة فأصبحت أربعة أحياء كل منها يحيط بسور منيع منفصل عن الآخر. ومن هنا نعتها باللفظ اليوناني TETRAPOLIS ومعناه المدن الأربعة. وقيل أنها دعيت تترابوليس لأنها كانت إحدى المدن الأربعة الكبيرة التي بناها سلوقوس. وهي أنطاكية وسلوقية وأفامية واللاذقية.
انطاكية التاريخية
وفي السنة 64 قبل الميلاد استولى بومبيوس على مملكة السلاقسة وعلى غيرها مما جاورها فاحترم حق أنطاكية في إدارة شؤونها الداخلية وأشاد فيها ندوة الذاريوم وجعلها عاصمة ولاية سورية بكاملها ومقر الحاكم الروماني العام. وفي السنة 27 قبل الميلاد عندما أعيد النظر في نظام الولايات ظلت أنطاكية عاصمة لسورية. ولم تسلخ اليهودية -فلسطين- عنها قبل السنة 70 بعد الميلاد.
وكانت أنطاكية لم تزل رافلة بحلل الفخر فأنشأ فيها الفاتحون الهياكل والقصور والمسارح. وجروا المياه إليها وبنوا الحمامات فيها على طريقتهم الخاصة. وفتح هيرودوس الكبير فيها طريقاً بأعمدة على الجانبين. وظلت أنطاكية زاهية زاهرة حتى الغزو الإسلامي. فقد جاء في كتاب فتوح الشام للواقدي أن أبا عبيدة كتب إلى الخليفة عمر في السنة 637 ما نصه: وإني لم أقم بها لطيب هوائها”. “وإني خشيت المسلمين أن يغلب حب الدنيا على قلوبهم فيقطعهم عن طاعة ربهم”.
وقال سلوقوس الكبير وخلفاءه بتهلين سورية وغيرها من ممتلكاتهم فاستقدموا المقدونيين واليونانيين. وأنزلوهم المدن والقرى ومنحوهم الامتيازات ليستعينوا بهم في الحرب وفي التهلين. وكان نصيب أنطاكية من هؤلاء كبيراً. فساد العنصر اليوناني فيها وظل مسيطراً على مقدراتها قروناً طويلة. وهكذا بناءً على ما نعرفه عن أنطاكية، وعن بعض المدن المماثلة يجوز لنا الإفتراض أن مجلسي العموم والإدارة كانا لا يزالان عند ظهور المسيحية يونانيين في صبغتهما. وأن معظم المواطنين أصحاب حق التصويت كانوا إما يونانيين و هلبنيين بشكل كامل. ومما يجوز القول به أيضاً أن حقوق التمتع بالغمنازيون كانت محصورة بهؤلاء. وأن تدابير خصوصية كانت لا تزال تتخذ لحصر الملكية في أنطاكية في يد اليونانيين. ومن المفيد أن نذكر لهذه المناسبة أن الأنطاكيين ظلوا يفاخرون بأصلهم اليوناني الهيليني حتى الغزو الإسلامي. فذكر ليبانيوس الأنطاكيين بتحدرهم من هرقل وبأصلهم اليوناني الهليني في القرن الرابع. ويوليانوس الجاحد أشار في الكلام الذي وجهه إلى الأنطاكيين إلى أصلهم اليوناني الهليني وذكرهم بأنه هو يوناني أيضاً بعاداته وتفكيره. وفي القرن الخامس مرت افذوكية “زوجة الأمبراطور ثيودوسيوس الثاني” بأنطاكية متوجهة إلى أورشليم وخطبت في الأنطاكيين ففاخرت بأنها من عرقهم ودمهم.
وقد حوت أنطاكية عناصر مختلفة من سكان الدولة وأهم هذه العناصر غير اليونانية هم العرب واليهود. فالأرياف السورية كانت قد استعربت منذ منتصف القرن الثاني قبل الميلاد. واليهود كان قد استقدمهم ديمتريوس في سنة 145 ليعاونوه في تثبيت ملكه.
أول المؤمنين في أنطاكية: من المرجح أن يكون نيقولاوس “أحد الشمامسة السبعة” كما وصفه لوقا “الأنطاكي الدخيل” أول المسيحيين في أنطاكية.
مغارة القديسين بطرس وبولس حيث كان يصلي المسيحيون معهما
ومن بعد استفانوس شأت العناية الإلهية أن يتفرق التلاميذ في البلدان. فقدموا إلى أنطاكية وأخذوا يبشرون بالرب يسوع. فآمن عدد كثير. فلم وصل الخبر إلى أم الكنائس أرسلوا لهم برنابا. فوعظ بهم وثبتّ إيمانهم. ثم جاء برنابا إلى طرسوس طالباً بولس. وانتقلا بعدها إلى أنطاكية ومكثا بها سنة يعلمون ويكرزون.
بطرس الرسول الأسقف الأول ومؤسس كنيسة أنطاكية: على الرغم من تلك الأخبار في ذهاب التلاميذ إلى أنطاكية وتبشيرهم فيها (أقام الرسولان بولس وبرنابا كرسي أنطاكية بمساعدة برنابا وماتاهين شقيق هيرودس بالرضاعة وتلاميذ آخرين، إلا أن القديس بطرس الرسول استوى عليه كأول الأساقفة لمدة ثماني سنوات،منذ 45-53 ثم انطلق لتأسيس كنائس أخرى). إلا أن المؤرخين والمفسرين الأوائل يقولون أن بطرس هو الذي أسس كنيسة أنطاكية.
القديس ايريناوس في تعليقه على “غلا2” يأخذ على لوقا الإنجيلي (إهماله) لعمل بطرس التأسيسي في أنطاكية. وافسابيوس المؤرخ نهج نفس النهج في مؤلفه “تاريخ الكنيسة”، ويقول أن بطرس هو الذي أسس كنيسة أنطاكية.
إن المسيح صلب ومات وقبر وقام في سنة 30 (هذا التأريخ هو الأدق والتأريخ الحالي اكتشف العلماء أنه خطأ) (ليس في سن الثلاثين بل سنة) وبولس الرسول آمن بالمسيح بعد سنة أي سنة 31، وبقي في دمشق ثلاث سنوات، أي في سنة 34، وعندما عاد إلى أورشليم لم يجد من الرسل إلا يعقوب أخي الرب. وكان بطرس منطلقاً يبشر في كل مكان. ويقول لنا التقليد الشريف أنه -بطرس- ترأس كنيسة أنطاكية سبع سنوات متتالية حتى سنة 41، فيحق لنا الافتراض أن بطرس الرسول أسس كنيسة أنطاكية في سنة 34 بعد الميلاد.
و يذكر المؤرخ افسابيوس ونيقيوروس كاليستوس أن أشغال بطرس اضطرته للتغيب عن أنطاكية ولذلك سام القديس افوذيوس نائباً عنه وخلفاً له، ويكون بذلك القديس افوذيوس ثاني الأساقفة على كرسي مدينة الله أنطاكية العظمى.
يقول Tillemont إن بطرس كسائر الرسل قضى معظم أوقاته مبشراً فلم يمكث إلا فترات قليلة في أنطاكية. وBelser يقول بأن كنيسة أنطاكية تأسست على مرحلتين، الأولى كانت لبعض الأوساط اليهودية في سنة 34-35 على يد بطرس، والثاني بدأ بعد اعتماد كورنيليوس (الأممي) وقبوله في الكنيسة وكان ذلك بعد سنة 39-40. ويقول الأب James Kleist واضع مؤلف للأساقفة في الكنائس في العصور الأولى إذ يجعل برنابا المؤسس الأول دون أن يذكر بطرس ولو لمرة واحدة، ضارباً عرض الحائط بتقليد كنسي للكنيسة الكاثوليكية إذ تكرس كل سنة يوماً لعيد “منبر بطرس”.
“وليس بمستغرب أن لقب البطريرك (لفظة تعني رئيس العشيرة) قد لقب به بطرس الرسول، لكون المسيحية في أنطاكية قد انتشرت بين اليهود أولاً، ولأن بطرس كان عملياً زعيم هذه العشيرة. وما إطلاق تسمية البطريرك من قبل مجمع خلقيدونية (451م) على أسقف أنطاكية وحده دون سائر أساقفة الكراسي الأخرى (روما والقسطنطينية والإسكندرية وأورشليم) إلا تكريساً لهذا الأمر الواقع. لذلك جاز لنا يقيناً اعتبار القديس بطرس الرسول أول البطاركة على كرسي أنطاكية.”
ودعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً: بعد إيمان الكثيرين من أنطاكية بالسيد المسيح وسماع الوثنيين باسم السيد المسيح، فأطلقوا عليهم اسم المسيحيين. في حين كان المسيحيون في خارج أنطاكية يدعون أنفسهم “أخوة” و”تلاميذ” و”مؤمنين”. أما اليهود فكانوا يقدسون اسم المسيح فلم يطلقوا على المؤمنين هذا الاسم واكتفوا بأن يدعونهم بـ “الناصريين” نسبةً إلى يسوع الناصري. ويرى “بروشن الإلماني” أن هذا الاسم “مسيحيون” استعمل كنوع من التهكم، ويؤيد ثيوفيلوس الأنطاكي هذه النظرية.
وأقدم الآثار التي تشير إلى المسيحيين بهذا الاسم الأنطاكي كتابة وجدت على جدران خرائب بومبابي في إيطاليا سنة 1862 من نوع الغرافيتو تعود إلى سنة 64 وقد جاء فيها الاسم “HRISTIAN” ويشير تاسيتوس إلى مؤمني سنة 64 في روما باسم المسيحيين.
(د. اسد رستم تاريخ كنيسة انطاكية بتصرف “د.جوزيف زيتون راجع تاريخ الكرسي الانطاكي” هنا في موقعنا)
التقيت ومجموعة شبابيّة حول قضايا تخصّ الكتاب المقدّس، وبالتحديد قصتي الخلق الواردتين في الإصحاحين الأوّلين من سفر التكوين. أعرب بعضهم عن عدم تصديقه لِما ورد فيهما باعتباره يناقض النظريّات العلميّة المتداوَلة بخصوص نشوء الحياة. بينما آخرون بدوا متشكّكين من أصالة الوحيّ الإلهيّ لكون القصّتين تتقاطعان في بعض أوجه الشَبَه مع ما ورد ممّا اكتُشف في التراث البابلي وغيره. قلّة منهم دافعوا، لكن من منطلق توفيقيّ، بين ما ورد في سفر التكوين من عدد أيّام الخلق وبين الحقب الجيولوجيّة مثلاً. الرافضون والمشكّكون والمصدّقون بدوا متفّقين على الخلفيّة المشتَركَة في تعاطيهم وهذه النصوص المقدَّسة الموحاة. توحّدت نظرتهم في القراءة الحرفيّة لها، وما استطاعوا النفاذ إلى جوهر التعليم الذي أرادت إيضاحه. القراءة الحرفيّة للنصوص المقدَّسة تُبقيها على الظاهر منها وتغيِّب الجوهر. فتمسي الصورة هي الجوهر، ويغيب التعليم الإلهيّ الذي هو الهدف الذي تحمله الصورة بين طيّاتها. تحميل الكتاب المقدَّس ما لم يقصده يحرفُ القارئَ عن الطريق الموصلة إلى الغاية. التعاطي مع الكتاب الإلهيّ باعتباره أطروحةً علميّةً أو توثيقاً تاريخيّاً مدقَّقاً، واعتبارُ كلِّ ما ورد فيه حرفيّاً حقيقةً مُنزَلَة، وإنكارُ البعد الأدبي في لغته وإهمالُ الثقافة السائدة في أثناء كتابته، هذه كلّها تؤدي إلى التمسّك بالمفاهيم التي تضادّ، في كثير من الأحيان، القصدَ الإلهيّ وتمنع القارئَ من بلوغه. باختصار، التعاطي مع الكتاب المقدَّس على أنّه أكثر من كتابٍ لاهوتيّ يؤدي إلى تحميله ما لا يحمله، وتالياً إلى تشويه تعليمه اللاهوتيّ. هدف الوحي الإلهي المدَوَّن في الكتاب هو تعريف الإنسان بالله. وتالياً محور الكتاب المقدَّس هو الله لا البشر وأحداثهم. فالأحداث واسطةٌ لانكشافات الله للإنسان، بالتدريج، عبر مرافقته تعالى له. استخدم الوحيُ الإلهيُّ الثقافةَ البشريّةَ السائدة في أثناء تدوينه ليكون التعليمُ الإلهيُّ مفهوماً. من هنا يجب أن ينصبّ الاهتمام على معرفة جوهر الوحيّ الإلهيّ انطلاقاً من الصياغة البشريّة التي تحمل هذا الجوهر. لقد طرحت الاكتشافات التاريخيّة لشعوب عالم الكتاب المقدَّس (بلاد الرافدين والشام ومصر)، في العصر الحديث، تحدّياتٍ كتلك التي طرحها بعض أولئك الشباب. لا تتسّع مقالة قصيرة كهذه لطرح هذا الموضوع بشموليّته. لكنّني أكتفي بلفت النظر إلى أنّ التأثر بالثقافة السائدة آنذاك واستعمالها في التعبير عن التعليم الإلهيّ لا يُنقِصُ من قيمة الوحيّ الإلهيّ لا بل يزيده قوّةً ومصداقيّةً. إنّ وجودَ تشابهٍ هنا وثمّة في بعضٍ ممّا ورد في النصوص الإلهيّة المقدَّسة وما جاء في بعض الروايات الميثولوجيّة كجلجاميش وإنوما إليش وغيرها لا يجب أن يمنعنا من رؤية التباينات بينهما، تلك التي تُظهر جوهر الوحي. لقد وظّف الكتّاب الإلهيّون، ناقلو الوحيّ الإلهيّ، الصورَ والأساليبَ الواردة في الملاحم القديمة أو استخدموها كوعاءٍ يحتوي الكلمةَ الإلهيّة، لكي يبلّغوا الفكر الإلهيّ المتمايز عن الفكر الذي تحمله تلك الملاحم، لأنّها، ببساطة، كانت ثقافة الناس آنذاك. نجد في ملحمة “أطراحسيس”، على سبيل المثال، أنّ الآلهة تخلق الإنسان ليخفّف من أتعابها الناجمةِ عن مشاقّ العمل، أمّا في الكتاب المقدَّس فالله يخلق الإنسانَ بدافع محبّته، من دون أيّ مصلحة أنانيّة ويقيمه سيّداً على الخليقة كلّها. في الكثير من قصص الخلق نجد أنّ الإنسانَ يُخلق من التراب ومن عنصرٍ إلهيّ. في الملحمة البابليّة يُمزَج الترابُ بدم إلهٍ مذبوح، فيأتي الإنسان حاملاً لعنةً في طبيعته. أمّا في الكتاب المقدَّس فينفخ الله نَفَسَه، روحَه، في التراب، فيأتي الإنسان على صورة الله، وهو مدعوّ إلى البلوغ بها إلى مثال الله. يقرّر الآلهة، في الملاحم القديمة، تدميرَ البشر بالطوفان ليتخلّصوا من الجنس البشريّ، لأنّ البشر أقلقوا راحتهم ونغّصوا عليهم صفوَ الحياة. أمّا في الكتاب المقدَّس فيأتي الله بالطوفان عقاباً للبشر على فسادهم، ليخلق منهم بدايةً جديدة خاليةً من الفساد والخطيئة. فالبشر، في الوحي الإلهيّ، مسؤولون عن مصيرهم وليسوا خاضعين لتقلّبات مزاج الآلهة. في ملحمة جلجاميش يكتشف البطلُ مشكلةَ الموت عندما يموت صديقه، فيقرّر أن يبحث على دواء الخلود. وهذا إسقاطٌ لمشكلة الإنسان، في كلّ الثقافات والأزمنة، مع الموت. يجوز جلجاميش في أخطار كثيرة حتّى يحصل على نبتة الخلود، لكن حيّةً تخطفها منه، فلا يبقى أمامه سوى مواجهة الموت، شأنه كشأن أيّ إنسان آخر. أمّا في الكتاب المقدَّس فالإنسانُ مخلوقٌ للحياة، ورغبته في معرفة سرّ الحياة، الخير والشرّ، من دون الله تُوقِعُه في العصيان واكتشاف ما لا طاقة له على إدراكه بعد، فيكتشف، بدخوله هذه الخبرة المبكرة، عُرَيَه ويصبحَ خارج الفردوس، لكنّ الله، لمحبّته له، يَعِدُه بمخلّصٍ في أثناء عقابه للحيّة. لا عجب في أنّ يصوّر الكتابُ المقدَّسُ الشيطانَ بالحيّة ويجعلَها تجسيداً للشرّير؛ الشيطان، انطلاقاً من الثقافة السائدة آنذاك، حيث كانت الحيّة رمزَ آلهةٍ كنعانيّةٍ وقوّاتٍ شرّيرةٍ في بلاد الرافدين. فالوحيّ الإلهيّ موجَّهٌ آنذاك إلى أناسٍ يعيشون في تلك الثقافات، ومن الطبيعيّ أن يكلّمهم باللغة التي يفهمونها. الكتاب المقدَّس كتاب لاهوتٍ يحمل تعليماً عن الله وعلاقته بالخليقة وعلى رأسها الإنسان، والقصصُ الواردة فيه قصصٌ لاهوتيّة، لا علميّة ولا رمزيّة ولا خياليّة، تحمل تعليماً إلهيّاً بخصوص القضايا التي تتكلّم عنها. ليس الهدف أن يشرح لنا كيف نشأت الحياة، وكيف تمّ الخلق، بل أن يقول لنا أنّ الله هو الخالق، وقد خلق بدافع محبّته، وأراد الإنسانَ شريكاً له في المجد الإلهيّ، وأنّ الابتعادَ عن الله هو السقوط والخطيئة بعينهما… إلى ما هنالك من مفاهيم كثيرة. متى اقتنعنا بأنّه كتاب لاهوت نبدأ مسيرة الفهم.
القديس نيقولاوس العجائبي أسقف ميراليكية (القرن4م)
هو أكثر القدّيسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقاً وغرباً. فصورته، كما ارتسمت في وجدان الناس عبر العصور، هي صورة الراعي الصالح، على مثال معلّمه. لا يترك إنساناً يستنجد به إلاّ هبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته.
أكثر القدّيسين، كما نعرف، ارتبط ذكرهم، بين الناس، بحاجة محدّدة. هذه ليست حال القديس نيقولاوس. القديس نيقولاوس، على مرّ العصور، بدا وكأنه قدّيس لكل ظرف وحاجة. بهذا المعنى كان، في هذا البلد أو ذاك، شفيعاً للتلامذة والأولاد العاقلين والفتيات اللواتي لا مهر لهن والبحّارة والصيّادين والعتّالين وباعة النبيذ وصنّاع البراميل وعمّال البيرة والتجّار والبقّالين والقصّابين والمسافرين والحجّاج والمظلومين والمحكومين والمحامين والأسرى والصرّافين وغيرهم. لذلك لا عجب إذا كانت الكنيسة، عندنا، قد خصّته بيوم الخميس إكراماً واستشفاعاً، كما أدخلت الكنيسة اسمه في عداد النخبة من القدّيسين الذين يستعين بهم المؤمنين، على الدوام. عبر الإفشين الذي يُتلى في صلاة السحر وغيرها من الصلوات والذي أوله: “خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك…”.
كل هذا ولا نعرف من أخبار القدّيس نيقولاوس قبل القرن التاسع للميلاد إلا القليل القليل، مع أنه من المفترض أن يكون قد عاش وصار أسقفاً ورقد بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين. فأول من كتب سيرته بتوسّع كان القدّيس سمعان المترجم حوالي العام 912م. وكان مثوديوس، بطريرك القسطنطينية، قد دوّن عنه، قبل ذلك، سيرة مختصرة حوالي العام 840م. رغم ذلك، رغم افتقادنا إلى شهادات تاريخية مبكّرة في شأنه لا نشعر بالحرج ولا نعتبر النقص في المعلومات التاريخية المبكرة بشأنه حائلاً دون إكرامه. السبب بسيط أننا لم نعتد، في الكنيسة، إكرام القدّيسين استناداً إلى ثوابت تاريخية تؤكد أخبارهم- وهذه مفيدة إذا توفرت/ ولكن غالباً ما يتعذّر توفرها- بل لأن السابقين أكرموهم قبلنا. ولنا في الكنيسة، في شأن القدّيس نيقولاوس، شهادات تؤكد إكرامها له منذ القرن السادس المسيحي. شهادات عنه
بين ما نعرفه أن الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس بنى على اسمه، في القسطنطينية، سنة 530م كنيسة هي الكنيسة المعروفة باسم القدّيسين بريسكوس ونيقولاوس في حي بلاشيرن الشهير بكنيسة السيدة فيه. وعلى مقربة من المكان كان أحد الأسوار يحمل اسمه. وعندنا للقدّيس نيقولاوس إيقونات أو رسوم حائطية منذ ذلك القرن أيضاً، نشاهد بعضها في دير القديسة كاترينا في سيناء. ذكره كان معروفاً تماماً
من أقدم أخباره، من القرن المسيحي السادس، ظهوره لقسطنطين الملك في الحلم. يومذاك طلب منه قديسنا أن يوقف تنفيذ حكم الإعدام بثلاثة ضبّاط أدينوا ظلماً.
ما شاع عنه
شاع عن القدّيس نيقولاوس أنه ولد في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من آسيا الصغرى، وأن ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد.بين العامَين 250 و270 مسيحية. ترعرع في عائلة مسيحية غنية، عمه أسقف ميرا التي كانت تُعتبر في حينها مدينة ساحلية مهمة. سرعان ما اختار نيقولاوس الشاب العمل من أجل مكافحة جميع أشكال البؤس البشري. وجرى انتخابه، بعد موت عمه، ليترأس الأسقفية في حقبةٍ كانت فيها المسيحية محظورة في الإمبراطورية الرومانية قبل ان يعلن قسطنطين الكبير “براءة ميلان” العام 313 مسيحية، وفيها أعلن السماح للمسيحيين بحرية العبادة وأوقف الاضطهادات الدموية بحقهم.
وتُنسب إلى قديسنا نيقولاوس العديد من الأعمال والمبادرات التي قد تكون مضخمة في بعض الأحيان لتناقلها شفهياً… وهكذا اصبحت قصة رجل اللّه نيقولاوس شعبية ترتبط بمعجزات.
ارتبط اسمه باسم ميرا القريبة من باتارا، على بعد ثلاثة أميال منها. وقد ذُكر أنه تسقّف عليها. ميرا، في آسيا الصغرى أو كما تعرف اليوم بر الأناضول، هي “دمري” الحالية. هناك يبدو أن ذكر القدّيس لم تمحُه السنون بدليل أن المسلمين جعلوا له مزاراًعند الكنيسة التي قيل أن القدّيس كان يقيم الذبيحة الإلهية فيها، يذكر أنه كانت لميرا، في وقت من الأوقات، ست وثلاثون أسقفية تابعة لها. إلى ذلك قيل أن القديس نيقولاوس عانى الاضطهاد في أيام الإمبراطورين الرومانيين المضطهدَّين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس وأنه اشترك في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م. هذا ويبدو أن قديسنا رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي بين العامَين 334 و352 يوم 6 كانون الاول لذا نقيم تذكاره في هذا اليوم من كل عام.
واستراحت رفاته في الكنيسة الأسقفية هناك إلى أن دهم الموضع قراصنة من باري الإيطالية عام 1087م فسرقوه وسط احتجاج رهبان ارثوذكسيون كان يقومون بخدمتها، وعادوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم في كنيسة تحمل اسمه وفيها بقاياه. وقد ذكرت مصادر عريقة أنه في كلا الموضعين، ميرا وباري، كان سائل طيب الرائحة يفيض من رفاته. نشير إلى أن بعض المصادر يخلط ما بين القديس نيقولاوس أسقف ميرا ونيقولاوس آخر يبدو أنه تسقّف في القرن السادس أو ربما السابع على بينارا من مقاطعة ليسيّة عينها. هذا الأخير كان رئيساً لدير صهيون المقدّسة ثم صار أسقفاً على بينارا ودفن في ديره على مقربة من ميرا. أخباره
من الواضح، في ما يُروى عن القدّيس نيقولاوس، أن أخباره عجائبية في أكثر تفاصيلها. حتى الأخبار التي يمكن أن تكون عادية عنه سكبتها الأجيال المتعاقبة بقالب عجائبي تأكيداً لطابع سيرته العجائبي. فلقد جاء عنه أنه كان يصوم عن الرضاعة في طفوليته يومي الأربعاء والجمعة إلا مرة واحدة بعد غروب الشمس. وأن عمه اسقف باتارا، لما رسمه كاهناً تنبأ بالروح أن القدّيس سيصبح أسقفاً يوماً ما وسيكون تعزية وخلاصاً لكثيرين. ولما اختير أسقفاً على ميرا كان ذلك بتوجيه من ملاك. وقد كتب عنه مثوديوس القسطنطيني أنه عاين في رؤية مرة، الرب، يسوع المسيح مجللاً بالمجد، واقفاً به وهو يسلمه الإنجيل الشريف ووالدة الإله، من الجهة المقابلة، تضع الصاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفاً له. إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المروية عن القديس نيقولاوس تبيّنه رؤوفاً محباً للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. مرتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مسافراً فيها. مرة استجار به البحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارهم. مرة أوحى في الصلاة إلى سفينة محملة بالقمح كانت في عرض البحر فاتجهت صوب مقاطعة ليسيّة التي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرتان أنقذ غريقاً من الهلاك. مرة أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرة أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم. على أن هناك ثلاثة أخبار عنه هي أكثر أخباره شيوعاً بين العامة. دونك إيّاها مفصّلة. إنقاذه ضباطاَ مظلومين
اندلعت في أيام قسطنطين الملك ثورة في فريجيا الكبرى قامت بها جماعة تعرف ب “الترافيليون” ولما تناهى الخبر إلى السلطة المركزية في القسطنطينية، بادر الملك إلى إرسال ثلاثة من القادة العسكريين لديه على رأس جيش كبير لمعالجة الوضع. فتوجه العسكر إلى فريجيا. وبعدما تمكّنوا من وضع حد للاضطرابات الحاصلة، عادوا إلى المدينة المتملكة مظفّرين، فأحسن قسطنطين وفادتهم وأكرمهم. ولكن تحرّك الحسد في نفوس بعض الحاقدين فشيّعوا لدى أفلافيون الوزير أن القادة الثلاثة لم يخمدوا ثورة “الترافيليون” بل عقدوا وإياهم اتفاقاً سرياً للإطاحة بالملك. ودعم الحاسدون دعواهم بشهود زور وتقديم هدايا ثمينة للوزير. كان الاقتراح أن يسعى الوزير إلى عرض الأمر على الملك لإثارة مخاوفه ومن ثم انتزاع موافقته على إعدام الثلاثة في أسرع وقت ممكن. فقبض الوزير على القادة المعنيين وزجّهم في السجن ثم بادر إلى الملك وهوّله بأخبار المكيدة التي يحيكها الثلاثة ضدّه، ثم سأله أن يصدر أمراً بإعدامهم للحال وأداً للفتنة. فارتاع الملك ووافق على إنزال عقوبة الإعدام بالثلاثة في البوم التالي. في تلك الليلة قبع الثلاثة في سجنهم ينوحون ويبكون، وهم يضربون أخماساً بأسداس. لم تكن أمامهم حيلة يردّون بها عن أنفسهم هذا الخطر المداهم. وحدها الصلاة بقيت نصيباً لهم فصلوا وسألوا القديس نيقولاوس أن يعينهم: “يا إله أبينا نيقولاوس نجّنا….”. فظهر القديس في الحلم لكلا الرجلين، الملك ووزيره. قبل شروق الشمس، وطلب إليهما بتهديد أن يبادرا للحال إلى إطلاق سراح القادة الثلاثة لأنهم مظلومون. ولما كان الصباح أرسل الملك في طلب الوزير. وبعد الأخذ والرد أدرك الاثنان أنهما عاينا حلماً واحداً في شأن المحكومين فتوجسا خيفة. على الأثر أمر الملك بإحضار الثلاثة إليه. فلما حضروا دافعوا عن أنفسهم فتبيّن أنهم أبرياء فأطلق سراحهم. البنات الثلاث والمهر
وكان هناك شخص غني عنده ثلاث بنات جميلات. فقسى عليه الدهر فافتقر. ولما عضّه العوز وأبت عليه كرامته أن يمدّ يده ويطلب لنفسه وبناته حسنة، عرض عليه إبليس أن يدفع بناته إلى تعاطي تجارة الزنى، فقاوم التجربة إلى أن قويت عليه. ولكن قبل أن يبادر إلى تنفيذ ما علق في نفسه عرف القديس نيقولاوس بأمره فأتاه تحت جنح الظلام وألقى إليه من الطاقة بكيس من النقود وذهب. وفي الصباح اكتشف الرجل النقود ففرح بها فرحاً عظيماً، وتساءل من فعل ذلك. وإذ شغلته الفرحة والنقود اكتفى بشكر الله، وقام فجهّز ابنته الكبرى وزوّجها. وعندما رأى القديس أن الرجل استعمل النقود للخير عاد وأتاه من جديد ورمى إليه بنفس الطريقة، في الليل، مبلغاً من المال وذهب. واستفاق الرجل على كيس آخر من النقود فتعجّب وتساءل، ثم اكتفى بشكر الله وجهّز ابنته الثانية كما فعل بالأولى وزفّها إلى أحد الشبّان الطيّبين. أخيراً جاء إليه القديس ثالثة وأعاد الكرّة من جديد، لكن الرجل تنبّه، هذه المرة، للأمر فأسرع وفتح الباب وركض في إثر صانع الخير إلى أن أدركه. فلما رأى القديس نيقولاوس أن سرّه استبان ركع عند قدمي الرجل ورجاه ألا يعلم به أحداً. وبعد أخذ ورد، عاد القديس من حيث أتى، وعاد الغني المفتقر إلى بيته يسبّح ويمجّد. ثم ذهب فأدّى لابنته الصغرى ما أداه لأختيها من قبلها. عودة الغريق إلى بيته
يحكى عن رجل اسمه يوحنا عاش في القرن التاسع المسيحي في القسطنطينية، تقي ورع يحب الله ويكرم قدّيسه نيقولاوس، أنه سافر مرة في البحر لعمل. وبعد ساعات معدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السفينة التي كان مسافراً فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلاً. في تلك الساعة خرج الرجل إلى ظهر السفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتى اضطربت السفينة يميناً ويساراً فاختل توازن الرجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم. وغار الرجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لن تكن هذه نهاية القصة. فما أن بدأ الرجل بالغرق حتى صرخ في قلبه على غير وعي منه: “يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!” وما أن فعل حتى وجد نفسه في غير مكان. وجد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولما استمر في الصلاة صارخاً، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردوا وعيهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتى فهم الجميع من الرجل أنه سقط غريقاً في البحر وأن القديس نيقولاوس هو الذي أدركه وأعاده إلى بيته سالماً معافى. فتُحُدث بهذا العجب في كل القسطنطينية وشكر الجميع الله وازدادوا إكراماً لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقاً به واعتماداً عليه. أما يوحنا فقيل إنه والد بطريرك القسطنطينية مثوديوس الأول الذي اعتلى سدّة البطريركية بين العامين 843 و847م.
في الغرب المسيحي
لطالما كان السادس من كانون الاول بأهمية الـ25 منه فكان الأطفال يتلقون في هذا التاريخ المصادف فيه عيد القديس نيقوولاس الهدايا والحلويات، ويُقال منذ القرن الثاني عشر ان القديس نيكولاس كان يتنقل في ليلة 5 – 6 كانون الاول من بيتٍ الى بيت سائلاً الأطفال ان كانوا مطيعين. وكان يُعطي الأطفال الذين أحسنوا التصرف هدايا اما الآخرين يحولهم الى الأب “بعبع” وهو اسمٌ معبرٌ جداً. وهكذا أصبح القديس نيقولاوس شفيع الأطفال وبالتالي تلاميذ المدرسة.
وكان قد جرى بناء اول كنيسة على اسمه في العام 1101 في مدينة بور الصغيرة لتضم هذه الرفاة واستقطبت عدداً كبيراً من الحجاج وحملت اسم القديس نيقولاوس. واستمر الاحتفال بعيد القديس نيقولاوس حتى بعد الاصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر. وتتلاقى في الشمال مع أساطير الإله أودين.
وعندما توجه الأوروبيون للاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن التاسع عشر، أصبح عيد القديس نيقولاوس “سانتا كلوز”مرتبطاً بعيد الأطفال أو عيد الطفل يسوع. وهكذا، بدأ القديس نيقولاوس يجول على المنازل ليل 24 كانون الاول. وتطورت التقاليد شيئاً فشيئاً ليحل بابا نويل مكان اسقف ميرا…بكل اسف.
في العالم الارثوذكسي
يتميز القديس نيقولاوس اسقف ميراليكية العجائبي في عداد القديسين الارثوذكسيين كما اسلفنا، اذ بالرغم من غزو كل الثقافات الغربية للمشرق بما في ذلك بابانويل الا ان مكانته في الكنيسة الارثوذكسية قاطبة والعالم الارثوذكسي في كراسي المشرق الاربعة القسطنطينية والاسكندرية وانطاكية واورشليم إضافة الى اليونان والبلقان والكراسي الارثوذكسية في اوربة الشرقية روسيا ورومانا صربيا بلغاريا جورجيا…وكل الكنائس الارثوذكسية المستقلة وفي كل الانتشار العالمي…تحتل الصدارة في سنكسار القديسين، وبقي القديس نيقولاوس بمعزل عن بابا نويل…
فصاحب العيد وابوه هو الرب يسوع المولود طفلاً في مغارة بيت لحم…
سؤال يطرحه مشككون كثر حول صحة الانجيل ونسبته الى الرب يسوع، وخاصة الذين يتشدقون بتحريف كتابنا المقدس بدون اي سند…
وفي الحقيقة سئلت هذا السؤال كثيرا وتارة أرد بعجالة… وتارة لا أرد سيما وان المشككين وبقناعتي لن يغيروا من موقفهم الا ان اتتهم معجزة، ومن لايريد الاقتناع سيكذب المعجزة حتى.
بحسب ايماننا المرتبط بكينونة الرب يسوع الالهية والبشرية، القائم اساساً على ايمان مطلق بالالهيات والتسليم بها بدون مباحثة سفسطائية بأن كوب الماء لايتسع لقدر طبخ، بحسب ايماننا أن السائل لا يعلم من هو المسيح؟ وما هو الإنجيل؟
من هو المسيح؟
1) المسيح هو خلاصة خدمة جميع الأنبياء، وليس نبي بين الأنبياء!!
قال المسيح لتلاميذه: “17 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا” متى 13. أيضًا قال عن إبراهيم: “56 أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ” (يوحنا 8.)
2) قبل المسيح انتهت حقبة جميع الأنبياء بيوحنا المعمدان، وبالمسيح بدأ دهرٌ جديد، يسمى بالأيام الأخيرة:
(عبرانيين 1). ومن عبارة “بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا”، نفهم أنه بعد انتهاء تكليم الله الآباء بالأنبياء، بدأ دهر المسيح يسمى بـ “الأيام الأخيرة”. أي أنه أي نبي يأتي بعد المسيح هو نبي غير حقيقي. فيعود الوحي ويؤكد بأن جميع الأنبياء انتهت حقبتهم بيوحنا المعمدان: “13 لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا ” متى 11. أي أن “جميع الأنبياء” ختموا نبوتهم بيوحنا المعمدان، فلا يمكن أن يضاف أي نبي فوق كلمة “جميع”!!
3) المسيح هو هدف ناموس موسى: “4 لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ” (رومية 10).
4) المسيح هو هدف جميع الكتب النبوية والوحي قديمًا وحديثًا، وهو واهب الحياة: “39 فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي 40 وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ” يوحنا 5. 5) المسيح هو محور كل الخليقة، أي الذي يجمع ما في السماوات وما على الأرض!! “10 لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ” أفسس 1. 6) المسيح هو ذاته الإنجيل، فلم يأت لكي ينقل كتاب، لأنه هو هدف وموضوع جميع الكتب وخدمة الأنبياء ومحور الأنجيل، ويجسِّد يد الله الممدودة للبشر لخلاصهم!! “1 اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً (يعني بعد انتهاء خدمة الأنبياء)، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2 “كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ”، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ،” عبرانيين 1. 7) المسيح هو مُعطي الوحي وليس المستلم الوحي كباقي الأنبياء، لأنه الله وليس إنسان!! المسيح يتكلم لتلميذه يوحنا الذي اختطف للسماء ورأى سيده المسيح في مجده: “11 قَائِلاً: “أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ (وهذه كلمات قالها الله عن ذاته – أشعياء 44: 6). وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ (الوحي) وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثَيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ” رؤيا 1. فبعد كل ما سبق، كيف ينقل المسيح كتاب!!؟؟ هو أعلى وأسمى من هذا، هو الله المتجلي للبشر ليظهر لهم طبيعته وصورة الإنسان الذي خلقوا عليه، ليتبعوا سنته والصورة التي خلقوا عليها؛ فجميع الصفات السابقة لا يُعقل أن تنسب لبشر ولا لأنبياء!!.
ما هو الإنجيل؟
الإنجيل هو ليس كتاب، الكلمة اليونانية “إيفانجليون” تعني الخبر السار. وحتى ما يسمى ب”الأناجيل الأربعة”، فهي تعني “الخبر السار” الذي يحمل سيرة وتعاليم المسيح، بحسب شهادة متى، مرقس، لوقا يوحنا…إلخ. لذلك يشير البعض لجميع العهد الجديد، الـ 27 سفر، بالإنجيل. لكن الوحي ذاته لا يشير لذاته بمفهوم الإنجيل ككتاب.
إن الإنجيل هو خبر حياة المسيح الحية في داخل المؤمن الذي يعمل بقوة الروح الإلهي، فكيف يكتبه هو؟؟
الإنجيل هو “المسيح فيكم رجاء المجد” (كولوسي 1: 27). وحي الإنجيل ينقل: مجيء، حياة، تعاليم، موت، البعث من الموت، للمسيح وأيضًا خبر مجيئه في اليوم الآخر، ليدين الأموات والأحياء، وليحكم مع قديسيه إلى أبد الآبدين (أعمال 10: 42). فالإنجيل هو المسيح المتجلي للبشر لتغيير حياتهم ومصيرهم، كيف يكتبه المسيح؟؟
المسيح هو مُعطي الوحي وموضوعه، وليس ناقل للوحي!! وهو حتى لم يصنع معجزات فقط، بل هو الذي أعطى التلاميذ السلطان بأن يصنعوا المعجزات، حتى اعطاهم سلطان ليقيموا موتى، وصدق فعلا (راجع أعمال 9: 40 و20: 9-12)!! فهو مانح الحياة والوحي، الله الظاهر في الجسد؛ مانح الغفران للبشر؛ لذلك كان من اللائق له أن ينقل رسله وحيه، مُؤيَّدين منه ومن المعجزات التي هو أيضًا أعطاهم سلطان أن يعملوها (راجع متى 10: 8). حتى أصغر التلاميذ السبعين الذين حل عليهم الروح الالهي في العلية، الذين أرسلهم المسيح بسلطانه الإلهي، اختبروا معجزاته عظيمة باسمه: “17 فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: “يَارَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ”!” لوقا 10. وهذه شهادة أصغر التلاميذ، السبعين وليس الاثني عشر، مجداً لك أيها المسيح!! نقول في ذلك
إن الصِدقَ في ما يفعله الانسان، هو بما يكتبه الآخرون عنه وليس ما يكتب هو عن نفسه، فإن ُقلتُ أني أُحب الآخرين فكيف يتبرهن ذلك إن لم يشهد آخرون أنهم لمسوا هذا الحب فيك، وإن كتبت عن نفسك أنك قادر على إسعاد الآخرين، فكيف يُصدق الناس ذلك إن لم تسعدهم، وإن قلت أني أمين في خدمتي ولم يرى أحد ذلك. تلك تكون أمانة غير حقيقية لأنك لم تفعل ذلك. قال الرب: “وتكونون لي شهوداً لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”. (أعمال الرسل 1 : 8) (…شهودًا على ما كان المسيح يعمله وشاهدوه أولاً يعمله، ثم علـَّم به…) (أعمال الرسل 1 : 1) “الكلام الأول الذي أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به…“ إذاً من الناحية المنطقية ما يشهده الآخرون عني ويكتبوه هو أقوى بكثير من ما أكتبه انا عن نفسي، اما الإجابة باختصار هي: واضح أن الإنجيل كتب بأربع كتابات مختلفة، وهي الكتابة أو الإنجيل بحسب البشير متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وليس هناك كتابة اسمها بحسب السيد المسيح مثلاً. هناك اسباب عديدة مطروحه لعدم كتابةيسوع إنجيله: 1: أن الكثيرين لم يكونوا على معرفة بالكتابة والقراءة، فكان هو الإنجيل شخصياً لهم يعلمهم وهو يتجول في ربوع فلسطين .فهو النموذج والمثل والقول. 2: اذا كتب كيف سيكتب عن معجزاته هل سيقول شفيت اعمى… اطعمت الجموع… ابرأت أبرص؟ 3: السرد من خلال شهود العيان افضل مما كان سيكتب المشهود عنه لأنهم اي هؤلاء الشهود يعطوا موثوقية للأحداث اكثر من كاتب هو يكتب سيرته الذاتية.
هناك العديد من الاسباب الأخرى المطروحة لكن نكتفي بهذا القول لنستفيض في عديد من الامور. ولكن هل كان يسوع يجيد الكتابة والقراءة؟ الاجابة بالطبع ففي انجيل (لوقا 4: 17 -18) يخبرنا الآتي: “17 فدُفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه: 18 “روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية.” من خلال النص نجيب بنعم كان يسوع يعرف القراءة، والدليل دُفع اليه السفرْ وقرأ ما هو مكتوب داخله من نبوة اشعياء. وأيضاً أشار يوحنا في إنجيله ان “يسوع انحنى وكتب على الارض بإصبعه”. (انجيل يوحنا 8 : 6 -8) لكن لا نعرف ماذا كتب على وجه اليقين. قد تكون خربشة على الرمال…! لكن وصف يوحنا في موضعين انه (هو كَتَبَ)، في استخدام الكلمة اليونانية مايشير الي فعل يسوع. لذلك لا يوجد هناك اي سبب للإدعاء ان يسوع لم يكن يعرف الكتابة. بعض الرسل والتلاميذ ومن اهتدوا الي الرب يسوع كان بعضهم شهود عيان. كتبوا وتركوا لنا سجلات من ضمنها ما ذكره يوحنا في انجيله: “24 هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق”. (يوحنا 21 : 24) هل عندك دليل أو مثل واضح على إجابتك السابقة؟ وهل الكتابات الأربعة هي لأنجيل واحد مصدره أو منشئه السيد المسيح له المجد؟
لو نظرنا لمطلع الإنجيل الواحد بكتاباته الأربعة، فسنجدها كما يلي:
في الإنجيل بحسب البشير متى يبدأ بهذه الكلمات: “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود”، أي أن هذا الإنجيل الذي خطه متى كان محوره أو مصدره يسوع المسيح ابن داود.
في الإنجيل بحسب البشير لوقا نجده يبدأ بقصة بشارة الملاك لزكريا بغلام زكي، ثم ينتقل مباشرة على أن هذا الغلام جاء ليعد الطريق للسيد المسيح (له المجد)، موضوع هذا الانجيل.
وفي الانجيل بحسب البشير مرقس أول كلمات به تقول: “بدء أنجيل يسوع المسيح” أي أن هذا هو إنجيل يسوع المسيح وليس إنجيل مرقس الرسول أو غيره من البشر.
وفي مطلع الإنجيل بحسب البشير يوحنا الذي نحن بصدده يقول: “في البدء كان الكلمة” فهو يتكلم عن كلمة الله الذي هو أيضاً شخص السيد المسيح.
الطائفيــــة ُ سـِلاحُ الغـــــرب الأمضى لتفتيت الشّـــــرق الأوسط
قال الصحفي المخضرم الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل حوالي خمس سنوات
“ليس كل التاريخ مؤامرة ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ”.
وأقول أنا إن من لايرى مؤامرة في كل ما فعله الغرب في المنطقة حتى الآن منذ بدايات القرن الماضي، من وعد بلفور، وسايكس – بيكو، وإقامة الكيان الصهيوني، وما فعله منذ بدايات هذا القرن الحادي والعشرين، فمن لا يجد في كل ذلك مؤامرة، فإنه لايفرق بين التمـــرة، والجمرة. في هذا المقال سأستعرض بعض الوثائق والوقائع والحقاثق والمعطيات والتصريحات المأخوذة كلها من أفواه الصهاينة في إسرائيل أو في أميركا ، معتمداً أحد مناهج البحث السياسي المتعددة، ألا وهو المنهج التاريخي الذي يستند إلى الاحداث التاريخية في فهم الحاضر والمستقبل، لأن احداث التاريخ تتحرك دوما انما بلباس يناسب العصر، ولاتُفهم او تُدرك اية حالة سياسية الا بالعودة إلى جذورها التاريخية ومراقبة تطورها، وعيش نتائجها سلبية كانت أم إيجابية. في 14 أيار 1948 ، يوم الاعلان عن قيام الكيان الاسرائيلي أعلن دافيد بن غوريونرئيس وزراء الكيان: أن أمن إسرائيل يتحقق عندما تكون إسرائيل أقوى عسكرياً من اي تحالف عربي محتمل.”
اسرائيل القوة العسكرية
وباتت هذه الرؤية عقيدة إسرائيل الأمنية لعقود عديدة….! إلا أن العديد من الاستراتيجيين الصهاينة رأوا لاحقا ان هذه النظرية وحدها لاتكفي لضمان أمن إسرائيل، وأن ضمان هذا الأمن، واستقرار إسرائيل وقوتها وتماسكها مرهون بانهيار المجتمعات العربية وضعفها وتمزقها … في شباط 2011 نشر الكاتب الامريكي / مايكل كولينز بايبر/ مقالاً في موقع / أمريكان فري برس American Free Press / اشار فيه إلى بحث نشرته دورية المنظمة الصهوينة العالمية المعروفة/ كيفونيم/ بقلم الصحفي الاسرائيلي /عوديد ينون/المرتبط بالخارجية الاسرائيلية ، ودعا فيه بوضوح إلى نشر الفوضى في العالم العربي ، وإحداث انقسام في الدول العربية من الداخل إلى درجة تصل إلى / بلقنة / مختلف الجمهوريات العربية وتجزئتها إلى جيوب طائفية..!!! وهذا كان ترداد لذات الأجندة التي طرحها البرفسور الاسرائيلي الراحل/ إسرائيل شاحاك/ وهدفها تحويل إسرائيل إلى قوة عالمية من خلال نشر الفوضى في الدول العربية وبالتالي إعداد المسرح في الشرق الاوسط للهيمنة الاسرائيلية. هذه الاستراتيجية سبق وتحدث عن شبيه لها الأكاديمي الامريكي/ زبغنيو بريجنسكي/ قبل أن يصبح فيما بعد مستشار الرئيس كارتر لشؤون الامن القومي ، وذلك في كتابه /بين عصرين العصر التكنوتروني/ الصادر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي والذي دعا فيه للإعتماد على الأصوليات الدينية لمواجهة الخطر الماركسي، ودعا لهيمنة رجال الدين واشعال حروب الاديان والطوائف، وتقوية التيارات الدينية التي لاترى العالم إلا من زاوية الدين والخلافات الدينية. وفي إحدى تصريحاته يقول: “ان منطقة الشرق الاوسط ستحتاج الى تصحيح الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو ومقررات مؤتمر فرساي .!!!”
المؤامرة الاميركية الصهيونية الغربية
وكان قد سبق لوزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر ان صرح انه بهذه المنطقة تواجدت كل الاديان ولايمكن التعامل معها الا من خلال الدين .!!! أي أن اللعب على وتر الدين هو المدخل المناسب لتنفيذ المشاريع التي تصبو اليها الصهيونية العالمية !!!.
وأعتقد ان كل منا قد قرأ مشروع المستشرق الصهيوني الامريكي، البريطاني الأصل/ برنار لويس/ عن تقسيم الشرق الاوسط بكامله بحيث يشمل تركيا وإيران وافغانستان، وقد تمت الموافقة على هذا المشروع بالإجماع في الكونغرس الامريكي عام 198.
وفي مقابلة لبرنار لويس في 20/5/2005 قال تماماً مايلي:” ان العرب والمسلمين قومٌ فاسدون ومفسدون فوضويون، لايمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوّض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هوإعادة إحتلالهم واستعمارهم، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان … وأنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولاداعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الافعال عندهم، ولذا يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل ان تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها”. وفي البحث الذي كتبه الصحفي البريطاني جوناثان كوك في العام 2008 كشف عن الدور الذي لعبته إسرائيل في إذكاء الصراع بين الحضارات، ومحاولة جعل تلك المقولة اساساً لنظرة العالم الى مكوناته الأساسية ولاسيما البلدان الاسلامية.!!!
محمد حسنين هيكل ليس كل التاريخ مؤامرة ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ
وفي كتابه”إسرائيل وصرع الحضارات” يكشف كوك بوضوح محاولات إسرائيل استخدام مقولة “صراع الحضارات” لإعادة صياغة الشرق الاوسط بأكمله على نحو مواتٍ لها ولمصالحها.!! ويؤكد كوك أن الحرب الأهلية، ودعوات التقسيم التي رافقتها كانت على وجه التحديد هي الهدف الأول لغزو العراق، وأن هذا الهدف لم يوضع في واشنطن، وإنما في مكان اخر على بعد آلاف الأميال/ ويقصد تل ابيب/، والحالة العراقية التي تسودها الانقسامات الطائفية والدينية والعرقية تشكل المواصفات المثالية للدولة العراقية من وجهة النظر الاسرائيلية، وبحسب التصور الصهيوني فمن يسيطر على العراق يتحكم استراتيجياً في الهلال الخصيب، وبالتالي الجزيرة العربية، فضلا عن موارده الضخمة…!!! وحسب ما نقلته الأنباء في حينه، فقد سبق وقال نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، لآرييل شارون ، ان الولايات المتحدة هاجمت العراق أولاً، وقبل أي شيء من أجل خاطر إسرائيل.!!! ويقول جوناثان كوك ان إسرائيل منذ عام 1980 قررت اتباع سياسة ملخصها هي: تقسيم كل شيء على الضفة الاخرى، أي في الجانب العربي، بداية من الفلسطينيين ثم زحفاً وأحياناً ركضاً، إلى بقية الدول العربية .ويضيف كوك أن المحافظين الجدد كانوا يشاركون إسرائيل بقوة في ضرورة مواصلة هذه الاستراتيجية لإلغاء أي دور لدول الشرق الأوسط وإغراقها في مشكلات داخلية تعمق من ضعفها…!!!! ويتابع كوك، أن الهدف هو بدء موجة من الصراع الطائفي انطلاقاً من العراق الى كل المنطقة، وكان العراق مكاناً جيداً لإختبار هذه الاستراتيجية لأسباب متعددة كان منها، انه تمكن في السابق من تحقيق وئام طائفي، وإعلاء لراية الوطن على راية الطائفية، فقد كانت نسبة الزيجات المختلطة بين الطوائف المتباينة هي الأعلى في الشرق الاوسط، وكان من الواضح انه إذا نجحت تلك الاستراتيجية في العراق فان بامكانها ان تنجح في اماكن أخرى كثيرة !!!! ويقول كوك ان هدف اسرائيل من ذلك كان ادخال العراق في دائرة الاضطراب الدائم، وزرع بذور شقاق طائفي اقليمي يقطع الطريق على دعوة القومية العربية ذات الطابع العلماني، واطلاق اليد الاسرائيلية بترحيل عرب 1948 من فلسطين الى خارج أرض/إسرائيل الكبرى/ بحجة ان الجميع في الشرق الأوسط يبعدون بعضهم البعض على أسس دينية، وعرقية، فلماذا لاتفعلها إسرائيل! ويقول كوك إن أحداث الحادي عشر من ايلول 2001 أتاحت فرصة ذهبية لأصحاب هذه الرؤية، وجعلت الحديث عن صراع الحضارات، وتفتيت الشرق الاوسط يخرج من مجالس الهمس الى العلن ..!
الطائفية مقبرة الاوطان
الحالة العراقية هذه وما يسودها من انقسامات مذهبية وعرقية، موجودة مسبقاً في لبنان، واليوم يعملون بدأب لنقلها الى سورية لنشر الفوضى والتفتيت في كل المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار ان السودان قد انفصل قسمه الجنوبي مسبقا، وأن الفوضى تعم ليبيا واليمن ومصروحتى تونس، وكل شيء في هذه البلدان يشير أنها سائرة في هذا الإتجاه، وليس العكس، كما يُروج بعض/أهل/ الفكر والثقافة لتخدير العقول، ليس إلا!!!. بل أن الجزائر تخشى من تصعيد الأوضاع الأمنية،، غير المستقرة أصلا،، بعد المعلومات عن تهريب صواريخ تُحمل على الكتف من ليبيا الى داخل أراضيها!!!. وتجدر الإشارة هنا الى ما قاله الأميركان للمرحوم ياسر عرفات حينما رفض التوقيع على شروطهم:”إعلمْ أنك من منطقة قابلة لتعديل الحدود والبشر في اي وقت”!!!. وفضلا عن ذلك، أفادت دراسات صادرة عن مركز واشنطن لدراسات الشرق الادنى، ومعهد الدراسات السياسية الاستراتيجية المتقدمة،، ومنذ زمن، إن اسرائيل تريد حصار العراق وسورية من الشمال من خلال وجودها في تركيا والتجسس عليها من خلال علاقاتها مع الأكراد والحكومة التركية، وتستطيع اسرائيل التحرك ضد ايران من تركيا، وكذلك التغلغل في الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى عن طريق تركيا!!!. فماذا يعني هذا ؟؟. إنه يعني محاصرة روسيا من كل الاتجاهات!!!. ويفيد احد العاملين في مكتب رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي ان إسرائيل تدفع باتجاه قيام حرب اهلية في سورية على الطريقة العراقية اواللبنانية، وان مصلحتها تكمن في انهيار النظام الحالي دون قيام نظام اخر في مكانه، وهذا يؤكد وجود مشروع يتعمد إغراق سورية في الفوضى والإقتتال، وليس غير ذلك، وإخراجها كلية من معادلات المنطقة لتسترخي اسرائيل، وتطمئن عيون قادتها وأهلها! إذاً مخطط تفجير المنطقة بدأ من العراق، وهذا ما أوضحه النائب الامريكي/ جيمس مورون/ بقوله: “ان اليهود الأمريكيين هم المسؤولين عن دفع الولايات المتحدة الى الحرب على العراق…!! وهذا ما أكده بدوره المفكر الأمريكي / كولينز بايبر/ بقوله: “ان الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق تندرج في مخطط اقامة اسرائيل الكبرى وان اللوبي الصهويني في الإدارة الامريكية هو الذي كان يدفع بقوة واستماتة في اتجاه الحرب!! وهذا كله يصب في ذات المجرى الذي تحدث عنه الصهيوني الاسرائيلي الفرنسي برنار هنري ليفي في كتابه “الحروب التي لانحب”الصادر في تشرين الثاني 2011 ..!! وقد عبر الجنرال احتياط / عاموس يادلين / رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق، في تصريح له في أواخر كانون الثاني الماضي عن شماتته، وسروره بنفس الوقت، عندما قال : ان اسرائيل كانت مستعدة ان تدفع ثمناً غالياً، يتمثل بالتنازل عن هضبة الجولان، مقابل اخراج سورية من محور سورية ـ ايران (الراديكالي ) في حين ان ذلك من شأنه ان يحدث اليوم دون ان ندفع اي ثمن …!!!! طبعا هو يراهن بذلك على وهن وضعف سورية مستقبلا، ووعود بعض اطراف المعارضة السورية.!!! ان الدعوات الى اضعاف العرب وتقسيم المنطقة الى كانتونات عرقية ودينية وقبلية كانت دوماً موضع مخططات وتصورات استراتيجية لمعاهد البحوث الامريكية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني مثل: مؤسسة التراث، والمعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، ومعهد بروكنجز — Brookings Institute — هذا إضافة الى العشرات من معاهد الدراسات الأخرى مثل: مركز فريمان للدراسات الاستراتيجية في تكساس، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ومعهد دراسات السياسة والاستراتيجية المتقدمة…الخ.
الدور الاميركي
وهذه المعاهد طرحت دوماً اهمية الهمينة الاسرائيلية على المنطقة وايجاد نظام اقليمي شرق اوسطي بدلاً من النظام الاقليمي العربي// وهذا ما تساهم به الجامعة العربية//، وجميعنا يتذكر طرح شيمون بيريز بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 عن قيام شرق اوسط كبير، ينسجم مع هذه الرؤى والاستراتيجيات الصهوينة !!!.. وهذا مارفعته ايضاً وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندوليزا رايس عندما تحدثت عن ولادة شرق أوسط جديد في بداية عدوان 2006 على لبنان، واعادت الحديث عن نظرية”الفوضى الخلاقة”، إذ ان هذه النظرية هي مشروع مطروح حتى قبل احتلال افغانستان وانهيار الاتحاد السوفيتي من قبل معاهد البحوث الامريكية، ثم أعادت رايس اثارة هذا المشروع من جديد والسعي الى تحقيقه، وربما ما تشهده المنطقة اليوم هو من أحد ثمرات جهودها الهدامة!!.. التفتيت الطائفي على مستوى المنطقة يحتاج بالضرورة الى طائفيين، أو الى نوعيات تدعي الليبرالية والعلمانية ولكن لا تدري خطر ما تفعل ( وهذا ماوُجد في سورية)، أو أنها مخروقة بوسيلة أو بأخرى، أو تحركها دوافع وأحقاد وكيديات خاصة …!!! فالقوى العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية الحقيقية والمبدئية والصادقة مع ذاتها،لا تؤدي هذا الغرض، لأن تكوينها الفكري والثقافي والعقائدي لا يسمح لها بذلك..! إذا من هو المؤهل للقيام بهذا الدور؟؟ طبعا هي القوى الدينية المتعصبة والمتطرفة والتكفيرية، والنوعيات الأخرى التي أشرت اليها آنفا، فضلا عن كل من يُغذي الثقافة الطائفية بالقول أوالكتابة أو الفتاوى والخطابات والمقابلات والأحاديث والألفاظ، ومدارس ومعاهد دينية …الخ .. هؤلاء جميعا هم الرهان لجر المنطقة الى الدائرة التي تخطط لها دوائر الصهيونية العالمية، وهي تفتيت المُفتت، من خلال الضخ والحقن الطائفي حتى الصدام، كما حصل في العراق ثم سورية واليوم لبنان، ثم تجزئتها على مقاسات تتلائم مع اسرائيل ومستقبلها لقرن قادم على الاقل، لأن سايكس – بيكو قد شاخَتْ ولم تعد صالحة لخدمة هذه الإستراتيجية الصهيو- أميركية…!!! مع عدم تناسي الدور الاردوغاني وحزبه الاخونجي في الحقن الطائفي في تدمير العراق وسورية.
المسعى التركي الوهابي مع اخال الطائفية لتفتيت سورية
فالغرب الواقع تحت التاثير الصهيوني القوي، ومن خلال استراتيجية توظيف الدين السياسي والاستثمار به، يسعى لتطويع الشعوب وتدجينها واستخدامها في استراتيجية السيطرة والهيمنة وإشعال الحروب الأهلية والإقتتال الداخلي وتنفيذ مخططاته من دون ان يرسل جندي واحد الى ميادين القتال، وأيٍ يكون الخاسر فهو مكسب للغرب، ودعم لاسرائيل وتعزيز لمكانتها في المنطقة،، فالخاسر والرابح هما بالنسبة للغرب أعداء، وينطبق عليهم المثل / نابْ …….. / وبقية المَثَل معروفة !!! . والكل يتذكر كيف استخدم الغرب استراتيجية الدين وتشجيع التطرف والتعصب الديني من كافة الأديان، في حربه لمجابهة الإتحاد السوفييتي السابق، على قاعدة الإيمان والكفر، وهذا ذات الخطاب المُستخدم اليوم !!!.. لا أعتقد أن أحدا أكثر سعادة من اسرائيل في هذا الزمن، وهي تقف وتتفرج على الوضع العربي، لا بل تضرب من بعد ان كان في سورية او العراق في كل مرة يخسر ارهابيوها وينكفؤون ، في مشهد أشبه بإحدى حلقات مسلسل / مرايا / عندما تمكن بطل المسلسل من خلق الفتنة والإقتتال بين أبناء القرية، الذين كانوا مُوَحَدين ضده ، بعد أن أرسل للمختار بعض المعونات من الزيت والسمنة والسُكّر والأرز لتوزيعها، ثم وشَى به وأنه إحتفظ بمعظمها الى نفسه، فدارت المعركة ووقف البطل على شرفته يتفـــــرج ويقول: “يا سلام ما أجمل هذا المنظر !!!”.. والسؤال أخيراً: هل ستتمكن اسرائيل وأميركا من تنفيذ هذا المخطط الجهنمي والخطير من خلال البوابة الطائفية ؟
إعتقادي أنها لن تتمكن لأن الشعوب العربية الحية أوعى بكثير من أن تتمكن اسرائيل وحلفاؤها من جرها الى أتون هذه المحرقة، حتى لو وُجد هناك من بينها قوى وتيارات ونخب وأفراد تسير في التيار الغربي — الاسرائيلي، منها عمدا كما تسمى اليوم سورياً منصات المعارضة والخونة المقاتلين، ومنها جهلاً الذين غُرر بهم واندفعوا ولم يعد بامكانهم العودة الى جادة الصواب، ولكن هذه تبقى بالنسبة لشعوب الأمة عبارة عن أسماك ميتة، والأسماك الميتة وحدها هي من يسبح مع التيار، بحسب المثل الشهير فحذارِ، حذارِ، حذارِ، من غول نار الطائفية لأنها ستأكل الجميع، بينما الإسرائيلي يردد من الأعلى: “يا سلام ما أجمل هذا المنظر.” !!
اشتهرت حمص في تلك الفترة بعبادة الشمس وهيكلها الفاخر الذي فيه الحجر الأسود الهرمي الشكل (كعبة حمص) وكان يُشتَرَط على كهنة هذا المعبد أن يكونوا من أعيان البلد، ومن أشهــر أفراد الأُسَر، وكان باسيانوس Basianus أو باسيان كاهن المعبد ذو أخلاق وثقافة عالية وآداب سامية وهذا ما هيَّأ لعائلته تبؤَ مناصب رفيعة في الدولة الرومانية.
وُلِدَت إبنته جوليا دومنا Julia domna حوالي سنة 166م وكانت على جانب كبير من الذكاء والجمال والثقافة لاسيما في العلوم الطبيعية والفلكية وتتكلّم اليونانية واللاتينية والآرامية. وكذلك شقيقتها جوليا ميسـا Julia maesa وإبنتيها جوليا سوميا Julia somia وجوليا ماميا Julia mamia كنَّ أيضاًعلى قدْر كبير من الثقافة والعلْم والثروة الكبيرة وذكرَ أحد المؤرّخين أن بابنيانوس Papinianus النابغة في فقه الحقوق هو إبن باسيانوس وآخرون ذكروا إنه قريبهم. وحدث أن أحد الأشخاص ويُدعى يوليوس إسكندر كان يترأس عصابة في منطقة حمص عاثت في البلاد فساداً لدرجة أقلقت السكّان وخشيَ الإمبراطور كومود (180ـ192) إبن أوُريليوس شرَّها فأرسل قائداً عسكرياً ماهراً لضرب هذه العصابة، هو سبتيميوس سيفيروس الذي توجّه إلى المنطقة التى اعتصمت بها العصابة، وطوَّقها وقضى عليها عام 179م. وأثناء وجوده في حمص وقع نظره على جوليا دومنا فسحره جمالها، وشعرَ بميل عظيم إليها لجمالها وثافتها، وتوسَّم لنفسه مستقبلاً عظيماً إذا تزوّجها، فطلبها من أبيها الذي لم يُمانع عن تلبية طلبـــه. علما انه كان يكبرها بعشرين عاماً، فتزوجا ورُزِقا من هذا الزواج عدة بنين: الأكبر باسيان وسُمّي فيما بعد كاراكلا Caracalla الذي وُلِدَ في ليون بفرنسا سنة 188م والأصغر جيتا Jeta…
فكيف وصل هؤلاء إلى حكم روما ؟
1 ـ الإمبراطور سبتيموس سيفيروس Septimus severus من193 وحتى 211 م كان مواطناً من مدينة لبتيس ماغنا (Leptis magna) في ليبيا، وهي بالقرب مما ندعوه الآن طرابلس الغرب.
سبتيميوس سفيروس
وُلِدَ في بلدة لبدة بتاريخ 11نيسان سنة 146 م من أصل فينيقي أفريقي، وثمة تيار قوي يقول أنه مــن أفاميا السورية من “قلعة المضيق” وكان يتكلّم اليونانية والفينيقية والامازيغية، ودرس اللاتينية لغة الامبراطورية ولو بلكنة لازمته طول عمره…
ودرس الآداب والفلسفة في أثينة، واشتغل بالمحاماة في روما، وكان رغم لهجته السامية من أحسن ابناء الامبراطورية تربية وأكثرهم علماً في زمانه، وكان مولعاً بأن يجمع حوله الشعراء والفلاسفة، ولكنه لم يترك الفلسفة تعوقه عن الحروب، ولم يدع الشعر يرقّق من طباعه. وكان رجلاً وسيم الطلعة، قوي البنية، بسيطاً في ملبسه، قادراً على مغالبة الصعاب، بارعاً في الفنون العسكرية، مقداماً لا يهاب الردى في القتال، قاسي القلب لا يرحم إذا انتصر. وكان لبقاً فكهاً في حديثه، نافذ البصيرة في قضائه، قديراً صارماً في أحكامه. وتولّى عدة مناصب حكومية في عهد الإمبراطور أوريليوس وإبنه كومود، ثم التحق بالجيش ولم يلبث أن أصبح قائداً لإحدى الكتائب الرومانية ليرتقي بعد ذلك إلى أعلى المناصب العسكرية، إذ أصبح قائدا عسكريا سنة 172م بإقليم في إسبانيا، ثم حاكما لمنطقة في أوربة الوسطى.وكان قد أحبه جنوده فقد كان قائداً عسكرياً ماهراً لإنه كان شديد العطف عليهم.
لم تكن حياة سيبتميوس تخلو من الحركة والتنقل من منصب إلى اخر، وتولى ولاية جنوب اسبانيا، ثم عاد إلى افريقيا كممثل للامبراطور، ثم كممثل عن العامة في مجلس الشيوخ بروما، حيث أصبح عام (173 م) عضواً في مجلس الشيوخ الروماني بدعم من الإمبراطور ماركوس اورليوس.
وكان مجلس الشيوخ قد أخطأ إذ أعلن تأييده لمنافسه ألبينس Albinus فذهب إليه سبتميوس وحوله ستمائة من رجال الحرس، وأقنعه بأن يؤيده في ارتقاء العرش، فلما تم له ذلك أعدم عشرات من أعضائه وصادر كثيراً من ضياع الأشراف حتى آلت إليه أملاك نصف شبه الجزيرة. ثم ملأ الأماكن التي خلت في مجلس الشيوخ بأعضاء اختارهم بنفسه من بلاد الشرق التي تدين بالنظام الملكي، وأخذ كبار رجال القانون في ذلك العصر (بابنيان Papinian وبولس Paulus، وألبيان Ulpian) يجمعون الحجج التي يؤيدون بها السلطة المطلقة لمصلحته.
وأغفل سبتموس شأن المجلس إلا حين كان يبعث إليه بأوامره، وبسط سلطانه الكامل على أموال الدولة على اختلاف مصادرها، وأقام حكمه على تأييد الجيش دون خفاء، وحوّل الزعامة إلى مَلَكية عسكرية ورائية، وزاد عدد رجال الجيش، ورفع رواتب الجند، وعمد إلى الإسراف في أموال الدولة حتى كاد ينضب معينها. ومن أعمله أنه جعل الخدمة العسكرية إلزامية، ولكنه حرّمها على أهل إيطاليا للحد من نفوذ الايطاليين، فأصبحت فيالق الولايات من ذلك الحين هي التي تختار الأباطرة لروما بعد أن فقدت العاصمة قدرتها على الحكم.
روما القديمة
وفي عام 175 تزوج من باتشيا مارشيانا Paccia Marciana، ابنة لبدة أيضاً. وفي عام (179م) عين قائدا للقوات الرومانية المرابطة في سورية.
انتعشت حياة سيفيروس مع صعوده الوظيفي، وخاصة بعد انتقال الحكم من الامبراطور ماركوس اورليوس إلى كومودوس، فتولى العديد من المناصب الرفيعة كنائب قنصل ثم عمل في سورية كقائد ثم حاكم لمنطقة الغال (فرنسا الحالية) وصقلية والنمسا والمجر.
كان هذا المحارب الواقعي يؤمن بالتنجيم، وكان أكثر الناس براعة في تفسير النذور والأحلام. بالرغم من انه كان محارباً واقعياً، من ذلك الايمان بالطالع، أنه لما أن ماتت زوجته الأولى قبل أن يرتقي العرش بستة أعوام عرض على سوريّة غنية دل طالعها على أنها ستجلس على عرش أن تتزوجه. وكانت هذه الزوجة هي جوليا دومنا Julia Domna ابنه كاهن غني لـ “الجبل Elgabal” إله حمص. وكان نيزك قد سقط في تلك المدينة من زمن بعيد وأقيم له اي “الجبل Elgabal” إله في حمص ضريحٌ في هيكل مزخرف، وأخذ الناس يعبدونه على أنه رمز الإله إن لم يكن هو الإله نفسه مجسّماً.
في سنة 187 تزوج سيفيروس بها، وارتقت جوليا دومنا عرشها الموعود. وكانت أجمل من أن تقتصر على محبة سفيروس فالجميع كان يحبها، ولكن مشاغل سبتميوس لم تكن تترك له من الفراغ ما يسمح له بأن يغار عليها. وقد جمعت حولها ندوة من الأدباء، وناصرت الفنون، وأقنعت فيلوسترانس بأن يكتب سيرة ابولونيوس من تيانا Apollonius of Tyana ويخلع عليه الكثير من أسباب المديح.
جوليا دومنا
كانت قوة أخلاقها ونفوذها مما عجل السير بالملكية نحو الأساليب الشرقية التي وصلت إلى غايتها من الناحية الأخلاقية في عهد الجبل Elgabalus ومن الناحية السياسية في عهد دقلديانوس. ورزق منها بولدين: الاول ولد سنة 188 وسماه باسيانوس Bassianus وهو من عرف لاحقاً باسم الامبراطور كركلا والابن الثاني ولد سنة 189 واسمه جيتا.
عندما توفي الإمبراطور كومود مسموماً في 1 كانون أول سنة192م وبعد موته حدثت في أوائل سنة 192م انقسامات خطيرة بين كبار رجال الدولة الرومانية حول من سيتولى السلطة ويتبوأ عرش روما.
ولحل المشكلة، تولى الحكم مستشار الإمبراطور برتيناكس، ولكن هذا ما جعل سفيروس يعود بجنوده إلى روما بدعوى الثأر لإمبراطوره المقتول كومود. خلال عودته، واجه محاولات بعض الأعيان لشراء عرش روما بمساعدة الحرس الإمبراطوري الفاسد. لذا، وبعد أن ثأر للإمبراطور المقتول تخلص من أعدائه، وجلب أفواجا من سكان البوادي ليعوضوا الحرس الإمبراطوري. وتولّى مكانه برتينكس والي سورية الذي لم يستطع إرضاء الجند فقتلَ في 28 آذار سنة193م ثم استقرَّت المبايعة عــلى تولّي رجل غني جداً يُدعى ديديوس يوليان ونودي به إمبراطوراً ولما بلغ هذا الأمركتائب الجيش الروماني ولكون سبتيموس محبوباً من جنوده نادوا به إمبراطوراً فأسرع بجنوده إلى روما ودخلها بموكب عظيم وتبوّأ الإمبراطورية وللحال أصدر المجلس العالي الروماني حكماً بقتل ديديوس يوليان كمجرم فقُبضَ عليه وقُتِلَ بعد حكمَ دام 26 يوماً . ثم قضى على خصميه نيجر وألبيوس وأصبح إمبراطوراً بلا منازع.
اصلاحاته
العائلة الامبراطورية سبتيميوس وجوليا وكاركلا
بعد توليه مقاليد الحكم قام ببذل الجهود الكبيرة في سبيل الإصلاح، وتحسين أوضاع الجيش والقضاة وإزالة مساوئ الفتن الأهلية. ووجه العناية إلى الولايات فأقام فيها الكثير من المنشآت والأبنية العامة والحمامات وسواها. وجعل الخدمة العسكرية إجبارية في كل الولايات عدا أهل ايطاليا، ثم قام بحلِّ الجيش الامبراطوري وأحدث حرساً جديداً جمع عناصره من سائر الولايات بعد أن كان هذا الحرس إيطاليّاً فقط.
كان لا يشبع من أكاليل الغار التي يحظى بها بسبب انتصاراته، ثماني عشرة سنة وهو في حروب مستمرة وسريعة، وقد زاد عدد الجيش، ورفع رواتب الجند، وقاتل منافسيه، وقضى على الفتن، وقاتل لاسترداد مناطق قديمة، وضم مناطق جديدة للإمبراطورية، دك بيزنطية بعد حصار دام أربعة سنوات، و غزا بارثيا واستولى على طشقونة، كما ضم بلاد الرافدين لهذه الإمبراطورية.
في الحقيقة انه أعاد لعرش روما مكانته، وخلص الإمبراطورية من تركة فساد متراكم من استبداد كاليكولا وبلاهة كلوديوس وجنون نيرون وطغيان انطونيوس.
تميز بتشجيع الاقتصاد وتنمية الزراعة والتجارة ولكنه شدد الخناق على اعضاء مجلس الشيوخ الروماني وحد من صلاحياتهم فرادى ومجلس، وكذلك على ابناء الأسر الأرستقراطية الرومانية وزاد بشدة الاضطهادات على المسيحية رئاسة ومؤمنين ليستفرد بحكم شبه مطلق للأمبراطورية.
ومما قاله عن نفسه وهو في آخر حياته الحافلة: “لقد نلت كل شيء ولكن ما نلته لا قيمة له”.
ويقول هيروديان إن “كركلا قد أغضبه أن تطول حياة أبيه… فطلب إلى الأطباء أن يعجلوا بموت الشيخ بأية وسيلة بمتناول أيديهم”. وكان سبتميوس قد لام أورليوس حين سلم الإمبراطوريّة إلى كومودس، ولكنه هو نفسه أسلمها إلى ابنيه كاركلا وجيتا، بهذه النصيحة الساخرة: “وفرا المال لجنودكما ولا يهمكما شيء غير هذا” وكان آخر إمبراطور مات في فراشه وبعمر الثمانين سنة.
اصلاحاته نحو ليبيا
الآثار الرومانية في ليبيا آثار فينيقية بنكهة رومانية
لم تلهه مشاغله عن وطنه الاساس ليبيا الذي لم يعلن جنوبه بعد الولاء لامبراطورية روما بل وبات يشكل تهديداً علي المدن الساحلية الليبية وأمنها واستقرارها. ولكنه علي الرغم من هذا فقد علق سفيروس أهمية كبرى بالاقتصاد الليبي، فوجه عناية خاصة للاهتمام بالزراعة التي ازدهرت بتوجيهاته إزدهاراً ملحوظاً، واهتم كذلك بالتجارة، وكانت ليبيا تسمي آنداك “مخزن الغلال في الشرق” وكانت مركزاً تجارياً هاماً يشكل همزة وصل بين الشرق والغرب، وبين أواسط أفريقيا وسواحل البحر الابيض المتوسط. وفي الاساس طور مسقط رأسه لبدة الكبرى فأنشأ فيها العديد من المباني والحمامات ووسع الكثيرمن الأسواق والمسارح.
رغم شيخوخته وكبر سنة وإصابته بداءالنقرس، إلا إن ذلك لم يقعده عن الحروب وتسجيل انتصارات وتسجيل اسمه في صفحات التاريخ ، وهو بهذه الحالة قد وصل إلى كالدونيا وانتصر على الاسكتلنديين في عدة وقائع، ثم عاد إلى بريطانيا. وهناك عندما وصل إلى يورك سنة 211م كان على موعد مع الموت. قال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : ” لقد نلت كل شيء، ولكن ما نلته لا قيمة له”، وكانت آخر وصاياه”الحفاظ على الأسرة الامبراطورية والعمل على استرضاء الجيش”.
اصلاحاته نحو سورية
مدرج بصرى من آثار الحقبة الرومانية
لم يكن سيفيروس حمصي المَوْلِد لكنه حمصي العاطفة، وكان لزوجته جوليا الأثر الكبير في الدولة فقاسمته المكانة والسلطان والنفوذ وكانت تدير معهداً في العلم والأدب والسياسة وتتكوَّن شخصياته من الرومان وأعيان السوريين، واستعانت بنوجين كاتب التراجم وديوكاشيوس المؤرّخ، وبفيلوسترات الفيلسوف السفسطائي وبابنيانوس الفقيه في فن الحقوق الذي عيّنه مستشاره القانوني، ورئيس مجلس المستشارين. كما عيّن يوليوس باولوس Julius paulus (من مواليد حمص ) الفقيه والحجة في القوانين الرومانية، واعتمد على أختها جوليا ميسا وإبنتيها جوليا سوميا وجوليا ماميا حيث كنّ على قدْر كبير من الثقافة والعلم والثروة المالية الكبيرة وأكَّد المؤرخون إن زوجته جوليا دومنا لطَّفتْ كثيراً من أخلاق زوجها العسكرية القاسية وحملَت العديد من الألقاب: “أم القياصر”، “أم الجيوش”،”أم الوطن”، “أم الشيوخ”…
واسم دومنا وهي تحريف عن الكلمة السورية “مارتا” وتعني “السيدة بالغة الجلال” ، كما نُقِشَت صورتها على النقود وأقيم لها تماثيل ومعابد عديدة. كان حظ سورية عموماً وحمص خصوصاً حسناً بعهد هذا الإمبراطور، فأولى عناية كبيرة بالبلاد التي أقام فيها مدة طويلة لاسيما الفترة من سنة 182-184 م في منطقة حمص التي اقترن بها بجوليا دومنا. فعرِف ما تحتاجه البلاد من عناية فبذل جهده بتأمين الطرقات، وتعويد الشعب على العمل المجدي والإنصراف عن الشغَب. وصيانة الحصون التي بلغ عددها في عهده 42 حصناً وتمتد مابين دمشق وتدمر وأطلال بعلبك.
وقسَّم سورية إلى قسمين جعل القسم الأول سورية الشمالية الممتدّة من أقصى الشمال إلى غاية السهول الممتدَّة على ضفَّتي العاصي حتى أنطاكية، والقسم الثاني سورية الفينيقية والسواحل البحرية وشرق لبنان، ويضم هذا القسم بعلبك وحمص ودمشق وتدمر، ترك سفيروس مآثر عدة أهمها قوس اللاذقية بسورية الذي لازال شاهدا إلى اليوم على عظمة هذا الإمبراطور وزوجته الحمصية السورية.
2 ـ الإمبراطور كاراكلا Caracalla من 211 وحتى 217 م
الامبراطور كاركلا
تركَ سيفيروس المُلْكْ من بعده لولديه كاركلا وجيتا اللذين سبق أن أشركهما معه في الحكم وأعطاهما لقب( قيصر) وذلك تفادياً من تغلُّب أحدهما على الآخر بعد وفاته، فحكما البلاد معاً سنة 211 م حوالي سنة واحدة، ولكن كانت الضغينة في قلب كل واحد على الآخر، وكانت والدتهما جوليا تُصْلِح بينهما باستمرار فلم يطل الأمر على هذا النحو وأثناء عتاب بينهما وبحضوروالدتهما هجم كاراكلا على أخيه جيتا وفتك به وكان ذلك سنة 212 م .
ورأت والدته أن تقف إلى جانب إبنها كاراكلا كونه في ريعان الشباب ولم يتجاوز عمره 23 سنة، وكان السبب الذي حملَ فيه إسم كاراكلا أنه كان يرتدي “الكاركال”، و”الكاركال” رداء سوري يُشبه العباءة.
لعبت والدته دور الوزير الأمين له خلال العامين 214 ـ 215 م، ومن أعماله إنه أنشأ الرواق والعرَصة أمام الهيكل في بعلبك، وأصدر القانون الذي منح بموجبه الجنسية الرومانية لكل سكَّان الإمبراطورية، فأدّى ذلك إلى إملاء الخزينة بالرسوم التي تقاضتها الإمبراطورية من الجميع الذين كانوا يؤدُّونها بطيبة خاطر لحصولهم على الجنسية الرومانية، وكان يمدّ يد العون لكل من يلوذ به، ومن حسناته ان ضميره كان يوبِّخه على قتل أخيه جيتا. وقتل الفقيه بابنيانوس وهو في عمر 37 سنة.
وعيَّن أولبيانوس Ulpianus (وهو من مواليد بيروت أو صور وتلميذ بابيانوس) مستشاراً له ورئيساً على الحرس. وكان كاراكلا كثير التجوال في الولايات التابعة لإمبراطوريته. وفيما كان يحاول إخضاع البارثيين في الشرق، اغتاله رئيس الحرس مكرينوس في الرها شمال سورية سنة 217 م. وأرسل رماده إلى أمّه التي استقرّت في أنطاكية وحزنت عليه وامتنعت عن الطعام حتى توفّيت بنفس العام ثم أعيد رفاتها إلى المقبرة الإمبراطورية (أوغست) في روما باحتفال مهيب برعاية وتدخُّل أختها جوليا ميسا وخلّدت روما إمبراطورها كاراكلا بإنشاء الحمّامات الكبيرة على إسمه التي مازالت آثارها قائمة وتتّسع لـ 1600 زائراً.
3 ـالإمبرطور إيلاغابال Elagabalus من 218 وحتى 222م
بعد إغتيال كاراكلا أبعدَ مكرينوس كلاً من جوليا ميسا، وجوليا سوميا زوجة كاراكلا، وولدها أفيتوس باسيان، وجوليا ماميا وإبنها الكسندروس سيفيروس من روما فعـادواجميعهم إلى حمــص. النسوة جاورنَ هيكل الشمس وقدّمنَ أنفسهن ومالهن للمعبد، واستلمت جوليا ميسا مفاتيح الهيكل. وأقامت أفيتوس كاهنا للهيكل وارثاً لجدِّه باسيانوس، وله من العمر 14 سنة. وكان جميل الصورة معتدل القامة وأظهر من التقوى والورع ما جعله محبوباً من الجميع، لاسيّما الجند الذين حقدوا على مكرينوس لقتله كاراكلا وتسببه في وفاة والدته جوليا دومنا بهذا الشكل المأساوي، وإبعاد كل مايرتبط بهذه العائلة من روما.
4 ـ ألكسندروس سيفيروس Alexandrus severus من 222 وحتى 235 م
الكسندروس سيفيروس
بعد مقتل إيلاغابال نودي بإبن خالته ألكسندروس سيفيروس الذي وُلِدَ سنة 205م، وكانت والدته جوليا ماميا من الشهيرات بعلوّ المدارك والثقافة الأدبية واللغات. وأحبّه الجند كثيراً وبدأ بإصلاح ما أورثه أسلافه من الخلل، مُستعيناً برأي جدّته جوليا ميسا ووالدته جوليا ماميا. وعيّن يوليوس باولوس الفقيه بالحقوق رئيساً لحرسه الملكي بطلب من والدته، وأقام ديواناً للمشورة مكوّناً من 16 عضواً اختارهم من خيرة الرجال. وأقام مجلساً بلدياً لروما يتكوًن من 14 عضواً، كما رفع شأن المرأة إلى المستوى اللاّئق بها، فأقام ندوة للنساء ترأستها جدّته ثم أمّه، وأعطاهن سلطة واسعة في تهذيب كل امرأة تتجاوز حدود اللياقة، وأكثرَ الضرائب على الصاغة، ليقلّل أسباب الترف. وحارب المُرابين وأحبّ جنده كثيراً. وكان مقتصداً في معيشته ولباسه، وكتب على باب قصره “لاتفْعل بالغير ما لاتريد أن يفعله الغيْر بك”
وفي سنة 231 م دفع الغرور ملك الفُرْس لمحاربة روما فجهّز الإمبراطور حملة لمحاربته، ورافقته أمّه في هذه الحملة، ويظهر من خطبته التي ألقاها في 19 إيلول سنة 233 م إنه انتصرَ على الفرس، واستردَ كل البلاد الواقعة ما بين النهرين وغنِمَ غنائم وافرة. ثم بلغه أن الجرمانيين ثاروا واتّجهوا إلى فرنسا فسار بجيشه إليهم تصحبه أمّه أيضاً وخيَّم معسكره مطلاً على الرّين وسعى إلى استرضاء الجرمانيين بالمال لتجنّب نكبات الحرب، لكن أحد قوّاد الجيش ويُدعى مكسيمنوس Maximenus رفض هذا التصرّف، وقال إن الأموال من حق الجنود، وانصاع الجنود إليه ونادوا به إمبراطوراً، وساروا إلى خيمة الكسندروس وقتلوه وأمّه في 19 آذار سنة 235 م.
حمص
الخاتمة كانت فترة مزدهرة في الامبراطورية الرومانية، هي فترة الأباطرة الحمصيين اسرة الامبراطور سبتيميوس التي دامت نحو 42 سنة مع نسائهم، حيث النسوة كن ّاليد القوية في مساندتهم بإدارة الحكم لما كن يتمتّعن به من ثقافة وأدب وحكمة، لاسيما جوليا دومنا ذات أثر كبير لحمص.
وتخليداً لذكراها فقد أصدر مجلس مدينة حمص قراراً بتسمية إحدى الشوارع الرئيسة في حي حمص الجديدة (الوعر) بإسمها . وفي عهد الأباطرة الحمصيين بلغ العمران في المنطقة درجة عالية حيث بُنِيَ في هذه الحقبة أكثر من مئة مدينة في مسافة لاتزيد عن 180 كم على ضفاف العاصي، وعرف سكان هذه المدن كيف يستغلّون مياه نهرهم العظيم (أورانتيس) العاصي في الزراعة. فارتقى العمل الزراعي بحمص، وازداد إنتاج الحاصلات الزراعية ما اقتضى الأمر إيجاد أسواق لها خارج المنطقة، فأقام تجّارها لأعمالهم مراكز في معظم مدن أوربة لتصريف إنتاجهم، ومما ساعدهم على ذلك إقامة الطرق، حيث وجد الأثريون أثراً واضحاً للطريق الرومانية الممتدّة من ميماس حمص حتى مصياف، وبعدها يتّجه نحو تل سلحب مجتازاً جسر العشارنة إلى قلعة المضيق في سهل الغاب. ويُرَجِّح بعضهم إنه يصل إلى أنطاكية فمنطقة القسطنطينية كما بنوا عند كل 8 كم من الطريق محطة للبريد فيها 40 فارساً لنقله ليلاً ونهاراً فكان البريد يقطع في اليوم نحو150 كم. وأخيراً أفلا يحقّ لحمص أن تفخر بأسرة الأباطرة السيفيريين.
المطربة ماري جبرانكلمة لابد منها ماري جبران مطربة منسية لعلها الاهم في سورية الكبرى وحتى في مصر…هيابنة سورية الكبرى، مواليد وطفولة بيروتية مؤلمة…نشأة دمشقية مؤلمة… حضور مقدسي… تألق مصري… نبوغ وزهو حياة دمشقي وخاتمة حزينة واشد ايلاماً…رائدة عملاقة تأثرت وأثرت في كل هذه الاوطان…ماري جبران الجميلة والمتألقة اثبتت وجودها في كل مكان فغارت منها حتى خالتها ماري جبران في القدس، والمطربة الكبيرة بديعة مصابني في القاهرة خوفا من منافستها لهما… بالرغم من افتتانهما في البداية بفنها وحضورها المتميز، كما افتتن بها كل الكبار من شيوخ الكار الفني ان كان في الشعر واللغة وأساساً التلحين…بإجماع عارفيها ومعاصريها من اكبر السميعة الكبار الى أصغر السميعة العاديين… انه لولا ظروفها كلها ومحاربة الغير لها وعودتها الى الشام حيث وجدت فيها المحبة والاحتضان وتأسيس العائلة والنهاية المأساوية لها لكانت ربما نافست ام كلثوم…المطربة الكبيرة ماري جبران يمكن اعتبارها سيدة مطربات بلاد الشام.
هكذا هي المرأة السورية فهي المتميزة باباء بالرغم من كل الضيقات…ماري جبران كنظيراتها السوريات اللواتي وفي كل المجالات تبوّأن مكانة هامّة في الحركة الثّقافيّة الحديثة، وإن لم تكن تلك المكانة على نفس قدم المساواة في الأقطار العربيّة إلاّ أنّها وفي المشرق العربي تركّزت ما بين قطبين هامّين هما مصر والشّام نظرا لعدّة عوامل سياسيّة واقتصاديّة وخاصّة اجتماعية انعكست على الحركة الفكريّة ومدى مساهمة العنصر النّسائي فيه.في الميدان الفنّي كثيرا ما تحدّثت الدّراسات الأكاديميّة عن المدرسة المصريّة الشّاميّة في الغناء العربي الحديث ودورها في استمرار الطّابع الطّربي التّقليدي وكذلك دورها في إثراء ذلك الطّابع وإضفاء لمسات تجديديّة انطلقت به نحو عالم التّميّز والزّعامة في الغناء الحديث. وفي هذا السّياق تذكر غالب الأحيان أسماء لأعلام التّلحين والأداء الصّوتي من رجال المدرسة الغنائيّة المصريّة الشّاميّة على غرار أبي خليل القبّاني وعمر البطش وعبده الحامولي وسيّد درويش وسلامة حجازي وعبد الحيّ حلمي وغيرهم … في حين تضع الفنّانات في مرتبة ثانية أو أحيانا تهمل ذكرهن حتّى كأن لا دور لهن في تلك الحركة الموسيقيّة والفنّيّة الهامّة في مسار الموسيقى العربيّة، والحال وأنّه بالرّجوع إلى أصول الغناء العربي يستطيع كلّ مطّلع أن يكتشف الدّور الذي لعبته النّساء العربيّات في ترسيخ الفنّ الموسيقي والغنائي وتثبيت قواعده النّظريّة أداء وتطبيقا.تكتنف المدرسة الغنائيّة المصريّة الشّاميّة في الغناء عدّة نقاط غامضة لاسيّما في طرفها الشّامي وفي أعلامها من المطربات.المطربة الرائدة ماري جبران منهن، وهي مطربة سايرت الحركة الغنائيّة العربيّة الحديثة في النّصف الأوّل من القرن العشرين، وهي بل نكاد نسمع عنها اليوم أو نقرأ في مجمل الكتابات والمؤلّفات المؤرّخة خاصّة للمدرسة الغنائيّة الشّاميّة بعدما انتهى جيل الكبار من عارفيها او ورثتهم فواجبنا دوماً ان نعود لتسليط الضوءعليها وعلى من نسيهم الناس والمؤلم في موطنهم وسمة الناس هي النسيان.السيرة الذاتيةالمطربة “ماري جبران” سيدة مطربات بلاد الشام،
ولدت المطربة “ماري جبران”، سنة 1911 في بيروت، واستناداً الى مذكّرات الملحّن المصري الشّيخ زكريّا أحمد(1) فإن تاريخ ولادتها على الأرجح هو عام 1907إن لم يكن في عام 1905، وكلا التّاريخين أتاحا لها الفرصة لاحتراف الفن في ظل القوانين النافذة.
وماري جبران هي ابنة “يوسف جبّور” الذي نزح بأسرته إلى سورية واستوطن في دمشق بسبب قسوة الحياة وهرباً من المجاعة التي اجتاحت لبنان في زمن الحرب العالميّة الأولى المعروفة بمجاعة سفر برلك(1914-1918) كالكثير من بقاع لبنان وبالذات من بيروت التي ضربتها المجاعة بقوة، ولم يكن واقع دمشق افضل فالمجاعة حصدت ارواح الالوف من الجائعين. إلاّ أنّ الموت ادرك يوسف جبور في دمشق تاركا أسرته تواجه ظروفا صعبة جدّا وتعيش على مساعدات الجمعيات الخيرية (نور الاحسان والقديس جاورجيوس الارثوذكسيتين الدمشقيتين) والبطريركية الارثوذكسية بدمشق بقيادة البطريرك غريغوريوس الرابع شخصياً، لكن استمرار هذه المجاعة دفع بوالدة ماري إلى السفر الى القدس حيث تقيم اختها الممثّلة المشهورة حينها الخالة “ماري جبران”وتعيش وعائلتها معها.
وهكذا قُدّر للصّغيرة “ماري جبّور” ذات العشر سنوات (اما 1905 او 1907) النّشوء في وسط فنّي مع فنّانات زمانها، حيث بدأت حياتها الفنيّة بمرافقة خالتها “ماري جبران” لتعمل معها في الغناء والتّمثيل في القدس بفلسطين (التي لم تضربها المجاعة التي ضربت بقية الارجاء السورية) التي كانت مقصد معظم الفنّانين العرب في تلك الأيّام لما تمثّله من زخم كبير في حركتها الفنّية والاجتماعية، وهناك اكتشفت موهبتها باكرا، فأخذت تغنّي على المسرح وترقص برشاقة وتضرب بالصنوج، وتعلّمت العزف على العود فبرعت فيه.
وعندما قدم “سلامة حجازي” إلى بلاد الشّام في إحدى جولاته الفنّيّة، كان من عادته اكتشاف المواهب من الممثّلين والممثّلات لاستخدامهم في فرقته، فوجد ضالته في الفنّانة “ماري جبران” خالة “ماري جبّور” التي وافقت على العمل في فرقته وانتقلت معه إلى مصر.
مع بقاء الاسرة في القدس، قرّرت الابنة “ماري جبّور” احتراف الغناء، فعملت في فرقة الممثّل المصري “عليّ الكسّار” التي كانت تتجوّل في يافا وحيفا وبعض مدن شرقي الأردن، بعد انتهاء الموسم الفنّي في القاهرة. كما عملت في فرقة الممثّل المصري “حسين البربري” مدّة تسع سنوات. ذاع صيت ماري في القدس، وأقبل عليها المعجبون ولُقّبت بماري الصغيرة، تمييزا لها عن خالتها ماري الكبيرة.
مع بدء احترافها للغناء، حملت اسم خالتها لسببين: الأوّل، كي لا تسيء لاسم عائلة “جبّور” التي لم توافق على احترافها الغناء في الملاهي، والثّاني لاكتساب شهرة خالتهاالممثّلة المعروفة، حتّى أنّ بعض معاصري أوّل عهدها بالظّهور على المسارح، كان يظن أنّ “ماري جبران” الممثّلة، هي “ماري جبران” المطربة، إلاّ أنّ الخالة غارت من النّجاح الذي حقّقته ماري الصّغيرة، فأساءت معاملة ابنة أختها ودفعتها للعودة إلى دمشق بعد غياب تسع سنوات مكّنت ماري من سلك طريق الاحتراف.
في دمشق
في دمشق، وكانت قد قاربت العشرين سنة، عملت بملهى قصر البلّور الشهير في “القصاع”
متنزه قصر البلور على السكة في القصاع وهنا صار مركز عسكري افرنسي مؤقت عام 1925
والمتوضع على ضفة بردى بباب توما عدّة شهور، حيث استقلّت بالعمل لوحدها بعد أن بلغت الشّهرة. ثمّ بسبب الظّروف المضطربة في سورية أثناء الانتداب الفرنسي منذ 1920 والثّورة السّورية الكبرى 1925-1927، انتقلت إلى بيروت وعملت في ملهى “كوكب الشّرق” الذي ذكره زكريّا أحمد في مذكراته حيث يقول أنّه التقى في عام 1927 في ذلك الملهى في بيروت بالملحّن المصري رياض السنباطي، وأنّهما استمعا مع غيرهما من الأصدقاء إلى المطربة النّاشئة “ماري جبران” وأبديا إعجابهما بها.
عندما هدأت الأوضاع عام 1927، واستتب الأمن لصالح الاستعمارالفرنسي بتوقف الثورة الكبرى، عادت ماري جبران إلى دمشق لتعمل بعض الوقت في ملهى “بسمار” في منطقة المرجة، ثمّ غادرت إلى حلب فاشتغلت في ملهى “الشّهبندر”. بعد سنة عادت مرّة أخرى إلى دمشق، للعمل مجدداً في ملهى “بسمار”، وكان يعجّ بالمعجبين بفنّها. وهكذا بلغت “ماري” الشّهرة وحقّقت نجاحا ملفتاً للنّظر لما تتمتّع به من صوت رخيم وإحساس رائع وضعها في مقدّمة مطربات جيلها وبلغ أجرها الشّهري أكثر من خمسين ليرة ذهبيّة.
في القاهرة
الفنانة بديعة مصابني
يقول النّاقد الموسيقي السّوري صميم الشّريف في كتابه الموسيقى في سوريا(2)أنّه في أوائل الاربعينات، وفي فترة الاضطرابات التي غمرت القطر العربي السّوري ضدّ الاستعمار الفرنسي، وفدت إلى دمشق الرّاقصة المشهورة “بديعة مصابني” بين عامي 1930 و1931 التي كانت تملك صالة بديعة الشهيرة في القاهرة، وتسيطر بوسائلها الخاصّة على دور اللّهو هناك. عندما استمعت إلى “ماري جبران” في سهرة خاصّة أذهلها صوتها وأداؤها وجمالها، فقرّرت أن تأخذها معها إلى مصر، بعد أن وقّعت عقداً معها للعمل في صالتها لمدّة سنة قابلة للتّجديد، وهناك افتتن النّاس بجمالها قبل أن يفتنهم صوتها وغدت بين عشيّة وضحاها قبلة الأنظار، فأحاط بها المعجبون والفنّانون وأطلقوا عليها اسم ماري الجميلة وماري الفاتنة وما إلى ذلك. وكان شيوخ التّلحين من الذين أعجبوا بصوتها السبّاقين إلى خطب ودّها، فتعرّفت على محمّد القصبجي وداوود حسني والشّيخ زكريّا أحمد، وانفرد الأخيران بالتّلحين لها، فحفظت على يدي داوود حسني دور “الحبيب للهجر مايل” ودور “أصل الغرام نظرة” واهتمت بتدريبات الشّيخ زكريّا أحمد وتعلّمت منه كيف تغنّي القصائد والأدوار والطقاطيق حتّى أبدعت فيما غنّت، مثل دور “يا مانت واحشني” ودور “دع العزول” ودور “في البعد يا ما كنت أنوح”.وفجأة دبّ الخلاف بينها وبين “بديعة مصابني” فتركت مسرحها آملة في العمل بمسارح أخرى، ولكنّها لم تستطع في البداية بسبب سيطرة “بديعة مصابني” القويّةعلى ملاهي القاهرة. ويبدو أنّ “بديعة مصابني” اختلفت معها بسبب الأجر، وقيل بسبب رفضها مجالسة روّاد الملهى، وقيل أيضاً أنّ بديعة مصابني اعتقدت بأنّ “ماري جبران” التي أدارت العقول بجمالها وسحرها وغنائها، أخذت تزاحمها في أمر لا تحبّ أن يزاحمها فيه أحد، فأنهت عقدها متعللة بأوهى الأسباب.
تمكّنت “ماري جبران” عن طريق أصدقائها الكثيرين وبفضل ما تملكه من خصائص فنّية من العمل في العديد من الصّالات في القاهرة، وظلّت تعمل على الرّغم من القطيعة بينها وبين”بديعة مصابني” مدّة سبع سنوات، ثمّ ولأسباب مجهولة قرّرت العودة إلى دمشق.
العودة الى دمشق
بعد عودتها مباشرة من مصر وقّعت عقداً مع ملهى العبّاسيّة في ساحة المرجة بمبلغ مائة وخمسين ليرة ذهبيّة في الشّهر، وكان ذلك في أواخر الثلاثينيات وشبح الحرب العالمية الثّانية المنذرة بالاندلاع يخيم على العالم. ومنذ ذلك التاريخ أخذت ترسخ قدمها في الفن الذي أتقنته وكرسته لروّاد مسارح وملاهي لبنان وسورية وفلسطين، حتّى غدت بحق مطربة ديار الشّام الأولى(3).
الملحنون الشوام
غنّت المطربة “ماري جبران” أعمال مشاهير الملحّنين المصريين الكبار كأدوار الشّيخ سيد درويش وداوود حسني وزكريا أحمد من التي كانت تؤديها سيدات الطرب آنذاك كفايزة أحمد وأمّ كلثوم ومنيرة المهديّة ونادرة الشّاميّة، ثمّ أخذت تغرف من ألحان أبو العلاء محمّد ومحمّد القصبجي ورياض السّنباطي ومحمّد عبد الوهاب في المونولوغ والقصائد والطقاطيق، وبعض الأعمال التّراثيّة الشّاميّة في الموشّحات والأدوار والأغاني الخفيفة، لتكتشف شيئاً فشيئاً بأن عليها أن تغني أغاني خاصة بها يقوم بتلحينها ملحّنون مختصّون يعرفون خصائص صوتها وقوّته، فاتصلت بمشاهير الملحّنين السّوريين من أمثال صابر الصّفح ومحمّد محسن ورفيق شكري وزكي محمّد ونجيب السرّاج ورياض البندك وراشد عزو لتبدأ معهم رحلتها.
المطربة ماري جبران
يمكن القول على ضوء ما قدمه هؤلاء الملحّنون، أنّها ارتاحت لألحان الفنان“زكي محمّد” فغنّت من ألحانه عدداً كبيراً من القصائد والمونولوغ والأغاني العاطفية الدّارجة، وأوّل لحن غنته له مفتتحة بها حفلاتها الشّهريّة في عام 1937، مونولوغ شعري رومانسي ناعم بعنوان “الشّباب” من نظم أحمد مأمون، ثمّ تتالت بعد ذلك أعماله لها، وبخاصّة في القصائد التي حلقت بها كما في قصائد “دمشق” من شعر د.عزّت الطّباع، “خمرة الرّبيع” من شعر أحمد خميس، “زنّوبيا” من شعر زهير ميرزا. وفي المونولوغ مثل مونولوغ “البلبل” والطقطوقة مثل طقطوقة “أماني”.
والجدير بالذكر أن قصيدة “دمشق” التي غنتها من الإذاعة السورية في العام 1948، كانت أوّل قصيدة قوميّة نظمت احتفالاً بضيوف سورية الذين اجتمعوا في دمشق بعد كارثة فلسطين، وقد أحدثت آنذاك ضجّة كبيرة بألحانها وأداء ماري جبران الرائع لها.
كما غنّت من ألحان نجيب السرّاج أغنيتين ناجحتين هما قصيدة “الغريب” ومونولوغ “يا زمان” ومن ألحان محمّد محسن، قصيدة “زهر الرياض انثنى” وطقطوقة“حبايبي نسيوني”، وتدين بنجاحها للفنّان الكبير “جميل عويس” الذي قاد فرقتها الموسيقية، وعمل معها كثيرا، وقد لازمها عدداً من السّنوات قبل أن يدفعه الحنين من جديد للهجرة إلى مصر(4).
المطربة ماري جبران في مصر
لم يُسجّل من أعمالها سوى مجموعة من الأدوار والأغاني في إذاعة دمشق. وسنورد قائمة بهذه الأعمال في آخر هذا المقال مع ذكر مؤلّفيها وملحّنيها. كما غنّت ماري جبران أيضا عدّة أعمال مجهولة الشّاعر والملحّن وتتمثّل في:
ثلاثة أدوار: دور “حياة القلب إخلاص الحبيب”لحّن في مقام النّواثر، ودور “لمّا كواني الحبّ يا ناس” لحّن في مقام البياتي ودور “شربت الشّهد”.
موشّحان: موشّح “أذكر الحبيب فيبكيني الغرام” لحّن في مقام النّواثر، وموشّح “بلبل الأفراح” لحّن في مقام البياتي.
موالان: موال “يلّي القمر طلعلك” لحّن في مقام النّهاوند، وموال “ما فيش دقيقة”.
ابتهال: “يا ربّي هيّئ لنا من أمرنا رشدا”.
عدّة أغاني تراثيّة قديمة: “أحمامة الوادي” لحّنت في مقام الحجاز، و”باين عليك إنّك عاشق” و”تعالى يا خيال” و”الحبّ سرّ الحياة” و”الحقّ عليّ اللّي عرفتك” و”حمّل العود وغنّي” و”حرام يا ليل” و”طاف بي” و”كتبت دمعي” و”النّوم جافيني” و”ما حيلتي” و”يا ابنة المجد” و”يا ليل بتحتار أفكاري فيك” و”يا ناس غرامي” …
وقد قامت الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون في دمشقبإصدار اسطوانة لها مؤخّرا ضمن سلسلة أعلام الموسيقى والغناء في سورية وذلك تكريما لها وتحتوي الاسطوانة على معظم أغانيها الهامّة.
نقيبة الموسيقيين
وبلغت المطربة “ماري جبران” قمّة مجدها الفنّي في سورية، وتقديراً لإسهاماتها الفنّيّة ولعطائها الذي أثرتْ به ساحة ومكتبة الغناء العربي الأصيل، والّذي سيظل زاداً لإسعاد الأجيال القادمة من عشّاق الفنّ الرّاقي، ومرجعاً للمشتغلين بالموسيقى والغناء، كُرّمت بانتخابها نقيبة للموسيقيين سنة 1950، حيث قدّمت خلالها خدمات جليلة للنّقابة وأعضائها.
تألقها
أطلقت على المطربة “ماري جبران” ألقاب خلال مسيرتها الفنّيّة الرّائدة، من مثل لقبي”ماري الجميلة” و”ماري الفاتنة” في الثلاثينات عندما أحاط بها المعجبون والفنّانون للاستماع إلى غنائها خلال حفل بصالة الرّاقصة المشهورة “بديعة مصابني” بالقاهرة حيث أطلقوا عليها لقبي”ماري الجميلة” و”ماري الفاتنة”.
الراقصة بديعة مصابني
يتميّز فنّ “ماري جبران” من ناحية بالتّشبّع بكلّ أصول الطّرب القديم ومن ناحية أخرى بقدرة فائقة على الإبداع والتّجديد تخوّل لها التّصرّف في التّراث الغنائي العربي وإثراءه بأسلوب خاصّ دون تجريده من روحه الأصليّة. استهواها الغناء القديم، واختصّت بغناء النّوع الذي لا يستطيع غيرها من الفنّانات تأديته كأمّ كلثوم وغيرها. عُدّت من أكثر المطربات تميّزا لغنائها على أصول الوصلات التي تخصّص فيها الرّجال أمثال الشّيخ يوسف المنيلاوي وعبد الحيّ حلمي وعبّاس البليدي وصالح عبد الحيّ. كما غنّت ماري الموشّح واللّيالي والموّال والدّور بشكل سلسلة منتظمة وهو نظام الفصول الغنائي الذي كان سائدا قبل مائة عام.
ويصنّف النقّاد صوت ماري جبران بأنّه من الأصوات القويّة “سوبرانو” القادرة المتمكّنة الصّادحة، مع اتّصافه بخصائص جماليّة عالية، توازي أمّ كلثوم، صوتا وأداء، وفي مرتبتها، ولو امتدّ بها العمر لكان لها شأن آخر. هذا كلّه جعلها تتربّع على عرش مطربات عصرها، واعتبرت بحقّ سيّدة مطربات بلاد الشام بلا منازع خلال النّصف الأوّل من القرن العشرين (5) وبالتّالي فقد أكّدت موقعها في الغناء في زمن الحروب وانحطاط الفنّ.
يتميّز فنّ “ماري جبران” من ناحية بالتّشبّع بكلّ أصول الطّرب القديم، ومن ناحية أخرى بقدرة فائقة على الإبداع والتّجديد وعُدّت من أكثر المطربات تميّزاً لغنائها على أصول الوصلات التي تخصّص فيها الرّجال أمثال الشّيخ يوسف المنيلاوي وعبد الحيّ حلمي وعبّاس البليدي وصالح عبد الحيّ. كما غنّت ماري الموشّح واللّيالي والموّال والدّور بشكل سلسلة منتظمة وهو نظام الفصول الغنائي الذي كان سائدا قبل مائة عام.
حياتها الشخصية ووفاتها عانت ماري جبران في حياتها الشّيء الكثير من وضع والدتها الصّحّي، وقد انعكس هذا على علاقاتها العاطفيّة التي توّجتها بالزّواج من الرّجل الذي تفانى في حبّها “نقولا الترك”، ورزق منها بولد واحد، لم ينعم طويلاً بحنانها وحبّها إذ توفّي، ثمّ أصيبت بالسّرطان الذي عانت منه الأمرّين لتقضي به في عام 1956، فقيرة معدمة مهملة من النّاس الذين كانوا يلتفّون حولها في أوج مجدها، وكانت جنازتها متواضعة،جنزت في الكاتدرائية المريمية وبالرغم من ان البطريرك الكسندروس الثالث هو من رئس صلاة الجنازة مع افراد الاكليروس البطريركي تقديرا لها ولأسرة زوجها الا انه لم يشارك في جنازتها سوى بضعة أفراد من الذين أحبّوها ومشوا وراء النعش الى مثواها الأخير في مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية.
المطربة ماري جبران المريضة بالسرطان
هذه هي الحياة والناس بكل اسف ممن ينطبق عليهم المثل الشعبي الشامي:”ما اكتر صحابي لماكان كرمي دبس، واقل صحابي لما صار كرمي يبسْ.” حتى ان الناس أحجموا عنها في مرضها وفقرها لولا قلة من اهل الخير والجمعيات الخيرية.
وجوب التقدير
وعلى الرّغم من عطائها الثّري، فإنّ التّسجيلات التي تحتفظ بها إذاعة دمشق لعشرات من أغانيها التّراثية والمعاصرة الخالدة، قلّما تذاع. ورغم ذلك تعتبر بحقّ سيّدة مطربات بلاد الشام بلا منازع خلال النّصف الأوّل من القرن العشرين.
هي دعوة لوزارة الثقافة ولوزارة الاعلام والهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون للنظر في تكريمها وامثالها من الرواد المنسيين واخراج نتاجها العظيم من تحت تراب الادراج لتتعرف الاجبال المعاصرة على فن كثيرا ما اعتزت به سورية، والدعوة الى نقابة الفنانين التي تبؤات سدنها منتصف القرن الماضي وحققت لها وللفنانين مكاسب ان تبادر الى تكريمها فالتكريم في مابعد الحياة حق لمن قدم في حياته او قدم حياته للفن في سورية كماري جبران ولم ينله…
هل تجد دعواتنا اذناً صاغية.؟ نرجو ذلك ونأمل…
حواشي البحث
1- أبو المجد (صبري)، زكريّا أحمد، القاهرة، المؤسّسة المصريّة العامّة للتّأليف والتّرجمة والطّباعة والنّشر، من غير تاريخ، ص 47 وما بعد.
2- الشّريف (صميم)، الموسيقى في سورية أعلام وتاريخ، دمشق، منشورات وزارة الثّقافة السّوريّة، 1991، ص 160.
3- جبران (أسعد)، الموسيقى السّورية عبر التّاريخ، دمشق، دار العلم للملايين، 1990، ص 50.
4- بن ذريل )عدنان(، الموسيقى في سورية البحث الموسيقي والفنون الموسيقية منذ مئة عام إلى اليوم، دمشق، دار طلاس،2/ 1988، ص 122.
5- البوّاب، (سليمان سليم)،موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين، دمشق، دار المنارة، 2000، ص 38.
مصادر البحث
– إلياس بودن، طالب بالدّكتوراة في الموسيقى والعلوم الموسيقيّة بالمعهد العالي للموسيقى بتونس.
– وجيه ندى دنيا الوطن
– المعرفة
– ويكيبيديا
جدول الأغاني التي أدّتها المطربة ماري جبران
المطربة ماري جبران سيدة المطربات في زمن الحرب
القالب الغنائي
العنوان
الشّاعر
الملحّن
الدّور
يا ما أنت واحشني
محمّد الدّرويش
محمّد عثمان
كادني الهوى
أصل الغرام نظرة
قديم أو ربّما إسماعيل صبري
في البعد يا ما كنت أنوح
قديم
كنت خالي
كامل الخلعي
داوود حسني
إن عاش فؤادك
قديم
دع العزول
السّعادة بالغرام
القلب في ودّك مشتاق
امتى الهوى
يحيى محمّد
زكريّا أحمد
فرّح فؤادي واتهنّيت
قديم
الحبيب للهجر مايل
يونس القاضي
سيّد درويش
كلّ قلبي يا جميل
قديم
صالح عبد الحي
حياة القلب
قديم
قديم
شربت الشّهد
قديم
قديم
القالب الغنائي
العنوان
الشّاعر
الملحّن
الدّور
لمّا كواني الحبّ
قديم
قديم
الموال
يلّي القمر طلعلك
ما فيش دقيقة
الابتهال
يا ربّي هيّئ لنا من أمرنا رشدا
الموشّح
أذكر الحبيب فيبكيني الغرام
آه مرّ التّجنّي
بلبل الأفراح
حبّي دعاني للوصال
سيّد درويش
صحت وجدا
لمّا بدا يتثنّى
لسان الدّين بن الخطيب
محمّد عبد الرّحيم المسلوب
منيتي عزّ اصطباري
قديم
سيّد درويش والخانة عمر البطش
ما احتيالي
قديم حسب كتاب من كنوزنا لفؤاد رجائي وينسب إلى أحمد أبو خليل القبّاني في ديوانه
كان قد قيل قديما من لا يعرف الثقافة اليونانية هو بربري…
ولاتزال بهدي من النتاج المعرفي اليوناني والهليني والحضارة المعمارية وهندسة الطرقات والري وفن العمارة والتماثيل والتصوير الكنسي الحاضرة الماثلة امامنا…
مدخل في مصطلح الفتح
الفتح مصطلح بغيض ان اتى في غير موضعه، والاساس ان ينطبق على مناطق متخلفة، عمل الفاتحون في فتوحاتهم على تطويرها، ونقلها من الهاوية الى القمة في معارج الحضارة، وقد اثرت في الحضارة العالمية وقامت بدور بناء في بنائها.
ولما كان مصطلح الفتح المستخدم اعتباطياً بالتالي لا ينطبق على مناطق يسودها الجهل كبلادنا المتجذرة في الحضارة، لذلك كلمة الفتح الواردة في تاريخنا العربي والاسلامي الذي درسناه مرفوضة قطعاً، لأنها مجافية للواقع والتاريخ والحضارة الانسانية، وربما قصد الذين وضعوها وقتها والحاضرون الحط من قدر البلدان التي اسقطوها والشعوب التي حكموها بكل تبعات حكمهم السلبية…اذ لا تنطبق على المناطق التي كانت تسود فيها الحضارة واساسها ورائدتها الحضارة الهلينية الرومية بلسانها اليوناني بكل مظاهر الزهووالريادة كسورية كلها ومصر… وهو الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط او بحر الروم…وهاهي اوابدها حاضرة من مدن لاتزال عامرة نعيش فيها،
الحضارة الرومية في شرق البحر الابيض المتوسط
وحتى الاوابد المتهالكة بفعل الانسان وعدوانيته والطبيعة الناقمة، وهاهي الشعوب الوريثة لهؤلاء الرواد الذين تركوا بصماتهم على كل شيء وفي كل شيء، وانتقلت الى العالم المعمور واسهمت في حضارته ومدنيته.
الفتح العسكري في الواقع هو مصطلح ممكن تطبيقه على مناطق متخلفة كان يسودها الجهل، وليس على مدن كدمشق مثلاً صرح بشأنها عظماء العلوم والمعارف عن فضلها على الحضارة العالمية عبر كل العصور وخاصة في العصرين الحديث والمعاصر كبارو ورينان…
مرفوض جملة وتفصيلاً هذا الوصف “فتح دمشق”، و”فتح حمص” وفتح الاسكندرية وفيها اكبر مكتبة في ذاك التاريخ ومع الاسف تم تدميرها… يعني تدميراجيال لاتعد من حضارة هذه المدينة التي بناها الاسكندر المقدوني…
وفتح بلاد الروم في آسية الصغرى التي اسهمت في نهضة رومية بيزنطية مشرقية… وفتح اسبانيا وهي من الجزر الايبرية بأصلها الاغريقي… وفتح القسطنطينية عاصمة المجد الرومي الزاهي وعاصمة الكنيسة الارثوذكسية الجامعة ولاهوتييها ومجامعها المقدسة، العاصمة اللاهوتية والعلمية والمعرفية التي سادت خلال احد عشر قرناً برعاية الامبراطورية والكنيسة…
والسؤال هل فتحت القسطنطينية بيد حضاريين اكثر منها حضارة؟ ام بيد وحوش؟
في الواقع الأليم اجتاحها برابرة قوامهم ثلاثمائة الف انكشاري ودرويش وبمختلف صنوف اسلحة الدماربأكثر من سبعمائة مدفع كانت تُجَّرَّب في دمارها…
برابرة عثمانيون اتوا من قعر التاريخ عاشقون لسفك الدماء ان عطشوا شربوا من دماء جيادهم بنخس اوردتها في اعناقها، عاشقون الدمار والجنس البربري وهتك الاعراض والسبي وتركوا هذه المدينة العظيمة ككل المدن التي احتلوها قاعاً صفصفاً بذلك الدمار الشامل وما ارتبط من ارتكابات يندى لها جبين الانسانية خجلا من ذبح وهتك اعراض وسبي نساء وغلمان وتحويل الكنائس وابرزهم تحويل كاتدرائية آيا صوفيا اي الحكمة الالهية الى جامع آيا صوفيا الامر الذي ينطبق عليه الاحتلال لا الفتح، ويدحض القول بأن الفتح تم لمناطق متخلفة حتى ان سلاطين العثمانيين بدءا من السلطان عثمان الملقب بالفاتح سمى نفسه “سلطان الروم” بصفته وريثاً لأباطرة الروم. كما وان التقويم الذي صار متبعاً في الدولة العثمانية، هو ما اسموه التقويم الرومي… والسلطان ذاته قام ببتويج الراهب جناديوس بطريركاً على القسطنطينية وريثاً لبطريركها الشهيد كما كان يفعل الاباطرة البيزنطيون بصفته وريثاً لأمبراطورامبراطورية الروم.
السلطان محمد ينصب الراهب جناديوس بطريركا ويعطيه براءة ملة باشي روم تماماً كما كان يفعل الاباطرة البيزنطيون
بهذا الغزو بل كانت كل ماقيل عن المدن المفتوحة بدءاً من دمشق عام 635م وانتهاء بالقسطنطينية عار عن الصحة وماهذا المصطلح الا مصطلح بديل عن الاحتلال بالقوة الحربية المفرطة وماتبعها من مخازٍ، ولغوياً هو مصطلح استعلائي استخدمه من تسمى فاتحا ليرفع من قدره…فكيف والحال هذه من ادعى فتح امصار تزهو بالحضارة الرومية كسورية الزاهية وخاصة وان هذه اللغة بقيت سائدة في البلاط الاموي اكثر من نصف قرن، وهذه اللغة ذاتها هي التي اثرت الحضارة العربية لاحقاً والمستوردة في اغلبها من الثقافة اليونانية عجنتها سورية بلد الشمس الساطعة وشعبها الفينيقي الكنعاني رفيع الحضارة…
التسمية
ومن الجدير ذكره أن لا اختلاف بين تـسمية “الـــروم” و بين تـسمية “الـيـونان – Greek” ونجده في اللغات الاخرى واحد…حتى ان المؤرخين المسلمين المعاصرين قالوا عندما دخلوا سورية اننا دخلنا بلاد الروم، وتحدثنا معهم بلغتهم لغة الروم… اذن التسميتان هما لشعبٌ واحد اختلفت عليهما الاحتلالات، فاختلفت عليهم التسميات في فترات زمنية
ابن الرومي…
وهنا نتذكر الشاعر الكبير “ابن الرومي” يفتخر بأصله الـرومي قائلاً: ” ونحن بنو اليونانِ قومٌ لنا حِجىً………… ومجدٌ وعيدانٌ صِلابُ المعاجمِ “. وقال ايضا:
“آبائي الروم توفيل وتوفلس ………… ولم يلدني ربعي ولا شبث”.
وابن الرومي وهو الشاعر المولود سنة ” 836م” في القرن التاسع المسيحي، اي بعد 200 عام من وجود العرب المسلمين في سورية
بعض من الاسهامات الحضارية المدموغة للروم وكنيستهم في المعرفة والعلوم
– قالوا لك: ان القدماء كانوا يظنون الارض “مسطحة”، وان الكنيسة اضطهدت القائلين بكروية الارض… هذه دعاية خاطئة .
فإن فيثاغوراس، الذي كتب باليونانية قبل المسيح ، أكد ان الارض كروية. ( ٥٧٠ – ٤٩٥ ق.م ). ومثله أكد أفلاطون وأرسطوطليس (٣٨٤ – ٣٢٢ ق.م ) على كروية الارض .
فيثاغورث
وفي الكتاب المقدس وردت الاية التالية: “الجالس على كرة الارض” ( اشعياء ٤٠ : ٢٢) والكتاب المقدس بعهده القديم ومنذ “الترجمة السبعينية” في الاسكندرية صارت لغته الاساس هي اليونانية. وعلى اعتبار ان لغة الروم الرسمية كانت اليونانية “الرومية” ، فقد درسوا جيدا هذا التراث وفهموا ان الارض كروية قبل قرون من فهم الغرب لتلك النظرية. كذلك فإن النسر ذو الرأسين، وهو رمز الروم القديم وهو راية الدولة الرومية البيزنطية ، يحمل بيده “كرة ارضية”.
راية امبراطورية الروم النسر الرومي ذي الرأسين وبيده الكرة الارضية
– قالوا لك ايضاً، ان القدماء كانوا يظنون الارض ثابتة وانها محور الكون، وان الشمس تدور حول الارض. وعلموك ان الكنيسة اضطهدت العلماء الذين اعتبروا الشمس محور الكون.(مثل كوبرنيكوس وغاليليو).
هذه ايضا دعاية خاطئة.
وتأكيداً على ذلك ان المهاجمين نظروا في ذلك الى كنيسة الغرب فقط … فعمموا ربما قصداً! او جهلاً اتهام الكنيسة بالتخلف!… ولم ينظروا الى كنيسة الشرق الرومية.
الحقيقة ان الفلكي الاغريقي اريستارخوس الساموسي، ( ٣١٠- ٢٥٠ ق.م ) كتب باليونانية قبل قرون عن “مركزية الشمس” ، وقال “ان الارض تدور حول الشمس وحول نفسها ومن هذا الدوران يتعاقب الليل والنهار”.
أما أستاذه فيلولاوس ( ٤٧٠ – ٣٨٥ ق.م ) فقد اكد ان الكون واسع جدا وان الارض ليست محور الكون. وكذلك اكد “سلفكوس السلفكي” وهو فيلسوف من يونانيي سورية، من القرن الثاني ق.م ان “الارض تدور حول الشمس”. لذلك يتعاقب الليل والنهار.
صحيح ان العلماء اليونانيين قديما لم يجمعوا على هذه النظرية، وصحيح ان الغرب لم يعرف هذه الحقائق الا متأخراً(في القرن السادس عشر، والسابع عشر مع كوبرنيكوس ١٤٧٣ – ١٥٤٣م ، وغاليليو ١٥٧٠ – ١٦١٢م)، وصحيح ان الكنيسة الغربية اضطهدت العلماء لفترة بمحاكم التفتيش.
الا ان الشرق، وخاصة الروم الهلينيين، وبسبب لغتهم الرومية (اليونانية) درسوا كل هذا النتاج العلمي الغزير لفلاسفة اليونان القدماء، ونقلوه للاجيال الجديدة، وان ارباب عصر النهضة في اوربة درسوا ما اتاه العلماء والفلاسفة والادباء والفنانون الاغريق والهلينيون والروميون المسيحيون في الدولة الرومية وخاصة بعد احتلال القسطنطينية، فأنشأوا عصر النهضة.
وكنيسة الروم تقبلت العلم بل ورعته وكان الكثير من احبارها علماء، وهي لم تضطهد العلماء البتة، بل كانت جامعات القسطنطينية تعلّم هذا النتاج الفلسفي القديم مع تعليمها للاهوت وتهيئ العالم لعصر العقل.
ويجمع العلماء على أن سقوط القسطنطينية “عاصمة الروم” عام ١٤٥٣م ادى الى ان معظم علمائها ومثقفيها ولاهوتييها وفنانيها وقانونييها… هجّروها قبل الاجتياح العثماني البربري لها الى اوربة الغربية وخاصة الى البندقية وسواحل ايطاليا حيث الوجود اليوناني الاصيل هرباً من العثمانيين، حاملين معهم آلاف المخطوطات اليونانية”الرومية” القديمة، التي درسها الغرب … فأنتجت ثورته العلمية … وأنجبت كوبرنيكوس وغاليليو …
بعض مصطلحات عربية مشتقة من الرومية اليونانية
امبراطورية الروم في آسية الصغرى
ما يعرف بالمفردات المستعارة أو الدخيلة loanwords، وهي ظاهرة معروفة عند جميع اللغات. فاللغات تختلط مع بعضها وتتلاقح. ويمكن تبيان أصل المفردة ومعرفة جذورها عبر علم يدعى علم اشتقاق المفردات/الألفاظ أو إيتيمولوجيا etymology وهي اصلاً كلمة يونانية.
-“القنديل” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تعني الشموع الخاصة بالكنيسة والتي تنار امام الأيقونات بالفتيل والزيت وتكتب ” το καντιλι ” وتلفظ .” كانديلي” و “كانديليا ” بالجمع …
-“فتيل” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب “το φυτιλι” و تلفظ “فيتيلي” …
مصطلحات عربية بأصلها اليوناني الرومي
-“السقاله” كلمه من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب “σκάλα” وتلفظ “سكالا” اي الدرج أو السلم والجمع σκαλες “سكالس” اي سلالم …
-“الفرشاة” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب βουρτσα وتلفظ فورتسا و الفعل βουρτσιζω فورتسيزو اي يفرشي …
-“فانوس” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب φανος و تلفظ “فانوس” و التشديد على الالف وليس الواو كما في العربية، و الكلمة العربية الصحيحة هي المصباح …
-“القميص” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب πουκαμισο وتلفظ بوكاميسو …
-“البلوزة” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب μπλουζα وتلفظ “بلوزا”
-“الكلسات” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية”و تكتب καλτσες وتلفظ كالتسيس … مع العلم انها ليست ازياء عربية فيقال بالعربية جلباب وجلبابة للقميص والبلوزة وجوارب للكلسات …
-“الغرافة” او الغرافات..كلمة رومية وتكتب γραβάτα وتلفظ “غرافاتا” والكلمة العربية الصحيحة ربطة العنق.
-“الزوم” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب ζωμος وتلفظ “زوموس” وتحذف السيجما في حالة المفعول به والجار والمجرور فتصبح ζωμο وتلفظ “زومو” والكلمة العربية الصحيحة هي المرق او المرقة كما يؤنثها البعض …
مصطلحات عربية بأصلها اليوناني الرومي
-“الكستنا او الكستناء” كلمة رومية الاصل تكتب καστανα وتلفظ كستنا كما نلفظها تماما والكلمة العربية الصحيحة هي ابو فروة او القسطل، والقسطل نوع شجر من فصيلة البلوطيات …
-“الكنبة” كلمة من اللغة الرومية ” اليونانية” نستخدمها في لغتنا اليومية وتكتب باليونانية Καναπες وتلفظ كانابيس بصيغة الجمع، و تكتب Καναπας وتلفظ كاناباس بصيغة المفرد، ولكن في اثناء الكلام وفي معظم الحالات الإعرابية تحذف السجما (حرف سين باليونانية) من اخر الكلمة فتلفظ كانبا كما نلفظها تماما ماعدا الحالة الاسمية والجمع تبقى السيجما، ومعظم الاحيان تستخدم في حالة الجمع اي تبقى السين لانها تكون غالباً مصممة ليجلس عليها أكثر من شخص واحد، وعادة ما يكون لها مسند للظهر ومساند للذراعين. والكلمة العربية الصحيحة في الواقع لاتوجد لان العرب لم يعرفوا الكنبة وطالما كان يجلسون على الارض (القعدة العربية) وحتى ان كلمة اريكة العربية !!! ليست بعربية…
مصطلحات عربية بأصلها اليوناني الرومي
-“الافندي” كلمة من اللغة الرومية و تكتب αφεντικο وتلفظ افنديكو وتعني الريس او المعلم Boss وكثيراً مانقول في سورية ولبنان:”اجا او شرف الافندي او وين كاين الافندي”… مع العلم ان هذه الكلمة دخيلة للتركية من اليونانية، وتستخدم بالتركية كثيرا للاجابة بنعم ( افندم) اي نعم ياسيد… ومنها سادت في مصر مع حكم محمد علي باشا واسرته وحتى الآن…
-“القرميد” والاصل قرمود بنفس المعنى. كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وفي اليونانية القديمة هي κεραμίς تلفظ كيراميس و حسب قواعد الصرف اليوناني κεραμίδι كيراميذي. حيث كان اليونانيون يغطون أسقفهم بالقرميد حتى في عصر الفلاسفة أفلاطون وأرسطو اللذين ذكرا هذه الكلمة. لذلك نجد الطابع المعماري في سورية ولبنان ومنطقة توسكانا الايطالية بجذورها اليونانية مشابه تماما للطابع المعماري اليوناني الرومي… وبدقة الكلمة من الجذر اليوناني الرومي κέραμος كيراموس ، من نفس الجذر جاءت كلمة céramique بالفرنسية وceramic بالإنجليزية و الكلمة العربية الصحيحة هي الفخار…
يجب ان تفعل المقاومة الشعبية ضد كل الغزاة في سورية
– منذ تسع سنوات حاضرة وتحديدا من 2011 وحتى الآن تُذبح امنا سورية، ويُذبح شعبها بالارهاب والتهجير والقتل على الهوية والاقتلاع من الجذور وتدمير البيوت والكنائس والاديرة، ونكره للهجرة الى المحيط والى التيه العالمي مع رساميلنا وارزاقنا وشهاداتنا التي حصّلناها في مدارسنا وجامعاتنا لنعمل بها في دول اكرهتنا على الهجرة… وتكرهنا وتتاجر بسمعة السوريين.
– منذ تسع سنوات واولادنا صاروا اما في القبور او غرقى في البحور او مهجرين فى باقي الثغور.
منذ تسع سنوات وارزاقنا من ثروات باطنية وثروات زراعية ومصانع وآثار وحتة ذاكرتنا تُسرق
منذ تسع سنوات، ولقمتنا في اضمحلال وليرتنا الى زوال بفعل القاتل الدولار…
– ولكن قدرنا في سورية وكما في مر العصور الى المزيد من الثبات والصمود بالرغم مما ظهر بيننا من فاسدين وخونة ولصوص…
قدرنا في سورية، وخاصة في العصر الحديث ان نكون كبش الفداء لكل موقف قومي يراعي وجه الوطن والعروبة والحرية ودوما الفقراء ابناء الوطن هم الوقود…
في سورية اليوم اعداد منظمة من الغزاة من 88 دولة في حلف معادي عليها فقط لأنها قومية الوجه والقلب في الظاهر وفي الخفاء.
لذا يجب الآن الآن وليس غداً …
يجب طرد كل الغزاة من بلادنا، الاميركان ومن والاهم من ارباب الاستعمار القديم فرنسا وبريطانيا، الذين لم يغفروا لسورية نضالها لطردهم… ومن حلفاء اميركا في مايسمى التحالف الدولي للحرب ضد داعش… (والمسخرة انهم من صنع داعش ذريعة لهذا الغزو الاميركي) معهم في العدوان وقسد الكردية المصنوعة اميركياً اي داعش الجديدة البديلة عن داعش القديمة… والاتراك وعصاباتهم من العملاء والخونة الذين سموا انفسهم تارة جيش حر وتارة جيش وطني وهم عملاء مرتهنون يقبلون حذاء اردوغان… واولادهم في ادلب يقبلون يمين هذا الباغي… وكل الارهابيين ممن تبقى من دواعش… ونصرة وتركمان وتركستان والسلطان مراد وتحرير الشام…و…كانت اعدادهم بموجب تقديرات الاستخبارات العالمية بمافيها المعادية لسورية حوالي نصف مليون ارهابي من كل الجنسيات صرفت على تجهيزهم مئات مليارات الدولارات.
لذا يجب الآن حرق الارض تحت اقدامهم والا فسنحترق نحن …
يجب خروجهم جميعاً من سوريه وتطهير ترابها من آثار الأقدام الهمجية…
اردوغان يسرق الارض السورية وماعليها من مصانع وزارع ويقوم بالتتريك بفروع جامعات تركية وتغيير ديموغرافي بجيشه وعصابات الخونة مدعيا بحقه في الامن ضد قسد التي بدورها خانت سورية مدعية بحق باطل للاكراد بدولة لهم في الشمال السوري وهم كانوا حلفاء الاتراك بابادة كل المكونات المسيحية في آسيا الصغرى من يونان ومسيحيين سوريين وارمن وسريان وآشوريين وكلدان واحتلال ارضهم وهم اليوم يكررون الامر في الجزيرة السورية والشرق يسرقون كل شيء بحماية الاميركان ويتاجرون مع الاتراك من تحت الطاولة بكل شيء واردوغان معهم يسرق الارض بحراب خونة…وتحت تسمية ضامن…
قصفوا دمشق مع حلفهم الغادر بحجة الكيماوي المزعوم… وقصفوا قواتنا وحلفاءنا مرات عديدة في التنف وسواها… وفي مطارات منها المزة والتيفور بحجة كذبة استخدام الكيماوي في خان شيخون… ويزيفون نتائج منظمة حظر انتشار السلاح الكيماوي لاخضاعنا…
قصفوا قواتنا الباسلة المحاصرة منذ ثلاث سنوات في جبل الثردة /دير الزور حماة مطار دير الزور وابادوا اكثر من 200 قديس ومكنوا صنيعتهم داعش من الاجهاز على الجرحى وتهديد مطار دير الزور مباشرة…
اميركا وقبل قانون قيصر منذ تسع سنوات وحتى اقراره في الكونغرس وهي تهدر دم السوريين وتمنع عنا الغذاء والدواء …
ارسلت ولاتزال كل حثالة الارض الخارجين من قعر التاريخ المدججين حتى بالطائرات المسيرة لتدمير كياننا ووجودنا… وتهجيرنا من الوطن…
كل يوم يعلن سياسيوهم بعد التقاعد انهم قتلة وان سياستهم بحق سورية كانت ظالمة جداً متى بعد ان يخرجوا للتقاعد…فليس جديدا أن تكون تشريعاتهم الحالية وحتى اللاحقة تخرج لتعلن أنهم قتله …؟؟كقانون قيصر..
– قانون قيصر ليس عقوبات اميركية جديدة بحق سورية بل هي استمرار لنهج معادٍ من العقوبات الظالمة انما بقوننة جديدة…
فنحن منذ سنوات طويله نعاني… من مابعد الاستقلال ونكبة فلسطين والعدوان الثلاثي على مصر منذ مابعد حرب تشرين 1973 لاخضاعنا بعد كامب ديفيد واتفاقيات اوسلو ووادي عربة و في فترة الثمانينات والتسعينات جرت انهار دماء سورية بريئة بسبب مجازر الاخوان المجرمين في سورية طيلة ست سنوات واكثر… ودعما لربيبتها اسرائيل ولودققنا بقانون 1559 لرأينا عنوانه قانون معاقبة سوريه ومعاقبة من يتعاون معها ….ومعاقبة حتى الهواء والمطر الذي يدخل اليها …
سرقوا النفط واحتلوا منابع النفط والغاز في الشرق السوري بقواتهم الغازية وتاجروا به لتعويض مادفعوه لتدميرها وقتل شعبها وجيشها، وحظروا شحن النفط اليها وعاقبوا وحجزوا ناقلات النفط… لايهم ان مات الشعب السوري برداً،المهم ان يحقق اوباما اطماعه بأن النفط السوري صار من حق بلاده.
من اعطاك هذا الحق؟هل انت قاضي العالم وشرطيه ام انها هي شريعة الغاب السائدة في الغرب الاميركي والكاوبوي وابادة الهنود الحمر، وتدمير صربيا وتفتيتها، وتدمير العراق وافغانستان والصومال وليبيا واليمن…واحتلال المارينز في لبنان ومنح القدس عاصمة للكيان العبري وكذلك الجولان السوري…
– منذ مابعد الاستقلال ونحن نعاني من اميركا وبلطجتها…حتى في حالات مباحثات السلام كانت تعتبر ذلك جزره الى جانب العصا ….؟؟ ونحن إن لم نتخذ قراراً بإخراج جميع القوى الاجنبيه من بلادنا سواء بالتفاوض او بالقوة فسنبقى لعبة على طاولة الامم …
فيتنام ليست اجدر منا بالحياة، فكما قاومت الغزو الفرنسي ثم الاميركي نحن قاومنا ولازلنا نقاومها وقاعدتها المزروعة بيننا اسرائيل…وكما قاوم لنان المقاوم جنود المارينز فهربوا هكذا نقدر ان نفعل…
ايران منذ 1979 تحت العقوبات ولذلك صنعت مجدها النووي بقدراتها الذاتية…وارعبت اسرائيل واميركا والعربان…
اميركا سرقت وتسرق ثرواتنا الباطنية من نفط وغاز وسيليكون، وتركيا سرقت مصانع حلب وزراعة الجزيرة وآثار حلب وادلب وعفرين…خربشات سياسية 20 كانون الاول 2019… الآن الآن وليس غداً…
فإن لم نتخذ القرار بالتحرير بالمقاومة الشعبية المسلحة فستسرق شخصيتنا السورية المقاومة، وتٌسرق ثرواتنا وان لم نبسط سيادتنا على كامل ترابنا الوطني بجيشنا ودفاعنا الوطني ونغلق حدودنا امام كل ارهابي…فسنبقى جزءاً من مشاريع المنطقه … وستبقى حرب التجويع بسلاح العقوبات والدولار بحقنا… وستتطول معاناتنا وينتصرون علينا.
واٍاساً سنبقى مضغة بحلوق خصوم الداخل الخونة الانتهازيين الشامتين الذين تربعوا على منصات العمالة للخارج وقبضوا الثمن بالدولار والريال…، ومضغة بحلوق الاشقاء الاعداء من الجيران… والعربان… والاعداء الاقليميين…
قيادتنا نعرف مقدار حكمتك…
يجب تحصين الداخل من الفاسدين والمارقين والخونة…اولا…
وارجاع ثروات الشعب المنهوبة وتفعيل قانون الكسب غير المشروع “من اين لك هذا؟”
واولاً مكرراً يجب…الآن الآن وليس غداً …يجب تحريك المقاومة الشعبية المسلحة ولنا في الفيتكونغ الفيتنامية مثالا على هزيمة الاميركيين وهروبهم اذلاء تعلقاً بعجلات المروحيات من ظهر السفارة الاميركية في سايغون…
اما جيشنا الحبيب وشعبنا الصابر على الالم فيقينا ان الم ساعة مع الجوع والحرمان خير من الف ساعة من الذل والاحتلال وسرقة الكرامة…
سورية الله حاميها وهو العيد الاكبر…خربشات سياسية 20 كانون الاول 2019… الآن الآن وليس غداً…
وهو الأحد السابق مباشرة لعيد ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد… في هذا اليوم المبارك تقيم الكنيسة الارثوذكسية المقدسة تذكار احد النسبة اي النسب الذي انحدر منه المسيح بالجسد لجهة امه…
في قسم أساسي منه يبيّن الإنجيلي متى أن يسوع هو ابن ابراهيم ليدل على أن السيّد يختم العهد القديم الذي أقامه الله مع ابراهيم وأنه أيضاً ابن داود وملوك يهوذا وزربابل رئيس الشعب اليهودي بعد سبي بابل.
الكثير من العائلات اليهوديّة كان عندها شجرة العائلة لأغراض مختلفة.
عندنا في هذه الشجرة 27 شخصاً وهم ليسوا كلّهم ملوكاً بل أشخاص عاديون. وغالباً ما أخذ متى اللائحة من أحد المصادر.
المسيح هو صفة يسوع وتعني الممسوح من الله. الشيء الرئيس في اللائحة اسما ابراهيم وداود. في اللائحة أسماء ثلاث نساء راحاب الزانية إحداهن،ّ و”التي كانت لأُوريّا الحثي” أخذها داود من زوجها.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن ذكر هاتين المرأتين وراعوث إنما ما يعني أنّ يسوع ينحدر من الجنس البشري كما هو. هناك أربعة عشر اسماً في كل من المجموعتين الأوليين، أما المجموعة الثالثة ففيها 13 اسماً. ولكن ربما قال متى أن في كل مجموعة 14 اسماً لأن هذه هي القيمة الرقميّة لاسم داود الذي يُكتب بالعبريّة “دود”، وحرف الدال هو4، وحرف الواو هو 6، ومجموع هذه الحروف الثلاثة
شجرة نسب يسوع لامه مريم
أما موضوع مولد المخلّص
فهو أن مريم كانت مخطوبة ليوسف أي زوجته الشرعيّة ولكنّها منفصلة في المسكن. وسمّاها الملاك “امرأتك مريم” لأنها كانت كذلك وهي عزباء، والمعنى: خذها إلى بيتك. ما عند متى ولوقا أن هذا المولد بتولي أي بلا مشاركة رجل.
الولد اسمه يسوع ويعني أن الله مخلّص.
فأخذ يوسف امرأته (أي إلى بيته) ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. البكر تعني أول ولد. ولا تعني بالضرورة أن له إخوة. “لم يعرفها” عبارة تنفي العلاقة قبل الميلاد ولا تؤكّد العلاقة بعده. لأن الذي يهم متى أن يؤكّد الميلاد البتولي، وهو لم يكتب سيرة مريم ليقول ما حصل لها بعد الميلاد.
كونها “دائمة البتولية” غير وارد في الانجيل. إنّه وارد في المجمع المسكوني الخامس، وتقوله الكنيسة في طقوسها، ووردت عنه شهادة الآباء منذ القرن الثاني.
هكذا اعتقد المسيحيون منذ البدء وقالوا إنها “بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة”. كيف كان هذا في الولادة؟ لا نعرف. إن هذا معتقدنا. هَمّ متى الانجيلي أن يؤكّد أن المسيح ليس ابن رجل. إنه فقط ابن مريم. أما لماذا تنتهي شجرة العائلة بيوسف؟ ذلك أن الإنسان عند اليهود وعند معظم الشعوب اليوم منسوب إلى أبيه أو المظنون (في هذه الحالة) أنه أبوه.
لماذا أقمنا في الكنيسة أحد النسبة؟
الفكرة الأساسيّة أن يسوع بَشَرٌ كما هو إله، وكان يجب تأكيد أنه بشر بتبيان أن له آباء أهمهما ابراهيم وداود، والانجيل قال في غير موضع أنه ابن داود. لقد ظهر أوطيخا وقال إن المسيح كان إلهاً ولم يكن إنساناً، وكفرت الكنيسة بدعته لأنه، إن لم يكن انساناً، كيف يكون قد مات؟ مهم جداً أن يكون بشراً وأن يكون الله وحده أباه حتى لا يحمل وزر خطيئة آدم. ابن الله هو نفسه ابن الانسان أو ابن الإنسانيّة كلها التي سبقته. بهاتين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانية نعبده مخلّصاً لنا. إذًا، الكلام في الرسالـة والإنجيـل هـو مضمـون أحـد النسبـة السابـق لعيـد ميـلاد الـرب. الـرسالـة تسمّـي شخصيـات مـن العهـد القـديـم، جـدعـون وبـاراق وغيرهما والأنبياء الذين تحدّثوا بطرق او أخرى عن ظهـور المخلّص. ومقـطـع الإنجيـل المـأخـوذ مـن متى يـذكُـر شخصيـات كبيـرة متحـدّرة مـن إبـراهيـم جـاء منهـا الـرب يسـوع تنتهـي بيـوسف خطيـب مـريم لأن النَسَـب هـو للمـظنـون والدًا كمـا يقـول عنـه لـوقـا فـي لائحـة النَسَـب الصـاعـدة أي التـي تبـدأ بيـوسـف وتـنـتـهي بـآدم. تكلّمـت الـرسـالـة عـن فضـائـل هـؤلاء: “عملوا البِرّ ونالوا المواعد ونجوا مـن حـدّ السيـف وتقـوّوا من ضعف”، وتحدثت عن جهادهم الروحيّ “تائهين في البـراري والجبـال والمغـاور”. “هؤلاء كلهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينـالـوا الموعـد حتـى لا يكمُـلـوا بدوننـا” والمعنى أنه لا كمال إلا بمجيء المخلّص. والكلمـة المفـتـاح هي الإيمان. كذلك الإيمان هو صفة الذين ذكرهم متّى في مطـلع إنجيـله، هذا المطلع الذي نقرأه مضمونه الإيمان. ابتدأ لوقا الإنجيليّ بإبراهيم أبي المؤمنين لأنه أول انسان آمن بالله الواحد. وبعده جاءت الشريعة بموسى، وبعده جاء داود أبو المسيح.
لماذا كل هذه الأسماء؟
ليُبيّن متّى البشير أن ثمة تسلسُلا من أجيال مؤمنة الى المسيح الذي ما جاء لينقض بل ليُكمل. يسوع تحدّر في بشريته مِن نسلٍ مؤمنٍ واكتمل الإيمان به. بعد ورود هذه الأنساب، روى متّى ما يتعلّق بميلاد الرب من مريم. العذراء تحبل، وهذا وردَ عند إشعياء النبي، وتلد ابنًا ويُدعى اسمُه يسوع (يهوشع باللغة العبرية) التي تعني “الله يخلّص” بهذا الشخص المولود ليس من رغبة رجل ولكن بمشيئة أبيه الذي في السموات.
يوسف لم يعرف مريم جسديًا قبل ولادتها. ولم يعرفها بعد هذا، ولبثت عذراء. وهي “الدائمة البتولية” كما عرّف عنها المجمع المسكونيّ الخامس. وأما عبارة “إخوة يسوع” فتدلّ في اللغة العبرية على أنسبائه، ولا تعني في هذه اللغة بالضرورة أنهم من أُمّه. وليس هنا مجال للتوسّع بهذا، ولكن هذا هو إيمان الكنيسة.
كيف نستقبل ميلاد يسوع؟
هو ميلاد من أجل الخلاص الذي نناله بموته وقيامته. ولهذا سمّته الكنيسة “العيد الصغير” وسمّت الفصح “العيد الكبير”. يسوع وُلد من عذراء ويريد أن يولد كل يوم روحيًا من نفس عذراء أي ليس فيها أثر للخطيئة. الإنسان المحبّ للخطيئة او المشتاق اليها لا يتقبّل يسوع في نفسه. السيد في جسده كان منسوبًا الى إبراهيم وإلى نسله. المهم أن تكون أنتَ منسوبًا الى المسيح بروحك الطاهرة. الميلاد إذًا يتم كل يوم فيك إذا قبِلتَ أن تطرد كل غشّ وكذب ودنس وبغض وانتقام وتسلّط وكبرياء. اذا جمعتَ جمالات الفضيلة في ذاتك، يخرج منها يسوع الى العالم ليضيء هذا العالم بنعمته.
لا تُعيّد فقط بالهدايا للصغار
هناك هديّة واحدة أعطاها الآب للبشر هي المسيح.
إذا أطعتَه فأنتَ ثابت فيه وهو ثابت فيك. أن تحمل السيد في ثنايا كيانك يجعلك أنتَ هديّة للبشر جميعًا. المحبّة هي الهديّة.
لا يرتبط تقليد شجرة الميلاد بنص من العهد الجديد بل بالأعياد الرومانية وتقاليدها التي قامت المسيحية بإعطائها معانٍ جديدة، فقد استخدم الرومان شجرة شرابة الراعي كجزء من زينة عيد ميلاد الشمس التي لا تقهر ومع تحديد عيد ميلاد الرب يوم 25 كانون الأول الذي كان عيد الشمس في الدولة الرومانية، أصبحت جزءاً من زينة الميلاد وتمّ اعتبار أوراقها ذات الشوك رمزاً لإكليل المسيح، وثمرها الأحمر رمزاً لدمه المهراق من أجلنا. حتى أن تقليداً تطوّر حول هذه الشجرة انطلاقاً من حدث هروب العائلة المقدّسة إلى مصر. فقد تم تناقل روايةٍ مفادها أن جنود هيرودوس كادوا أن يقبضون على العائلة المقدّسة، غير أن إحدى شجرات الراعي مدّدت أغصانها وأخفت العائلة. فكافأها الربّ بجعلها دائمة الخضار، وبالتالي رمزاً للخلود بالطبع.
تنويه هام
ليست هذه القصّة حقيقية وإنما أتت كجزءٍ من محاولات إضفاء الطابع المسيحي على عيدٍ كان بالأساس وثنيّاً.
استخدام الشجرةشجرة الميلاد والمغارة
أما استخدام الشجرة فيعود حسب بعض المراجع إلى القرن العاشر في انكلترا، وهي مرتبطة بطقوس خاصّة بالخصوبة، وهذا ما حدا بالسلطات الكنسيّة إلى عدم تشجيع استخدامها، ولكن هذا التقليد ما لبث أن انتشر بأشكالٍ مختلفة في أوربة خاصّة في القرن الخامس عشر في منطقة الألزاس في فرنسا. حين اعتبرت الشجرة تذكيراً ب”شجرة الحياة” الوارد ذكرها في سفر التكوين، ورمزاً للحياة والنور (ومن هنا عادة وضع الإنارة عليها).
وقد تمّ تزيين أول الأشجار بالتفاح الأحمر والورود وأشرطة من القماش وأول شجرةٍ ذكرت في وثيقةٍ محفوظة إلى اليوم، كانت في ستراسبورغ سنة 1605ب.م لكن أول شجرةٍ ضخمةٍ كانت تلك التي أقيمت في القصر الملكي في إنكلترا سنة 1840ب.م. على عهد الملكة فيكتوريا، ومن بعدها انتشر بشكلٍ سريع استخدام الشجرة كجزءٍ أساسيّ من زينة الميلاد بابا نؤيل في التقاليد الجرمانيّة كان الأطفال ينتظرون الإله تهورThor الّذي كان يأتي ليلة عيد الJUL في 25 كانون الأول، ويزور البيوت التي حضّرت له المذبح الخاص به (وهو موقد النار) ويحضر الهدايا إلى الأطفال الّذين علقوا أحذيتهم الخشبيّة على الموقد.
ومع المسيحيّة، اشتهرت شخصيّة القديس نقولاوس (Santa Claus) بابا نويل – (سانتا كلوز):القديس نيقولاوس
قصة بابا نويل مستمدة من قصة القديس نيقولاوس وهو اسقف “ميرا” الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، يقال ان المطران نيقولاوس كان يقوم ليلاً بتوزيع الهدايا والمؤن للفقراء ولعائلات المحتاجين دون ان تعلم هذه العائلات من هو الفاعل.
اما ما يتعلق ب “بابا نويل” فهي من الفرنسية وتعني “اب الميلاد”، حيث يتخيل الناس بابا نويل شيخاً حسناً ذو لحية بيضاء كالثلج ويرتدي ملابس حمراء اللون، وصاحب جسم قوي شديد، راكباً على عربة سحرية تجرها غزلان ومن خلفها الهدايا ليتم توزيعها على الاولاد اثناء هبوطه من المداخن او دخوله من النوافذ وشقوق الابواب.
أما الصورة الحديثة لبابا نويل، فقد ولدت على يد الشاعر الأميركي كلارك موريس الّذي كتب سنة 1823 قصيدة بعنوان “الليلة التي قبل عيد الميلاد” يصف فيها هذا الزائر المحبّب ليلة عيد الميلاد.بابا نويل
وفي عام 1860، قام الرسام الأميركي بإنتاج أول رسمٍ لبابا نويل، كما نعرفه اليوم، بالاستناد إلى القصص الأوروبية حوله. واشتهرت، على أثر ذلك هذه الشخصية في أميركا وبعدها في أوربة، ثمّ في سائر أقطار العالم. لكن يجدر لفت النظر أن بابا نويل وهداياه أخذت من الشهرة ما هدّد في وقت من الأوقات معنى العيد الحقيقي حتى بات عدد كبير من الأطفال يعتبرون عيد الميلاد كعيد بابا نويل وليس عيد ميلاد الرب يسوع.
تنويه واجب
من هنا يجدر بنا التنبّه إلى تنشئة أطفالنا الروحيّة، قبل الاهتمام بالهدايا والزينة وسائر الأمور الاخرى وان يسوع هو العيد وليس هذه الشخصية بابانويل.
المغارة
القديس لوقا هو الإنجيليّ الوحيد الذي ذكر مكان ميلاد المسيح
“وصَعِدَ يوسُفُ مِنَ الجَليلِ مِنْ مدينةِ النـاصِرَةِ إلى اليهوديَّةِ إلى بَيتَ لَحمَ مدينةِ داودَ، لأنَّهُ كانَ مِنْ بَيتِ داودَ وعشيرتِهِ، ليكتَتِبَ معَ مَريمَ خَطيبَتِهِ، وكانَت حُبلى. وبَينَما هُما في بَيتَ لَحمَ، جاءَ وَقتُها لِتَلِدَ، فولَدَتِ اَبنَها البِكرَ وقَمَّطَتْهُ وأضجَعَتهُ في مِذْودٍ، لأنَّهُ كانَ لا مَحَلَ لهُما في الفُندُقِ.” (لوقا 2 : 4-7)
في الواقع لم يذكر لوقا المغارة بل المذود لكن التقليد المعتمد في أورشليم اعتبر إحدى المغائر التي كانت تستعمل كاسطبل حيوانات كمكان لولادة المسيح، وعلى أساسه شيّدت كنيسة المهد في بيت لحم. وهناك بعض الآثار التي تعود إلى القرون الثالث والرابع تظهر رسماً لميلاد المسيح مع الرعاة والمجوس والرعيان.
أما المغارة كما نعرفها اليوم، فيعود ذلك إلى القديس فرنسيس الأسيزي الّذي قام بتجسيد أول مغارة حيّة (أي فيها كائنات حيّة) في ميلاد سنة 1223م وانتشرت بعدها بسرعة عادة تشييد المغائر الرمزيّة في الكنائس وخارجها.مغارة بيت لحم
متى سيأتي المسيح؟
سيأتي في الليلة الباردة ، هكذا وعدني وأنا ما زلت أنتظر، بدأت تنظيف البيت وتزيينه احتفالاً بقدومه، جهزت المدفأة لتدفئة البيت في تلك الليلة، وبدأت التزيين وصنع الحلوة. لكن وصلتني رسالة منه مفادها الآتي:
” لماذا كل هذه الزينة في المنزل؟ لماذا كل هذا التحضير؟ فأنا لا أحتاج لذلك، تواضعي لا يسمح لي، ومحبتي تؤنبني لمصروفكم و تحضيركم لزيارتي، فأنا لا أريد منكم سوى ركن صغير أنام فيه خلال زيارتي إليكم، وهو في قلوبكم، حيث الدفء والراحة هناك. أنا لا أحتاج هذه الأضواء كلها، فإذا أردتم أن تستقبلونني فعلاً و كما أريد، لاقوني في الكنيسة، ستكون محطتي الأولى هناك، تأتون لأسهر معكم. أنا هكذا أحب. أرجوكم لا تتكلفوا كثيراً في التحضير لاستقبالي، لا تتسابقوا مع جيرانكم من ستكون زينته أجمل، ومن يدفع أكثر، فأنا لا أرى الزينة المعلقة على الشرفات، وإنما أرى زينة قلوبكم فتسابقوا على تزيين قلوبكم أولا، وهي لا تكلفكم كثيراً، فأنا سأزور صاحب القلب الأجمل”.
في الحقيقة لقد صدمتني هذه الرسالة عندما قرأتها، فتأملت بها كثيراً، فعلاً لماذا كل هذه الأعمال وهذا التزيين، وهو آتٍ في ليلة باردة وسيسكن في مغارة صغيرة، و يعيش فقيراً؟ هل كل هذا لأننا نحبه؟ فإذا كان ذلك فعلاً، فلماذا لا نسمع ما يقول؟ لماذا لا نطبق ما يعلمنا؟ لماذا لا نفعل ما يرضيه؟ لماذا كل هذا ولمن؟ له؟ هو لا يريد هذا، يريد أن نكون على طريقه، هو يحبنا أن نكون معه ليخلصنا، لا يريدنا أن نضيع وقتنا في تحضير أشياء لا تقودنا إلى الخلاص.
نعم، يجب أن نزين وأن نفرح لقدومه، لكن بالمعقول ودون إسراف. لا يجب أن يكون التحضير فقط بالزينة بل بتحضير القلوب وتنقيتها، يجب أن نكون حاضرين بتفكيرنا به وعبادتنا له وتمجيدنا لشخصه.
✥ القديس استفانوس أول الشهداء ورئيس الشمامسة (القرن الميلادي الأول)
هو باب الشهداء وطريق القدّيسين وزعيم الاستشهاد الذي قدّس بجهاداته أقطار العالم، كما تقول عنه خدمتنا الليتورجية اليوم. اسمه معناه “تاج” أو “إكليل من الزهور”. لذلك تقول عنه أنشودة إنه قُدِّم لسيِّد الكل، المولود على الأرض، إكليلاً فائق البهاء، ليس مصنوعاً من حجارة كريمة بل مزهراً من دمائه نفسها. وتقول عنه أنشودة أخرى أن الحجارة التي رُجم بها حصلت له درجات ومراق إلى الصعود السماوي. في تلك الأيام التي تلت نزول الروح القدس على التلاميذ، ازداد عدد المؤمنين وازدادت أعباء الرسل الاثني عشر لجهة توزيع حاجات الجسد على الجماعة. فلقد أخذ المؤمنون الأوائل يبيعون أملاكهم ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم بعدما أخذوا على عاتقهم أن يكون كل شيء بينهم مشتركاً (أعمال2). وكان الرسل يشرفون على هذا العمل. وإذ كانت الجماعة بعد متواضعة في حجمها سّهُل على الرسل التوفيق بين خدمة الكلمة وخدمة الموائد. ولكن بعدما كثر المؤمنون أضحى توزيع المؤن عملاً شاقاً، ولاحظ الرسل أنه بات يتم على حساب الصلاة والبشارة نفسها. كما أن المؤمنين من اليهود المتهلّنين بدأوا يتذمرون أن أراملهم كُنَّ يُغفل عنّهن في خدمة التوزيع اليومية. كل هذا دعا الرسل إلى تنظيم الخدمة على نحو أوفق، فاختارت الجماعة سبعة رجال مشهوداً لهم بالإيمان والتقوى، ممتلئين من الروح القدس، ولهم من الحكمة والدراية ما يسمح لهم بالقيام بعمل التوزيع اليومي على أفضل وجه ممكن. هؤلاء هم استفانوس وفيليبس وبروخورس ونيكانور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس الدخيل الإنطاكي. وقد صلّى الرسل ووضعوا على المنتخبين الأيادي. أما استفانوس فكان المتقدم في الشمامسة، كما لاحظ الذهبي الفم، وكان رجلاً مملوءاً من الإيمان والروح القدس والقوة، يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب. وقد أثارت مواهبه حفيظة اليهود فاجتمع عليه عدد منهم، من الليبرتينيين، أي من اليهود المعتقين، ومن القيروانيين الليبيين ومن الإسكندريين ومن الذين من كيليكيا وأسيا الصغرى يحاورونه ويجادلونه فلم يتمكّنوا منه فاشتدّوا غيظاً ولجاؤا إلى الدس والافتراء لينالوا منه. وإذ اتهموه بأنه تفوه بكلام تجديف على موسى وعلى الله هيّجوا الشعب وحرّكوا الشيوخ والكتبة فقبضوا عليه وأوقفوه أمام مجمع السبعين وهو المجمع عينه الذي حكم على الرب يسوع بالموت. وكما أقام اليهود شهود زور على المعلم أقاموا على التلميذ، فانبرى منهم من اتهمه بأنه يتكلم ضد الموضع المقدّس والناموس ويدعو إلى تغيير عوائد موسى. وفي ردّ استفانوس على اتهامات العاقدين المفترين كان ممتلئاً من نور الرب حتى إن وجهه بدا كوجه ملاك. وقد بيّن لهم كيف أن إبراهيم، أب المؤمنين، تبرّر لدى الله وحظي بنعم عظيمة من دون الهيكل ومن دون أن يكون له ميراث أرض ولا وطأة قدم. كذلك كان الرب الإله مع يوسف وأنقذه من جميع ضيقاته فيما حسده رؤساء الآباء وباعوه إلى مصر. ثم كان موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون. هذا أنكره الآباء قائلين له من أقامك رئيساً وقاضياً علينا، فيما جعله الله رئيساً وفادياً فأخرج إسرائيل من مصر بآيات وعجائب. وعاند الآباء فلم يشاؤوا أن يكونوا طائعين له بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر، فجعلوا لهم بهرون آلهة يعبدونها من دون الله وظنّوا بموسى الظنون، فعاد الله وأسلمهم إلى نجاسة قلوبهم. ومع أن الله لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيدي لأن السماء كرسيّ له والأرض موطئ لقدميه فإن سليمان بنى له بيتاً. لكن إقامة الله وسط شعبه تتخطى البيت: “أي بيت تبنون لي يقول الرب وأي مكان هو مكان راحتي” (إشعياء 1:66). هذا وغيره دلّ دائماً ويدل على مقاومة اليهود، آباء وبنين، للروح القدس. لذلك لا يتردّد استفانوس في المجاهرة بإيمانه بالمسيح البار والحكم على اليهود بقساوة الرقبة ونجاسة القلب والأذن مثلهم مثل آبائهم. “كما آباؤكم كذلك أنتم. أيّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه، الذين أخذتم الناموس… ولم تحفظوه”. هذا القدر من الكلام الناري كان كافياً ليشعل في اليهود غيظاً شديداً فصرّوا بأسنانهم عليه وسدّوا آذانهم. وإذ شخص إلى السماء رأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله فشهد قائلاً: “ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله”. هذا كان عندهم قمة التجديف وعنده قمة الحق ومل ء الروح القدس. وقبل أن يلفظ المجمع حكماً عليه أدانه الحاضرون وهجموا عليه بنفس واحدة فأخرجوه خارجاً ورجموه مع أنه لم يكن لهم الحق، لا هم ولا مجمعهم، أن يقتلوا أحداً (يوحنا31:18). والذين شهدوا أنه جدَّف خلعوا ثيابهم عند رجلي شاول، الذي تسمى بولس فيما بعد، ليحفظها، ثم كانت أيديهم عليه أولاً ليقتلوه على حسب الوصية إن أيدي الشهود تكون على المجدِّف أولاً لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيراً (تثنية7:17). وإذ انهالت عليه الحجارة كالسيل سأل من أجل نفسه: “أيها الرب يسوع اقبل روحي” وسأل أيضاً من أجل قاتليه: “يا رب لا تقم له هذه الخطيئة”، فكان بذلك صدى لمعلمه لما سأل أباه من أجل قاتليه: “اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”. ولما قال استفانوس هذا أسلم الروح. كان رقاد استفانوس، على ما ورد في مصادر قديمة، في أواخر السنة نفسها التي صلّب فيها الرب يسوع. وثمة من يذكر أن ذلك حدث في السادس والعشرين من كانون الأول من تلك السنة. ويظهر إنه دُفن في مكان يبعد عشرين ميلاً عن أورشليم يدعى كفراغمالا. وقد حفر على قبره اسم خليال الذي يعني إكليل أي استفانوس. المعلومات في هذا الشأن أوردها باسيليوس سلفكيا(+459م) في عظة عن القديس استفانوس، وكذلك كاهن اسمه لوقيانوس كتب وقائع اكتشاف رفات القدّيس في القرن الخامس الميلادي. المعلومات التاريخية تفيد أن ذراعه اليمنى كانت في القسطنطينية في القرن الثاني عشر. وإن خمسة أديرة اليوم تدّعي أن عندها أقساماً من جمجمته بينها أديرة الضابط الكل وستفرونيكيتا واللافرا الكبيرة وكزينوفونتوس في جبل آثوس. وهناك قسم من رفاته في جنوى الإيطالية. من جهة أخرى ورد عند بعض آباء الكنيسة أن شارل الذي كان راضياً بقتل استفانوس وحارساً لألبسة الشهود عليه قد اهتدى وآمن بالرب يسوع بقوة الصلاة التي رفعها الشهيد من أجل قاتليه. أحدهم قال: “لو لم يرفع استفانوس الصلاة، ما كانت الكنيسة حظيت ببولس”. هذا وتعيِّد الكنيسة المقدسة لاكتشاف رفات القديس استفانوس في 15أيلول ولنقلها إلى أورشليم ثم إلى القسطنطينية في 2 آب.