Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

في معرفة الله

$
0
0

في معرفة الله

الله لا يُعرَف. هو يعرِّف عن ذاته. لا يستطيع الإنسان أن يعرف، بقدراته البشريّة المحدودة، الله. هو يتلمّس وجوده، يتحسّس شيئاً من صفاته، يقيسه انطلاقاً من العالم المخلوق، لكنّه لا يدركه أبداً، ولا يعرفه معرفة كيانيّة، حقيقيّة، إلا بتدخل إلهيّ، بفعل كشفٍ لقدراته الإلهيّة. وهذا يحتاج إلى نفوس نقيّة وبارّة ومتواضعة، حتّى تراه وتتجاوب معه. فالله يضيء بنوره على الأخيار والأشرار، على الأبرار وعلى الذين يختارهم هو، برحمةٍ منه، لمقاصد وحده يعرفها. “الله يريد الكل أن يخلصوا وإلى معرفة الحقّ يُقبِلوا”.
يستدّل الإنسان على الله، يساعده عقله على رؤية السبل التي تؤدي إليه. الله يُعرَف بالحب. برهان وجوده مرتبط ببرهان فعله فيك وفي الكون.
قيل قديماً “أرني إلهك”، أرني البرهان على إلهك.

صفات إلهك تُرى بواسطتك. كيف تسلك، كيف تتصرف، كيف تواجه العالم، ما هي أخلاقك؟… إن كنت مؤمناً بالله تطيعه، وتسلك بحسب وصاياه ومرضاته، فيظهر هذا في مسلكك في دنياك. المؤمن يتشبّه بإلهه. وفي المسيحيّة، الإنسان مدعوّ إلى أن يصير على صورة الله. لقد خُلق، في الأصل، على صورته. وإن كانت، هذه الصورة الإلهيّة، قد تشوّهت بسقوط الجدّيَن الأوّلَين من الفردوس، إلا أنّ آثارها ما تزال موجودة، ويستطيع الإنسان، بالمسيح، أن يرمّمها، ويرقى بها إلى جمالها الإلهيّ الأصيل.
عرف المسيحيّون، منذ القدم، طريقتين لمقاربة الله، هما، في الوقت ذاته، متوازيتان ومتكاملتان. قالوا بالإثبات، عن طريق الاستدلال والقياس، وبالتنزيه، عن طريق السموّ بالله، عن كلّ صفة موجودة في الخليقة.
في الطريقة الأولى، أنت، على سبيل المثال، تطلق صفة الجمال على الله، لأنّك ترى الجمال في الخليقة، التي برأها، له المجد. وهكذا ترى إلى كلّ حُسْنٍ وخيرٍ في هذه الدنيا، وتثبته في الله. ترى رحمة فائقة في مخلوق ما، فتقول إذا كان المخلوق قادراً على أن يصل إلى هذه الدرجة من الرحمة، فكم رحمة الله عظيمة إذن!
هذا طريق استدلالي، منطقي، ينطلق من الخليقة إلى الخالق. سمّاه اللاهوتيّون لاهوتَ الإثبات أو اللاهوت الإيجابي.
الطريقة الثانية تسمى التنزيهيّة. وهي على العكس من الطريقة الإثباتيّة. تنطلق من أنّ الله منَزَّه كليّاً عن محدوديّة خليقته. فعدل البشر، على سبيل المثال، ناقص، أمّا الله، فليس فيه نقصان، وتالياً، عدله يتجاوز العدل البشري، بما لا يمكن قياسه، ولا معرفته، ولا حدّه. لذلك وصل بعضهم إلى القول بلا عدالة الله، إذا ما قورنت أو قيست بالعدالة كما يفهمها البشر. لأنّ عدالة الله، غير المحدودة، وغير المُدرَكة، تجعلنا ننفي العدل عنه، انطلاقاً من عدلنا البشري الناقص والمحدود. تُسمّى هذه الطريق في مقاربة الله باللاهوت السلبي أو لاهوت النفي، لأنّه ينفي كلّ صفة بشريّة، مهما كانت صالحة وحسنة، عن الله، باعتباره، تعالى، يفوقها بما لا يُقاس.
ولأنّ الإنسان لا يستطيع أن يفهم الله مباشرةً، تراه يستعين بالصور والرموز، على قدر ما يستوعب عقله ومخيّلته. لذلك، فإنّ كلّ كلام عن الله، في النهاية، هو كلام رمزي وغير مباشر، وبشري، يحمل النفحة واللغة البشريتين، اللتين لا يمكنهما الإحاطة بالله.
جاء في سيرة المغبوط أُغُسطين، أنّ ملاكاً، بهيئة ولد، ظهر له فيما كان يتمشّى على شاطىء البحر، متفكِّراً، بتركيز وإجهاد، في سرّ الثالوث القدّوس، وعلاقة الأقانيم بعضها ببعض. كان الولد – الملاك ينقل بكفّيه ماءً، من البحر، ليضعه في حفرة صغيرة، صنعها في رمل الشاطئ. فلمّا رآه أًغُسطين، قال له: ألا ترى اتساع البحر ومداه؟ كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تتسع لكلّ هذا الماء؟ فأجابه الملاك: وكيف لعقلك المحدود أن يتسع لله اللا محدود؟!!
لأنّ الرموز والصور واللغة البشريّة لا تكفي للتعبير عن سموّ الله الفائق، وكذلك عن اختلافه عنّا، ترانا نحتاج إلى استخدام أسلوب النفي، لكي نقول ما ليس هو الله، أكثر من القول ما هو الله. فطريقة إثبات الصفات في الله تتوازى وطريقة نفي هذه الصفات عنه تعالى.
كلّ تعبير بشري إنّما هو تصوير قاصر، على الرغم من صدق القصد منه. ويبقى الله سرّاً. إنّه يتجاوز كلّ ما هو بشريّ. عندما نقول بالسرّ نعني، على حدّ قول المطران كاليستوس وير، أنّ أمراً ما قد استبان لفهمنا، غير أنّنا لا ندركه، البتّة، إدراكاً كاملاً.
الله في المسيحيّة، هو الإله الذي عُرف، في الكتاب المقدّس، بالإله الذي يكشف عن أفعال قدرته للبشر، ليجعلهم يعرفونه على حقيقته. لذلك دعا الكثيرون المسيحيّةَ بدين الكشف الإلهي، الذي بدأ بمخاطبة إبراهيم، وانتهى بالتجسّد الإلهي، في شخص المسيح. نعرف الله بيسوع المسيح. “ما من أحد يعرف الآب إلا بي” (يو: 14،6؟).
من هنا يفرِّق اللاهوت الأرثوذكسي بين جوهر الله أو طبيعته أو ذاتيّته، من جهة، وبين قدراته أو صنائعه أو أفعال قوّته، من جهة أخرى.
جوهر الله لا يمكن إدراكه أبداً، لا في هذه الحياة، ولا في الأبديّة. لو عرفنا جوهر الله لما بقينا مخلوقين. هذا أمر مستحيل على الإنسان “الله في النور الذي لا يدنى منه”. لكنّه يكشف لنا عن قدراته أو أفعال قوّته. وذلك عندما يعزّينا أو يَهدينا أو يُرشدنا…إلخ. نرى قدراته في أفعاله، التي يتمّمها فينا، وفي العالم المحيط بنا: في خليقته.
يقول القدّيس سمعان اللاهوتي الجديد: “أيّها العالم غير المنظور، نحن نراك، أيّها العالم غير الملموس، نحن نلمسك، أيّها العالم الممتنعة معرفته، نحن نعرفك، أيّها العالم المحتجز إدراكه، نحن نمسك بك”.
هذا يستلزم عيوناً روحيّة ترى ما لا يُرى بعيني الجسد فقط. هذا يُعطى لمن لطّفت النعمة الإلهيّة أهواءهم، فاستنارت بصيرتهم الداخليّة.
كيف لقاسي القلب، مثلاً، أن يتحسّس أفعال الرحمة؟ وكيف لمَن أعمت الغيرة قلبه، أن يرى الصلاح الذي في غيره، وهو يتمزّق غيرةً وتحرّقاً وحسداً وكراهية؟
لكي تعرف الله على حقيقته يلزمك حبّاً وتواضعاً وحسّاً إنسانيّاً مرهفاً. تعرفه بقدر ما تعاشره، ويكون حاضراً فيك. ولا تعاشره حقّاً إلا إذا كنت مُخلِصاً، حتّى المنتهى، لوصاياه وتعاليمه، التي كشفها لك في يسوع المسيح. آنذاك يظهر فعله فيك، وإلا فأنت تعبد ذاتك متوهّماً إيّاها إيّاه، وتغلق، بذلك، الطريق أمام فعل قدرته فيك.
يقول الشيخ المستنير صفروني زاخاروف: “الله يمكن معرفته في كلّ مكان، لأنّه حاضر في كلّ مكان. وحتّى يمتلك الإنسان هذه المعرفة، فإنّ المدارس والكتابات اللاهوتيّة ليست كافية قطعيّاً. ولكن متى كان حاضراً معنا، فإنّ المعرفة الحقّة تخترق، وبشكل لا يُفسَّر، كياننا كلّه”. 13؟

المتروبوليت سابا (إسبر)

 


 الجسر الطبيعي الموجود على سطح القمر

$
0
0
 الجسر الطبيعي الموجود على سطح القمر

في صباح التاسع والعشرون من شهر يوليو من عام 1953، قام (جون أونيل) المحرر العلمي في جريدة New York Herald Tribune باستخدام تلسكوبه الخاص لدراسة الحافة الغربية لـ”بحر الشدائد“، وهو بحرٌ قمري يبدو كسهلٍ شاسع بيضوي الشكل ذو قطرٍ أكبر من خمسمائة كيلومتر، حيث يتمتع بأرضيةٍ مسطحة وحلقة من التلال في محيطه.

أثناء دراسته للمنطقة بالتلسكوب، قامت أشعة الشمس بإضاءة المنطقة مما أظهر مرتفعاتها وخلق جزراً صغيرة من الضوء في بحرٍ من الظلام، لكن ما جذب اهتمام (جون) كان شريطاً من الضوء ظهر وكأنه يمتد بين مرتفعين قمريين، وبعد دراسة هذا الشكل الغريب لبعض الوقت اقتنع (جون) أنّ ما يُشاهده عبارة عن جسرٍ طبيعي عملاق ممتد فوق فجوةٍ قمرية، يُشبه العجائب الصخرية الموجودة في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن ما لاحظه (جون) أنّ هذا الجسر أكبر من أي جسرٍ طبيعي موجود على الأرض، حيث قدر طوله بما يُقارب 19 كيلومتراً، أما أطول جسر طبيعي موجود على سطح الأرض فيبلغ طوله أقل من 100 متر.

على اليسار رسمة من أداء (ويلكينز) عن الجسر الطبيعي على سطح القمر، وعلى اليمين تصوير لوكالة ناسا بعد 60 عاماً لنفس المنطقة.
على اليسار رسمة من أداء (ويلكينز) عن الجسر الطبيعي على سطح القمر، وعلى اليمين تصوير لوكالة ناسا بعد 60 عاماً لنفس المنطقة.

سُرعان ما وصلت أنباء هذا الاكتشاف المذهل إلى علماء الفلك، وبدأ العديد من المبتدئين منهم والخبراء يؤكدون صحة هذا الاكتشاف، وأبرز هؤلاء كان (هيو بيرسي ويلكينز) مدير القسم المختص بالقمر في منظمة الفلك البريطانية، حيث قام باستخدام تلسكوب متطور جداً يُدعى Newtonian reflector ذو 15 إنشاً لتأكيد وجود الجسر، حيث قال أنّه تمكن من مشاهدة الجسر عبر تتبع ضوء الشمس بالإضافة إلى مشاهدة ظله على سطح القمر، حيث صرح في ذلك العام خلال حديثه مع إذاعة BBC: ”ليس هناك أي شك، لقد تم تأكيد وجوده من قبل علماء أخرين، يبدو صناعياً، يبدو وكأنه عملٌ هندسي، حيث يُمكنك مشاهدة ضوء الشمس يتدفق من أسفله كما يُمكنك مُشاهدة ظله“.

تسبب قول مُدير مؤسسة فلكية بهذه الأهمية في أنّ هذا الجسر يبدو كأنّه من صنع أحدٍ ما وليس طبيعياً بإثارة الكثير من ردود الفعل المشككة، وعلى الرغم من أنّ تصريحه كان عفوياً من دون أي تفكيرٍ مُسبق بهدف توصيف الجسر فقط، إلا أنّ وسائل الإعلام استغلت هذا التصريح وقامت بتداوله بشكلٍ كبير ما أدى إلى الإضرار بسمعة (هيو) ضمن منظمة الفلك البريطانية بشكلٍ كبير، وقد صرح لاحقاً بأسف: ”تعلمت أنّ الدقة التي تقوم بها بشرح الأشياء للمراسلين غير مهمة، لأنهم سيفهمونك بشكلٍ خاطئ دائماً“.

لكن لم يعد هذا مهماً، لأن الضرر قد حصل بالأصل، فقد تهافت أصحاب نظرية المؤامرة والمؤمنين بالأجسام الفضائية الغامضة UFO على هذا التصريح، ففي عام 1955 قام الرائد (دونالد أي. كيهوي) بنشر كتاب يُسمى The Flying Saucer Conspiracy، وقد قام بوصف اكتشاف (جون أونيل) في هذا الكتاب قائلاً: ”بناء ضخم ظهر بوضوح في الأطراف، مُعجزة هندسية معمارية برزت كما يبدو خلال أسابيع، وربما أيام“، وقد ادعى (دونالد) أنّ الاكتشاف أكبر من ذلك بكثير، وأنّ (جون) حتى لم يجرؤ على قول الحقيقة كاملةً.

في النهاية، تبين أنّ اكتشاف (جون أونيل) كان خاطئاً بأكمله، حيث ما ظنه (جون) وباقي علماء الفلك جسراً كان عبارة عن وهمٍ بصري ناجم عن الضوء والظلال، لكن هذا طرح تساؤلاً ما بين العلماء، هل من الممكن أن يُوجد هكذا جسر على سطح القمر؟ فوجود هكذا جسر طبيعي يتطلب تآكلاً مستمراً عبر ملايين السنين ناجم عن المياه والريح، ولم تكتشف الأقمار الصناعية البشرية وجود كميات هائلة من المياه تكفي لخلق هكذا جسر.

تمت الإجابة على هذا التساؤل عبر المسبار الفضائي التابع لـ(ناسا)، الذي يدعى مستكشف القمر المداري، وذلك في عام 2010 حينما اكتشف وجود جسرين طبيعيين على سطح القمر لا جسراً واحد فقط، وهذه المرة لم يكن هناك أي شك بجودة الصورة، حيث بإمكان أيٍّ كان مشاهدة شعاع الضوء المار تحت الجسر الطبيعي في الصورة التي قام هذا المسبار بالتقاطها.

جسر طبيعي على سطح القمر

بلغ طول هذا الجسر قرابة 20 متراً، وبلغ عرض قمته قرابة 7 أمتار، بينما بلغ عرض قاعدته قرابة 9 أمتار، وقد تمت مشاهدة هذا الجسر على حافة فوهة صدمية قمرية تُسمى ”فوهة الملك“، وهي فوهة في أرض القمر ناجمة عن اصطدام أحد النيازك بسطحه، ويبلغ طول هذه الفوهة حوالي 72 كيلومتراً، بينما يبلغ عرضها قرابة 15 كيلومتر.

بحسب تفسير علماء وكالة ناسا للصورة التي التقطها المسبار الفضائي، فإن الحرارة الناجمة عن الاصطدام القوي للنيزك بسطح القمر قامت بإذابة الصخور، نتيجة لذلك تجمعت الحمم الذائبة على أطراف الفوهة الناجمة عن سقوط النيزك مشكلةً سماكة بطول عشرات الأمتار، وبعد أن بدأت هذه الحمم تبرد تشكلت حولها قشرة صلبة، لكن الحمم داخلها كانت ما تزال سائلة لم تتصلب بعد، وقبل أن تبرد وتتصلب بالكامل خرجت من القشرة الصلبة –ربما عبر شقٍ فيها– خالقةً مساحة فارغة في مكان خروجها، أما القشرة السطحية في أعلى هذا الفراغ فقد شكلت جسراً طبيعياً.

جسر طبيعي على القمر
على اليسار يظهر الجسر القمري عند درجة حرارة 42 درجة فوق خط الأفق، وعلى اليمين يظهر نفس الجسر عند درجة حرارة 80 درجة فوق خط الأفق (قبيل المساء).

بالطبع يبقى هذا التفسير مجرد نظرية وضعها علماء ناسا ولا يُمكننا التأكد من صحتها بشكلٍ كامل إلا أن نتحصل في المستقبل على صور أقرب وأوضح، وهو ما يُعمل عليه بالأصل، فقد كتب الدكتور (مارك روبنسون)، رئيس محققي نظام الصور التابع لمستكشف القمر المداري، أنّ فريقه يقوم بتحليل الصور التي التقطها المسبار ويُطابقها مع الخرائط الطوبوغرافية وذلك بهدف مساعدة العلماء على تحديد ما قد جرى في هذه المنطقة المثيرة للاهتمام.

بالطبع لا يُمكننا سوى انتظار ما سيخرج به العلماء لنفهم بشكلٍ أدق طبيعة هذا الجسر الفريد من نوعه، لكن يبقى الأكيد أنّ نظريات المؤامرة التي تُرافق هذا النوع من الاكتشافات الفريدة من نوعها تبقى مجرد خزعبلات لا يجب أن تُبعدنا عن أهمية الاكتشاف بحد ذاته.

البهائية

$
0
0

البهائية

البهائية هي إحدى الديانات التوحيدية والتي تؤكد في مبدأها الأساسي على الوحدة الروحية للجنس البشري، وترتكز الديانة البهائية على ثلاثة أعمدة تشكل أساس تعاليم هذه الديانة: وحدانية الله، أن هناك إله واحد فقط وهو الله الذي هو مصدر كل الخلق، وحدة الدين، أن جميع الديانات الكبرى لديها نفس المصدر الروحي، وتأتي من نفس الإله.

اصل التسمية

يتم استخدام كلمة البهائية إما كصفة للإشارة إلى العقيدة البهائية أو كمصطلح لأتباع بهاء الله.

الكلمة ليست اسماً يعني الدين ككل… االكلمة مستمدة من لفظ البهاء بالعربية و تعني” المجد” أو ” الروعة.

مصطلح “البهائية” لا يزال يستخدم بشكل رئيس في إهانة معتنقيه…!

التاريخ والنشأة والمؤسس

تعود جذور البهائية إلى البابية والتي نشئت في إيران (السلطنة القاجارية الفارسية أنذاك) في منتصف القرن التاسع عشر (منذ سنة 1260 هـ/ 1844م).

الحدائق البهائية في حيفا
الحدائق البهائية في حيفا

البهائية (عند البهائيين) هي إحدى الديانات العالمية، ودعا لهذه الديانة شاب إيراني يدعى علي محمد الشيرازي، الذي لقب نفسه بالباب، منذ عام 1844 وبشر بأن رسولا سيأتي قريبا من الله.

كما أكد على استمرار الرسالات الإلهية وأنه واحد في سلسلة الرسل التي تضم محمداً وموسى والمسيح…

وفي عام 1852، قال أحد أتباع الباب، والذي ولد باسم ميرزا حسين علي النوري عام 1817 في إيران، إنه شاهد في السجن رؤيا أنه الرسول الذي بشر به الباب ولقب نفسه بهاء الله. وفي عام 1863 أسس لهذه الديانة…

وتعرض بهاء الله للنفي عدة مرات، وكتب في تلك الفترة “الكتاب الأقدس” أهم الكتب لدى أتباع هذه الديانة وتوفي عام 1892.

عبد البهاء في لحظة تأمل
عبد البهاء في لحظة تأمل

خلفه نجله عبد البهاء الذي عمل منذ وفاة والده على نشر التعاليم البهائية في أنحاء العالم وتوفي عام 1921

وقد خلف عبد البهاء حفيده شوقي أفندي الذي واصل الدعوة والتبشير بهذه الديانة، وأقام وتوسع في أضرحة البهائيين الموجودة حاليا في فلسطين.

معتقدات البهائيين

 حسب بهاء الله:

“انّ ربّکم الرّحمن یحبّ ان یری من فی الأکوان کنفس واحدة و هیکل واحد”  

وفق البهائية

تلهم التعاليم البهائية في آلاف تلو آلاف من بقاع الأرض أفراداً وجماعات يعملون على تحسين حياتهم ويشاركون في تقدم الحضارة.

تعالج المعتقدات البهائية مواضيعَ جوهرية مثل وحدانية الله ووحدة الدين، ووحدة البشر والتحرر من التعصبات، والعزّة المتأصلة في الإنسان، والظهور التدريجي للحقيقة الدينية، وتطوير الخصال الروحية، وتكامل العبادة والخدمة، والمساواة الأساسية بين الجنسين، وتناغم الدين والعلم، ومحورية العدل في كل المساعي البشرية، وأهمية التعليم، وديناميكية العلاقات التي تربط الأشخاص والمجتمعات والمؤسسات بينما تتقدم البشرية نحو رشدها الجماعي

يقول بهاء الله:

“كل ما هو مخلوق في الكون أجمع؛ إنما هو باب يؤدي إلى عرفانه (عرفان الله)…”

توضح الكتابات البهائية أن حقيقة الله تعالى أجَّلْ وأسمى من أن تدرك بالعقول الفانية، بالرغم من أننا قد نجد آثار أسمائه وصفاته في كل شيء.

الكتب البهائية
الكتب البهائية

أرسل الله على مر العصور سلسلة متعاقبة من الرسل يُعرفون بأنهم مظاهر أمر الله، وذلك لتربية بني الإنسان وهدايتهم، ولكي تستنهض في كافة الشعوب قدرات تؤهلها للمساهمة في تقدم المدنية وازدهارها إلى مدى لم يكن الوصول إليه ممكنا أبدا من قبل.

الوحي الالهي ومظاهر الظهور

إن الله هو خالق الأكوان وهو العليم الرؤوف الرحيم. وكما أن الشمس الظاهرة تضيء العالم فإن نور الله يسطع على جميع المخلوقات. فمن خلال تعاليم المظاهر الإلهية ومن جملتهم إبراهيم وكريشنا وزرادشت وموسى وبوذا وعيسى المسيح ومحمد عليهم السلام وفي العصر الحاضر حضرة الباب وحضرة بهاءالله، تم صقل وتهذيب مدارك البشر وقدراتهم الروحية والعقلية والأخلاقية.

الطبيعة

كل ما يزخر به العالم الطبيعي من جمال وثراء وتنوع إنما يعبر عن صفات الله تعالى ونعوته مما يثير في نفوسنا احتراما عميقا تجاه الطبيعة. إن الإنسانية لديها القدرة على تحرير نفسها من عالم الطبيعة، وباعتبارها المتحكم في موارد كوكب الأرض الهائلة، فإنها مسؤولة عن استخدام المواد الخام الموجودة على هذا الكوكب بطريقة تحافظ على التوازن والانسجام وتسهم في تقدم الحضارة.

مدنية دائمة التقدم

المحفل البهائيفي حيفا
المحفل البهائيفي حيفا

مرت الإنسانية عبر العصور والأزمان من مرحلة الطفولة المبكرة والصبا، لتقف على أعتاب مرحلة النضج الجماعي في الوقت الحاضر. إن السمة المميزة لمرحلة الرشد هذه؛ هي تحقيق وحدة الجنس البشري في حضارة عالمية النطاق. إن انبثاق حضارة مزدهرة ببعديها الروحي والمادي؛ يعني تقدم جوانب الحياة الروحانية والعملية معا في تناغم وانسجام.

وقال بهاء الله إن ديانته تقبل كل الأديان الأخرى كالإسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية والبوذية والهندوسية.

ويرى البهائيون أن كل من هذه الأديان تمثل مرحلة من مراحل التجلي الإلهي. ويؤمنون بأن الله واحد وأنه خالق هذا العالم وأنه يعرف بأسماء مختلفة في مختلف الأديان

ويؤمن البهائيون بالتجلي الإلهي للرسل في أزمنة مختلفة وبوحدة المنبع للديانات وبضرورة تعاون البشر من أجل الإنسانية

ويعتقدون بأن نور الله قد تجلى في آدم وإبراهيم وموسى وكريشنا وزرادشت وبوذا والمسيح ومحمد والباب وبهاء الله

كما يؤمنون بأنه ليس من الممكن معرفة البشر لله بشكل مباشر وإنما من خلال تعاليم وحياة الرسل العظام.

ويحج البهائيون إلى المركز العالمى للبهائيين، والذى يقع فى مدينتي عكا وحيفا شمالي فلسطين المحتلة، وتضم الأولى ضريح بهاء الله وفيما تضم الثانية ضريح محمد رضا الشيرازي الملقب بالباب.

وفي البهائية ثلاث صلوات كبرى وصغرى ووسطى، وأي صلاة تغني عن الأخرى

ويبلغ عدد معتنقي الديانة البهائية حاليا نحو 6 ملايين يتوزعون في كافة أنحاء العالم

ماذا يفعل البهائيون؟

 يقول عبد البهاء:

“كأس المعرفة طافحة، هنيئا لمن يحظى بقطرة، ونبع الحياة في فوران، هنيئا لمن يشرب جرعة”

عند البهائيين

“لقد وجدت أعداد متزايدة من الناس في تعاليم حضرة بهاء الله رؤية ثاقبة لعالم أفضل وذلك منذ نشأة البهائية في القرن التاسع عشر. وقد وجهت البصائر المستوحاة من هذه التعاليم العديد من الأفكار، منها على سبيل المثال: وحدة البشر، والمساواة بين النساء والرجال، ونبذ التعصب، والانسجام والتوافق بين العلم والدين؛ فسعوا إلى تطبيق المبادئ البهائية في حياتهم الشخصية، وفي محيط عملهم. فيما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك وقرر الانضمام إلى الجامعة البهائية، والمشاركة في الجهود الرامية إلى الإسهام مباشرةً في تحقيق رؤية حضرة بهاء الله الرائعة من أجل وصول البشرية إلى رشدها.

يأتي البهائيون من جميع الأوساط والطبقات. شباباً وشيبا، رجالاً ونساء على حد سواء، يعيشون جنبا إلى جنب مع الجميع في كل بقاع الأرض وينتمون إلى كل الأمم. لهم هدف مشترك يتمثل في خدمة الإنسانية وصقل وتهذيب حياتهم الشخصية وفقا لتعاليم حضرة بهاء الله. يتّصف المجتمع الذي ينتمون إليه بحب التعلّم والعمل بعيداً عن الشعور بالتفوق أو إدعاء الفهم الحصري للحقيقة. وهو مجتمع يسعى إلى بث الأمل في مستقبل البشرية، وإلى تعزيز الجهود البنّاءة، والإشادة بمساعي كل من يعمل لتعزيز الوحدة وتخفيف معاناة الإنسانية في العالم.”

يقول عبد البهاء

الحدائق البهائية في حيفا
الحدائق البهائية في حيفا

“لقد رسم حضرة بهاءالله دائرة الوحدة وأوجد خارطة اتحاد كافة البشر واجتماعهم في ظل سرادق الوحدة العامة الشاملة. علينا جميعاً أن نسعى بقلوبنا وأرواحنا لتتجلّى حقيقة الوحدة والاتحاد فيما بيننا. وفيما نعمل ونجدّ ننال نصيباً من القوة والقدرة”

أعياد البهائيين

  • العيد الأعلى وهو أيام الصوم الـ 19 التي تبدأ في 2 آذار
  • عيد النوروز في 21 آذار
  • عيد الرضوان من 21 نيسان لـ 2 آيار
  • إعلان الباب للدعوة في 22 و23 آيار
  • صعود بهاء الله في 29 آيار
  • استشهاد الباب في 9 تموز
  • ميلاد الباب 20 تشرين أول

 الانتشار

الإحصائيات البهائية تشير إلى أن عدد البهائيين في العالم هو حوالي 6 ملايين نسمة وعند البهائيين هو 8 ملايين..

كانت بدايات الدين البهائي في الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، ثم بدأ يتقبله العديد من سكان الغرب منذ بداية القرن العشرين ومن بعدها في حوالي الخمسينات من ذلك القرن ازدادت اعداد البهائيين في باقي بلدان العالم. وتتفق معظم المصادر الحالية على ان تعداد البهائيين في الهند وافريقيا واميركا الجنوبية وجزر المحيط الهادي قد جاوز بكثير تعدادهم في ايران وباقي بلدان  الشرق الأوسط والبلدان الغربية حيث كان انتشاره في الأول.

فى عيد الرضوان في العراق
فى عيد الرضوان في العراق

ويذكر الكتاب السنوي التابع لموسوعة بريتانكا لعام 1992 م هذه الإحصائيات:

  • الدين البهائي هو ثالث ديانة عالمية من ناحية الانتشار الجغرافي.
  • يتواجد اتباعه في 247 دولة ومقاطعة في العالم.
  • اتباعه يمثلون 2100 عرق وأقلية قبلية.

ويقدر الكتاب السنوي لعام 2005 م التابع لنفس الموسوعة اتباع الدين لبهائي بــ 6 مليون نسمة وبأن كتبه مترجمة إلى أكثر من 800 لغة.

بينما يرى آخرون أن هذه الأرقام بعيدة كل البعد عن الواقع بسبب سعي المصادر البهائية لتضخيم أعدادها من باب الدعاية فعلى سبيل المثال تم الإعلان عن وجود حوالي 5000 بهائي في بريطانيا وهو رقم رسمي مستمد من إحصاء شامل للسكان سنة 2011 بينما تصر المصادر البهائية والمقربين منهم على اعتماد العدد 34000 في هذا البلد وهو تقدير لا يستند إلى أي مسح ميداني حقيقي وقد نرى مثل هذه الظاهرة مكررة في العديد من البلدان كالهند وإيران وغيرهما مما يجعل الأرقام التي أعطت حوالي 7 ملايين بهائي في العالم محل خلاف و تشكيك .

ينتشرون في ايران والبحرين والولايات المتحدة والهند ومصر والعراق واليمن والاردن.

طرق العبادة

التربية الدينية للبهائيين تتم عن طريق دراسة النصوص البهائية وقراءة الادعية والمناجاة كل صباح ومساء وكذلك  الصلاة والتعبد، اما الرهبنة والتكهن والدروشة والاعتصام في الصوامع والاعتزال عن الناس فممنوع عند البهائيين ويعتقدون أن من واجب الإنسان العمل والاحتراف والتطبيق العملي للوصايا الإلهية في الحياة اليومية، والتحلي بالعفة والطهارة والاخلاق الحميدة. ويعتبر العمل لغرض خدمة الآخرين والمجتمع كنوع من العبادة في حد ذاته

اماكن العبادة

الصلاة عند البهائيين انفرادية ويقوم بها الشخص عادة في البيت ولاتمارس صلاة الجماعة إلا في دفن الميت. ويجتمع البهائيون للمشاركة في قراءة الأدعية والمناجاة أو للمشاورة بصورة منتظمة إما في البيوت أو في الأماكن العامة أو في ابنية خاصة لهذه الأغراض. ويوجد أيضا في الوقت الحاضر دور عبادة تسمى بمشارق الأذكار (عددها الحالي سبعة والثامن تحت الإنشاء)، وهي ابنية مخصصة للعبادة ولها ملحقات مخصصة للمشاريع الخيرية. ومع ان مشارق الأذكار هذه تختلف من حيث التصميم والشكل إلا ان لكل منها قبة وتسعة جوانب وتسعة مداخل مفتوحة للجميع من كل الأديان.

المحفل البهائي في بغداد
المحفل البهائي في بغداد

التقويم البهائي

للبهائيين تقويم شمسي جديد وللسنة البهائية تسعة عشر شهرا ولكل شهر تسعة عشر يوما. أما الأيام الأربعة (في السنة البسيطة) أو الخمسة (في السنة الكبيسة) اللازمة لإكمال السنة إلى 365 يوم، فتسمى  بأيام البهاء * ولاتحسب ضمن الأشهر بل تقع قبل الشهر الأخير (شهر الصيام). أسماء الأشهر وكذلك أسماء الأيام تحكي عن بعض الصفات الإلهية ومنها شهر العلاء وشهر الجلال وشهر الكمال وغيرها. وتبدأ السنة البهائية يوم الاعتدال الربيعي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (عادة يوم 21 مارس) وهو أحد الأعياد البهائية ويسمى يوم النوروز.

يبدأ التقويم البهائي في سنة1844م/1260 ه ويسمى بتقويم البديع ومجموع الأيام المقدسة البهائية (بين الاعياد وأيام التذكر) هو تسعة أيام لايجوز فيها العمل (إلا عند الضرورة).

النظام الاداري

لا يوجد في الدين البهائي أية مراكز أو مناصب أو وظائف فقهية، فليس فيه كهنة أو رهبان أو قساوسة أو رجال دين. ويعتقد البهائيون ان على كل شخص مهمة تثقيف نفسه والتعرف والإطلاع الشخصي على تعاليم دينه وتطبيقها في حياته اليومية والسلوك حسب مناهجها. أما أمور المجتمع فتحال إداريا على النطاق المحلي إلى مايسمى بالمحافل الروحية المحلية وعلى النطاق الإقليمي إلى مايسمى بالمحافل الروحية المركزية. وهذه المحافل سواء كانت محلية أو مركزية يتم انتخاب اعضائها سنويا بدون حملات دعاية أو اي نوع من الترشيح أو التصويت العلني ولايملك افرادها اية سلطة شخصية أو فردية بل ان السلطة وصلاحية اتخاذ القرارات تعود للمحافل كهيئات إدارية.

بني النظام الإداري البهائي على اسس موجودة في  الكتاب الأقدس وفي وصية عبد البهاء التي حدد فيها المؤسسات الإدارية ومنصب ولاية الامر الذي عين له حفيده شوقي افندي رباني ليقوم بتولي هذا المنصب بعد وفاته. وشرح عبد البهاء متطلبات وكيفية تأسيس بيت العدل الأعظم، وهو الهيئة الإدارية العليا المنتخبة لإدارة شؤون الجامعة البهائية العالمية.

المساهمة في المجتمع

للجامعة البهائية العالمية سواء كانت ممثلة في أفرادها أو في هيئاتها الإدارية، نشاطات عدة في شتى المجالات التي تتعلق بخدمة المجتمع ومنها تأسيس العدالة الاجتماعية وترويج مكانة وتأثير الدين في المجتمع ومجالات النمو الروحي للفرد وغيرها. ويدفعهم في هذا مبدأ وحدة العالم الإنساني. وفي العقود الأخيرة ساهم البهائيون في العديد من النشاطات الاجتماعية-الاقتصادية التي ادت إلى خدمة المجتمعات التي يعيشون فيها والمساعدة في مشاريع التطوير الاجتماعي والاقتصادي والتقافي وخاصة في العديد من الدول النامية. وللمزيد من المعلومات المتعلقة بهذا الصدد، طالع مجلة دولة واحدة التي تصدر باللغة الإنجليزية وتضم العديد من أخبار هذه النشاطات. وقد عبر بهاء الله في كتاباته عن حاجة الدول في الوقت الحاضر للإتحاد مع بعضها في إدارة الأمور وحل المشاكل العالمية. ومنذ بدية نشأة الأمم المتحدة ساهم البهائيون في دعم مشاريعها الإنسانية في محو الأمية ونشر التعليم وتوزيع الأدوية وفي نشاطات صندوق الأطفال الدولي وغيرها. وتعتبر الجامعة البهائية العالمية إحدى الهيئات غير الحكومية في الأمم المتحدة ولها ادوار عديدة في التحضير والمساهمة الفعالة في المؤتمرات العالمية مثل مؤتمرات ممثلي الأديان ومؤتمرات حقوق المرأة وحفظ البيئة وغيرها ومن جملة نشاطاتهم في هذا المجال قاموا بتوزيع بيان موجهة الى  رؤساء الأديان في كل أطراف العالم وبيانات عن تحقيق السلام العام قاموا بتوزيعها على كل الحكام ورؤساء الدول بالإضافة إلى نشرها في الجرائد وباقي المنشورات.

وفق وسائل الاعلام البهائية

“لتكن رؤيتكم عالمية”

وهي تسمية الموقع الإلكتروني للجامعة البهائية حول العالم

 يقول الموقع الالكتروني:

“حضرة بهاء الله

بعث الله عز وجّل إلى البشرية عبر التاريخ سلسلة من المربين– وهم رسله الذين بعثهم كمظاهر إلهية بين البشر – قدّمت تعاليمهم الأساس لتقدم الحضارة البشرية. من بين هؤلاء الرسل إبراهيم وكريشنا وزرادشت وموسى وبوذا وعيسى ومحمد عليهم السلام. أوضح حضرة بهاءالله وهو الأحدث بين سلسلة الرسل، بأن الأديان تأتي من المصدر الإلهي ذاته، وهي بمثابة فصولٍ متتابعة لدين واحد مصدره الخالق العظيم.

يؤمن البهائيون بأن البشرية في حاجة ماسة إلى رؤية موحدة تجاه مستقبل المجتمع البشري، وطبيعة الحياة والهدف منها. وبأن هذه الرؤية تتكشف في الآيات والآثار الكتابية التي جاء بها حضرة بهاء الله”.

اعتقاد البهائيين

“انّ ربّکم الرّحمن یحبّ ان یری من فی الأکوان کنفس واحدة و هیکل واحد.”

 بهاء الله

تلهم التعاليم البهائية في آلاف تلو آلاف من بقاع الأرض أفراداً وجماعات يعملون على تحسين حياتهم ويشاركون في تقدم الحضارة. تعالج المعتقدات البهائية مواضيعَ جوهرية مثل وحدانية الله ووحدة الدين، ووحدة البشر والتحرر من التعصبات، والعزّة المتأصلة في الإنسان، والظهور التدريجي للحقيقة الدينية، وتطوير الخصال الروحية، وتكامل العبادة والخدمة، والمساواة الأساسية بين الجنسين، وتناغم الدين والعلم، ومحورية العدل في كل المساعي البشرية، وأهمية التعليم، وديناميكية العلاقات التي تربط الأشخاص والمجتمعات والمؤسسات بينما تتقدم البشرية نحو رشدها الجماعي.

مصادر

ويكيبيديا

الموقع الإلكتروني للجامعة البهائية حول العالم.

BBC

ما سر الهوس العالمي بمقبرة توت عنخ آمون؟

$
0
0
ما سر الهوس العالمي بمقبرة توت عنخ آمون؟

يرى علماء الآثار اليوم أن سر الهوس العالمي بتوت عنخ آمون يكمن في احتفاظ المقبرة بكامل محتوياتها من كنوز فريدة، على عكس المقابر الأخرى التي تعرضت للسلب والنهب، وفي الغموض الذي أحاط بمصير الفرعون الشاب واللورد كارنارفون، الثري الإنجليزي، الذي موّل أعمال الحفر.

وفي الوقت الذي تستعد فيه قاعة ساتشي للفنون بالعاصمة البريطانية لندن لاستقبال أكبر مجموعة من كنوز توت عنخ آمون تعرض خارج مصر، بعد أن حققت إقبالاً منقطع النظير في لوس أنجلوس وباريس، من الواضح أن كنوز توت عنخ آمون لم تفقد بريقها بعد في القرن الحادي والعشرين.

غير أن السياق التاريخي في عشرينينات القرن العشرين لعب دورا لا يقل أهمية عن دور محتويات المقبرة في إشعال الشغف بالملك توت عنخ آمون.

وفي عام 1922، وقع هاورد كارتر، عالم الآثار الذي اكتشف المقبرة، في أزمة بعد أن فرضت الحكومة الجديدة في مصر التي أفرزتها التحولات السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك، رقابة مشددة على الآثار.

طيبة في عام 1923، تزاحم السياح على مدخل المقبرة لإلقاء نظرة على الآثار الضخمة التي نقلت من مقبرة توت عنخ آمون في طريقها إلى الفحص
طيبة في عام 1923، تزاحم السياح على مدخل المقبرة لإلقاء نظرة على الآثار الضخمة التي نقلت من مقبرة توت عنخ آمون في طريقها إلى الفحص

ولكي يجمع لورد كارنارفون المال الكافي لتمويل عملية الحفر والحفاظ على كنوز المقبرة وحصرها، أبرم صفقة مع جريدة التايمز لتصبح بموجبها المصدر الوحيد للأخبار والصور.

وترى كات وارسي، مساعدة أمين المحفوظات بمعهد غريفيث في أكسفورد، أن الدعم المالي والتغطية الإعلامية كانا ضروريين لإنجاز عملية الحفر التي كانت مكلفة واستغرقت في النهاية نحو 10 سنوات.

كُلف المصور الفوتوغرافي هاري بورتون البريطاني المولد، من متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، بتصوير عمليات الحفر. وتميز أسلوب بورتون بالدقة المتناهية وبتوظيف المؤثرات المسرحية، إذ كان يصور العناصر من زوايا متعددة مستخدما أحدث أجهزة الإضاءة المتخصصة وتقنيات تصميم المشاهد التي طورت في قطاع الأفلام السينمائية في هوليود آنذاك.

(تعليق) كان بورتون يصمم المشهد قبل التصوير ليبدو مهيبا قدر الإمكان، وهذه الصورة التقطت في شباط عام 1923 ويظهر فيها كارتر (يسارا) مع لورد كارنارفون في المقبرة.

وكشف الحفر عن مدى ولع العالم بالكنوز، الاستثنائية منها والعادية. ويقول بول كولينز، أمين جناح الشرق الأدنى القديم بمتحف أشموليان في مدينة أكسفورد، إن ظهور الراديو والرسائل التلغرافية والصحف واسعة الانتشار والأفلام المتحركة أسهم في تغذية الهوس بالحضارة المصرية الذي اجتاح العالم.

كان اكتشاف كارتر (الذي يبدو في الصورة جاثيا على ركبته في غرفة الدفن) واحدا من أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، ولا تزال الكثير من القطع الأثرية قيد الدراسة
كان اكتشاف كارتر (الذي يبدو في الصورة جاثيا على ركبته في غرفة الدفن) واحدا من أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، ولا تزال الكثير من القطع الأثرية قيد الدراسة

وتكشف صور بورتون عن وجود أكثر من 5,000 قطعة داخل المقبرة الصغيرة، تراوحت بين التماثيل الذهبية الفريدة والمجوهرات والصناديق المزخرفة والمراكب وعربات الخيل، بالإضافة إلى قطع أخرى كانت تحمل بين ثناياها تفاصيل الحياة اليومية، مثل أرغفة الخبز وقطع اللحم وسلال من الحمص والعدس والبلح وأكاليل الزهور.

وثق هاري بورتون محتويات مقبرة توت عنخ آمون، التي كانت تضم هذا الصندوق الأبيض الذي يحتوي على قمصان من الكتان وأوشحة و18 عصا و69 سهما وبوقا

وألهمت الاكتشافات صنّاع الموضة في عشرينيات القرن الماضي وانتشرت الرموز الفرعونية، كالثعابين والطيور وأزهار اللوتس، على مختلف تصميمات ملابس المشاهير وغير المشاهير.

وحركت صور المقتنيات الفاخرة التي أبرزها بورتون، النزعة الاستهلاكية التي نشأت في هذه الفترة، ورصد مظاهرها الخبير الاقتصادي الأمريكي ثورستين فيبلين، حين صاغ مصطلح “الاستهلاك المظهري التفاخري”، للإشارة إلى الاقتصاد الاستهلاكي في حقبة “العشرينيات الصاخبة”، وما أطلق عليه فيبلين “الشراء من أجل التباهي بالثراء والقوة” وليس لسد الاحتياجات الأساسية.

وألهب الملك توت مخيلة الناس وزاد الطلب على المنتجات التي تحمل آثار عالمه. وقد ظهر في عهد أبيه أخناتون أسلوب فني جديد أطلق عليه فن العمارنة، تميز بتصوير الملوك بأسلوب واقعي بعيد عن المثالية، وبدت العائلة الملكية في اللوحات والجداريات أقرب إلى الحقيقية.

وألهمت الإلهة إيزيس، إحدى التماثيل الأربعة التي تحمي ضريح الملك توت عنخ آمون، موجة “الفتيات العصريات” التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى.

بدت الإلهة إيزيس، التي ظهرت في مختلف القطع الأثرية مثل هذا الدرع الصدري الذي عثر عليه في المقبرة، في هيئة عصرية، وألهمت تصفيفة شعرها القصيرة وتصميم فستانها الكثير من الفتيات في عشرينيات القرن الماضي لمحاكاتها
بدت الإلهة إيزيس، التي ظهرت في مختلف القطع الأثرية مثل هذا الدرع الصدري الذي عثر عليه في المقبرة، في هيئة عصرية، وألهمت تصفيفة شعرها القصيرة وتصميم فستانها الكثير من الفتيات في عشرينيات القرن الماضي لمحاكاتها

وانتشرت صيحة “الفتاة المعاصرة” في مختلف أنحاء العالم، من ألمانيا إلى اليابان والصين وفرنسا، وكانت تصميمات ملابس الفتيات المعاصرات وهيئاتهن ترمز إلى التحرر. إذ كانت قصات شعورهن القصيرة الشبيهة بتصفيفة شعر كيلوباترا، وتصميمات فساتينهن ونمط حياتهن من شرب الخمور والرقص على أنغام موسيقى الجاز، تعكس التمرد على المعايير والأعراف.

وطبعت صورة إيزيس على الكثير من السلع، من أحمر الشفاه إلى مساحيق الوجه والعطور وكريمات الوجه.

جسدت جوزيفين بيكر، الراقصة الأفريقية الأمريكية، موجة الفتاة المعاصرة، وأطلقت على نفسها “كيلوباترا موسيقى الجاز”، واتخذت بيكر من نمط حياة الفتاة المعاصرة وهيئتها وسيلة للتمكين ومقاومة التمييز العنصري.

وألهم الملك توت عازفي موسيقى الجاز أيضا، وظهرت أغنية “الملك توت العجوز” عام 1923. ولم يُكتشف أن الملك توت كان شابا إلا بعد سنوات من فتح المقبرة. إذ لم يتمكن كارتر من الوصول إلى مومياء الملك توت عنخ آمون إلا في عام 1925، بعد أن قطع توابيت عديدة قادته في النهاية إلى اكتشاف القناع الذهبي الجنائزي للملك توت، وبعدها وصل إلى الهيكل العظمي الهش للفرعون الشاب.

بدت الإلهة إيزيس، التي ظهرت في مختلف القطع الأثرية مثل هذا الدرع الصدري الذي عثر عليه في المقبرة، في هيئة عصرية، وألهمت تصفيفة شعرها القصيرة وتصميم فستانها الكثير من الفتيات في عشرينيات القرن الماضي لمحاكاتها
بدت الإلهة إيزيس، التي ظهرت في مختلف القطع الأثرية مثل هذا الدرع الصدري الذي عثر عليه في المقبرة، في هيئة عصرية، وألهمت تصفيفة شعرها القصيرة وتصميم فستانها الكثير من الفتيات في عشرينيات القرن الماضي لمحاكاتها

وكشف الفحص الدقيق لجثمان الملك توت أنه وافته المنية في عمر يتراوح بين 17 و19 عاما. وأثار اكتشاف إصابات متعددة في جثمانه موجة من التكهنات والتساؤلات ونسجت حوله قصص عن اللعنات التي أشعلها موت لورد كارنارفون بعد أسابيع من فتح المقبرة.

وقد يعود الشغف بالملك توت عنخ آمون أيضا إلى تماهي المجتمع وجدانيا مع الملك الشاب، الذي اكتشف جثمانه في وقت كان المجتمع فيه يتعافى من تداعيات الحرب العالمية الأولى، ودفنت جثامين أغلب ضحايا الحرب بعيدا عن مواطنهم.

وأجج اكتشاف جثمان الملك الشاب المثخن بالإصابات عواطف الكثيرين الذين فجعوا لفقدان أقاربهم من ضحايا الحرب أو كانوا يتعهدون برعاية مصابيهم، الذي عادوا من الجبهة بجراح لم يشهدوا لها مثيلا قط، وعولجوا بعيدا عن الأنظار خشية تشويه سمعة الإمبراطوريات القوية.

وخلدت السينما المومياوات التي تدب فيها الحياة بعد الموت. ويقول روجر لوكهرست، من كلية بيركبيك بجامعة لندن، إن جون بالدرستون، أول صحفي يرى وجه الفرعون توت عنخ آمون كتب سيناريو فيلم “المومياء” لشركة “يونيفرسال” للإنتاج، وصدر الفيلم عام 1932.

ويرى لوكهرست أن صور بورتون للكنوز والاكتشافات، ساعدت في إضفاء ثوب البطولة والشجاعة على كارتر وكارنارفون، على غرار أبطال فيلم “غزاة تابوت العهد المفقود”.

كان الهوس بالملك توت في عشرينيات القرن الماضي محصلة لمشروع عالمي داعب مخيلة الناس، وساعد في ربطهم بالماضي وبالموتى، وساهم في تخفيف آلام المفجوعين والمصابين الذين تخيلوا أن أقاربهم ومحبيهم الذين فارقوا الحياة في عالم أفضل. ولا شك أن استعادة تفاصيل العوالم المفقودة يساعدنا في نسج الأحلام عن العوالم الجديدة.

المصدر BBC

 

لماذا نقرأ إنجيل يوحنا بعد الفصح وليس قبله؟

$
0
0
لماذا نقرأ انجيل يوحنا بعد الفصح وليس قبله؟

من الحقائق أن إنجيل يوحنا غير منشغل بإخراج الشيطان والأبالسة على طريقة الأناجيل الإزائية المنهجية (المتشابهة وهي انجيل متى وانجيل مرقس وانجيل لوقا).

لا يبدو للوهلة الأولى أن الشيطان يحتفظ في الإنجيل الرابع بالمركز المركزي الذي له في الأناجيل الإزائية. ولكن هذا يمكن تفسيره إذا أُخِذَت في الاعتبار استنتاجات كولمن (O. Cullmann)[1] المتعلقة بميزة الإنجيل الرابع وإذا رُبِطَت هذه الاستنتاجات بممارسات الكنيسة القديمة المتعلقة بالموعوظين.

يقول كولمن بوضوح أن لإنجيل يوحنا ألغاز هي بمثابة أساس له وأن الغرض منه هو ربط حياة المسيح التاريخية بالحياة الأسراريّة الحالية في المسيح وخبرة الجماعة. عندما نأخذ في الاعتبار أن المسيحيين تجنبوا بعناية وبشكل منهجي كل المناقشات حول المعنى العميق للأسرار، ليس مع العالم الخارجي العدائي وحسب بل حتى مع الموعوظين [2]، عندها يمكننا فهم استخدام الأناجيل في الكنيسة الأولى، وحلّ المشاكل العديدة التي أثارها نقد الكتاب المقدس. نظرًا لأن المسيحيين المعمّدين لم يناقشوا الأسرار حتى مع الموعوظين، فمن الواضح بما فيه الكفاية أن الإنجيل الرابع قد استخدم في الكنيسة القديمة لاستكمال وإنهاء تعليم المستنيرين مؤخراً أي المعمّدين حديثاً. [3]

انجيل يوحنا
انجيل يوحنا

كان إنجيل يوحنا مناسباً لهذا الغرض بشكل خاص ومتميزاً عن الأناجيل الأخرى بشكل أساسي بسبب لهجته العقائدية السريّة الدفاعية الواضحة. لا نجد في يوحنا، كما في متى ومرقس، التحضير المنهجي للموعوظين للمعمودية.

هذا هو السبب في أن يوحنا لا يبدأ بمعمودية المسيح بل بـ “في البدء كان الكلمة… والكلمة صار جسداً.” [4] نظرًا لأن المسيحيين المستنيرين حديثًا هزموا الشيطان بالمعمودية، فلم تكن هناك حاجة إلى أن يكون موضوع هذا الإنجيل الرئيسي على علاقة بإخراج الشياطين. بدلاً من ذلك، فإنه يحرص على جعل المسيحيين المعمدين ثابتين ومرتكزين على عمق الإيمان والأسرار. هذا يفسر الفرق في تميّز هذا الإنجيل عن الأناجيل الأخرى.

تتدعم هذه النظرة عندما نعتبر أنه، بين الأناجيل الأربعة، يوجد واحد فقط غايته تقديم فهم أكثر عمقاً للأعمال الأسرارية ولعقيدة الكنيسة. تثبِت فرادة هذا الإنجيل التوافق الكوني لكل المسيحيين حول معنى الأسرار. تُفَسَّر الفروقات بين الأناجيل الأخرى بشكل كافِ تماماً بمتطلبات التعليم المختلفة التي عمل بها المعلمون الرسوليون. إن التهيئة للمعمودية المقدسة، بحسب ما يعلمنا القديس إيرينيوس، تختلف بحسب المتطلبات الدينية لكل من الموعوظين[5]. بعد معمودية الموعوظين، تصير طريقة التعليم وتفسير الأسرار واحدة[6].

إنه لَمهم بشكل خاص بالنسبة لنا أن للتعليم عن الشيطان والأبالسة النبرة نفسها في الأناجيل الإزائية الثلاثة. هذا يُظهِر بوضوح أن ممارسة الاستقسام قبل المعمودية متجذرة بعمق في المسيح نفسه. حتى ولو بدا أن في يوحنا ليس لموضوع الشياطين (demonology) نفس المكانة التي في الأناجيل الإزائية، ففي الحقيقة هي لها هذه المكانة، استناداً إلى فرضية لا غنى عنها لا في الإنجيل الرابع بل في كل حياة ولاهوت الكنيسة القديمة بأكملها.

[1]. Les Sacraments dans l’Evangile Johannique, La vie de Jesus et le culte de l’eglise primitive, Paris, 1951.

[2]. “Encyclical Letter of the Synod of Egypt in Defense of Athanasius the Great,” in Apology Against the Arians, 11, P.G. 25, 268. Cf. also J.N. Karmiris, Δογματικά Μνημεία, Vol. 1, pp. 41-42.

[3]. The oldest testimony to the use of the fourth Gospel at Pascha is by Meliton of Sardis (190). G. Dix attributes its Paschal use to even earlier times. Shape of the Liturgy, Glasgow, 1949, p. 338.

[4]. Jn. 1:1-14.

[5]. Op. cit., 4, XXIII, 2; and Fragment 28, Βιβλιοθήκη Ελλήνων Πατέρων, Athens, 1955, Vol. 5, p. 180.

[6] إن الاختلافات بين الأناجيل الإزائية وإنجيل يوحنا ليست خلافات كما يعتقد الكثيرون. على العكس من ذلك، إنها تتعلق بوضوح باختلاف في عمق احتياجات الكنسية التعليمية وتحقيقها. لذلك، فإن نظرية F. Loofs المتعلقة بوجود مدرسة مميزة في آسيا الصغرى لآباء وكتّاب الكنيسة على أساس الإنجيل الرابع وهي مختلفة عن لاهوت الكنيسة القديمة، هي أمر لا يمكن الدفاع عنه. (Op. cit., pp. 98f., 102f., 127, 139-151.). From The Ancestral Sin, Zephyr Publishing, 2002, pp. 72-74.

مجلة التراث الارثوذكسي

المتقدم في الكهنة يوحنا رومانيدس

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

 

معاهدة وستفاليا 1648

$
0
0
معاهدة وستفاليا 1648

معاهدة مونستر وأوسنابروك أو معاهدة ويستفاليا ، هي المعاهدة التي تم توقيعها في عام 1648 في مونستر (ألمانيا) ، مما أدى إلى انتهاء حرب الثلاثين عاما ، كما انها الحرب التي بدأت مع الثورة ضد هابسبورغ في بوهيميا في عام 1618 والتي كانت بسبب الصراعات المختلفة بشأن دستور الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، ونظام الدولة من أوربة .

كانت هذه المسابقة هي “الحرب الألمانية” في المدنية والتي لعبت دوراً حاسماً في القوى الخارجية”. انتهت معاهدة ويستفاليا بتوقيع اتفاقيتين بين الإمبراطورية والقوى العظمى الجديدة، والسويد، وفرنسا، واستقرت الصراعات داخل الإمبراطورية مع الضمانات الخاصة بهم.

شارك في معاهدة ويستفاليا كل من الإمبراطور الروماني امبراطور الامبراطورية الجرمانية المقدسة ، فرديناند الثالث؛ مملكة اسبانيا، مملكة فرنسا؛ الإمبراطورية السويدية، الجمهورية الهولندية، أمراء الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وملوك المدن الإمبراطورية الحرة.

لمحات عامة
في دراسة علمية أخيرة على معاهدة وستفاليا ، أبرزت ان معاهدة مونستر وأوسنابروك والتي تعرف باسم معاهدة وستفاليا، أدت إلى انتهاء حرب الثلاثين عاما. قامت المعاهدة بإنهاء العقبات الرئيسية أمام السلام العام في ألمانيا بعد طموحات فرنسا والسويد في تغيير الخطط العسكرية. أردات السويد بتعويض فرنسا عن الأراضي، كما قامت بتعقيد المسائل التي أدت إلى ارتفاع الطموحات الفردية من مختلف الأمراء الألمان والمفاوضات المنفصلة بين الأسبان والهولنديين. في نهاية المطاف، حضر 176 من المفوضين والذين يمثلون 196 من الحكام لمفاوضات السلام .

معاهدة وستفاليا 1648
معاهدة وستفاليا 1648

وعلى الرغم من هذه المشاكل ، بدأت المحادثات في عام 1643 في مونستر وأوسنابروك ، والتي استندت على المدينتين المحددتين للمفاوضات بموجب معاهدة فرانكو-السويدية من عام 1641 . فرنسا ، وإسبانيا ، والمشاركين الكاثوليكيين في مونستر والسويد وحلفائهم في أوسنابروك. على الرغم من أن الإمبراطور فرديناند الثالث (الذي حكم 1637-1657) قام بالمفاوضات التي تأخر في البداية، وأدت إلى انهيار المنصبه العسكرية في عام 1645، مما أجبره على إجراء المناقشات الجادة في عام 1646.

في الواقع ، جاءت الحرب بسبب عدم مقدرة فرنسا للقيام بها.

شروط المعاهدة
اكتسبت السويد غرب بوميرانيا، فيسمار، شتتين، مكلنبورغ. والأسقفيات من فيردن بريمن والذي أعطى لها السيطرة على مصبات الالب وفيسر.
اكتسبت شرق براندنبورغ كروا والمطرانية من ماغديبرغ وهالبر ستاد.
أبقى ساكسونيا وساتيا.
ابقاء بوهيميا في المجال الراثي .
استعادة النمسا العليا لهابسبورغ .
اعتراف اسبانيا في المقاطعات المتحدة كدولة ذات سيادة.

المفاوضات
جاءات مفاوضات السلام بين فرنسا وهابسبورغ التي قدمها الإمبراطور الروماني وملك إسبانيا، في كولونيا لعام 1641. مع هذا العدد الكبير من المشاركين في هذه المعاهدة وتضارب الكثير من المصالح، كان من الصعب التمييز بين أنماط التفاوض لتحديد أهداف المشاركين الرئيسيين. أراد الإمبراطور العمل على التسوية السلمية الكاملة والنهائية، بسبب وضعه اليائس، ولانه كان على استعداد لتقديم بعض التنازلات الدينية والإقليمية البعيدة المدى إذا لزم الأمر. انه الغى رغبة مازارين للسلام العالمي بعد انهيار المفاوضات مع اسبانيا في عام 1646. قامت اسبانيا بالعمل على التواصل الى اتفاق مع الهولنديين ومواصلة القتال. بقدر ما كانت ألمانيا المعنية ، إلا ان فرنسا أرادت تدمير نفوذ الإمبراطور من خلال تعزيز استقلالية الأمراء الفرديين وبالاستعاضة عن المؤسسات الإمبريالية القائمة مع الاتحاد لقيادة فرنسا . ومع ذلك ، كانت هذه الخطط لا تحظى بشعبية كبيرة مع الأمراء الألمان ، الذين يقدرون الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبفضل الإمبراطورية المحدودة في هذه السلطة لهيمنة فرنسا والسويد . كانت المطالب الفرنسية هي من أكثر الألزاس بين أجزاء من اللورين ، وكان متواضعا جدا لأن رغبة فرنسا نحو أساس الأراضي الإسبانية .

استعد السويديين في تقديم التنازلات بسبب حرص الملكة كريستينا في التواصل إلى التسوية السريعة. كان الحلفاء السابقين، من الفرنسيين لا يرغبون في مشاهدة قوة السويد. وبناء على ذلك، قررت مازارين بناء براندنبورغ كثقل لموازن القوة السويدية، وفي شباط 1647 تم إقناع المبعوثين السويديين على الموافقة على تقسيم كروا مع الناخب. طالبت السويد بالتسامح الديني داخل الأراضي في هابسبورغ، البوهيميين، مع العلم أن الفرنسيين تغلبت عليهم الكثير من التعاطف مع البوهيميين البروتستانت، ولم تدعم السويد بشأن هذه المسألة ، وقاومت الإمبراطورعن هذا الطلب بقوة كبيرة.

نتائج المعاهدة
تم توقيع صلح وستفاليا في مونستر وأوسنابروك في 24 تشرين اول 1648 ، انتهت المهادة بالنتائج التالية:
وضعت معظم بنود الصلح بتأثير من الكاردينال مازارين (Cardinal Mazarin) وهو الحاكم الفعلي لفرنسا في ذلك الوقت نظرا لصغر سن لويس الرابع عشر.

نتائج معاهدة وستفاليا
نتائج معاهدة وستفاليا

حصلت السويد على تعويض، بالإضافة إلى السيطرة على مقاطعة بومرانيا الغربية و مدينة ويزمار وأسقفيتي بريمن وفيردن. وبذلك كانت نتيجة المعاهدة في السيطرة على منطقة مصبات أنهر الأودر والب وويزر. وحصلت السويد على ثلاثة أصوات في مجلس الأمراء في الرايشتاغ الألماني.
تم تقسيم البالاتينات بين الأمير-البالاتيني المعاد تنصيبه شارل لويس أبن ووريث فريدريك الخامس والدوق-المنتخب ماكسيميليان بافاريا وبذلك تكون قسمت بين البروتيستانت والكاثوليك . حصل شارل لويس على البالاتينات السفلى على الراين وحافظ ماكسيميليان على البالاتينات العليا إلى الشمال من بافاريا .
أستطاعت بافاريا المحافظة على وضعها كبالاتينة انتخابية مع صوتها الانتخابي في المجلس الانتخابي الإمبراطوري . وذلك بسبب منحها الحظر على البالاتيني المنتخب فريدريك الخامس في عام 1623 .
حصول هولندا وسويسرا وتوسكانيا ولوكا ومودينا وبارما وسافوي ومانتوا على اعتراف رسمي باستقلالهما .
حصول براندنبورغ – بروسيا على أسقفيات مغدبورغ وبوميرانيا الشرقية وهالبرستاد وكامين ومندن .
من نتائج المعاهدة اعطاء يوليتش وبرغ ورافنشتاين إلى كونت-بالاتين نيوبورغ مما أدى إلى إعطاء رافنسبرغ وكليفس ومارك إلى براندنبورغ ، وذلك بالنسبة إلى حكم الدوقيات المتحدة يوليتش-كليفس-برغ ، بعد وفاة الدوق في عام 1609 .
الاتفاق بتناوب على منصب أمير أسقفية أوسنبروك البروتستانت والكاثوليك وأن يختار الأساقفة البروتيستانت من ال برونسفيك-لونيبورغ .
حصول مدينة بريمن على استقلاليتها .
تم إزالة الحواجز أمام الأعمال الاقتصادية والتجارية والتي وضعت أيام الحروب مع الاتفاق على حرية الملاحة بدرجة ما في نهر الراين .

كان صلح وستفاليا عبارة عن سلسلة من معاهدات السلام الموقعة بين ايار وتشرين الاول في عام 1648 في أوسنابروك ومونستر. وانتهت هذه المعاهدات بين اسبانيا والجمهورية الهولندية ليتم الإعتراف الرسمي باستقلال الجمهورية الهولندية.

 

 

ايليا سيمونيذس الملقب بالرومي والمعروف ب ايليا الرومي

$
0
0

ايليا سيمونيذس الملقب بالرومي والمعروف ب ايليا الرومي

كلمة اساسية

ايليا الرومي المرتل الأول في  مقر الكرسي الانطاكي في ابرشية دمشق البطريركية، وعى الدمشقيون ارثوذكساً ومن كنائس اخرى على مرتل عملاق اسمه ايليا الرومي وعلى الحضور والتألق في الكاتدرائية المريمية وقد رددت جنباتها صوته المميز، وهو على كرسي البروتو بسالتي الايمن يقابله على الكرسي الايسر صوت لم يقل عنه تميزاً وحرفنة أدائية وبصوت قل نظيره هو المرحوم توفيق الحداد ابن ابرشية جبل لبنان رفيق دربه في الترتيل بالمريمية منذ 1936وحتى وفاته في مطلع العقد التاسع من القرن العشرين.

  المرتل الأول ايليا سيمونيذس ( الملقب عند الدمشقيين ايليا الرومي ويذكره المتقدمون بالسن الباقون على قيد الحياة، وكل من عمل في الموسيقا الرومية كبار الموسيقيين بإعجاب) وهو مرتل الكاتدرائية المريمية، زمن البطاركة غريغوريوس (1906-1928)  منذ 1923 الى اواخر عهده بوفاته عام 1928، والكسندروس (1931- 1958) وثيوذوسيوس (1958- 1969)

شُرِّدَ إثر ما اسموها “الثورة التركية” (والاصح انها الهياج الطائفي والابادة والتهجير بحق من تبقى من المسيحيين في آسيا الصغرى وتحديداً اليونانيين بقيادة كمال اتاتورك)، من آسيا الصغرى إلى حلب العام 1922 ومنها إلى دمشق، حيث عُيِّن العام 1923 بروتوبسالتي المريمية، أيام البطريرك غريغوريوس الرابع. وتوفي أيام البطريرك ثيودوسيوس في العام 1965.تميز بقوة الصوت وارتقائه… وكان معلِّم الموسيقى في الآسية. له فضل على كل من رتل في القرن 20 في دمشق وفي ضواحيها ونقل الخبرة للمرتلين المعاصرين. من الشائع هنا في دمشق أن الموسيقار محمد عبد الوهاب –الذي اعتاد على الاصطياف في بلودان سنوياً- كان يحضر قداس الأحد في المريمية للاستماع والاستمتاع بترتيل الرومي (باليونانية) وكان يُشاهَد جالساً في المقعد الأخير يدوِّن علامات موسيقية على كراس…(1)

الكاتدرائية المريمية
الكاتدرائية المريمية

لايزال البعض ممن عاصره او تتلمذ عليه يذكره باعجاب مترحماً على هذه النابغة الانطاكية الفريدة في فن الترتيل الرومي باليونانية والعربية، ولكن بكل اسف ليس من سند كتابي يوثق لسيرة هذا العلم والعالم العبقري… الكل يحلف بحياته… وخاصة من تبقى من الجالية اليونانية في دمشق. لكن لم يكتب عنه احد.

كان الكثير من الاخوة في كنيسة الروم الكاثوليكية الدمشقية الشقيقة يفاخرون بدعوته ليقوم بالترتيل في افراحهم واحزانهم، وخاصة في كاتدرائية سيدة النياح للروم الكاثوليك بدمشق وعندما يكون مترئساً الخدمة غبطة البطريرك…

بحثت كثيراً في الوثائق البطريركية / ابرشية دمشق عن شيء مكتوب عنه في الفترة التي رتل فيها، لم اجد شيئاً ببالغ الأسف…حتى صورة شخصية له لم أجد…استفيد منها في مقالي عنه هنا…

لعل التوثيق لم يكن مُفَّعَّلاً، وخاصة عن الترتيل والمرتلين في دمشق ودرتها مريمية الشام  كوكبة من اعلام الترتيل على سبيل المثال لا الحصر منهم الأفذاذ يوسف بن عبده بن مخائيل مخلع الدمشقي العام 1825 ومابعده،  والشماس بروكوبيوس من القسطنطينية مرتل المريمية منذ 1826، ومعلم الترتيل في اكاديمية الموسيقى البيزنطية في الأكاديمية العليا التي افتتحها القديس يوسف الدمشقي عام 1851 في صرح الكلية الارثوذكسية الدمشقية/ الآسية. وخليفته شقيق المثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس الدوماني، البروتوبسالتي  يوسف الدوماني الدمشقي العظيم في فن الترتيل في مريمية الشام في معظم النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد تتلمذ عليه كثيرون لعل ابرزهم بروتوبسالتي الكرسي الانطاكي ديمتري المر وقد تلمذه خلال أربع سنوات (1893-1897).

رتل بعده في الكاتدرائية المريمية في دمشق…اضافة الى الشماس اسكندر طحان الدمشقي (البطريرك) والشماس ابيفانيوس زائد (المطران)… وكنا والصديق قدس الاب الدكتور يوحنا اللاطي وانا قد سلطنا (2)بعد بحث مضن الضوء اليسير عليهم في بحثنا المشترك :” الموسيقى الكنسية في كنيسة أنطاكية في القرنين 19 -20والمرتلون الأنطاكيون”…

كما ورد في سيرة البروتوبسالتي الطرابلسي الشهير والمبدع ديمتري كوتيا انه تتلمذ على علمنا البروتوبسالتي ايليا سيمونيدس…

لم اجد ضالتي سوى شذرات شفهية كما اسلفت، ولكني مؤخراً  اثناء تكشيفي للوثائق البطريركية الخاصة بدمشق  في ستينيات القرن العشرين وجدت وثيقة باليونانية مطبوعة على الآلة الكاتبة بدون اسم وتوقيع وتاريخ وحددت انها خاصة بعلمنا من خلال معرفتي البسيطة لبعض حروف الهجاء اليونانية وانها تعود الى تلك الفترة فقصدت قدس الارشمندريت الصديق ابراهيم داوود كبير كهنة كنيسة الصليب المقدس فأعانني مشكوراً بتعريبه لها وكانت هي التالية معربة مع اضافة مني (للتوضيح) بعض الايضاحات والتعليقات عليها مابين قوسين:

“ايليا سيميونيديس المرتل الأول في الكاتدرائية في دمشق في بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس:

 السيد ايليا الذي درس الموسيقا البيزنطية في اسطنبول حصل على شهادة بدرجة ممتاز بالموسيقا الكنسية من اسطنبول جاء الى دمشق بدعوة من البطريرك غريغوريوس الرابع عام 1923″

جداريات فريسك في كاتدرائية آجيا صوفيا الارثوذكسية الشهيدة
جداريات فريسك في كاتدرائية آجيا صوفيا الارثوذكسية الشهيدة

تقول الوثيقة:”معلوم أنه منذ 25 سنة لولاية البطريرك ألكسندروس الأنطاكي”(البطريرك الكسندروس من 1931-1958 وهو تابع الترتيل في عهد خليفته البطريرك ثيوذوسيوس السادس 1958- 1970 الى عام 1965 حين وفاته)

تتابع الوثيقة: ” السيد إيليا سيميونيديس هو يوناني قوي ومقتدر وعارف عميق للموسيقا البيزنطية، الأمر الذي يقتدي الإعتراف بهذه المقدرة للسيد سيميونيديس.

 والسيد سيميونيديس بموجب اعتراف عام لعرب ويونان في سورية ولبنان وفلسطين كان متميزاً وبارعاً في خدمته” (بالترتيل وتعليم اليونانية في ابرشية دمشق البطريركية)

  في خدمته تشهد الوثيقة:

“السيد سيميونيديس يكمل للتو عامه 32 في خدمته (هنا تتحدد سنة هذه الوثيقة في عام 1955)

خلال هذه الفترة الزمنية قام في عام 1939 بتأسيس جمعية في دمشق تحت اسم جمعية أبولون اليونانية(3) واهتم بالامور المالية للمدرسة اليونانية، معظم اليونان سكان دمشق تعلموا اليونانية من السيد سيميونيديس حتى عائلة القنصل اليوناني في دمشق(4) تعلموا على يديه.

السيد سيميونيديس كان مع عائلته في الخط الاول في الحرب العالمية الأخيرة (الحرب العالمية الثانية1939-1945)  وقد قدموا خدمات كبيرة للجنود اليونانيين الذين كانوا موجودين في الشرق الأوسط وللاجئين اليونانيين، وكنوع من الاعتراف بهذه الافضال الكثيرة والمآثر التي قام بها السيد ايليا كرمته اليونان وخصصت له معاشاً تقاعدياً”

خاتمة الوثيقة (وهي ثبت رسمي بجنسيته اليونانية وبتخصيصه بمعاش تقاعدي)

“هذه الورقة هي عبارة عن توثيق وتصديق على كل الاعمال التي قام بها السيد ايليا بمناسبة استكماله 35 سنة في خدمة بطريركية انطاكية ووضع اسمه في وزارة الخارجية حتى يحق له الراتب التقاعدي

تم تعيينه بناء على القانون رقم 2414 للعام 1940 المادة رقم 10 “.

(اذن هي شهادة رسمية بمنحه الجنسية اليونانية  بموجب هذا القانون وبالتالي استحقاقه راتباً تقاعدياً من دولة اليونان) 

في عموميات معرفتنا عن علمنا

 علمنا السيد ايليا سيمونيدس (وتسكت المصادر عن تاريخ ومكان مولده)، اعتقد انه من مواليد مطلع القرن 20 بالاستدلال الى بعض الشهادات الشفهية من احدى مدن ابرشية كيليكيا، وأميل في اعتقادي الى أنه  كان إما من إزمير أو مرسين، ودرس في مدارس الكنيسة.

وكانت كيليكيا، خاصة عاصمتها مرسين  خزاناً لليونانيين الانطاكيين مع وجود عدد كبير من العائلات السورية الأرثوذكسية الممتدة في دمشق وبيروت واللاذقية وحلب، كونها أساساً ابرشية من ابرشيات الكرسي الأنطاكي، وقد استشهدت  هذه الابرشية مع الابرشيتين الأنطاكيتين ارضروم وديار بكر في آسيا الصغرى وكانت هذه من اراضي المملكة العربية التي لملك العرب الشريف حسين بن علي باعتراف الحلفاء وبالاتفاقية المعروفة باسم” اتفاقية حسين – مكماهون 1916″، وبغدر الحلفاء سُلخت كيليكيا عن سورية وضمها كمال اتاتورك الى تركيا عام 1923، بعد معاهدة سيفر بمساعدة من الحلفاء وفي مقدمهم الفرنسيين والايطاليين وابيد الجيش اليوناني برمته، فبطشوا بسكانها الانطاكيين من سوريين ويونانيين، اضافة الى الأرمن… وبقيت الى الآن فيها اقلية مرتاعة، وشملت الاضطهادات كل المسيحيين في كل المناطق بدءاً من القسطنطينية حيث كان قد أكمل تعليمه العالي الموسيقي البيزنطي في مدرستها العليا التابعة للكرسي القسطنطيني المقدس  وعين مدرساً للموسيقى البيزنطية فيها.

اللجوء الى سورية

القسطنطينية - حي الفنار حيث مقر البطريركية المسكونية
القسطنطينية – حي الفنار حيث مقر البطريركية المسكونية

هرب من القسطنطينية إلى حلب في العام 1922 ومنها إلى دمشق، حيث عينه مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس العام 1923 بروتوبسالتي الكاتدرائية المريمية، وقد جهد مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع(1906-1928) في حماية المسيحيين عموماً كما تؤكد الوثائق البطريركية، وحماية ابناء ابرشية كيليكيا خصوصاً، وبالتحديد الروم الارثوذكس بشقيهم السوري واليوناني من بطش الاتراك مستجيراً ب”المفوضية الفرنسية العليا في سورية وكيليكيا” التي كانت منتدبة بموجب اتفاقية سايكس -بيكو والتي لم يلق منها الا وعوداً عرقوبية، فيما استمر الذبح والتهجير والتطهير الديموغرافي والعرقي والغاء الوجود المسيحي لمن بقي عبر المبادلة السكانية التي تمت برعاية عصبة الامم والحلفاء فانتقل اليونانيون من تركيا الى اليونان وبالعكس انتقل الاتراك من اليونان الى تركيا، فيما كان من هرب ناجياً من اليونانيين(5) والسوريين  منذ 1918 الى حلب ودمشق وبيروت واللاذقية. فاستضاف وساعد مااستطاع بصفته البطريرك…ممن لجأ الى  هذه الابرشيات مع مطارنتها فهم ابناء الكرسي وكان منهم علمنا  ايليا هذا…

وبقي علمنا ايليا بروتوبسالتي المريمية الى حين وفاته في عهد البطريرك ثيودوسيوس في العام 1965. وكان معلماً للموسيقى الرومية في الآسية. له  اكبر فضل بتأسيس اول جوقة ضاربة  تعلمت اصول الترتيل على الابجدية البيزنطية والتراتيل باللغة اليونانية (بالاضافة الى العربية) في دمشق من شبيبة  مركز دمشق لحركة الشبيبة الارثوذكسية في عهد رئيس مركزدمشق الارشمندريت قسطنطين (كوستا) بابا ستيفانو (مطران ابرشية بغداد والكويت وتوابعها لاحقاً) كما كان له الفضل على كل من يرتل اليوم في دمشق وفي ضواحيها بأنه صنع النواة وهذه النواة اعطت المرتلين الحاليين، كما شهد بذلك احد اهم تلامذته السيد فوزي بشارة المرتل المتميزكما ستأتي حرفياً في مقالنا هنا.

وكما اسلفت اعلاه، لايزال البعض ممن عاصره، او تتلمذ عليه، يذكره باعجاب مترحماً على هذه النابغة الانطاكية الفريدة في فن الترتيل الرومي باليونانية والعربية، ولكن بكل اسف ليس من سند كتابي يوثق لسيرة هذا العالم العبقري، ولا حتى قام هو او احدهم بتسجيل لمرتلاته…لكن الجميع يشهد لعطائه بشهاداته الشفهية…

البطريرك-غريغوريوس-الرابع
البطريرك-غريغوريوس-الرابع

 ووفق هذه الشهادات كان الكثير من الاخوة في كنيسة الروم الكاثوليكية الدمشقية الشقيقة يفاخرون بدعوته ليقوم بالترتيل في افراحهم واحزانهم وخاصة في كاتدرائية سيدة النياح للروم الكاثوليك بدمشق وعندما يكون مترئساً الخدمة غبطة البطريرك(6)…

وكان من الشائع هنا في دمشق أن الموسيقار محمد عبد الوهاب –الذي اعتاد على الاصطياف سنوياً في بلودان- كان يحضر قداس الأحد في المريمية للاستماع والاستمتاع بترتيل الرومي (باليونانية) وكان يُشاهَد جالساً في المقعد الأخير من صف المقاعد الايمن، يدوِّن علامات موسيقية على كراس، وكان يلفت هذا الموسيقار الاهم في العالم العربي تَمَيُزْعلمنا السيد ايليا سيمونيدس بقوة الصوت وارتقائه، ومعروف ان المريمية وهي /اكبر كنيسة ليس في دمشق فقط بل في كل سورية/ من الكبر والسعة بحيث يضيع فيها صوت المرتل وجماليات صوته، حيث لم تكن مكبرات الصوت قد أُدخلت اليها بعد.

– لم استكين في البحث، واغتنمت سانحة زيارة الاستاذ فوزي بشارة المحترم(7) الى الوطن، وزرته قاصداً ذكرياته نحو علمنا  وهو تلميذه في هذا الفن الرائع…واعتز بصداقته فهو نعم الصديق والنقي في محبته، وكنت تعلمت على يديه صغيراً بداية الترتيل عندما كان بروتوبسالتي كنيسة الصليب المقدس في مطلع سبعينيات القرن 20 ورجوته ان يكتب لي عن مرتلنا الكبير المغفور له ايليا سيمونيدس ففرح لوفائي، وابدى استعداده بكل سرور مع دمعة وفاء من شدة حبه له، ذرفها على ذكراه، وقد كتب لي مشكوراً هذه السيرة الرائعة وقد وجدت ان من الواجب ان ادونها بالحرف وفاء مني للأستاذ فوزي استاذي وكاتبها الكبير.

وهي التالية:

” باسم الآب والابن والروح القدس

من فوزي سليم بشارة، مع أطيب التحيات والاكرام.

الى الأخ الحبيب بالرب يسوع الدكتور جوزف زيتون المؤرخ الكنسي والجزيل الاحترام

يسعدني ويشرفني أيها الأخ الحبيب الوفي أن أُرسل اليكم بناء على رغبتكم، نبذة عن حياة المرحوم ايليا سيمونيذس (ايليا الرومي) بروتوبسالتي الكرسي الأنطاكي المقدس، بحسب ما اتذكره من معلومات استقيتها مباشرة منه خلال فترة حياته لعلاقتي الوثيقة به، اذ كان استاذي ومعلمي الذي أثَّرَ في نفسي أثراً طيباً، فأحببته حباً جماً واتخذته مثالاً وقدوة في الترتيل والاداء الكنسي، ومازلت على نهجه واسلوبه بعد، واستطاعتي وامكاناتي.

إنه حقاً في قمة السلم الذي كنت ومازلت أسعى وأحاول الوصول والصعود في درجاته الأولى. اما المثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا ستيفانو فقد زودني ايضاً قبل وفاته عن المرحوم الأستاذ ايليا بمعلومات هي من جملة ما سأكتبه لكم كنبذة عن حياة المرحوم (ايليا الرومي). وإذ أشكركم بكل تقدير لحرصكم واهتمامكم البالغ في جمع المعلومات المهمة عن حياة هذا المرتل  الكبير وأمثاله من الذين تركوا بصمات مشعة في مجالات مواهبهم ونشاطاتهم في حياتهم، ينبغي أن نذكرهم بكل فخر واعتزاز وسرور، أقول:

– لقد لمع اسم المرحوم ايليا سيمونيذس (ايليا الرومي) مرتلأً كنسياً بيزنطياً بصوته الغريد عذوبة وحلاوة وتأثيراً في النفس،  يُوقظ الخشوع ويُحي الرجاء،  ويثير الاعجاب، ويبهج النفس، منذ عهد المثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس في العشرينات من القرن العشرين المنصرم، وفي عهدي المثلثي الرحمات البطريرك الكسندروس طحان والبطريرك ثيوذوسيوس أبو رجيلي حتى عام 1966 على وجه التقريب.

البطريرك الكسندروس الثالث الذي فلده وسام القديسين بطرس وبولس وخلع عليه لقب مؤرخ الكرسي الانطاكي
البطريرك الكسندروس الثالث الذي فلده وسام القديسين بطرس وبولس وخلع عليه لقب مؤرخ الكرسي الانطاكي

– بعد أن تخرج ايليا سيمونيذس الطالب الموسيقي من معهد الموسيقى البيزنطية التابع للبطريركية المسكونية في القسطنطينية عُيِّن أستاذاً ومدرساً في المعهد ذاته، وبعد مضي سنتين تقريباً بدأ التراك يزيدون من ظلمهم واضطهادهم للمسيحيين عامة واليونانيين ( الروم) خاصة، في سائر أنحاء تركيا بعنصرية بغيضة وقسوة شديدة، ولقد تعرض الكثيرون منهم للقتل والتشريد، فاضطر الاستاذ سيمونيذس للهرب جنوباً خوفاً من الظلم والقتل مشياً على القدمين من بلدة الى أخرى حتى وصل الى مدينة حلب استغرقته رحلته هذه مايقارب خمسين يوماً. وبعون الله القدوس، وبفضل بشرته السمراء عميت بصيرة الأتراك سكان البلدات والقرى التي مر بها لأنهم ظنوا أنه من ابناء جلدتهم خاصة انه كان يتقن اللغة التركية (الفصحى والشعبية) باالإضافة الى الغناء التركي بصوته الرخيم والعزف على آلته الموسيقية (شبيهة بالكمنجا) الآلة الوحيدة التي كانت بحوزته حتى وفاته. كما يُعرف ان الأتراك سكان المدن والساحل هم مختلطون بجنسيات أخرى، ولذلك يتميزون بلون بشرتهم عن ابناء الداخل التركي.

أما صديقه الحميم وزميله في معهد الموسيقى البيزنطية دراسةً وتدريسًا الأستاذ الموسيقي الكبير والمؤلف الذي أثرى المكتبة البيزنطية الأرثوذكسية المرحوم ياكفوس فقد هرب هو ايضاً باتجاه الغرب مشياً على القدمين حتى بلغ شمال اليونان وتابع الى مدينة سالونيك حيث استقبله متروبوليت سالونيك ورحب به الترحيب اللائق وعينه مسمياً اياه المرتل الأول لسالونيك وسائر الأبرشية، فبدأ يسطع، وبدأ نجمه يلمع في سالونيك وسائر أنحاء اليونان، معلماً ومؤلفاً ومرتلاً ومبدعاً في مجال الموسيقى البيزنطية الكنسية. ومازال أغلب المرتلين البيزنطيين حريصين على استعمال كتبه ومؤلفاته الموسيقية الكنسية في سائر اليونان والبلاد الأرثوذكسية.

البطريرك ثيوذوسيوس السادس
البطريرك ثيوذوسيوس السادس

– اعود الى متابعة سيرة حياة المرحوم ايليا الرومي فعندما وصل مدينة حلب سأل عن مطرانية وكنيسة الروم فأرشده الناس الى مطرانية الروم الكاثوليك لأن الشائع هو عندما تقول مطرانية الروم يعني ذلك مطرانية الروم الكاثوليك وبخلاف ذلك يجب ان تقول الروم الأرثوذكس وذلك في مدينة حلب وحدها، فالتسمية في مدينة حلب آنئذٍ (مطرانية الروم) أو (كنيسة الروم) يُفهمْ منها ( الروم الكاثوليك) ولذلك يجب ان تقول دائماً مطرانية الروم الأرثوذكس كي تميز التسميةعن اسم الروم الروم الكاثوليك. لذلك عندما وصل الى مطرانية الروم الكاثوليك لم يكن يدري أنه بالخطأ ودون قصد وصل الى مكان لايقصده خاصة وان مطران الروم الكاثوليك فحلب آنئذ السيد ايسيدورس فتال الذي استقبله في مطرانيته مرحباً به بعد أن سمع  ترتيله، بالاضافة الى ان المطران ايسيدورس كان يتكلم اللغتين التركية واليونانية، وهو من عائلة حلبية مشهورة في حلب، وكان قد أمضى في بلاد اليونان أكثر من سنة لدراسة اللغة اليونانية مرسلاً من الرهبنة المخلصية في جنوب لبنان التي ينتمي اليها، ولذلك عيَّنَ المطران ايسيدورس المرتل ايليا المرتل الأول في الكاتدرائية مبدياً اعجابه به وبترتيله. ومما جعل المرتل الكبير ايليا يظن أنه في موقعه الطبيعي لاسيما وقد هيأ له المطران ايسيدورس كل وسائل الراحة والاقامة في المطرانية هو التقاء التقويم الكنسي الشرقي مع التقويم الكنسي الغربي في موعد واحد تلك السنة بالنسبة لفترتي الصوم الكبير المقدس والفصح المجيد، وبعد مضي أيام من فترة الفصح المجيد طُلب اليه أن يستعد للاحتفال بالقداس الالهي يوم خميس الجسد (عيد لاتيني غربي) أدرك فوراً أنه في مكانه غير الطبيعي، فسأل عندئذ عن مطرانية الروم الأرثوذكس القريبة جداً من مطرانية الروم الكاثوليك فقصدها بعد أن ودع المطران ايسيدورس والمقيمين معه في المطرانية شاكراً. فوجد متروبوليت حلب المثلث الرحمات المطران روفائيل نمر الذي استقبله بترحيب وسرور وأعدَّ له مكاناً للاقامة في دار المطرانية، وعينه مرتلاً في كنيسة السيدة، وكان أبناء الرعية يسمونه مرتل المطران الرومي.

وبعد عيد العنصرة قصد متروبوليت حلب المثلث الرحمات روفائيل (نمر) مدينة دمشق للاشتراك في المجمع الانطاكي المقدس بدعوة من مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس (حداد) مصطحباً معه مرتله ايليا الرومي، ولما انتهت جلسات المجمع المقدس استعد مطران حلب للعودة الى ابرشيته وبصحبته ايليا الرومي طلب اليه المطوب الذكر البطريرك أن يبقي عنده المرتل ايليا الرومي بعد أن اعجب أشَّدَّ الاعجاب بصوته وأدائه وتمكنه من الموسيقى البيزنطية ومواهبه، فاضطر مطران حلب أن يوافق على مضض لأنه هو أيضاً كان معجباً بهذا المرتل الملائكي. وفي الحال عيَّنَهُ البطريرك غريغوريوس المرتل الأول (اليمين) للكاتدرائية المريمية، وكان أبناء دمشق مسيحيين ومسلمين يقصدون الكاتدرائية في الآحاد والأعياد لسماع المرتل الكبير ايليا الرومي حتى انتشر صيته في كل انحاء سورية ولبنان وكان في طليعة هؤلاء الموسيقار الكبير المرحوم الاستاذ محمد عبد الوهاب الذي كان يمضي فترة الصيف دوماً في ربوع بلودان في الفندق الكبير.

– وعندما كنت شخصياً في الاربعينات طالباً في مدرسة الآسية الأرثوذكسية وواحداً من أعضاء جوق المريمية بقيادة الاستاذ ايليا الرومي، وكنت الصغير الوحيد من الجوق المذكور، اذ كان عمري لايزيد عن 14 عاماً وطالباً في المرحلة الاعدادية في عداد طلابه الكبار من الاكليريكيين في البطريركية الذين يعلمهم مساءً في بعض أيام الاسبوع مبادىء اللغة اليونانية والموسيقى البيزنطية، أذكر منهم المرحومين الارشمندريت انطونيوس معصب، الشماس الكسي كرشة، الشماس أثناسيوس سكاف (مطران حماة الأسبق)، الشماس ايليا صليبا (مطران حماة السابق)، الشماس الياس قربان (مطران طرابلس) وغيرهم…

وأما عن حياته الزوجية فقد تزوج من فتاة يونانية في الثلاثينات من القرن المنصرم ولم ينجبا أطفالاً فتبنى طفل أحد أقرباء زوجته، وعندما كبر الطفل المُتَبَنى تبين أنه معَوَقْ، ومع ذلك كان المرحوم ايليا وزوجته يعتنيا به عناية تامة، وبعد عدة سنوات توفي الطفل، ثم ترمل ايليا بوفاة زوجته وبقي أكثر من عشر سنوات أرمل وبعدئذ تزوج، وهو يزيد على الستين من عمره بزوجة تصغره بقليل، وبعد مضي عدة سنوات أصيب بمرض في الدم وتوفي حوالي عام 1966″.

انتهت شهادة الاستاذ فوزي بشارة الخطية بأستاذه في الترتيل واللغة اليونانية في المرحلة الاعدادية في مدارس الآسية ومدربه في جوقة الترتيل في الكاتدرائية المريمية، وهو اليوم بعمر 84 سنة لازال يرتل بصوته الحنون وبمقدرته الموسيقية الرومية المتميزة في كنيسة السيدة الانطاكية الارثوذكسية في مونتريال / كندا كما كان في كنيسة الصليب المقدس مطلع السبعينات (وكنت حدثاً صغيراً في جوقته) خادماً لكرسينا الانطاكي المقدس في دمشق، ثم  في مطرانية الكويت بعهد مطرانها رفيق دربه مثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا استيفانو، ثم في مغتربه الحالي مونتريال. 

ايقونسطاس الكاتدرائية المريمية
ايقونسطاس الكاتدرائية المريمية

وفاته:

توفي عام 1965 وجنز في الكاتدرائية المريمية التي رددت جنباتهاصوته العذب ، وقد باه تلاميذه من اكلييكيين (مطارنة وارشمندريتية…) وجنزه البطريرك ثيوذوسيوس السادس بمشاركة معظم مطارنة الكرسي الانطاكي المقدس والعديد من اهم مرتلي ابرشيات الكرسي الانطاكي وكان منهم على ماذكر البعض تلميذه المرحوم ديمتري كوتيا برتوبسالتي طرابلس المتميز وجوقة المريمية التي كان يدربها ويقودها  واعضاء المجلس الملي البطريركي بدمشق، والجمعيات الخيرية وجمع غفير من ابناء دمشق والجالية اليونانية في دمشق واساتذة وطلاب مدارس الآسية وكبار كوادر مركز دمشق في حركة الشبيبة الارثوذكسية…والقى فيها البطريرك ثيوذوسيوس كلمة ابوية روحية رائعة عدد فيها مناقبية علمنا وغيرته الارثوذكسية وتفانيه في سبيل دمشق والكرسي الانطاكي المقدس. ثم وري الثرى في المدفن الارثوذكسي الدمشقي، مقبرة جمعية القديس جاورجيوس الارثوذكسية.

الاوسمة التي نالها

منحه مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث

– الميدالية الذهبية ليوبيل اسقفيته الذهبي في عام 1954

– وسام الكرسي الانطاكي المقدس وسام القديسين بطرس وبولس عام 1956 بمناسبة يوبيل بطريركيته الفضي.

ونال من الدولة اليونانية وسام المملكة اليونانية.

رحمة الله عليه فلقد ترك اثراً خالداً وان كان النسيان سمتنا نحن بني البشر، لذلك كان بحثي هذا كي يتذكره مرتلونا الحاليون في كرسينا الانطاكي المقدس الذي اعاد بعث موهبة هذا الفن الروحي الأخاذ الترتيل الرومي البيزنطي واعلامه العظام…

شكرا لكل من اسهم معي… 

حواشي البحث

1- شهادات شفهية من كثيرين ومنهم جدي فارس زيتون ووالدي جورج زيتون

2-” الموسيقى الكنسية في كنيسة أنطاكية في القرنين 19 -20والمرتلون الأنطاكيون”…انظره في مجلة “النشرة البطريركية” لسان حال بطريركية انطاكية2003، وفي موقعنا هنا باب (اعلام كنسيون)

3- جمعية ابولون جمعية ثقافية ورياضية  للجالية اليونانية وجمعيتها الخيرية وكانت تعنى بالشأن الثقافي للجالية اليونانية ومتابعة التعليم للغة اليونانية في اطار مدرسة اليونان في القصاع التي اسستها الجالية عام 1920بدمشق، والشأن الرياضي للجالية عبر نادي الابولون الرياضي لألعاب الكرات  وكان لاعبوه من ابناء الجالية اليونانية بدمشق.

(4) أعتقد انها عائلة القدسي الدمشقية الشهيرة وهي تتوارث القنصلية اليونانية بدمشق منذ الثلث الأخير من القرن 19وربما بسبب من اصلها المقدسي اليوناني. 

(5) منهم المحسن الكبير بندلايمون كوتسذونديس صاحب الفرن الشهير بفرن الرومي، انظره هنا في موقعنا باب (أعلام ارثوذكسيون).

(6) المرحوم السيد انطون كويتر كبير عائلة كويتر الكاثوليكية الدمشقية وجد زوجتي لأبيها اضافة الى جدي  المرحوم فارس زيتون.

(7) قلة من الذين لايعرفون الاستاذ فوزي بشارة  ابن جديدة عرطوزوالمرتل الاميز في كنيسة الصليب المقدس ومؤسس اول جوقة في كنيسة الصليب المقدس، صاحب الصوت الغريد والمقيم في مونتريال بكندا وعمره الآن 84 سنة ولايزال يكتب الكتب الروحية، ويرتل في كنيسة السيدة في مونتريال بكندا/  في ابرشية اميركا الشمالية… ومرتلاته على اليوتيوب أطال الله عمره. 

المرتل الكبير الاستاذ فوزي سليم بشارة

$
0
0

المرتل الكبير الاستاذ فوزي سليم بشارة

كلمة لابد منها

علمنا الاستاذ فوزي سليم بشارة من الأعلام المعاصرين في فن الترتيل الرومي وفق الاصول، وهو ابن دير البلمند البطريركي واكليريكيته قبل احداث معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي وكان بروتوبسالتي كنيسة الصليب المقدس في القصاع خلال حوالي عقدين في  منتصف القرن 20، وهو صاحب الصوت الحنون الموصوف بذلك من عمالقة الترتيل في عصره ولايزال، والذي اصر البطريرك الكسندروس بسبب هذا الصوت الملائكي ان يرسمه اكليريكياً…

البروتو بسالتي فوزي شهدت لصوته ومقدرته كنيسة الصليب المقدس مرتلاً وقائداً لجوقتها وشهدت له الكاتدرائيةالمريمية مرتلاً مع معلمه البروتو بسالتي ايليا الرومي وشهدت له كنيسة القديس جاورجيوس في موطنه جديدة عرطوز وسواها من كنائس ابرشية دمشق، ثم كاتدرائية ابرشية الكويت برفقة رفيق دربه مطرانها مثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا ستيفانو (المطران كوستا) وحالياً في كاتدرائية السيدة في مونتريال كاتدرائية الاسقفية… في اطار ابرشية نيويورك واميركا الشمالية الانطاكية الارثوذكسية.

في بحثي عن سيرة المطوب الذكر البروتو بسالتي ايليا سيمونيذس( الذي نشرته في موقعنا هنا) كما اوردت زرت الصديق السيد الاستاذ فوزي الزائر لدمشق القادم من مغتربه مونتريال/كندا والنزيل في دار ضيافة “جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين” بالقصاع…

رجوته ان يزيدني معرفة عنه (وهو صديق قديم لي اجله واحترمه جداً ويبادلني ذلك، وكان هو اول من علمني الف-باء الترتيل وكنت صغيراً واصغر افراد جوقته في كنيسة الصليب المقدس مطلع السبعينيات ايام كاهنها المرحوم الجليل ايوب سميا ورائدي في حب التاريخ لدمشق وكنيستها)…

 لكنه (ولتواضعه المعروف عنه)، تمنع كثيراً واخيراً رضخ لرجائي، وأمضينا قرابة اربع ساعات من المتعة في سرد سيرته الذاتية، واوضاع البطريركية واخبار مرتبطة عن دمشق وسورية، بحيث لم اشعر بمرور الزمن، مشيداً  بقدرته وهو في هذا العمر، وبسلاسة ماسرده لجهة الذكريات وسلامة لغته، وهو استاذ عاشق للغة العربية ومبدع في تدريسها  وتدقيق مايكتبه الغير،وروحانيته التي اعرفها عنه منذ الصغر.

الاسرة

اسرة بشارة اصلاً من بلدة راشيا كأسرتنا وغيرها…من العديد من الاسر الراشانية والحاصبانية… التي تدمشقت…

راشيا التي كانت في الأصل من اقضية دمشق وحالياً في أقضية البقاع الغربي في لبنان، وقد لجأت الاسرة الى جديدة عرطوزالواقعة في ريف دمشق وغوطتها الغربية، بسبب مجزرة 1860 بحق المسيحيين كما لجأت العديد من الاسر الراشانية واستقرت في دمشق ومحيطها وبالتحديد في منطقة الميدان الملحق كضاحية دمشقية.

وكانت اسرة بشارة المعتمدة اسم كبيرها “بشارة” (حين تم اعتماد الكنيات في سورية في القرن 17) كنية لها، كانت حين لجوئها الى جديدة عرطوز يطلقون عليها وعلى امثالها من اللاجئين تسمية “فليتة” وذلك بسبب عدم امتلاكهم اراضٍ زراعية، وتمييزاً لهم عن اهل البلدة الأُصلاء الذين يمتلكون الارض الزراعية في البلدة، ويعتمدون عليها مصدراً للرزق والمعيشة.

فامتهنت الاسرة مهنة سدي الحرير وهي من المهن التي اختص بها مسيحيو دمشق وريفها، وامتلكت الأنوال اللازمة لهذه الصناعة الحيوية والجميلة، لكن جده عيسى الذي لجأ واسرته من راشيا كان يمتلك قطيعاً كبيراً من الاغنام والماعز وكان يرعى في اراضيه في راشيا ويتاجر بمنتجاته، وحين النكبة يسر الله له فساقه معه من راشيا الى جديدة عرطوز، ولذلك قارب اهل البلدة في الملكية، وكان يقوم بالاتجار بمنتجات الحيوان من لحوم وجلود والبان واجبان، اضافة الى تسدية الحرير، مايعني ان الاسرة كانت في وضع معيشي مقبول قياساً بمن ماثلها من الاسر اللاجئة، ولكنها بسبب من صغرها، وهي ليست من سكان البلدة الاصلاء، لم تكن لتتدخل في شؤون البلدة ولا مخترتها ولا مجلس البلدة (1) ولا تتدخل في شؤون كنيستها، وان تميزت بحرارة الايمان وممارسة الصلاة في الكنيسة بدون اشغال مركز في خدمتها… وكانت هذه الاسرة تقدم في الاعياد الكبرى وفي موسم “النورية”(2)سنوياً تقدم تبرعها من حيوانات والبان واجبان الى الصرح البطريركي.

اختلفت العائلات الارثوذكسية في جديدة على من يكون وكيلاً للكنيسة وقد اصرت كل عائلة من هذه العائلات الكبرى علن يكون وكيل الكنيسة منها، وتسوية للنزاع بين عائلات البلدة تم الاجماع على اقتراح مرشح حيادي يقف في المنتصف بين الجميع  وكان المقترح لذلك هو السيد سليم بشارة والد علمنا وتم تعيينه وكيلاً للكنيسة(3)

السيرة الذاتية

الاستاذ فوزي بن سليم بن عيسى بن ابراهيم بشارة وكان والده سليم كما مرمعنا قد اختيروكيلاً لكنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في جديدة عرطوز.

هو من مواليد جديدة عرطوزعام 1933 وهو ابن اسرة ارثوذكسية مكينة في ايمانها، ممارسة للطقوس والعبادة، فنشأ على هذا الانتماء وكان يخدم في الكنيسة كأقرانه، ويقف يرتل فيها مع المرتلين الكبارمن ابناء البلدة…

درس  معظم صفوف المرحلة الابتدائية في مدرسة البلدة الرسمية، وفي عام 1944 جاء به والده الى دمشق ليكمل تعليمه، واستأجر له غرفة في بيت بمنطقة المريمية وكانت والدته تجهز له التموين ومايحتاجه من طعام وكساء وترسلها له.

 أدخله في الآسية / الصف الخامس الابتدائي حيث درس في مدرسة مارنقولا الابتدائية التابعة للمدارس الآسية الأرثوذكسية، وكانت هذه تقع في القسم الغربي من دار البطريركية، وحصل فيها على شهادة “السرتفيكا” (4)

اقامت المدرسة حفلة التخرج برئاسة مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث (1931-1958)، وكان للطفل فوزي مشاركة بأغنية من وحي المناسبة فلفت جمال صوته وحسن أدائه انتباه البطريرك فأوعز الى امين سره الارشمندريت الياس معوض ( البطريرك) ليدخله في جوقة ايليا سيمونذس (ايليا الرومي) وهو ماحصل…

البطريرك الكسندروس الثالث الذي فلده وسام القديسين بطرس وبولس وخلع عليه لقب مؤرخ الكرسي الانطاكي
البطريرك الكسندروس الثالث الذي فلده وسام القديسين بطرس وبولس وخلع عليه لقب مؤرخ الكرسي الانطاكي

اشرف المرحوم ايليا عليه في تعليمه اليونانية ومبادىء الموسيقا البيزنطية، وكان معه ايضاً كثيرون منهم من الاكليريكيين والمبتدئين مثل الارشمندريت انطونيوس معصب، والشماس اثناسيوس سكاف (مطران حماة) والشماس الكسي كرشة، والذياكون الياس قربان (مطران طرابلس)، والشماس ايليا صليبا (مطران حماة السابق) وكان يدرس الحقوق في الجامعة السورية.

كان فوزي هو الصغير الوحيد بينهم، وقد نصحه الجميع ان يذهب الى البلمند للدراسة اللاهوتية.

حكى فوزي لوالده مااشاروا عليه به راجياً موافقته، فوافق الاب على رجاء ولده فوزي وجاء الى الصرح البطريركي وقابل البطريرك الكسندروس واعلمه برغبته ورغبة فوزي بالانتقال الى البلمند.

رحب البطريرك بذلك بشدة وقد كان يحب الحدث فوزي، وفوزي كان يلمس منه محبة وعطفاً، وحتى انه أخذه معه الى البلمند في سيارته، وسلمه باليد الى رئيس دير البلمند المطران العالم سرجيوس سمنة، واوصاه به.

حاز الفتى فوزي بتفوق الشهادة الاعدادية، ثم الشهادة الثانوية في مدرسة البلمند.

ثم تابع دراسته في اللاهوت في السيمنار اللاهوتي (اكيريكية) بالبلمند، حيث تخرج في عام 1953بتفوق ليعود بعدها الى دمشق، مقيماً في دار البطريركية. وقد عاد معه ايضاً بعد تخرجه رفيقه في الاكليريكية الشماس فيليبس صليبا (مطران ابرشية نيويورك السابق) وآخرون… وانتمى مجدداً الى جوقة المريمية بقيادة البروتوبسالتي ايليا الرومي، وكان يخدم في مرافق الدار البطريركية بكل الحب.

استدعاه البطريرك الكسندروس الى مكتبه، وكان محباً له ،كما عرفنا، معجباً بشخصيته الوديعة، وحسن انتمائه للبطريركية والكنيسة، وحسن ترتيله وجمال صوته، وأعلمه برغبته برسامته في المريمية في الأحد القادم شماساً، لكن علمنا لم يكن مستعداً لهذا الأمر كما اراد غبطته، فترجاه التريث ريثما يقنع ذاته… اذ كان يرغب بالزواج، وتأسيس اسرة، ككثيرين من الكهنة، لكن البطريرك اصر عليه شماساً انجيلياً متبتلاً. عندها قررالشاب فوزي العودة الى جديدة عرطوز وعيش حياته علمانياً وفي خدمة الكنيسة، وبالفعل خلع القنباز وارتدى ثيابه المدنية وشرع في وداع الاخوة قبيل الانصراف.

شاهده المطران الياس معوض و… واستفسراه عندها طلبا منه التريث حتى يقابلا غبطته، قابلاه واقنعاه بالتريث بعضاً من الوقت ومنح الشاب فوزي مهلة للتفكير، وارسلا وراءه لمقابلة البطريرك الذي رحب به ولاطفه واظهر له ملء ثقته به في مستقبله الاكليريكي الذي يخططه له، ومايعول عليه من آمال، وأعطاه مهلة كافية للتفكير، ولكن غبطته مالبث بعد فترة قصيرة ان دعاه وابلغه اصراره على رسامته قريباً.

كنيسة الصليب المقدس في القصاع
كنيسة الصليب المقدس في القصاع

بدوره اعتذر علمنا  منه ومستسمحاً، واستأذنه في ترك البطريركية، غبطته الذي كان يحبه ويجد به مشروع اكليريكي ناجح لم ييأس، ووافق له على مضض وعيَّنه مرتلاً اول في كنيسة الصليب المقدس، فأوجد الشاب فوزي قفزة رائعة في الترتيل في هذه الكنيسة متنامية الرعايا والفعاليات الارثوذكسية الدمشقية واوجد نواة جوقة فيها ثم وسعها وكان يدربها على الموسيقا البيزنطية وفق الأصول، وانتمى اليها عدد من الشباب والشابات كان منهم كثيرون من الكشاف الارثوذكسي الدمشقي، وحركة الشبيبة الارثوذكسية… فأثنى غبطته على عمله وشجعه على المتابعة، وكذلك فعل صديقه ومعلمه البروتو بسالتي ايليا الرومي.

حياته المدنية

 بحث فوزي عن عمل في بدء حياته فوجد ذلك في مدرسة الفرير بدمشق، حيث تم تعيينه معلماً للغة العربية التي تميز بها.

بعد ذلك عين موظفاً في الادارة العامة “لبنك سورية ولبنان” وكان مديره العام السيد بيير مقنص وهذا كان من انطاكية السليبة وارثوذكسياً مكيناً وابن بار للصرح البطريركي والبطريرك الكسندروس.

 كان بناء المصرف يقع في منطفة جسر فكتوريا ( الادارة العامة وفرع دمشق) فحاز لدى المديرالعام النجاح المطلوب، اضافة الى توصية لاحقة من غبطة البطريرك الكسندروس به عند المدير العام.

فعينه مديراً لدائرة شؤون الموظفين في الادارة العامة، وكان النجاح حليفه ونال الإشادة اللائقة من المدير العام للبنك بما ارضى غبطته منه، ونال رضى ومحبة رؤساء الاقسام، وفروع المصرف.

في عهد الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 تم تأميم كل المصارف ومنها بنك سورية ولبنان،(وهو بنك تابع للقطاع الخاص السوري اساساً)وصار اسمه “بنك سورية والمهجر” ثم  ازيل عنه التأميم وعاد الى اصحابه بعد سقوط الوحدة عام 1961بانقلاب الانفصال، ولكنه عاد ليؤمم مجدداً إثر انقلاب 8 آذار 1963 وتولي حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في سورية، وتحول اسمه من “بنك سورية والمهجر” وصار اسمه “المصرف التجاري السوري”.

زواجه

البطريرك ثيوذوسيوس السادس
البطريرك ثيوذوسيوس السادس

في 10 تموز 1964 اقترن بزوجته السيدة نهاد اسعد خلف من النبك، وقد كلله مثلث الرحمات البطريرك ثيوذوسيوس ابو رجيلي في الكاتدرائية المريمية وخدم في ترتيل الاكليل صديقه البروتو بسالتي ايليا الرومي ومرتل الشمال صاحب الصوت الاسطوري توفيق الحداد بحضور جمع من افراد الاكليروس من رفاق دربه.

لجنة المناهج المدرسية

وكانت وزارة التربية في عهد الوحدة قد قررت اصدار كتاب تعليم مسيحي موحد يدرس في مدارس الاقليم الشمالي، فتم تشكيل لجنة من الكنائس المسيحية وكانت برئاسة الارشمندريت ايليا صليبا وضمت في عضويتها الخوري فرانسوا ابو مخ عن الكاثوليك، والشماس زكا عيواص عن السريان الارثوذكس، ومتري ايوب عن البروتستانت وهو كاتباً.

ساهم علمنا بقلمه في تدوين كتابي التعليم المسيحي في المرحلتين الاعدادية والثانوية بعدما اجمع عليه (الكتاب) اعضاء اللجنة المحكي عنها.

تسريحه من المصرف

في عام 1967 تعرض لوشاية من مراقب الدوام في فرع دمشق للمصرف، وكان ذاك يجامله ظاهرياً ويتودد اليه، ولكنه كان يكتب وعلى الدوام  تقارير كيدية بحقه، وكان علمنا لايزال يعمل في الادارة العامة، اذ كان بالاضافة الى عمله يقوم بتدريس اللغة العربية في مدرسة اللاييك بعد الظهر، ثم انتقل الى مدارس الآسية لتدريس مادة التربية المسيحية فيها. فتم تسريحه من المصرف تعسفياً مع مجموعة من مدراء الفروع والاقسام بتهمة كيدية. وكان المعروف ان خلفية هذا التسريح طائقية بحتة اذ ان معظم الكوادر المصرفية في سورية كانت مسيحية وكان المسرحون مسيحيين بكل اسف.

ضاقت الدنيا به، وضاقت يده وكانت زوجته حامل بطفلهما الثاني بالتالي، فسافر الى بيروت بحثاً عن عمل تدريسي في مدارس خاصة هناك… وبقيت زوجته وطفله في دمشق.

 في لبنان وبعد بحث  وجد فرصة عمل كمدرس للغة العربية في مدرسة للرهبان اللبنانيين في جونية. وبعد المقابلة واستماع سيرته وانه خريج البلمند رحبوا به ووافقوا على تعيينه، ولكن اشترطوا عليه الحصول على اقامة واذن عمل اصولاً في لبنان بصفته سوري الجنسية.

ولضيق يده كان ومنذ وصوله الى لبنان قد اقام في دير النبي الياس شويا البطريركي بعهد رئيسه مثلث الرحمات الاسقف الياس نجم صديقه ورفيقه في الدراسة باكليريكية البلمند حيث كان ينام ليلاً، وفي النهار كان ينزل الى بيروت بحثاً عن عمل.

الانتقال الى الكويت

 بعد عودته من بيروت الى دير النبي الياس شويا وهو فرح بحصوله على العمل في مدرسة الرهبان اللبنانيين، وقد حكى لرئيس الدير عن وجوب حصوله على اقامة واذن عمل في لبنان، التقى بالسيد الياس مسوح رئيس تحرير دورية “الرأي العام” الكويتية،  الذي سمع قصته فتعاطف معه، وسأله ان كان يود الذهاب الى الكويت ليعمل في دورية الرأي العام.

فوافق فرحاً وحصل على فيزا دخول مؤقتة الى دولة الكويت من سفارتها، وساعده شقيقه بثمن بطاقة السفر بالطائرة، وهناك زار دار المطرانية والتقى صديقه مثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا استيفانو مطرانها، حيث رحب به اجمل ترحيب، واستضافه في دار المطرانية بغرفة خاصة، وفي الوقت ذاته راجع الجريدة، وتم تعيينه فيها بوظيفة مدقق لغوي، ثم مدققاً  لغويا في مجلة النهضة الاسبوعية.

وبعد حصوله على فيزا دائمة بمساعي المطران، استأجر شقة قريبة من دار المطرانية واحضر عائلته من دمشق، وصار بالتالي يرتل في الكنيسة واسس فيها جوقة.

سنحت له فرصة عمل افضل في جريدة اخرى لجهة الراتب فاستقال من عمله شاكراً وممتناً ادارتها ورئاسة تحريرها، وانتقل الى الجديدة  كمدقق لغوي براتب افضل بكثير.

كانت زوجته قد تعلمت الخياطة والفنون النسوية بدورات مهنية في دمشق، وصارت تساعده بالخياطة في الكويت اضافة الى عملها في مدرسة السلام الارثوذكسية التابعة للمطرانية…

بعد سنة وبعدما استقرت أوضاعه وتحسنت موارده اراد فتح حساب في البنك الاهلي في الكويت، وكان يقف في بهو المصرف في الاستعلامات يسأل عن الاوراق المطلوبة لفتح حساب، واذ بيد تربت على كتفه، فالتفت وصعق لما عرف صاحبها، وكان هو صاحب التقرير الكيدي بحقه، مراقب الدوام في المصرف التجاري السوري واسمه (مصطفى. س)، والذي ادى الى تسريحه من عمله.

عانقه ذاك بحرارة ورحب به بشدة (وكان هو مدير البنك الاهلي)!!!، ونشأت بنهما صداقة عائلية…

قال لي الاستاذ فوزي وهو يحكي لي سيرته، وقد فاجأني بتسامحه مع من آذاه:” انه كم من مرة في لقاءاته بمصطفى وقد غالبته مشاعره الانسانية وضعفه البشري في ان يعاتبه ويشكره في آن معاً، إذ ان في كيديته بحقه والتي ادت الى تسريحه تعسفياً وظلماً وعدواناً  فتحت له العذراء الطاهرة باب الفرج منجية اياه واسرته من الأذى وكانت معينة له”. وبكى امامي بدموع جزيلة وبكل انسحاق قلب شاكراً الطاهرة، كما  كان قد بكي عند كل ذكر لايليا الرومي، والمطران كوستا. كما بكى عند ذكر المرحوم ولده.

 هذه الدموع ان دلت على شيء فتدل على طيب ونقاء معدنه وشدة ايمانه وامانته لذكرى من احبهم من قلبه. ومسامحته لمن آذاه.

كان الله معه، ففي ذات الوقت عمل في الكويت في العديد من الأعمال اليومية وعلى مدار الساعة، وهي وان ارهقته الا انها درت عليه موارد مالية جيدة وقد حمد ويحمد الله عليها، فقد عمل محاسباً في الفترة الصباحية لساعتين يومياً في منشأة شهيرة لانتاج الدهان في الكويت يملكها صديقه السوري ميخائيل… الذي بادل امانته بكل تسهيل ممكن ليوفر له امكانية العمل في اعماله الأخرى.

وعمل في فترة تالية صباحاً وحتى الظهر في (وكالة الصوان للأعمال التجارية ووكيلاً لشركات الطيران) مديراً ادارياً، وتابع التدقيق اللغوي في الجريدة من الساعة الرابعة بعد الظهر الى الساعة الواحدة ليلاً.

وكان على الدوام يأتي الى سورية لتفقد امه واخوته والاقرباء ويزور مسقط رأسه جديدة عرطوز، ودمشق ودار البطريركية والمريمية والصليب وفي كل زيارة كان يزور الاديرة والكنائس ويرتل فيها متبركاً.

الهجرة الى كندا

قرر إرسال أولاده الى اميركا للدراسة الجامعية والتخصص، وقد قرر لذلك الانتقال بعائلته الى كندا ليكون وزوجته على مقربة من الاولاد، ويقول انه “بتسهيل رباني” حصل على فيزا للهجرة الى كندا له ولعائلته خلال شهر واحد، وتسهلت امورهجرته، في حين ان الكثيرين وقتئذ يحتاجون الى سنتين وثلاثة… واقتنى بيتاً في مونتريال، حيث الوجود الاكبر للجالية السورية، وصاروزوجته يسافران في العطلة السنوية من الكويت التي لم يغادرها نهائياً إلا حين تم الاجتياح العراقي الى الكويت في عام 1990فغادرها الى كندا بعد ان صفى عمله وباع مايملك…يقول شاكرا الرب ان مايملك بقي سالماً بما في ذلك سيارته…بدون نهب او تخريب كما حصل بشكل كامل بسبب الاجتياح العراقي للكويت.

وفي مونتريال  رتب أُموره واستقر وتواصل مع رفيق الدراسة الاكليريكية متروبوليت اميركا الشمالية مثلث الرحمات فيليبس صليبا في مقر المطرانية نيويورك، واعطى ذاته بكليتها الى كاتدرائية مونتريال وصار يرتل فيها، والعمل في مجلس رعيتها ومؤسساتها الخيرية والاجتماعية، وفيها دار الاسقفية واسقفها الكسندر مفرج معاون المتروبوليت الحالي المطران جوزيف الزحلاوي.

ولازال يزور دمشق سنوياً نزيلاً في دار ضيافة جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية مرافقا بمحبة واحترام الصرح البطريركي وكل عارفيه واهل البلدة.

أولاده

رزقه الله بأولاد ثلاثة هم “سَلَمْ” المولود في دمشق عام 1965 والمنتقل الى رحمة الله، و”وسيم” وهو من مواليد دمشق عام 1968 ومتزوج ومقيم في مونتريال، والابنة “أنس” وهي من مواليد الكويت عام 1977 وهي بالتالي تزوجت ومقيمة ايضاً في مونتريال.

هواياته

– الترتيل وإبداعه بهذا الفن متوائماً بحلاوة صوته وحسن أدائه ومعرفته المتميزة بالموسيقى البيزنطية والحانها ومقاماتها، والقدرة وحتى في هذا العمر على تدريب الجوقات اينما حل وعبر عمره المديد باذن الله وقام الباحث والمدون الموسيقي قدس الاب الدكتور يوحنا اللاطي راعي كنيسة القديسين بطرس وبولس في مشروع دمر السكني والاستاذ الجامعي قام مشكوراً بتسجيل العديد من مرتلاته واضافها على موقع اليوتيوب فله كل الشكر.

في مرتلاته على اليوتيوب تقديم الاب الدكتور يوحنا اللاطي
في مرتلاته على اليوتيوب تقديم الاب الدكتور يوحنا اللاطي

– قراءة الكتاب المقدس في كل ليلة قبل النوم وبعد ان يتلو صلاة النوم الصغرى.

– القراءة والكتابة والتأليف وقد كتب كتباً عديدة في الخدم الروحية والشأن الاجتماعي وتجربته في هذه الحياة لعل ابرزكتبه كان كتاب لراحة نفس ولده المرحوم الشاب سَلَمْ وقد وزعه بالمجان…

– يجيد بشكل مطلق الغة العربية والتدقيق اللغوي بها، ويلم بالانكليزية والفرنسية واليونانية واللاهوت الارثوذكسي و اللاهوت المقارن، وقد قام  بتكليف من المتروبوليت قسطنطين بالتدقيق اللغوي للترجمة الارثوذكسية للكتاب المقدس الذي كان يقوم به المتروبوليت المذكور قسطنطين بابا استيفانو خلال اكثر من عقدين من عمره مطراناً، وقد قام بالتعريب المتخصصان بالكتاب المقدس كل من المطران (المغيب) بولس يازجي مطران حلب والاسكندرون وتوابعهما، وقدس المتقدم في الكهنوت في ابرشية اميركا الشمالية الاب د. ميشيل نجم…الأستاذ  الزائر في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي/ البلمند.

في الختام

جرت العادة ان يُكتب عن الاعلام والشخصيات بعد انتقالها من هذه الحياة، ولكني ومع اعتمادي لهذا النهج الا اني اسعى دوما لتسليط الضوء على المعاصرين وجاهياً اذ ليس من معلومة ادق وهي على عاتق صاحبهاا كما حصل هنا مع  المحترم فوزي بشارة الذي لا ازال اذكر بداية تعليمه لي  وكنت في جوقته اعتقد ان عمري كان وقتها بين 10 و13سنة في كنيسة الصليب المقدس عندما كان يرتل فيها، اذكره متشحاً جبة الترتيل السوداء واذكر ان الكثيرين كانوا يظنونه شماساً انجيلياً، اذكر كيف في موسم الصوم الكبير والمدائح السيدية والجمعة العظيمة وقداس هجمة الفصح فجراً كانت الجوقة اليونانية والتي تضم بعضاً من اعضاء الجالية اليونانية من الجنسين وكانت ترتل معه وتحت قيادته ويرتل مقابله في الشمال المرحوم سليم معمر والد الخوري ديمتري معمر من صيدنايا وهو من كهنة ابرشية اميركا الشمالية اليوم.

مؤخراً كما اوردت في تدوينتي عن البروتو بسالتي ايليا الرومي اني قصدته ليفيدني بمايعرفه عن استاذه الشهير هذا لندرة المصادر، وقتها قررت ان اكتب عنه هو (وهو من علمني الف باء الترتيل نسبة الى عمري وقتئذ)  وكلي يقين انه تكريم لائق  به اكثر وافضل له ولعارفيه ومتابعيه سيما انه لايزال وهو في هذه السن الموقرة، يرتل في المغترب الانطاكي وفي خدمة كنيستنا وكرسينا الانطاكي…

اطال الله عمره.

حواشي البحث

1)مجلس البلدة تنظيمات عثمانية حديثة (وقتئذ) لادارة البلدة وتتألف من اعضاء ينتخبون عن طوائفها.

2) النورية  النذورات والمساهمات السنوية في بيت مؤونة البطريركية

  3) وان كانت عائلات خرجت من كنيستها الارثوذكسية واعتنقت الكثلكة لاصرارها على العضوية بكل اسف كما حصل وحتى الامس القريب بالخلاف على الكهنوت والمخترة ووكالة الكنيسة في الكثير من القرى والضواحي، وانشأوا كنيسة كاثوليكية فيها الامر الذي ادى الى نشوء الكثلكة سيما وان الطقوس واحدة.

4)شهادة الدراسة الابتدائية وكانت تمنح في الصف الخامس ثم في الستينات صارت في الصف السادس.


قصر السكاكينى باشا –القاهرة

$
0
0
ابداع السوريين…
قصر السكاكينى باشا
القاهرة…
قصر السكاكيني من أقدم قصور مصر. تم بناؤه سنة 1897 م على يد حبيب باشا السكاكيني. يقع القصر في ميدان السكاكيني في وسط مدينة القاهرة، وتحديدا في منطقة الظاهر المزدحمة بالسكان والتي نشأت من قبل الشوام اللاجئين من مذبحة 1860 وانشأوا كنائسهم ومنها كنيسة رؤساء الملائكة للروم الارثوذكس 1934 ومطرانياتهم ومنها ايضاً ( مطرانية الروم الكاثوليك /وكالة البطريركية لبطريركية انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم) وعرف محيط القصر لاحقا بحي السكاكيني.
بني قصر السكاكيني على يد معماريين إيطاليين جاؤوا خصيصا للمشاركة في بنائه، وتتداخل فيه الطرازات المختلفة من حول العالم، ويعتبر نموذج لفن الروكوكو…

سميت المنطقة بعد بناء القصر على اسم صاحب القصر حبيب باشا السكاكيني (غابرييل حبيب السكاكيني الدمشقي) (1841-1923) فهو من مواليد دمشق بسورية وصل لمصر بعمر يتراوح بين 16-17 عاما ليتولي وظيفة بشركة قناة السويس الوليدة في بورسعيد. على مدى السنوات الأربع هذا السوري عمل لحسابها بمبلغ تافه من 3-4 فرنكات فرنسية في الشهر تحرك للقاهره في نهاية المطاف كان ذلك من أجل التنمية الاقتصادية الذاتية وليس لأسباب صحية كما اشيع…
تقول السيرة الذاتية ان حبيب السكاكيني جذب اهتمام الخديوي إسماعيل عندما صدر بواسطة الشحن على الجمال طرود من القطط الجائعة إلى المنطقة التي تنتشر فيها الفئران في قناة السويس. في غضون أيام، تم حل مشكلة هذا الوباء من القوارض. ونظرا لقدرته على الحل السريع والابتكار والمبادرة قام الخديوي، باستخدام هذا السوري النبيه، وكلفه بمهمة شاقة وهى استكمال بناء الأوبرا الخديوية. وأصبح يعمل تحت يد المعماري الإيطالي Pietro Avoscani.
قام السكاكيني بعمل نظام الورديات 3 فترات عمل يومياً، كل وردية عمل مدتها 8 ساعات للفترة الواحدة لمدة ال 90 يوما المقبلة. ولقد نجح وانتهت اعمال بناء دار الأوبرا في الوقت المناسب لوصول وزيارة الملوك الأوروبيين، إلى مصر لحضور افخم احتفال لافتتاح قناة السويس في 17تشرين الثاني 1869. وكان الخديوي سخي بطريقة لا حدود لها. فمن الآن فصاعدا البناء وعقود الأشغال العامة لا يمكن ان تفشل لأنها كانت تدار بواسطة وعلى طريقة السكاكيني.
في ال 39 من عمره، نال حبيب السكاكيني اللقب العثماني ‘بيك’، وتمت الموافقة في القسطنطينية من قبل السلطان عبد الحميد على هذا اللقب.
بعد عقدين من الزمن، في 12 آذار 1901 منح البابا Rome’s Leon الثالث عشر السكاكيني اللقب البابوي ‘الكونت’ تقديرا لخدماته لمجتمعه.
حبيب السكاكيني الدمشقي  أصبح في النهاية من المقاولين الأثرياء في ذلك الزمان وقد اشترك بدور بارز في أعمال حفر قناة السويس، ومن اللقب الذي لقب به (السكاكيني) يقال أنه جمع ثروته قبل العمل في المقاولات من تجارة السكاكين والأسلحة.
وقد بنى القصر على قطعة أرض مُنحت له على بركة أرض تسمى “بركة الشيخ قمر” بحي الظاهر.
(تاريخ مصربتصرف مني د.جوزيف زيتون)

خربشات سياسية…17/11/1019 تفعيل حلم الاكراد في شمال سورية

$
0
0

خربشات سياسية…17/11/1019 …

تفعيل حلم الاكراد في شمال سورية
هو حلم يسعى الاكراد الى تحقيقه كتبنا عنه في خربشاتنا هنا اكثر من مرة…

هو حلم يُظهر  اطماعهم  الحقيقة التاريخية في كل الشمال السوري، وسعيهم لمد كردستان الشاملة الى البحر الابيض المتوسط…ولسنا لنرفض حق كل شعب بأن تكون له دولته على ارضه…فهي من الحقوق الانسانية والدولية المصانة في القانون الدولي العام…ولكن يجب بالأساس ان تكون الارض أرضهم منذ فجر التاريخ وحتى الآن، لا ان يكونوا قد هربوا من بطش الاتراك بحقهم، والتجأوا الى ارضنا في شمال سورية وآويناهم واطعمناهم فطعنونا في الظهر واستقووا دوماً بحراب الاجنبي الغازي ضد هذا الصدر الحنون، لذلك يعد فعلهم هذا عبر قسد ومسد والاسايش…خيانة لاتقل عن خيانات الخونة، وتزيد عنها بسعيهم الانفصالي بعد ممارسات مرفوضة على الارض بالاستئثار بالسلطة والثقافة بتغيير المناهج التربوية والتجنيد لشعبنا وكأنهم سلطة شرعية مع فرض ضرائب ورسوم واستنزاف النفط وكل الخيرات وبيعها لأميركا وتركيا… والعدوان الدائم على كل المكونات السكانية واتباع سياسة التطهير العرقي لافراغها من العرب والمسيحيين السوريين السريان والآشوريين والارمن… والاكراد كانوا اليد التي حملت السكين وذبحتهم في آسيا الصغرى، وافرغتها منهم طمعاً باجتلال ارضهم، واقامة كيان كردي لكن الاتراك انقلبوا عليهم وصار الحليف المخطط عدو للحليف الكردي المنفذ… ومارست الاكراه والبلطجة والارهاب على المسيحيين وخاصة منهم الملاكين الكبار للأرض والمشاريع الزراعية وسواها وشراءها منهم أبخس الأثمان وحتى بالخوة… منذ الستينات

هذا الخطر الذي لايقل خطورة تدميرية عن الخطر الصهيوني والخطر التركي…والأخطر انه خنجر مسموم بيد الاميركان والغرب الاستعماري موضوع في صدر سورية وظهرها،  سورية التي آوتهم وصارت لهم اما..
لن أتكلم على الأكراد الذين جاؤوا إلى سورية عبر قرون مضت و اندمجوا بهذه الأرض و أصبحوا ضمن نسيجها و فسيفسائها .. لا تعرفهم إلا سوريين أصيلين… بل أتكلم على كثير من الأكراد في شمال سورية…و لاسيما من استقبلتهم سورية و الذين يشكلون معظم الأكراد الموجودين في هذا الشمال و باقي المناطق السورية الأخرى …فكانت لهم الملجأ الآمين الآمن من مجازر العثمانيين الأتراك و حقدهم و اجرامهم …على مدى أكثر من قرن مضى من الزمان … أو من هرب منهم من العراق و جاء إلى سورية و عاش معززا” مكرما” على أرضها الحنونة الطاهرة التي كانت على مر الأزمان أماً لكل ضعيف و مستضعف في الأرض

هؤلاء الأكراد … بنزوعهم الى سلخ منطقة احتلوها خلال زمن وبعد لجوئهم في القرن 20 والآن خلال السنوات التسع العجاف التي اسموها بشكل خاطىء”الازمة السورية” كانوا و مازالوا قنبلة موقوتة ستنفجر في لحظة تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية لبعض الدول الكبرى في المنطقة مع حلم الأكراد بتكوين كيان كردي ما في شمال سورية…شبيه باقليم كردستان …ومتصل به مع اقليم مماثل في ايران وارمينيا وشرق الأناضول على طريق تكوين دولة كردستان الكبرى…

هذا الحلم الذي وضعت الدول الاستعمارية بمفكريها ومنظريها ومخططيها بذرته في رؤوس بعض من سولت له نفسه من المفكرين الأكراد أو الباحثين عن دخول التاريخ أو اغتصابه… أن يكوَن مجده و رفعة شأنه وذاته على حساب وجود الآخرين وحياتهم وكياناتهم…فروت ورعت وغذت هذه البذرة على مدى قرون حتى أصبحت حلماً لدى كثير من الأكراد…ولكن هذه الدول الاستعمارية أبقت عليه كحلم و كنظرية فكرية أصبحت تدغدغ عقول و نفوس و مشاعر ووجدان الكثير من الأكراد …ولم يدخل حيز التحقيق الفعلي على الأرض، طالما أنه ليس لديها مصالح في تحويله إلى واقع …فدائماً كانت الدول الاستعمارية تعيد قراءة تاريخ المناطق التي لها مصالح فيها، و تدرس شعوب وسكان هذه المناطق وتاريخهم لتعيد ترتيبها وفقاً لمصالحها مستفيدة من أحداث وأحقاد وعصبيات مدفونة في التاريخ لشعوب هذه المناطق…فتقوم بالعزل والتعتيم على أحداث وحقائق معينة وباستحضار أحداث تاريخية أخرى، وتعيد تركيبها وترتيبها وبث الحياة فيها وفقاً لتسلسل ما، أو صيغة ما تخدم رؤيتها …وتسلط الأضواء عليها، فتقوم باشعال النزاعات والصراعات والحروب الاثنية الدينية و المذهبية والقومية والعرقية وغيره، وتقوم بتغيير الديموغرافيا والتهجير…وغيرها من الآليات الفعالة في تحقيق نظرياتها ومشاريعها ورؤيتها…
في السياق ذاته، و كربط للأحداث و تلميح لما يجري، ولما يقوله الأميركيون ويعملون عليه …وخاصة مايروج له البيت الابيض/ الذي يلعب على الاكراد تارة بالانسحاب المزعوم، وافساح المجال بضوء اخضر للاتراك للبطش بهم، وهم بانعدام نظرتهم الاستراتيجية لايرون الا الكيان الكردي ويجب تحقيقه بأي شكل… وتارة بالبقاء في حقول النفط…وتارة… وتارة…!!!

يروج البيت الابيض:” أن الرئيس بشار الأسد لن يحكم كل سورية مرة أخرى، ولانعتقد انه ينبغي أوأن لديه أي حق أو شرعية للقيام بذلك، وانه لن يحكم سورية أبداً بنفس الطريقة التي كان يمارسها في السابق” …..
و بالنهاية أقول من وحي ما  حصل حتى الآن من افعال قسد الانفصالية على الارضن وما يحصل …حتى الآن لم أجد فرقاً فيما يحاول فعله هؤلاء الأكراد الانفصاليون في شمال سورية بالطريق التي يسلكونها، والطريقة ذاتها …مع ما فعله اليهود في فلسطين والأراضي المحتلة الأخرى … سوى أن هؤلاء الصهاينة اليهود جيء بهم على دفعات … من قبل الانكليز  بعد وعد بلفور وتقسيم سايكس بيكو وخيانة الحلفاء للملك حسين والعرب…وفرضتهم الدول الاستعمارية على شعوب هذه المنطقة لتحقيق: ” دولة اسرائيل أو الدولة اليهودية” (طبعاً مع حقيقة وجود لليهود في فلسطين تاريخياً اقلها من قبل الفي سنة  الى حين دمار هيكل سليمان عام 70 للميلاد، وسقوط اورشليم بيد الرومان وتهجير من بقي من اليهود حياً الى روما والتيه العالمي.) و أما معظم الأكراد المتواجدين في سورية فهم غرباء عن سورية وقد تم استقبالهم من قبل السوريين أنفسهم و حضنوهم و فتحوا لهم الأبواب بعد هربهم و تهجيرهم من مناطقهم في تركيا وغيرها  في اوائل القرن 20 واستمروا حتى العقد السابع… على كل … لكل زمن دولة و رجال ….و التاريخ والزمن القادم على سورية لن يقبل أبداً  ان تكون سورية من دون شمالها السوري …الحسكة و القامشلي و و و …
و أذكر أيضاً وضمن هذا السياق وعلى طريق كردستان العراق قام حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني مطالباً باقليم كردي مستقل ضمن سورية فدرالية….فهل يتحقق حلم الأكراد الذين جاؤوا إلى سورية هرباً من الاضطهاد العثماني …فاستقبلتهم أرضها وآوتهم ورعتهم …وألقت بذور الخير في نفوسهم…؟ و لكن هل الأيام ستقول أنها كانت تربة فاسدة غاصبة لئيمة ناكرة…؟ أتمنى أن لا يكون ذلك …فليطالب إذا في هذه الحالة ( الروم الارثوذكس (السوريون واليونان)  المذبوحون ابناء ابرشيات الكرسي الانطاكي كيليكيا وديار بكروارضروم الثلاث الشهيدة مع اهلها والبالغ عددهم مليونان ومائتا الف شهيد…ولواء الاسكندرون بعاصتها انطاكية ) والارمن…والسريان …و الآشوريون …و العلويون و الدروز والسنة والشركس والتركمان بأقاليمهم وتتقسم سورية الحبيبة وننتهي دفعة واحدة من مشاهدة مسرحية الاغتصاب الكبير..!!!

ولكن خسئ الانفصاليون أياً كانوا لأن الشعب السوري الشريف المنتمي إلى كامل سوريته هو المنتصر، وهو الذي سوف يحدد مصير سورية.
تحيا سورية الرسالة والمحبة والحضارة موحدة حرة مستقلة قوية عزيزة…بشعبها الواحد الذي يضم كل اثنياتها العرقية والدينية والطائفية فهي ام الكل وكلهم يحملون جنسيتها على مقدار ولائهم لها ومادون ذلك هو مرقوض وساقط…والجيش السوري هو الضامن…

الجيش السوري هو الضامن...
الجيش السوري هو الضامن…

(الصورة المرفقة توضح خريطة مستقبلية أعدها مركز ياسا الكردي للدراسات والاستشارات لما أطلق عليه “اقليم كردستان سوريا”).

دار صادر في حلب

$
0
0
دار صادر في حلب
– دارة صادر يعود بناؤها إلى أوائل القرن الثامن عشر، تقع في حارة حصرم في حلب القديمة، و كانت في البداية ملكاً للسيد يوحنا ابن جرجس العبديني. لاحقاً أواخر القرن الثامن عشر حوالي عام 1795 م انتقلت ملكيتها إلى عائلة صادر، و بالتحديد قام بشرائها السيد جرمانوس ابن حنا صادر من السيد يوحنا العبديني. كانت هذه الدار تشمل على غرف كبيرة و مربعين وردهتين وإيوان عالي القنطرة. وكان صحنها فسيحاً جداً تتوسطه ثلاث بحرات تكتنفها جنينات وسلسبيل، وأحواض تتوسطها فسقيات تنفر منها الماء. بالاضافة إلى كشك منقوش على الحجر، مما جعل من الدار روضة غناء.

– كانت دار صادر مقصداً لعدد من السياح البريطانيين الذين كانوا يزورون حلب في طريقهم إلى مدينتي الموصل و بغداد في العراق. وكانت تحوي الدار عدداً من النفائس الجميلة، و التحف الشرقية، وكانت أيضاً مقصداً للرحالة الأجانب أمثال الرحالة والمستشرق الفرنسي Eusebe-Francois De Salle الذي زار مدينة حلب حوالي عام 1838م. وخلال إقامته في الشهباء قام مترجمه الخاص السيد يوسف قرألي (صاحب دار أجقباش الحالية) بتعريفه على عدد من وجهاء المسحيين في حلب، وإدخاله الى خمسة بيوت حلبية تعتبر من أجمل وأفخم بيوت التجار المسيحيين في حلب في ذلك الوقت، حيث زارالدور التالية بحسب مذكراته (قرألي (أجقباش حالياً)، صادر، غزالة، كوبا، و دلال) وكان الهدف من الزيارة التعرف على نمط العمارة الحلبية، وتدوين ملاحظات حول نمط تقسيم هذه البيوت و هندستها الداخلية. وقام بوصفها وصفاً دقيقاً، و أعجب كثيراً بدارة ال صادر في الجديدة، وقام بوصف خشبياتها وأثاثها وباحتِها و ليوانها الذي يعتبر ثاني أكبر ليوان في حلب بعد ليوان دار جنبلاط في حي البندرة.
صورة ضوئية  اثرية للدار تعود الى اواخر القرن 19
صورة ضوئية اثرية للدار تعود الى اواخر القرن 19
– أوائل القرن العشرين و بعد تحول الدار إلى مدرسة تم إزالة كل الأحواض الزراعية منها وإزالة البحرة في وسطها وذلك لتأمين مساحة أكبر للطلاب في فترة أوائل الستينات تم نقل الطاوان الخشبي في المربع المقابل لليوان في بيت صادر إلى متحف حلب الوطني ضمن قسم الأثار الإسلامية في القاعة الثانية (قاعة النقود) تحت اسم سقف بيت صادر الأثري وتعتبر أحد أجمل الخشبيات و من روائع الفن العجمي في الشهباء وهي مؤرخة من عام 1758م و تحوي على مجموعة أبيات شعرية جميلة على جنبات السقف، وقد سلِمت خلال الحرب بذلك لتكون أقدم سقف خشبي سليم في الشهباء مازال موجوداً بعد الحرب الشيطانية، ولم يغادرها أو يتم تهريبه أو سرقته، يجدر الذكر أنَّ من ساهم بنقل هذه التحفة الفنية إلى متحف حلب الوطني السيد قيصر صادر (أحد مؤسسي جمعية العاديات في حلب) ليخلد إسم العائلة حيث في نهاية الخمسينات، ونتيجة لتهدم أجزاء من المربع المقابل لليوان في الدار، قام السيد قيصر بعرض على الراهبات (صاحبات الدار في ذلك الوقت) بنقله إلى المتحف خوفاً من ضياعه و تهدمه، و تمت الموافقة، وبعد عدة سنوات تم هدم هذا القسم كاملاً نتيجة تصدعه كلياً تم بناء قسم حديث من البيتون مشوهاً منظر الدار و فاقداً رونقه.
سقف من سقوف الدر والمحفوظ في المتحف الوطني خوفاً عليه
سقف من سقوف الدر والمحفوظ في المتحف الوطني خوفاً عليه
يُذكر أن ال صادر عائلة مارونية ذات أصول لبنانية تعود جذورهم إلى منطقة بشري في جبل لبنان و كانت تعتبر من وجهاء موارنة جبل لبنان، وفي عام 1579م تم تنصيب الشدياق باخوس صادر الحدشيتي على مشيخة جبة بشري وأقدم ذكر لآل صادر في الشهباء يعود لعام 1626م حيث غادر الشدياق فرج ابن باخوس صادر جبال لبنان مع حوالي أربعين عائلة مارونية منهم ( آل حوا، آل عبديني، آل أسود، آل جنو، آل حصروني، آل فرحات، أل قرألي وغيرهم) إثر إضطرابات و خلافات مع والي طرابلس يوسف باشا سيفا و سكنوا في منطقة زقاق الأربعين التي عُرفت نسبة لهم أواخر القرن القرن الثامن عشر غادر أحد أبناء هذه الأسرة الشهباء (الياس ابن أنطون ابن زكريا صادر) عائداً إلى جبال لبنان مؤسساً لفرع جديد لهذه العائلة و لاحقاً أحد أبناء هذا الفرع، وهو إبراهيم ابن يوسف صادر قام بتأسيس دار صادر للطباعة و النشر عام 1863م أحد أقدم و أعرق دور الطباعة والنشر في الوطن العربي و لازالت قائمة حتى يومنا هذا.
الصورة الأصلية بدون تعديل و هي مأخوذة من بيت صادر عندما أصبح مدرسة إغناطيوس الأنطاكي.
الصورة الأصلية بدون تعديل و هي مأخوذة من بيت صادر عندما أصبح مدرسة إغناطيوس الأنطاكي.
بداية القرن العشرين انتقلت ملكية دار صادر الأثرية إلى طائفة السريان الكاثوليك  بحلب التي إشترتها من السيد اسكندر ابن ميخائيل صادر بعد أن سكن الدار خلال مئة عام أربعة أجيال من هذه العائلة بدايةً مع السيد جرمانوس لاحقاً ابنه حنا و من ثم ابنه ميخائيل وأخيراً السيد اسكندر وعائلته، حيث قسمت مطرانية السريان الكاثوليك هذه الدار لقسمين (مدرسة و ميتم) وبعد أحداث التأميم في أواخر الستينات أصبحت المدرسة تُعرف باسم مدرسة الأم الواقعة في حارة الحصرم.
الصورة عام 1917
الصورة عام 1917
(بقلم: جاد موصللي)
(صفحة ارشيف حلب الوطني)
(بتصرف)
( الصورة البارزة للمقالة هي صورة نادرة تُعرض للمرة الأولى تمثل لوحة تعود لمنتصف القرن التاسع عشر للرحالة و المستشرق الفرنسي Eugène-Napoléon Flandrin الذي زار الشرق مرتين الأولى عام 1840 م و الثانية عام 1844م، هي مشهد من داخل باحة أحد الدور التقليدية في مدينة حلب في منطقة الجديدة وبالتحديد هي دارة السيد حنا ابن جرمانوس صادر (ترجمان القنصلية البريطانية بحلب في تلك الفترة).

من أخبار القديس الأب باييسيوس الآثوسي (1924-1994) وقوة الصّليب جرجي الّذي من التيبت (Tibet)

$
0
0

من أخبار القديس الأب باييسيوس الآثوسي (1924-1994)
وقوة الصّليب

جرجي الّذي من التيبت (Tibet)

ذات يوم قام بزيارة القديس الشيخ باييسيوس الآثوسي ساحر شاب من التيبت، ٱسمه جورج، وروى له أشياء كثيرة عن حياته.
كان قد ولد من أبوين يونانيين في السّويد. ولما بلغ الثالثة من عمره تقريبًا ذهب به أبوه إلى التيبت وسلّمه إلى مجموعة من السَّحَرة تتألّف من ثلاثين ساحرًا كي يربّوه على مهنتهم.
لما بلغ الفتى السّادسة عشر من عمره كان قد وصل إلى الدرجة ما قبل الأخيرة في السّحر، وهي الدرجة الحادية عشر، وفي الوقت ذاته تقدّم كثيرًا أيضًا في اليوغا. كان باستطاعته أن يستدعي أيّ شيطان يريد. وقد حصل على الحزام الأسود في الكاراتيه لبراعته. وبمساعدة الشيطان كان يقوم بأمور تستجلب إعجاب النّاس، منها قراءة الكتب وهي مغلقة، وإذا ما ضرب صخرة كبيرة بيده يُفتتها كالجوزة.

رحل من التيبت، وهو في هذا العمر، وذهب إلى السّويد ليرى والده. هناك قابل على سبيل المصادفة كاهنًا تقيًا فطلب منه أن يتحدّثا قليلاً لأنّه لم يكن قد شاهد من قبل إكليريكيًا من كنيستنا.

وفي القاعة الّتي كانا جالسَين فيها، أراد الشاب أن يُظهر قدراته، فقام ببعض الحركات السِّحْرية: ٱستدعى أحد رؤساء الشياطين، مينا، وقال له: أريد ماءً! للحال ٱرتفع كأس ماء في الهواء من المطبخ وذهب وحده إلى الصّنبور، الّذي ٱنفتح من تلقاء ذاته وملأ الكأس، ثم عبر من الزجاج المغلق وجاء فوقف بين يدي السّاحر. ثم إذ كانا في القاعة قام بإظهار الكون كلّه، السّماء والنّجوم للكاهن، مستعملاً سِحْرَ الدرجة الرّابعة. تخيّلوا ماذا كان بوسعه أن يفعل لو ٱستمرّ إلى الدرجة الحادية عشر! ثم سأل السَّاحرُ الكاهنَ قائلاً: “كيف ترّون هذه الأمور كلّها؟”، صَمَت الكاهن! عندها سأله الشاب: “لماذا لا تعمل أنت أيضًا أشياء عجيبة؟”. أجابه الكاهن بهدوء: “لأنّ إلهي متواضع”. ثم أخرج صليبًا، وقال له: “خذ هذا”، وأعطاه الصّليب. فأخذه الشاب بيده. عندها قال الكاهن له: “إعمل الآن عجائب”!

ٱستدعى السّاحرُ الشاب مينا ثانية. ولكنّ الشيطان لم يكن ليجسر على الاقتراب. وعندها ٱستدعى السّاحر إبليس عينه فلم يأت ولا هو أيضًا… كان يرتعد لرؤيته الصّليب. فقط تردد صوته من بعيد يقول للسّاحر: “ٱنهض وٱرحل! ٱنهض وٱرحل إلى التيبت”.

على الأثر تحركت نفس السّاحر الشاب. لقد أدرك، للمرة الأولى، صغر الشيطان أمام عظمة الإله الحقيقيّ. وقام الكاهن الطيّب بتعليمه بعض أمور الإيمان وحكى له عن الأماكن المقدسة الّتي منها جبل آثوس.

غادر الشاب السّويد إلى أورشليم حيث شاهد الظهور العجائبي للنّور المقدّس. ولاحقًا أتى إلى الجبل المقدس حيث قابل القديس الشيخ باييسيوس. طرح الشاب على القديس سؤالاً عن القوى الّتي يملكها. فأجابه القديس بأنّ القوى كلّها هي من الله. في هذه اللحظة، ثبّت السّاحر نظره على صخرة بعيدة، وفي ثوان تفتّت. عندها رسم القديس إشارة الصّليب على حجر وسأل السَّاحر أن يُفتّت ذاك الحجر. راح السّاحر يثبّت نظره ويعمل جاهدًا على تفتيت الحجر ولكن دون جدوى. فبدأ يرتجف لأنّ القوى الشيطانية المسيطرة عليه لم تستطع إتمام المهمّة، بل ارتدّت عليه ورمته بعيدًا فأسرع القديس وأنقذه وهو في أسوأ حال.

مرة أخرى قام السّاحر الشاب وأمسك بيدي القديس ولفّهما إلى خلف وسأل القديس إن كان يستطيع أن يحرّر نفسه، فحرّك القديس يديه. عندها قام السّاحر بردّة فعل فقفز عاليًا محاولاً أن يركله برجله الّتي توقّفت جامدة أمام وجه القديس وكأنّها ٱصطدمت بحاجز غير منظور!

في المساء نام الشاب في قلاية القديس، وفي الليل جرّته الأرواح الشريرة خارجًا وأشبعته ضربًا. تركته مجرّحًا معفّرًا بالتراب لأنّه ٱعترف بأنّه لم يستطع أن يهزم القديس.

بعدها ٱقتنع الشاب بأن يُحضر كتب السّحر ويُحرقها وأبقاه القديس عنده أيّامًا وبعد أن أسبغ عليه الكثير من النعمة والقوة، رغب الشاب في أن يصبح راهبًا!

ذكر القديس باييسيوس هذه الحادثة ليؤكّد أنّ هناك ٱختلافًا كبيرًا بين الديانات، وأنّ الرّهبان البوذيّين ليسوا كالرّهبان المسيحيين .

 

اللاهوت و الحياة…

$
0
0

 

اللاهوت والحياة…
بما أنّ اللاهوت معرفةُ الله، فهو لا ينفصل عمّا يسمى الحياة الروحيّة؛ تلك الحياة المهتمّة بالإنسان بكلّيته؛ جسداً ونفساً، مادةً وروحاً، انطلاقاً من التركيز على الإنسان الداخلي، بغية الوصول إلى الإنسان الجديد الحقّ المتغيّر من الداخل لا من الخارج فقط. لبّ هذه الحياة الروحيّة، في الأرثوذكسيّة، هو النسك.
قد تكون لفظة النسك مخيفةً في زمن الاستهلاك والرفاهية والمجون المعاصر هذا الذي نحيا فيه. لكنّها، في المفهوم المسيحيّ الشرقيّ، مرادفةٌ للتحرّر. فالحياة الروحيّة نمطُ حياةٍ يطمح الإنسان فيه إلى الحريّة الحقيقيّة، ليتخلّص من كلّ ما يقيّده ويتحكّم فيه وتالياً يستعبده. يتخطّى المؤمن العابرات طلباً للباقيات. “لا تعملوا للقوت الفاني، بل اعملوا للقوت الباقي للحياة الأبديّة”(يو6/27).
المسيحيّ إنسان التسامي. إنّه ينتهج الدرب الذي يقود الصورة الإلهيّة فيه إلى مثالها الإلهيّ، عبر درب التنقية والتطهّر. وهذا لا بدّ له من النسك طريقاً إلى التحرّر الداخليّ أوّلاً.
تسامي المسيحي يقوده إلى العمل على جعل الأرض صورةً عن الملكوت السماوي. لكنّه، في سعيه هذا، يطالب نفسه لا الآخرين. يبدأ بتنقية ذاته ليصير، بنعمة الله، صورةَ المسيح. وعندما يتحرّر داخليّاً من قيود وأربطة الشرّ المعششة فيه ويستبدلها بالحريّة التي حررنا بها المسيح (غلا5/1) يبلغ المحبّة الحقّة ويصير نوراً للآخرين وقدوةً لهم.
يتموضع سعي المسيحيّ الحقّ في أن يحيا الإنجيل بملئه، ومن ثمّ له أن ينتهج مع غيره، عمليّاً، الدربَ الذي يلهمه الله إيّاه في سبيل تحسين الحياة البشريّة والتخفيف من الشرور المحيقة بها وتطهيرها من تلك المتأصلة في داخلها.
من هنا نفهم التشديد في روحانيّة الكنيسة الأرثوذكسيّة على التوبة المستدامة. [يدعوها القدّيس باييسيوس الآثوسي: العمل اليدوي الذي لا ينتهي أبداً]. ليس المقصود بها انقطاعٌ عن أفعال وعادات رديئة فقط، بل، أيضاً، عن أيّ فكرٍ أو نمطِ حياة لا يتوافقان والإنجيل واستبداله بما يوافقه.
التوبة مسيرة حياة مستمرّة ابتغاء بلوغ الإنسان الحرّ حقّاً؛ توبةٌ تتطلّع إلى نزع الخطيئة التي تستعبد واستبدالها بالفضيلة التي تحرّر. إنّها تحرير الضمير والنَزَعات التي تقزّم الإنسان قبل تحرير البنية الخارجيّة التي يعيش فيها. أيّة عمليّةِ تحرّرٍ لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الداخلي (الروحيّ) تبقى ناقصة ولا تبلغ الكمال. تربية النفوس على روح المحبّة المسيحيّة الحقّ أمرٌ شديد الأهميّة. تمهد التربية الطريق إلى اللاهوت القويم الذي يغيّر الإنسان جذريّاً.
يعتبر التعليم المسيحي أنّ الروحانيّة غير المؤسّسة على اللاهوت الحقّ المستقيم، إنّما هي روحانيّةٌ هشّةٌ، نتاجٌ بشريُّ لا إلهيّ؛ وتالياً لا تُشبع النفس البشريّة ولا تُبلغها إلى السلام والفرح المنشودين.
من هنا، يحتاج أيّ عملٍ أو تعليمٍ تقوم به الكنيسة إلى الاستناد على لاهوت سليم ونقيّ؛ على رؤيةٍ موافقةٍ للإنجيل.
لنضرب مثالاً، والأمثلة كثيرة. إذا أردنا أن نرسم سياسةً ماليّةً للأوقاف الكنسيّة فلا يمكننا وضعها استناداً إلى الدراسات الاقتصاديّة والمحاسبيّة والإداريّة فقط. هذه علوم لا بدّ منها من أجل نجاح الاستثمار والتنمية والحفاظ على استمرارهما، لكنّها لا تكفي للحصول على تعاطٍ للمال موافق للإنجيل. ما دور المال ووظيفته ومكانته مسيحيّاً؟ ما علاقته بالله والإنسان بعامّةٍ، وتالياً استخدامه بما يتوافق مع واقع الكنيسة وحياتها؟ نضع الرؤية اللاهوتيّة للمال أوّلاً لكي نرسم سياسة وقفيّة موافقة لإيماننا، ومن ثمّ نستفيد من العلوم المذكورة في تطبيق هذه الرؤية بالطريقة الفضلى التي تحقّق الهدف.
تطلق صفة اللاهوت اليوم على حقول متنوّعة فيُقال لاهوت الرعاية، الليتورجيا، الحقّ الكنسي… لاهوت المال، العدالة، الفقر والغنى… إلخ. المقصود بهذا الكلام هو الرؤية المسيحيّة لهذه القضيّة أو تلك. تشمل المسيحيّة الحياة بكلّيتها، لا جزءاً منها. كلّ مسيحي مدعو بصدقه وبنعمة الله، إلى تجسيد كلمة الربّ: “أتيت لتكون لكم الحياة ولتكون أوفر” (يو10/10)، وتالياً إلى جعل العالم أفضل.
لكن، عندما يكون التأثر بفكر هذا العالم أقوى من التأثر باللاهوت المستقيم تميل كفّة الكنيسة إلى هذا العالم ويبدأ الانحراف. آنذاك يكون فكر هذا الدهر هو المسيّر لها لا فكر المسيح. هذا التحدّي قائمٌ دائماً في وسط الكنيسة. ولا حلّ له إلا بكثرة المستنيرين والمتألهين.
التوتّر بين الانحياز إلى فكر المسيح أو إلى فكر هذا الدهر تحدٍّ يواجه الكنيسة، على صعيد الجماعة والفرد، في كلّ حين، حتّى اليوم الأخير إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
وما أكثر التحدّيات في هذا الزمن. تواجه الكنيسة في زمننا الحاليّ تغيّرات شديدة التسارع تطرح عليها تحدّياتٍ لم يسبق أن واجهتها البشريّة قبلاً. كما أنّ سياق الفكر الطاغي يقود إلى رفض ما هو تقليديّ عموماً.
يتغنّى الشرقيّون بلاهوتهم، وهذا حقّ. فقد بقي اللاهوت الأرثوذكسي صافياً وسامياً، لكن المهمّ أن يُرى ويُلمَس في الحياة. إذا ما تغنّينا به ولم يظهر فينا يبقى حبيسَ الكلام. هل تكفي إقامة الحجج والبراهين على استقامته ما لم يتجسّد فعلاً في الحياة؟
لا يحتاج الناس إلى من يخبرهم عن محبّة قويمة، بل إلى من يرونها حيّة مُعاشةً فيهم.
السؤال الأهمّ في هذا السياق هو: كيف نجسّد لاهوتنا في الحياة اليوميّة بحيث تصير أعمالنا ومواقفنا وسلوكيّاتنا، أفراداً وجماعات، كنائس ومؤسّسات كنسيّة وشخصيّة، نابعة منه ومتطابقة معه؟
للذين أنارهم الروح القدس الدور الأهمّ في رسم هذه المسيرة الملكوتيّة وتفعيلها. يبقى أنّ أيّ تجاهل لللاهوت المستقيم إنّمّا يتمّ على حساب الإنجيل وحقّه.

(المتروبوليت سابا اسبر)

نظرة عامة على أديان العالم القديم: كيف نشأت تلك الديانات، وماذا عبد البشر في مختلف أصقاع العالم

$
0
0
نظرة عامة على أديان العالم القديم: كيف نشأت تلك الديانات، وماذا عبد البشر في مختلف أصقاع العالم

الدين Religion (من الكلمة اللاتينية Religio بمعنى ”ضبط النفس“ أو Relegere، و وفقًا للكاتب الروماني (شيشرون)، التي تعني ”التكرار أو القراءة مرة أخرى“، أو هي على الأرجح من كلمة Religionem أي ”إظهار الاحترام لما هو مقدس“) وفي اللغة العربية هو العادة والشأن. والتدين: الخضوع والاستعباد، والدين هو نظام منظم من المعتقدات والممارسات التي تدور حول، أو تؤدي إلى، تجربة روحية معينة. ولا توجد ثقافة مسجلة في تاريخ البشرية لم تمارس شكلاً من أشكال الدين.

لم يمكن تمييز الدين في العصور القديمة عما يعرف باسم ”الأساطير“ في يومنا هذا، وكل دين يتألف من طقوس منتظمة تستند إلى الإيمان بالكيانات الأعلى الخارقة للطبيعة التي خلقت واستمرت في الحفاظ على العالم والكون المحيط بها. تجسدت هذه الكيانات وتصرفت بطرق تعكس قيّم الثقافة التي ولدت فيها (كما هو الحال في مصر) أو تشارك في بعض الأحيان في أعمال تتناقض مع تلك القيم (كما يرى المرء مع آلهة اليونان). الدين، آنذاك والآن، يهتم بالجانب الروحي للحالة الإنسانية، بالآلهة والإلهات (أو إله أو إلهة شخصية واحدة)، وكيفية خلق العالم، مكانة الإنسان في هذا العالم، الحياة بعد الموت، الأبدية وكيفية الهروب من المعاناة في هذا العالم أو في العالم التالي. وقد أنشأت كل أمة إلهها في صورتها ويشابهها، في بذلك كتب الفيلسوف اليوناني (زينوفانيس كولوفون) (حوالي 570-478 قبل الميلاد) ذات مرة:

”إن الناس هم من استحدثوا الآلهة وأضافوا إليهم عواطفهم وأصواتهم وهيئتهم، فالأثيوبيون يصورون آلهتهم سود فطس الأنوف وأهل تراقية يصورون آلهتهم حمر الشعور زرق العيون ولو استطاعت الثيرة والخيل لصورت آلهة على هيئتهم، وقد وصف هوميروس وهزيود الآلهة بما هو موضع تحقير وملامة، إلا إنه لا يوجد إلا إله واحد أرفع الموجودات السماوية والأرضية ليس مركبا على هيئتنا ولا مفكرًا مثل تفكيرنا ولا متغيرًا بل هو ثابت كله بصر وكله فكر وكله سمع يحكم ويحرك الكل بقوة فكره ودون عناء“.

اعتقد (زينوفانيس) أن هناك ”إله واحد، بين الآلهة أعظم من البشر، وليس على الإطلاق مثلهم في الجسد أو العقل“، لكنه كان بذلك الاعتقاد من الأقلية. فالتوحيد لم يكن له معنى بالنسبة للبشر القدامى بصرف النظر عن قلة من الموحدين وأنبياء اليهودية. معظم الناس، على الأقل بقدر ما يمكن معرفته من السجلات المكتوبة والأثرية، آمنوا بالكثير من الآلهة، وكان لكل منها مجال نفوذ وتخصص خاص. ففي حياة المرء العامة لا يوجد شخص واحد فقط يوفر احتياجات الفرد كلها، يتفاعل المرء مع العديد وأنواع مختلفة من الناس من أجل تحقيق التكامل والحفاظ على التوازن واستمرارية الحياة.

خلال حياة الفرد في يومنا هذا، سيتفاعل المرء مع الذين أنجبوه والأشقاء والمدرسين والأصدقاء والعشاق وأرباب العمل والأطباء والعاملين في محطات الوقود والسباكين والسياسيين والأطباء البيطريين وما إلى ذلك. لا يمكن لشخص واحد ملء جميع هذه الأدوار أو توفير جميع احتياجات الفرد، كما كان في العصور القديمة.

وبالطريقة نفسها شعر القدماء أن إلهًا واحد لن يستطيع إيفاء جميع احتياجاتهم، مثلما أنك لن تذهب إلى سباك بطفلك المريض، فإنك لن تذهب إلى إله الحرب ومعك مشكلة تتعلق بالحب. إذا كان أحد يعاني من مشكلة عاطفية، فإنه سيتضرع إلى إلهة الحب. إذا أراد المرء الفوز في قتال، عندها فقط سوف يستشير إله الحرب.

قام العديد من آلهة أديان العالم القديم بهذه الوظيفة كمتخصصين في مجالاتهم. في بعض الثقافات قد يصبح إله أو إلهة معينة شائعًا للغاية بحيث يتخطى الفهم الثقافي للتعددية ويفرض وجوده وتعبده موقفًا قويًا وشاملًا إلى حد أن يحول ثقافة متعددي الآلهة تقريبًا إلى ثقافة هينوثية (الإيمان وعبادة إله واحد مع قبول وجود أو احتمال وجود إله آخر والذي يمكن أن يعبد أيضًا).

في حين أن الشرك يعني عبادة ألهة عدة معًا، فإن الهينوثية (التعددية الدينية) تعني عبادة إله واحد بتجسدات عديدة. كان هذا التحول في الفهم نادرًا جدًا في العالم القديم، وقد تكون الإلهة إيزيس وإله مصر آمون أفضل مثال على الصعود الكامل للإله من واحد من بين الكثيرين إلى الخالق الأسمى والاكتفاء به خالق للكون المعروف ذو التجليات المختلفة.

لوحظ أن كل ثقافة قديمة مارست شكلاً من أشكال الدين، لكن متى بدأ الدين أمر لا يمكن تحديده بأي قدر من اليقين. إن الجدل الدائر حول ما إذا كان دين بلاد ما بين النهرين قد ألهم ديانة المصريين قد استمر منذ أكثر من قرن من الزمان ولا يقترب من الاتفاق على رأي حتى الآن. من الأرجح أن تكون كل ثقافة قد طورت إيمانها بالكيانات الخارقة لوحدها بسبب الحاجة العلامة لشرح الظواهر الطبيعية (النهار والليل، الفصول، الظواهر الطبيعية) أو للمساعدة في فهم وجودهم وحالة عدم اليقين التي يجدها البشر في حياتهم اليومية.

في حين أنه قد يكون من المثير للاهتمام محاولة تتبع أصول الدين في كل ثقافة وحضارة، إلا أنه لا يبدو مهمًا جدًا عندما يكون من الواضح إلى حد ما أن الدافع الديني هو ببساطة جزء من الحالة الإنسانية وأن الثقافات المختلفة في أجزاء مختلفة من العالم قد توصلت إلى نفس الاستنتاجات حول معنى الحياة بشكل مستقل.

الدين في بلاد ما بين النهرين القديمة

تمثال لإحدى الشخصيات السومرية وهي تؤدي طقوس العبادة
تمثال لإحدى الشخصيات السومرية وهي تؤدي طقوس العبادة.صورة: Osama Shukir Muhammed Amin

كما هو الحال مع العديد من التطورات والاختراعات الثقافية التي منحت بلاد ما بين النهرين لقب ”مهد الحضارة“ فهي كذلك مهد الأديان. من غير المعروف متى ظهر وتطور الدين في بلاد ما بين النهرين، ولكن أول سجلات مكتوبة للممارسة الدينية تعود إلى عام 3500 قبل الميلاد في سومر. انطوت المعتقدات الدينية لبلاد ما بين النهرين على أن البشر كانوا زملاء عمل مع الآلهة وتعاونوا معهم لكبح جماح قوى الفوضى التي أطلقتها الآلهة العليا في بداية الوقت، وبذلك نشأ النظام من الفوضى على يد الآلهة. واحدة من الأساطير الأكثر شعبية توضح هذا المبدأ وتروي كيف إن كبير الإلهة مردوخ هزم الإلهة تيامات وقوى الفوضى وخلق العالم. كتب المؤرخ الدكتور (بريندان ناغل):

”على الرغم من انتصار الآلهة الظاهر لم يكن هناك ما يضمن أن قوى الفوضى قد لا تستعيد قوتها وتخرّب الخلق الأنيق للآلهة. شارك الآلهة والبشر على حد سواء في النضال الدائم لكبح جماح الفوضى، وكان لكل منهم دوره الخاص في هذه المعركة الدرامية. كانت مسؤولية سكان مدن بلاد ما بين النهرين هي تزويد الآلهة بكل ما يحتاجونه لإدارة العالم“.

تم خلق البشر، في الواقع، لهذا الغرض بالذات: للعمل مع الآلهة ومن أجل نهاية تحمل الإفادة للطرفين. ادعاء بعض المؤرخين بأن أهل بلاد ما بين النهرين كانوا عبيداً للآلهة هو أمر لم يعد موضوع نقاش حتى، لأنه من الواضح تماماً أن الناس فهموا مكانتهم كزملاء وأنداد للآلهة. دفعت الآلهة البشر لخدمتهم من خلال رعاية احتياجاتهم اليومية في الحياة (مثل تزويدهم بالبيرة شراب الآلهة) والحفاظ على العالم الذي عاشوا فيه. هذه الآلهة عرفت احتياجات الناس عن قرب لأنهم لم يكونوا كيانات بعيدة تعيش في السماوات بل سكنوا في منازل على الأرض بناها شعبهم، كانت هذه المنازل هي المعابد التي ظهرت في كل مدينة من بلاد ما بين النهرين.

كانت مجمعات المعابد، التي تغلب عليها الزقورات الشاهقة، تُعتبر حرفيًا منازل للآلهة، فكان الناس يطعمون تماثيلها ويلبسونها يوميًا، بينما كان الكهنة والكاهنات يعتنون بها كما يرعون الملك أو الملكة. في حالة الإله (مردوخ)، على سبيل المثال، حُمل تمثاله من معبده أثناء الاحتفال بتكريمه ليجول في مدينة بابل حتى يقدر جمالها بينما يستمتع بالهواء المنعش وأشعة الشمس.

ملكة الليل، أو إنانا.
ملكة الليل، بلاد ما بين النهرين.صورة: Wikimedia Commons

كانت (إنانا) آلهة جبارة أيضًا، وكانت تعتبر إلى حد بعيد آلهة الحب والجنس والحرب، وقد اعتنى الكهنة بتمثالها ومعبدها بأمانة واهتمام كبيرين. تعتبر (إنانا) واحدة من أوائل الأمثلة على شخصية الإله الذي يموت ويحييا بنزوله إلى العالم السفلي وعودته إلى الحياة، فتجلب الخصوبة والوفرة إلى الأرض. كانت عبادتها شائعة جدًا ومنتشرة في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين. ستجد هذه الإلهة بأشكال عدة: (عشتار) لدى الأكاديين (ومن ثم الآشوريين)، (عشتاروت) عند الفينيقيين والكنعانيين و(سوسكا) عند الحوريين الحثيين، وارتبطت بـ (أفروديت) عند الإغريق و(إيزيس) في مصر و(فينوس) لدى الرومان.

شكلت المعابد مركز حياة المدينة عبر تاريخ بلاد ما بين النهرين من الإمبراطورية الأكادية (حوالي 2334-2150 قبل الميلاد) وصولًا إلى الآشوريين (حوالي 1813-612 قبل الميلاد) وحتى بعد ذلك. قدّم المعبد خدماته في مجالات متعددة، إذ قام رجال الدين بتوزيع الحبوب وفائض البضائع على الفقراء وتقديم المشورة للمحتاجين وتقديم الخدمات الطبية ورعاية المهرجانات الكبرى التي كرمت الآلهة. على الرغم من أن الآلهة اهتموا كثيراً بالبشر أثناء حياتهم، إلا أن الحياة الآخرة لأهل بلاد ما بين النهرين كانت عالمًا كئيبًا مريعًا يقع أسفل الجبال البعيدة، حيث شربت الأرواح مياه متعفنة من البرك وأكلوا الرماد إلى الأبد في ”أرض اللا عودة“. هذه النظرة القاتمة لمثواهم الأبدي كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن وجهة نظر المصريين.

الدين في مصر
سلسلة من مفاتيح الحياة
مفتاح الحياة أو العنخ .صورة: Osama Shukir Muhammed Amin

كان الدين المصري مشابهًا لإيمان بلاد ما بين النهرين، حيث إن البشر كانوا زملاء للآلهة في عملية الحفاظ على النظام. كان مبدأ التناغم (المعروف لدى المصريين باسم ماعت) ذا أهمية قصوى في الحياة المصرية (وفي الحياة الآخرة)، وكان دينهم متأصلاً بالكامل في كل جانب من جوانب الوجود. يعتبر الدين المصري مزيجًا من السحر والأساطير والعلوم والطب والطب النفسي والروحي وعلم الأعشاب، إضافة للفهم المعاصر والواعي لـ ”الدين“ باعتباره الإيمان بقوة أعلى وحياة بعد الموت. كانت الآلهة أصدقاء البشر ولم يسعوا إلا إلى تحقيق الأفضل لهم من خلال تزويدهم بالأراضي المثالية للعيش فيها ومنزلًا أبديًا للاستمتاع به عند انتهاء حياتهم على الأرض.

تأتي أول سجلات مكتوبة للممارسة الدينية المصرية من حوالي 3400 سنة قبل الميلاد في فترة مصر ما قبل التاريخ (6000 – 3150 قبل الميلاد). ظهرت بعض الآلهة مثل (إيزيس) و(أوزيريس) و(بتاح) و(حتحور) و(أتوم) و(ست) و(نيفتيس) و(حورس) كقوى عظيمة جرى الاعتراف بها في وقت مبكر إلى حد ما. تشبه أسطورة الخلق المصري قصة بلاد ما بين النهرين حيث لم يكن هناك في الأصل سوى مياه فوضوية راكدة، ذلك المحيط كان بلا حدود بلا عمق وذا صمت مطبق، وعلى سطحه كان هناك تلة (تعرف باسم بن بن، الرابية البدائية أو الأساسية، التي يُعتقد أنها ترمز إلى الأهرامات) وقف الإله العظيم أتوم (الشمس) على بن بن وتكلم، وحينها ولد الإله شو (من الهواء) والإلهة تيفنوت (من الرطوبة) والإله جب (الأرض) والإلهة نوت (السماء). وبجانب أتوم وقفت هيكا، التي تجسد السحر، والسحر (هيكا) أنجب الكون.

تقدم (أتوم) للزواج من (نوت) لكنها وقعت في حبّ (جب)، ولغضبه من العاشقين، فصلهما (أتوم) عن طريق مد جسد (نوت) عبر السماء على ارتفاع عالٍ عن (جب) على الأرض. على الرغم من انفصال العاشقين خلال النهار، فقد اجتمعا ليلًا وأنجبت (نوت) ثلاثة أبناء هم (أوزيريس) و(ست) و(حورس)، وابنتين هما (إيزيس) و(نيفتيس).

أُعلن أن (أوزيريس)، كونه الأكبر سناً، هو ”رب الأرض“ عندما وُلد واعتبرت أخته (إيزيس) زوجته المستقبلية. كره (ست)، الذي أحرقته الغيرة، شقيقه وقتلته لتولي العرش. قامت (إيزيس) بتحنيط جسد زوجها وبتعويذة قوية أعادت (أوزيريس) من بين الأموات لإعادة الحياة لشعب مصر وإنجاب (حورس). خدم (أوزيريس) لاحقًا باعتباره القاضي الأعلى لأرواح الموتى في قاعة الحقيقة، ومن خلال وزن جوهر الروح في الميزان يقرر من يُمنح الحياة الأبدية.

عرفت الآخرة المصرية (الجنة) باسم ”حقول القصب“ أو آرو وكانت صورة طبق الأصل عن الحياة على الأرض حتى مع وجود شجرة المرء المفضلة وكلبه، وأولئك الذين أحببتهم في الحياة إما سيكونون منتظرين عندما تصل أو سيتبعونك. نظر المصريون إلى الوجود الأرضي على أنه مجرد جزء من رحلة أبدية وكانوا مهتمين جدًا بالانتقال اليسير إلى المرحلة التالية حتى قاموا بإنشاء مقابرهم المتقنة (الأهرامات) والمعابد والنقوش الجنائزية (نقوش الهرم والتابوت والرسومات وكتاب الموتى المصري) للمساعدة في مرور الروح من هذا العالم إلى الآخر.

رعت الآلهة البشر بعد الموت تمامًا كما تفعل في الحياة منذ بداية الزمن، وفّرت الإلهة (كيبيشت) الماء إلى النفوس المتعطشة في أرض الموتى وغيرها من الآلهة مثل (سركت) و(نيفتيس) اللواتي رعتا وصانتا الأرواح أثناء سفرها إلى حقول القصب. فهم الإنسان المصري أن الكون القديم، منذ الولادة وحتى الموت وصولًا لما بعد الموت، قد نُظّم من قبل الآلهة ولكل فرد دوره في هذا النظام.

الدين في الصين والهند

فيشنو في تجسده فاراها
فيشنو في تجسده فاراها.صورة: Jean-Pierre Dalbéra

يعد مبدأ النظام أمرًا بالغ الأهمية في أقدم الديانات العالم والتي لا تزال حيّة حتى يومنا هذا، كالهندوسية (المعروفة باسم أتباع سانتان دارما، ”النظام الأبدي“). على الرغم من أنه غالباً ما يُنظر إليها على أنها ديانة متعددة الآلهة، إلا أن الهندوسية هي في الواقع ديانة هينوثية، أي أنه هناك إله واحد فقط في الهندوسية، وهو (براهما)، وجميع الآلهة الأخرى هي تجلياته وانعكاساته. نظرًا لأن (براهما) مفهوم هائل للغاية للعقل البشري بحيث يتعذر فهمه، فهو يقدم نفسه في العديد من الأشكال المختلفة والتي يتعرف عليها الناس كآلهة مثل (فيشنو) و(شيفا) والعديد العديد من الآلهة الأخرى. يشمل نظام المعتقدات الهندوسية 330 مليون إله، وتتراوح بين أولئك المعروفين على المستوى الوطني (مثل كريشنا) إلى الآلهة المحلية الأقل شهرة.

الفهم الأساسي للهندوسية هو وجود نظام للكون ولكل فرد مكان محدد في هذا النظام. كل شخص على هذا الكوكب لديه واجب (دارما) لا يمكن لأحد آخر القيام به سواه. إذا كان المرء يتصرف بشكل صحيح في أداء هذا الواجب (الكارما)، فحينئذٍ يكافأ المرء بالاقتراب من الكيان الأعلى ويصبح في النهاية واحدًا مع الإله، وإذا لم يحدث ذلك يتجسد المرء عدة مرات بقدر ما يستلزم الأمر لفهم كيفية العيش والاقتراب من الاتحاد مع الروح العليا أخيرًا.

تبنى (سيدهارتا غوتاما) هذا الاعتقاد عندما أصبح البوذا وأسس الدين المعروف باسم البوذية. ومع ذلك، في البوذية، لا يسعى المرء إلى الوحدة مع الإله ولكن مع الطبيعة الأسمى، حيث يتخلى المرء عن أوهام العالم التي تولد المعاناة وتغمر العقل بالخوف من الخسران والموت، أصبحت البوذية ذات شعبية كبيرة لدرجة أنها انتقلت من الهند إلى الصين حيث تمتعت بنجاح مكافئ.

عظم أوراكل صيني
عظم أوراكل صيني.صورة: BabelStone

كما يتضح من التصميمات على السيراميك الموجودة في موقع أثار العصر الحجري في قرية بانبو شرق مقاطعة شيان الصينية، يُعتقد أن الدين قد تطور منذ أوائل عام 4500 قبل الميلاد في الصين القديمة. ربما كانت مجموعة العقائد المبكرة هذه مزيجًا من الأرواحية والأساطير، حيث تشتمل تلك التصميمات على حيوانات يمكن التعرف عليها كتنانين الخنازير، وهي أسلاف التنين الصيني الشهير.

بحلول زمن أسرة شيا (2070-1600 قبل الميلاد) عبد الناس العديد من الآلهة المجسمة مع إله رئيسي هو (شانغتي)، الذي ترأسها بشكل عام. استمر هذا الاعتقاد، مع بعض التعديلات والاختلافات، حتى فترة حكم أسرة شانغ (1600-1046 قبل الميلاد) التي تطورت فيها ممارسة عبادة الأسلاف.

اعتقد الناس أن (شانغتي) يتحمل الكثير من المسؤوليات لدرجة أنه أصبح مشغولاً للغاية بحيث لا يستطيع تلبية احتياجاتهم، واُعتقد أنه عندما يموت شخص ما فإنه يذهب للعيش مع الآلهة ويصبح وسيطاً بين الناس وتلك الآلهة. أثرت عبادة الأسلاف على نظامي المعتقدات الصينية الأكبر، الكونفوشيوسية والطاوية، وكلاهما جعل عبادة الأسلاف من المبادئ الأساسية لممارساته. بمرور الوقت، تم استبدال (شانغتي) بمفهوم ”تيان“ (الجنة)، وهي جنة يقيم فيها الموتى في سلام دائم.

من أجل الانتقال من حياة الأرض الدنيوية إلى الجنة، كان على المرء عبور جسر النسيان فوق الهاوية، وبعد النظر إلى حياته الماضية للمرة الأخيرة، يشرب من فنجان يُطهر الذاكرة بكل ما فيها. على الجسر يتم الحكم على المرء إما أنه يستحق الجنة وبذلك يمر، أو لا يستحقها فينزلق من الجسر إلى الهاوية ليتم ابتلاعه في الجحيم. تدعي إصدارات أخرى من هذا السيناريو نفسه أن الروح تتقمص جسدًا آخر بعد تجرعها من الكأس. في كلتا الحالتين كان من المتوقع أن يتذكر الأحياء الموتى الذين عبروا الجسر إلى الجانب الآخر وعليهم تكريم ذكراهم.

الدين في أميركا الوسطى

قس من حضارة الزابوتيك
كاهن من حضارة الزابوتيك.صورة: James Blake Wiener

إحياء ذكرى الموتى والجزء الذي لا يزالون يلعبونه في حياة من هم على الأرض كان مكونًا مهمًا لجميع الأديان القديمة بما في ذلك معتقدات شعب المايا، وقد شاركت الآلهة في كل جانب من جوانب حياة المايا. كما هو الحال مع الثقافات الأخرى، كان هناك العديد من الآلهة المختلفة (أكثر من 250 إله) كل منهم له مجال نفوذه الخاص. سيطروا على الطقس والحصاد واختيار الشريك، أشرفوا على كل ولادة وكانوا حاضرين في كل وفاة.

الحياة الآخرة لشعب المايا مشابهة لبلاد ما بين النهرين من حيث أنها كانت مكانًا مظلمًا وكئيبًا، لكن المايا تخيلوا مصيرًا أسوأ حيث كان المرء يتعرض دائمًا للتهديد بالاعتداء أو للخداع من قبل أمراء الشيطان الذين سكنوا العالم السفلي (المعروف باسم زيبالبا أو مينتال). كان الخوف من الرحلة عبر زيبالبا بمثابة قوة ثقافية مُحرّكة لشعب المايا لدرجة أنها الثقافة القديمة الوحيدة المعروفة التي تكرم آلهة الانتحار (إيزتاب)، لأنه كان يُعتقد أن حالات الانتحار تتجاوز زيبالبا وتذهب مباشرة إلى الجنة، (كما الحال مع أولئك الذين ماتوا في عملية الولادة أو في المعركة). آمن المايا بطبيعة الحياة الدورية، أي أن كل الأشياء التي تبدو وكأنها تموت ببساطة قد تحولت من شكل لآخر، واُعتبروا الحياة البشرية مجرد شكل آخر من النمط الذي رأوه من حولهم في الطبيعة، فقد شعروا أن الموت كان تقدمًا طبيعيًا إلى الحياة الآخرة، لكنهم كانوا يخشون من الاحتمالية غير الطبيعية للغاية المتمثلة في عودة الأموات لمطاردة الأحياء.

كان من الممكن أن يتمسك الشخص بالحياة لأي سبب من الأسباب (ألا يًدفن الزعيم بشكل لائق مثلًا) ولهذا أقيمت الاحتفالات لإحياء ذكرى الموتى وتكريم أرواحهم. وقد جرى تبنى هذا الاعتقاد أيضا من قبل ثقافات أخرى في أمريكا الوسطى غير المايا مثل الأزتيك وتاراسقان. بمرور الوقت تطور هذا التقليد إلى عطلة تُعرف اليوم باسم ”يوم الموتى“ (El Dia de los Muertos)، حيث يحتفل الناس بحياة من توفوا ويتذكرون أسماءهم.

لم يكن الناس وحدهم هم الذين يجب تذكرهم وتكريمهم، ولكن أيضًا ممثلي الإله المهم جدًا والذي يشار إليه باسم ”إله الذرة“. إله الذُرة هو شخصية سماوية تموت وتحيا في صورة (هون هانبو) الذي قُتل على يد أمراء زيبالبا، فأعاد ولداه التوائم البطل إلى الحياة، ليخرج من العالم السفلي بهيئة نبتة ذرة. لإله الذرة عدة تجليات شائعة في صناعة التماثيل لدى المايا، حيث يجري تصويره دائمًا باعتباره شابًا وسيمًا خالدًا برأس ممدود مثل الذرة، وشعر طويل يتدفق مثل شعر الذرة، ومزين بزخارف من الأحجار الكريمة ترمز إلى ساق الذرة. اعتبر المايا هذا الإله مهمًا جدًا لدرجة أن الأمهات كن يربطن رؤوس أبنائهن الصغار بالأرض على الجبهة ويمددن رؤوسهم للتشبه به.

لقد بقي إله الذرة ذا أهمية كبيرة للمايا حتى عندما تغلب عليه أعظم وأشهر الآلهة (غوكوماتز) –المعروف أيضًا باسم كوكولكان وكيتزالكووتل –وما يزال هرمه الأكبر في تشيتشن إيتزا يُزار من قبل ملايين الناس كل عام في الوقت الحاضر. عند تساوي الليل والنهار سنويًا، تلقي الشمس بظلالها على سلالم الهيكل الهرمي فتبدو أشبه بالثعبان الكبير الذي ينحدر من الأعلى إلى الأسفل، ويعتقد أن هذا هو (كوكولكان) العظيم يعود من السماء إلى الأرض. يجتمع الناس في تشيتشن إيتزا إلى يومنا هذا لمشاهدة هذا الحدث في الاعتدالين لتذكر الماضي والأمل في المستقبل.

الديانة اليونانية والرومانية

الآلهة الإغريق
إعادة بناء القسم الغربي من البارثينون، حيث تشهد هذه المنحوتة معركة بين أثينا وبوسايدون.صورة: Tilemahos Efthimiadis

كان إحياء ذكرى الموتى جزءاً لا يتجزأ من التعبد الديني للفرد وذا أهمية كبيرة في معتقدات الإغريق أيضًا، فاستمرار ذكرى الموتى من قبل الأحياء يحفظ روحَ المتوفى من الفناء في الآخرة. لقد آمن الإغريق، مثل الثقافات الأخرى المذكورة أعلاه، بالعديد من الآلهة الذين كانوا يهتمون في كثير من الأحيان بالإنسانية ولكنهم، كما هو الحال في كثير من الأحيان، أهتموا لمتعهم الخاصة أكثر.

ربما تكون الطبيعة المتقلبة للآلهة قد ساهمت في تطور الفلسفة في اليونان حيث أن الفلسفة لا يمكن أن تتطور إلا في ثقافة لا يقتصر الدين فيها على احتياجات الناس الروحية. ولذلك انتقد (أفلاطون) باستمرار المفهوم اليوناني للآلهة وقال السياسي (كريتياس) أن الآلهة ببساطة خُلقت من قبل البشر للسيطرة على البشر الآخرين. وكما ذكرنا، اعتثد (زينوفانيس) أن النظرة اليونانية كانت خاطئة تمامًا وأن الإله لا يمكن تصوره.

ومع ذلك، كان يتوجب تكريم الآلهة بالنسبة لغالبية الإغريق –وكحاجة لسير المجتمع –وكذلك تكريم أولئك الذين انتقلوا إلى عالم الآلهة. فلمجرد أن الشخص لم يعد حيًا على الأرض لا يعني أنه ينبغي أن يُنسى، كما الحال مع تكريم الآلهة غير المرئية الذي يجب ألا يُنسى، وكما هو الحال مع الثقافات القديمة الأخرى، دُمج الدين في اليونان بالكامل في الحياة اليومية والروتينية.

البارثينون
البارثينون في اليونان.صورة: Wikipedia

استشار الإغريق الآلهة في مسائل تتراوح من شؤون الدولة العليا إلى القرارات الشخصية المتعلقة بالحب أو الزواج أو عمل الفرد. تحكي قصة قديمة كيف ذهب الكاتب (زينوفون) (430 – 354 قبل الميلاد) إلى (سقراط) ليسأله عما إذا كان الفيلسوف يعتقد أنه ينبغي عليه الانضمام إلى جيش (قورش) الأصغر في حملته إلى بلاد فارس. أرسله (سقراط) لطرح السؤال على الإله في معبد دلفي المخصص للإله (أبولو)، لكن بدلاً من طرح سؤاله الأصلي، سأل (زينوفون) إله دلفي عن أي من الآلهة الكثيرة كان من الأفضل له التضرع لها لضمان عودةٍ سالمةٍ غانمة، ويبدو أنه حصل على الإجابة الصحيحة كونه نجا من الحملة الكارثية التي قام بها (قورش)، ولم يعد فقط إلى أثينا، بل أنقذ الجزء الأكبر من الجيش.

يتبع دين روما نفس النموذج اليوناني، ومن المرجح أن الديانة الرومانية بدأت كنوع من الروحانية وتطورت مع اتصالها بالثقافات الأخرى. كان لليونانيين التأثير الأكثر أهمية على الدين الروماني، والعديد من الآلهة الرومانية هي ببساطة آلهة يونانية بأسماء رومانية وسمات قد غُيّرت قليلاً.

كانت عبادة الآلهة في روما مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشؤون الدولة، وكان يُعتقد أن استقرار المجتمع يعتمد على مدى تبجيل الناس للآلهة ومشاركتهم في الطقوس التي تبتغي وجههم. عذارى فستال هنّ أحد الأمثلة الشهيرة لهذا الاعتقاد، حيث أنه تم الاعتماد على هؤلاء النساء اللواتي عملن ككاهنات للمحافظة على العهود التي قدمت للإلهة وأداء واجباتهم بمسؤولية من أجل تكريم الإلهة (فستا) –إلهة الموقد والبيت والعائلة –باستمرار والحفاظ على النار المقدسة بحيث تظل مشتعلة دائماً تكريمًا لكل ما قدمته الآلهة للبشر.

على الرغم من أن الرومان قد استوردوا آلهتهم الرئيسية من اليونان، وبمجرد تأسيس الدين الروماني وربطه برفاهية الدولة، فلم يتم الترحيب بأي آلهة أجنبية. عندما دخلت عبادة الإلهة المصرية الشهيرة (إيزيس) إلى روما، منع الإمبراطور (أوغسطس) أي معابد يتم بناؤها على شرفها أو إقامة الشعائر العامة التي لاحظها لها لأنه شعر أن مثل هذا الاهتمام الموجه إلى إله أجنبي سيؤدي إلى تقويض سلطة الحكومة والمعتقدات الدينية الحالية. بالنسبة إلى الرومان، خلقت الآلهة كل شيء وفقًا لمشيئتها وصانت الكون بأفضل طريقة ممكنة، وكان على الإنسان أن يُظهر لها الامتنان على نعمها.

عذارى فستال
عذارى فستال.صورة: Getty Museum

لم يُطبق هذا الاعتقاد على الآلهة الرومانية ”الرئيسية“ فقط ولكن أيضًا على أرواح المنزل، فكانت البيناتس أرواح منزلية تحافظ على منزل الفرد وأمانه وتناغمه، ومن المتوقع أن يكون المرء ممتنًا لجهودها ويتذكرها عند دخوله منزله أو مغادرته، فيتم مثلا إحضار تماثيل للبيناتس من الخزانة و وضعها على الطاولة أثناء الوجبات لتكريمهما، وترك بعض الطعام في الموقد من أجلها، إذا كان المرء مجتهدًا في تقدير جهودها فقد تتم مكافأته بالصحة والسعادة المستمرة، وإذا نسيها فإنه سيعاني جراء هذا النوع من الجحود. على الرغم من أن ديانات الثقافات الأخرى لم يكن لديها بالضبط نفس هذه الأنواع من الأرواح، إلا أن الاعتراف بأرواح المكان –وخاصة المنزل– كان شائعًا.

الموضوعات الشائعة في الدين القديم وما استمر منهاتشترك أديان العالم القديم مع بعضها البعض في العديد من الأنماط على الرغم من أن الثقافات ربما لم يكن لها أي اتصال ببعضها البعض، فمثلًا تم مقارنة التشابهات الأيقونية الروحية لأهرامات المايا والأهرامات المصرية منذ أن تم توجيه انتباه العالم إلى تلك الحضارة من قبل المستكشف وعالم الآثار الأمريكي (جون لويد ستيفنز) والمستكشف والفنان الإنكليزي (فريدريك كاثوود) في القرن التاسع عشر، كما أن بُنى المعتقدات الفعلية والقصص وأهم الشخصيات في الأساطير القديمة تتشابه بشكل ملحوظ من ثقافة لثقافة.

يجد المرء أنماطًا متطابقة أو متشابهة جدًا في كل ثقافة، والتي وجدها الناس كملاذ لهم والتي أعطت حيوية لمعتقداتهم. تتضمن هذه الأنماط وجود العديد من الآلهة التي تهتم وترعى حياة الناس، خلقهم من قبل كيان خارق للطبيعة، خلق الطبيعة، وجود كائنات خارقة أخرى تنبثق من الكيان الأول والأكبر، مع وجود تفسير خارق للطبيعة لكيفية إنشاء الأرض والبشر، إضافة للعلاقة بين المخلوقات البشرية وإلههم الخالق والتي تتطلب العبادة والتضحية.. كل هذه المبادئ موجودة في كل الأديان.

هناك أيضًا تكرار لشخصية الإله الذي يموت ويحيى، وهو غالبًا كيان جبار بنفسه، يُقتل أو يموت ويعود إلى الحياة من أجل صالح شعبه، فهنالك (أوزيريس) في مصر و(كريشنا) في الهند، إله الذرة في أمريكا الوسطى، (باخوس) في روما، (أتيس) في اليونان و(تموز) في بلاد ما بين النهرين. غالبًا ما توجد حياة آخرة مماثلة للوجود الأرضي (مصر واليونان)، أو مخالفة للحياة على الأرض (أمريكا الوسطى وبلاد ما بين النهرين)، أو مزيج من الاثنين (الصين والهند).

يتكرر محتوى الرسالة الروحية نفسه لهذه الأديان المختلفة من نصوص فينيقيا (2700 قبل الميلاد) إلى نصوص سومر (2100 قبل الميلاد) إلى فلسطين (1440 قبل الميلاد) إلى اليونان (800 قبل الميلاد) إلى روما (حوالي 100 قبل الميلاد) وصولًا لمعتقدات أولئك اللاحقين. تم التطرق إلى هذه الفكرة في اليهودية في صورة يوسف (سفر التكوين 37، 39-45) الذي يبيعه أخوانه ليصبح عبدًا في مصر، ويوضع في السجن بعد اتهامات زوجة بوتيفار له، ثم يتم إطلاق سراحه واستعادة مكانته، وعلى الرغم من أنه لا يموت بالفعل، إلا أنه بعد ”قيامته“ الرمزية، ينقذ البلاد من المجاعة، ويصلح حال الناس بنفس الطريقة التي تصلح بها الشخصيات الأسطورية الرمزية الأخرى.

تمثال للإله بعل
تمثال برونزي للإله بعل.صورة: Jastrow

اعتبرت الحكاية الفينيقية عن الإله العظيم (بعل) الذي يموت ويعود إلى الحياة لمحاربة فوضى الإله (يام) حكاية قديمة من عام 2750 قبل الميلاد عندما تأسست مدينة صور (وفقًا لهيرودوت) والقصة اليونانية للإله (أدونيس) الذي يموت ليعود ويحيى (حوالي 600 قبل الميلاد) كانت قد استمدت من الحكايات الفينيقية السابقة المستندة إلى الإلهة (تموز) والتي استعارها السومريون (ثم الفرس لاحقًا) وجسدوها في أسطورة هبوط (إنانا) إلى العالم السفلي.

اكتسب موضوع الحياة بعد الموت والحياة المنبثقة منه، وبالطبع الحساب بعد الموت، أكبر شهرة من خلال الجهود الإنجيلية التي بذلها القديس بولس الذي نشر كلمة الإله يسوع المسيح القتيل الذي قام، في جميع أنحاء فلسطين القديمة وآسيا الصغرى، اليونان وروما (حوالي 42-62 ميلادي). لقد استمدت رؤية بولص لشخصية يسوع، ابن الرب الذي مات من أجل خلاص البشرية، من المعتقدات السابقة وغذّت فهم الأشخاص الذين سيكتبون ويجمعون ما يعرف بالعهد الجديد.

جعل دين المسيحية الاعتقاد بالحياة الآخرة معيار إيمان وأنشأ مجموعة منظمة من الطقوس التي يمكن أن يكتسب من خلالها الملتزمون بها الحياة الأبدية. بقيامهم بذلك كان المسيحيون الأوائل يتابعون ببساطة على خطى السومريين والمصريين والفينيقيين واليونانيين والرومان، وجميعهم كان لديهم طقوسهم الخاصة لعبادة آلهتهم. بعد المسيحيين وضع المفسرون المسلمون للقرآن طقوسهم الخاصة لفهم الإله الأعلى الذي، على الرغم من اختلافه في مبادئه عن الديانات المسيحية أو اليهودية أو الديانات الوثنية القديمة، خدم نفس غرض الطقوس والمعتقدات القديمة منذ أكثر من 5000 عام.

لتزويد البشر بفهم أنهم ليسوا وحدهم في نضالاتهم ومعاناتهم وانتصاراتهم، وأنهم قادرون على كبح جماح نزواتهم ورغباتهم، وأن الموت ليس نهاية الوجود فقد قدمت ديانات العالم القديم أجوبة على أسئلة الناس حول الحياة والموت، وبذلك فهي لا تختلف بالمطلق عن تلك الديانات التي تمارس في العالم اليوم.

الراهب الروسي راسبوتين 

$
0
0

الراهب الروسي راسبوتين 

مدخل شائع…
راسبوتين الراهب  المجنون المزعوم الذي دُّسَّ له السم لقتله، وأطلقوا عليه النار ورموا جثته في نهر متجمد من اجل التأكد من موته بشكل قاطع…

السيرة الذاتية

يُعد غريغوري راسبوتين أحد أكثر الشخصيات الغامضة و «الملعونة» في التاريخ. وُلد راسبوتين في قرية بوكروفسكوي الصغيرة في سيبيريا، عام 1869، وكان الوحيد من بين إخوته السبعة الذي ظلَّ على قيد الحياة بعد مرحلة الطفولة المبكرة.

لم يتلقَّ راسبوتين أي تعليم رسمي، وكان أُميّاً حتى أصبح بالغاً.  ولم يكن ذا نزعة أو حماسة دينية، وقد فشل في أن يصبح راهباً فتزوّج وأنجب ثلاثة أطفال، وبدا مستعداً لإمضاء بقية حياته في مزرعة العائلة إلى أن شعر بالإلهام بعد زيارته لدير، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، لكنه لم ينل اي رسامة كهنوتية، كما لم يترك عائلته تماماً، ولكن بالرغم من ذلك فقد أضحى في مراكز عالية دينياً وذاع صيت  قدراته ”الشفائيّة“ الأسطورية. وبحسب بعض الروايات، حين فرَّ من المدينة هارباً من العقاب بسبب اتهامه بسرقة حصان، انطلق في طريقٍ شر جعل منه أكثر رجل مشهَّر به في الإمبراطورية الروسية. 

بعد أن أمضى راسبوتين بعض الوقت في دير جبال الأورال، شرع في سلسلة من الرحلات الدينية، ربما أوصلته إلى جبل آثوس، واليونان، مركز الأرثوذكسية الشرقية للحياة الرهبانية. وبحلول أوائل القرن العشرين، حظِيَ راسبوتين بسمعة طيبة كمعلم روحي، أو رجل دين، بإمكان قواه السحرية علاج الأمراض الجسدية والروحية.

«الراهب العجيب» الذي مارَسَ سلطته على إمبراطور روسيااقتادته رحلاته في نهاية المطاف إلى سانت بطرسبرغ، حيث أثار إعجاب قادة الكنيسة المحلية، وحظي بدعم اثنتين من أميرات دولة الجبل الأسود، اللتين كانتا متزوجتين من أفراد من سلالة عائلة رومانوف.

الإمبراطور نيقولا وزوجته وأبنائه
الإمبراطور نيقولا وزوجته وأبنائه

قدمت الشقيقتان راسبوتين إلى القيصر نيقولا الثاني وزوجته ألكسندرا، اللذَيْن طَلَبا منه أن يصلي من أجل أن يُشفى ابنهما ألكسي، المصاب بسيلان الدم «الهيموفيليا» او الناعور.

وفي مناسبات عدة، كان وجود الراهب يُخفِّف من ألم الصبي ويوقف نزيفه. أصبح القيصر على اقتناعٍ تام بأنَّ راسبوتين هو الشخص الوحيد الذين بإمكانه علاج مرض ابنه، وازداد تأثيره على العائلة المالكة بشكلٍ سريع.

انتشرت الأقاويل في تلك الأثناء حول سلوك راسبوتين الداعر في كافة أرجاء سانت بطرسبرغ، كان يسكر بشراهة، ويرتاد دور البغاء، وذاع أنَّه كان يُغوي سيدات المجتمع بوعظهن بأنَّه بالخطيئة فقط يمكنهن أن يجدن الخلاص!

موقف الكنيسة الروسية

عارضته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وهي صاحبة النفوذ الروحي العظيم في روسيا شعبا وامراء واسرة مالكة، وأوردت إلى القيصر تقارير سرية توثق ممارسته الفجور. ورغم ذلك، رفض القيصر نيقولا إبعاد الرهاب خارج البلاط الملكي، وقال لرئيس وزرائه: «أفضِّل وجود عشرة مثل راسبوتين على واحدة من نوبات الإمبراطورة الهستيرية» .

زاد الوضع خطورة بحلول عام 1915، حين غادر نيقولا سانت بطرسبرغ ليقود الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى. تولَّت ألكسندرا زمام القيادة في غياب زوجها، ومنحت راسبوتين الحقَّ في تعيين أصدقائه قساوسة للكنيسة، ومناصب أخرى في الدولة.

أدَّى استشعار مجموعة من النبلاء أنَّ راسبوتين يشكل خطراً كبيراً على النظام الملكي، ويجب التخلص منه والتخطيط لاغتياله بغياب القيصر. فدعَوْه إلى حفلٍ، وبحسب رواية أحد المتآمرين، قدَّموا له الكعك والنبيذ المحقون بالسيانيد. وحين فقد السم تأثيره، أطلقوا عليه النار عدة مرات وألقوا جسده في نهرٍ متجمِّد. لكنَّ قتل راسبوتين لم ينقذ الإمبراطورية الروسية رغم ذلك. ففي آذار عام 1917، تنازل القيصر نيقولا عن عرشه، وقُتِل بعدها بعامٍ هو وعائلته على يد حرّاسهم البلاشفة.

يظل راسبوتين يُشكِّل لغزاً في موته كما في حياته، هل كان راهباً يسعي للروحانية أُسيء فهمه كما يعتقد الكثير من الروسيين المعاصرين؟ أم كان رجلاً محتالاً أسقط إمبراطورية؟ تثبت الثماني حقائق التالية أنَّه في حالة راسبوتين، فالحقيقة هي شيء أغرب من الخيال.

1.  لم يكن راسبوتين راهباً في حقيقة الأمر

في حقيقته لم يكن راسبوتين راهباً في الصورة يبارك ولايحق للرهبان ذلك...
في حقيقته لم يكن راسبوتين راهباً في الصورة يبارك ولايحق للرهبان ذلك…

رغم كون راسبوتين كان يُدعى «الراهب المجنون»، و «الراهب الأسود»، و «الشيطان المقدس»، فهو لم يُمنح نذور الرهبنة. بل اتهم الرهبان الروس الأرثوذكس بالتورط في علاقات جنسية شاذة، وصرَّح بأنَّ «حياة الرهبنة ليست لي، يمارس المرء العنف على الناس هناك» . 

2. لم يكن راسبوتين أول راهب يسيطر على القيصر وزوجتهقد تكون القدرة على الإقناع التي يتمتع بها راسبوتين مثيرة للإعجاب، لكنه وجد استعداداً تاماً من زوجة القيصر، فبعد أن تربَّت ألكسندرا على مذهب اللوثرية، تحوَّلت إلى الأرثوذكسية الروسية حين اعتلى  نيقولا العرش.

 الإمبراطورة ألكسندرا
الإمبراطورة ألكسندرا

سَحرَ راسبوتين أقارب عائلة رومانوف، ولم يلبث أن سحرَ العائلة المالكة نفسها بجاذبيته وحضوره، وقد كتب قيصر روسيا عنه قائلاً: ”قابلت منذ بضعة أيام غريغوري راسبوتين من مقاطعة توبولسك، وقد أحضر لي أيقونة القديس سيمون فيركوتوري. ترك هذا الرجل انطباعاً قويّاً في نفس جلالتها، وكذلك في نفسي، وقد امتد حديثنا من خمسة دقائق ليتجاوز الساعة.“

نما تأثيرراسبوتين على العائلة المالكة –بالأخص على زوجة القيصرألكسندرا– بعد أن أقنعهم بقدرته على شفاء ابنهم أليكسي من مرض الناعور وذلك عن طريق قوة الصلاة، وكلما ازداد اعتماد العائلة عليه كلما ازداد نفوذه. بالطبع لم يكن الجميع بحماسة عائلة القيصر بشأن (راسبوتين)، وعُّد ذلك أحد العوامل التي ساعدت في إشعال بدايات الثورة، وقد انتشرت الأقاويل والشائعات عن تورطه في علاقات جنسيّة ”غير أخلاقية“ بينه وبين الإمبراطورة، وكذلك بينه وبين الدوقة الكبرى.

انجذبت الامبراطورة  ألكسندرا إلى الحالة الروحانية الجديدة،واتّبعت راسبوتين، وتأثَّرت بأفراد أهل البلاط الملكي الذين آمنوا بالتنجيم. وفي عام 1901، وقعت هي والقيصر نيقولا تحت تأثير «معالج روحاني» فرنسي يُدعى فيليب نيزير- أنتيلمي فاشوت (ويُعرف أيضاً باسم ماستر فيليب دي ليون)، الذي أجرى جلسات روحية، وزعم أنَّ بإمكانه التنبؤ بالمستقبل والتلاعب بجنس الأطفال داخل الرحم.

ورُغم كون الفرنسي اتُّهم بالدجل وطُرد من روسيا، اعتقد الزوجان الملكيان أنَّه ساعدهما لكي يتمكنا من إنجاب طفلهما أليكسي. وحين أُصيب ألكسي بمرض الناعور الهيموفيليا، الذي يُعتقد أنه انتقل إليه من جدته الملكة فيكتوريا، ولم يستطع الأطباء الروس علاجه، لجأت ألكسندرا إلى راسبوتين «ذي القوى الخارقة» لتحصل على حلول.

3. تمنَّى راسبوتين أن يكون ضمن طائفة دينية خفيّة مارست الجَلد الذاتي كطقس ديني لكنه لم يصبح فرداً منهافزعت معلمة لدى العائلة المالكة من كون راسبوتين سُمح له بزيارة بنات القيصر في دار الحضانة بينما كانت الفتاتان ترتديان ثياب النوم، واتهمته بالانتماء لطائفة خاليستي، وهي جماعة انفصلت عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أواخر القرن السابع عشر.

كان لجماعة خاليستي خلايا سرية منتشرة في شتى أنحاء روسيا، وكان ثمة شائعات عن كونهم يجلدون أنفسهم، وينخرطون في طقوس النشوة التي وصلت في بعض الأحيان إلى العربدة.

كان لاعتقاد راسبوتين بأنَّه لا يمكن الوصول للخلاص إلا من خلال الانغماس في الخطيئة ثم التوبة، أوجه تشابه مع تعاليم خاليستي، لكن ما مِن دليل على انضمامه لتلك الطائفة.

ادَّعت ابنته، التي نشرت مذكرات عن والدها وأصبحت مؤدية في السريك وعاملة في أحواض بناء السفن الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، أنَّ راسبوتين «نظر في» الانضمام للطائفة كاليستي، لكنه رفضها.

4. ساعد وجود راسبوتين ألكسي بالفعلتمكَّن «الراهب المجنون» من تخفيف معاناة ألكسي بكل المقاييس. قدَّرت ألكسندرا قوى راسبوتين السحرية، واقترح آخرون أنَّه كان يُخضع الصبي تحت تأثير التنويم المغناطيسي. لكنّ التفسير الأكثر ترجيحاً هو أنَّ وجود راسبوتين وصلواته كان لهما تأثيرٌ مهدِّئ على ألكسندرا، التي كانت تمرره بدورها على ألكسي، ما يساعده على التعافي بسرعة.

أليكسي رومانوف ووالده القيصر وأخته
أليكسي رومانوف ووالده القيصر وأخته

وقد يتمثل عامل أساسي آخر في كون راسبوتين يحظر استخدام العلاجات الأخرى، مثل الأسبرين، المعروف الآن بكونه مسيلاً للدم. كان الأسبرين علاجاً جديداً ومبتكراً في أوائل القرن العشرين، ووصف لعلاج العديد من الأمراض، من بينها الأمراض المعروفة في الوقت الحالي بكونها ستزداد سوءاً، مثل الهيموفيليا التي أصابت ألكسي. 

5. ربما تنبّأ راسبوتين بوفاته ومقتل عائلة القيصرتقول الأسطورة إنّ راسبوتين تنبأ بوفاته في خطابٍ أرسله إلى القيصر نيقولا، في كانون الأول عام 1916، قال فيه: «أشعر أنني سأفارق الحياة قبل مطلع كانون الثاني.. إذا كان ما يربطنا من علاقة هو ما تسبَّب في موتي، عندها لن يبقى أحدٌ من أطفالك على قيد الحياة لأكثر من عامين» .

قُتل راسبوتين في الصباح الباكر من يوم 30 كانون الأول، على يد مجموعة أفراد من بينهم ابن عم القيصر، ونسيبه. وبعد أقل من عامين، في تموز عام 1918 بالتحديد، أُعدِمَ نيقولا وألكسندرا وأطفالهما الأربعة.

لم يرد خطاب راسبوتين إلا في عشرينات القرن الماضي، لكنَّ الشخص الوحيد الذي شهد صحة ما جاء فيه هو سكرتير راسبوتين، ويُدعى أرون سيمانوفيتش. لكن تكهنات راسبوتين الأخرى، بما فيها أنَّ العالم سينتهي في آب عام 2013، كانت وهمية. 

6. نجا راسبوتين من محاولة اغتيال واحدة لكنه لم ينجُ من الموت…في عام 1914، وجهَّت سيدة متسولة تابعة لأحد خصوم راسبوتين طعنة للراهب المجنون في المعدة. كان راسبوتين على وشك الموت حينها، لكنه استعاد عافيته بالكامل، وأثيرت شائعات بكونه من المستحيل أن يُقتل. وحين اغتيل على يد النبلاء بعدها بعامين، سرعان ما تحوّلت الملابسات الغريبة لأسطورة.

راسبوتين في شبابه
راسبوتين في شبابه

فبحسب بعض الروايات، بعد أن سُمم وأُطلق عليه النار عدة مرات، وإغراقه، كان راسبوتين لا يزال على قيد الحياة حين جرى سحبه من نهر مالايا نيفكا المتجمد.

في الواقع، استغرق الأمر من الشرطة ثلاثة أيام للعثور على جثته، ولم يتوصَّل تقرير تشريح الجثة إلى وجود أي آثار للسم في جسمه، فضلاً عن عدم وجود أي علامة تشير لكونه كان حياً حين أُلقي به في الماء. مات راسبوتين إثر رصاصة في الجبهة. 

7. يعتقد بعض المؤرخين أنَّ اغتيال راسبوتين كان مرتبطاً بمؤامرة من جاسوس بريطاني قُتل راسبوتين في منزل الأمير فيلكس يسيبوف، نسيب القيصر نيقولا. التحق يسيبوف بجامعة أكسفورد مع أوزوالد راينر، العميل البريطاني الذي كان يقطن روسيا إبان الحرب العالمية الأولى.

كان هذا، إلى جانب كره راسبوتين الموثق جيداً للحرب وأسلاف القيصر الألماني، دافعاً لبعض الكتاب إلى افتراض أنَّ البريطانيين كانوا يخشون من أن يؤدي تأثير هؤلاء في دفع القيصر إلى إحلال السلام مع ألمانيا.

ولتجنُّب هذا التحول الكارثي في مجرى الأحداث، خطَّط عملاء الاستخبارات البريطانيون، ونفذوا جريمة اغتيال راسبوتين. ومع ذلك يرى معظم المؤرخين أنَّ هذه النظرية غير معقولة، ولم يُعثر على أي مستند يؤكد صحة هذه المؤامرة في الملفات الخاصة.

8. كانت العائلة المالكة تؤمن براسبوتين حتى النهايةكانت المجاعة إلى جانب مقتل أكثر من ثلاثة ملايين روسي في الحرب العالمية الأولى هما الأساس 

 لقيام الثورة الشيوعية “ثورة اوكتوبر” في تشرين الأول 1917، التي أنهت سلالة رومانوف، وأدت إلى قيام الاتحاد السوفييتي.

لكنَّ ما قوَّض سمعة العائلة المالكة بشدة كانت الشائعات التي أفادت بأنَّ راسبوتين هو القوة السرية الكامنة وراء العرش، وتربطه علاقة بزوجة القيصر. ورُغم ذلك، ظلَّت عائلة رومانوف مخلصة لراسبوتين حتى النهاية. اعتقدت ألكسندرا أنَّ راسبوتين استمر في الصلاة من أجل زوجها في الحياة الأخرى، وكانت بنات رومانوف الأربع يرتدين التمائم في صورة جمعتهن براسبوتين في يوم وفاتهنّ.

لقد سحر راسبوتين العائلة المالكة بشخصيته وجاذبيته فعلاً

اغتيال راسبوتين

كما بينا اعلاه، في عام 1915 غادر القيصر من أجل قيادة الجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى، تاركاً الحكم في يد زوجته، لكن الشعب الروسي تساءل إن كان الحكم في الحقيقة بيد راسبوتين، ومع استمرار الشائعات حول راسبوتين وعلاقته بالإمبراطورة وتأثيره عليها، قرر الأمير فيليكس يوسوبوف نسيب القيصر وزوج إيرينا ابنة أخت القيصر بصحبة عصابة من أتباعه تخليص روسيا من  هذا الرجل، وقد وثّقت قصة قتل راسبوتين من قبل قاتله الأمير يوسوبوف الذي دوَّنَ في سيرته الذاتيّة «العَظَمَة المهدورة» Lost Splendor كيف خطط لقتله في إحدى ليالي كانون الاول عام 1916.

قام يوسوبوف بدعوة راسبوتين إلى حفلةٍ في قصره، ثمّ استدرجه للقبو من أجل تناول النبيذ والكعك، وكان قد دسّ سيانيد البوتاسيوم في كليهما، لكنّ راسبوتين استمرّ في تناول طعامه، وتناول ما يكفي لقتله عدة مرات قائلاً: ”نعم، إنّ رأسي ثقيل وأشعر بحرقة في معدتي.“ وحينما انتهى كان كل ما أثر فيه هو النبيذ الذي جعله ثملا لا أكثر.

قرر الأمير حينها أن يقوم بإطلاق النار عليه فأصابه بالقرب من قلبه، سقط (راسبوتين) لكنه لم يلبث أن فتح عيناه وهجم على (يوسوبوف) مطارداً إياه حتى فناء قصره، وهناك وقعت المواجهة الأخيرة إذ أطلق القتلة على راسبوتين أربع طلقات إلى أن تأكدوا من موته، لكنهم وتحسباً من عودته من الموت مجددا قاموا برمي جثته في نهر (نيفا) المتجمد.

وكما حامت الإشاعات بـراسبوتين في حياته فكذلك لم يسلم منها في مماته، فقيل أنه قد نجا من إطلاق النار ذاك وما كان قد أنهى حياته هو مياه النهر المتجمدة، وقيل في روايات أخرى أنه بقي على قيد الحياة حتى بعد الإلقاء به في النهر…

لقد كانت أسطورة (راسبوتين) قويّة كقدرته على التحمّل، فعاشت حتى بعد موته.

 


عيد دخول السيدة الى الهيكل

$
0
0

عيد دخول السيدة الى الهيكل

“إن بيت الله بتقبله اليوم الباب الذي لا يجتاز فيه أبطل عبادة الناموس” ورمزه هاتفاً نحو الذين على الأرض: إن الحقيقة قد ظهرت فعلاً”
( من صلاة سحر عيد الدخول. الأودية الرابعة.)
– قصة دخول السيدة الى الهيكل
يرقى هذا العيد السيّدي في الشرق عندنا إلى ما بين القرنين السادس والثامن للمسيح، فيما عرف طريقه إلى الغرب في القرن الرابع عشر المسيحي.
ارتبط العيد منذ القديم بقصّة حملت المعاني العميقة للعيد وطابعه المميّز.

أما القصّة فتفيد بأن الزوجين الفاضلين يواكيم وحنّة بعدما كانا عاقرين ومنَّ عليهما الرب الإله بثمرة البطن، مريم، أخذاها إلى الهيكل لتقيم فيه وفاء لنذر كانا قد قطعاه على نفسيهما.

مريم، يومها، كانت قد بلغت الثالثة من العمر. فدعا يواكيم بعض العذارى العبرانيات عريقات الجنس لِيُوَاكِبْنَها بالمصابيح. وقد تقدمتهن مريم دونما خوف أو تردّد لأن الرب الإله كان قد اصطفاها منذ مولدها وجعلها مائلة كلها إلى الفضيلة والسماويات أكثر من أي إنسان آخر على الأرض. وما أن وصلت إلى باحة الهيكل، حيث كان رئيس الكهنة زكريا بن برخيا والشيوخ بانتظارها، حتى ألقت بنفسها بين ذراعيه فباركها قائلاً: “الرب مجّدك في كل جيل. وها أنه فيك في الأيام الأخيرة يكشف الله الخلاص الذي أعدّه لشعبه”. بعد ذلك، وبخلاف كل الأعراف، أدخل رئيس الكهنة الطفلة مريم إلى قدس الأقداس حيث لا يسوغ إلا لرئيس الكهنة الدخول مرة في السنة للتكفير عن خطاياه وخطايا الشعب، وليس من دون دم ذبيحة. وقد أجلس زكريا مريم على درجة المذبح الثالثة، فحلّت عليها نعمة العلّي، فانتصبت وبدأت ترقص من الفرح. وكل الذين عاينوا المشهد اندهشوا وعظّموا الله على ما هو مزمع أن يتممه في هذه الطفلة.

عاد يواكيم وحنّة إلى بيتهما وبقيت مريم في قدس الأقداس. أمضت مريم في الهيكل تسع سنوات وكان رئيس الملائكة جبرائيل يأتيها بطعام روحي. سلكت في السماويات فوق ما كان آدم وحواء في الفردوس، بلا هم ولا هوى. حتى حاجات الطبيعة تخطتها وكذلك استبداد الشهوات الحسية. لم تحيا إلا لله وحده، تتأمل جماله. وبالصلاة الدائمة واليقظة أنجزت نقاوة القلب واستحالت مرآة صافية تعكس مجد الله. وقد تزيّت بزي الفضائل البهي كمثل عروس تتهيأ لتستقبل في ذاتها العروس السماوي الذي هو المسيح. كما اقتنت، خلال إقامتها في قدس الأقداس حداً من الكمال جعلها خلاصة قداسة العالمين فأضحت على مثال الله في الفضيلة، واجتذبته ليصير على مثال الناس بالتجسد.

ولمّا كان ذهنها قد تنقى بالوحدة والصلاة فقد أمكنها أن تدرك المعنى العميق لأسرار الكتاب المقدّس. وإذ سارت بين القدسات وتأملت في نقاوة ذاتها فهمت ما كان قصد الله لشعبه المختار على مدى الأجيال. فهمت أن كل ذلك الزمان كان لازماً ليهيئ الله لنفسه أمّاً وسط هذه الإنسانية المتمردة. كما عرفت أن الله اصطفاها ابنة طهوراً لتصير للاهوت هيكلاً حياً. وإذ وضعها في قدس الأقداس حيث كانت رموز وعد الله اكتشفت أن فيها تتحقق الرسوم الظلّية. مريم هي الهيكل. الهيكل الحجري كان حتى مريم. وبعدما دخلت إليه لتحتضن الإله ألغته.

كانت مريم هي مظلة كلمة الله وتابوت العهد الجديد وإناء المن السماوي وعصا هرون المفرعة ولوح شريعة النعمة. وفيها تنجلي النبوءات المعتمة. فالسلّم الذي يصل السماء بالأرض، ذاك الذي شاهده يعقوب في الحلم، هو إيّاه مريم. وهي أيضاً عامود الغمام الذي أعلن مجد الله والسحابة الخفيفة التي حكى عنها أشعياء النبي. وهي الجبل الذي عاينه دانيال النبي غير مقطوع منه بيد. وهي الباب المغلق الذي عبر منه الله ليلقى الناس كما جاء في حزقيال النبي. وهي العين الحيّة المختومة التي أفاضت علينا مياه الحياة الأبدية. وبعدما بلغت مريم الثانية عشرة خرجت من قدس الأقداس وأودعت يوسف العفيف إلى كمال الساعة.

عقيدة حبل حنة

بقي ان نؤكد ان الحبل بوالدة الاله تم بشريا ولم يكن كما تقول بدعة ماتسمى “حبل حنة” خلافاً للطبيعة البشرية…بل الذي تم بخلاف الطبيعة البشرية وهو حبل العذراء بالرب يسوع بحلول قوة العلي عليها اي بحلول الروح القدس. وهو عقيدة كنيستنا المقدسة والمجامع المقدسة. لأن العذراء هي كمال تدبير الخالق.

– الطروباريّة باللحن الرابع
” اليوم العذراءُ التي هيَ مقدّمة مسرّة الله، وابتداءُ الكَرازة بخلاص البشر، قد ظهرت في هيكل الله علانيّةً. وسبقت مُبشّرةً الجميع بالمسيح. فلنهتف بها بصوتٍ عظيمٍ قائلين: إفرحي يا كمالَ تدبيرِ الخالق.”

أسئلة في الأصوام

$
0
0

أسئلة في الأصوام

مدخل روحي

تقوم القاعدة الكنسية  في كنيستنا الارثوذكسية الجامعة على أن المؤمنين يتهيأون للعيد بالصوم. لذلك تسبق الأصوام الأعياد الكبرى عموماً. كذلك للمؤمن، على صعيده الشخصي، أن يتهيأ لبعض المناسبات الهامة في حياته بالصوم. أمام مرض مستعصٍ أو مأساة كبيرة أو حدث مفصلي في حياته… إلخ. هذا يرتبه مع أب الاعتراف.
• كذلك تقول القاعدة إياها إن الصوم يشتد ويزداد تقشفاً ونسكاً كلما كان العيد أكثر أهمية. لأن الفصح، على سبيل المثال، هو العيد الكبير،”عيد الأعياد وموسم المواسم”، نتهيأ له بصوم أطول من صوم الميلاد وكذلك أشد نسكاً. ولا يسمح فيه بأكل السمك إلا في يومي عيد البشارة والشعانين لكونهما عيدين سيديين (يختصان بالسيد المسيح مباشرة). أما في صوم الميلاد، فيسمح بأكل السمك وثمار البحر.
• تأكيداً على هذه القاعدة، يمنع تناول السمك في الأسبوعين الأخيرين من صوم الميلاد، بالضبط لأن العيد يقترب ويشتد الاستعداد له ويتكثّف التقشف. ولذلك أيضاً يمنع، في الأصل، إتمام سر الزواج في هذه الفترة.
• لا يتم الامتناع عن أطعمة معيّنة في الصوم لأنها نجسة، بل سبيلاً إلى التعفف والتسامي عن شهوات البطن، لتنمية المشاركة حسياً بالفقراء والجائعين. من هنا نفهم سبب امتناع المؤمنين القاطنين في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط عن السمك، بينما يتناوله مؤمنو البلاد الباردة مثل روسيا وأوكرانيا، حيث يتوفر السمك وثمار البحر بكثرة، وتنعدم الخضار تقريباً في فصل الشتاء.
• نفهم هذه الممارسة أيضاً في منطقتنا. ففي المدن الساحلية اعتاد المؤمنون على أن يتناولوا من ثمار البحر التي ندعوها الرخويات، كالأخطبوط وما إليه، لأنها متوفرة جداً ورخيصة الثمن. بعضهم يعزو السبب إلى عدم وجود دم فيها، لأن الدم لا يسفك في الصوم، إذ هو، في أحد معانيه، عودة إلى السلام مع الخليقة. تحليل أكل اللحم تمّ بعد طوفان نوح، وليس منذ بدء خلق الإنسان.
• مع تغير الظروف الحياتية، بات القريدس، وهو من الرخويات، على سبيل المثال، في بلادنا غالي الثمن جداً، وتالياً، لا يتناسب و روح الصوم وهدفه. المؤمن الواعي يمتنع عنه وإن كان مسموحاً به قانونياً. وينطبق القول ذاته على ما هو مكلف وغالي الثمن في المنطقة التي نحيا فيها.
منع إتمام سر الزواج في الصوم الكبير وفي القسم الأخير من صوم الميلاد يعود إلى أسباب روحية ورعائية عملية. ففي الصوم النسكي يمتنع الزوجان، قدر إمكانهما، عن المعاشرة الجسدية، انطلاقاً من قول الرسول “ليمتنع واحدكما عن الآخر لتتفرّغا للصلاة والصوم”. وكذلك لأن الزواج يترافق عادة بمظاهر الاحتفال والولائم وهذه لا تتناسب مع الصوم. كما أن شعبنا لا ينظر إلى أنّ الوليمة معتبرة إذا خلتْ من اللحم.
• عندما اتبعنا التقويم الغربي في الأعياد الثابتة ومنها الميلاد، بقينا محافظين على مدة الصوم أربعين يوماً. لكن الامتناع عن إقامة سر الزواج بقيت بحسب التقويم الشرقي (من 20 كانون الأول إلى 7 كانون الثاني)، إلى أن عدّلها المجمع الأنطاكي المقدس منذ حوالى خمس عشرة سنة وجعلها خمسة أيام تجاوباً مع زيادة ظاهرة العمل خارج البلد الأم، وتوفر وسائل التنقّل والسفر من جهة، وصعوبة تأمين إجازة من العمل في أي وقت.
• توقير المؤمنين لوالدة الإله، ومكانتها في وجدان الكنيسة وعقيدتها، جعلت الصوم قبل عيدها (15 آب) صوماً شعبياً تمارسه الشريحة العظمى من المؤمنين. وكون والدة الإله نموذج البتولية والعفة، ساهم في امتناع المؤمنين بالممارسة عن إقامة حفلات زواجهم في فترة الصوم. كذلك تتنوع ممارسة الصوم بسبب التقوى المريمية من جهة وتوفر الخضار والفواكه من جهة أخرى.
• في الصوم الكبير، وهو الأهم، عندنا نوعان من الصوم: الامتناع عن الطعام والشراب من الليل وحتى الثانية عشرة ظهراً من اليوم التالي، ومن ثم تناول الطعام الصيامي (الخالي من اللحم ومنتجات الحيوان).
كان الامتناع عن الطعام والشراب لعقود خلت يستمر حتى غروب الشمس. وقد عدّلته الكنيسة، بما لها من سلطة الحل والربط، المعطاة لها من المسيح، إلى الثانية عشرة ظهراً، بسبب تغير الظروف التي اعتاد المؤمنون على عيشها. فلم يعد المجتمع زراعياً، بعد خمسينيات القرن الماضي، وكثرت الوظائف وتنوّعت وطالت مدة الدوام فيها، وتضخمت المدن كثيراً، ما تطلّب من الناس قضاء وقت طويل في التنقل والسفر يومياً، وما إلى ذلك من تغيرات بنيوية حدثت ولا تزال.
• يتألف الصوم الكبير من أسبوع الاستعداد الذي يسبق الصوم، ونمتنع فيه عن اللحم فقط، وستة أسابيع هي فترة الصوم الكبير، ثم الأسبوع العظيم، ويشتد التقشف فيه أكثر من باقي أيام الصوم الأخرى.
قانون الصوم واحد في الكنيسة، لكن ممارسته الشخصية تتطلب مساعدة المرشد الروحي، في حال اضطرار المؤمن إلى تخفيفه أو قطعه أحياناً أو عدم ملاءمة وضعه الصحي لممارسته كما هو مرسوم في الكنيسة. هذه الأوضاع الشخصية الخاصة يرتبها المؤمن مع مرشده الروحي: كاهن رعيته أو أب اعترافه. ويحتفظ بإرشاد مرشده لنفسه ولا يجعله وصفة عامة يصرّح بها أمام الآخرين ويصفها لهم. الإرشاد الروحي الشخصي لازم وضروري للمؤمن في كل صعد حياته وأوضاعه، وليس في الصوم فقط.
• يدخل المؤمن، إن لم ينشأ في بيت صيامي، في ممارسة الصوم بإرشاد أب اعترافه أو كاهن رعيته الذي يدربه تدريجياً على تحمّل الأصوام والدخول في روحها وجوهرها. هذا يتم بالتربية الهادئة التي تلحظ وضع المؤمن الصحي والجسدي والعملي والنفسي. نحن على درب الخلاص: ثمة من يركض فيه، وثمة من يمشي بهدوء وثبات، وآخر يتحمس بأكثر من طاقته، فيتعب ويضطر إلى الجلوس قليلاً طلباً للراحة والتزود بالطاقة.
أي فكر يرفد الصوم بالحرمان وتعذيب الذات ليس أرثوذكسياً. نحن نصوم لكي نسمو ونتطهّر ونتقدس روحاً ونفساً وجسداً. يطلب الله الصوم منا من أجلنا، من أجل خلاصنا، لأنه، أي الصوم، يفيدنا ويقوّينا ويشددنا. يريدنا الله أن نكبر وننمو ونصل إلى ملء قامة المسيح. وكل من اختبر شيئاً من العيش مع الله يعرف حلاوة الصوم وفائدته له”.
(المتروبوليت سابا اسبر)

+  اكل السمك في صوم الميلاد 

السماح بأكل السمك وثمار البحر في صوم الميلاد
السماح بأكل السمك وثمار البحر في صوم الميلاد

يسمح بأكل السمك حتى 12 كانون الاول حيث سمحت الكنيسة الارثوذكسية باكل السمك في بعض الاصوام للتخفيف على المؤمنين بسبب كثرة ايام الصيام واحتياج البعض للبروتين الحيواني…

وقسمت الكنيسة الاصوام الي قسمين
+اصوام من الدرجة الاولى وهي:الاربعاء والجمعة  اسبوعياً، الصوم الكبير”فترة التريودي”، بارمون الميلاد قبل يوم الميلاد، وبارامون الظهور الالهي  قبل يوم “الغطاس” وهي التسمية الشعبية.
+اصوام من الدرجة الثانية وهي: صوم الميلاد، صوم الرسل في آخر الفترة الفصحية “البنديكستاري”، صوم السيدة العذراء من 1 الى 14آب.
وسمحت الكنيسة باكل السمك في اصوام الدرجة الثانية فقط.
اما عن سبب اختيار السمك دون بقية اللحوم فللأسباب التالية
1- كلمة سمكة باليوناني(اخسوس)هي تجميع حروف(ايسوس بخرستوس ثيؤس ايوس سوتير)وتعني يسوع المسيح ابن الله المخلص .. وكانت السمكة علامة للمسيحيين ليعرفوا بعضهم في القرون الاولى وما زالت علامة مجلس كنائس الشرق الاوسط حتى الان، ونرى الكثير من الأيقونات للسيد المسيح له المجد وبها سمكة.
2- السمك اطهر جميع الحيوانات لان معظمه يتكاثر ذاتيا دون تزاوج.
3- السيد المسيح له مواقف عديدة مع السمك في المعجزات مثل معجزة صيد السمك مع بطرس واشباع الجموع، كما ان السيد المسيح نفسه ذكر عنه انه اكل سمك مرات عديدة، ولم يذكر عنه انه اكل لحوم اخرى.
4- السمك يعتبر من اقل انواع اللحوم اثارة للشهوات الجسدية بسبب ان لحمه خفيف جدا، لان الغرض من الصوم عن اللحوم عدم اثارة اية شهوات التي تسببها اللحوم الحيوانية.

تفسير الألفاظ الليتورجية

$
0
0

تفسير الألفاظ الليتورجية

نستخدم في كنيستنا الارثوذكسية لغة طقسية والفاظاً ليتورجية باللغة اليونانية…والسبب في انها باللغة اليونانية انه لما كان انتشار المسيحية قد تم  في القرون المسيحية الثلاثة الاولى ماقبل براءة ميلان 314م (التي اطلقها الامبراطور قسطنطين بما يعرف بحرية العبادة في الامبراطورية الرومانية في العالم وقتئذ المعروف ب “المسكونة” هذا الانتشار قد تم باللغة اليونانية، كونها لغة البشرى المسيحية.

“الانجيل المقدس” كتب باللغة اليونانية وهي لغة الثقافة العالمية وقتئذ وتحديداً في الامبراطورية الرومانية حيث انتشر بالرغم من فداحة الاضطهادات الدموية.  واكملت المسيحية  انتشارها وازدهرت مابعد هذه البراءة بفضل الامبراطورية الرومية البيزنطية، باللغة اليونانية وخاصة بعدما فرض الامبراطور ثيوذوسيوس الكبير عام 387م المسيحية دينا رسمياً وحيداً للدولة والغاء كل عبادات الوثن وصادر اوقافها ومعابدها وحولها الى كنائس مسيحية، وانتشار الرهبنة في كل مكان… وخاصة في انطاكية وسورية وآسيا الصغرى وبلاد اليونان واوربة الغربية ومصر وشمالي افريقيا، وبلاد الروس والسلاف والصرب والبلغار واوربة الشرقية اليوم بتنصيرهم بدءاً من القرن 10 وايضاً تم ذلك باللغة اليونانية…

لذا شاع استخدام هذه الطقسيات في مساحة الامبراطورية البيزنطية اي ماكانت تسمى المسكونة، اضافة الى ان لغة المجامع المسكونية السبعة قبل الانشقاق كانت باللغة اليونانية لذلك فان كل الكنائس القومية او اللاخلقيدونية التي خرجت عن الكنيسة الجامعة في عهد الانشقاقات وخاصة بعد مجمع خلقيدونية كانت تستخدمها بأصلها اليوناني كماهي وحتى الآن وتحديداً في الكنائس الاخرى كالكنائس الشرقية كالكنيسة القبطية…. والكنائس الغربية ولو بتحريف لفظي يتواءم مع لغاتها…

1- القداس الالهي

نبدأ في الكلمة المعروفة  التي نستخدمها جميعنا وهي كلمة القداس الالهي الذي نشترك فيه جميعنا في ايام الآحاد اساساً وفيه يُتمم الكاهن سر الشكر ( الافخارستيا) فماتعني كلمة القداس الالهي؟

اولاً في  العربية

 ورد في معجم المعاني الجامع 

    1. قُدّاس: (اسم)
      • الجمع: قُدَّاسات و قَدَاديسُ
      • القُدَّاسُ (عند النَّصارى): صَلاَةٌ عِنْدَ الْمَسِيحِيِّينَ عَلَى الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ، يُرْمَزُ بِهِمَا عَلَى الْهَيْكَلِ إِلَى جَسَدِ الْمَسِيحِ وَدَمِهِ
    2. قُداس: (اسم)
      • القُدَاسُ: الشَّرَفُ العظيم
      • القُدَاسُ: حَبٌّ يُصْنع منِ الفِضَّة على هيئة اللؤلؤ
    3. أقداس: (اسم)
      • أقداس: جمع قُدس
  1. قَدَاديسُ: (اسم)
    • قَدَاديسُ: جمع قُدّاس
  2. قَدُسَ: (فعل)
    • قَدُسْتُ، أَقْدُسُ، مصدر قَدَاسَةٌ
    • قَدُسَ العَابِدُ: طَهُرَ
    • قَدُسَ الشَّيْخُ: صَارَ قِدِّيساً
    • قَدُسَ قَدُسَ قُدْسًا: طَهُر
  3. قَدَّسَ: (فعل)
    • قدَّسَ/ قدَّسَ لـ يقدِّس، تقديسًا، فهو مُقدِّس، والمفعول مُقدَّس – للمتعدِّي
    • قَدَّسَ للهِ: صلَّى له
    • قدَّس اللهُ فلانًا: طهّره وبارك عليه
    • قدَّس اللهَ: عظَّمه وبجّله ونزّهه عمّا لا يليق بألوهيّته
    • قدَّس الحياةَ الزوجيّةَ: احترَمها
    • قدَّس اللهُ سِرَّه/ قدَّس اللهُ روحَه: دعاء لميِّت بالرّحمة
    • قَدَّسَ لِلَّهِ: نَزَّهَهُ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهِ
    • قدَّس لله: طهّر نفسه له تعالى
    • قَدَّسَ الكَاهِنُ: أَقَامَ القُدَّاسَ
    • قَدَّسَ الرجلُ: زَارَ بيت المقدس

ثانياً في المضمون
كلمة قداس من كلمة (مقدس) و سمى بهذا الاسم لأنه يقدس القرابين والأشخاص وفيه نتقابل فيه مع الرب القدوس راجينه التقديس شاكرين اياه بالنتيجة…

ثالثاً في الحقيقة

كلمة قداس تعني في الحقيقة أننا  في اشتراكنا في هذه الخدمة الطقسية نأخذ القدسات اي الخبز والخمر بعد حلول الروح القدس عليها لتتحول بشكل يفوق العقل البشري (غير المدرك للالهيات الا بالايمان الحقيقي) الى الجسد والدم المقدسين…
لذا نرى في القداس الالهي  الكاهنَ يعلن وبصوت جهوري: “القدسات للقديسين”.

اذن كلمة “قداس” المتداولة في العربية، هي كلمة ليتورجية من اللغة اليونانية وتعني “عمل عمومي”

وهو مجموع  الصلوات والتضرعات والتشكرات … مختار من نصوص الكتاب المقدس، فيه تعبير كامل عن حاجات النفس البشرية المرفوعة الى الرب القدوس الذي يقدس كل شيء فى كل زمان ومكان، والغرض منها  تقديس الخبز والخمر(عصير الكرمة) فيتحولان بقوة وحلول الروح القدس وبواسطة هذه الصلوات إلى جسد السيد المسيح ودمه الالهيين بسر الشكر، فيقدسان المؤمنين بالمناولة الالهية.

المناولة الالهية
المناولة الالهية

 2-الالفاظ الليتورجية 

القاظ يونانية الاصل وربما لا يعرف عامة المؤمنين معظمها بل يستخدمها خدام الكلمة الالهية من اكليروس ومرتلين وقراء في كنائسنا الارثوذكسية، اما تعريبها فهوالنالي

الاينوس: AINOS: أي التسابيح، وسميت كذلك لأنها ترتل أمام كل آية من المزمور 150 والتي تبدأ بلفظة “سبحوا” وترتل في نهاية صلاة السحر إذا كانت مطلوبة بعد المزمور 150.

الأنافثمي: ANAVATHMI: تعني مراقي ومدارج. هي في الأصل المزامير 119- 133 التي كانت ترتل على الدرج الذي يقود من الساحة إلى هيكل سليمان. وترتل هذه القطع في سحر الأحد قبل الإنجيل. تدل على ارتقاء النفس إلى هيكل الله الذي في السماوات وموضوعها الأساسي هو الروح القدس. وكل مجموعة أنافثمي من كل لحن تتألف دوماً من ثلاث أنديفونات، وكل أنديفونة تؤلف مجموعة طروباريات تكون عادة ثلاث.

أنكسانداريا: ANIXANDARIA: تشتق هذه الكلمة من فعل يوناني وتعني “أفتح” . وهي تشير إلى المقطع الأخير من مزمور الغروب ابتداء من “تفتح” والتي ترتل عادة في الأعياد الكبيرة والسيدية والوالدية.

أنديفونا: ANDIFONA: تعني بدل الصوت. وهي جزء من ترتيلة تعاد كلازمة بعد استيخون معين وترتل بالتناوب. ترتل في مواضيع مختلفة من السحر و الغروب وأحياناً القداس الإلهي.

أبوليتيكيا: APOLITILIA: اللفظة مشتقة من فعل معناه “أحل- أطلق”. هي الطروبارية التي تقال قبل الحل والختام في نهاية صلاة المساء وفي نهاية صلاة السحر والساعات.

أبوستيخا: APOSTIKHA: مفردها أبوستيخون وهي قطعة تأتي بعد الستيخن وهو آية من المزامير وفقرة قصيرة من الكتاب المقدس. مثلا: “الرب قد ملك و الجمال لبس، لبس الرب القوة وتمنطق بها.” تقال الأبوستيخا في نهاية صلاة الغروب وتكون عادة من ثلاث قطع وثيوطوكية.

أبو سولوس: APOSTOLOS: هي كلمة تعني رسول وهو الكتاب الذي يحوي الرسائل التي تقرأ في القداس الإلهي على مدار السنة الطقسية.

الكتاب المقدس مصدر الليتورجيا
الكتاب المقدس مصدر الليتورجيا

بروصومية: PROSSOMIA: هي القطعة التي ترتل على وزن قطعة أخرى تعرف باسم أفتوميلون. ونجد البروصوميات في خدم صلاة الغروب وصلاة السحر.

الأكاثسطس: AKATHISTOS: أي “الذي لا يجلس فيه” وهو يشير إلى مديح والدة الإله.

ذكصا ستيكون: DOXASTIKON: وهي قطعة يسبقها ذكصا أي المجد للآب والابن، ونجدها في كل أنحاء الكتب الطقسية وفي كل الخدم الكنسية.

 ذوكصولوجيا: DOXASTIKON: تأتي في لفظة ذكصا أي المجد. وهي القطعة التي ترتل في آخر صلاة السحر وتبدأ بعبارة “المجد لك يا مظهر النور”. وهناك ذوكصلوجيا أخرى تحوي نفس الكلمات مع فارق طفيف في بعض الفقرات وهي تُقرأ وتبدأ عادة بعبارة “لك ينبغي المجد”. أما الذكصولوجيا الأولى فتعرف باسم الذكصولوجيا الكبيرة وذكصولوجيا ميغالي نسبة إلى كلمة مجد التي تبدأ بها.

ذيناميس: DYNAMIS: كلمة تعني قوة. تقال خلال التريصاجيون في القداس الإلهي.

إرينيكا: ARENIKA: أي السلاميات. وهي اسم يطلق على الطلبات التي تبدأ بعبارة “بسلام” وخاصة على السينابتي الكبير والطلبة السلامية الكبرى “بسلام إلى الرب نطلب”.

إرمس : IRMOS: الكلمة تعني رابط – وزن – نظام. تشير إلى القطعة الأولى من كل آودية في القانون والتي على أساسها نرتل القطع اللاحقة التي تدعى طروباريات.

القانون: KANON: وتعني مقياس. وتشير إلى مجموعة من القطع المرتلة. ينقسم القانون إلى تسعة أقسام يُدعى كل قسم أودية وتتألف الأودية من قطعة أساسية تدعى الأرمس ومجموعة من الطروباريات تتبع الأرمس لحناً ووزناً: قانون المطالبسي، قانون السحر، قانون البراكليسي الصغير….

وقد أُلفت القوانين على أساس التسابيح التسع الموجودة في كتاب السواعي والمأخوذة من الكتاب المقدس.

الأودية : ADHY: تعني التسبيحة، وهي الجزء من القانون الذي ينقسم عادة إلى تسع أوديات كل واحدة منها مؤلفة من إرمس وطروباريات. أما الأودية الثانية فلا تقام إلا في الصوم لأن مضمونها يتعلق بالنوح والبكاء على الخطيئة.

الإيصودون: ISODHON: كلمة تعني الدخول سواء بالقرابين والمبخرة وبالإنجيل في الغروب والقداس الإلهي.

الإيصوذيكون: ISSODHIKON: هي الترنيمة التي ترتل في في الايصودون الصغير في القداس الإلهي. مثلاً لنسجد للمسيح ملكنا وإلهنا.

أكتاني: AKTANIS: أي الطلبة الإلحاحية : “ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك”.

أكسابوستيلاريون: EXAPOSTELARION : تعني قطعة الإرسال من فعل أرسل.

 الأكسابسلموس: EXAPASAMOS: هي المزامير السحرية الستة التي تقرأ في مطلع كل صلاة سحر.

الإنجيل:EVANRELION : هو الإنجيل الطقسي المستعمل بحسب ترتيب الخدم الكنسية في السنة الليتورجية.

الكتاب المقدس مصدر الليتورجيا
الكتاب المقدس مصدر الليتورجيا

الإيوثينا: EOTHENA: هي قطعة طويلة ترتل في صلاة الأحد على شكل ستيشيراري ومحتواها يطابق محتوى إنجيل السحر.

 أفشين: EFCHY: أي صلاة وابتهال.

إيخوس: ICHOS: أي لحن. كتاب المعزي يدعى وكتوإيخوس أي كتاب الألحان الثمانية.

ثيوطوكاريون: THEOTOKARION: يشتق من كلمة والدة الإله. هو الكتاب الذي يحوي قوانين لوالدة الإله بحسب الألحان الثمانية وأيام الأسبوع على نسق المعزي، وترتل عادة بعد صلاة الغروب في الأديار.

 ثيوطوكيون: THEOTOKION: نسبة إلى والدة الإله. والكلمة تعني قطعة والدية متعلقة بوالدة الإله.

ثيوس كيريوس :THEOS KIRIOS : “قطعة الله الرب ظهر لنا” التي ترتل قبل الطروبارية في مطلع السحرية.

أيذيوميلا: IDIOMELA: هي كل قطعة ترتل بدون أن تنبع وزناً من الأوزان الموسيقية المعروفة. اللفظة اليونانية تعني القطعة التي هي مرجح لذاتها. هي ليست شعراً منظوماً على عكس الأفتوميلون الذي يكون شعراً منظوماً.

كاطافسيات: KATAVASSIA: هي أراميس قوانين الأعياد السيدية، وتقال في صلاة السحر بعد القنداق وتدعى قطعة النزول بحسب اللفظة اليونانية. سميت هكذا لأنها ترتل عند نزول المرتلين من مقاعدهم الخشبية عند صعود الأسقف على الكرسي.

كانين: KENYN : تعني: “الآن…”.

كيرية إككركصا: KIRIE EKEKRAXA: أي : “يارب إليك صرخت”.

كليفصن: KELEFSON: فعل أمر يوناني يعني أرسم.

كينونيكون: KINONION: من اللفظة التي تعني شركة. وهي ترتيلة مطولة ترتل قبل مناولة المؤمنين وأثناء مناولة الإكليروس وتكون في الآحاد العادية: سبحوا الرب من السماوات هللويا، وفي الأعياد الآخرى آية من المزامير.

قنداق: KONDAKION: هذه اللفظة تعني العصا التي كان يلف عليها البردي. و القنداق يلخص ويظهر معنى المناسبة التي نعيد له، ويقال في السحر بعد الأودية السادسة إذا تلي القانون وبعد المزمورالخمسين، إذا لم يقرأ القانون. كما يشار إلى كتاب الكاهن بقنداق الكاهن.

ليتين: LITY: وهي تعني الزياح. يقام الليتين أثناء صلاة الغروب في الأعياد الكبرى وهو زياح (طواف) بأيقونة القديس يرافقه ترتيل مقطع للمناسبة، كما يقرأ الكاهن طلبات خاصة بها.

المارتريكا: MARTIRIKA: هي الطروباريات التي تتكلم عن الشهداء وتعرف بالشهوديات. وترتل عادة نهار السبت وفي أعياد الشهداء، لأنها تمدح الشهداء.

المغالناريا: MEGALINARIA: تعني التعظيمات، هي قطعة تبدأ بكلمة (عظمي)، وعادة توجد في الأعياد السيدية وترتل مع طروباريات الأودية التاسعة.

المكارزمي: MAKARIZMI: هي التطويبات المأخوذة من العظة على الجبل و يقال المكارزمي مع التيبيكا في الساعة السادسة، ويقال في القداس بدل الأنديفونات.

مطانية: METANIA: تعني حرفياً تغير الذهن والتوبة وتستعمل ليتورجياً للإشارة عن الركعة والسجدة.

إيكوس: IKOS: أي “بيت”. هو القطعة التي تلي القنداق في الأعياد السيدية والوالدية والأعياد الممتازة. تدعى هذه القطعة بيتاً لأنها رمزياً كناية عن بناء يحتوي فضائل القديس المعيد له.

بوليئيليون: POLYELEOS: كلمة يونانية تعني كثير المراحم، وهي تشير إلى قطعة تتألف من آيات من المزامير. سميت هكذا لأنها تستدعي رحمة الله. تأتي من المزمور “135: إعترفوا للرب فإن للأبد رحمته”. يقال في السحر بعد الأكاثسما الثانية. هذه القطعة موجودة في كتاب الإيكلوغاريون.

باراكليسي: PARAKLISI: أي “رجاء، تضرع، تعزية”. يطلق هذا الاسم على قوانين تضرعية لوالدة الإله والقديسين.

بروتي: PROTY: أي “أولى”. هي قطعة خبز التقدمة التي يوزعها الكاهن على الشعب.

البراكليسي
البراكليسي

من مصادر البحث

– د. جوزيف زيتون تاريخ كنيسة انطاكية

– معجم المعاني الجامع وهو معجم عربي- عربي 

– الأب منيف حمصي كتاب سألتني فأجبتك- ص 511

القديس الرسول المجيد الكلي المديح اندراوس المدعوّ أولاً

$
0
0

 القديس الرسول المجيد الكلي المديح اندراوس المدعوّ أولاً

في التراث
كان تلميذاً ليوحنا المعمدان أول أمره (يوحنا 35:1). فلما كان يوم نظر فيه معلّمُه الرب يسوع ماشياً بادر اثنان من تلاميذه كانا واقفين معه بالقول: “هوذا حمل الله!” (يوحنا 36:1)، فتبع التلميذان يسوع. “فالتفت يسوع ونظرهما يتبعانه فقال لهما ماذا تطلبان؟ فقالا: ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث؟ فقال لهما تعاليا وانظرا. فأتيا ونظرا أين يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم. وكان نحو الساعة العاشرة” (يوحنا1: 38 – 39).

اندراوس كان واحداً من الاثنين. ومن تلك الساعة صار للرب يسوع تلميذاً.

إثر ذلك، أقبل اندراوس على أخيه بطرس وأعلن له: “وقد وجدنا مسيّاً الذي تفسيره المسيح” (يوحنا 41:1)، ثم أتى به إلى يسوع.

موطنه

موطن اندراوس وأخيه بطرس كان الجليل الأعلى، وعلى وجه التحديد بيت صيدا فيها، ومنها فيليبس الرسول أيضاً (يوحنا 44:1).

مهنته

كانت مهنة اندراوس، كأخيه بطرس، صيد السمك (مرقص 16:1)، وكان له بيت في كفرناحوم (مرقص 29:1).

ذكره

ورد اسمه ثانياً في لائحة الرسل، في كل من إنجيلي متى (‪2:10‬) ولوقا (14:6) بعد بطرس، فيما ورد رابعاً في كل من إنجيل مرقص (16:3) وأعمال الرسل (13:1) بعد بطرس ويعقوب ويوحنا. أكثر ما ورد ذكر اندراوس الرسول في إنجيل يوحنا ؛ فإلى ما سبق ذكره نلقاه في الإصحاح السادس (8) يبلغ الرب يسوع، قبل معجزة تكثير الخبز والسمك، بأن “هنا غلاماً معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان. ولكن ما هذا لمثل هؤلاء”.

ونلقى اندراوس مرة أخرى في الإصحاح الثاني عشر حين تقدّم يونانيون إلى فيليبس وسألوه قائلين: نريد أن نرى يسوع. “فأتى فيليبس وقال لأندراوس ثم قال اندراوس وفيليبس ليسوع. وأما يسوع فأجابهما قائلاً قد أتت الساعة ليتمجّد ابن الإنسان” (20-23). هذا جلّ ما نستمدّه عن اندراوس الرسول من الأناجيل وأعمال الرسل.

تبشيره

 في التراث الكنسي،  أورد أفسافيوس في تاريخه انه كرز بالأناجيل في سكيثيا، أي إلى الشمال والشمالي الشرقي من البحر الأسود، وفي آسيا الوسطى، بين كازخستان وأوزبكستان. كما ذكر كل من ايرونيموس وثيودوريتوس أنه بشّر في إقليم أخائية في جنوبي اليونان، فيما أشار نيقيفوروس إلى آسيا الصغرى وتراقيا، في البلقان، شمالي البحر الإيجي. وفي بيزنطية، التي كانت آنئذ مدينة متواضعة، يقولون إن القديس اندراوس أقام عليها استاخيوس، أول أسقف. ويقولون أيضاً إنه رفع الصليب في كييف وتنبأ بمستقبل المسيحية بين الشعب الروسي. والقديس اندراوس شفيع اسكتلندا حيث يبدو أن سفينة غرقت بالقرب من المكان المعروف باسمه هناك وكانت تحمل بعض بقايا القديس.

رقاده

أما رقاد الرسول فكان استشهاداً على صليب ما فتئ معروفاً منذ القديم باسم صليب القديس اندراوس، وهو على شكل X. جرى ذلك في باتريا في أخائية اليونانية حيث نجح الرسول في هداية الوثنيين إلى المسيح إلى درجة أثارت القلق لدى أجايتوس الحاكم، لا سيما بعدما اكتشف أن زوجته ماكسيمللا قد اعتنقت  المسيحية هي أيضاً بسبب تبشيره. وكان صلب اندراوس مقلوباً. لكن عدالة الله شاءت أن يقضي الحاكم بعد ذلك بقليل عقاباً.

رفاته
أما رفات القديس فتوزعت في أكثر من مكان، إلا أن جمجمته عادت أخيراً إلى باتريا في 26 أيلول 1974، فيما بقيت له يد في موسكو والبقية هنا وهناك.

مجدي يسي…توبة معاصرة

$
0
0

مجدي يسي .. توبة معاصرة

4/11/1958
من 3 سنين سجن .. الي الاعدام !!

كان مجدي طالباً فى الجامعة وكان يواظب على الحضور إلى الذهاب إلى كنيسة مارمرقس بشبرا (مصر) و كان مواظباً على الأعتراف عند أب أعترافه أبونا ميخائيل إبراهيم…

كان فخ المعاشرات الردئية هو الفخ الذى نصبه الشيطان لمجدي .. حيث تعرف فى الكلية على مجموعة زملاء منهم سامى ومنير وعماد ومحسن و بعض من غير المؤمنين…

ومثله كمثل غيره…كثرة أختلاطه بهم أدى إلى تغيره تدريجياً. وفى يوم من الأيام دعاه أصدقاؤه للذهاب معهم إلى سينما قصر النيل، و كانت تعرض فيلم عن مجموعة أصدقاء قرروا أن يسرقوا من أجل أن يصبحوا أغنياء فترك  هذا الفيلم أفكاراً شتى داخل سامى صديق مجدي…!
لقد تغير مجدى أكثر وأكثر، فأعتاد التدخين وأنساق إلى شرب الخمر، وظل يهوي مع أصدقائه أكثر فأكثر داخل فجوة الخطيئة.

صحوة ضمير

أحس مجدي بتأنيب الضمير، و قرر أن يذهب للأعتراف عند أب أعترافه أبونا ميخائيل، ولكن لم يجده فى الكنيسه، ولأول مره شعر مجدى داخله بالفرح فقد كان يخشى مواجهة أب أعترافه.

بداية الجريمة 

قال عماد لمجدي :”أن الجيران اللى فوقنا بيتركوا عندنا مفتاح شقتهم علشان أولادهم لما يرجعوا من المدرسة بيكون الوالدين فى الشغل، أحنا ممكن نعمل نسخه من المفتاح، والشهر الجاي هيسافروا المصيف ممكن نبقى ندخل وناخد جزء من الدهب اللى عندهم!.”
بالفعل سرقوا غويشة ذهب وباعوها، و أنحدر مجدي معهم أكثر وأكثر داخل فجور الخطيئة، فعرف لأول مرة تعاطي المخدرات ثم الزنا…! وبَعُدَ  عن طريق السيد المسيح.

سلسلة جرائم 

شئ طبيعى أن من يدخل عالم الجريمة تنزلق رجله أكثرفأكثر، ويدمن الأجرام ولا ولن يشبع، وبالفعل تكررت جرائم المجموعة، وأصبحت سرقات متعددة قُيدتْ كلها ضد مجهول.

وفى أحدى السرقات أعدوا خطتهم لسرقة منزل عند ذهاب سكانه إلى المصيف، وبعد دخولهم وجدوا مفاجأة وهى أن الأم لم تذهب مع بقية الأسرة للمصيف، فقاموا بتكميمها وتهديدها بالذبح وسرقوا المنزل، وفشلت الشرطة فى العثورعليهم…وفى أحدى جرائمهم قاموا بقتل أثنين بدافع السرقة…وتحجرت قلوبهم.
القبض على المجموعة

بعد أحدى سرقاتهم شك ضابط شرطة بكل من منير وسامى وتم القبض عليهم، وأستطاع مجدي وعماد و محسن أن يهربوا.

فى قسم شرطة شبرا أعترف منيروسامى ببقية المجموعة فتم القبض عليهم.

حزن الأسرة 

حزنت أمه وأخته ماري جداً ولم يتوقعوا أن يأتى اليوم ويكون مجدي متهماً  تطارده العدالة. وجن جنون والده بعد معرفته أن أبنه تم القاءالقبض عليه، واتصل بالأستاذ فاروق المحامي، وعند التحقيق مع مجدي فى القسم تم حبسه 15 يوماً على ذمة القضية، وتوقع المحامي أن يتم الأفراج عن مجدي بكفالة لحين بحث القضية…

وذهبت أخته ماري إلى أبونا ميخائيل لتخبره بما حدث، فحزن جداً وأخذ يصلي من أجل مجدي ووعدها بالصلاة من أجل أخيها فى كل قداس.

فى السجن 

لم يتم الأفراج عن مجدي بل تم تجديد حبسه مرتين فأصبح إجمالي توقيفه فى السجن هو 45 يوماً، وكان له طلب واحد من الكاهن المكلف بزيارة المسجونين، هو أن يحضر إليه ابونا ميخائيل أبراهيم.
وبالفعل حضر أبونا ميخائيل بعد أن حصل على تصريح بزيارة مجدي، و قابله…لا يمكن وصف هذا اللقاء و مهماً قرأنا فيما كتبه أبونا ميخائيل، وهو يصف هذا اللقاء فلن يمكننا وصفه أدق وصف، فمجدي كان قد تغير تماماً، لقد بكى بكاءً شديداً وهو يحس بالذنب والندم، وفى قرارة نفسه أن يتوب توبة حقيقية صادقة من قلبه،وصلى معه أبونا ميخائيل وباركه قبل أن ينصرف.

زيارة العذراء مريم لمجدي

فى الليلة الثالثة من زيارة أبونا ميخائيل لمجدي في السجن ، ركع مجدي وصلى وكانت الدموع تنهمربغزارة من عينيه وهو يقول: “أنا غير مستحق أيها الرب يسوع أن تموت من أجلي على الصليب، من أجل الدم المسفوك اقبلني وسامحني ببركة القديسة العذراء مريم والقديس موسى الأسود الذى تاب ورجع إليك،آمين.
ما أن وضع مجدى رأسه على الأرض حتى يستريح قرب الفجرإلا ووجد الزنزانة كلها نور، ورآى العذراء مريم فى مجد ونور شديدين، وقالت له:

“يا مجدي الرب يسوع المسيح يحبك وهو مات على الصليب من أجلك، وأنا كنت أصلي من أجل أن ينقذك الرب من طريق الضلال، كل ما يقوله لك أبونا ميخائيل افعله دون أدنى شك أو تردد. لاتخف لأن الرب معك. سلام سلام.”

زيارة أبونا ميخائيل

حصل أبونا ميخائيل على تصريح مرة أخرى بزيارة مجدي بعد حوالى أسبوعين من ظهور العذراء مريم لمجدي، وحكى مجدي للأب ميخائيل ما حدث معه من ظهور العذراء مريم له، و كان قد قرأ فى هذه الفترة “العهد الجديد” بأكمله حوالى سبع مرات.

صلى أبونا ميخائيل مع مجدي .. بعد انتهائه من الصلاة معه سأله قائلاً: هل صدر عليك حكم يا مجدي ؟ ، فأجال مجدي:” نعم يا أبونا صدر حكم بالسجن 3 سنوات لكن بابا تفاهم مع المحامى لكى يقدم إستئناف فى محاولة للحصول على البراءة أو حتى تخفيف المدة.”
فسأله أبونا ميخائيل: “طيب أنت يا مجدي عايز أيه؟”

فأجال مجدي: “أنا يا أبونا مش عايزغيرغفران خطاياى، أنا عملت جرائم كثيرة لم تُكتشف ولم يعرفها البوليس ولا النيابة وعاوز أعترف بيها لقدسك!!!”.

وأعترف مجدى بكل جرائم القتل و الزنى والسرقة،وبعد أن أنتهى من الأعتراف قال له أبونا: “شوف يا مجدي لازم تعترف بكل شئ أمام المحكمة علشان ربنا يسامحك…وأقتنع مجدى بكلام أبونا وصمم على طاعته مهماً كانت النتيجة…

مفاجأة فى الأستئناف 

حينما حل موعد نظر القضية كان صوت العذراء يرن فى أذني مجدي: “لابد أن تطيع كل كلام أبونا ميخائيل”.وقد وقف المحامى الأستاذ فاروق و قدم مذكرة التماس ب”تخفيف العقوبة نظراً لأن مجدى طالب، كما أنه أُغوي من أخرين، وأن هذه هى الجريمة الأولى وهي مجرد سرقة…” وحينما نادى القاضي اسم مجدي، رد مجدى قائلاً: “أنا مجدى يسى وعندى أقوال مهمة جداً فى القضية…”

وأضاف مجدي بقوله

“أنا يا سيادة القاضى شاب أدرس فى الجامعة وقد إبتعدت عن الله، وتركت الكنيسة، والكتاب المقدس، ودخلت فى معاشرات رديئة، وبدأت أتورط فى جرائم كثيرة، هناك أكثر من عشرة جرائم أرتكبتها ولم أُضبط بها وكانت تُقيدْ كلها ضد مجهول .. وهذه هى الجرائم التى فعلتها …” وأعترف مجدي بكل الجرائم التى لم تعلم عنها المحكمة شيئاً، وكان مجدى يقرأ جرائمه من ورقه دّون فيها كل تفاصيل هذه الجرائم التي كتبها بعد أن طلب منه أبونا ميخائيل بالأعتراف أمام المحكمة بكل شيء”.. وهنا قال له القاضى: “هل أنت فى كامل وعيك و إرادتك؟” فأجاب مجدى: “نعم يا سيدى أنا فقط أريد راحة ضميرى حتى أنال عقابى هنا على الأرض و أستريح فى الملكوت.”

إنتهت الجلسة ..ولكن الأستاذ فاروق المحامي أصيب بدهشة وشلل فى التفكير، وخرج وهو يجر رجليه، وعندما ذهب لمنزل والد مجدي سأله الوالد بسرعه قائلاً: ماهى أخبار مجدي يا أستاذ فاروق ؟ هل هناك أمل فى البراءة أو تخفيف العقوبة .. ؟فاجابه المحامي بحقيقة أعتراف مجدي الذى أدلى به،فوقعت الأم مغشياً عليها و أخذ الأب يتناقش معه فى النواحى القانونيه.

مفاجأة الحكم

عندما جاء يوم النطق بالحكم تم ضم ملف الجنايات التى قيدت من قبل ضد مجهول إلى الحكم

ليصبح الحكم النهائى هو الأعدام.!

اليوم تكون معى فى الفردوس

عرف مجدي موعد تنفيذ الأعدام فأخبر بذلك أبونا ميخائيل كما أخبر أسرته، وقبل تنفيذ الحكم أمضى أبونا ميخائيل الليل بأكمله فى الصلاه من أجل مجدي وذهب فى الصباح ليناوله…و أستيقظ مجدي من نومه فرحاً لأنه رأى العذراء فى نومه، وقالت له: “يامجدي أنت أكملت توبتك، والرب قبلها، إفرح بإكليلك، إكليل التائبين وسوف نفرح كلنا بمجيئك.”

وكان الضباط والعساكر يسرعون إلى مجدي ليكتب لهم كلمات للذكرى فى أوراقهم الخاصة، فكان يكتب لهم من الآيات التى يحفظها ويوقع فى النهاية، وفى طريقه للأعدام تقابل مع أصحابه الأربعه وجميعهم أخذوا حُكم بالسجن لمدة 15 سنة مع الأشغال.!!! وإذ بسامي يقول لمجدي: “أرجوك حينما تذهب عند المسيح أذكرنا فى صلاتك لكى نبدأ من الآن حياة توبة قوية …”

وعند تنفيذ الحكم .. تأخر ابونا ميخائيل عن الموعد المحدد، فاتصلت ادارة السجن ببوليس النجدة فاحضروا له اباً كاهناً غيره، واخذ اعترافه قبل تنفيذ الحكم.

و أستمع للاعتراف الأخير من مجدي كما يظهر فى الصورة .. و صلى مجدي قائلاً:

“يارب فى يديك أستودع روحي”

وتم تنفيذ حكم الأعدام فى مجدي يسى .. رمز الأنسان التائب الذى طلب التوبة و لم يبالى بأية عوائق قد تمنعه من تنفيذها.

المصدر: (صفحة اندراوس الرسول – باكورة الاثني عشر )

 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>