Quantcast
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

لماذا نرسم علامة الصليب؟

لماذا نرسم علامة الصليب؟



* لنعلن محبة الله لنا ” لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ” (يو13:15) 
* لنتذكر أن الله غفر خطايانا بموت المسيح عل الصليب ” لأنكم أشتريتم بثمن “

Image may be NSFW.
Clik here to view.
رسم اشارة الصليب على كامل الجسم

رسم اشارة الصليب على كامل الجسم

(1كو20:6)
* لإظهار العدل الالهى، فالمغفرة لم تكن على حساب العدل، بل إستوفى العدل الإلهى حقه بموت المسيح على الصليب وهكذا ” الرحمة و الحق التقيا البر و السلام تلاثما” ” (مز 85 : 10)
* لنعلن تبعيتنا للمسيح المصلوب، لأننا عندما نرسمه على أيدينا ونرفعه على أماكن عبادتنا نعلن إيماننا ولا نستحى بصليب المسيح ” من لا ياخذ صليبه و يتبعني فلا يستحقني ” (مت 10 : 38)
* لإعلان عقيدتنا بالثالوث القدوس والتجسد والفداء
* حتى نتذكر أن عقوبة الخطية موت، وقد مات المسيح لأجلنا ” و اما شجرة معرفة الخير و الشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت ” (تك 2 : 17)
* لكى نبشر بموت المسيح وقيامته ” نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة و لليونانيين جهالة ” (1كو 1 : 23)
* لإعلان قوة الصليب “إن كلمة الصليب عند الهالكين جهاله وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو18:1)
* لتأكيد الانتصار على الشيطان، فالشيطان يخافه ويرتعب منه ” فالشياطين طلبوا اليه قائلين ان كنت تخرجنا فاذن لنا ان نذهب الى قطيع الخنازير ” (مت 8 : 31)
* حتى نتذكر المجئ الثانى “حينئذ تظهر علامة إبن الإنسان فى السماء” (مت30:24)


من الأدب الشعبي الدمشقي ”أفكات خانم”

أفاكات خانم

” أفاكات خانم” وظاهر من اسمها انها من اصل تركي أو هي من بقايا الاستعمار التركي العثماني، الا انها لطول الزمان ولصلة القربى استعربت ونسيت حتى اسمها واصبحت تكره هذا ربما فهي لا تحب ان تُنادى باسمها بل تفضل لقبها “ام فهد” وأحبت “أفكات” ان تزوج ابنها فبحثت كثيراً ورأت فتيات من كل صنف ولون وبعد أن اصبح لديها الخبرة وجلست الى ابنها فهد وقالت:

” شوف يافهد ياولدي انا من ناحي شفت بنات كتير… شئرا وبيضا وسمرا وحنطية وبيضا وحلتا سودا وسمينة ونحيفة وطويلة وقصيرة وغلاّية وجامدة بس لك ابني الشور شورك وعلى هوى مابتحب انتي، منشفلك…بئا
شو الت تئبر امك.” فقال لها فهد ابنها:” لك يامو اتركيني على راحتي ولمن بشوف بنت الحلال يلي بتعجبني وألبي بيلهفلها ساعتها بجي وبئلك عليها” قالت الأم:” يوه شو هالحكي ومن ايمتى من طول عمرا الأم بتخطب لابنا منين اجيتلي بها الصرعة”.

وبدأت الأم تبكي وتتابع:” أنا أمك وبدي افرح فيك ونئيلك حرمة بنت حلال تعرف تعيش معمنك بتقوم بتئلي أنا بنىء يوه.”

قال فهد: ” يامو هي جوازه مو لعبة ، عمر بدي عيشو بدي مرا كون مرتحلا انا بدي اتجوز مو انت” فردت الأم بحدة ظاهرة: شوف يا اما بتسمع كلمتي وانا بخطبلك، يا اما ما لي دخل لا من اريب ولا من بعيد فهمت والا لأ” فرد فهد مهدئاً:”اسمعي يامو أنا ما بخرج عن طوعك ويلي بدك ياه بيصير انا بدي مرا نحيفة وطولا وسط وبيضا وحلّتا سودا” فقالت الأم:”يوه لك ابني المرا الرفيعة مو مئبولة ماسمعت الحكاية شو بتئول، بزمانو واحد سمين تجوز مرا رفيعة وصار كل يوم المسا يئلا، أومي لننام يا أفة العضام ياحرئة قلبي عالبيض السمان” فقال الولد لأمو: ايه يامو كملي الأصة” وأكمل نيابة عن امو:” ولماكانت هي تئلو اوم للنام يادب العتيئي ياحرقة البي عالشب الرئيئي” وتابع :”لك امي المرا السمينة بلا مآخذة حركتا تئلة المرا النحيفة لك امي خفيفة ورشئا ” ردت الأم محتدة:”اوم… اوم بلا لت وعجن ليجي ابوك منتفاهم مع منو اوم حل عني مالك عرفان طيزك من دك البستان.”

قصة دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا

قصة دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا
( قصة واقعية )
وما أبلغها قصة ذلك التاجر من مدينة الموصل في شمال العراق، والتي وقعت بالفعل مطلع القرن الماضي.

ذاك التاجر المستقيم صاحب الخلق والدين، وكثير الانفاق على أبواب الخير من الفقراء والمعوزين، وباني المساجد ومشاريع الخير.
فلما كبرت به السن وكان له ولد وبنت، وكان كثير المال ذائع الصيت، فأراد أن يسلم تجارته لإبنه، حيث كان التاجر يشتري من شمال العراق الحبوب والأقمشة وغيرها ويبيعها في الشام ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير ذلك ليبيعه في العراق.
فبعد أن جلس مع ابنه وأوصاه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين الذين يتعامل

Image may be NSFW.
Clik here to view.
خان من خانات التجارة في القرون القديمة

خان من خانات التجارة في القرون القديمة

معهم، ثم أوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر، وقال: ” يا بني، والله إني ما كشفت ذيلي في حرام، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك، يا بنيّ حافظ على عرض أختك بأن تحافظ على أعراض النّاس.”
وخرج الشاب في سفره وتجارته، وباع في دمشق واشترى، وربح المال الكثير، وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح.
وخلال طريق العودة وقبيل غروب شمس يوم وقد حطّت القافلة رحالها للراحة، أما الشاب فراح يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح، وإذا بفتاة تمرّ من المكان، فراح ينظر إليها، فزيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء ، فاقترب من الفتاة وقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثمّ سرعان ما انتبه الى فعلته وتيقّظ ضميره، وتذكّر نظر الله إليه، ثمّ تذكّر وصية أبيه، فاستغفر ورجع الى قافلته نادماً مستغفرا.ً
فينتقل المشهد الى الموصل، وحيث الابن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع، حيث الوالد في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت، وكان السّقا رجلاً صالحاً وكبير السن، اعتاد لسنوات طويلة أن يدخل البيت، فلم يُرَ منه إلا كلّ خير.
خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب، ودخل السقا وصبّ الماء في جرار البيت، بينما بقيت الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب، وما أن وصل السقا عند الباب، وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء فالتفت يميناً وشمالاً، ثمّ مال الى الفتاة ، فقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثم مضى، كل هذا والوالد يجلس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى ما يجري دون أن يراه السّقا، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب، ثم الاسترجاع أن يقول (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، ثم الحوقله أن يقول (لا حول ولا قوّة إلا بالله)، وأدرك أنّ هذا السّقا الذي ما فعل هذا في شبابه فكيف يفعلها اليوم، وأدرك أنّما هو ديَّنٌ على أهل البيت، وأدرك أنّ ابنه قد فعل في سفره فعلة استوجبت من أخته السداد.
ولمّا وصل الشاب وسلّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق، ثمّ وضع بين يديه أموالاً كثيرة ربحها، إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف، وإنّ البسمة لم تجد لها سبيلاً الى

Image may be NSFW.
Clik here to view.
قافلة تجار في العصور القديمة

قافلة تجار في العصور القديمة

شفتيه، سوى أنّه قال لابنه: “هل حصل معك في سفرك شيء، فنفى الابن، وكرّرها الأب، نفى الابن مجدداً، الى أن قال الأب:” يا بني، هل اعتديت على عرض أحد؟”، فأدرك الابن أن حاصلاً قد حصل في البيت، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه، ثمّ كان منه البكاء والاستغفار والندم، عندها حدّثه الأب عن ما حصل مع أخته، وكيف أنّه هو قبّل تلك الفتاة بالشام قبلة، فعاقبه الله بأن بعث السقا المسن فقبّل أخته قبلة كانت هي ديَّن عليه، وقال له جملته المشهورة: ” يا بُنيّ دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا”، أي أنّك قبّلت تلك الفتاة مرة فقبّل السّقا أختك مرة، ولو زدت لزاد، ولو فعلت أكثر من ذلك لفعل…” .

الرجَّالْ بالبيت نعمةْ ولو كان فحمةْ

الرجَّالْ بالبيت نعمةْ ولو كان فحمةْ

لابد من وجود منغصات في الحياة الزوجية، خاصة في فتراتها الأولى حيث لم يألف كل من الزوجين الآخر ولم يتفهمه بعد، وتطول هذه الخلافات او تقصر حسب قدرة كل طرف على تفهم الطرف الآخر والتعامل معه بما يرضيه وحكايتنا هذه عن فتاة تزوجت وحصل خلاف بنها وبين زوجها وتجلت حكمة اهلها ودرايتهم من خلال معالجة الحادث، واليكم الحكاية:

فتاة تزوجت وعلى الطريقة التقليدية المعروفة وأمضت ثلاثة او اربعة شهور في بيت الزوجية.

نشب الخلاف بينها وبين زوجها لأمر لم يُحكما العقل في معالجته فتركت بيتها وذهبت الى بيت اهلها.

وأهل الزوجة من عائلة محترمة غُرفت بحسن التربية وطيبة الاخلاق. وما ان دخلت الفتاة او المرأة منزل أهلها وقصت الحادثة على امها وحدثتها عن سبب الخلاف حتى أخذت الأم تخفف من روع الابنة وتهدىء فورة غضبها وتحدثها عن معاناة الزوجة وعن هموم الحياة الزوجية وواجب المرأة المرأة تجاه زوجها وأهمية الرجل وقدسية الحياة الزوجية منهية كلامها بقولها:” لك يابنتي الرجَّالْ بالبيت نعمة ولوكان فحمة” وعليك بتحمله والمحافظة على زوججك ما استطعت واعدة الابنة ان والدها سيحدث الزوج ليصلح أخطاءه ويحسن سلوكيته معها.

وفي مساء ذلك اليوم حضر والدها وفهم ان ابنته على خلاف مع زوجها وعلى الفور ارسل أحد أبنائه مستدعياً نسيبه لتناول العشاء. وحضر الزوج وجلس مع عمه والد زوجته، واخوتها لتناول العشاء وتحدث مع عمه عن اسباب خلافه مع زوجته ففهم العم ان ابنته هي المخطئة وان الزوج كما عرفه عاقل هادىء، وبعد انتهاء العشاء نادى الأب ابنته وقال لها أعرف أنك طيبة مرضية وأرجو أن تنفذي لي ما آمرك فقالت الفتاة:” اطلب ماتريد ياوالدي فأنا أفديك بروحي.”وأشار الأب لابنته ان تقف أمام المائدةقائلاً لها اخلعي فستانك…

هنا بدت علائم الارتباك على وجه الفتاة ودهشت لطلب والدها الا انها لم تجد بداً من التنفيذ فخلعت فستانها واخوتها وزوجها ينظرون ماذا سيحدث وهي تخلع فستانها على مضض، وما ان انتهت حتى قال الوالد اخلعي قميصك الداخلي يا ابنتي! وتحيرت الابنة من طلب ابيها المحرج لها وزادت دهشتها وهي تظن بينها وبين نفسها ان والدها ليس جاداً بطلبه هذا، الا ان الوالد صرخ بصوت عال :” ما الذي يؤخرك وماذا تنتظرين؟”

وعلا صوت الوالد أكثر وتهدج وثارت ثائرته واقسم ان لم تخلع ابنته قميصها الداخلي بأنه سيفعل و…و… وهجم على ابنته مهدداً انه سيضربها قائلاً:” هذا زوجك وهؤلاء اخوتك فماذا يُخجلك؟ وعاد الى مكانه قائلاً:”هيا اخلعي قميصك… وامام اصرار ابيها هربت الابنة واختبأت وراء زوجها وهي تباشر خلع قميصها الداخلي.

هنا ضحك الأب وقال لإبنته: “لماذا اذن تركت زوجك اذا كنت الآن ستختبئين وراءه خجلاً من ابيك واخوتك؟” والتفت الى صهره وقال :” خذ زوجتك وهيا الى منزلكما.” والتفت الى ابنته وقال لها:” ارتدي ملابسك ورافقي زوجك واعتن به وخذي حذرك والرب الذي بارك زواجكما ببركة الاكليل بخضوعك لرجلك وهو يحبك كما يحب ذاته…”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
اصلاح الخلاف الزوجي

اصلاح الخلاف الزوجي

الم تقل لك امُك يوم اكليلك:” يا ابنتي ان لزوجك عليك حق، فاحفظي سره وسروره وسريره كي تعيشين حياة سعيدة هانئة…”

مجمع ترانت

توطئة

هو مجموعة من المؤتمرات التي عقدتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية

في ترنت بايطاليا في القرن السادس عشر بعد انشقاق الراهب اليسوعي مارتن لوثر عن الكنيسة البابوية ولكن في الحقيقة

Image may be NSFW.
Clik here to view.

قبل أن يأتي مارتن لوثر بزمن طويل ارتفعت مئات الأصوات مطالبة بعقد مجمع يصلح الكنيسة الكاثوليكية. وطالب الراهب اليسوعي مارتن لوثر الذي تنازع والبابا كلمنت السابع على قضايا اعتبرها الراهب خروجاً عن الايمان، هنا طالب بعرض نزاعه مع البابا على مجمع عام حر، وطالب الأمبراطور شارل الخامس بعقد مجمع كهذا بأمل نفض يده من المشكلة البروتستنتية التي بدأت بالانتشار بنتيجة اعلان لوثر واتباعه خروجهم عن الكنيسة الكاثوليكية وما ادى هذا الخروج اليه من حرمانه من قبل البابا المذكور وبالتالي ان الامبراطور اصدر مرسوماً اعتبر لوثر فيه بالتالي مجرداً من حقوقه المدنية وايداعه السجن وانقسمت المانيا برمتها بين مؤيد ومعارض للوثر، لذا رغب الامبراطور بعقد هذا المجمع العام في الكنيسة الكاثوليكية بدون ان يكون للبابا حق ترؤسه، وربما بأمل تأديب البابا كلمنت السابع، واستطاع ذلك البابا الذي أنهكته الهجمات المتكررة أن يجد مائة عذر لتأجيل مثل هذا المجمع حتى يصبح بعيداً عن متناوله، وكانت فلسفته في التأجيل انه تذكر ما حدث للسلطة البابوية في مجمعي كونستانس وبازل، وما كان ليسمح لأساقفة معادين له، أو لمندوبي الإمبراطور، بدس أنوفهم في سياساته أو مصاعبه الداخلية أو مولده. ثم كيف يستطيع مجمع أن ينقذ الموقف؟ ألم يرفض مارتن لوثر المنشق الاعتراف بالمجامع كما رفض الاعترافات بالبابوات؟ ولو قُبل هو وجماعته البروتستانت (المححتجون) في مجمع وسُمح لهم بحرية الكلام، فإن النزاع الذي سيسفر عنه هذا القبول سيوسع الانشقاق ويزيده مرارة ويزعج أوربا بأسرها، ولو حيل بينهم وبينه لأثاروا غضب التمرد والعصيان. وأراد الامبراطور شارل أن يعقد المجمع على أرض ألمانية، ولكن الملك الفرنسي فرانسوا أبى السماح للإكليروس الفرنسي بحضور اجتماع خاضع لسيادة الإمبراطور. يضاف إلى هذا رغبة فرانسوا في الإبقاء على النيران البروتستنتية مشتعلة في المؤخرة الإمبراطورية في الاراضي الألمانية. لقد كان الموقف مختلطاً أشد الاختلاط…

فلما جاء بولس الثالث بابا جديد لرومة ساورته كل مخاوف كلمنت، ولكنه كان أشجع منه. في عام 1536 أصدر دعوة لمجمع عام يجتمع في مانتوا في 23 ايار 1537، ودعا البروتستانت لحضوره. وافترض أن جميع الأطراف التي ستحضره ستقبل النتائج التي يخلص إليها المجمع؛ ولكن ما كان للبروتستنت وهم أقلية في مؤتمر كهذا أن يقبلوا مثل هذا الالتزام. وأشار لوثر بعدم الحضور، ورد مؤتمر البروتستنت المنعقد في شمالكالدين دعوة البابا دون أن يفتحها. وواصل الإمبراطور إصراره على عقد المجمع في أرض ألمانية، وكانت حجته أنه لو عقد في أرض إيطاليا لازدحم بالأساقفة الإيطاليين ولأصبح لعبة في يد البابا. وبعد الكثير من المفاوضات والتأجيلات وافق بولس على عقد المجمع في ترنت، وكانت تقع في أرض إمبراطورية وتخضع لشارل على الرغم من غلبة الإيطاليين على سكانها. ودعا المجمع للانعقاد فيها في أول نوفمبر 1542.

ولكن ملك فرنسا رفض أن يلعب دوره. وأبى نشر دعوة البابا في أرجاء ملكه، وهدد بالقبض على أي فرد من الأكليروس الفرنسي يحاول حضور مجمع منعقد على أرض عدوه، فلما افتتح المجمع لم يكن حاضراً سوى بضعة أساقفة كلهم إيطاليون، وأجل بولس الاجتماع حيناً حتى يسمح شارل وفرانسوا بانعقاد المجمع بكامل عدده. وبدا أن صلح كريبي قد أزاح العقبات من الطريق، ودعا بولس إلى عودة انعقاد المجمع في 14 آذار 1545. ولكن تجدد الخطر على الإمبراطور من العثمانيين أكرهه ثانية على مصالحة البروتستنت، فطلب تأجيل المجمع مرة أخرى، ولم يبدأ “المجمع المسكوني التاسع عشر للكنيسة المسيحية” دوراته النشيطة إلا في 13 كانون الأول .1545

ولكن حتى هذه البداية لم يحالفها التوفيق، ولم تبلغ قط مبلغ “نصف العمل”. ذلك أن البابا الذي قارب الثمانين ظل في روما، يرأس المجمع “غيابياً”، ولكنه ندب عنه ثلاثة كرادلة يمثلونه: ديل مونتي، وتشرفيني، وبولي. وكان قوام المجمع كردينال ترنت مادروزو، وأربعة رؤساء أساقفة، وعشرين أسقفاً، وخمسة من قادة الطرق الديرية، ويعض رؤساء الأديار، وبضعة لاهوتيين؛ ولم يكن في وسع المجمع حتى ذلك الحين الزعم بأنه “مسكوني”-أي عالمي. وبينما كان حق التصويت في مجمع كونستانس وبازل متاحاً للقساوسة، والأمراء، وبعض العلمانيين، كما كان متاحاً للأساقفة، وكان التصويت بالمجموعات القومية، فإن هذا الحق قصر هنا على الكرادلة والأساقفة والقواد ورؤساء الأديار، وكان التصويت بالأفراد، ومن ثم فإن الأساقفة الإيطاليين-وأكثرهم مدين للبابوية أو موال لها لأسباب أخرى-سيطروا على المجمع بأغلبيتهم العددية. وحضّرت اللجان المجتمعة في روما بإشراف البابا المسائل التي لا يمكن عرض غيرها للمناقشة. وقد لاحظ مندوب فرنسي أنه ما دام المجمع يزعم بأنه يعمل بإرشاد الروح القدس، فإن الأقنوم الثالث كان يأتي إلى ترنت بانتظام في حقيبة البريد القادمة من روما

ودارت أولى المناقشات حول الإجراءات:

أمن الواجب البدء بتعريف الإيمان ثم البحث في الإصلاحات، أم العكس؟ فأما البابا ومؤيدوه الإيطاليون فأرادوا البدء بتعريف للعقائد، وأما الإمبراطور ومؤيدوه فأرادوا البدء بالإصلاح، أملاً من شارل في تهدئة البروتستنت أو إضعافهم أو إحداث مزيد من الانقسام في صفوفهم، وأملاً من الأحبار الألمان والأسبان أن تقلل الإصلاحات من سلطة البابا على الأساقفة والمجامع. وقد أمكن الوصول إلى حد وسط، فاتفق على أن تحضر لجان متزامنة القرارات حول العقيدة والإصلاح، وتعرض هذه القرارات على المجمع بالتناوب.

وفي أيار 1546 أوفد بولس اثنين من اليسوعيين هما لاينيز وسالميرون ليساعدوا مندوبيه في الشؤون اللاهوتية وفي الدفاع عن البابا، ثم انضم إليهما بيتر كانيزيوس وكلود لوجي. وما لبث تفقه اليسوعيين الذي لم يضارعهم فيه أحد أن أكسبهم نفوذاً طاغياً في المناقشات، وقاد إصرارهم على سلامة العقيدة المجمع إلى إعلان الحرب على أفكار الإصلاح البروتستنتي بدلاً من التماس التوفيق أو الوحدة. وكان حكم الأغلبية فيما يبدو أن أي تنازلات للبروتستنت لن ترأب الصدع؛ وأن الملل البروتستنتية تعددت وتنوعت بحيث لا يمكن لأي حل وسط أن يرضي بعضها دون أن يغضب البعض الآخر، وأن أي تغيير جوهري في العقائد التقليدية من شأنه أن يضعف بنيان الكاثوليكية العقائدي واستقرارها كله، وأن السماح للعلمانيين بالسلطات الكهنوتية سيفوض السلطة الأدبية للكهنوت والكنيسة، وأن هذه السلطة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي، وأن لاهوتاً يرتكز بصراحة على الإيمان سيحبط نفسه إذا خضع لأهواء التفكير الفردي. وبناءً عليه فإن دورة المجمع الرابعة (نيسان 1546) أكدت من جديد كل فقرة من فقرات العقيدة التقوية، وادعت سلطاناً متساوياً لتقليد الكنيسة وللكتاب المقدس، وأعطت الكنيسة الحق دون غيرها في شرح الكتاب وتفسيره، وأعلنت أن ترجمة جيروم اللاتينية هي الترجمة والنص النهائيان للكتاب. وتقرر أن القديس توما الأكويني هو الشارح العمدة للاهوت النقي من الشوائب، ورفع كتابه “خلاصة اللاهوت” إلى مقام لا يعلوه فيه إلا الكتاب المقدس والمراسيم البابوية. وهكذا نرى أن الكاثوليكية بوصفها “ديناً ذا سلطان معصوم” بدأت عملياً من مجمع ترنت، وتبلورت على هيئة استجابة عنيدة لذلك التحدي الذي واجهتها به البروتستنتية، والعقلانية، والرأي الفردي. وانتهى بذلك “اتفاق الجنتلمان” بين كنيسة النهضة والطبقات المفكرة…

ولكن إذا كان الإيمان حيوياً إلى هذا الحد، فهل كان أيضاً كافياً في ذاته لاستحقاق الخلاص كما زعم لوثر؟

لقد ارتفعت في الدورة الخامسة (حزيران 1546) مناقشات عنيفة حول هذه النقطة، وأمسك أحد الأساقفة بلحية آخر وانتزع منها حفنة من الشعر الأبيض، ولما سمع الإمبراطور بما وقع أرسل إلى المجمع يقول:” إنه لم يهدأ فسيأمر بإلقاء نفر من الأساقفة في نهر أديج ليهدئ ثائرتهم”. ودافع ريجنالد بولي عن رأي قريب قرباً خطراً من رأي لوثر، حتى أن الكردينال كارافا (الذي أصبح البابا بولس الرابع فيما بعد) دمغه بالهرطقة، وانسحب بولي من المعركة قاصداً بادوا، واعتذر بالمرض عن التخلف عن حضور المجمع. ودافع الكردينال سيريباندو عن الصيغة التوفيقية التي عرضها في راتسبون الكردينال كونتاريني، وكان قد مات، ولكن لاينيز أقنع المجمع بأن يشدد على أهمية الأعمال الصالحة وحرية الإرادة، معارضاً بذلك لوثر معارضة كامل.

المناسبة والجلسات والحضور

Image may be NSFW.
Clik here to view.

المجمع، كما صوره

كاتي دي ايبيزي

دعا البابا بولس الثالث إلى انعقاد المجمع في 1542م، وتم افتتاحه في 13ايلول 1545م. وانعقد المجمع خلال ثلاث فترات منفصلة. ثم عاقت الحروب والنزاعات الدينية عمله. وخلال الفترة الأولى من 1545م إلى 1547م أعلن المجمع أن الإنجيل والتقاليد هما المصدران الصحيحان للإيمان الكاثوليكي. وقد أصدر المجمع مرسومًا يقضي بأن للكنيسة الحق الأوحد في تفسير الإنجيل. أما التقاليد فتشتمل على كتابات الرُسُل، ومراسيم البابوات والمجامع، والعادات التي مارسها الكاثوليك على مدى تاريخ الكنيسة. ورفض المجمع أيضًا وجهات النظر البروتستانتية حول الخلاص والخطيئة.

أما في الفترة الثانية التي امتدت من سنة 1551م إلى سنة 1552م، فقد عرّف مجمع ترنت طبيعة الأسرار السبعة، وأعاد تأكيد عقيدة الاستحالة للقربان المقدس بتحويل الخبز الى جسد الرب يسوع والخمر الى دم السيدفي كأس القربان بسر الافخارستيا ( الشكر).

وأما في الفترة النهائية لمجمع ترنت من 1562 إلى 1563م، فقد دافع المجمع عن صُكوك الغفران (غفرانمطبوع او شيك بقيمة مالية تمنحه الكنيسة لتحل الآثم من ذنوبه)، وأقرّ كذلك الصلوات من أجل القديسين، وعَرَّف ذبيحة القُداس، وكثيرًا من العقائدالمسيحية. وقرر المجمع إصلاحات مثل تأسيس مدارس اللاهوت لتدريب الكهنة، وتحقيق مطلب عيش كل أسقف في منطقته الخاصة. وقد صدق البابا بيوس الرابع في 26كانون الثاني سنة 1564م على كل المراسيم التي صدرت عن المجمع، والتي أصبحت فيما بعد جزءًا من العقيدة الكاثوليكية.

الموضوعات المطروحة

الإصلاح الكنسي

أما إجراءات الإصلاح الكنسي فكانت حركتها أقل نشاطاً من تعريفات العقيدة. كان أسقف كاتدرائية القديس مرقس قد افتتح دورة 6 كانون الثاني 1546 برسمه صورة قاتمة للفساد الذي استشرى في العالم، والذي لن يفوقه في ظنه فساد الأجيال القادمة إطلاقاً، وقد عزا هذا الفساد “إلى شر الرعاة دون سواه”. وقال إن هرطقة لوثر سببها الرئيسي خطايا الأكليروس، وإن إصلاح الأكليروس خير سبيل لقمع هذا التمرد. ولكن الإصلاح الجوهري الوحيد الذي تحقق في هذه الدورات الأولى كان ذلك الذي حرم على الأساقفة الإقامة بعيداً عن أسقفياتهم، أو شغل أكثر من أسقفية. واقترح المجمع على البابا أن ينتقل إصلاح قسم الوثائق من التوصيات النظرية إلى الأوامر الفعلية، ولكن بولس كان يريد أن تترك شؤون الإصلاح للبابوية، فلما أصر الإمبراطور على مزيد من السرعة في مناقشات الإصلاح في المجمع، أمر البابا مندوبيه بأن يقترحوا نقل المجمع إلى بولونيا-التي تسمح لروما بأن تشرف على أعمال المجمع إشرافاً أسرع لأنها واقعة في الولايات البابوية. ووافق الأساقفة الإيطاليون، أما الأساقفة الإسبان والإمبراطوريون فاحتجوا، وظهر في ترنت مرض الطاعون فقضى على أحد الأساقفة، وانتقلت الأغلبية الإيطالية إلى بولونيا، أما الباقون فظلوا في ترنت. ورفض شارل الاعتراف بدورات بولونيا. وهدد بعقد مجمع منفصل في ألمانيا. وبعد عامين من الجدل والمناورة خضع بولس وعطل مجمع بولونيا (ايلول 1549)

وخف توتر الموقف بموت بولس. ووصل يوليوس الثالث إلى تفاهم مع الإمبراطور، فدعا المجمع للانعقاد مرة أخرى في ترنت في ايار 1551 لقاء وعد من شارل بالامتناع عن تأييد أي إجراء من شأنه اختزال سلطة البابا، ووافق البابا على إعطاء اللوثريين فرصة الإدلاء بأقوالهم. ولكن هنري الثاني ملك فرنسا رفض الاعتراف بالمجمع لأنه كره هذا التقارب بين البابا والإمبراطور. فلما اجتمع كان عدد الحاضرين ضئيلاً فاضطر إلى تأجيل اجتماعاته. ثم عاد إلى الاجتماع في أول ايلول بحضور ثمانية من رؤساء الأساقفة، وستة وثلاثين أسقفاً، وثلاثة رؤساء أديار، وخمسة قادة، وثمانية وأربعون لاهوتياً. ويواكيم الثاني ناخب براندنبورج، وسفراء يمثلون شارل وفرديناند…

سر الشكر وعقيدة الاستحالة

وأكدت الدورة الثالثة عشرة للمجمع (تشرين اول 1551) من جديد عقيدة االاستحالة الكاثوليكية، فالكاهن بتقديسه الخبز والخمر في سر القربان المقدس يحولهما فعلاً إلى جسد المسيح ودمه. بعد هذا لم يعد هناك جدوى من الاستماع إلى البروتستنت، ولكن شارل أصر على هذا. واختار دوق فورتمبرج، وموريس ناخب سكسونيا، وبعض مدن جنوبي ألمانيا-اختار هؤلاء أعضاء وفد بروتستنتي، ووضع ملانكتون بياناً بالعقيدة اللوثرية لرفعه إلى المجمع. وضمن شارل للمندوبين سلامة المرور، ولكنهم إذ تذكروا كونستانس وهس طلبوا أيضاً ضماناً بسلامة المرور من المجمع ذاته. وبعد نقاش طويل منحهم المجمع الضمان. ولكن راهباً دومنيكياً ذكر في عظة تدور حول مثل هذا الزوان، ألقاها في ذات الكاتدرائية التي انعقدت فيها دورات المجمع، أن زوان المهرطقين قد يمهلون إلى أجل، ولكن لا بد في النهاية من حرقهم.

الپروتستنتية

وفي 14 كانون الثاني 1552 ألقى المندوبون البروتستنت كلمتهم في المجمع. فاقترحوا تأكيد المراسيم التي أصدرها مجمعاً كونستانس وبازل بشأن تخويل المجامع سلطاناً أعلى على البابوات، وأن يحل أعضاء المجمع الحاضر من عهد الولاء للبابا يوليوس الثالث، وأن جميع القرارات التي وصل إليها المجمع حتى ذلك التاريخ يجب إلغاؤها، وأنه يجب أن يعيد مجمع موسع يمثل فيه البروتستنت تمثيلاً كافياً مناقشة الموضوعات من جديد. ومنع يوليوس الثالث بحث هذه المقترحات. وقرر المجمع تأجيل البت فيها إلى 19 آذار، وهو التاريخ الذي يتوقع فيه وصول مزيد من المندوبين البروتستنت لحضور المجمع.

وفي أثناء هذه العطلة طرأت على اللاهوت تطورات حربية على نحو غير متوقع. ففي كانون الثاني 1552 وقع ملك فرنسا حلفاً مع البروتستنت الألمان، وفي آذار زحف موريس أمير سكسونيا على إنزيروك، وفر شارل، وما كان لأية قوة أن تمنع موريس إن شاء من الاستيلاء على ترنت والإطاحة بالمجمع. واختفى الأساقفة واحداً بعد الآخر، وفي 28 نيسان عطل المجمع رسمياً. ونزل فرديناند بمقتضى معاهدة باساو (2 آب) عن الحرية الدينية للبروتستنت المنتصرين حربياً، فلم يعد المجمع يهمهم في شيء بعد هذا.

ورأى بولس الرابع أن من الحكمة أن يدع المجمع يثبت القرارات خلال رئاسته. فلما جاء البابا بيوس الرابع، وكان شيخاً دمث الخلق، راودته فكرة مؤداها أن منح سر القربان بالخبز والخمر قد يهدئ البروتستنت كما هدأ البوهيميين من قبل. فطلب إلى المجمع أن ينعقد من جديد في ترنت في 6 نيسان 1561، ودعا إليه جميع الأمراء المسيحيين سواء الكاثوليك أو البروتستنت. وقد جلب المندوبون الفرنسيون إلى هذه الدورة الجديدة قائمة رهيبة بالإصلاحات التي ينشدونها: القداس باللغة القومية، والتناول بالخز والخمر، وزواج الكهنة، وإخضاع البابوية للمجامع العامة اي الغاء عصمة البابا واولويته ومنحها للمجمع المقدس، وإنهاء نظام الإعفاءات البابوية، ويبدو أن مزاج الحكومة الفرنسية كان في تلك اللحظة شبه هيجونوتي. وأيد فرديناند الأول هذه المقترحات، وكان الآن إمبراطوراً، وأضاف أن “البابا يجب أن يتواضع، ويخضع لإصلاح شخصه ودولته وإدارته”، أما أساطير القديسين فينبغي أن تنقى من السخافات. وأما الأديار فينبغي إصلاحها حتى “لا تعود ثروتها الطائلة تنفق بمثل هذه السفه”. وأنذر الموقف بالخطر على بيوس، وترقب مندوبوه افتتاح الدورة في شيء من الذعر.

وبعد تأجيلات كان دافعها الروية التأم شمل الدورة السابعة عشرة للمجمع في 28 كانون الثاني 1562، بحضور خمسة كرادلة، وثلاثة بطاركة، وأحد عشر رئيس أساقفة، وتسعين أسقفاً، وأربعة قادة، وأربعة رؤساء أديار، ومختلف الممثلين العلمانيين للأمراء الكاثوليك. واستجابة لطلب من فرديناند عرض ضمان بسلامة المرور لأي مندوب بروتستنتي قد يرغب في الحضور، ولكن أحداً لم يحضر. وتزعم رئيس أساقفة غرناطة وشارل كردينال اللورين حركة ترمي إلى الحد من امتيازات البابا، فأكد أن الأساقفة لا يستمدون سلطانهم عن طريقه بل بـ “الحق الإلهي” المباشر، وردد أسقف سقوبية هرطقة من هرطقات لوثر، إذ أنكر أنه كان على البابا سيادة على غيره من الأساقفة في الكنيسة الأولى. على أن هذا التمرد الأسقفي أطفأته البراعة البرلمانية التي أبداها مندوبو البابا، وولاء الأساقفة الإيطاليين والبولنديين للبابا، وبعض المجاملات البابوية التي وجهت في الوقت المناسب إلى كردينال اللورين. وانتهى الأمر بتوسيع سلطة البابا لا بالحد منها، واشترط على الأسقف أن يقسم يمين الطاعة الكاملة للبابا. وأمكن تهدئة فرديناند بوعده أن البابا سيسمح في ختام المجمع بأن يعطي القربان بالخبز والخمر معاً.

أما وقد فرغ المجمع من أهم نزاع واجهه، فقد انتهى بسرعة من أعماله الباقية. فحرم زواج الأكليروس، وقرر توقيع عقوبات صارمة على تسري القساوسة واتخاذ محظيات. وشرع الكثير من الإصلاحات الصغيرة للنهوض بأخلاق رجال الأكليروس ونظامهم. وقرر إنشاء كليات لاهوتية يدرب فيها الراغبون في الكهنوت على عادات التقشف والتقوى. أما سلطات الإدارة البابوية فقد اختزلت. ووضعت قواعد لإصلاح الموسيقى والفن الكنسيين، وتقرر تغطية صور العرايا بما يكفي لمنع إثارتها للخيال الحسي. ووضع الفارق بين عبادة الصور وعبادة الأشخاص الذين تمثلهم الصور، وتأييد استعمال الصور الدينية بالمعنى الثاني. أما المطهر والغفرانات والتوسل إلى القديسين فقد دوفع عنها وأعيد تعريفها. وهنا اعترف المجمع في صراحة ب”المفاسد التي انبعثت عن شررها نار التمرد اللوثري”، وقد نص أحد القرارات على ما يأتي:

“- إن المجمع يقرر بصدد منح الغفرانات… إنه يجب القضاء كلية على كل كسب إجرامي متصل بها، باعتباره مصدراً لفساد محزن بين الشعب المسيحي، أما عن غير ذلك من ضروب الخلل والفوضى الناجمة عن الخرافة أو الجهل أو الاستهانة بالمقدسات أو أي سبب كائناً ما كان فيما أن هذه كلها لا يمكن القضاء عليها بالتحريمات الخاصة نظراً إلى انتشار الفساد على نطاق واسع، فإن المجمع يلقى على عاتق كل أسقف واجب التعرف على ما يوجد في أسقفيته من مفاسد، وعرضها على المجمع الإقليمي التالي، وإبلاغها إلى الحبر الأعظم بعد موافقة الأساقفة الآخرين.

وأجمع البابا والإمبراطور على أن المجمع قد بلغ الآن نهاية نفعه، وفي 4 كانون الاول 1563 فض نهائياً وسط ابتهاج المندوبين المرهقين، بعد أن حدد طريقة الكنيسة لقرون قادمة.

لقد نجحت معارضة الإصلاح البروتستنتي في أهدافها الأساسية. صحيح أن الرجال سواء في الأقطار الكاثوليكية أو البروتستنتية ظلوا يكذبون ويسرقون، يغوون العذارى ويبيعون الوظائف، يقتلون ويشنون الحرب. ولكن أخلاق الأكليروس تحسنت، وروّضت الحرية الجامحة التي اندفعت فيها إيطاليا النهضة فتكيفت تكيفاً مهذباً وفق مزاعم البشر. فالبغاء الذي كان صناعة كبرى في روما والبندقية أيام النهضة أخفى الآن رأسه، وأصبحت العفة طابع العصر. وتقرر اعتبار تأليف الكتب القذرة أو نشرها جريمة كبيرة في إيطاليا. بهكذا شنق نيكولو فرانكو، سكرتير أريتينو وعدوه، بأمر من البابا بيوس الخامس عقاباً على تأليفه كتاب عوقبPriapeiaأما أثر القيود الجديدة على الفن والأدب فلم يكن مؤذياً أذى مطلقاً لا خلاف عليه، مثال ذلك أن فن الباروك انبعث على استيحاء من مكانه المغمور، كذلك إذا نظرنا من زاوية أدبية خالصة فإننا لا نجد تاسو، وجواريني، وجولدوني، يهبطون هبوطاً عنيفاً عن مرتبة بوياردو، وأريوستو، ومكافيللي المسرحي. وقد أقبل أعظم عصور أسبانيا الأدبية والفنية في ملء “الرجعية الكاثوليكية”. ولكن الفرحة التي كانت طابع إيطاليا النهضة انطفأت، وفقدت النساء الإيطاليات بعض ذلك السحر والابتهاج الذي أتاهن من حريتهن السابقة لحركة الإصلاح البروتستنتي. وساد إيطاليا عصر أقرب ما يكون إلى البيورتانية نتيجة لقيام أخلاقية قاتمة واعية. وانتعشت الديرية. وكانت خسارة للنوع الإنساني، من وجهة نظر العقل الحر، أن تقضي الرقابة الكنسية والسياسية على حرية الفكر النسبية التي سادت أيام النهضة، وكانت مأساة أن تعاد محكمة التفتيش في إيطاليا وغيرها من البلاد في الوقت الذي أخذ العلم ينبثق فيه محطماً قشرته الوسيطة، وضحت الكنيسة عن عمد بالطبقات المثقفة المفكرة في سبيل الأكثرية المتدينة التي صفقت لقمع أفكار قد تذيب إيمانها المعزي.

كانت الإصلاحات الكنسية حقيقية ودائمة. وإذ كانت الملكية البابوية قد رفع مقامها فوق الأرستقراطية الأسقفية للمجامع ، فإن هذا كان يساير روح العصر، حيث كانت الأرستقراطيات في كل بلد، عدا ألمانيا، تفقد سلطانها ليتقلده الملوك. وأصبح البابوات الآن أرق من الأساقفة خلقياً، وأمكن تنفيذ النظام الذي تطلبه الإصلاح الكنسي على يد سلطة ممركزة خيراً من سلطة مقسمة، وأنهى البابوات محاباتهم لأقربائهم، وشفوا الإدارة البابوية من تسويفاتها الباهظة الثمن ورشوتها المفضوحة. وأصبحت إدارة الكنيسة بشهادة من فحصوا هذا الأمر من غير الكاثوليك نموذجاً للكفاية والنزاهة(51). وأدخل استعمال مقصورة الاعتراف المظلمة (1547) وجعل إجبارياً (1614)، ولم يعد القسيس عرضة لأن يفتنه جمال بعض المعترفات. أما باعة صكوك الغفران الجائلون قد اختفوا، وأما الصكوك فقد خصصت في معظم الحالات للعبادة الورعة ولأعمال البر لا التبرعات المالية، وبدلاً من أن يتقهقر رجال الأكليروس الكاثوليك أمام زحف البروتستنت أو الفكر الحر، انطلقوا ليعيدوا اقتناص فكر الشباب وولاء السلطان. وأصبحت روح اليسوعيين، تلك الروح الواثقة، الإيجابية، النشيطة، المدبرة على النظام، هي روح الكنيسة المجاهدة، واطلق يد الرهبنة اليسوعية اذ اعتبرت جيش البابوية.

لقد كان شفاء الكنيسة في جملته شفاءً مذهلاً، وثمرة من أروع الثمرات التي جادت بها حركة الإصلاح البروتستنتي


الكنيسة المريمية ايقونة سلام

Image may be NSFW.
Clik here to view.

الوثائقي الكنيسة المريمية “أيقونة سلام” من الإخبارية السورية .. إعداد وتقديم : سالي شار

http://telegram.me/alikhbariasy http://www.alikhbariya.sy https://www.facebook.com/alikhbaria.syria https://www.youtube.com/user/syriaalikhbaria2 https://www…

youtube.com

مريمية الشام…
اقدم كنيسة في بلاد الشام واجملها…
تعود الى الثلث الأول من القرن المسيحي الأول وكانت لشيعة المريميين الهرطوقية التي الهت العذراء واعتبرتها الاقنوم الثالث من الثالوث المقدس لذا هي مخالفة للعقيدة الأرثوذكسية( المستقيمة الرأي) اندثرت هذه الشيعة في مستهل القرن الثالث للمسيح فآلت الكنيسة الى المسيحيين الأرثوذكس وقد مرت عليها عبر تاريخها تسع نكبات مدمرة كانت اشدها ضراوة بيد تكفيريي 1860 وبتشجيع من الدولة العثمانية كما يحصل اليوم …
كان لي شرف القاء بعض الضوء على هذه الكاتدرائية ( كنيسة الأسقف والبطريرك) والتحدث ببعض الحديث عن مريمية الشام عن تاريخها البعيد والقريب وحاضرها بحديث روائي وصفي تحدثت فيه عنها لبرنامج وثائقي عن الكاتدرائية المريمية بعنوان : “الكنيسة المريمية ايقونة سلام”في الاخبارية السورية العام 2016 اعداد وتقديم السيدة سالي شار.

د.جوزيف زيتون

هل الكاتدرائية المريمية كنيسة كاثوليكية استولى عليها الأرثوذكس؟

سؤال صادم بلا شك…

تمهيد تاريخي

منذ فترة تقارب الستة أشهر وإلى الآن، تتساقط عليّ الاستفسارات من الكثير جداً من الاصدقاء: “شو المريمية كانت للكاثوليك وخلصوها منهم الروم؟…

وطلبوا مني تبيان الحقيقة علناً.

فالمعروف حتى للجنين في حشا امه ان المريمية هي كاتدرائية الكرسي الأنطاكي وهي كنيسة مريم الارثوذكسية، كما أثبتنا، وقبلنا معلمنا الخوري المؤرخ المرحوم أيوب نجم سميا (البقاعي- قب الياس) “مؤرخ الكاتدرائية المريمية” هي ابنة ال 20 قرناً وهي منذ عام 705 مسيحية هي كاتدرائية اسقف دمشق الرومي الخلقيدونية، ومنذ عام 1344مسيحية هي بالتالي كاتدرائية البطريرك الانطاكي بعد انتقال الكرسي الانطاكي الرسولي اليها من مدينة أنطاكية على أثردمارها، وشتات وتيه كرسيها الرسولي الذي  كان قد بدأ مع أول غزوة للأفرنج (الاخوة بالمسيح !!!) السنة 1092 مسيحية،(الظالمة للوجود المسيحي في ارض الشام ارض الكرسيين الأنطاكي والأورشليمي، أرض المسيحية الذين يتشدق الغرب العلماني بتسميتهم صليبيين(1)، ويقتدي بهم فيها بعض كبار المثقفين والمؤرخين المسلمين الحاليين بنية تعصبية ذميمة بغية  الإساءة لاخوتهم مسيحيي المشرق مشيعين عن ظلم هؤلاء الحاملين لراية الصليب للمسلمين).

Image may be NSFW.
Clik here to view.
واجهة وجرسية الكاتدرائية المريمية

واجهة وجرسية الكاتدرائية المريمية

مظالم الفرنج بحق مسيحيي المشرق

ان من يتعامى منهم عن هذه البديهية يكون ظالماً لمسيحيي المشرق ولكني قانع بأنهم (اي مثقفي وكتاب التاريخ في المشرق) متأكدون ان هذا الظلم بحده الأعظمي حَّلَّ على المسيحيين المشرقيين من نظرائهم الفرنجة، واصحاب الضمير منهم يعترفون بهذه الحقيقة الدامغة ، وهذه كانت رغبة الباباوات جعل مسيحيي المشرق اتباع الكرسي البابوي، اضافة الى النية الاستعمارية التي كانت عند ملوك اوربة الذين جيشوا الحملات الأربع عشرة خلال قرنين من الزمان، لأن هذه المنطقة المتوسطية للعالم القديم بقاراته الثلاث، هي طريق التجارة المتوسط مع الشرق الأقصى، والمسمى اصطلاحاً طريق الحرير وطريق التوابل… مع وجود قلة من المتهوسين الدينيين امثال الراهب بطرس الذين نادوا بتخليص القبر المقدس من المسلمين.

إن كتب التاريخ الحديثة والمخطوطات التاريخية المعاصرة للحملات تؤكد ذلك، وأفعال قتل الاكليروس الارثوذكسي، واولهم البطاركة، واحلال لاتينين محلهم معلنة…في الكرسيين الأنطاكي والأورشليمي وقد اعتلى الكرسي الأنطاكي ستة بطاركة لاتين طيلة فترة الحملات وحتى تدمير انطاكية بيد الظاهر بيبرس، وكانوا يبذلون ما امكن وبكل قسوة متاحة لجعل الشعب الارثوذكسي وابناء الكنائس الشرقية لاتينيين او تابعين لبابا رومه، فهي لذلك دعيت ب”الحرب المقدسة”.

وهذه اشارة في مستهل بحثنا كمدخل لما صرنا عليه، واقع تشرذمنا حالياً الى طوائف كل طائفة منها تحتكر لذاتها “الكرسي الأنطاكي” حيث كانت ثمة كنائس نشأت منها طوائف.

والطائفة هي مجموعة عددية صغيرة مهما كان عددها، بينما كانت نسبة الوجود المسيحي في بلاد الشام في مستهل حملات الفرنجة في القرن الحادي عشر أكثر من 69% ، وعندما طُرد الفرنجة من المشرق، انخفضت النسبة، بسبب قهر المماليك للمسيحيين، لأنهم اعتبروهم والفرنجة في مركب واحد (كما اسلفنا)، يتوجب إما طردهم من المشرق، أو أسلمتهم، أو إبادتهم كما فعل بيبرس البندقداري المملوكي والتركي الأصل بدءاً من انطاكية وحتى اصغر قرى القلمون…!!!

بيبرس هذا الذي يعتبر محرراً في (تاريخنا وقد زيفوا معظمه)، كان قاتلاً للمسيحيين على الهوية، فقام بتدمير مدينة انطاكية وقتل وسبي مسيحييها(كلهم روم ارثوذكس) وعددهم مائة ألف انطاكي عام 1268 في حربه ضد الفرنج (نسبة الى سهل الفرنك في فرنسا حالياً) حيث كان عارفاً بجلاء جيوش الفرنجة عنها قبل حصاره لها، وأن ليس فيها إلا أهلها، ولكنه بيت النية على اعتماد سياسة التطهير الديني بحق المسيحيين(سياسة الفاطميين والمماليك)، كما فعل في بلدات القلمون في طريق عودته من انطاكية بعد تدميره لها وقتل وسبي شعبها، بقتل وتهجير مسيحييها ( بلدات القلمون) وكلهم أنطاكيون ارثوذكس، وكما سبق وفعل في انطاكية، لجهة انه احضر مسلمين من مناطق أخرى واحلهم محلهم، وخاصة منهم من هم أصوله التركمانية كأصله الوافدين من الشرق الأقصى، وحوَّلَ الكنائس والأديرة إلى جوامع ومساجد.

لقد نال الأرثوذكس وأبناء الكنائس الشرقية المنكرات من الفرنجة، أثناء وجودهم الاحتلالي لبلاد الشام، ولاحقاً من الحكام المسلمين لبلاد الشام، وحتى من عامة الشعب حيث اعتبروهم من بقايا حملات الفرنجة، لذا تدنت نسبة الوجود المسيحي بعد طرد الفرنجة في مساحة بلاد الشام من 69% الى 20 % قتلاً وتهجيراً وإكراها في اعتناق الإسلام…

لقد قضى أكثر من مليوني ارثوذكسي فقط في بلاد الشام و جنوب آسية الصغرى ومن أتباع الكرسي الأنطاكي على يد الفاطميين والمماليك… ليتابع بعد ذلك السلاجقة مسلسل اضطهاد وابادة الارثوذكسيين اليونانيين واتباع انطاكية العظمى في ابرشيات آسية الصغرى (ماردين وديار بكر، وكيليكياس، وارض روم).

نقل الكرسي الأنطاكي الى دمشق  

في هذه الفترة اي منذ1092 مع أول غزوة للفرنجة وحتى 1342 مسيحية، كان البطاركة الأنطاكيون يقيمون في التيه والشتات بين القسطنطينية وآسية الصغرى وقبرص (لم تكن قد قامت بعد أية دولة تركية سلجوقية او عثمانية في آسية الصغرى، وكانت آسية الصغرى برمتها تابعة للدولة الرومية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية التي عندما احتلها الفرنجة لمدة سبعين سنة اقام الامبراطور البيزنطي دولته الفتية في ايقونية بآسية الصغرى). إلى أن قام البطريرك الأنطاكي اغناطيوس الثاني فنقل المقر البطريركي عام 1342 إلى دمشق نظراً لأهميتها الروحية، فهي مدينة اهتداء بولس الرسول، ومنطلق البشرى الى انطاكية وكل المسكونة، ولتقدم اسقفها بعد البطريرك الانطاكي، ولمكانتها السياسية كعاصمة بلاد الشام وزاهيتها، وتحقق ذلك عام 1344 وبالبطريرك اغناطيوس الثاني، فتوحدت سلسلة بطاركة انطاكية التي بدأت ببطرس الرسول 45- 53 مسيحية بسلسلة أساقفة دمشق التي بدأت عام 35 م بحنانيا الرسول.

وبالتالي استقر في الدار البطريركية الارثوذكسية الحالية التي هي بالأساس مطرانية دمشق ومقر مطرانها، وصارت كنيسة مريم كاتدرائيته مع الكنيستين الأخريين: كبريانوس ويوستينا، والقديس نيقولاوس.

وإلى الآن… بإذن الله، وحتى ينقضي الدهر…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
داخل المريمية وايقونسطاسها

داخل المريمية وايقونسطاسها

وأعود إلى البداية…وجواباً عن هذا السؤال الصادم ” لمن المريمية؟”.

أوضح

منذ فترة أشهر خلت انتشرت على موقع بطريركية الروم الكاثوليك الشقيقة وعلى صفحتها، قصة بناء “كاتدرائية سيدة النياح” وقد ورد فيها “محضر اتفاق” نتج عن اجتماع البطريرك مكسيموس مظلوم وأعيان الروم الكاثوليك بدمشق في 1 تموز 1834 بخصوص هذه الكنيسة، ومااستُنتِجَ من الاتفاق عبر بنود ثلاثة، وخاتمة، وهذه التي أثارت النفوس، واشتعلت بها صفحات التواصل الاجتماعي والتي توحي بأن المريمية كاثوليكية وان الروم استلبوها من الكاثوليك، والحق يقال انها صدمتني وأنا الباحث في التاريخ الأنطاكي وتاريخ دمشق المسيحية، مع علمي انها وثيقة كتبت قبل قرنين من الزمان، وبمنطق جّسَّدَّ التباغض والازدراء والقطيعة وتحريم الزواج بين الفريقين وحتى المخالطة اجتماعيا، مع شديد الأسف.

والخاتمة (مطرح النظر) هي التالية حرفياً :

“وهكذا اتخذوا احتياطهم من الذئاب الخاطفة ومن تقلقل كل قصبة تحركها الريح لئلا تأتي أيام تذهب فيها معاهدهم إلى غير جهة الكاثوليك كما حصل بكنيستهم(لكنيستهم) المريمية وبغيرها (وغيرها) من المعاهد”.

وهذا يعني ببساطة ان الكاثوليك بعد اجتماعهم التاريخي بالبطريرك مظلوم، بعد السماح له اصولا بدخول دمشق (اثر اعتراف والي مصر والشام محمد علي باشا بالكاثوليك طائفة مستقلة عن الكرسي الانطاكي، هذا الاعتراف الذي تم بفضل يوحنا البحري الكاثوليكي كبير مستشاري ابراهيم باشا واضطرار السلطان العثماني بمنحهم اعتراف الدولة العثمانية بهم وبضغوط كبيرة من سفيري فرنسا والنمسا والكرسي البابوي) وضعوا هذه الاتفاقية التي تضمن “عدم انتزاع الروم هذه الكنيسة من يدهم كما فعلوا قبل مائة سنة وانتزعوا المريمية وغيرها من المعاهد من يدهم…!” ( في الكنيسة كانت مدارس التعليم)

وكي لا أوصف من البعض بالتعصب الطائفي، قررت عدم الرد، واكتفيت بالتوضيح مباشرة وشفهياً، وبرسائل على الخاص لكل من سألني، ومنهم من الاكليروس، ولكن الأشد إيلاماً دوماً، هو قلب الحقائق وعكسها في التاريخ المشترك منذ نشوء الطائفة الشقيقة السنة 1724 وانا عارف بكل شيء ومن الوثائق، وباحث فيها.

لا سيما وأن من يعرف أن العمر الفعلي لطائفة الروم الكاثوليك هو اقل من ثلاثة قرون، وتاريخ نشوئها الفعلي كان في عام 1724 مسيحية، وأما التاريخ الرسمي للاعتراف بها فكان عام 1835 أي بعد مائة وأحدى عشرة سنة، فمن أين حصلوا على الكنائس والأديار التاريخية التي تعود إلى فجر المسيحية؟، ولكن بإمعان النظر قليلاً، يدرك السائل تماماً أن الأديرة والكنائس التي هي بحوزتهم والعائدة إلى القرون المسيحية الأولى اي إلى ما قبل دخول المسلمين للمشرق المسيحي اي الشام الكبرى، هي أرثوذكسية بالمطلق، وتم الاستيلاء عليها، والباحث وحتى من تبقى من كبار السن يدركون الأسباب

Image may be NSFW.
Clik here to view.
كاتدرائية سيدة النياح للروم الكاثوليك

كاتدرائية سيدة النياح للروم الكاثوليك

– وهي إما بوضع اليد بعد تغيير المذهب للشريحة الأكبر بتقديم المعونات المالية (كما فعل غبطة البطريرك الكاثوليكي كيرلس مغبغب، ومعه المطران نيقولاوس قاضي عام 1920 في معرة صيدنايا عندما زار القرية (وهي فقيرة) وأغرى رعيتها الأرثوذكسية الفقيرة بالمساعدة المالية في حال رغب من يرغب باعتناق الكثلكة، وبمنح كل شاب أرثوذكسي من معرة صيدنايا خلال وجوده لمدة يوم فقط بالتكلل عنده بمنحه ليرة ذهبية عثمانية، فتقدم عشرات الشباب( وفق روايات اهل القرية وشهادة شفهية من قواص البطريرك قبل وفاته مسناً، وهو قريبي ومن العائلات الكاثوليكية الشهيرة)، وقد تم تغيير القيد بسجلات النفوس من روم ارثوذكس الى روم كاثوليك. وفي أمكنة أخرى أنشئت لهم قيود لم تكن موجودة قبلاً هي: قيد “روم كاثوليك”)…

– أو بمساعدة الولاة العثمانيين بالأصفر الرنان والرشوة وشراء ضمائرهم، وبمساعي سفراء فرنسا والنمسا والصرح البابوي وضغوطهم على السلطان العثماني… أو بتغيير النفوس دون علم أصحابها في قضاء العجم(من داريا حتى عرنة)( وتحديدا في جديدة عرطوز من قبل مأمور النفوس (أبو حمد أفندي وهو سريان كاثوليك من قلعة جندل) ولكنه سجلهم في القيود روم كاثوليك ما اضطر مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع، وهو البطريرك المشهور عنه حكمته وصلابة موقفه للاحتجاج مراراً  أمام السلطات الفرنسية المنتدبة  لتغيير هذه القيود، ونقل مأمور النفوس، بدون نتيجة وأوفد ممثلاً شخصياً عنه قابل ممثل المندوب السامي في دمشق ولم يكن يلق إلا وعوداً خلبية… وبقي الحال على حاله …

وكما في صافيتا ومرمريتا ومناطق كثيرة في مجاهل ريف حماه وحمص وتم الاستيلاء على كنائسها وأديرتها الأرثوذكسية، وفي وادي النصارى وعكار وهي قلعة الأرثوذكسية بتبشير مباشر من مطران طرابلس الكاثوليكي، وبالمعونات العينية والمالية ورسامة الكهنة لرعايا قبل إنشائها… ، في اواخر العقد الثاني من القرن العشرين( مع اعلاني للقارىء الحبيب، انزعاجي لأني لم أكن اتمنى الخوض في هذا الطريق الشائك والرد مبيناً الاسباب والنتائج التي شرذمت الوجود المسيحي في رقعة بلاد الشام برمتها  لدرجة الكارثية،وعندي الكثير من الشواهد…)

وبقي الاستيلاء على الكنائس والأديرة الأرثوذكسية مستمراً حتى القرن 20 في عهد الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان لذي كان “انتداباً كاثولكياً” بامتياز، كما المحنا في الفقرة السابقة، ولدينا ثبوت تاريخية بما تم استلابه من الأوابد الروحية الآثارية بعد استلاب رعاياها في كل الكرسي الأنطاكي، وخاصة في أبرشية دمشق… منها بدمشق باب بولس ( باب كيسان) عام 1935 بمنحه من سلطات الانتداب الفرنسي، ودير مار توما في صيدنايا الذي وفق كتاب الاب ميخائيل زربطاني المطبوع في كندا( ارجح المنقول في دير البتول)ان مفتاحه كان مع رئيسة دير سيدة صيدنايا وانه كان مغلق ويحتاج الى صيانة شاملة وان مكاري دير سيدة صيدنايا صحبه اليه ومعه المفتاح وزاره ووصفه واعاد المكاري المفتاح الى رئيسة دير السيدة، ودير مار الياس في معرة صيدنايا وكان ارثوذكسياً الى اواخر العقد الثاني من القرن 20.

ومع ذلك ودفعاً لأي سجال مقيت مؤلم لنا نحن الأرثوذكس، لأنه اساساً يفتح جراحنا الكثيرة ويعيد نزفها بغزارة الماً على اوابدنا الكثيرة المخطوفة، تابع أحبارنا العلماء عدم الرد كعادتنا، بالرغم من القدح والذم المستمرين بنا وبعقائدنا خلال القرنين 19 و20 م، ولا تزال هذه (الفرية- التهمة) معتمدة ومستمرة من كبار الكهنة والعلماء الأجلاء من الروم الكاثوليك، وحتى من الشعب العادي الذي لا يعرف إلا انه كاثوليكي بالولادة، ولكنه مقتنع بأن كنيسته هي الأحسن والأدق والأكثر ديناميكية وتطوراً مع العصر وروحه،”والروم جهلة متخلفون ومتعصبون…” بفضل ما زرعه فيهم المبشرون الورعون خلال القرون الثلاثة المنصرمة، كما فعل الأب فيرسو اليسوعي المتدخل في رهبان البلمند “لرعايتهم وتلقينهم امور الايمان!!!”  ومعه الأب نصر لله الحلبي عام 1704 الذي نصح الراهبين الحلبيين من رهبان البلمند:” أن يذهبوا إلى جبل لبنان ويفتشوا على مطرح خالي، وبعده نحن نجي إلى عندكم ونعمل رهبنة قانونية. لأن في هذا الدير الإنسان ما يحسن يعيش في حرية الإيمان لأن فيه أناس معاندين وعشرتنا معهم لا تصلح. فسمعوا من شوره وراحوا حوشوا دير الذي يقال له مار يوحنا الشوير وأرسلوا اخبروهم عنه.” كما أورد الأب قسطنطين باشا المخلصي في كتابه (تاريخ الطائفة الملكية). ودير مار يوحنا كان منسكاً رهبانياً أرثوذكسيا ويعيش فيه راهب وملكيته ورعايته لأسرته …

قررت عدم الرد علناً كما أسلفت… وكي لا أتهم فوراً بالتعصب الطائفي “الروم شو متعصبين” رغم أن حق الرد مصان وممنوح للمتهم الذي ثبتت جريمته، فكيف بالمتهم بدون إدانة مبرمة،
ونحن بموجب ما ورد متهمون بارتكاب جرم السطو، وبسط اليد على ممتلكات الغير، وبخاصة “المريمية” بكل ثقلها الأرثوذكسي ككاتدرائية الكرسي الأنطاكي المقدس و الأقدم والأعرق، ومن حقنا كمتهمين الرد ودفع التهمة “وكل متهم بريء ما لم تثبت إدانته بحكم قطعي مبرم”..

Image may be NSFW.
Clik here to view.
داخل كاتدرائية سيدة النياح الكاثوليكية

داخل كاتدرائية سيدة النياح الكاثوليكية

وقد نسي هؤلاء الإخوة  أصولهم الرومية الأرثوذكسية مع استبدالهم لكلمة “الأرثوذكسية” في كل أدبياتهم ب”الملكية”(2) للتمييز والتفرد، (سيما وقد نهجوا نهج إلغاء  كلمة الأرثوذكسية ما أمكن من كل كتبهم الطقسية)، وفي الوقت عينه اتبعوا الغرب البابوي وتكنوا بالكثلكة.

وأطلق أصحابها على الخلقيدونيين لقب “ملكيين” تنزيلا وحطاً من قدرهم، فهم صنيعة  الملك البيزنطي يأتمرون بأمره ويقودهم ويطيعونه بكل شيء، لأن من أطلق فكرة الطبيعتين والمشيئتين هو الإمبراطور هرقل  ولاسيما ان الملوك البيزنطيون كانوا يدعون إلى المجامع ويرأسونها، والدولة الرومية البيزنطية كانت تتمثل بشخص الإمبراطور، والأباطرة الروميين كانوا حماة الايمان القويم. وبالمقابل فإن الخلقيدونيين لقبوا الرافضين باللاخلقيدونيين، وفي موضع آخر لقبوا السريان أصحاب الطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة بلقب اليعاقبة نسبة الى زعيمهم يعقوب البرادعي…

فالحال هذه ان هذا اللقب فرض على الخلقيدونيين أي علينا نحن الروم واللاتين في القرنين 5 و6 م، بينما كان ظهور الروم الكاثوليك فعلياً عام 1724 م اي في مطلع القرن 18 المسيحي، اما الاعتراف بهم رسميا فقد تم في الثلث الأول من القرن 19  المسيحي. ونذَّكر بأن هذه التسمية كانت تهكمية، ولاتعني انها كنيسة ملكية كما قصد اخوتنا الكاثوليك اعتمادهاكعنوان لكنيستهم، كتسمية بديلة عن الارثوذكسية، حين تنظيمهم لكنيستهم 1835م حين الاعتراف بها واطلاق عنوانها، ولو كانت ملكية بالمفهوم المفخم فيتوجب علينا نحن الروم ان نتمسك بها نحن لأننا كنا ومازلنا الأصل وحافظنا على التقليد الرسولي والآباء القديسين والمجامع السبعة والقوانين التي اقرتها دون ادخالات منفردة، ولكن المنطق يقول بأننا لسنا ملكيين بيزنطيين، بل نحن ارثوذكسيين اي اصحاب المعتقد القويم، وانطاكيين مفتخرين بفرادتنا الأنطاكية الأرثوذكسية.

ومن باب الانصاف لملوك الروم انهم حقاً كانوا حماة الايمان الارثوذكسي القويم، لذا رعوا المجامع المسكونية السبعة التي جمعت الجميع من روما الى اورشليم وبقية الكنائس المستقلة حينئذ كقبرص… تحت رئاستهم وحمايتهم، ولولاهم لما بنيت الكنائس والاديرة فهم من بناها بدءا بكنيسة القيامة والمهد بيد قسطنطين الكبير،ولما بقيت لنا الكنائس والاديرة المقدسة في فلسطين، وقد اعادوا اعمارها بعد تدميرها في العهود الظلامية الفاطمية والمملوكية …وخاصة القيامة والمهد الارثوذكسيتين وكيف بسطت الكنائس الأخرى الأيدي عليهما وشاركتهم في القيامة…وكذلك كنيسة مهد بيت لحم بهمة الغيارى اللاتين ابناء سهل اللاتيوم بمنطقة رومة اين منها فلسطين، والذين اسموا انفسهم حراس الأراضي المقدسة!!! ولا اعلم حراساً على اي شيء…ومثلها فعلوا عام 1848م باستيلائهم بمعونة والي دمشق العثماني المرتشي بمالهم على كنيسة حنانيا الرسول الارثوذكسية في دمشق القديمة…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
كنيسة حنانيا الرسول وكانت ارثوذكسية قبل ان يضبطها اللاتين

كنيسة حنانيا الرسول وكانت ارثوذكسية قبل ان يضبطها اللاتين

أن ردي هنا الذي أوردته هو دفعاً ودحضاً لتهمة شائنة مادية، ومعنوية فادحتين، اقل ما يقال عنها أن الأرثوذكس سارقون قاموا ب”السلبطة، والسطو على مقدسات ومعابد ومعاهد كاثوليكية بعد اضطهادهم أصحابها”، والمؤسف ان نشرها قد تم الآن وبكل الوسائل المكتوبة والمقرؤة ولغاية في نفس يعقوب. وقد اشتعلت النفوس بنقمة متبادلة في زمن عصيب على الوطن السوري والمشرق، وعلى المسيحيين الذين أمسوا فيه قلة تتناقص باستمرار… وربما ان استمر نزفنا نصل الى شبه ندرة في هذا الوطن المسيحي، لذا نحن أحوج ما نكون في وحدة متكاملة لدفع الضرر، ولاسيما وان الطوائف (للعارفين) وخاصة اللاحقة في نشوئها، نشأت ليس ورعاً من مؤسسيها بل بفعل الطمع بالتزعم و”حب الرئاسة والكلام البطال” على قول القديس افرام السوري. سامح الله من كان السبب والفاعل وقد شرذموا الكنيسة الواحدة بفعلهم فنشأوا كفرع ضعيف، وان دعمتهم رومة وحكام جبل لبنان والولاة العثمانيين المرتشين، لقلة عددهم حتى ان بطريركيتهم شملت ثلاثة كراسي هي انطاكية والاسكندرية واورشليم، وضعف الأصل بانشقاقهم عنه.

وهنا لابد من القول بكل فخر، أن المسيحية الأنطاكية او الكرسي الانطاكي المقدس، لم يقم بغزو اية كنيسة اخرى مبشراً رعاياها بورع كاذب بقصد الاستلاب، بل بقي في المشرق وكان داعية محبة وخير وسلام، فأنشأ بفضل المطران ميخائيل السوري التابع لبطريركية القسطنطينية الكنيسة الروسية الارثوذكسية بعدما عمد مئات الوف من الروس في انهار روسيا في اكبر معمودية شهدها التاريخ السنة 978 مسيحية، وبفضل البطريرك الانطاكي يواكيم الخامس اواخر القرن 16 تم الاعتراف بموسكو بطريركية خامسة ممثلة بايوب متروبوليت موسكووصار البطريرك الارثوذكسي الخامس…

بينما هم جاؤوا اليها، فتح بطاركتها ورعاتها ايديهم ترحيباً ب”الاخوة في المسيح”، لكن هؤلاء الاخوة في المسيح، ومع شديد الأسف، خانوا الثقة ومحبة بطاركة الروم الارثوذكس للبابا غريغوريوس 13،ومن تلاه، وفق اخلاق انطاكية العظمى وانتمائها المسيحي وهو مكمن فرادتها وضعفها وقوتها بآن معاً…

واستلبوا الرعية الأنطاكية في اي مكان وصلوا اليه، وحاولوا الاستيلاء على انطاكية العظمى ولما فشلوا، أقاموا شيعاً انفصالية  متباعدة متباغضة مع امها، واقاموا كنائس ومذابح وهياكل وهيكليات رئاسية وادارية دخيلة لاحقة لبابا رومة فهو بطريركها الجديد وان جعل لها بطاركة تابعين له، مقابل الكنائس والمذابح والهياكل والهيكليات الرئاسية والادارية الاصيلة ببطاركتها الاساس، فضعف الأصل، ونشأ منه  الفرع ضعيفاً.

سبب ردي

ما دفعني الآن للرد هو أن هذا الأمر، كان قد تم نشره خطيا في مجلد وثائقي بالوثائق والصور أرخ لبطريركية الروم الكاثوليك بدمشق وكاتدرائيتها (سيدة النياح) اعد له السيد الزميل الأكاديمي الدكتور وسام بشارة كبكب أستاذ الفلسفة واللاهوت في معهد القديس بولس ونشره (مركز الأبحاث الملكية بدمشق عام “2010” ) مستنداً به على مقالات وأبحاث كثيرة المع إليها في مقدمة وصدر الكتاب الأنيق وخاصة لجهة “الاضطهادات” من الأرثوذكس للكاثوليك عموماً ولأول بطاركتهم كيرلس طاناس (وخاله افتيموس الصيفي مطران صور وصيدا وكان أول أسقف كاثوليكي. منذ كثلكته عام 1700) واستمرت الاضطهادات حتى الاعتراف بطائفة الكاثوليك عام 1835، وفق ادبياتهم وتآريخهم…

ولما كنت من أنصار التوثيق للحوادث التاريخية، فأنا أثمن هذا الجهد المبذول من السيد الدكتور وسام كبكب الذي أثمر هذا المرجع الموصوفة معلوماته التاريخية من غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث (لحام) في كتاب بركته إلى الكاتب ب “شبه الكاملة” حول تاريخ هذه الكاتدرائية…

كما أن الكاتب د.كبكب ابرز الصعوبات الجمة التي واجهها وأوجزها في ست صعوبات:(اشتكى في معظمها من عدم وجود أرشيفات تفيد بحثه أو تعذر عليه الاطلاع عليها إن وجدت، وعدم وجود معلومات شفهية.. وأن الذي سد النقص في كتابه مقالات لعل أهمها مقال الأب غليل والارشمندريت فيليبس غرة…الخ) وفي هذه الحالة ووفق بديهيات كتابة التاريخ او التأريخ لحادثة تاريخية ما، ووفق عرف المؤرخين وكتَّاب التاريخ لا تعد ثبوتاً أساسية، إنما يؤخذ بها على سبيل الاستئناس… ولما كانت هذه “الوثيقة الموصوفة”  نتيجة محضر اتفاق واجتماع وما استنتجه معاصره الارشمندريت فيليبس غرة ببنوده الستة والاستنتاج الختامي، عدا عن ضحالته ( تشكل جرحاً غائراً للضميرالارثوذكسي، وبخاصة الدمشقي، الذي لم يستلب من احد لا فرداً ولا كنيسة عبر كل تاريخه وكان يفتح ذراعيه بكل الحب حتى لمن يطعنه بظهره.

سلب كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية

Image may be NSFW.
Clik here to view.
كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية من الداخل

كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية من الداخل

اسوق هذه الحادثة للسيد الدكتور كبكب ولمركز الابحاث الملكية ولكل من كتب طاعناً بحق الارثوذكس” الذئاب الخاطفة”، وخاصة لجهة فرية الاضطهادات المزعومة، ولجهة فرية سرقة “المريمية وغيرها من المعاهد من قبل الذئاب الخاطفة” وهي حالة من حالات لعل المفترون يتعظون ويخجلون…!

الحادثة:

الخوري الكاثوليكي ايوانيكيوس مساميري بدمشق انتمى مع جماعة كبيرة من المثقفين الروم كاثوليكيين للأرثوذكسية عام 1858 احتجاجا على فرض  بطريرك الكاثوليك السيد اكليمنضوس بحوث تعييد الفصح وفق التقويم الغربي،  فأحبه البطريرك الأرثوذكسي ايروثيوس، ورقاه أسقفا ووكيلاً بطريركياً بتشجيع من القنصل الروسي في دمشق، وأطلق يده بكل شيء لأن البطريرك كان مقيماً في اسطنبول بعد كارثة 1860، ايوانيكيوس ارتد مجدداً الى الكثلكة بتشويق البطريرك الكاثوليكي غريغوريوس يوسف الذي سماه معاوناً بطريركيا له بدمشق، وهوفعل ملفت جداً، لكن المثير والملفت اكثر بما لايقاس، انه استلب كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية  الكائنة بجوار الآسية بعدما تم الفراغ من بنائها وتزيينها وتأثيثها، قام  بتكرَّيسها بتكليف من البطريرك الأنطاكي ايروثيوس، ورفع فيها رئاسة البابا والبطريرك غريغوريوس، وقال أنها للروم الكاثوليك، بذريعة كاذبة “انه بناها من ماله الشخصي”!!! وارتد لطائفته بعد ست سنوات قضاها وكيلا بطريركيا للروم الأرثوذكس، بينما هي بُنيت من أموال التعويضات الممنوحة من الدولة العثمانية عن شهداء الأرثوذكس وقيمة دورهم المدمرة والمحروقة في مذبحة 1860 والممنوحة تعويضا من الدولة العثمانية ( كما منحت تعويضات للطوائف الأخرى تحت يد بطاركتها يصرفونها على ذوي ضحايا طوائفهم) وكانت هذه باستلامه كونه الوكيل البطريركي عن البطريرك الموجود في الأستانة، وكان يصرف منها على بناء الكنيسة باشراف المجلس الملي الدمشقي، وكانت تحت يده ايضاً عائدات الأوقاف الأرثوذكسية الدمشقية غير المحترقة في اسواق دمشق من دكاكين وخانات، وعائدات أخرى عبارة عن تقدمات البطريركية الروسية في موسكو ارسلها المعتمد الأنطاكي الارشمندريت غفرئيل شاتيلا الدمشقي، والسفارة الروسية في اسطنبول وقنصليتها بدمشق وكانت كلها لصالح الإنفاق على بناء كنيسة الدمشقي والمريمية المدمرة، وللإنفاق على الأرامل وذوي الضحايا في هذه الفتنة المدمرة، وتؤكد الوثائق البطريركية والسجلات المالية ووثائق التعويضات انه احتكرها كلها بيده، ولم ينفق منها قرشاً واحداً عليهم، وهي من حقهم، ولما رجوه ثم طالبوه بها طردهم من دار البطريركية مهيناً اياهم فرفعوا عدة عرائض الى البطريرك في الاستانة اشتكوه بها، فجاء الأخير على عجل من الاستانة وحاول ترميم الأمور وارضاء الطرفين ووزع منها بيد شماسه ملاتيوس الدوماني الدمشقي بالرغم من حنق المساميري ورفضه)، وكانت عودة ايوانيكيوس الى طائفته وتمسكه بكنيسة الدمشقي بغير حق وذلك في عام 1864 وحكم الباب العالي بأحقية الروم الأرثوذكس بالكنيسة، حيث كان هو قد وهب أرضها لهم لبناء كنيسة ثانية غير المريمية  عام 1858، ولكن الباب العالي لم يحكم بالحق بل وفقاً لشروط فرنسا والنمسا حاميتي الكاثوليك (بموجب نظام الامتيازات) وبابا رومه وقصاده الرسوليين في قاعدتهم بالأستانة، فحكم بتعويض ايوانيكيوس الانتهازي والسارق بمبالغ خيالية وتعويضه بكل ما ادعاه على من احتضنه وأحبه واكرمه (هذه هي السرقة الموصوفة مع الخيانة) فلقد سددت الضحية الدمشقية الارثوذكسية المجني عليها ثمن دمها وكنيستها للجاني ايوانيكيوس الخائن الانتهازي وهي تعويضات دمائهم وممتلكاتهم المدمرة الأمر المعروف والمدون في السجلات المالية والوثائق التاريخية…

وكانت كارثة معنوية هائلة وأكثر من المادية الفادحة على شعب ذبيح ذبح نصفه وهجر ربعه…!!!! ولم يحتمل اراخنة الشعب الارثوذكسي الدمشقي واعضاء المجلس الملي هذه الاهانة، وهجر كثيرون منهم دمشق، وسكنوا في الاشرفية ببيروت، وبنوا فيها بيوتهم ومدارسهم…

لذا ومن باب المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي بصفتي أميناً للوثائق البطريركية بدمشق راجعني المتألمون من هذا الافتراء وطلبوا التوضيح والرد.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
شعار الكرسي الأنطاكي

شعار الكرسي الأنطاكي

وقفت مع ذاتي، فأنا أمام تهمة بالسرقة قام بها الأرثوذكس الدمشقيون، وهي ليست مجرد معلومة وردت على صفحة الفيسبوك وانتهت. بل أمام معلومة ثابتة على مسطرة على موقع البطريركية الكاثوليكية الألكتروني قرأه الكل ويقرأه الكون كله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنا أمام مرجع ثابت للباحثين فوجئت بصدوره ويعود الى عام 2010 أصدره “مركز الأبحاث الملكية” التابع لبطريركية الروم الكاثوليك…!

وسلفاً أوضح دفعاً لأي لبس أو غموض، وبقصد إنارة الأذهان وتسليط ما أمكن من الضوء على الحقيقة وأنا قائم بأمانة الوثائق البطريركية، اني لما قررت الرد وددت أن أحاول وضع الأمور في نصابها ليس تعصباً كما قد يحلو للبعض وصفي به الذين بالتأكيد لن يرق لهم ردي، (وكما كان يوصف وعبر القرنين المنصرمين كل أرثوذكسي صحح معلومة خاطئة جهلاً او تجهيلاً للحقيقة الساطعة، او مدسوسة قصداً).

أنا اكتب الآن دفعاً لتعصب وتعصب مضاد نشآا واشعلهما نشر هذه المعلومة الفرية (من الافتراء) سيما وانها نتاج مقال، وكان من باب أولى، عدم نشرها حذراً من عواقبها. اما ان كانت وثيقة فيتوجب نشر صورتها توخياً للنزاهة والمصداقية.

هذا ما يتوجب على كل مؤرخ أو كاتب تاريخ أن يتقيد به، والمفروض به اساساً توخي الحيادية بعيداً عن الهوى والميل الشخصي والتعصب والتحزب وفق أدبيات التاريخ وتعميمات اربابه كإبن خلدون مثلاً.

لم يكتف الكاتب بادراج هذا الذي اعتبره ربما وثيقة تاريخية في الصفحة 41 من كتابه، بل كان قد قالها قبلا في الفقرة الأخيرة بالصفحة 29وفق التالي:” ونتج عن هذا الوضع ان مُنع الكاثوليك من إقامة شعائرهم الدينية ومن قبول الاسرار على يد كهنتهم، واجبروا على التخلي عن الكنيسة المريمية حسماً للنزاع مع الفرع الارثوذكسي. ومنع البطريرك الكاثوليكي من المجيء الى مقر كرسيه في دمشق تحت طائلة الملاحقة والاعتقال، فاضطر الى اللجوء الى جبل لبنان تاركاً وراءه الرعية ورعاتها…” وبذلك ابرز الكاتب اضطهاداً موصوفاً للكاثوليك!!!

الملاحظ ان النية انصرفت في ذكر هذه العجالة في مرجع كهذا يقرأه كل محب لكنيسته من الاخوة الكاثوليك الى اظهار مدى الظلم الذي فرضه الارثوذكس وبطاركتهم على الكاثوليك حتى انهم اجبروهم “على التخلي عن الكنيسة المريمية حسماً للنزاع مع الفرع الأرثوذكسي…”وجعل من يقرأه من العامة الأرثوذكس ينقمون ربما على اهلهم ورئاستهم في تلك الازمنة، ويشعرون بعقدة الذنب، وان كنا نحن كباحثين اعتدنا ومنذ الاعتراف الرسمي بالكيان الكاثوليكي عام 1834 على هذه الادبيات الكاثوليكية التي تصور ظلم الارثوذكس…

وهنا اقول: لم يكن للطائفة الارثوذكسية وقت محاولة السيد طاناس وزمرته وبعد رسامته المخالفة للأصول  الارثوذكسية خاصة، والمسيحية عامة ( وليس في ردي هنا متسع لابراز عدم القانونية لجهة ملابسات رسامة المطارنة الذين رسموه اولاً، ومن ثم رسامتهم له، وتنصيبه ومابني على…فهو…

ان قول الكاتب في مستهل الصفحة الثانية من مدخل الكتاب رقم 29  في قصة الرسامة والتنصيب التالي:”…  عمد الفريق الكاثوليكي الى انتخاب سيرافيم طاناس، ابن اخت المطران الصيفي وتلميذ مجمع انتشار الايمان في روما، بطريركا باسم كيرلس السادس، وجرت الرسامة في دمشق في 20 من ايلول 1724، في حين التأم السينودس القسطنطيني الدائم بعد اسبوع، في يوم الأحد 27 من ايلول، وانتخب سلفستروس القبرصي بطريركاً على الكرسي الأنطاكي الملكي ( 1724-1766).”

ويتابع في الفقرة التالية بالقول” صحيح ان هذه الازدواجية في السلطة لم تكن جديدة على الكنيسة الملكية الأنطاكية، فقد حدثت حالات مماثلة سابقاً، ولكن هذه المرة كانت الخطوة اخطر من سابقاتها لأنها دامت فترة اطول. وصحيح أن البطريرك كيرلس السادس كان يصبو الى أن يكون بطريركاً على جميع الملكيين، لاعلى الفرع الكاثوليكي فقط، إلا ان امتناع السلطة العثمانية عن الاعتراف به، واعترافها بمنافسه سلفسترس عرقل عمله وجعله بطريركاً لفئة من المؤمنين الملاحَقين، وهذا مادفعه الى اللجوء الى دير المخلص في جون (لبنان)، هرباً من الملاحقة.

وهكذا شهدت أنطاكية، في خريف العام 1724، ظهور بطريركين على الكرسي الملكي، أحدهما أرثوذكسي تدعمه السلطنة العثمانية والكرسي القسطنطيني، والآخر كاثوليكي يدعمه المرسلون اللاتين ويدعمه بحذر الكرسي الروماني…”

من يتتبع هذا الكلام من العامة يدرك ان ثمة تنافس بين بطريركين على اعتلاء السدة، ولكنه لا يدرك الواقع الناتج عن مداخلة روما عبر طغماتها التبشيرية الورعة للاستيلاء على السلطة الأنطاكية، لأنه لايعرف ممارسات الكرسي الروماني /وليس “الدعم بحذر”/ خلال عدة عقود من التبشير المنتظم وصرف المبالغ الطائلة، كما يحصل اليوم بحق الكرسي الانطاكي من كل القطعان المستشرسة ومن كل الدكاكين ومنها المتصهينة والمتهودة بالمال والرعاية والوعظ الكاذب لاقتناص الرعية الأنطاكية)، وارسال النجباء للدراسة في رومة ولعل ابرزهم كان الصيفي، وان الكرسي القسطنطيني تدخل فانتخب بعد اسبوع الراهب الآثوسي سلبسترس بطريركاً على انطاكية  ولا لجهة الرفض الشعبي من الأكثرية العظمى من الشعب الأرثوذكسي ولا من مطارنة المجمع الأنطاكي المقدس وربما نتحدث بمقال مستقل عن هذا)  واستيلائه على البطريركية… والمريمية، وكل الصرح البطريركي، ونادى بنفسه بطريركاً وعمم على المطارنة ليطيعوه ويرفعوا رئاسته تحت طائلة العقاب لأنه عرف برفضهم له ولرسامته المشبوهة…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي

القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي

وهنا الفت الانتباه الى ان هذا التمهيد ادى الى هذه النتيجة الانقلابية، واسأل هل كان يوجد فرع كاثوليكي سابقاً للعام 1724م لولا تبشير الرهبان الاستيلابي، وهل كان افتيموس الصيفي كاثوليكياً بالمولد والانتماء؟ ام ان رومة صيّرته كذلك في مدرسة القديس اثناسيوس اللاهوتية في روما ومجمع انتشار الايمان فيها واعادته خريجاً كاثوليكياً بالمطلق! ومارست الضغط برهبانها على البطريرك ليقيمه مطرانا على صيدا بعد ترمل الأبرشية، ولتتم رسامته في المريمية مجاهراً بصك اعترافه ببطريركيته الأنطاكية الأرثوذكسية، وخضوعه لها ولبطريركها ولآباء المجمع الأنطاكي المقدس حسب الأصول في المنتخب للأسقفية باعترافاته في حفل رسامته…

اما ان يقال أن المجمع القسطنطيني الدائم بعد اسبوع انتخب سلفسترس بطريركاً، فهو مجاف للحقيقة، لأن سلبسترس كان ،من فوره، مرشح الشعب الدمشقي الأرثوذكسي، واعضاء المجمع الأنطاكي المقدس الشرعي حين استولى طاناس على المريمية ونصبه الثلاثة (المشكوك بشرعيتهم وانتمائهم) بطريركاً… مقابل رفض شامل من اثني عشر متروبوليتا واغلبية الشعب الدمشقي.

وارسل الارثوذكس مجمعاً وشعباً دمشقياً واراخنته، ترشيحهم لسلبسترس القبرصي الآثوسي بطريركاً، مطالبين البطريرك المسكوني اقرار مرشحهم ورسامته، وهذه كانت سابقة لم تحصل قبلاً، فالكرسي الأنطاكي مجمعاً وشعباً دمشقياً هو من ينتخب بطاركته، ولكن هنا ولأن الحالة صارت شاذة بهذا الانقلاب الناتج عن تغلغل الرهبان الرومانيين ودسائسهم (التي سبق واقضت مضجع البطريرك اثناسيوس الدباس وحاول ايقافهم عند حدهم واوقف الصيفي وجرده بقرار مجمعي واعتقله وقرر نفيه لأنه لم يتوقف عن بث هذا الشذوذ بالتبشير بالكرسي الروماني عام 1723م) هذه الحالة الشاذة فرضت اللجوء الى الزعيم الروحي للمسيحيين الروميين في السلطنة العثمانية اي البطريرك المسكوني الذي اعطاه هذا الحق السلطان محمد الثاني حينما استولى على القسطنطينية الشهيدة، “بطريرك ملة باشي” والاستنجاد به لمنع استلاب الكرسي الأنطاكي من قبل الكرسي الروماني بواسطة هذه القلة المشايعة له والمعطاة لقب كاثوليك، كما اورد الكاتب هنا…ومن الطبيعي ان يحصل فارق اسبوع بين الحدثين ولاننسى كم تبعد القسطنطينية عن دمشق وكان القرن 18 اي مع عدم وجود مواصلات ووسائل اتصال فورية…!

وبهذه الحالة ايضاً لايستقيم قول الكاتب عن “وجود بطريركين  في وقت واحد على السدة الأنطاكية، وان هذا الأمر لم يكن الأول في حدوثه”، لدفوعنا التي دفعنا بها هذا الادعاء، فالسيد طاناس ليس شرعياً بكل المقاييس بأن يكون بطريركاً على كل الكرسي الأنطاكي، وممكن قبوله فقط على جماعته…والا لبقي وناضل للبقاء والتمسك بكل الكرسي، كما قلنا بأكثر من موضع…

ان وجود بطريرك غير شرعي ( مع الاعتذار) كالسيد طاناس، حاول الاستيلاء على السدة بالرغم من كل الملابسات السابقة والرفض الشعبي والمجمعي العارم، لايلغي انتخاب البطريرك الشرعي سلبسترس، بل بالعكس تماماً يؤكد شرعية سلبسترس وعدم شرعية طاناس، ففي الحالة التي سبقت اي بين البطريركين كيرلس ابن الزعيم واثناسيوس الدباس، فكلاهما كانا ارثوذكساً، واتُفق مجمعياً على ان يخلف احدهما الثاني بعد وفاته، وكلاهما حمل لقب بطريرك إنطاكية وسائر المشرق بعد انتخاب كل منهما من جماعته في المجمع الأنطاكي، وبعد تسوية الموضوع ايضاً.

وكذلك حصل في العصر الأنطاكي الحديث (الأزمة الأنطاكية) 1931م بين البطريركين ارسانيوس حداد والكسندروس طحان، وعولج الموضوع مجمعياً و(ارثوذكسياً من الكراسي الأرثوذكسية) بالعلاج السابق عينه. لذا هنا لامجال للمقارنة اطلاقاً. واكيد ان حضرة الكاتب د. كبكب ومركز الأبحاث الملكية يعيانها كحقيقة دامغة لا داعي لأن ادفع بها ويدفع بها غيري.

 هذا من جانب، ومن جانب ثان اقول لم يكن لدينا في دمشق الا  كنيسة المريمية ومايتبعها في داخل الصرح البطريركي اي كنيسة القديسين كبريانوس وبوستينة وكنيسة القديس نيقولاوس، واقول رداً على وصف ارثوذكس دمشق ب “الفرع الارثوذكسي” هو مخالف للواقع تماماً، فالارثوذكس بثقلهم العددي هم الشجرة، والكاثوليك هم الفرع الصغير لقلة العدد… والدليل على صغر العدد هو ماورد في المخطوطات التاريخية لدينا ولدى غيرنا… والاحصاءات الاسمية والعددية التي تبين من انحاز للكثلكة انهم القلة.

 المريمية في الفتح الاسلامي

وبالعودة الى ذاك الحدث، نشير هنا الى ان عدد الكنائس الارثوذكسية في دمشق (عدا اللاخلقيدونية الواقعة في القسم الشرقي) حين دخول المسلمين اليها كان 35 كنيسة ارثوذكسية نصفها في القسم الشرقي، وتحولت الى مساجد فورا لأن هذا القسم فُتح حرباً بقيادة خالد اضافة الى كنائس واديرة الغوطة الشرقية وعددها 18 ووفق شريعة الفتح كان منها دير اسقفية اليعاقبة الواقع شرق دمشق( جامع الشيخ ارسلان اليوم والذي سماه البعض دير خالد وقد جعله مقراً لقيادته واقام فيه اول مسجد بدمشق وكنا قد دحضنا في تدوينة سابقة لنا منشورة هنا في موقعنا، هذه التسمية الدخيلة المبتذلة).

بينما النصف الآخر كان في غرب دمشق، وكان في مقدمها كاتدرائية دمشق  التي على اسم النبي يوحنا المعمدان. وجميعها يجب ان تبقى كنائس، لأن الدخول اليها تم صلحاً بشرط دفع الجزية. وتم الاتفاق بالتنسيق بين سرجون النصراني وابوعبيدة بن الجراح… ولكن بدأ استلابها تدريجياً، وبُدىء اولاً بكاتدرائية دمشق فباتت الجامع الأموي، وباتت بقية الكنائس في الشطر الغربي جوامع ومساجد مع اديار قاسيون والغوطة الغربية…اما المريمية التالية في الأهمية لكاتدرائية دمشق فقد أغلقها المسلمون من السنة 635 يوم فتحهم العسكري لدمشق الى السنة 705 حين استولى الوليد على كاتدرائية يوحنا المعمدان بالقوة وحولها الى جامع بني امية، وسبب اغلاق كنيسة مريم انها كانت واقعة على الخط الفاصل بين دخول المسلمين شرقاً حرباً و غرباً صلحاً فاعتبرت من املاك الدولة، وقد أعادها الوليد للأرثوذكس عندما صادر كاتدرائية المعمدان والاسقفية المجاورة، بقوله لهم:” اننا نعوض النصارى بكنيسة مريم بدلاً من كنيسة يحي.”

وهنا اؤكد قبلاً للدكتور الزميل كبكب ولكل قارىء،ان تكرار تصوير المشهد على ان الارثوذكس استولوا على كنيسة مريم او تخلى لهم الكاثوليك عنها بالرغم من مخالفته للواقع هو الامر الطبيعي حيث لم يبق لهم الاها، عدا عن عدم الاعتراف بهذه القلة العددية(الكاثوليك) امام اخوتهم الأرثوذكس الأكبر والأكثر عددا وقوة، وهم ومن خلال السيد طاناس غير معترف على وجودهم قانونياً عند الدولة، وفوق ذلك مغتصبون للمركز البطريركي وكنيسته المريمية، ولما كان قد هرب السيد طاناس ومعه انصاره من مطارنة وكهنة حينما قارب سلبسترس الدخول الى دمشق، وافرغ المريمية والبطريركية من بدلات رؤساء الكهنة والكهنة والتجهيزات الكنسية التي كان قد احضرها معه من البلقان ورومانيا البطريرك اثناسيوس الدباس،  واخذها معه الى جون وكأنها ملك شخصي له… او هومن احضرها…

عذراً من الزميل د. وسام كبكب (الذي لم التقيه ولا اعرفه) لنقدي ما كتب، وليس مهما عندي ان اتهموني بالتعصب، وفي الواقع انا ادفع تعصبهم بهذه الكتابات التي لم تعد تسمن ولاتغني من جوع كما كانت في القرنين 19 و20م، وكفى كتابة هذه الكتابات الطاعنة التي توسع الشرخ وهو ما اقصد، ومن سبقني بداية لعدم الرد، وأنا من أصغر المؤتمنين على تاريخ كنيسة إنطاكية العظمى (بصفتي أميناً للوثائق البطريركية في دمشق والقابض على مواد تاريخنا الوثائقية التي لا تكذب) وثائق إنطاكية العظمى وعراقتها ابنة  العشرين قرناً. سيما وان مقدمة كتابه هي تكرار وتكرار ممل لما كتب منذ مابعد منتصف القرن 19 من طعن بحق الارثوذكس، وادعاء ظلمهم لطائفته من عدد من السادة الاجلاء والعلمانيين دون ذكر الاسماء وعددهم بكل اسف كبير… ومعهم من طعن اكثر من الجماعات الرهبانية وخاصة اليسوعيين منهم بالارثوذكسية وذهبوا الى وصفها بالهرطقة، او “المشاقين” تعني منشقين، ورحم الله القلة الذين ردوا عليهم  كالارشمندريت العلامة جراسيموس مسرة ( متروبوليت بيروت 1902-1936) والقديس روفائيل هواويني مؤسس الابرشية الأميركية ( 1893-1915) والكاتب الشهيرغطاس بطرس قندلفت… في الربع الأخير من القرن 19…

لقد صورالكتاب الروم الكاثوليك للعالم/ كما في هذا الكتاب/ ان انطاكية كانت منذ بطرس الرسول كاثوليكية قطعاً، وكانت خاضعة لبابا رومة!!!، ولكن بطاركتها ارتدوا عن الكثلكة ورئاسة البابا لمصلحة اللاهوتيين اليونانيين خصوم البابوية ورئاستها وعصمة باباواتها منذ الانشقاق الكبير 1054 مسيحية، وغيّب هؤلاء الأعزاء عن بالهم اننا كنا ولازلنا في العالم الارثوذكسي بكراسي القسطنطينية والاسكندرية وانطاكية واورشليم وحدة متكاملة في المعتقد الارثوذكسي واللغة الطقسية… وكنا قبلا كلنا بفضل هذه الوحدة الارثوذكسية، نعاني من تدخل غير مبرر وبدون وجه حق من تصرفات السدة الرومانية التي ادت بالنتيجة مع همبرتو الى القطيعة1453م التي عززتها  بعد حوالي 40 سنة غزوات الفرنجة العسكرية الدموية، وحملات التبشير”الورعة” اللاحقة، ومجمع ترانت الذي اطلقها، والاحداثات البابوية المنفردة من عصمة البابا الى صكوك الغفران، والكارثة الناشئة في الكنيسة الكاثوليكية البابوية عن هذه البدعة المتمثلة ب”الانشقاق البروتستانتي” بسبب العصمة والسلطوية والدوس على القوانين المجمع عليها بما يقارب الهرطقة… وتبنت كل الكراسي الأرثوذكسية الأخرى من موسكو الى جيورجيا مع رئاسات الأساقفة المستقلة هذا التوجه الأرثوذكسي اي اليوم حوالي 500 مليون ارثوذكسي في العالم.

فهل كل هذا الشطط من باب “عصمة البابا ونيابته للمسيح على الارض” الذي ادى الى انشقاقات في كل الكنائس تبعت رومة… ومن انشق عنها من “محتجين لوثريين وكالفينيين…” عددهم يفوق البابويين عالمياً، و”الكاثوليك القدماء” و”الانكليكان” ونؤكد ان ربنا يسوع المسيح ليس بحاجة الى انسان فانٍ يرقد في القبر الى الابد كبقية البشر، لينوب عنه في كنيسته الحية لانه كما عَّلمنا “هو في وسط كنيسته فلن تتزعزع”.

والحق يقال انه مع كل المحاولات للترؤس التي ادت الى نشوء الطوائف والمذاهب المتباعدة والمتباغضة لاتزال الكنيسة واقفة ومزدهرة لأن الروح القدس يرعاها… ” وليس شخص قداسة البابا ولا قداسة او غبطة البطريرك ولانيافة المتروبوليت وسيادة الأسقف وان كانت اداة مساعدة…

ورد في المدخل:”…وتعمقت القطيعة عندما تبنت الكنيسة الملكية بعض الأفكار التي كان يروجها اللاهوتيون اليونان في مساجلاتهم العقائدية واللاتين، والجدير بالذكر ان الكنيسة الملكية لم يكن بينها وبين روما اي خلاف مبدئي، كما انه لم يتخذ أي اجراء رسمي لقطع العلاقات بين الكنيسة ( الارشمندريت اغناطيوس ديك)

ويبدو ان سيادة الارشمندريت ديك نسي ان الكراسي الرسولية الأرثوذكسية واحدة بسبب الشركة والعقيدة ولغة الطقوس بينما الصلف التدخلي من قبل رومة وادعاء رئاسة المجامع المسكونية السبعة (بالرغم من رئاسة الأباطرة لها) وسواها بمجامع رومانية فاتيكانية غيرها، لبسط السيطرة على كل الكراسي الرسولية وبطاركتها واوضاعها الداخلية بعقلية سلطوية، انها هي السبب، ولم تكن حادثة همبرتوالصلف المتكبر اول الممارسات البعيدة عن الروح المسيحية، او اساسها بل كان منها استلاب البلغار والرومان والصرب الارثوذكس، ونشر العقيدة البابوية بينهم، وهم كانوا قد اهتدوا بفضل القسطنطينية ومبشريها الشقيقين كيرلس ومتوديوس…وجاءت الحملات التي برعاية البابا (متوج الملوك في اوربة الذين يقبلون يمينه) وما قامت به من مظالم وقتل للأرثوذكسيين واقيم ستة بطاركة من اللاتين على انطاكية بعد قتل اولهم في إنطاكية، والتنكيل بالأساقفة والكهنة الارثوذكس…ثم جاء التبشير والاقتناص مستغلين جوع الناس وفقرهم ( كما في ايامنا) ايام ظلم المماليك والعثمانيين ونشوء الكنائس الخارجة من امهاتها والالتصاق برومة الكاثوليكية ومنهم كنيسة الروم الكاثوليك الشقيقة… واحدث محاولات الاقتناص تبشير الروس بالكثلكة واقام الفاتيكان ابرشيات (ولها كرادلة)لا رعايا لها في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بالبيروسترويكا…

واكيد يتناسى الأحباء كتبة الروم الكاثوليك كم وكم افتُعلت من مشكلات مع الأرثوذكس بعد الاعتراف بهم ككنيسة مستقلة ولعل منها كانت مادُعي ب”حرب القلنسوة” منتصف القرن 19، عندما اصر الاكليروس الشقيق على لبس القلنسوة الأرثوذكسية، ورفضوا لبس القلنسوة المسدسة وبلون بنفسجي ،المقررة من الباب العالي، دفعاً للتمييز وليستمروا بمسلسل الاقتناص وقد دفعوا الكثير من الرشاوي للولاة وارباب السلطة العثمانية ودفعنا مقابلها للمنعهم من ارتداء القلنسوة الأرثوذكسية حماية لرعايانا، ومورست ضغوط سياسية هائلة من فرنسا والنمسا حماة الكاثوليك في السلطنة العثمانية والقواعد الرهبانية الغربية اللمثلة للبابا في الأستانة. وانتصرت ارادتهم وبقوا يلبسونها!!!

واكيد سيادة الارشمندريت ديك وسواه من اصحاب نظرية الاضطهاد الارثوذكسي لأبناء كنيستهم الكاثوليكية رعاة ورعية، تناسوا ان مظالم ومفاسد البابوية ومنها صكوك الغفران دفعت بمارتن لوثر الراهب اليسوعي المتشدد في خدمة رومه البابوية ينفض عنها ومعه كالفن… ومعه نصف المانيا وكانت اكبر خسارة للكنيسة الرومانية هذا الانشقاق اللاحتجاجي ( البروتسانتي) المدمر، ولسبب مقارب انشقت الكنيسة الانكليزية ونشأت الكنيسة الوطنية (الانكليكانية…) وسواها وسواها…

واكيد فان الجميع يدركون ان بطاركة انطاكية بالرغم من ضنك المظالم من المسلمين وحكامهم وانقطاع التواصل بين الكراسي الانطاكي والاورشليمي والاسكندري الواقعة تحت حكم المسلمين مع القسطنطيني وجميعهم في وحدة وشركة ارثوذكسية، حاولوا لعب دور توفيقي بين القسطنطينية وروما لرأب الصدع، بين الكرسيين الأكبر ولرتق القطيعة بين البابا والبطريرك القسطنطيني واعادة وصل ما انقطع، لذلك كانوا على علاقة طيبة مع باباوات رومة الأمر الذي فسره هؤلاء الجهابذة انه خضوع لرومة من خلال رسائل  جلوس كان يرسلها البطريرك الأنطاكي الى رومه كما مع القسطنطينية وبقية الكراسي الارثوذكسية معرفاً عن صيرورته بطريركاً، وتناسوا انهم وبسبب انفتاح بطاركة انطاكية، افسحوا في المجال ” للإخوة في الايمان” طغمات الرهبنات الرجالية ثم النسائية، وسمحوا لها بدخول بيوت المؤمنين وحتى الكنائس والتعليم فيها، وبالتالي استغلوا ذلك وقاموا بالتبشير بالكثلكة مع الدعم المالي والتعليمي بقصد الاحتواء، وبهذا دفع هؤلاء البطاركة المحبين ثمن اخطائهم المُحبة التي كانت فادحة بنتيجتها، عندما استطاع هؤلاء الذئاب لابسي صوف الحملان من شق الصف المسيحي، و حصل ماحصل من مشاكل وقلاقل ادت الى القطيعة والانشقاق عن الكنيسة الأم والالتحاق “بكنيسة الأخ بالمسيح المبشرالورع”.

وأؤكد وبالرغم من هذا الاتهام الظالم لهؤلاء البطاركة من كتاب الكاثوليك بالانحياز للكثلكة… حتى من بعض كبار الكتاب الأرثوذكس بالقول “بأن ميول هؤلاء كانت بابوية”، أؤكد لهم انهم يخضعوا قط لسلطة بابا رومية…وهو الامر الطبيعي فالجميع متساوون في الرتبة والرئاسة فبطريرك انطاكية مساوٍ لبابا رومية، ان لم نقل انه اسبق منه في التأسيس بعشرين سنة، والمؤسس واحد، وكما هو مساوي ايضاً لكل من بطاركة القسطنطينية،والاسكندرية، واورشليم… فهل الأنطاكي من السذاجة والخنوع ليتخلى عن سلطاته المستمدة من بطرس وبولس الهامتين… لشقيقه وان كان الأول بين المتساوين؟

واسَّفِّهُ كل مايشيعه كثيرون عن تبعية بطاركتنا الانطاكيين العظام لبابا رومه امثال افتيموس كرمة، ومكاريوس ابن الزعيم، وحفيده كيرلس، واثناسيوس الدباس، ومن كانوا قبلهم، ومن اتى بعدهم، وهؤلاء كانوا عظماء سبقوا عصورهم وطنياً ومسيحياً وانطاكياً وارثوذكسياً عالمياً، وقامات انطاكية منيرة في زمن الظلام العثماني والجوع والفقر وشتى انواع الاضطهاد والصلف… ولم يتوجهوا قط الى رومة لطلب الاحسان، بل الى روسيا والبلقان ومن قياصرتها وامرائها ومؤمنيها وكنائسها اخذوا الاحسان لصالح الكرسي الانطاكي، واعادوا اعمار المريمية والصرح البطريركي، بعد كل تدمير حصل لهما في نكباتهما التسع، وكم فكوا ضيقة مدارس الآسية وانقذوها من الديون الثقيلة لأنها كانت تعلم ابناء الرعية الفقيرة وبالمجان. ونشير بكل فخر الى ان الآسية احدثها البطريرك العلامة افتموس كرمة السنة 1635 واستمرت الى يومنا وحدَّثها الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي، الذي لم يتمكن للظروف المادية المعروفة من تحويلها الى اول جامعة في بلاد الشام، واستشهد وكادرها وتدمرت…1860م، وطوي مشروع تحويلها الى جامعة منذ افتتاح اول اكاديمية لاهوتية واول اكاديمية للموسيقى الرومية فيها العام 1851 … وكذلك فعل بطاركة اورشليم…

فإن كان البطاركة الانطاكيون خاضعين لبابا رومية استنادا على رسائل سلامية اعتبروها خضوعية  ينشرونها بين الحين والآخر لدعم زعمهم هذا… فمن باب اولى وعلى قاعدة الغرم بالغنم ان يحصلوا على مساعداته كافة (كما الطوائف المتكثلكة لاحقاً) من اجل كنائسهم المرهقة بالظلم والغدرالعثماني المشبع بالرشوة… بدلاً من عذاب واخطار الترحال في المجاهل الى اوربة الشرقية، وسنيه الطويلة كما في رحلتي البطريرك مكاريوس ابن الزعيم الى روسيا حيث دامت الاولى سبع سنوات والثانية ثلاث سنوات. وقبله يواكيم الخامس (1581-1592) وغيرهما كثر… ولكان ابن الزعيم المتهم الاساس بتبعيته لرومة  قد نال من بابا رومه المعونة المالية والغذائية والطبية وكل اشكال المؤازرة لكنيسته وشعبه مقابلاً لهذه التبعية والخضوع، وخاصة ايفاده الاولاد النجباء للدراسة في رومه، ولما كان هؤلاء “الرهبان الورعين” من فعل هذا الأمر خلسة، كما حصل للصيفي وغيره وبفضلهم صار مطراناً على صيدا واول اسقف كاثوليكي في انطاكية والفاتحة الكاثوليكية في الكرسي الأنطاكي…فمنذ البطريرك المسكوني ارميا الثاني 1572-1595 والبطريرك الأنطاكي يواكيم الخامس الذي اتصل به البابا غريغوريوس الثالث عشر وقد زاره باسم البابا المذكور الأبوان اليانو وبرونووعرض التعاون مع البطريرك يواكيم واستضافة الطلاب الأنطاكيين في مدرسة القديس اثناسيوس التي فتحها البابا المذكور ” محبة بطوائف الروم واليونان ولتعليم اولادهم فيها “

من وقتها، وان لم يقبل البطريرك بهذا العرض، فإن مؤامرة الاستلاب نُسجت خيوطها بدقة وخيطت، وظهرت ثوباً يتباكى اصحابه عليه كحال الادعاء بسلب الروم للمريمية وغيرها بالتباكي على المظالم والاستلاب، وتجند كبار الأحبار والعلمانيين للدفاع عن هذا الافتئات والافتراء بدون حق على الرئاسة الأرثوذكسية، التي كما رئاسات الدول من حقها الدفاع عن دولها تجاه الغزو العسكري والسياسي والاقتصادي، من حق الرئاسات الروحية الارثوذكسية الدفاع عن كنيستها ورعيتها تجاه الاستلاب المنظم الذي لم تقوَّ حراب الفرنجة الصليبيين على انتزاعها وجعلها على مذهبهم البابوي بالحديد والنار، بينما المبشرون البابويين انتصروا وشقوا الثوب الارثوذكسي الواحد، فكانوا ذئاباً بثياب حملان..!! لكن من انشق من الروم وابناء الكنائس الشرقية لم يصيروا لاتينيين كما كانت رغبة المبشرين والصرح البابوي، بل حافظوا على انتمائهم المشرقي، وبالمقابل حاولوا استلاب كنائس اهلهم فانتصروا في معظم المناطق بدعم من روما ورهبانها اليسوعيين جنود البابوية الذين اطلقت ايديهم بمجمع ترنت واشتروا بدورهم الولاة العثمانيين والموظفين الكبار بالرشوة والأصفر الرنان حتى الصدر الأعظم والباب العالي بالدعم السياسي بمواجهة الروس من قبل سفراء فرنسا والنمسا ثم بريطانيا وجرمانيا وايرلندا واميركا دعماً للمرسلين البروتستانت منذ الثلث الأول للقرن 19.

اكرر… تم اظهار الصيفي وطاناس وجراسيموس وفينان و… انهم ضحايا الاضطهاد الارثوذكسي من البطاركة اليونانيين المتربعين على السدة الانطاكية من سلبسترس وخلفائه، والملفت بموجب الشهادات الحاضرة وخاصة في هذا الكتاب ان اخوتنا الكاثوليك واحبارهم البطاركة والمطارنة والكهنة “صمدوا 110 سنوات على القهر الأرثوذكسي لهم”، دفاعا عن ايمانهم الكاثوليكي وكأني بهم المسيحيون الأوائل في دفاعهم عن مسيحيتهم…

واسأل اصحاب هذا التفكير: “الم يحاول الارثوذكسيون المرتدون عن كنيستهم الاستيلاء على الابرشيات وكنائسها واديارها لصالح طائفتهم الجديدة؟، بعد البطريركية والمريمية بدمشق وكنيسة صيدا الارثوذكسية…والأديار كديرالمخلص (بعد فشلهم في حملة زاخر ورفقته في الاستيلاء على البلمند ولكنه استولى على مطبعة الدباس، وهي مطبعة رومانيا، وصارت مطبعة البلمند، واستولى الرهبان على حلب ومعظم رعيتها بنتيجة دسيسة السمك في مأدبة العشاء في الصوم الكبير التي اولموها للبطريرك سلبسترس وصارت حلب قاعدة الكثلكة وتم استلاب كنائسها علناً…) خدمة للقصد البابوي وقصاده ورهبانه؟ وأسألهم بالتالي :” لو كان الحال معكوساً ماذا كانوا قد فعلوا؟

وألفُتُهُم مذكراً بتلك الحادثة المشينة /سلب كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية/ من ايوانيكيوس مساميري ورفقته المرتد مجدداً الى طائفته الأساس بمساعي البطريرك غريغوريوس يوسف بكل وسيلة متاحة لارجاعه (حقه وواجبه) وتم له ذلك بعد 6 سنوات بعودة المذكور وبجعبته ماسرق من تعويضات الضحايا الارثوذكس في مذبحة 1860 وعائدات الاوقاف الارثوذكسية، ومفتاح كنيسة يوحنا الدمشقي الارثوذكسية… كما اسلفت وصيره البطريرك غريغوريوس نائباً بطريركياً له في الشام…؟

في هذه الحالة اليس من واجب الأب تأديب ابنه الذي شق عصا الطاعة عليه وانتمى لغير عائلة  وحاول استلاب مالأبيه واخوته اسماً وعراقة ومكانة وكياناً؟؟؟ والمؤلم للأب ادعاء ابنه ان والده واخوته ظلموه واضطهدوه وسرقوا ماله وتباكى ولا يزال… بعدما وضع يده على كل ما استطاع من عقارات واموال ابيه والعائلة…!

والأنكى ان هذا الابن ادعَّى على ابيه واخوته انهم اخذوا منه بيت العائلة وحرموه منه، كما في هذه “القصة التراجيدية” (قصة التباكي على “المريمية” المسروقة “مع غيرها من المعاهد… من قبل الذئاب الخاطفة”) واسألك يادكتور كبكب: من هم برأيك الذئاب الخاطفة اليسوا هم ابيه واخوته؟…اليس عيباً… ومنتهى العيب ذلك أن نتشدق بتلك الكذبة” الاضطهاد والظلم والفعل الشائن” ونتباكى بغير حق عليه وننشره وخاصة في عصرنا الحاضروقد “كذبنا الكذبة وصدقناها” واتهمنا ابينا واخوتنا بسرقة حقهم!!!

دكتور كبكب ان تركيزكم على هذه أمر يدعو للاستغراب والاشمئزاز لدرجة الغثيان، فاما ان نحاكي كمؤرخين الحوادث التاريخية ومرافقاتها بموضوعية، كما يفترض بنا، اولنصمت وكفى ما نحن قد وصلنا اليه من شرذمة مسيحية ومن نزف هجرة بفعل التعصب والتكفيرالاسلامي، واؤكد لمحبتك ان جميع من بقي اميناً لكنيسته الأنطاكية الأم تحمل الجوع والظلم والاضطهاد في شتى العهود ومنذ 14 قرناً ولم يغير مبدأه بكل وسائل الضغط وآخرها مقابل الاصفر الرنان…بينما من انشق نَعِمَ بانتفاعه هذا( كما لايزال يحصل وخاصة حالياً في استغلال ظروف الناس وفاقتهم)، وفق قاعدة “الغرم بالغنم”… ويكفيني ان اقول لك عن حادثة شُنقَ بها ثلاثة من وكلاء المريمية ليلة سبت النورمنتصف القرن الثامن عشر، لأنهم قاموا خلسة وتحت اجنحة الظلام بترميم جدار متداعي في المريمية وبوضع خطر قابل للسقوط في اية لحظة، وكانت معايدة دامية منوالي دمشق لأرثوذكسها المتوجهين فجراً لحضور صلاة الهجمة بالفصح المجيد، عندما شاهدوا بأم العين المشانق الثلاثة لوكلاء كنيستهم على باب المريمية الخشبي الحالي…!

دكتور كبكب هؤلاء الشهداء كانوا ارثوذكساً…!!!

فكفى رجاء التباكي بهذه الطريقة، واظهار ان الروم جلادون بينما الكاثوليك ضحايا…

والسؤال المشروع والضيق في هذه الحالة: لماذا يتمسك الاخوة الكاثوليك اليوم اكثر فأكثر بتسمية “الروم الملكيين” وباللغة اليونانية طقسياً؟ في حين أنهم/ وفق ادبياتهم/ عادوا الى الجذور الكاثوليكية على قول احبارهم “بحركة تصحيحية وحدوية خضوعية” وهم “ورثة الايمان الحقيقي الكاثوليكي”، بينما نحن كما ورد في كتبهم “مشاقين”اقرب الى الهرطقة “وانفصاليين عن الام كنيسة روما ورأسها بابا رومه خليفة بطرس الرسول ونائب المسيح على الارض” فلم اذن يتمسكون بها في حين ان عقيدتهم الكاثوليكية تلزمهم باللاتينية…وليست الرومية عقيدة ولغة…؟

في ترتيب الكراسي الرسولية

وللمعلومة والتوضيح لمن لا يعرف، ووفق المجامع المسكونية، فان الترتيب الاسقفي وقبل الانشقاق اعتمد مبدأ التقسيم السياسي، وعواصم الولايات وتقدم اساقفتها وحسب الاهمية السياسية منطلقاً لترتيب تدرج الكراسي الرسولية فجُعل اسقف رومة في الاول، لأنه اسقف العاصمة ويتواصل مع السلطات الزمنية، وعند انشاء القسطنطينية أعطي الحق ذاته لأسقفها وللسبب عينه، ثم اسقف الاسكندرية لأنهاعاصمة الشمال الافريقي  ووادي النيل وقرطاج الرومانية…ثم انطاكية عاصمة ولاية الشرق الروماني وعينه، واخيرا اورشليم لقدسيتها فهي وطن الرب يسوع…

وقد دعيت هذه الكراسي رسولية لأن من اسسها هم رسل المسيح مؤسس الكنيسة وراعيها، ولو اعتمدنا الحرفية بتمامها هنا لكان اسقف انطاكية هو الاول وقبل بابا رومه، لأنه خليفة بطرس الهامة الذي اسس مع بولس الهامة كرسي انطاكية قبل تأسيسهما كرسي روما بعشرين سنة، وهنا يحضرني ترحيب مثلث الرحمات البابا يوحنا بولس الثاني بمثلث الرحمات المعلم الانطاكي ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع الذي كان في زيارته السلامية (الأولى) عام 1979 للصرح البابوي: قال قداسته مرحباً:”يرحب اسقف ثاني كرسي رسولي اسسه بطرس الرسول، بأسقف اول كرسي رسولي اسسه بطرس الرسول هو انطاكية.”

فهل من اوضح من هذا الاعتراف من البابا رئيس الكنيسة اللاتينية، ومن التحق بها من الكنائس الشرقية كالروم الكاثوليك، والمعصوم عن الخطأ؟

ونحن يا احبة ووفق هذه الشهادة نحن ابناء الكرسي الانطاكي الحقيقي ولم ولن نتزعزع عن بنوتنا له، وبطريركنا هو بطريركه… وشيخ عشيرته كما كان بطرس الرسول (والمعنى في قلب الشاعر)

واضاف قداسته:” نحن نتوق الى الوحدة المسيحية وخاصة مع انطاكية الارثوذكسية” فكان جواب المعلم الأنطاكي:” ونحن مع الوحدة، ولكننا ضد الاحتواء”

لذا رددت بالعموم، وليس بالتفصيل، على مثالب المقدمة والمتن، وخاصة مطرح بحثنا باننا سلبنا منهم  “مريميتنا اي كنيستنا الكاتدرائية نحن اي مريمية التاريخ، مريمية الشام”  وهم المضطهدون من الروم الارثوذكس وقد صمدوا في وجه هذا الاضطهاد الموصوف الذي كان السبب في موت الصيفي المضَّطهَد / وهو عمره 80 سنة!!!/ (وكأنهم المسيحيون الأوائل المضطهدون في عهد الدولة الرومانية ونحن الرومان المضطهدين لهم)…

وكنيستنا الدمشقية الأقدس والأعظم بعد انطاكية العظمى، اسسها حنانيا الرسول احد السبعين المختارين بالروح الإلهي واشعلها وضَّاءَةً بولس اناء الروح المصطفى المستنير على “طريق دمشق” في سهل كوكب والمعمد من حنانيا في بيت يهوذا الدمشقي على بعد 200 متر من مريمية الشام في منطقة مئذنة الشحم حالياً، و هذا الموقع الذي تقدس بعماد شاول صار بالترتيب الالهي موقعاً لاستشهاد لؤلؤة دمشق وكوكبها الثالث الشهيد الأنطاكي الحديث الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي 1860

كنيسة انطاكية وعبر دمشق وانطاكية العظمى، نقلت البشرى الخلاصية لكل المسكونة، وانتجت اعذب الألحان مع رومانوس المرنم واعظم كتابات وميامر يوحنا الدمشقي والموسيقى الرومية بألحانها الثمانية التي هذبها بنَّفَّسه الطهور، واندراوس الدمشقي الكريتي … والشهيد يوسف الدمشقي ونصف أرثوذكس دمشق الشهداء القديسون… 1860 الذين تعيد كنيستنا لذكرى استشهادهم في 10 تموز” الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي ورفقته”

دمشق الأرثوذكسية هي التي أعطت كاتدرائية دمشق “السليبة”(الجامع الأموي) بقية الكنائس “السليبة” 35كنيسة(مساجد) والتي أعطت كنيسة حنانيا الرسول واستلبت لاتينيا ًمنتصف القرن 19… والسبحة تطول..

نبذة في التاريخ الانطاكي

أتحدث بعجالة عن تاريخنا الانطاكي التي تضيق الاسفار عن استيعابه، وخاصة مرحلته الحديثة والمعاصرة التي ادت الى نشوء فرع كنيسة الروم الكاثوليك من شجرته الارثوذكسية منذ ثلاثة قرون وخضوعها الى كنيسة رومية ويرأسها بطريرك تابع لقداسة بابا رومة كبقية الطوائف الكاثوليكية الشرقية.

انطاكية العظمى، هي الكرسي الرسولي الرابع بعد رومه والقسطنطينية والإسكندرية، أسسه الهامتان بطرس وبولس، واستوى عليه بطرس اول الأساقفة ( البطريرك أو شيخ العشيرة)(3) منذ45 – 53 مسيحية قبل ان يستقيل ويتابع التبشير ليصل الى رومة العاصمة ويلتقي ببولس ويؤسسا معا كرسيها الرسولي كما فعلا بأنطاكية قبل أكثر من 20 سنة، ويستوي عليه بطرس الرسول كأول الأساقفة من 64 -66 ويستشهد والرسول بولس بأمر نيرون سنتئذ.

نرى أسقف (بطريرك) أنطاكية متقدماً منذ عهود المسيحية الأولى على سائر أساقفة الشرق، فهو الذي ترأس المجامع المكانية في الشرق (أنقرة 315 – قيصرية 316) واعترف المجمع المسكوني الأول نيقية (325) للكنيسة الأنطاكية بالرئاسة على سائر أساقفة الشرق.

وثبت المجمع المسكوني الثاني (القسطنطينية 383) هذه الرئاسة، في حين قرر المجمع المسكوني الثالث (افسس 431) استقلال كنيسة قبرص عن أنطاكية برئاسة رئيس أساقفة.

ومرت بالكرسي الأنطاكي المقدس حوادث عاصفة عبر تاريخه العريق سلخت من حظيرته أبناء أحباء، وارتبطت في معظمها بصراعات قومية، وخلافات لاهوتية متعلقة بتفسير مغلوط للغة الكنسية الرئيسة في ذلك العصر، وهي اللغة اليونانية، إضافة إلى النزعة الاستقلالية للكنائس الشرقية عن كنيسة الدولة الرسمية وكان أول انفصال في الكرسي أنطاكية عام 498 مسيحية، هو الذي فصل النساطرة (الآشوريون والكلدان) بعدما حرم مجمع افسس (431) هرطقة “نسطوريوس” أسقف القسطنطينية وكان الآشوريون والكلدان قد أيدوا بدعة نسطوريوس بأن المسيح ليس ابن الله، وان والدته ليست والدة الاله. ورفضوا الحرم الذي لحق به فانفصلوا عن الكنيسة الأنطاكية واتخذوا مقراً لكنيستهم في المدائن (فارس) ثم بابل، وتلا ذلك انفصال “السريان والأرمن” عن أنطاكية،”والأقباط، والأحباش”عن الإسكندرية،نتيجة رفضهم لمقررات خلقيدونية (المجمع المسكوني الرابع 451م) والتي أكدت طبيعتي السيد المسيح الإلهية والبشرية ومشيئتيه، وأنه شخص واحد. في حين قالت العائلة الشرقية بالطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة، وهكذا نشأت الكنيسة السريانية المستقلة عام  513 مسيحية. واتخذت من ماردين مقراً لها، وكذلك الحال كان بالنسبة للأرمن.

وفي عام (680-681) مسيحية عقد في القسطنطينية المجمع المسكوني السادس وقرر رد القول بالمشيئة الواحدة التي اقترحها الإمبراطور هرقل كمحاولة منه لإعادة ” اللاخلقيدونيين ” إلى الشركة الكنسية. وتتلخص بأن في المسيح طبيعتين إلهية وبشرية ومشيئة واحدة فقط.

وقد تبنى هذا القول ” الموارنة ” وكانوا قبلاً ارثوذكس المعتقد خلقيدونيين ، وانفصلوا عن أنطاكية وأقاموا ” يوحنا مارون ” بطريركاً عليهم عام  685 مسيحية، وتكنوا به وليس بمار مارون القديس القورشي نسبة الى قورش من سهول حلب، وهو قديس ارثوذكسي وعاش في القرن الرابع بينما نشأت الكنيسة المارونية ككنيسة وبطريركية كما مر اواخر القرن السابع. وفي الحروب “الصليبية ” أعلن الموارنة خضوعهم لرومه (1183) مسيحية زمن البطريرك (أرميا العمشيتي) وكانوا بذلك الكنيسة الشرقية الأولى التي تعلن خضوعها لرومه.

ومنذ منتصف القرن الثامن للميلاد طالبت الكنيسة الكرجية الأرثوذكسية باستقلالها عن الكرسي الأنطاكي وحصلت عليه عام 1050 مسيحية وأصبحت كنيسة أرثوذكسية مستقلة.

إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ما لبثت أن ضمتها إليها عام 1811 م حتى أعيد لها استقلالها عام 1917، ونالت بالتالي تسمية بطريركية مستقلة هي بطريركية جيورجيا  الارثوذكسية.

اسباب ترؤس رومه

وجدير ذكره انه بعد سقوط رومة عام 476مسيحية بيد البرابرة الجرمان الذي هو نهاية العصور القديمة وبداية العصور الوسطى في اوربة، لم يعد من سلطة امبراطورية مركزية في القسم الغربي من اوربة، فبادر أسقف رومة واعلن رئاسته على الكنيسة في كل المسكونة اعتماداً على ان القديس بطرس “هو الصخرة” وفق ادبيات الكنيسة الكاثوليكية وبالتالي هو خليفة الرب يسوع على الارض “ارع خرافي، ارع حلماني”، لذلك هو رئيس الكنيسة. وكان التعويض من الحاشية البابوية لبابا رومية من خلال خلق دور سياسي ورئاسي له كبديل عن الأمبراطور الحاكم، فأضحى البلاط البابوي بلاطاً ملوكياً امبراطورياً. لذ منح لقب “الحبر الأعظم” الذي كان هو لقب “الكاهن الوثني الأعظم” وحتى لقب “الأمبراطور” في الامبراطورية الرومانية قبل تنصرها، حتى ان الامبراطور قسطنطين لُقبَ ومن خَلَفَّهُ به. لكن الامبراطور الحسن العبادة ثيوذوسيوس الكبير الغاه لأنه لايليق بملك مملكة مدينة الله القسطنطينية العظمى ان يتكنوا بلقب كاهن الوثن الأعظم.

وبدأت الكنيسة البابوية تحاول فرض هذا الواقع من خلال ادعاء الرئاسة، واولوية البابا التي اوصلت الى العصمة، وذلك تعويضاً عن التقدم السياسي السريع لرومة الجديدة ( القسطنطينية) التي مُنح اسقفها كما مُنح قبلاً اسقف رومة القديمة تسمية “الاول بين المتساوين” وصار واسقف العاصمة القديمة على نفس السوية في التقدم الشرفي.

ومن نافلة القول، ان هذه الفوقية وحب الرئاسة والادعاء بها نابعة من العقلية العسكرية عند رومه، التي يتمسك بها اللاتين الذين كانوا يفاخرون باعظم امبراطورية في التاريخ، وانتهت بيد البرابرة الجرمان. وبذلك اشترعوا “التشريع المقارب للالهي” بان بابا رومية هو “نائب المسيح على الارض” فضلاً عن صيرورته تبعاً لذلك، الرئيس السياسي الأعلى لأوربة ومتوِجاً لأمبراطور “الامبراطورية الجرمانية المقدسة” الذي يقبل يمينه…  

هذا ومع ما تم ادخاله من بدع وتحريفات، كانت السبب في احتجاج الراهب اليسوعي المتزمت للبابوية “مارتن لوثر” والانشقاق البروتستانتي (الاحتجاجي)، وبالتالي عقد مجمع ترانت بين 1545-1563 الذي هو عبارة عن عدة مؤتمرات اقرت اصلاحات جذرية في الكنيسة البابوية لعل اهمها مدارس التعليم اللاهوتي للحد من البروتستانتية، وثانيها انها اطلقت يد الرهبنة اليسوعية بصفتها حامية الايمان الكاثوليكي… ومحاكم التفتيش واقرت اللاتينية لغة وحيدة للكنيسة اللاتينية.

ومعروف ما مورس من تنكيل بحق البروتستانت، وتم وقف تقدمها في الشطر الغربي من اوربة، واقتلاعها بالحديد والنار في الكثير من المناطق، ودور محاكم التفتيش الدموية، والشيء ذاته تم في كثلكة ارثوذكس شبه الجزيرة الايبيرية والسواحل الشرقية لايطاليا خلال القرنين 16 و17 م ثم التفتوا الى الفعل ذاته في الشعوب والرعايا المسيحية الأرثوذكسية في اوكرانيا والبلقان ورومانيا(الفلاخ والبغدان)،وفي الكنائس الشرقية في نطاق الدولة العثمانية.
وحتى اندحار الفرنجة وسقوط أنطاكية ودمارها والفتك بشعبها سنة1268 كان البطاركة الأنطاكيون يقيمون في القسطنطينية، إلا أن الكرسي الأنطاكي هجرها نهائياً متجولاً في آسية الصغرى حتى عام 1344 (وكان قد تعاقب عليه خمسة بطاركة) حين تقرر نقله إلى دمشق أهم مدينة في بلاد الشام وتالية أنطاكية من حيث مكانة أسقفها. وكان أسقف دمشق آنئذٍ يواكيم وترتيبه 58 بعد حنانيا الرسول أول أساقفتها، فتقرر رسمه بطريركاً على الكرسي بدمشق إلا أن المنية وافته، فخلفه البطريرك اغناطيوس الثاني الذي أقام في مقر أسقفية دمشق وهي الدار البطريركية الحالية وصارت المريمية كاتدرائيته.

وقدم الحكم العثماني لبلاد الشام التسهيلات للتبشير البابوي المنتظم الذي كان ،كما اسلفنا، قد فرغ لتوه من وقف المد البروتستانتي اللوثري في الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، ومن كثلكة أرثوذكس شيه الجزيرة الايبيرية و القسم الجنوبي من إيطاليا إضافة إلى فينيسيا وألبانيا وكرواتيا. وكانت الإرساليات التبشيرية البابوية (اليسوعية – الكرملية . . .) قد جعلت من القسطنطينية عاصمة “ملة روم” مركزاً رئيساً لعملها باستقطاب أرثوذكس كراسي أنطاكية والقسطنطينية . . مع الكنائس الشرقية للكثلكة. وقد أقامت المدارس و المشافي والمياتم ومأوى الغرباء تسهيلاً لعملها الذي ما لبثت أن مدته إلى سائر مناطق الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الشرقية.
وقد استغلت هذه الإرساليات اندفاع أبناء الأرثوذكس لتلقي العلم في أوربة فتبنت العديد من الأولاد النجباء وأرسلتهم إلى كلية القديس أثناسيوس اللاهوتية في الفاتيكان وتدرس باللغة اليونانية، التي أفتتحها البابا غريغوريوس الثالث عشر عام 1577 (وكان يسوعياً متشدداً رغم ادعائه الحب للروم واليونان) وبنى فيها عام 1581 كنيسة جعل الخدمة الإلهية فيها باليونانية، وكانت النتيجة صيرورة الأرثوذكس الذين درسوا فيها أرثوذكساً بالاسم عدا من اعتنق الكثلكة منهم وجاهر بها بعد عودته إلى بلاده وأصبح من أهم دعاتهم وكان أولهم مطران صيدا افتيموس صيفي الذي أعلن إيمانه الكاثوليكي حال رسامته على صيدا واعترف به البابا كأول أسقف كاثوليكي عام 1700 في الكرسي الأنطاكي.

وكان البطريرك كيرلس الثالث (ابن الزعيم) قد شاخ وحضرته الوفاة عام 1720 فدخل عليه الخوري عبد المسيح وكان ممن قالوا بالكثلكة وسأله ان كان يريد ان يعترف. فأجابه البطريرك: ” أي شيء عملت لا قتلت ولا زنيت ولاسرقت اقرأ افشين.” وانتقل في 15 كانون الثاني 1720.

وكان افتيموس الصيفي اسقف صيدا في دمشق آنئذ فأحاط به انصاره وارادوا ان ينادوا به بطريركاً واستعانوا بعثمان باشا ابي طوق صديقه، وارادوا ان يستولوا على البطريركية بالقوة فعارضهم المرسلون الرومانيون في شخص كل من الأب توما دي كامبايا والأب بطرس فروماج وقالا: “انه (أي افتيموس) محروم من البطاركة وان رائده تغيير الطقوس والعوايد وتخريب نظام الكنيسة، وفصلا ذلك في أنه بده يبطل الماء الحار في القداس ويلزمكم في أكل السمك ويطعم رهبانكم لحم حتى يحقر كنيستكم”

وكان منذ 1694 قد تم الصلح بين البطريركين كيرلس حفيد البطريرك مكاريوس ابن الزعيم واثناسيوس الدباس (بعد حصول هذه الحالة الشاذة بتربع بطريركين بآن واحد على السدة الانطاكية) وسوي الأمر ببقاء كيرلس بطريركاً في دمشق، واثناسيوس في حلب، وكلاهما يحمل لقب بطريرك ويعيش من مدخول ابرشيته، وعند وفاة أي منهما يتولى الثاني بطريركاً على كل الكرسي الانطاكي، مايعني صيرورة اثناسيوس بطريركاً حكماً، لذا نجد الراهبين توما وبطرس قد ايدا اثناسيوس لأنه سبق ان نُصِبَ بطريركاً فطالب افتيموس باسترداد مبلغ 500 غرش ذهبي دفعه للبطريرك كيرلس حين شرطونيته مطرانا على صور وصيدا ( وهو ماندعوه بالسيمونية) فاسترده وذهب الى الكنيسة وأقام اسم اثناسيوس.

 وكان واقع الكرسي الأنطاكي المقدس آنذاك رديئاً جداً، كواقع أبنائه الفقراء والمقهورين، في عصر الانحطاط العثماني، الذين خضع بعضهم لإغراءات المبشرين المادية، مما حدا بالبطاركة والمطارنة الأرثوذكس إلى التوجه نحو أوربة الشرقية الأرثوذكسية، لجمع التبرعات والإعانات للوقوف بوجه هذا التغلغل المنتظم بين أوساط الشعب الأرثوذكسي الفقير، وبالتالي لفتح المدارس والمدارس الكهنوتية ووفاء الديون وفوائدها الباهظة التي ترتبت على الكرسي الأنطاكي. وكان البطريرك ” مكاريوس بن الزعيم ” 1648 قد قام لذلك برحلتين إلى رومانيا وروسيا والبلقان مع حاشية بطريركية كبيرة، واستمرت الرحلة الأولى من عام 1652 إلى عام 1659 والثانية 1666 – 1669. وقد دوّن ولده ” الأرشيدياكون ” بولس أحداث هاتين الرحلتين. وأستطاع ابن الزعيم وفاء الديون، وتطوير المدرسة البطريركية (الآسية)، وتجديد الدار البطريركية. وكذلك فعل البطريرك أثناسيوس الدباس، الذي أهداه ملك رومانيا مطبعة تطبع بالأحرف عربية في أوائل القرن18  لطباعة الكتب الدينية، حيث هاله عدم وجود كتب طقسية عربية مطبوعة لمنفعة ابناء الكرسي الأنطاكي العريق، وكانت هي أول مطبعة عربية في الشرق، عمل عليها الشماس عبد الله زاخر الحلبي في مطرانية حلب، طُبعتْ بها الكتب الطقسية الأرثوذكسية، ونقلها البطريرك اثناسيوس الى البلمند عندما انتقل عام 1720 بطريركاً شرعياً الى دمشق مقر كرسيه الانطاكي، وانتقل الى البلمند ايضا الشماس زاخر للدراسة والترهب. ولما انتقل الرهبان الموالون لرومة بهمة الاب فيرسو اليسوعي الى دير مار يوحنا الشوير نقل معه “المطبعة الرومانية” كما يفيد التقليد البلمندي ولنا في ذلك بحثاً وافياً في موقعنا  ( انظره)…

عندما تولى اثناسيوس الدباس البطريركية في اوائل آب1720 وكان سلفه البطريرك كيرلس قد وقف جميع متروكاته على الكرسي البطريركي، فلما استتب الأمر لأثناسيوس وجد معظها مندثراً فأخذ منه الغيظ كل مأخذ. وزاد في غيظه بما لاحظه من نشاط الرهبان الافرنج وتدخلهم السافر في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية.

ولكن لما كانت وسائله المادية ضعيفة لا تساعده على محاربة رهبان الفرنجة بسلاحهم، تذاكر مع البطريركية المسكونية بواقع “الشركة الأرثوذكسية”، ثم سافر بنفسه الى القسطنطينية، واجنهد لعقد مجمع ارثوذكسي للنظر في مايجب اتخاذه من احتياطات لتحصين الرعية الارثوذكسية بوجه الاستلاب، واخصها في دمشق. وانعقد هذا المجمع الأرثوذكسي في اواخر السنة 1722 في القسطنطينية برئاسة المسكوني ارميا واشترك به الانطاكي اثناسيوس والاورشليمي خريسنتوس واثنا عشر مطراناً. وحكم هذا المجمع على التعاليم غير الارثوذكسية، ولاسيما رئاسة وعصمة البابا، و(الفيلوكفي) انبثاق الروح من الآب والابن، بما خالف دستور الايمان،والتقديس على الفطير، ونار المطهر، وسعادة القديسين والمخنوق، وصوم السبت، ومنع الميرون والمناولة عن الاطفال…

وهذه البدع الدخيلة على الكرسي الأنطاكي، كان هؤلاء الرهبان يبشرون بها في الكرسي الانطاكي عامة، وخاصة في دمشق وحلب وصيدا وصور…وكانوا يدخلون البيوت الارثوذكسية بكثافة ويقومون بهذا التعليم، وقد تم تعميم هذه المقررات ارثوذكسيا ” برسالة البطاركة” واعتمدها حتى بطرس الأكبر والمجمع الروسي المقدس…

وانجز اثناسيوس جملة من الكتب الطقسية الارثوذكسية، منها كتاب “صخرة الشك” الذي يثبت ايمان الارثوذكسيين والمطبوع عام 1721 فاستفز بعمله الشماس زاخر الذي اعلن الكثلكة فرد عليه بكتاب اسماه:” التفنيد للمجمع العنيد” وبموجز دعاه” مخنصر التنفيذ” وطبعه الآباء اليسوعيون في بيروت سنة 1865 وقام بعده الخوري نقولا الصايغ فصنف في الدفاع عن الكثلكة كتاباً اسماه” الحصن العظيم مقابل المجمع الأثيم.”

اذن في هذه العجالة التي لم نتعرض فيها الى ماكتبه البطريرك اثناسيوس لوقف الكثلكة وما رد عليه الكاثوليك، نلاحظ كيف بدأ يكافح الكثلكة التي نشرها اليسوعيون وكان قد صار منها العدد المتزايد من الرجالات ذوي الوزن في الداخل كزاخر وافتيموس والصايغ…

اعتبر البطريرك اثناسيوس مطران صور وصيدا افتيموس الصيفي محروماً (لخروجه عن التعاليم الارثوذكسية وضربه عرض الحائط ب”رسالة البطاركة” في الحفاظ على البيعة الارثوذكسية، لا بل استباح الشارع الارثوذكسي في ابرشيته وفي دمشق كونه دمشقي وبمساعدة الكهنة الذين انقلبوا كاثوليكاً والمدعومين من رهبان الافرنج اصحاب الحظوة عند والي دمشق ) واعلن ذلك في ابرشيات الكرسي الأنطاكي. واستصدر فرماناً بنفي افتيموس وابن اخته الخوري سيرافيم  وعدد من الكهنة واودعوا السجن في قلعة صيدا استعداداً لنفيهم الى ادنة، وجاء الى صيدا مطران يوناني يحمل ثلاثة اوامر سلطانية قضت بضبط المطرانية والأملاك وتأديب من اعترف بسلطة رومة. وزار هذا المطران الصيفي في سجنه وفاوضه في العودة الى حضن الكنيسة الارثوذكسية فأبى.

وكان والي صيدا عثمان باشا ابو طوق صديقاً مقرباً للمطران الصيفي فاستصدر له عفوا من السلطنه (مقابل مبلغ مالي مغري تمت المفاوضة معه عليه) بعد ان شهد له بحسن السلوك وخرج افتيموس وجماعته من السجن.

لكنه وبعد عزل ابو طوق خاف على نفسه فاستصدر من القاضي الشرعي في صيدا فتوى شرعية تثبت التحقيق في قضيته وصدور العفو بحقه (بما خالف الواقع) وكان ذلك في حوالي 19 حزيران 1723 ( قسطنطين الباشا) وجال جولة رعائية زار فيها صور وصيدا وبعلبك ثم دمشق وبلغ به الاعياء اشده وعمره 80 سنة فتوفي فيها، ودفن في مدفن القديس جاورجيوس الارثوذكسي الخاص بالكهنة في اواخر تشرين الثاني سنة 1723.

في عام 1926 تم نقل شاهدة القبر سراً وفي الليل الى بطريركية الكاثوليك من قبل ناطور المدفن الذي رشوه، وبعد التحقيق معه من قبل مخفر الشاغور في الحادثة اعترف الناطور بذلك.  وتوثق الوثائق البطريركية هذه الحادثة ومجريات التحقيق وجواب رئيس شرطة دمشق لغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع بأن شاهدة القبر موجودة في بطريركية الكاثوليك فأمر غبطته باغلاق الموضوع بقوله:” هم احق منا بذلك لأن افتيموس كان اول اسقف كاثوليكي.” وفي شهادة الخوري قسطنطين باشا في كتابه” تاريخ الطائفة الملكية.”مايخالف الوثيقة التي لدينا…حيث جاء فيها:” عثر بعض الفعلة العاملين في المدفن على حجر تاريخ افتيميوس فنقله بعض الرهبان سراً من المدفن الى محطة القطار في دمشق. فأعلم مدير الشرطة البطريرك غريغوريوس بذلك فقال قولته المأثورة اعلاه، فنقل الحجر الى دير المخلص.” وهذه الرواية غير صحيحة لأن صورة طبق الأصل عن محضر ضبط الشرطة من اول الشكوى بسرقة حجر القبر وجواب رئيس الشرطة موجودة في الوثائق البطريركية وهي اصدق إنباءً….! والواقع الوثائقي يحكي عكس ذلك(ان شاهدة القبر كانت معروفة وان الحادثة سجلت في شرطة دمشق على انها سرقة موصوفة وان رئيس شرطة دمشق رجا البطريرك غريغوريوس طي الموضوع للحساسية، وتوافقت رغبة البطريرك مع رغبة رئيس الشرطة ( والذين وسطوه لطي الموضوع) بالرغم من انها سرقة تمت من اوقاف طائفته،  وامر باغلاق الضبط وقال قولته المأثورة عنه.

اوردت هذه الوثيقة لأثبت لزميلنا د. كبكب بان ماكتبه بالاستناد الى مقالات هي محل نظر ونقد، وحتى نقض كلي، وان ماقام به البطريرك اثناسيوس بعزل افتيموس، ومن يعيثون في الكنيسة الدمشقية الارثوذكسية بتعاليم مخالفة للارثوذكسية ول”رسالة البطاركة”، وموقف بطريرك انطاكية اثناسيوس، هو حق مشروع لأنه كان في موقف الدفاع عن النفس، وعن كنيسته، بالرغم من الافساح في المجال للصيفي للعودة الى الكنيسة الأم كما مر… لابل قام وبعد شرائه حريته برشوة أبي طوق، استصدر حكماً شرعياً، من القاضي الشرعي بصيدا، مخالفاً للواقع قضى ببراءته وتابع تحدي البطريرك بتجواله وتبشيره في ابرشيته المعزول عنها وفي غيرها وبالذات تبشيره رعايا دمشق، لنفس الغرض ولكنه توفي فيها وقد بلغ من العمر 80 سنة، أي ان الوفاة ليست بسبب تأثير سجنه كما قيل في المقدمة، (وفقاً للزميل كبكب) بل بسبب تقدمه في السن…

وبوفاة البطريرك اثناسيوس الدباس 1724 كان التغلغل اليسوعي قد بلغ حده الأعظمي بين أوساط الرعية الأرثوذكسية بدمشق وحلب وصيدا، بالإضافة إلى الرهبنات وكهنة الرعايا، فظهرت الكثلكة واضحة، وخاصة في دمشق والحراك بين الفريقين لانتخاب بطريرك للكرسي خلفاً للبطريرك اثناسيوس. وقد ارتأى الشعب والأساقفة الأرثوذكس (للحفاظ على أرثوذكسية الكرسي الأنطاكي التي ومنذ اعتلاء الدباس السدة البطريركية، كان يجاهد ضد الكثلكة) انتداب خليفة له الكاهن سلبسترس القبرصي، وكان الدباس قد اوصى مسيحيي حلب وغيرها ان ينتدبوه، وسبق له وخدم عنده اولا كشماس، ورافقه في الكثير من اسفاره الى بلاد الفلاخ والبغدان وغيرها ثم انخرط في اكليروس الكنيسة القسطنطينية. وكان سلفستروس وقتئذ مقيماً في الجبل المقدس آثوس متنسكاً زاهدا.” (غطاس قندلفت تاريخ البطاركة الانطاكيين المنار 1899) وطلبوا من البطريركية المسكونية إرساله على اعتبار الامتيازات الممنوحة للبطريرك المسكوني لكونه زعيم (ملة الروم).

وقد انتخبه المجمع المسكوني بطريركاً على أنطاكية وأرسله على جناح السرعة إلى دمشق لضبط الأمور المضطربة في الكرسي الأنطاكي، في حين أن الفريق المتكثلك انتخب الخوري كيرلس طاناس ابن اخت الصيفي (وهو ربيب اليسوعيين ومدرسة رومه ايضاً كخاله) بطريركاً وأسماه كيرلس السادس وجرت رسامته بشكل غير شرعي ومخالف للأصول في الكنيسة عامة (راجع تاريخ انطاكية د.اسد رستم ج3 من الصفحة 138-)143  وتمت الرسامة في الكاتدرائية المريمية، ولم تأبه رومة لهذا الشذوذ وهذا الخروج على التقاليد الرسولية المقدسة فأصدر البابا بندكتوس الثالث عشر براءة رسولية في الخامس عشر من آذار سنة 1729 ثبت بها كيرلس طاناس بطريركاً على انطاكية وارسل له الباليوم…”  

 إلا أن وصول البطريرك الشرعي سلبسترس إلى دمشق جعله يغادرها إلى دير المخلص في صيدا، وكما اسلفنا، افرغ المقر البطريركي والكنيسة المريمية من التجهيزات الكنسية والبدلات الكهنوتية و… وكل شيء، وأخذها معه كأنه ملكه الشخصي… وجعل دير المخلص مقراً لبطريركيته وأعلن انشاء ابرشيات واقام لها مطارنة وكهنة وجمعيات رهبانية تبشيرية. وقد اعترفت الدولة العثمانية بها كنيسة مستقلة 1835 بعد ان وافق والي مصر والشام محمد علي باشا اولاً بها بفضل كبير مستشاري ابنه ابراهيم باشا السيد حنا البحري الكاثوليكي ،وقد وافقت على استقلالية الكاثوليك عن الكرسي الأنطاكي المقدس  تحت اسم (بطريركية أنطاكية و سائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك) واحتفظت بالطقوس الشرقية الأرثوذكسية مع خضوعها في الوقت ذاته لرئاسة البابا فهو يثبت اساقفتها وبطاركتها كبقية الطوائف الشرقية المتحدة برومه.


الخلاصة والخاتمة

نحن مهما كتبنا لانفي البحث حقه، ولكنا نلخص ماقلناه بمايلي:

  • كنيسة مريم ارثوذكسية منذ مستهل القرن الثالث المسيحي بعد اندثار صاحبتها شيعة المريميين الهرطوقية، ولا مجال للادعاء ابداً انها كاثوليكية…بما سوقناه من اسانيد موضوعية.
  • كل الكنائس والأديرة التاريخية التي تعود الى ماقبل ظهور الروم الكاثوليك فعلياً مع كيرلس طاناس عام 1724 هي ارثوذكسية بالمطلق وهذه هي بديهية وطبيعة الأمور ومنطقها، وانها صارت بملكهم بوضع اليد كما بينا في سياق النص، وما اوردناه من بعض الأمثلة.
  • ان الادعاء بالظلم الواقع على الكاثوليك من الروم الارثوذكس وخاصة بفعل البطاركة والمطارنة خلال الفترة التي امتدت بين النشوء الفعلي العام 1724 والاعتراف الرسمي 1835 كان (ان صح هذا الادعاء) هو حق الرئاسات الروحية للدفاع عن بيعتها التي مزقتها قبلاً حراب الفرنجة وادمتها فعلاً لا قولاً وفق شهادات المؤرخين المسلمين المعاصرين خلال قرنين من الزمن، وهي رد فعل طبيعي على فعل الغدر الذي مارسته الرهبنات التي خانت الأمانة المعطاة لها من الرئاسة الروحية الأنطاكية منذ اواخر القرن 16 الى الربع الأول من القرن19 وتحديداً 1724 ولاحقاً في كل مكان، وخاصة في دمشق وحلب وصيدا والبلمند وزحلة… “احذروا من الذئاب الذين يأتوكم بثياب الحملان”. واكرر ان الحال لو كان معكوساً لكرر الاخوة المتباكون محاكم التفتيش التي امرت بقتل ابناء الطوائف الأخرى وحرقهم احياء…

    ورجاء التوقف عن ادعاء الذات كمضطهدة كالمسيحيين الأوائل، علما ان مامورس من استلاب منظم بعد الاعتراف الرسمي ببطريركية الكاثوليك في كل الكرسي الانطاكي للنفوس والبلدات والأديرة والكنائس وختامه في ظل الانتداب الفرنسي الكاثوليكي واضطهاد الارثوذكس يحتاج الى مجلدات لتدوينه…

  • ان في اي انفصال اضعاف للأصل ولفرعه، فالشجرة التي تفقد غصنا تضعف ويكون الفرع اساساً ضعيفاً والساقية المتفرعة من النهر يخف ماؤها تبعاً لنقص ماء النهر…لذا اتمنى ان يتوقف اصحاب الضغينة عن بثها لأنها لن تخدمهم بل بالعكس، لاسيما واننا اصبحنا اشباه رعايا في ظل المؤامرة الدولية الصهيونية الأصولية والممارسات الدموية بحقنا من تهجير وذبح وذبح كهنة وخطف كهنة وراهبات ومطارنة والصمت المريب المرافق لخطف ملاكي حلب بولس ويوحنا وكهنتها منذ حوالي اربعة سنوات…والاجدر وبدلاً من نكىء الجراح وصب الزيت على نار الفرقة وكأننا نتماشى مع السياسة الكونية بالطائفية والمذهبية، الأجدر العودة الى الشجرة الأم والنهر الأنطاكي ولنعد وحدة واحدة وهو ما يريده المسيحي حتى غير الممارس لايمانه …

واختم بالقول بالرغم من كل شيء فان الكنيسة عموماً والانطاكية خاصة باقية لأن “الله في وسطها فلن تتزعزع.”

اصلحنا الله واياكم سواء السبيل…

الهوامش

(1) في مؤتمر إعادة كتابة تاريخ بلاد الشام في عمان 2006 الذي اعدت له جامعات دمشق وعمان واليرموك اعترضنا على اعتماد تسمية الحروب الصليبية وتم اعتماد اعتراضنا لأن في هذه التسمية جرحاً لكرامة المسيحيين فالصليب ليس ادة للقتل وطالبنا بتثبيت التسمية الأساس وهي:”حروب الفرنجة” التي كانت معتمدة حتى من المؤرخين المسلمين المعاصرين لهذه الحملات التي دامت قرنين، وهي كانت حروباً استعمارية وهدفت إلى (لتننة) ارثوذكس الشرق، ولم تكن الطوائف الكاثوليكية قد نشأت بعد حيث كانت بواكيرنشوئها في القرن 16، واستعمل الفرنجة من المنكرات بحق اشقائهم في المسيحية ابناء الكرسي الأنطاكي وكنائس المشرق اللاخلقيدونية، الحديد والنارلإرغامهم على اعتناق الكثلكة والخضوع للبابوية،وبشهد التاريخ عن مجازر ارتكبها هؤلاء البرابرة  بحيث نال الكرسيان الانطاكي والأورشليمي نصيباً رئيساً في المنكرات الافرنجية.

2) الملكيون : في أعقاب مجمع خلقيدونية ، ونتيجة لرفض العائلة الشرقية اصحاب العقيدة والمشيئة الواحدتين، قرار هذا المجمع بأن للسيد المسيح طبيعتين إلهية وبشرية ومشيئتين إلهية وبشرية وان المسيح يجمع في ذاته الطبيعتين والمشيئتين. وكانت قد نشأت الكنيسة السريانية المستقلة عام 513 مسيحية وأطلق أصحابها على الخلقيدونيين لقب “ملكيين” تنزيلا وحطاً من قدرهم، فهم صنيعة  الملك البيزنطي يأتمرون بأمره ويقودهم ويطيعونه بكل شيء، لأن من أطلق فكرة الطبيعتين والمشيئتين هو الإمبراطور هرقل  ولاسيما ان الملوك البيزنطيون كانوا يدعون إلى المجامع ويرأسونها، والدولة الرومية البيزنطية كانت تتمثل بشخص الإمبراطور، والأباطرة الروميين كانوا حماة الايمان القويم. وبالمقابل فإن الخلقيدونيين لقبوا الرافضين باللاخلقيدونيين، وفي موضع آخر لقبوا السريان أصحاب الطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة بلقب اليعاقبة نسبة الى زعيمهم يعقوب البرادعي…

(3) وما إطلاق تسمية البطريرك من قبل مجمع “خلقيدونية” عام 451 على أسقف أنطاكية وحده دون سائر الكراسي الأخرى ( رومه والقسطنطينية والإسكندرية وأورشليم ).

مصادر البحث

– الوثائق البطريركية، وثائق ابرشية دمشق

– رستم، د.اسد كتاب “كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى”

– رستم، د.اسد كتاب “نحن ورومة والفاتيكان”

– خريسوستموس، كتاب ” تاريخ كنيسة انطاكية”

-سميرنوف، كتاب:”كتاب تاريخ الكنيسة المسيحية”

– زيتون، د.جوزيف “سيرة القديس يوسف الدمشقي”

– زيتون، د.جوزيف” كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان.”

ملخص الرد على الاتهام الموجه الينا نحن الارثوذكس بالاستيلاء على المريمية الكاثوليكية…!

ملخص الرد على الاتهام الموجه الينا نحن الارثوذكس بالاستيلاء على المريمية الكاثوليكية…!
مؤخراً نشرتُ في موقعي تدوينتي وهي بعنوان :

” هل الكاتدرائية المريمية كنيسة كاثوليكية استولى عليها الارثوذكس”

وكانت تدوينة طويلة كاملة المعلومات، الأمر الذي يفيد الباحث اكثر منه القارىء العادي الذي يهمه جواباً محدداً عن هذا السؤال الصادم:

Image may be NSFW.
Clik here to view.
شعار الكرسي الأنطاكي

شعار الكرسي الأنطاكي

” لمن الكاتدرائية المريمية؟”

او: هل حقاً الكاتدرائية المريمية كانت كنيسة كاثوليكية استولى عليها الارثوذكس؟

اقول

منذ فترة أشهر خلت انتشرت على موقع بطريركية الكاثوليك الشقيقة قصة بناء كاتدرائيتهم “سيدة النياح” متهمين الارثوذكس بسلبهم كنيسة المريمية عام 1724 ماكان قد تم نشره خطيا مركز الأبحاث الملكية بدمشق عام 2010 في مجلد وثائقي بالوثائق والصوراعده الدكتور وسام كبكب أستاذ الفلسفة واللاهوت في معهد القديس بولس مستنداً به على مقالات وأبحاث كثيرة المع إليها في مقدمة وصدر الكتاب وخاصة لجهة “الاضطهادات” من الأرثوذكس للكاثوليك عموماً ولأول بطاركتهم كيرلس طاناس (وخاله افتيموس الصيفي مطران صور وصيدا)

فأنا بدوري أثمن هذا الجهد المبذول من السيد الدكتور الزميل الأكاديمي وسام كبكب الذي أثمر هذا السفر القيم حول تاريخ كاتدرائية طائفة الروم كاثوليك…” سيدة النياح”

وابرز الكاتب د.كبكب الصعوبات الجمة التي واجهها في كتابه اشتكى في معظمها من عدم وجود أرشيفات تفيد بحثه أو تعذر عليه الاطلاع عليها إن وجدت، وعدم وجود معلومات شفهية.. وأن الذي سد النقص في كتابه مقالات..وهذه برأينا ورأي كل من ارخ لحادثة تاريخية او كتب في التاريخ وفلسفة ومنهجية كتابة التاريخ، لا تعد ثبوتاً أساسية، إنما يؤخذ بها على سبيل الاستئناس…

واورد في قصة بناء “كاتدرائية سيدة النياح” “محضر اتفاق” (ورد في مقال) نتج عن اجتماع البطريرك مكسيموس مظلوم وأعيان الروم الكاثوليك بدمشق في 1 تموز 1834 بخصوص هذه الكنيسة، ومااستُنتِجَ من الاتفاق عبر بنود ثلاثة، وخاتمة، وهذه التي أثارت النفوس، واشتعلت بها صفحات التواصل الاجتماعي والتي تقول بأن المريمية كاثوليكية وان الروم استولوا عليها.

وهي التالية حرفياً :

“وهكذا اتخذوا احتياطهم من الذئاب الخاطفة ومن تقلقل كل قصبة تحركها الريح لئلا تأتي أيام تذهب فيها معاهدهم إلى غير جهة الكاثوليك كما حصل بكنيستهم (لكنيستهم) المريمية وبغيرها (وغيرها) من المعاهد”.

في هذا تأكيد ان المريمية كاثوليكية وان الارثوذكس استولوا عليها ، وفي موضع آخرقال مستنداً على مقال آخر “انهم حسماً للخلاف مع الارثوذكس تخلوا لهم عن المريمية…”

من نافلة القول

ان العمر الفعلي للكاثوليك كطائفة هو اقل من ثلاثة قرون، وكان نشوؤهم الفعلي عام 1724 مسيحية، واعترفت الدولة العثمانية رسمياً بها عام 1835 أي بعد مائة وأحدى عشرة سنة، وبالمجمل فإن العمر الرسمي لهذه الطائفة الشقيقة التي خرجت عن امها كنيستنا الأنطاكية الأرثوذكسية دون القرنين (1835-الى 2016)، فمن أين اذن حصلوا على كل الكنائس والأديار التاريخية التي تعود إلى فجر المسيحية؟،

Image may be NSFW.
Clik here to view.
واجهة وجرسية الكاتدرائية المريمية

واجهة وجرسية الكاتدرائية المريمية

جميعها هي أرثوذكسية بالمطلق، وتم الاستيلاء عليها من الارثوذكس، ولدينا ثبوت وثائقية بها والباحث وحتى من تبقى من كبار السن يدركون الأسباب وكان بعضها كالتالي:

1– وضع اليد بعد تغيير المذهب للشريحة الأكبر بتقديم المعونات المالية وكل الناس كانوا فقراء معدمين ولايزال هذا الفعل مستمراً تماماًعند كل الطوائف التي تنشأ يومياًوخاصة في هذه الظروف الحاضرة التي يعيشها السوريون فقراً وارهاباً وتهجيراً وتسفيراً خارج سورية.

2- بمساعدة الولاة العثمانيين ورشوتهم وشراء ضمائرهم لغض النظر عن استلاب كنائس الأرثوذكس وعدم سماع تشكياتهم.

3- بمساعي سفراء فرنسا والنمسا والصرح البابوي “الحامية للكاثوليك” وضغوطهم على السلطان العثماني…

4- تغيير النفوس للكثلكة دون علم اصحابها في سجلات النفوس في كل المناطق كان فيها كتاب ومأموري النفوس وخاصة في الارياف كما في ريف دمشق وريف حمص وحماه.

5- استغلال الخلافات بين العائلات المتزعمة للقرى سواء على المخترة، او على رسامة الكاهن ويتمسك كل فريق بمرشحه كمختار او للكهنوت فتنشأ طائفة جديدة لها المعتقد ذاته سوى الانتماء والرئاسة مع لبس واحد للكاهن فيستولون على كنيسة البلدة او دير تاريخي فيها مع تمكين ابناء هذه الطائفة من العمل في دوائر الدولة وخاصة زمن الانتداب الفرنسي الذي كان انتداباً كاثوليكيا بامتياز.

وبقي الاستيلاء على الكنائس والأديرة الأرثوذكسية مستمراً حتى منتصف القرن 20 في عهد هذا الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان، كماحددنا في تدوينتنا، ولدينا ثبوت تاريخية بما تم استلابه من الأوابد الروحية الآثارية بعد استلاب رعاياها في كل الكرسي الأنطاكي، وخاصة في أبرشية دمشق…

أن حق الرد مصان وممنوح للمتهم الذي ثبتت جريمته، فكيف بالمتهم بدون إدانة مبرمة

ونحن بموجب ما ورد متهمون بارتكاب جرم السطو، وبسط اليد على ممتلكات الغير، وبخاصة “المريمية” بكل ثقلها الأرثوذكسي ككاتدرائية الكرسي الأنطاكي المقدس و الأقدم والأعرق، ومن حقنا كمتهمين الرد ودفع التهمة “وكل متهم بريء ما لم تثبت إدانته بحكم قطعي مبرم”..

الخلاصة والخاتمة كما اوردنا في تدوينتنا وعلى موقعنا حيث قلنا:

“مهما كتبنا لانفي البحث حقه، ولكننا نلخص ماقلناه بمايلي:

•كنيسة مريم ارثوذكسية منذ مستهل القرن الثالث المسيحي بعد اندثارا شيعة المريميين الهرطوقية صاحبتها، ولا مجال للادعاء ابداً انها كاثوليكية…بما سوقناه من اسانيد موضوعية.

•كل الكنائس والأديرة التاريخية التي تعود الى ماقبل ظهور الروم الكاثوليك فعلياً مع كيرلس طاناس عام 1724 هي ارثوذكسية بالمطلق وهذه هي بديهية وطبيعة الأمور ومنطقها يفرضان ذلك، وانها صارت بملكهم بوضع اليد كما بينا في سياق النص في التدوينة واعلاه، وما اوردناه من بعض الأمثلة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
داخل المريمية وايقونسطاسها

داخل المريمية وايقونسطاسها

•ان الادعاء بالظلم الواقع على الكاثوليك من الروم الارثوذكس وخاصة بفعل البطاركة والمطارنة خلال الفترة التي امتدت بين النشوء الفعلي العام 1724 والاعتراف الرسمي 1835 كان (ان صح هذا الادعاء) هو حق الرئاسات الروحية للدفاع عن بيعتها التي مزقتها قبلاً حراب الفرنجة وادمتها فعلاً لا قولاً (وفق شهادات المؤرخين المسلمين المعاصرين خلال قرنين من الزمن (القرنان 12- 13) (وكانت سبباً في ترحيل الكرسي الانطاكي من انطاكية الى دمشق وقيام بيبرس بتدمير انطاكية وابادة وتهجير شعبها الارثوذكسي))، وهي رد فعل طبيعي على فعل الغدر الذي مارسته الرهبنات التي خانت الأمانة المعطاة لها من الرئاسة الروحية الأنطاكية منذ اواخر القرن 16 الى الربع الأول من القرن19 وتحديداً 1724 ولاحقاً في كل مكان، وخاصة في دمشق وحلب وصيدا والبلمند وزحلة…

ورجاء التوقف عن ادعاء الذات كمضطهدة كالمسيحيين الأوائل المضطهدين من الدولة الرومانية والفرس الوثنيين، علما ان مامورس من استلاب منظم بعد الاعتراف الرسمي ببطريركية الكاثوليك في كل الكرسي الانطاكي للنفوس والبلدات والأديرة والكنائس وختامه في ظل الانتداب الفرنسي الكاثوليكي والاضطهاد الذي لقيه الارثوذكس وخاصة استبعادهم من الوظائف العامة في عهد الانتداب وحرمانهم من التعويضات الممنوحة بفعل الثوار الجهلة، وانتزاع الاوقاف والاديار والكنائس الأرثوذكسية ما يحتاج الى مجلدات لتدوينه…

•ان في اي انفصال إضعاف للأصل ولفرعه، فالشجرة التي تفقد غصنا تضعف ويكون الفرع اساساً ضعيفاً، لذا اتمنى ان يتوقف اصحاب الضغينة عن بثها، لأنها لن تخدمهم بل بالعكس، الأجدر العودة الى الشجرة الأم ولنعد وحدة واحدة وهو ما يريده المسيحي حتى غير الممارس لايمانه …

واختم بالقول بالرغم من كل شيء فان الكنيسة عموماً والانطاكية خاصة باقية لأن “الله في وسطها فلن تتزعزع.” مهما كانت عواصف الاقتلاع والتقزيم…



في أضواء عيد الميلاد

في أضواء عيد الميلاد

ماذا يبقى لنا من الميلاد؟ يبقى للكثيرين، بعد تسرب الغرب الينا، شجرة العيد التي لاتعني لنا نحن الشرقيين الارثوذكسيين شيئاً، وربما لا بل أكيد من يقيم الشجرة يقيم معها مغارة بيت لحم من ورق او خيش وتماثيل صغيرة وحتى قطع من الشجر، وهذه ايضاً تسربت من الكنيسة الغربية.

كل هذا فولكلور لا يقدم ولايؤخر في عيد الميلاد، ولا يزيدنا نفحة روحية واحدة. والذين مارسوا بابا نويل يكونون قد دخلوا في الخرافة دخولاً أبعد.

كل هذا دليل على أن أعيادنا صائرة طقوساً اجتماعية يقيمها المؤمن وغير المؤمن، الممارس وغير الممارس.

المصلي العميق يبقى له ضوء الميلاد لروحه. وهو كما تعلمون كان جزءاً لا يتجزأ من عيد الظهور الإلهي، ثم نقله القديس يوحنا الذهبي الى 25 كانون الأول. ولكن على رغم الفصل بين العيدين ظلّ كل عيد من العيدين احتفالاً بالنور. هذه المرة طريقة إنارتنا تواضع المسيح. ومن هذا القبيل يكون العيد شبيهاً بالفصح الذي لم يأت نصراً بالقيامة إلا لكونه جاء تواضعاً بالصليب. المغارة المظلمة المرسومة على أيقونة الميلاد هي نفسها صورة القبر.

المرجو أن تطلب الى الله أن يجعلك تفهم هذه المقولة من المزامير:” الرب نوري ومخلصي”. ليس فقط نوراً للعالمين، تقال بصورة مجردة كأنك غير معنيّ. المهم أن تؤمن أنك معني شخصياً بمجيء المخلص. انه نور لك. وهذا ليس فقط لكونك تقارن تعليمه بأي تعليم آخر وتفضل الانجيل عن كل شيء آخر. ولكن أن تقول ان ” الرب نوري ومخلصي” هو ان تعني أنه ينقذك اليوم وليس غداً من ضعف محدد أنت تعرفه بحيث يكون العيد العامّ قد تخصّص وصار لك. يسوع يطلبك انت، كما أنت. هو يريد أن يرد من الحفرة التي أنت فيها. والذي نزل الى جب الموت ينزل الى الجب الذي أوقعت فيه نفسك. يسوع يعرف اين أنت. هو دائماً محوِّل وجهه اليك. أنت أبصر هذا الوجه. هو دائماً يخاطبك. ولكن، إذا لم تقرأ الانجيل يوماً، أنى لك أن تسمع كلامه يقرع على باب قلبك؟ إذا لم تألف صلواتنا والترتيل والعبادات كلها، تبقى أصم. تدغدغك شهواتك ومنافعك الدنيوية، ولا مجال لك لكي يكون لك ميلاد حقيقي تولد أنت فيه على النور.

بعد أيام ستدخل السنة المدنية الجديدة. رأس السنة نحن ليس عندنا عيداً كنسياً. هذا عيد ختانة الرب نفسه بالجسد. الجديد فينا هذه الختانة إذا أخذتها بمعناها الروحي أي إذا فصلت بين حواسك والشر فتختن عينيك ويديك وما اليك من أعضاء عن ارتكاب الخطيئة.

الختانة بهذا المعنى هي التوبة الدائمة.

هي أن تقطع نفسك عن كل مايجعلها تنكب على مايؤذيها.

أن تبدأ أولاً بإلغاء القمار إن كنت تتعاطاه لأنه آفة كبيرة. القمار شهوة قاسية، تتمكن من النفس ويصعب الإقلاع عنها. وفيها هجر للعائلة وإهمال للزوجة والأولاد. ولاتقل: أنا ألعب في رأس السنة وما إليه من أيام. تكون قد قبلت المبدأ، والمبدأ فاسد بحد نفسه، وقد يكون هذا بدء انهيار. افتح سنتك بذكر المسيح.

(المطران جورج خضر 21 كانون الأول 1997 كتاب “سنة الرب المقبولة”)

دار البطريركية الأنطاكية الارثوذكسية

دار البطريركية الأنطاكية الارثوذكسية

مدخل

تقع في قلب دمشق التاريخية وسط الشارع المستقيم الممتد من باب الشرقي شرقاً الى باب الجابية غرباً، والذي يشطر الشام القديمة إلى شطرين جنوبي وشمالي.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
شعار الكرسي الأنطاكي

شعار الكرسي الأنطاكي

وكان يتقاطع مع هذا الشارع المستقيم شارع مستقيم يمتد من باب الصغير جنوباً (اصغر أبواب دمشق السبعة)وهو البوابة الجنوبية لدمشق نحو محلة الميدان، ومنها إلى حوران والقنيطرة وفلسطين. ويمتد إلى باب الفراديس شمالاً(جمع فردوس نسبة إلى الجنان الطبيعية فيه) وباب السلامة المجاور له شمال المدينة القديمة حيث تشير بعض الكتابات التاريخية عن دمشق البيزنطية، وبعض المؤرخين، أن بيت عائلة سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي كان يقع في وسط هذه المنطقة الخضراء.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مشهد بانورامي لدار البطريركية متداخلة مع المحيط

مشهد بانورامي لدار البطريركية متداخلة مع المحيط

ويتقاطع الشارعان بجانب الدار البطريركية في نقطة قوس النصر الذي تم إخراجه من تحت الأرض عام 1943 ورفعه إلى مكانه الحالي من قبل محافظة دمشق، وكان الطريق الواصل من قوس النصر هذا إلى باب الفراديس يدعى درب مريم وكان يطل عليه دير النساء على اسم العذراء مريم وهو كان ميتماً للبنات اليتيمات اللواتي كن يترهبن فيه حين بلوغهن سن الرهبنة. ودعيت هذه المنطقة في العصر الرومي برمتها “ايا ماريا” أي “القديسة مريم”، ومن هنا تحولت التسمية مع تمادي الزمان وخاصة في العصر الإسلامي إلى “القيمرية” وهي تحريف للتسمية الأصل “أيا ماريا”، على قياس بلدة “داريا” وصوابها “دار الرؤيا”، وجرمانا وصوابها ” القديس جرمانوس”… الخ كإشارات للتجذر المسيحي…

يرتبط هذا الموقع ارتباطاً عضوياً، لم ينفصل عبر كل التاريخ، مع “كنيسة مريم، أو الكاتدرائية المريمية” منذ القرن المسيحي الأول حيث لابد من وجود بناء تابع للكنيسة دوماً لخدمتها.

دخول المسلمين إلى دمشق

عام 635 دخل المسلمون إلى دمشق من طرفي الشارع المستقيم وفي وقت واحد، حيث دخل أبو عبيدة وجيشه من باب الجابية صلحاً بالاتفاق مع سرجون النصراني (جد القديس يوحنا المعمدان) “حقنا لدماء الدمشقيين” (حيث أن جيش البيزنطيين كان قد انسحب منها في بدء الحصار الذي طال لمدة أربعة أشهر)، وحرباً من الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد، ليلتقي طرفا الجيش عند كنيسة مريم، لذلك وتخليداً لهذا الموقع إسلامياً، أقيم في مستهل العصر الأموي، مصلى صغير،(وما المئذنة الموجودة حالياً إلا ما بقي من المسجد الذي أزالته محافظة دمشق عام 1943 حين توسيع الطريق وأزالت معه أجزاء واسعة من مدرسة مار نقولا والحرم ألبطريركي، وأعادت بناء المئذنة بالحجر الأبيض بعد أن كانت والمسجد من الخشب واللبن، وأخرجت قوس النصر من بطن الأرض ونصبته في موقعه الحالي.)

Image may be NSFW.
Clik here to view.
{الشارع المستقيم ونقطة تقاطعه مع الشارع الممتد من باب الجابية وباب الفراديس والمئذنة الموثقة  لدخول المسلمين

الشارع المستقيم ونقطة تقاطعه مع الشارع الممتد من باب الجابية وباب الفراديس والمئذنة الموثقة لدخول المسلمين

وكانت شريعة الفتح وقتئذ قد قضت بتحويل كل الكنائس الواقعة في القسم الشرقي المفتوح حربا إلى مساجد، وبقاء كل كنائس الشطر الغربي المفتوح صلحاً على حالها بشرط دفع الجزية.

 وكان عدد كنائس الشطر الشرقي 15 كنيسة تحولت الى مساجد (عدا كنيسة سرجيوس وباخوس اليعقوبية (مار سركيس الارمنية حالياً) التي أبقاها خالد كنيسة مع مقام القديس جاورجيوس اول دخلة حنانيا تنفيذاً لوعده للقس يونان خادم الكنيسة ورئيس الرعية اليعقوبية الدمشقية الذي اتفق خلسة من وراء ظهر سرجون مع خالد، وسهل له دخول جنوده منتصف الليل عند تبديل الحرس، من شرفة بيته في السور بعد ان قام بتوسيعها، مشترطا عدم المساس بكنيسته ورعيته الصغيرة، وهو ما تم).

بينما كان عدد كنائس القسم الغربي وفي مقدمتها كاتدرائية دمشق “يوحنا المعمدان” وعددها 16 كنيسة.

أما كنيسة مريم فلوقوعها على الخط الفاصل بين شطري المدينة، وبين دخول جناحي جيش المسلمين، فقد اعتبرت من أملاك الدولة ولم تحول إلى مسجد بل أُغلقت من سنة 635مسيحية إلى سنة 705 مسيحية، عندما أعادها الوليد للأرثوذكس، نتيجة مصادرته كاتدرائيتهم “يوحنا المعمدان” وبعد عدم موافقتهم على تلك المصادرة، ولعدم تنفيذ الاتفاق الصلحي الذي أبرمه سرجون وأبو عبيدة بالحفاظ على كنائس القسم الغربي، وفي الواقع أنها كانت تُقضم تدريجياً، وتحَّوَّلْ إلى مساجد حيث لم يبق للأرثوذكس كنيسة يصلون فيها. فأعاد لهم كنيسة مريم وقال:” إننا نعوض النصارى بكنيسة مريم بدلاً من كنيسة يحيى” وذلك توضيحاً للقول أن المسلمين أعطوها للمسيحيين مِنَةًًّ…!!!

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الواجهة الغربية للصرح البطريركي واتصالها بمريمية الشام

الواجهة الغربية للصرح البطريركي واتصالها بمريمية الشام

وقد أصبح هذا البناء منذ عام 705 م مقراً لمطرانية دمشق، والمريمية كاتدرائية مطران دمشق. وكان مطران دمشق يقيم مع الكهنة وخدام الإيمان في دار المطرانية(الحالية) اللصيقة بكنيسة مريم، لذا غلب اسم المريمية شعبيا منذ ذاك الوقت وحتى الآن على تسمية هذه الدار فيُقال أحياناً “دار المريمية” أو “دار كنيسة مريم”، بدلاً من ” المطرانية” أو “البطريركية”.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن

الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن

في عام 1344مسيحية،عندما انتقل مقر الكرسي الانطاكي المقدس من مدينة إنطاكية (التي دمرها الظاهر بيبرس في حربه ضد الفرنجة) إلى دمشق، صارت دار مطرانية دمشق هذه داراً للبطريركية ومقراً دائماً للبطريرك الأنطاكي، ومنذ ذاك التاريخ توحدت سلسلة بطاركة انطاكية التي تبدأ ببطرس الرسول السنة 45 م بسلسة أساقفة دمشق التي تبدأ بحنانيا الرسول سنة 35 م وكان بطريرك انطاكية وقتئذ هو أغناطيوس الثاني الذي حمل في الوقت عينه لقب مطران دمشق…لذا نجد أن البطريرك الأنطاكي، هو بذات الوقت ومن تاريخه، مطراناً لدمشق وهذه الدار هي بطريركية إنطاكية، ومطرانية دمشق.

– لم انتقل الكرسي الانطاكي الى دمشق؟

وكان السبب في انتقال البطريركية الأنطاكية إلى دمشق بالذات، فهو لأن دمشق مسيحياً هي اقدس موقع بعد الأرض المقدسة في فلسطين ومنطلق البشرى إلى كل المسكونة، مع بولس الذي تنصر فيها، وبها غدا هو رسول الأمم منطلقاً منها الى العربية وإنطاكية وأوربة وختم في رومه محدثاً مع بطرس الرسول كرسيها الرسولي السنة 64 مسيحية بعد ان كانا قد احدثا معاً  كرسي إنطاكية السنة 42مسيحية، واعتلاه بطرس الرسول بطريركاً السنة 45مسيحية، ولأن دمشق سياسياً واقتصادياً كانت دوماً عاصمة سورية الطبيعية وزاهية بلاد الشام… ولقوة وفعالية الوجود المسيحي فيها بالرغم من كل النكبات التي مرت في كل العهود على هذا الوجود.

نكبات المقرالبطريركي

ومن الطبيعي أن يتعرض المقر البطريركي لنكبات بلغت تسعاً، وهي ذاتها التي تعرضت لها كنيسة مريم، أولها كانت عندما بقيت مغلقة لمدة 70 سنة من عام 635 مسيحية الى 705، ولسبع فتن طائفية  كانت أشدها كارثة 1860 مسيحية، ولكارثة طبيعية واحدة هي الزلزال الذي ضرب دمشق منتصف القرن 18.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي

القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي

كان المقر ألبطريركي  دوماً عرضة للأخطار والحرق والتدمير ذاتها التي تعرضت إليها المريمية عبر تاريخها وخاصة فتنة 1860 الطائفية فتم تدميرها واستشهد في المقر ألبطريركي ومحيط المريمية وداخلها حوالي 5000 من الدمشقيين الأرثوذكسيين ومن اللاجئين إليه من جبل الشيخ وحوران، كان في مقدمهم الخوري يوسف مهنا الحداد ( القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته الذي يعود له الفضل في التأسيس لنهضة إنطاكية العظمى في منتصف القرن 19 وما هي عليه اليوم) ونعيد لهم في 10 تموز من كل عام.

كنائس المقر البطريركي

كان في الصرح ألبطريركي إضافة إلى كنيسة مريم، كنيستان أخريان تعودان إلى القرنين الخامس والسادس هما:

– كنيسة القديسين الشهيدين يوستينة الدمشقية وكبريانوس القرطاجي، وكانت تلاصق كنيسة مريم جنوباً وهي اصغر منها وايقونسطاسها خشبي محفور وجميل جداً مع إيقونات من فن المدرسة السورية.

– كنيسة القديس نيقولاوس أسقف ميرا ليكية العجائبي، تقع إلى الغرب من كنيسة مريم وهي أكبر منها وكان فيها ايقونسطاس خشبي محفور بديع الصنعة، في قبوها طبخ البطريرك العظيم مكاريوس ابن الزعيم طبخة الميرون الشهيرة منتصف القرن 17 التي أورد ذكرها مؤرخ الكرسي الأنطاكي الدكتور أسد رستم.

وقد تدمرت الكنيستان أيضا مع كنيسة مريم والصرح ألبطريركي في كل النكبات التسع التي منيت بها كنيسة مريم.

– كنيسة القديسة كاترينا الشهيدة، وهي قاعدة امطوش صغير لرئاسة أساقفة سيناء كان داخل المقر ألبطريركي أحدث في عهد البطريرك متوديوس في العقد الثالث من القرن 19 و الكنيسة صغيرة ولكنها مكتملة بكل شيء لجهة الايقونسطاس الخشبي وإيقوناته الجميلة من فن المدرسة المقدسية.  

وكان يتم إعادة بناء المقر ألبطريركي مع كنيسة مريم بعد كل تدمير، ولكن في نتيجة التدمير الشامل لم يُعد بناء كنيستي كبريانوس ويوستينة فقد أضيفت إلى مساحة كنيسة مريم،

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مشهد لدمار الصرح البطريركي والمريمية والكنائس الأخرى في مذبحة 1860

مشهد لدمار الصرح البطريركي والمريمية والكنائس الأخرى في مذبحة 1860

وأعيد مجدداً بناء كنيسة القديسة كاترينا في غرفة أرضية جنوبية بإيوان غربي متوسط لعدة غرف كانت للأمور الإدارية وللمكتبة، ويعلوها جناح لإقامة الاكليروس كان عبارة عن عدة قلايات، ومهجع للشمامسة يتسع لعدة أسِّرة،  بجوار جناح البطريرك المطل بشرفة شرقية على صحن البطريركية وحديقتها.

اما كنيسة القديس نيقولاوس فقد أُلغيتْ ككنيسة وجُعلت مدرسة ابتدائية للصبيان على اسم “القديس نيقولاوس الارثوذكسية” منذ اواخر القرن19 والى منتصف القرن 20، وفي جانب منها مدرسة للبنات أحدثها البطريرك ملاتيوس الدوماني مطلع القرن ال20 وحتى توقفها مع بداية الحرب العالمية الأولى1914، ومكانها اليوم في الفسحة الخارجية مع المطعم حيث كانت رقعة الصرح البطريركي تشتمل على كل هذه المساحة يخترقا الدرب الضيقة، وهو الطريق الواصلة إلى باب الفراديس شمالاً في العهود السابقة الذي يخترقها إضافة إلى المسجد وكان يتم الدخول إلى الصرح البطريركي من تحت المئذنة حيث ليس من طريق غيره.

أُعيد بناء دار البطريركية بعد التدمير حيث دُشنت مع المريمية عام 1868، ثم تم تجديدها أواخر القرن 19 بهمة البطريرك ملاتيوس الدوماني1899حيث قام بتجديد المقر البطريركي ورصف سقوفه وسقف المريمية بالقرميد.

القصر البطريركي

وفي عهد البطريرك الكسندروس طحان 1931-1958 قام بترميم المريمية وصب سقفها بالاسمنت بعد ان كان خشبياً، ورصفه مجدداً بالقرميد قام ببناء “القصر البطريركي” وهو اللقب الذي أطلق على القسم الجنوبي للدار البطريركية ويشكل الواجهة الحالية ببنائها الحجري الجميل وبابه الفخم بعدما أُلغي المرور من تحت المئذنة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
المتروبوليت انطونيوس بشير

المتروبوليت انطونيوس بشير

وأقيمت تحت الواجهة الجنوبية والشرقية دكاكين للاستثمار، بعدما كانت تحت البناء القديم “المطبعة البطريركية” التي كان قد أحدثها البطريرك غريغوريوس حداد عام 1908 (وكانت تقوم بطبع مجلة النعمة وبعض الكتب الطقسية، إضافة إلى مطبوعات تخدم العموم وخاصة منها مطبوعات المجمع العلمي…) إضافة إلى عدد من الدكاكين المخصصة لاستخدامات البطريركية كمستودعات واسطبل للخيول.

هذا المشروع تم في 1953 بتمويل من أبرشية أميركا ومن محسنين فيها، بتدبير من مطرانها انطونيوس بشير، وكان يشرف على مراحل البناء وبحضوره البطريرك الكسندروس الذي رد على محبيه وخوفهم عليه وخاصة بعدما كان شيخاً طاعناً في السن بقولته الشهيرة:” ان لم اكمله انا في حياتي فلن يكمله احد بعد مماتي” وكان يقف منذ طلوع الشمس مع البنائين وهو متدثر بمشلحه الصوفي الأسود في عز البرد وبقي على هذا الحال الى حين اكساء وفرش البناء وتكريسه.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
البطريرك الكسندروس طحان 1931-1958

البطريرك الكسندروس طحان 1931-1958

 لكن ولضيق ذات اليد وانتهاء التمويل لم يتم اكمال المشروع ليشمل كل الدار البطريركية، فبقي الجناحان الشرقي والغربي ويعودان الى فترة البناء بعد فتنة 1860  بعهد البطريرك ايروثيوس 1868، ومن ثم ترميم البطريرك الدوماني عام 1899، وتم احضار فسقية الماء الرخامية البيضاء البديعة من باحة مدرسة الآسية ( كانت دار الآسية دمشقية الطراز بغرفها وايواناتها ونقوشها قبل البناء الحديث الذي تم عام 1964 في عهد البطريرك ثيوذوسيوس ابورجيلي) وتركيبها في وسط صحن القصر البطريركي…

وفي عام 1994 بهمة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع اكتمل البناء بجناحيه الشرقي والغربي بتبرع المحسن السيد ميشيل مرهج المغترب في فرنسا، والذي جدد ايضاً واجهة الكاتدرائية المريمية ومحيطها على نفقته الشخصية.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
داخل الصرح البطريركي ويبدو في صدر المكان ماكان يسمى القصر البطريركي وفسقية الماء

داخل الصرح البطريركي ويبدو في صدر المكان ماكان يسمى القصر البطريركي وفسقية الماء

ولما كان التحديث يجب ان يستمر في دار البطريركية كونها مقراً لرئاسة الكرسي الأنطاكي المقدس في المشرق والانتشار العالمي، وبما يتناسب مع مكانته الروحية والحضارية، فقد تم ترميم وتحديث الصرح البطريركي مجدداً، وذلك للحاجة الماسة نتيجة عيوب في البنى التحتية للبناء بتقارير هندسية، وبتبرعات من محسنين… ووفقاً لتوجيهات غبطة ابينا البطريرك يوحنا، وتم ايضاً تحديث هيكل كاتدرائية الكرسي الأنطاكي المقدس “مريمية الشام” الانطاكية المعمدة بدم الشهيد يوسف الدمشقي ودماء الشهداء عبرالتاريخ.

”ولما حل ملء الزمان…”

” ولما حل ملء الزمان…”

تجسد كلمة الله، هو أهم حدث في تاريخ الإنسانية لا يوجد أي حدث آخر جدد الجنس البشري وطبائعه أبداً…
ميلاد يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، هو إعلان الله ذاته للإنسان وهو الدليل الأعظم على محبة الله للإنسان…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
المولد الالهي في مغارة بيت لحم

المولد الالهي في مغارة بيت لحم

بالرغم من أن الإنسان تسلم هبات عديدة من الله في بداية الخليقة إلا أنه اثبت عدم استحقاته لمحبة الله، ولم يُطع اوامره وارشاداته فكانت النتيجة هي كارثة سقوطه في الخطيئة، وبهذا سمح للموت أن يدخل إلى العالم.
منذ تلك اللحظة، أصبح الجنس البشري تحت ظلال الموت، فقط حين يؤمن الإنسان بأن يسوع المسيح له المجد هو كلمة الله المتجسد الذي جاء إلى العالم لخلاص البشر، هنا يمكنه المشاركة في الطبيعة الإلهية لله ويصبح ابناً له من خلال النعمة والتبني.
قال بولس الرسول
“فلما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.” 
(غلاطية 4: 4) جاء يسوع المسيح على أرضنا التي تنبت شوكاً وحسكاً، آخذاً جسداً بشرياً الذي هو تحت ظلال الموت…
منذ الألفين ونيف، جاء ليصل الأرض بالسماء، جاء ليعلمنا مشيئة الله بخلاصنا نحن آدم المحبوب وذريته، جاء ليفتدينا وينشر السلام على الأرض

” المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”

هذا ما قالته الملائكة صعوداً ونزولاً على السماء مبشرة بهذا الحدث المعجز الذي ساق مجوس المشرق الوثنيين من أقصى المشرق بشكل معجز، وبما يفوق الزمن ليكونوا في ليلة الاعجاز الالهي هذه شهوداً على أهم حدث غيَّر تاريخ الإنسانية، ومجدداً الجنس البشري برمته ومجددا طبائعه. وقد شاهدوا كلمة الله المتجسد طفلا، وبالأصح رأوا بالمحسوس والمشاهد، الله ذاته وهو غير المحسوس، مُعلناً وقدموا له هداياهم ذهباً وبخوراً ومراً.

شاهد المجوس هذا المجيء الأول، والأخير، للكلمة، وشاهدواإعلان الله لذاته في مذود حقير طفلاً سوياً جميل الطلة نوراني المحيا، لكنهم عرفوا بما يفوق المحسوس انه ملك الأكوان والأزمان، فقدموا له الذهب كأثمن ما يقدم للملوك. عرفوه بأنه آتٍ إلى العالم الفاني ليحييه من خلال رفع الجبلة البشرية إلى أرقى درجات السمو، وهو ما عبر عنه بولس المصطفى

“فأنكم قدستموه وتعلمتم منه على حسب الحقيقة أن تنبذوا عنكم تصرفكم السابق الإنسان العتيق الفاسد وتلبسوا الإنسان الجديد الذي خُلق على مثال الله في البروقداسة الحق.” (غلاطية 4: 21- 24)

إن مجيء السيد كان إهلاكاً لأعمال الشيطان وخديعته، رغم أن أفعال الانسان الهمجية مستمرة، وتعني أن الشيطان لايزال يعمل… وحتى يستطيع السيد إهلاك أعمال الشيطان، كان لابد له أن يكون الكاهن الأعظم لذا قدم المجوس له البخور، وكانوا في ماوراء المحسوس، قد أدركوا أنه الكاهن الأعظم الذي يفوق كهنتهم عظمة كما ورد في كتبهم لذا حجوا اليه يوم ميلاده، وقد استقرأوا عظمة فدائه كفارة لخطايا البشر بذبيحة دموية فقدموا له المر تعبيراً محسوساً عن اللا محسوس المستقبلي لآلامه وذبيحته بذبحه على الصليب.

سر تجسد الكلمة

“انساركوسيس” ενσάρκωση كلمة التجسد باليونانية هي
“ابيفانيه”εοφάνεια والظهور الإلهي هي
هاتان الكلمتان المستخدمتان في كنيستنا الأرثوذكسية تشيران إلى تجسد الاقنوم الثاني للثالوث الأقدس، “ابن الله وكلمته ليصبح ابن الله انساناً متسلماً كل الطبيعة الالهية.” (يوحنا1: 14)
منذ تلك اللحظة اتحدت الطبيعة الإلهية لابن الله واقعياً مع الطبيعة البشرية. هذا العمل الذي يفوق المدارك العقلية هو عمل الأقانيم الثلاثة للإله الواحد الحقيقي وهو الثالوث المقدس.
في التجسد، قَبِلَ الآب أن يرسل ابنه إلى العالم، نزل الابن لأسفل وتجسد، وبارك الروح القدس دائمة البتولية والدة الإله مريم مانحاً إياها القوة كي تحبل في رحمها المقدس ما يفوق أي حبل طبيعي، ولكي تعطي ميلاداً حقيقياً للإبن الوحيد الله المولود من الآب قبل كل الدهور، هي ولدته ولادة ثانية، وكانت ولادته الأولى قبل الأزل من ابيه “الكائن”، وصارت ولادته الثانية من امه “بغير زرع، وبما يفوق الطبيعة البشرية”، في ولادته الثانية من امه أُعطيَ لنا بشراً بدون أي تدخل من بشر…
في المسيح المتجسد اتحدت كلمة الله، بما يفوق المحسوس، مع الطبيعة البشرية، فالعذراء منحته وهو في احشائها من دمائنا البشرية، ولكن طبيعته البشرية لم تمنعها الطبيعة الإلهية عن الاعتلان، وظلت كلتاهما (الإلهية والبشرية) بدون تغيير تحتفظ كلٌ منها بخصائصها فيسوع كان كامل الطبيعتين الإلهية والبشرية وكامل المشيئثين الإلهية والبشرية.
التجسد في يسوع المولود في مذود كان اتحاداً بدون اختلاط فيه او تشوش، وبدون انفصال للطبيعة البشرية مع الطبيعة الإلهية في شخص واحد هو ابن الله.

لذا يقول الرب يسوع “أنا والآب واحد” معترفاً ببنوته لأبيه…ونقول في الأنديفونة
“خلصنا يا ابن الله”
عند القديس يوحنا الدمشقي: “يوجد نور واحد وفعل واحد، بسيط غير منفصل” والابن لم يكن لديه فعل مختلف عن الآب… لأنه في الثالوث المقدس يوجد جوهر واحد، محبة واحدة، قوة واحدة، مشيئة واحدة، طاقة واحدة، هو ليس اقنوم من ثلاثة أقانيم منفردة مشابه الواحد للآخر هذه الأقانيم الثلاثة التي في الله واحد شاركت في خطة خلاص الإنسان من خلال تجسد الأقنوم الثاني ابن الله، وبه أُعلن ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح، ابناً لله… وأنه أُرسل إلى العالم بواسطة الآب…”
(يوحنا4: 34). وهو ما عبر عنه الرسول بولس باكتمال الزمان وفيه بواسطة ابن الله الوحيد” لننال التبني” “فلما حان ملء الزمان ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.” (غلاطية 4: 4)
لقد لاحظ يوحنا الحبيب ذلك بقوله لنا:
“بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل

ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.”

المجوس في بابل والمشرق البعيدين جغرافيا عرفوا، وكانوا مترقبين، بوقوع هذا الحدث المعجز بولادة النجم المضيء، كما تقول كتبهم وفلسفاتهم الدينية، كيف تم ذلك؟
هل تم عبر توارد الخواطر البشرية؟ أو كما يقول البعض
“أن الأديان تستلهم من بعضها”؟؟؟
المهم أن ما عرفه حكماء المشرق بالماورائية عاشوه عياناً، ورأوه بأم العين، لقد شاهدوا
طفلاً صغيراً منيراً كالبدر مقمطاً بأقمطة بالية في مذود تُدفئه بهائمُ في ليلة قطبية…!
شاهدواأمه القروية الجميلة بلباسها الشعبي البسيط وشيخاً طاعناً في السن حارساً للطفل الإلهي، وحارساً لبتولية أمه يقفان أمامه باحترام وورع، وادركوا انه هو المقصود الذي تحدثت عنه كتبهم فترقبوه ازمنة طويلة وغذوا السير لأجله من ديارهم البعيدة، بالرغم من الفقر الشديد المحيط من المغارة الى المذود الى طفل رث الثياب وامه ويوسف، ياله من سر عجيب لا يوصف…
ولكنهم عرفوه، فهم من علماء الفلك والفراسة والتنجيم…عرفوه من الفرح الكامل المحيط في تلك الليلة الشديدة البرودة، رأوا تقاطر الرعيان وأغنامهم إلى المغارة للتبرك والتقديس كما الى حج، رأوا مالم تره عيون بشرية رأوا جنود السماء ينزلون منها الى الأرض ويصعدون اليها، والكورة كلها تتشح بالضياء لمجد الآتي فمجدوه مقتدين بجنوده…” المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”

أيها الانسان

لم تعد مسكيناً أنت، وتندب حظك على ما أخطأه أبواك آدم وحواء فنالت البشرية بخطيئتهما، ونلت أنت العقاب، لأن ابن الإنسان اتى ليفتديك في موسم فصحه الشتوي، وليعبر بك وادي الموت…
في ميلاده الذي تم في ملء الزمان وفي نهاية الأيام معيداً اياك الى الحضن الرباني.
في ميلاد ابن البشر العجائبي، ثبّت الطفل المعجز الفرح، فأحيا موات الجنس البشري وكان ميلاده الثاني هذا من أم لم تعرف رجلاً، أداة تثبيت كافة ولادات الجنس البشري المائتة منذ الطرد خارج الفردوس…
لقد ولد المواليد كافة عبر كل الزمان على رجاء وأمل، حتى ولد الرجاء الذي لا يموت ابداً.
لذا قال لنا الملاك المبشر:
“ها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.” (لو2: 10- 11)وهو بذلك لم يستثن أي من المواليد البشريين…
انها أول واخر مرة في تاريخ البشرية يبشر فيها الملاك بميلاد مخلص، وهي أول وآخر مرة يقال لنا فيها:

(“ولد لكم”، وفي مكان آخر “نوراً للأمم ومجداً”. هو حدث لم ولن يتكرر)
لأن الفداء متفرد في فرادته…
وكأن البشرية كلها كانت أماً عاقراً، او بأقصى معنى أن البشرية كانت مصابة في كل أولادها الذين تلدهم فإنهم يموتون ولا يعيشون، أو قل كانوا يولدون ليموتوا سريعاً، أي أن البشرية كانت تلد أمواتاً!!! أو تلد الموت ذاته عنصر اللعنة الأولى .”بالأوجاع تحبلين وتلدين البنين”
وقتها كان الفرح بميلاد كل انسان، فرحاً عابراً كاذباً، يكذبه نواح الموت وسواده لاحقاً… إلى أن جاء اليوم السعيد الذي شهد له التاريخ انه حقاً يوماً مشهوداً من أيام العمر، يوم “حل ملء الزمان …” ولد لنا الرجاء ميلاداً عجائبياً حقاً اشتركت فيه السماء والأرض معاً. ولد وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء وتانس.”

فحقاً كان الملاك يبشر بالفرح العظيم، فرح لن يلغيه الحزن على الموت من بعد، بل ستثبته القيامة والحياة الأبدية، فلم يعد لمجيء المسيح حزن، بل صار الموت مع المسيح وفي المسيح رجاء…
لذا ونحن مع شعاع النور القادم من مغارة بيت لحم نتذكر شهداءها وقتئذ اطفالها الأربعة عشر الفاً وكانوا شهداء “ملء الزمان” الذي استمر ليشهد استشهاد أطفال فلسطين اليوم، وفي كل يوم بيد صالبي الرب، وليشهد في العموم استشهاد كل شهيد يسقط في مشرقنا المتقدس بشمس العدل عامة وفي الخصوص استشهاد ابناءسورية الحبيبة والعراق ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا واليمن بغدر من يدعون الاحتفال بعيد مولد رب السلام، ومن التكفيريين الذين يكرهون هذا الاحتفال والسلام وحتى ذواتهم… فقد تلاقت رغباتهم وامعنوا في ذبح المشرق أرض ولادة رب السلام يسوع المولود الالهي ووطنه الأرضي سورية الواحدة…

نقول للشهداء الأطهار
صار الموت مع المسيح وفي مشرقه وفي سورية وطنه… صار فرحاً، فرحاً باستشهادهم مع غصات ودموع بشرية على كل شهيد في المسيح سقط عبر تاريخنا المسيحي المليء بالدماء وفي وطننا سورية المعمدة بالدماء و الصامدة بالرجاء في آنٍ معاً… لأن بعد الصلب يأتي الموت، وبعده تكون القيامة والحياة التي لا تفنى…

عندما نعيد لميلاد ابن الله الكلمة المتجسد فنحن نعيد للشهداء لأنه يوم ميلادهم العظيم هذا.
عندها يحل ملء الزمان من جديد…


خربشات سياسية…حين تذهب سورية الى الهاوية يذهب الكل الى الهاوية…


خربشات سياسية حين تذهب سورية الى الهاوية يذهب الكل الى الهاوية…


لا ريب ان هناك المليارات التي دفعت من اجل اجتثاث الدولة في سورية واقامة نظام تابع لهذا البلاط أو ذاك…

كيف تم ذلك؟

لا ريب ان اجهزة الاستخبارات التي باتتت معروفة جداً بذلت جهوداً هائلة لاستقطاب المرتزقة، والمجانين، والمهمشين، والشتات لغايات جيوسياسية او لاستعادة امبراطوريات لم يعد لها موطئ قدم في القرن21..

اكيد هي ليست مخلوقات فضائية نزلت بمركبات الفضاء، كما قال يوماً انيس منصور عن قدماء المصريين في كتابيه:” الذين نزلوا من السماء”، و”الذين عادوا الى السماء”، وكتابه:” لعنة الفراعنة “، اوتسللت من وراءالتاريخ، اومن قعر التاريخ ، بغفلة من الله، من مكان ما في الغيب؟؟؟ وأكيد انها ليست هي قبائل يا جوج وماجوج وقد تسللت بدورها من مكان ما في الزمن او حتى من مكان ما في الخرافة؟

هل يعقل قول وزير الدفاع الاميركي “ان قواته قتلت 50 الفاً من داعش” وقول وزير الدفاع الروسي “ان قواته قتلت 35 الف داعشي”؟. ويستمر داعش بكل تلك القوة فيسترجع تدمر وحقول النفط والغاز في بادية حمص الشرقية وهو يقاتل في كل مكان في العراق وسورية حتى الجنوب عند محافظة السويداء.

باحثون دوليون في التاريخ، وفي الاستراتيجيا، يسألون كيف لذلك الرجل الغامض (ابو بكر البغدادي)، وبتلك الايديولوجيا الملتبسة بل المجنونة، ان يستقطب مئات الاف المقاتلين من اصقاع الدنيا ويذروهم في سورية والعراق؟ ومن اين بكل ذلك التسليح ومن موله وبكم؟؟؟
هذا كله لا يفسر سبب ذلك الزلزال البشري الذي شاهدناه في سوريةعلى امتداد السنوات الست المنصرمة، وكيف لهذه الدولة الصغيرة وجيشها المتناسب مع امكانياتها البشرية والمادية ان يصمد، في حين ان الاعلام المعادي لسورية الاقليمي والعالمي المرئي والمكتوب والمسموع، مازال يراوح عند تلك النقطة في الحديث عن وحشية “النظام السوري الذي يقتل شعبه” ورئيسه الاسد “الديكتاتور” و”القصف بالبراميل” (متناسين ماقامت به عصابة الحرفي نيسان 2011 من ذبح العسكريين في ادلب وفي درعا…وكانت فورتهم بدأت في 13 آذار 2011.)

من دون ان تنظر في المشهد برمته، وحيث عشرات الالاف الذين تم استجلابهم من كل بقاع العالم حتى من جزرالماو ماو، ومن ثم توزيعهم من ريف درعا الى ريف دير الزور، ومن ريف حمص الى ريف دمشق، ومن ريف حلب الى ريف اللاذقية… وعلى امتداد الجغرافيا السورية، مستغلين تلك الحدود المترامية مع الاردن وفلسطين المحتلة من الجنوب ولبنان من الغرب والعراق من الشرق والطامة الكبرى اي تركيا من الشمال، وتركيا معروف غدرها بشواهد التاريخ البعيد والقريب…وكان التسليح بكل شيء الا الطائرات القاذفة والمقاتلة في حين تبين ان في تسليحهم طائرات الاستطلاع التي تتولى اصطياد الكوادر…ومتعوا داعش بشبكة مخيفة من الاتصالات تربطه مع فلسطين المحتلة وغرفة عمليات الموك في الاردن ومثلها في الاسكندرون وغازي عينتاب…في تركيا…!والمخفي أعظم…
الخطة كانت هائلة، تفجير عشرات بل مئات الجبهات امام الجيش السوري الذي كان يعاني من ثغرات بنيوية كثيرة، وبالرغم من ذلك كانت حالات الانشقاق محدودة، والاكثر اثارة هو ان اجهزة الاستخبارات التي قدمت اغراءات مذهلة لم تتمكن من تحقيق انشقاقات في السلك الديبلوماسي السوري فأكملت تلك المنظومة المعادية بالقيام  بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بما في ذلك معظم الاعراب، عندها لم يعد ثمة فاعلية لكل الخط الدبلوماسي السوري وفق تدبيرهم.
في البداية لم يكن هناك من يقاوم سوى الجيش السوري ثم انضم اليه حزب الله كموقف وفيّ منه وامينه العام السيد حسن نصر الله والقوميين السوريين عاشقي سورية الكبرى الواحدة…اغتيل وزير الدفاع ونائب رئيس الاركان وعدد من القادة الأمنيين ومطور سلاح الصواريخ السوري اللواء نبيل زغيب وعائلته، وتم تدمير الطائرات في مطاراتها وانظمة الصواريخ، وشاركت اسرائيل بقصف المراكز العسكرية بقنبلة نووية صغيرة ليلة الفصح عام 2014 في منطقة الديماس الأمر الذي لايمكن نسيانه…

 وصمدت سورية،  حين كان الخليفة الانكشاري، وبلهجة الباب العالي، وبمعطيات وضعها امامه رئيس جهاز استخباراته حقان، يعطي بشار الاسد اسبوعاً او اسبوعين للرحيل…
حتماً ليست عبقرية هذا الخليفة الانكشاري والعثماني الاخونجي، بل هي اموال اسطورية انفقت من بلاط ملوك وامراء ومشايخ عربان تستحم بالذهب الأسود، تصيخ السمع وتخضع بالطاعة للصهيونية ولأميركا الضامنة لهم (للعربان) بالبقاء على عروشهم والتنعم بالذهب الاسود، وببلاين الدولارات وقمار وجنس لاس فيغاس وموناكو الأبيض، والسيارات واليخوت… وهي ايضاً جهود اسطورية بذلت، من اجل ازاحة رأس الدولة السورية حتى تدمير الهيكلية البنوية للدولة وللجيش وللقوى الأمنية… ودون ان يتنبه هؤلاء العربان الذين غلب عليهم كالعادة المتأصلة منطق القبيلة والغزو… ومعهم  الشيشان والداغستان والايغور الصينيين والتركمان والتركستان بقيادة قرد الزمان الخليفة  الانكشاري صاحب منطق  استرجاع السلطنة البائدة ليدخل دمشق على فرسه ويصلي في الجامع الأموي… وبنو صهيون المخططون لامتلاك الكون وفق نبؤات التلمود وتفتيت سورية ليبتلعوها فكفاهم لاءاتها وانبطاح جميع العربان إلاها…دون ان ينتبهوا جميعهم الى مدى الحساسية الجيوستراتيجية لسورية في المعادلات او في التوازنات الاقليمية  (والآن وقبل الآن) الدولية، ناهيك عن قواعد الاشتباك وامساكها بخيوط اللعبة الاستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط.
الان، يحكى عن التراجيديا البشرية وذرف دموع التماسيح في الدول الاستعمارية القديمة  ومجلس الأمن وهيئة الامم المتحدة والمنظمات التابعة وجامعة العربان، الوسخة كوساختهم، والمحافل التي تضم كل الدول المشاركة في ذبح سورية، وهي قرابة المائة دولة، وهم يلهثون وراء اميركا لتنجدهم… في حلب، حتماً التباكي ليس على الناس، وهناك ست سنوات من المآسي على انواعها التي لاتوصف  وكل مالا يخطر ببال الشياطين (ومنها الجهاد بالأطفال كما حصل في قسم شرطة الميدان بدمشق الاسبوع الماضي) والآن تلويث مياه الفيجة بدمشق لتعطيش سبعة ملايين ثم تفجير كيان النبع بمرافقه الثلاثة، وضرب الاسلحة الكيميائية في كل الارجاء السورية، وليس التباكي على الموقع الاستراتيجي، وانما لأن تحرير حلب احدث تغييرات دراماتيكيا في قواعد اللعبة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
شهداء الجيش السوري وقسم الثأر

شهداء الجيش السوري وقسم الثأر

ها هم الاتراك يلتقون مع الروس والايرانيين، والتهيئة في لقاء الاستانة المرتقب والممهد للقاء الفصل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب بعد 20 كانون الثاني المقبل حول الخارطة (الجيوستراتيجية)، او حول المعمارية الاستراتيجية الجديدة للشرق الاوسط ،وترامب الطامح لتشليح الخليج امواله… (وحتى العراق)مقابل حماية اميركا للحكام، كما يصرح دوماً في تجمعات انصاره…
الحديث عن تحولات مثيرة في المشهد الدولي والاقليمي، لا مجال للتكهن بالتفاصيل، وان كان الكلام عن الصفقات التي يغيب عنها العرب (بعد كل تلك الرهانات والمليارات…)

اين هم العرب في لقاء موسكو؟ اين هم في لقاء كازخستان المنشود؟ لا عرب…حتى ونحن السوريون لا وجود لنا ونحن المذبوحين وأصحاب الشأن وإن كان الروس والايرانيون يقومون بما يجب علينا القيام ان نقوم به لمصلحتنا، ولكن “انا قبل أخي واخي قبل ابن عمي…” اليس هذا هو منطق الامور…؟
لذا متى لم نكن الحطب البشري في لعبة الامم؟
اولئك الذين يصرخون، ويستصرخون، من اجل حلب. الكتبة، الكذبة، الذين ينفخون في الابواق، وينفخون في الجمر، وينفخون في الرماد. كما كان كتبة بني اسرائيل ضد يسوع…اولئك هم قهرمانات الانظمة التي وضعتنا في قاع الزمن، في قاع الجحيم…

ان جثثنا لم تعد تعني شيئاً لا للاميركيين، ولا لغير الاميركيين، ولو أُبدنا جميعاً وتم رصف جثث الملايين منا المذبوحين في الشوارع كلها، كما فعل داعش وسواه من آكلي قلوب الجنود نيئة ورؤوس الضباط الطيارين مشوية على المناقل…لم تتحرك لهم عين ولا رمش…لا أحد يعيرنا التفاتاً والا لكانت لربما تحركت بعض انسانيتهم لأجل اطفال فلسطين الشهداء واصحاب الأمعاء الخاوية من المناضلين الفلسطينيين…

من نحن في ديموغرافيا العالم… نحن مجرد حطب للتشعيل في افران مصالحهم…

لا احد منا ومن الاشراف من امثالنا من بقية الشعوب وحكوماتها، الا واهتزت عظامه من اجل ما ذكرت من المنكرات،…الجنود المذبوحين في مستشفى الكندي والمطارات العسكرية التي تم اجتياحها وفي ذبح الجنود كالماشية ونحرهم على معبد بل في تدمر…وفي غرب  حلب وبأهل حلبوفي مدارس وجامعات العاصمة وحمص واللاذقية ودير الزور والحسكة…

كان الدخول الى السوق القديم في حلب يعني الدخول الى الزمن الجميل…اينه الآن بعدما صار كله ركاماً وتلالاًمن الركام تنعق فيها الغربان، ومن تبقى من اصحابها المقرفصين على تلالها يبكونها، وينتظرون ساعة الفرج وبدء الاعمار للعودة…
هكذا كان يفترض بالدولة السورية وجيشها والحلفاء ان يتركوا عصابات الحر ومايسمى جيش الفتح، وجبهة النصرة، واحرار الشام، والسلطان مراد، وجماعة الزنكي، والاسلامي التركستاني… وكل المرتزقة الآتين من اربع جهات الدنيا، يرتعون في الاحياء الشرقية من المدينة، ويفرضون ثقافة تورا بورا بين الناس، ويزرعون في عيون الاطفال صور اللحى والاسنان، التي تقشعر لها الابدان والارواح…
شاهدنا وجوههم على الشاشات التي تهلل لهم. هل هذه وجوه بشرية حقا؟ ومتى كانت وجوه الذئاب والضباع (والتماسيح) وجوه بشرية؟
نعلم تماماً كيف كانت حلب قبل ان يدخل اليها، تسللاً، المغول الجدد. لكأنها الفردوس الاقتصادي والصناعي السوري والمشرقي. لا وجود لحرفي عاطل عن العمل. وكان المستثمرون الاوروبيون يتهافتون على المدينة التي كانت مصانعها من اكثر المصانع تطوراً في العالم. هناك نمور سورية ( كما اسماهم الغرب الاقتصادي وصحيفة الفايننشال تايمز كمثال) الذين لا يقلون ابداعاً (وانتاجا) عن نمور آسية بمدنهم الصناعية الاولى في الشرق الاوسط. طبعاً كلها وضعها هؤلاء الهمج في تصرف القرد اوغان لص حلب وسارقها، كما سارق كل شيء من خيرات سورية الشمالية والوسطى…لأنه لايريد ان تتفوق سورية عليه بمعاملها ونتذكر ماحملته الشاحنات العملاقة منقبل  هذه العصابات التي يتباكون عليها بوصفها معارضة معتدلة، من معامل حلب ومحطات التوليد فيها حتى أصغر برغي فيها… وزيت محركاتها وماء مبرداتها…
هذا المأفون الذي يتحدث عن حقوق الانسان في حلب وكأنه المخلص المنتظر، لأنه فشل في ادعائه بأنها والموصل له…ومن املاك دولته الباغية المتخلفة… التي جردته منها الاتفاقيات المبنية مع الحلفاء الأعداء لنا كسايكس بيكو وسيفر، وهو كان يريدها ككيليكيا وديار بكر ولواء الاسكندرون…
يتحدثون عن العدالة…!!! اية عدالة؟

Image may be NSFW.
Clik here to view.
العلم الوطني السوري

العلم الوطني السوري

من هي الدولة العربية والاقليمية التي تؤازر هؤلاء المواطنين، وفيها الحد الادنى من العدالة قبل كرامة مواطنيها، الحد الادنى من الهواء، الحد الادنى من الانسان. اكيد السعودية… وتركيا…
جثثنا نحن… جثث السوريين الفقراء /التي لا تعني احداً/ هي التي تسقط، وهي التي تذروها الرياح.
بحثاً عن تلك اللحظة الميتولوجية، اللحظة الفلسفية، اللحظة الالهية فينا…

ونقول ان الحرب في سورية يجب ان تتوقف لأنها محرقة سورية والسوريين،  واذا كان لابد من البكاء فيجب البكاء على سورية الحضارة والتاريخ، وعشرة آلاف سنة من التاريخ العظيم واسمها لمن لايعرف اي سورية في الفينيقية ومشتقاتها تعني الشمس…

سورية ابحرت على مراكب الفينيقيين فأقامت قرطاج ومدن اسبانيا… ووصلت قبل كريستوف كولومبوس الى مصب الأمازون (البرازيل اليوم) بألف سنة ووثقت بأبجدية اوغاريت وصولها على حجرمسطح هناك…

ان كان لابد من البكاء فيجب علينا جميعاً البكاء على كل الشهداء المظلومين، وعلى كل اطفال المدارس وشبان الجامعات، وحتى عمال النظافة والطوارىء والكهرباء والنقل وخطوط النفط والدفاع المدني والاسعاف… والاطفاء الشهداء، على اطفال وشبان باتوا معوقين جسدساً ونفسياً،نبكي على اجيال ستبقى تستذكرما حصل لها من مآسي… وتبكي قلوبنا وأعيننا كل المدن والأرياف الجميلة الوادعة التي لم تحمل غلاً ولا زيفاً، ونبكي كل الاشجار، وكل المنازل، وكل جمالية سورية من بحرها الى باديتها ومن شمالها الى جنوبها…

نبكي سورية يوم كنا كشافة فتية وشباب نسوح على اقدامنا فيها ونخيم فيها فنكتشف في كل ثنية من ترابها واكماتها  وتحت كل حجر فيهاعزاً وعزة سورية…الآن جعلونا كلنا عراة. وكلنا ضحايا…حتى من باع نفسه وخان هو ضحية العبودية للمال وللدولار والذهب الاسود والعمالة المرذولة حتى عند الاعداء المستفيدين منها ومن العملاء الخونة…

انظروا الضحايا من المدنيين والعسكريين الذين اعدموهم منذ ايام قبل خروجهم من حلب، وكانوا رهائن عندهم، وانكروا ان عندهم رهائن…! لقد تم اعدامهم وفيهم نساء واطفال ومائة عسكري من ابناء الوطن الفقراء ونكلوا بهم وباعوا اعضاء بعضهم الى اكبر عصابات الاتجار بقطع الغيار البشرية والقاعدة تركيا، وخرجوا الى مكان آخر لينضموا مجدداً الى قبائلهم في قتال الوطن في ادلب وسواها…
ولكن قطعاً ما بعد حلب ليس كما قبلها، ولكن يجب ان نقتنع كلنا بان لعبة الامم ينبغي ان تتوقف هنا.

في كل الاحوال ثمة لحظة استراتيجية تكرست بنصرنا في حلب. سورية هي التي انتصرت لتبقى سورية، لان سقوط حلب في يد قهرمانات السلطان الانكشاري، كان يعني سقوط الدولة في سورية. هذا هو منطق الاشياء، هو منطق التاريخ، مثلما هو منطق الجغرافيا، وان كان يسعى لضم عصابة الحر الى عزمه على تحرير الرقة ليجعل لمطيته هذه موطئاً لقدم تساوم او يساوم من خلالها الدولة السورية، ويسعى لحزام عازل في الشمال بعد اسقاطه الباب ومنبج… وحظر الطيران في المنطقةبالتعاون مع ترامب، مع قيام اميركا اوباما  بتزويد عصابات المعارضة (التي اسمتها معتدلة والتي يتباكون عليها واكيد ستتحرك بعض  ضمائرهم الميتة لما يرون مجازرها المرتكبة حين خروجها من حلب بين الابرياء من مدنيين وعسكريين، لربما)، ستزودهم بسلاح مضاد للطائرات بقصد اضرار روسيا وطيرانه في الاجواء السورية…
ولكن الان بات لدينا امل، واستمراررهاننا على الدولة وجيشها الحبيب وحلفائه… وسننتصر، فقط لان قناعتنا حين تذهب سورية الى الهاوية يذهب الكل  معهاالى الهاوية…


مثلث الرحمات المطران اثناسيوس (صليبا)


مثلث الرحمات المطران اثناسيوس (صليبا)
بعض من شهادتي به

هو خال المطران الياس ( كفوري) متروبوليت صور وصيدا وتوابعهما
من ذا الذي لايتذكر هذا الاسقف المتواضع، النظيف جداً والمرتب في لباسه واناقته، وكان ربما اول مطران يقود سيارته بنفسه بدون سائق في دمشق، اذ كان هذا الامر مستهجناً القيام به من قبل رئيس كهنة في دمشق وربما غيرها… ولكن عادته هذه استمر عليها منذ كهنوته في ابرشية اميركا… وكم تعرض للانتقادات…
كان شديد التقيد بالأصول والليتورجيا والقوانين الكنسية الأرثوذكسية…حتى ان الكثيرين من المتحاملين عليه من ابناء كنيستنا قبل الكنائس الأخرى تناولوه بالتجريح لمواقفه النقية الايمانية الارثوذكسية.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
صورته في آخر عمره

صورته في آخر عمره

– كان رئيس ديوان البطريركية وقبل بدء دوامه صباحا في الساعة التاسعة يومياً كان ينزل في كل يوم باكراً (عدا يومي الجمعة والأحد بسبب الخدم الالهية) وهو بلباس الجنيناتي الأفارول والقبعة الفلين، ينزل الى حديقة البطريركية والحديقة المحيطة بالمريمية، ويقلم اشجارهما، ويُعَّشِّبْ الارض، وينزل الطعوم بيديه، ويجني الخضار الباكورية التي بذرها وتعهدها بيديه لصالح مطبخ البطريركية، والنارنج والكباد والليمون البلدي، ويرتب المسالك خاصة في الحديقة المحيطة بالمريمية، وقد صارت هاتان الحديقتان في عهده، وبأتعابه، بالرغم من صغرهما، فسحة للناظرين.
– ذات مرة (وهذه ايضاً معروفة عنه) جاء اليه تاجر بحاجة ما مرسلاً من صديق للمطران، وكان شيخاً ملتحياً، وكان لايعرفه، فسأل عنه في الاستعلامات فدلوه عليه انه في الحديقة داخلاً…
كان المطران في الجنينة وحده يعمل وكأنه البستاني وبيده مقص التقليم، ولم يفطن السائل انه هو المقصود لأنه لايعرفه، وأكيد لم يخطر بباله ان مطراناً متقدماً في السن يعمل في الحديقة، فسأله عن المطران اثناسيوس، فأجابه المطران: “اذهب الى غرفة الانتظار وسيأتيك بعد قليل…”
وبعد قليل اتاه الى غرفة الانتظار، بعد ان استحم، وارتدى لباسه الكهنوتي القنباز والسكوفا على رأسه والأيقونة على صدره، وكان لون قنبازه أبيضاً ووجهه يلمع كالبدر بالرغم من تقدمه في السن، فكانت مفاجئة صاعقة للشيخ عقدت لسانه فسَّلمَ المطران عليه مبتسماً وقد لاحظ اندهاشه، فقال له قاصده الزائر: “الم تكن انت يامحترم الجنيناتي” ؟ فضحك المطران ضحكته الرنانة وهي كضحكة حبيبنا المطران الياس كفوري ابن اخته واجابه بالايجاب… وقضى له الحاجة المطلوبة، وشَّيعه الى باب مكتبه، وهما يضحكان من القلب. وكنت ماراً وقتها فاستلفتني هذا الموقف وسالته بعد ان اخذت بركته، فحكى لي رحمه الله القصة مع التاجر الشيخ الملتحي، وهو يضحك وعيناه مغرورقتان بالدموع من شدة الضحك.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الجثمان مسجى في كنيسة البلدة

الجثمان مسجى في كنيسة البلدة

– من ذا الذي لايتذكر جهاد هذا الكاهن في ابرشية اميركا الشمالية التي خولته اسقفاً مساعداً لمثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع بعدما اختاره المجمع الانطاكي المقدس عام 1979… وتمت رسامته في مطلع 1980 في مريمية الشام، فسلمه لمناقبيه ودقته مسؤولية رئاسة الديوان البطريركي، وكانت من مهامه ادارة اوقاف البطريركية، فضبط مالية المكتب البطريركي الضعيفة، وزادها بجهوده في تحصيل واردات الاوقاف الضعيفة اصلاً نظراً لأجورها القليلة، وتنمية هذه الاوقاف والسعي لاستبدال بعضها العديمة الريعية، او القليلة الريعية بأوقاف بديلة تدر ريعية أكبر.
ثم سلمه بعد سنتين اي في العام 1982 رئاسة دير سيدة البلمند البطريركي، فأنعش موات اراضي وبساتين الدير واعاده كما كان دوماً ممولاً لذاته، وضع خططاً لمناحل وانشطة زراعية تعتمد الحرفة لاظهارها ولكن لم يكن من تمويل لها، وقد مولها من ماله الشخصي الذي كان قد جناه في عمره وخدمته في اميركا، وبإذن البطريرك اغناطيوس الرابع خطياً وموافقته، وأن له الحق باسترداد ديونه وفق الاصول (ان رغب)( وفق نص موافقة غبطته الخطي)… ولولا قليل ما قبل استقالته، لكان قد شق طريقاً مباشر من الدير الى الطريق الساحلي ثم الساحل المقابل للدير، وأقام هناك مرفأ صغيراً للدير من اجل تسويق وتصدير انتاج ارضه الى الاسواق اللبنانية كما كان يخطط…

وفاته
عاش بقية حياته في هدوء ببلدته، يقوم بخدمة القداس الالهي في الآحاد والاعياد وبقية المناسبات، وكان حقاً بركة لبلدته ولمنطقة ضهور الشوير التي تعتز به الى حين انتقاله الى الأخدار السماوية في ثلاثاء الميلاد المجيد في 27 كانون الأول 2016 فنعاه غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر ببيان صادر عن الدار البطريركية بدمشق.

واحتُفل بجنازته في كنيسة بلدته كما لاق بهذا المجاهد…

وكان غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر قد كلف بصلاة الجنازة وتمثيله فيها سيادة المتروبوليت الياس ( كفوري) راعي ابرشية صور وصيدا وتوابعهماكونه ابن شقيقة الفقيد الكبير، وسيادة الاسقف كوستا كيال رئيس دير النبي الياس شويا البطريركي بترؤس صلاة الجنازة.وتمت الجنازة بحضور حاشد من الكهنة على الجثمان المسجى في نرثكس الكنيسة منذ يوم الوفاة وبحضور حاشد من اهل البلدة والمنطقة وبعد الصلاة ابنه سيادة المتروبوليت الياس باسم غبطته بكلمة ولا اروع عدد فيها مآثره…ونقل في مستهلها وختامها تعزية جميلة للعائلة وللكنيسة وللكرسي الانطاكي.

ثم حمل النعش على اكتاف الكهنة حيث ووري في مدفن خاص تحت الكنيسة…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ممثل غبطة البطريرك يوحنا العاشر المطران الياس كفوري في كلمة التأبين بختام الجنازة

ممثل غبطة البطريرك يوحنا العاشر المطران الياس كفوري في كلمة التأبين بختام الجنازة

السيرة الذاتية
– ولد الأسقف أثناسيوس (أديب صليبا) في 26/2/1920 في قرية أبو ميزان،والده عازار ووالدته تاج عبد النور.
– دخل بخدمة دير النبي إلياس شويا البطريركي عام 1937 في منطقته، ورسمه البطريرك ألكسندروس مبتدئا في 20/7/1938 ودرس في مدارس البلمند والآسية بدمشق والكلية الأرثوذكسية في حمص.
· – رسم شماساً عام 1946 على يد مثلث الرحمات المطران ألكسندروس جحا مطران حمص.
· – سافر في السنة التالية إلى باريس ليدرس في “معهد القديس سرجيوس اللاهوتي الأرثوذكسي” التابع للكنيسة الروسية خارج الحدود.
· – في عام 1951 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة التحصيل العلمي في الفلسفة والأدب الأمريكي.
· – رسم كاهناً فأرشمندريتاً على يد المثلث الرحمات المطران أنطونيوس بشير مطران نيويورك وسائر أمريكا الشمالية سنة 1956وصار كاهناً لإحدى الرعايا في تلك الأبرشية. 

· – انتخب عام 1979 أسقفاً على يبرود معاوناً لغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع مع المثلثي الرحمات الأسقفين استفانوس حداد، وبولس بندلي (الذي انتخب لاحقاً مطراناً على عكار)
– تمت الرسامةالأسقفية في 10/2/1980 وصار رئيس الديوان البطريركي
– عين رئيساً على دير سيدة البلمند البطريركي من 22/11/1982 حتى سنة 1991 حتى تقاعده حيث امضى بقية حياته في بيته ببلدته.

مؤلفاته
– رفيق الأرثوذكسي
– الكنيسة الارثوذكسية الأنطاكية

– دير سيدة البلمند

الخاتمة

 هذا الجهاد الصامت مع الوداعة يستوجب وقفة احترام وذكر لمآثره…

لذلك فإن غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر( كما هي عادته دوما) قد كرمه قبل هنيهة، وجبر خاطره بزيارة وتكريم في بيته ببلدته مؤخراً…
 المسيح قام ايها السيد المتواضع والمجاهد هناك معه انت اليوم وذكرك باق ومؤبد الى الأبد يا خادم الرب الأمين وقد كنت اميناً على القليل فأقامك على الكثير ادخل الى فرح ربك مسروراً، يكفي انك ارتقيت اليه في فترة ميلاده طفلاً لتكون مع الابرار مسبحين اياه في الفردوس.

مع المسيح هناك افضل…

القديس البار سيرافيم ساروفسكي الحامل الإله

نشأته

ميلاده كان يوم التاسع عشر من تموز سنة 1759م في بلدة كورسك في روسيا الوسطى. كان أبوه، إيزيدوروس، الذي كان يعمل بناءً رقد، وكان قديسنا في السنة الأولى من عمره.

أما أمه، أغاثا فكانت امرأة طيّبة قويّة النفس معروفة بحبها للمرضى و الأيتام و الأرامل و عنايتها بهم. محبّة أمّه للناس أثّرت في نفسه أيّما تأثير، فلما كبر أبدى من التفاني في خدمة المرضى والمضنوكين ما كان في خط أمه و يزيد.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ايقونة القديس سيرافيم

ايقونة القديس سيرافيم

 الطفل سيرافيم، الذي كان اسمه يومذاك بروخوروس، هو ثالث الأولاد في الأسرة بعد أخ و أخت. ‏عندما بلغ بروخوروس العاشرة من عمره مرض مرضاً خطيراًًً. وفيما ظن من حوله أنه مشرف على الموت تعافى. وقد أخبر أمّه، فيما بعد، أن والدة الإله أتت إليه في رؤيا ووعدته بأن تشفيه. مذ ذاك نمت بين والدة الإله و بينه علاقة مميّزة. ‏عندما بلغ السابعة عشرة من العمر اشتغل في التجارة مع أخيه ألكسي، لكن التجارة لم تستهوه بحال. كان عقله في الإلهيات أبداً. وما فهم البيع والشراء ورأس المال والدين إلا إشارات و رموزاً للحقائق الروحية. وقد مالت نفسه إلى الحياة الرهبانية فسافر واثنين من أصحابه إلى كييف. هناك سمع من فم أحد الآباء الشيوخ كلمة اعتمدها، والكلمة كانت: “سوف تذهب إلى ساروف، يا ولدي. هناك تكون نهاية حجِّك الأرضيوالروح القدس يهديك و يسكن فيك“. مذ ذاك سلك بروخوروس طريق ساروف. وكانت ساروف على بعد ثلاثمائة كيلومتر من كورسك.

راهباً مبتدئاً

انضم بروخوروس إلى دير ساروف الكبير، و هو في التاسعة عشرة من عمره. كان قوي البنية، تبدو عليه علامات الذكاء و الحيوية. عيناه زرقاوان. وروحه فرحة مرحة. سلك في الطاعة والتواضع وصلاة القلب والأصول الرهبانية ككل الرهبان. عمل في الدير خبّازاً و عمل نجّاراً. جمع بين العمل و صلاة يسوع. واعتاد أن يقول فيما بعد: “كل الفن هناك! فسواء جئت أم ذهبت، كنت جالساً أم واقفاً أم في الكنيسة، لتخرجْ هذه الصلاة من بين شفتيك: أيها الرب يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ. فإذا استقرّت هذه الصلاة في قلبك، وجدت سلاماً داخلياً و خفراً في النفس والجسد“. هذه الكلمات كانت نتاج الخبرة لديه.

لاحظ رؤساء بروخوروس صبره و احتماله وحميّته في الخدم الليتورجية فجعلوه قارئاً. وكان محباً لكتب الآباء. نُمي عنه أنه درس مؤلّف القديس باسيليوس الكبير عن الخلق في ستة أيام، وكذلك مقالات القديس مكاريوس، وسلّم الفضائل للقديس يوحنا السلّمي وغيرها من كتابات الآباء النسّاك، إضافة إلى الكتاب المقدس الذي اعتاد أن يسمِّيه زوّادة النفس، وكان يقرأه، لاسيما العهد الجديد منه، واقفاً أمام الإيقونات. كان بروخوروس، أول الأمر، يقسو على نفسه قسوة شديدة، يسهر كثيراً ولا يأكل إلا قليلاً. وقد سبّب له ذلك أوجاعاً حادة في الرأس ووقع في المرض. لذلك أخذ ينصح المبتدئين، فيما بعد، بعدم التقسّي الشديد في النسك، أن يناموا خمس أو ست ساعات، ويرتاحوا قليلاً أثناء النهار إذ ليست الإماتة موجهة للجسد بل للأهواء. الجسد يجب أن يكون عشير النفس ومساعدها في عمل الكمال، وإلا فإن الجسد المُضنى يُضعف النفس، هذا ولم يسترد بروخوروس عافيته إلا بعد ثلاث سنوات وبعدما ظهرت له والدة الإله، من جديد، برفقة القديسين بطرس ويوحنا، وقالت لهما عنه: “هذا واحد منا”

لبس بروخوروس الإسكيم الرهباني وهو في السابعة والعشرين من عمره. من ذلك اليوم صار اسمه سيرافيم…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ظهرت للقديس العذراء 12 مرة

ظهرت للقديس العذراء 12 مرة

شماساً

تشمّس سيرافيم سبع سنوات عرف خلالها الاكتئاب لقصوره عن تسبيح الله كالملائكة على الدوام. و قد أُعطي أن يعاين الملائكة يشتركون في خدمة الهيكل و الكهنة و الشمامسة، وسمعهم يرنّمون ترانيم سماوية لا مثيل لها بين الناس. قال في نشوتي، التي لم يكن يعكرها شيء، كنت أنسى كل شيء. لم أكن واعياً أني على الأرض. أذكر فقط أني دخلت الكنيسة وخرجت منها. أما الوقت الذي أمضيته في خدمة هيكل الرب فكان خفيفاً رقيقاً رائعاً ذاب قلبي كالشمع في وهج ذاك الفرح الذي لا يدانى“. و قد عاين سيرافيم الرب يسوع مرة و كان يشمِّس فتسمّر في موضعه إلى أن خرج شمّاسان و حملاه إلى الداخل حملاً.

كاهناً

رٌسم القديس سرافيم كاهناً وهو في سن الثلاثين، فصار يقيم الذبيحة الإلهية كل يوم. وقد منّ عليه الرب الإله بمواهب الشفاء و طرد الأرواح الشرّيرة، و البشارة بكلمة الله. كما اعتاد أن يحثّ المؤمنين على المناولة المتواترة. لكنه كان يعرف أن للمناولة أكثر من قناة. قال مرة لأرملة مات زوجها و لم يتسنّ له أن ينال القدسات: “لا تخافي على خلاصه، يا فرحي، لأنه يحدث أحياناً أن تحول ظروف قاهرة دون مناولة إنسان ما: فمثل هذا يمكن أن يحظى بالقدسات، بحال غير منظورة، من يد ملاك الرب“. ‏بعد سنة من ذلك، سمح له رؤساؤه بمغادرة الدير و العيش ناسكاً على بعد ‏حوالي ستة كيلومترات من الدير في الغابة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
القديس في الغابة يصلي بجانب منسكه

القديس في الغابة يصلي بجانب منسكه

ناسكاً

كان القديس سيرافيم قد شاخ قبل أوانه. كما كان المرض و الإمساك قد أضنياه، وكانت رجلاه منتفختين متقرّحتين. لهذا سمح له رؤساؤه بالعزلة. اعتاد أ‏ن يقرأ الأناجيل كمن يطلب أن يشترك في خبرة أحداثها. لهذا السبب أطلق على عدد من الأمكنة في محيطه أسماء كتابية، و أخذ يقرأ في كل منها الفصول التي تناسبها. فهنا الناصرة و هناك بيت لحم و هنالك قمة ثابور و الجسمانية. ‏كان لا يذهب إلى الدير إلا في آخر الأسبوع، و لا يحمل معه إلا القليل من الخبز عائداً. و قد كان له شركاء في طعامه: حيوانات البرّية التي صارت له عشيرة أليفة. فمن المعروف مثلاً أن دباً كان يأتيه كالحملان ليأكل من يده. وقد اعتاد أن يعمل قليلاً في الأرض ويرتل أثناء العمل. وكثيراً ما كان يحدث أن يُخطف بالروح و هو يرنم.

وفي عودة القديس إلى الدير، في الآحاد والأعياد، كان الرهبان يتحلّقون حوله ويصغون إليه و هو يحدثهم عن الله: “بمقدار ما تدفئ محبة الرب قلب الإنسان، بنفس المقدار يجد المرء، في اسم الرب يسوع، حلاوة و سلاماً“.

اعتاد الرهبان انتظاره في مجيئه إليهم، و البهائم في عودته إلى منسكه. كانت الحيوانات و العصافير و الزحّافات تجتمع أمام بابه تنتظر طعامها. مرة سأل الشمّاس ألكسندروس القديس سيرافيم كيف يتمكن من إطعام هذا الجمع من الحيوانات فأجابه: لا أعرف كيف، أعرف فقط أني كلما مددت يدي إلى كيسي وجدت فيه ما ألقيه إليها. كان منسكه أجرد. حتى السرير لم يكن موفوراً، لأن سيرافيم كان يستلقي على كيس من الحجارة الملساء. غمبازه كان يتيماً وله حبل يربط وسطه به، لكن كان عنده للشتاء معطف سميك وقبعة رهبانية. كثيرون أخذوا يشقّون طريقهم إليه طلباً للنصح و البركة فتضايق، و سأل الله حلاً، فتشابكت الأغصان حول منسكه إلى حدّ تعذّر معه وصول الراغبين إليه.

صراع مع إبليس

Image may be NSFW.
Clik here to view.
القديس يطعم الحيوانات بيديه وقد تعايش معها بما في ذلك الدب

القديس يطعم الحيوانات بيديه وقد تعايش معها بما في ذلك الدب

و كثيراً ما كان يبدو للقديس سيرافيم كأن حيطان منسكه على وشك التداعي، والعدو يزأر و يهاجم من كل صوب، و الحيوانات الضارية تضرب المكان بعنف لتنقضّ على من في الداخل. أصوات الصراخ والحيوانات الهادرة ملأت أذنيه. أحياناً كان يحس كأن أحداً يحمله في الجو ثم يلقيه أرضاً بعنف. و لما سئل القديس ما إذا كان قد رأى الأبالسة أجاب ببساطة: “إنها مقرفة!”. ثم بعد حين تغيّر نوع هجمات الشرّير عليه فربضت على قلبه كآبة ثقيلة واضطربت في روحه أفكار داكنة. عاين القديس نفسه مداناً، و قد تخلّى الله عنه. ساعتذاك قاربت معاناته اليأس. لذا قال: “من اختار حياة النسك وجب عليه أن يشعر بأنه مصلوب أبداًوالناسك، متى جربّته روح الظلمة، كان كأوراق الشجر الميتة في مهب الريح، و كالغيوم في هوجة العاصفة. شيطان البريّة ينزل على الناسك قرابة نصف النهار ليزرع فيه قلقاً لا يستكينهذه التجارب لا تُقهر بغير الصلاة“. معركته مع الأبالسة دامت سنوات. لا نعرف الكثير عنها. نعرف فقط أنه بقي ألف يوم راكعاً أو منتصباً على الصخر يصلّي.

ثلاثة لصوص

وجاء إلى القديس ثلاثة لصوص فيما كان يقطع الحطب في الغابة وطلبوا منه مالاً. وإذ لم يكن عنده ما يعطيه لهم غضبوا أشد الغضب، وضربوه بقسوة فأغمي عليه. وبالجهد، بعدما استعاد وعيه، جرّر نفسه إلى الدير. كانوا قد تسبّبوا في إحداث كسور في جمجمته وأضلاعه علاوة على الجراح. ولم يسترد عافيته إلا بعد أشهر. وقد شاب شعره واحدودب ظهره وصار لازماً له أن يستعين في مشيته بعصا. فلما عاد إلى منسكه دخل في صمت و لم يعد يذهب إلى الدير، فاتخذ مجلس الشركة قراراً باسترداده، فعاد طائعاً. كان قد مضى على نسكه خمسة عشر عاماً.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
قبض رجال الشرطة على اللصوص واحضروهم الى القديس

قبض رجال الشرطة على اللصوص واحضروهم الى القديس

مقفلاً على نفسه

أقفل القديس على نفسه قرابة الخمس سنوات قليلاً ما كان فيها يكّلم أحداً، ‏وكانوا يأتونه بالقدسات إلى قلاّيته. ثم بعد ذلك انفتح وصار يقبل الزائرين المنتصحين. بعض رؤساء الأديار في الجوار كان يأتي إليه سائلاً المنفعة، فكان يحثّهم على اللطف ومحبة الإخوة كمثل ما تحب الأم أولادها، وأن يصبروا على ضعفاتهم وشتى سقطاتهم. كما اعتاد أن يقول لهم: “تعلّموا أن تكونوا في سلام وألوف النفوس من حولكم تجد الخلاص“. على هذا النحو، وبعد سبع وثلاثين عاماً من التهيئة بانت موهبة القديس: أن يكون شيخاً روحانياً، يُعنى بالنفوس. وصاروا يأتون إليه من كل مكان. حتى القيصر الكسندروس الأول اعتاد المجيء إليه. وإذ زاد عدد الطالبين صلواته فوق الطاقة، صار أحياناً يكتفي بإضاءة شمعة لكل منهم اقتداء بموسى الذي أشعل من أجل الشعب قديماً ناراً تكفيراً عن خطاياهم.

موهبة الرؤية

كانت للقديس سيرافيم موهبة معرفة مكنونات القلوب، ورؤية الأمور على ‏بعد في المكان والزمان. وقد سأله أحدهم مرة راغباً في معرفة كيفية حدوث ذلك فأجابه: “القلب البشري مفتوح لله وحده وكلما اقترب منه أحد وجد نفسه على حافة جب عميقأنا لا أفضي لأحد إلا بما يفضي إليّ به الرب الإله. وأني لمؤمن أن الكلمة الأولى التي ترد على ذهني موحاة من الروح القدس. ثم متى أخذت في الكلام لا أعرف ماذا يمكن في قلب الرجل الذي

Image may be NSFW.
Clik here to view.
جزء من الصخرة التي ركع عليها القديس1000يوم

جزء من الصخرة التي ركع عليها القديس1000يوم

يسألني. أعرف فقط أن الله يوجّه كلماتي من أجل ما فيه خيره. لكن، إذا أعطيت جواباً من بنات حكمي على الأمور دون أن آتي به إلى الرب الإله أولاً فإني أقع في الشططعلى هذا كما الحديد بين يدي الحدّاد كذلك أنا بين يدي الله، لا أبدي تحرّكاً من دون مشيئته ولا أتلفظ بكلمة غير ما يلحّ هو به علي“.

أباً للراهبات

على بعد اثني عشر كيلومتراً من ساروف كانت قرية ديفيافو وفيها كان دير للرهبنة النسائية، اهتم القديس سيرافيم به. ثم ما لبث أن أسس ديراً للفتيّات بين الراهبات أسماه “دير الطاحونة” قريباً من الدير الأول. وكان بينهن عدد من القدّيسات. تعاطيه معهن امتاز بالسعة والمرونة. سأل إحداهن مرة: “هل تقيمين صلواتك حسناً؟” أجابته: “كلا! عندي الكثير من المهام ولست أصلّي كما يجب!” فقال لها: “ليس هذا مهماً، إذا لم يكن لديكِ وقت كاف للصلاة فبإمكانك أن تصلّي وأنت تعملين، أو فيما أنت ذاهبة من مكان إلى مكان، أو حتى في السرير شرط ألا تنسي أن تدعي الرب في قلبك، وأن تسجدي أمامه صباحاً ومساءً. فإذا فعلت ذلك فإن الله نفسه سوف يعينك على بلوغ الصلاة الكاملة“. إحدى الراهبات في دير الطاحونة كانت هيلانة منتوروف. هذه كان القديس يعتمد على أخيها ميخائيل في الكثير من أشغال البناء. وإذ أصيب ميخائيل بمرض خطير ولم يشأ القديس أن يخسره لأنه كان بعد بحاجة إليه، أرسل في طلب هيلانة وقال لها: لقد كنت دائماً تطيعينني، والآن عندي لك عمل طاعة، فهل أنت مستعدة لأن تتمّميه؟ فأجابت: أنا مستعدة دائماً لطاعتك يا أبانا. فقال لها: حسناً، يا فرحيأخوك كما تعلمين مريض بمرض خطير وقد يموت، ولكننا لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نستغني عنه. أنت تفهمين ما أقول. هذا هو عمل طاعتك، إذن: أن تموتي بدلاً منه! فأجابت: ببركتك يا أبانا! ثم أخذ القديس يتحدث عن سر الموت وهيلانة تسمع ولا تتفوّه بكلمة. فجأة هتفت: لكني يا أبانا خائفة من الموت! فأجابها: ولكن ليس في الموت ما يخيف لأنه يحمل إلينا الفرح! فلما خرجت من عنده أصيبت بتوعك وإغماءة ولازمت الفراش قليلاً. في أول الأمر انتابها الخوف، ثم ما لبث أن فارقها. صار الموت لها يعني أن تعطي حياتها لأخيها وللشركة الرهبانية التي كانت تنتمي إليها. وقبل رقادها بأيام قليلة بدت وكأنها انتقلت إلى عالم آخر: “إنه آت مع الملائكة…”. وبعدما تناولت جسد الرب ودمه طلبت من الأخوات أن يعددن لدفنها. كان اليوم سهرانية عيد العنصرة. وكانت قد بلغت السابعة والعشرين. عندما أتت الأخوات إلى القديس ليخبرنه بموتها وهن باكيات قال لهن: يا لسخفكن أن تنتحبن على‏ هذا النحو! آه لو كان بإمكانكن أن ترين روحها. فإن الشاروبيم والسارافيم ارتدّت إلى الوراء عندما شقت هيلانة طريقها إلى الثالوث القدّوس.

موتوفيلوف

نيقولاوس موتوفيلوف اسم بارز في سيرة القديس سيرافيم أسماه القديس صديق اللهوقد صار مدبّراً لدير الراهبات في ديفيافو. عندما جيء به إلى قديسنا كان في الثانية والعشرين، صاحب أملاك واسعة خلّفها له أبوه. وأقول جيء به لأنه كان مريضاً لا يقوى على الحركة، لا بل كان مشلولاً. فسأل قديس الله أن يشفيه فأجابه: “لكنني لست طبيباً، عليك أن تذهب إلى أحد الأطباء! “فأخبره

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ظهرت عليه العذراء في رؤيا ومعها يوحنا يوحنا المعمدان ويوحنا الحبيب

ظهرت عليه العذراء في رؤيا ومعها يوحنا يوحنا المعمدان ويوحنا الحبيب

موتوفيلوف عن معاناته والعلاجات التي تلقّاها وكيف أنه لم ينتفع شيئاً ولم يعد له رجاء إلا بالله. فسأله القديس: “هل تؤمن بالرب يسوع المسيح الذي خلق الإنسان وبأمه الكلية القداسة مريم الدائمة البتولية؟“. فأجاب: “أؤمن!”. فقال له: “وهل تؤمن بأن الرب الذي اعتاد أن يبرئ المرضى بقوة كلمته وحسب قادر في أيامنا أيضاً أن يبرئ من يسألونه بنفس السهولة؟“. قال: “أؤمن!”. “وهل تؤمن بأن لشفاعة والدة الإله قوة لا تقهر من لدن ابنها القادر على شفائك؟ فأجاب: “أؤمن من كل قلبي، ولولا هذا الإيمان ما طلبت أن يؤتى بي إلى هذا الموضع!” حسناً، إذن! إذا كنت تؤمن فأنت معافى سلفاً“. “كيف ذلك وأنت وخدمي تمسكونني لكي لا أقع أرضاً“. “كلا، كلا، أنت الآن معافى تماماً! “عند ذاك سأل القديس ‏الرجال أن يرفعوا أيديهم عن موتوفيلوف، ثم أخذه بكتفيه وجعله على قدميه قائلاً له: “قف على قدميك ولا تخف! “ولما أمسك بيده دفع به قليلاً إلى الأمام ودار به حول الشجرة. “أترى كيف تقدر أن تمشي حسناً!” “هذا لأنك تمسكني جيداً! كلا بإمكانك أن تمشي لوحدك من دون مساعدتي! قال هذا وسحب يديه، فشعر موتوفيلوف بقوة خفيّة تسري في بدنه وأخذ يمشي لوحده من دون خوف. وقد شهد، فيما بعد، أنه لم يشعر بالعافية والحيوية في حياته كما شعر في ذلك اليوم.

القديس ووالدة الإله

شهد سرافيم نفسه ونقل عارفوه أنه كانت للقدّيس إلفة كبيرة بوالدة الإله، وإنها أتت إليه لا أقل من اثنتي عشرة مرة في حياته. وقد روت إحدى الراهبات واسمها أفدوكيا أن القديس دعاها إلى قلاّيته في الدير ليلة عيد البشارة في 24 ‏آذار سنة 1831‏م قائلاً أن فرحاً عظيماً سوف يعطى لها في ذلك اليوم. فبعدما صلّيا معاً هتف القدّيس فجأة: ها نعمة الله تنزل علينا! في تلك اللحظة سُمع صوت كهفيف نسيم عليل يتخلل رؤوس الأشجار وانبعثت أصوات الترتيل. وإذا بجو القلاية يعبق بالطيب أغنى وأحلى من البخور، فيسجد القديس هاتفاً بفرح: “يا والدة الإله الكلية القداسة، الكلية النقاوة، يا أيتها الملكة الممتلئة نعمةثم رأت الراهبة ملاكين يتقدمان فوالدة الإله وعن جانبيها القدّيسين يوحنا المعمدان ويوحنا الحبيب ومعهما اثنتا عشرة عذراء، لكل منهن إكليل على رأسها. فامتلأت القلاية نوراً كما من ألف شمعة. ثم أخذ النور يقوى حتى أضحى أكثر بهاء من الشمس. وقد بدت حيطان القلاية كأنها اتّسعت والمنسك أرحب مما كان. ثم كلّم القديس والدة الإله بدالة… فلم تسمع الراهبة من الحوار شيئاً سوى ما قالته والدة الإله للقديس: قريباً، يا صاح، تكون معنا!. ثم تقدّمت والدة الإله من الراهبة وأقامتها من وضع السجود ودعتها للتحدّث إلى العذارى مقدمة إليها كلاً منهن بالاسم، ثم غادرت. كان قد مضى على الزيارة أربع ساعات.

اقتناء الروح القدس

في يوم من الأيام الباردة المثلجة جرى بين القديس سيرافيم ونيقولاوس موتوفيلوف حوار. هذا بعض ما جاء فيه:

Image may be NSFW.
Clik here to view.
نقوﻻ موتوفيلوف

نقوﻻ موتوفيلوف

القديس سيرافيم: لقد كشف لي الرب أنك عندما كنت ولداً رغبت في معرفة غاية الحياة المسيحية، وطرحت السؤال بشأنها على عدد من رجال الكنيسة البارزين.

نيقولاوس: اعترف أن هذا السؤال كان يؤرقني منذ أن كنت في سن الثانية عشر.

القديس : ومع ذلك لم يقل لك أحد شيئاً واضحاً محدّداً. قالوا لك أن تذهب إلى الكنيسة وأن تصلّي وأن تصنع صلاحاً وأن هذه هي غاية الحياة المسيحية. حتى أن بعضهم قال لك: لا تبحث عن أمور أكبر منك. لذلك سأحاول، أنا العبد الشقي، أن أشرح لك ما هو هذا القصد. فالصلاة والصيام وأعمال الرحمة كلها صالحة لكنها أدوات للحياة المسيحية وليست القصد منها. إن الغاية الحقيقية هي اقتناء الروح القدس.

نيقولاوس: ولكن، ماذا تعني بلفظة اقتناء؟ لست أفهم تماماً ما تقول!

القديس: أن تقتني معناه أن تمتلك. أنت تعرف معنى أن يربح الإنسان مالاً، أليس كذلك؟ الشيء نفسه يقال عن الروح القدس. يرمي بعض الناس لأن يصيروا أغنياء. وأن يحظوا بكرامات وامتيازات. والروح القدس نفسه رأسمال، لكنه رأسمال أبدي. السيد يشبّه حياتنا بالتجارة وأعمال هذه الحياة بالشراء: أشير عليك أن تشتري مني ذهباًلكي تستغني (رؤيا3‏:18‏). أثمن الأعمال على الأرض هي الأعمال الصالحة التي نقوم بها من أجل المسيح. هذه تكسبنا نعمة الروح القدس. ولا تأتينا الأعمال الصالحة بثمار الروح القدس إلا إذا كانت معمولة من أجل محبة المسيح. لذا قال السيد نفسه: من لا يجمع معي يفرِقفي مثل العذارى، دعي فريق منهن جاهلات رغم كونهن محافظات على عذريتهن. ما نقصهن في الحقيقة كانت نعمة الروح القدس. الأمر الأساسي ليس أن يصنع الإنسان صلاحاً بل أن يقتني نعمة الروح القدس، ثمرة كل الفضائل، الذي من دونه لا يكون خلاصهذا الروح القدس الكلي القدرة معطى لنا شريطة أن نعرف نحن كيف نقتنيه. فإنه يقيم فينا ويعدّ في نفوسنا وأجسادنا مكاناً للآب حسب كلمة الله: أني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً (2‏كورنثوس16:6‏)… هذا وأكثر الأعمال التي تعطينا أن نقتني الروح القدس هي الصلاة.

نيقولاوس: لكن يا أبي، أنت تتكلم عن الصلاة وعن الصلاة وحدها. حدّثني عن الصالحات الأخرى المعمولة باسم المسيح.

القديس: أجل، بإمكانك أن تحصّل نعمة الروح القدس من خلال أعمال صالحة أخرىالصومالإحسانولكن ليس معنى الحياة أن نستزيد من عدد الصالحات بل أن نجني منها أعظم النفع، أعني المواهب الفضلى للروح القدس. وأنت عليك أن تكون موزّعاً لهذه النعمةفإن بركات النعمة الإلهية تزداد في من يوزّعها.

نيقولاوس: إنك لا تكفّ يا أبي عن ترداد أن نعمة الروح القدس هي غاية الحياة المسيحية. ولكن كيف وأين يمكنني أن أعاين مثل هذه النعمة؟ الأعمال الصالحة منظورة ولكن هل يمكن للروح القدس أن يكون منظوراً؟ كيف يمكنني أن أعرف ما إذا كان فيّ أم لا؟

القديس: ‏في أيامنا، وبسبب فتور إيماننا ونقص اهتمامنا بتدخل الله في حياتنا، نجدنا غرباء بالكلية عن الحياة في المسيحفي الكتاب المقدس مقاطع كثيرة عن ظهور الله للناس. البعض اليوم يقول إن هذه مقاطع غير مفهومة. مردّ عدم الفهم هنا هو فقدان البساطة التي تمتّع بها المسيحيون الأوائلإبراهيم ويعقوب عاينا الله وتحدّثا إليه، ويعقوب صارعه، وموسى تفرّس فيه، وكذلك الشعب كله، في عمود الغمام الذي لم يكن غير نعمة الروح القدس هادياً شعب إسرائيل في البرّيةلم يكن هذا حلماً ولا غيبوبة ولا في الخيال بل في الواقع والحق. ولكن لأننا صرنا لا مبالين بشأن خلاصنا، لم نعد ندرك معنى كلمات الله كما ينبغي. لم نعد نلتمس النعمة، ويحول كبرياؤنا دون تجذّر النعمة في نفوسنا. ولم يعد لنا نور السيّد الذي يهبه للذين يتوقون إليه بحميّة وجوع وعطش.”

نيقولاوس: ولكن كيف يمكنني أن أعرف أني داخل نعمة الروح القدس هذه؟ كيف يمكنني أن أتأكد من أنني أحيا في روح الله؟ آه كم أتوق لأن أفهم.

إذ ذاك أمسك القديس سيرافيم موتوفيلوف بكتفيه بقوة وقال له: “كلانا، يا صاح، في هذه اللحظة، في الروح القدس، أنت وأنا. لماذا لا ‏تنظر إليّ؟”

نيقولاوس: “لا أستطيع أن أتطلع إليك يا أبي، لأن نوراً ينبعث من عينيك ‏ووجهك أبهى من الشمس ضياء.”

القديس: ‏”لا تخف، يا صديق الله، أنت نفسك مضيء مثلي تماماً. أنت أيضاً الآن ‏في ملء نعمة الروح القدس، وإلا ما أمكنك أن تراني كما أنا.”

لم يحتج قديس الله حتى إلى رسم إشارة الصليب ليكون لموتوفيلوف أن يعاين النور بعين الجسد. فقط صلّى من أجله في قلبه.

القديس: “هيا، انظر إليّ ولا تخف لأن السيّد معنا.”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
سيرافيم راقداً مسجى في كنيسة الدير ليتبرك منه المؤمنون

سيرافيم راقداً مسجى في كنيسة الدير ليتبرك منه المؤمنون

فنظر موتوفيلوف إلى القديس مرتعداً فرآه سابحاً في نور يفوق بهاء الشمس في نصف النهاررأى شفتيه تتحركان، ورأى تعبير عينيه وسمع صوته وشعر بيديه حول كتفيه، لكنه لم يعاين لا ذراعيه ولا جسده ولا وجهه. كما فقد الإحساس بنفسه. كان النور يملأ كل شيء ورقع الثلج المتساقط عليهما كأنها اشتعلت.

القديس: “بماذا تشعر؟”

نيقولاوس: “أشعر بأني في أحسن حال وأتعجّب.”

القديس: “ماذا تعني بذلك تماماً؟”

نيقولاوس:”أشعر بسكون عظيم في نفسي. أشعر بسلام لا يمكن التعبير عنه بالكلام.”

القديس: “هذا هو السلام الذي يفوق كل عقل الذي تحدّث عنه الرسول (فيلبي7:4). ماذا أيضاً؟”

نيقولاوس: “أشعر ببهجة غريبة لم آلفها من قبل.”

القديس: “عن هذه البهجة قال المرنم في المزمور: “….يشبعون من دسم بيتك وأنت تسقيهم من نهر نعمك” (8:35). ماذا أيضاً؟”

نيقولاوس: “فرح مدهش يملأ قلبي.”

القديس: “هذه أولى ثمار الفرح الذي أعدّه الله للذين يحبّونه والذي قال عنه الرسول: “ما لم تره عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه” (1كورنثوس9:2). بمَ تشعر أيضاً؟”

نيقولاوس: “أشعر بدفء مدهش.”

القديس: “ونحن في عمق الغابة وفي نصف الشتاء والثلج تحت أقدامنا وعلى أثوابنا!؟ إننا الآن في عداد من قال السيّد عنهم: لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت السموات قد أتى بقوة. ها أنت قد فهمت معنى أن نكون في ملء الروح القدسلا يهم أن أكون أنا راهباً وأنت علمانياً، المهم، في عين الله، هو الإيمان الحقيقي به وبابنه الوحيد. من أجل هذا أعطيت لنا نعمة الروح القدس. ملتمس السيّد قلوب تفيض بمحبته ومحبة القريب. هذا هو العرش الذي يجلس هو عليه ويظهر منه ذاته في مل ء مجده. يا بني أعطني قلبك (أمثال26:23‏). في القلب يُبنى ملكوت الله.”

رقاده

رقد قديس الله سيرافيم في سن السبعين. كان في أيامه الأخيرة يتحدّث عن قرب مغادرته بفرح ووجه مشع. وكان بعض الإخوة يسمعونه وهو يرنّم ترانيم الفصح. تناول القدسات الإلهية في الأول من كانون الثاني سنة 1833 ‏وقبّل إيقونات الكنيسة مشعلاً أمام كل منها شمعة. ثم بارك الإخوة قائلاً لهم أن يصنعوا خلاصهم وأن يسهروا لأن الأكاليل قد أُعدت لهم. بعد ذلك زار مدفنه، ثم أغلق على نفسه في القلاية. وأثناء الليل رقد، وقيل كان على ركبتيه. عُرض للتبرك ثمانية أيام في الكاتدرائية وتبرّك منه الآلاف. وقد ذكر أحد الرهبان في الجوار أن نوراً عظيماً التمع في السماء فقال: “هذه روح الأب سيرافيم تطير إلى السماء“. في 19 ‏تموز سنة 1903 ‏جرى إعلان قداسته بحضور العائلة المالكة ومئات ‏ألوف المؤمنين.”

( السنكسار – سير القديسين بتصرف)

خاطرة في فلسطين المسيحية الجريحة، وسورية المسيحية الجريحة…

 

في ظل الاستهداف الصهيوني لكل ما هو فلسطيني، نال المسيحيون في فلسطين على مدار عقود نصيباً وافر من المنكرات والاعتداءات، طالتهم وطالت مقدساتنا وكنائسنا الفلسطينية عموماً والمقدسية خصوصاً منذ 1948 وحتى اليوم وأدت إلى طرد معظم المسيحين من مدنهم وقراهم وهجرة قسم آخر تحت وطأة الاحتلال البغيض، وصمود قسم ثالث في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية قاسية.

فنتيجة لقيام هذا الكيان الدخيل تعرض الفلسطينيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، وبالأخص في القدس المحتلة لضغوط شديدة في حياتهم الاقتصادية والسياسية وممارستهم الدينية فضلاً عن سلب أراضيهم ومنازلهم، وتهجير غالبيتهم إلى الضفة الغربية ومنها إلى المحيط العربي وإلى الشتات، والاستيلاء على ممتلكاتهم ومصادرتها، والاعتداء على مقدساتهم بكل بشاعة وغرور…

ولكن لم نال المسيحيون كل هذه المنكرات من دويلة الاحتلال والمتهوسين المتعصبين اليهود لتهجيرهم خارج فلسطين؟

Image may be NSFW.
Clik here to view.
احد ابواب القدس العتيقة

احد ابواب القدس العتيقة

والجواب هو لأن المسيحية وفق عرف اليهودية  قامت على أنقاض اليهودية بعد السعي لتدمير ديانتهم هذه، لذا تجندت اليهودية عبر نيف والفي سنة مسيحية للقضاء على المسيحية من الداخل، ونحن وفي صلواتنا وسيرة آلام ربنا الخلاصية  نتحدث بوضوح عن مؤامرة اليهود لقتله وقد انموا المؤامرة، وهذا مما يؤرقهم وقد سعوا كثيراً للحصول على التبرئة من دمه، ونحن في كنيستنا الأرثوذكسية  لن نبرئهم لذلك كانت الاضطهادات بحقنا افدح، وليس اكره لدينا ان يقف الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح يحرسون  القبر المقدس حين انبعاث النور المقدس منه يوم سبت النور.

اما لماذا تناقص عدد المسيحيين بشكل مخيف في فلسطين من 13،3% عند وعد بلفور ونكبة فلسطين إلى أقل من 3% اليوم؟ فهو بسبب هذا الاضطهاد بكل أشكاله، وهو اضطهاد مخفي غير معلن! هذا من جانب، ومن جانب آخر،لأن نسبة المواليد عند المسيحين كما هو معلوم أقل بكثير من اشقائهم المسلمين… لذا كان الانخفاض الحاد في هذه النسبة وفي الوجود المسيحي الفلسطيني /وخاصة في القدس/ الذي ان استمر مع الهجرة السنوية لهم خارج الأرض المحتلة، سيصبح المسيحيون في القدس مجرد بضعة رهبان في قلالي رهبانية بعد أقل من ثلاثة عقود قادمة.

وإذ لم يتبادر العالم كله لدعم صمود المقدسيَّين المسيحيين خصوصاً والفلسطينيين عموماً سيتلاشون ويبقون مجرد ذكرى وأثرٌ بعد عين… تشهد لهم أديرتهم وكنائسهم بأنهم كانوا يوماً أصحاب الأرض يمتدون مع الرب يسوع، ومن باعثي نهضتها  الفلسطينية، ومن رافعي لواء فلسطين في التيه العالمي وبعدها ذابوا في هذا التيه…

ليس خافياً على أحد، حتى الجنينْ في حشا أُمه، أن يُدركْ كُنْهَ الترابط العضوي بين المسيحية وفلسطين وقدسها، وهي قدس الأقداس، ومكانتها هي المكانة ذاتها لدى مسيحي المشرق عموماً، وأؤكد لمحبنكم أن الوجود المسيحي الذي صار متأزماً، لا بل شديد التأزم فيها، لدرجة الكارثيةْ إلا بسبب ممارساتِ الاحتلال الصهيوني والباغض اساساً وجذرياً للمسيحية ولوجودها في القدس وفلسطين ومشرقنا كما اسلفنا.

ثمة تواؤمْ بين موجات التكفير الإرهابي المقتلع للمسيحيين من العراق وسورية ولبنان ومصر… وسائر المشرق والإرهاب الصهيوني المقتلع للوجود المسيحي من فلسطين، فهم وجهان لعملة واحدة تبغي افراغ المشرق وبضمنه فلسطين وهي قلب المشرق من هذا الوجود المسيحي المتنور فافراغ المشرق من هذا الوجود الحضاري المتنور بشهادة اخوتنا المسلمين يعني أظلمة المشرق.

نحن في قلب الكرسي الانطاكي المقدس، هذا الكرسي الوطني الذي يجسد معاني الوحدة والمحبة ومواجهة الظلم والاحتلال والتكفير ممَثلاً بأحباره من بطاركة ومجامع مقدسة ومطارنة ورعايا… زمنذ وعد بلفور 1917 واتفاقية سايكس-بيكو قبله، حملنا ونحمل هذا الهم على الدوام، ومن باب الذكر بفخر، أن مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس طحان كان من المجيشين لجيش الانقاذ عام 1948 وبالرغم من فقر انطاكية مده بكل ما استطاع من مقومات ودعم، وكذلك فعل في العدوان الثلاثي على مصر 1956 وكانت اسرائيل معتدية على مصر مع بريطانيا وفرنسا. كذلك فعل مثلث الرحمات البطريرك الياس معوض بطل مؤتمر لاهور الاسلامي عام 1974 في كلمته القصيرة والبليغة عن القدس باسم المسيحين العرب وعنوانها “القدس” : “…إذا خسر المسيحيون والمسلمون بيت المقدس فإنهم يخسرون معنى وجودهم،  معنى رسالتهم في الأرض، معنى إيمانهم السماوي.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بطريرك العرب الياس الرابع

بطريرك العرب الياس الرابع

بيت المقدس هي سلمنا الروحي الذي انتصب في قلب التاريخ ليرفعنا إلى مافوق التاريخ ليجعلنا بشراً متالهين…” وكان اجماع قادة العالم الإسلامي على تسمية هذا البطريرك العظيم بطريرك العرب.

وكانت القدس بوصلة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس هزيم وبدوره وبعد كلمته الرائعة في مؤتمر الطائف الإسلامي تجدد الاجماع بمنحه تسمية بطريرك العرب ولخلفائه…

كان البطريرك هزيم يحمل بوصلته فلسطين معه في حله وترحاله، و ويرفع الصوت مدوياً من اجل حقوق شعبها بدولته المستقلة والقدس عاصمتها، ووحق العودة لشعبها المنكل به، وكلماته تشهد:” أنا اعتز بأن أكون من المدافعين عن القدس.”

وغبطة البطريرك يوحنا العاشر بدوره نقل مأساة فلسطين، كما مأساة سورية وسائر المشرق إلى كل العالم، مع كل الرئاسات الروحية والزمنية وخاصة عندما اعتلى منبر الأمم المتحدة منادياً ومطالباً بإحقاق الحق عموماً ومنبهاً المجنمع الدولي الى أهمية هذا الوجود المسيحي المهدد بالاقتلاع من جذوره مطالباً بالضغط على كل القوى لبقاء هذا الوجود المسيحي النيّر والخيّر في المشرق مندداً بالصمت الدولي المريب بخطف مطراني حلب بولس ( الروم اﻻرثوذكس) ويوحنا ( السريان اﻻرثوذكس) والكاهنين اسحق وميشيل وسواهم بعد ذبح عدد من الكهنة كالنعاج مع عشرات المسيحيين الذين ذبحوا قرباناً لمسيحيتهم،

وما قولة غبطته المشهورة دائماً :” للمسيحية مهدان : مهد جسدي وهو فلسطين وقدسها حيث ولد ومات فيها السيد له المجد ومنها صعد إلى السماء، وبفلسطين أسس كنيسته، ومهد روحي فكري للمسيحية هو سورية والمشرق ومن دمسق تحديداً كانت انطلاقة المسيحية الى كل العالم المعمور وقتها”.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
فيض النور المقدس من القبر السيدي في كنيسة القيامة يوم سبت النور

فيض النور المقدس من القبر السيدي في كنيسة القيامة يوم سبت النور

قواسم مشتركة لا تعد ولا تحصى تجمع بين دمشق والقدس، فكلتاهما  دوحة في أرض واحدة، ومنارة من منائر الروح والحضارة الإنسانية والنضال المشرف في سبيل الحق. وكان اول المناضلين في سبيل ذلك معلمنا الإلهي يسوع المسيح الذي صلبوه وقتلوه لانه دافع عن الحق والإنسانية…

من فلسطيننا المقدسة وقدسها انطلق ركب الحرية والخلاص إلى العالم، منها ينطلق شعب فلسطين الأبي وبالذات مسيحيوها كما  ينطلق مسيحيو المشرق يحملون الصليب، صليب الحق المهدور في وطن المسيح الأرضي، ومساحة جوّلانه ليركزه في القلوب والضمائر ليطرح قضية هذا الانسان المسيحي الفلسطيني المعذب سواء في القدس أو المسيحي في أي مكان في هذا المشرق الذبيح ابن هذه الرقعة المقدسة التي اختارها السيد له المجد وطناً ارضياً له.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بطريرك العرب المعلم الأنطاكي اغناطيوس الرابع 1979- 2011

بطريرك العرب المعلم الأنطاكي اغناطيوس الرابع 1979- 2011

ستبقى القدس مدينة للإخاء والسلام والمحبة والعدل، تتجلى فيها رحمانية المسيحية، ومنارة مقدسة، تلتفت اليها جميع الأبصار، وتنجذب اليها قلوب كل مسيحيي الكون الى كعبتهم المقدسة / القدس موطن الأديان عموماً والمسيحية خصوصاً/. القدس ستبقى وهي التي رأت طفولة السيد المسيح، رأته طفلاً وليداً قبل نيف وألفي سنة في مذود البهائم في بيت لحم، رأت مجوساً وثنيين أتوا من أقصى الشرق متبعين الكوكب بسرعة عجائبية ليكونوا في حضرة هذا الطفل الإلهي مقدمين له هداياهم كملك وكاهن أكبر وشهيد على الصليب تألم… قدموا له: الذهب كملك، والبخور ككاهن، والمر كمعذب وشهيد …

رأت القدس رعيانها البسطاء فرحين بالطفل الإلهي المولود، كما رأت ملائكة السماء يهللون للسلام القادم مع طفل السلام : “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة “.

رأت هدر السلام في ذبح الأطفال الأربعة عشر الفاً الشهداء في بيت لحم بأمر هيرودوس القاتل وهم أول الشهداء المسيحيين في فلسطين المقدسة بإرهاب يهودي منظم.ﻻ زال مستمراً في المجازر الصهيونية للبلدات الفلسطينية وفي قانا لبنان وفي سورية وفي مصر و… واستمرار ذبح اﻻوﻻد والشباب الفلسطيني في وضح النهار على الحواجز الصهيونية وتركهمينزفون حتى الموت دون اسعاف… في هذه اﻻيام…

الناصرة رأت يسوع صبياً وفتى وشاباً يخطر نجاراً في ورشة ابيه بالتبني يوسف النجار… رأته باراً بأمه… وبأبيه  المربي الحنون الطاعن في السن يوسف.

عتبات طبريا والجليل والمدن العشرة والجولان وسفوح حرمون رأت يسوع يصطاد تلاميذه منها ليجعلهم صيادي الناس، لتنفيذ مشيئته بالسلام على الأرض، والمسرة، وجميعهم استشهدوا مقابل السلام الذي للمسيح…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر

غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر

رأته كل فلسطين يخطر في أزقة الفقراء والمحتاجين والمرضى يقيم الأموات ويكفكف دموع الأمهات رأته شافياً للمخلعين والعميان والبرص، جابراً خواطر الفقراء والمعوزين والجياع باثاً كلمة ورغبة ابيه السماوي في وطنه فلسطين، وقدسها الأقدس بالحق والخير والعدالة والسلام والمحبة. رأته سوطاً يلسع الباعة في هيكل سليمان مدافعاً عن الحق، يلسع المتزمتين من المتاجرين بالدين في ريائهم ونفاقهم، وصليباً يحتضن العالم بالمحبة، وصوتاُ ينشر دفء السلام في النفوس…

رأته القدس كقائد فريد في كل الناريخ، فاتحاً لها بدون جيش، وهو راكب ليس على فرس مطهمة بل  على جحش ابن اتان، والأطفال يصرخون بتهليل : “اوصنا في الأعالي مبارك الاتي باسم الرب.” والجموع تفرش ثيابها ليدوس عليها فرس يسوع المطهمة…

رأته بعد ابام معذباً مهاناً من الجموع هذه التي هللت له وفرشت ثيابها ليدوسها جحش يسوع للبركة…  هذه الجموع التي احبها وخدمها وبلسم جراحها، كانوا هم الشعب الخائن الغادر الجاحد، وجراحه تنزف دماً طاهراً بغزارة في درب الجلجلة بمحطاته الأربع عشرة، وعلى الجلجلة رأته مصلوباً بين لصين. لقد سواه القتلة اليهود بالمجرمين واللصوص مكافأة له على محبنه لهم. ” ياشعبي ماذا فعلت لك وبماذا كافأتني…؟”

وعندما اسلم الروح انشق حجاب الهيكل من وسطه الى نصفين وزلزلت أرض فلسطين… واهتدى كثيرون واستشهدوا فيها وأولهم استيفانوس.

رأته مدفوناً في ترابها بقبر جديد،

Image may be NSFW.
Clik here to view.
القيامة واحداث الصلب والآلام

القيامة واحداث الصلب والآلام

تم قام منه بعد ثلاثة أيام بقوة لاهوته، تم منها من ارض فلسطين الطاهرة صعد إلى السماء، وبروحه القدوس في العنصرة أسس “كنيسته التي أبواب الجحيم لن تقوى عليها”.

وكانت القدس “أم الكنائس”، ومنها انطلق التلاميذ إلى الكون متلمذين كل الأمم…

هذه هي القدس لدى المسيحيين التي ستبقى قدسنا نحن ولاخوتنا، فلسطين المقدسة كما كل المشرق… وبدوننا نحن مسيحييو المشرق لن تبقى فلسطين ولن يكون لها قضية، ولن تكون هناك حتماً قضية القدس… صالبوا المسيح يصلبون شعبه اليوم ويقودون هذا الشعب إلى المذبحة والتهجير… ولن تبقى سورية…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
يسوع قد مات وهو في حضن امه...

يسوع قد مات وهو في حضن امه…

يجب  تجييش كل الدعم العالمي البناء لابقاء جذوة المسيحية مشتعلة في القدس وفلسطين وسورية وسائر المشرق، ومقاومة كل الإرهاب الصهيوني كما التكفيري في سورية والعراق وكل المشرق لتبقى فلسطين وقدسها أم الكنائس، ولتبقى سورية والمشرق ودمشق منطلقها إلى كل العالم.

ذات يوم، ورداً بانفعال على مذيع في التلفزيون السوري كان يتحدث عن كرامة القدس ومكانتها عند المسلمين قبل المسيحيين… وقد أكد ذلك واصفاً إياها بأنها ثالث الحرمين الشريفين عند المسلمين، بما يشير عند السامع عن تدني منزلتها عند المسيحيين!!!  اجاب الأديب الكبير اللبناني السوري ميخائيل نعيمة ابن دار المعلمين في ناصرة فلسطين التابعة للجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الارثوذكسية الروسية:

“يا حبيبي إن كان للمسلمين حرمين وتعتبرون في إيمانكم القدس ثالثهما، فأنا ومن هنا أؤكد لك أن ليس للمسيحيين في كل العالم إلا القدس فهي كعبتهم الوحيدة، وهي بوصلتهم، وهي موطن مسيحهم السيد المسيح له المجد وهي قدس الأقداس واليها يتجهون… “.

السلام عليكم…والسلام لكم…

 


الطفولة السورية الذبيحة…وهي الخاسر الأكبر في سورية

الطفولة السورية الذبيحة… وهي الخاسر الأكبر في سورية

مقدمة

الطفولة وفق تعريف حقوق الطفل تمتد الى سن 18 من العمر، ويفترض بأن الاطفال هم براعم غضة يسهل التأثيرعليها، او بالأحرى كالإسفنجة التي تمتص كل مايقدم لها من تعليم وتدريب، اويمارس امامها من اعمال وممارسات تنفيذا للقاعدة الذهبية المعروفة:”العلم في الصغر كالنقش في الحجر.”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
طفل سوري من ضحايا قصف التحالف الدولي في الجزيرة السورية

طفل سوري من ضحايا قصف التحالف الدولي في الجزيرة السورية

بالرغم من ان الاطفال ليسوا بالحجارة التي تُنقش، بل هي كزغب القطا والأكباد التي تمشي على الارض…

وبكل اسف لاتزال معظم الدول المتخلفة غير قابلة بهذه المسلمة البديهية لذا جاءت شريعة حقوق الطفل وسواها لتنظم كيفية التعامل معهم ومنحههم حقوقهم…

في الواقع السوري نتيجة الحرب الكونية

لطالما كان الأطفال والمراهقون ضحية الصراعات المسلحة، ومحل استغلال من قبل الميليشيات المسلحة والأحزاب، بأشكال عدة من خلال تدريبهم على حمل السلاح، او ترسيخ فكرة الجهاد في سبيل الاسلام الأصولي في نفوسهم في المناطق السورية خاصة ذات البيئات الحاضنة كما ظهر، وكان للمحنة السورية تبعاتها على مختلف جوانب الحياة.
فالآلاف منهم باتوا بلا مأوى وباتوا وجهاً لوجه مع التشرد والتسكع بعما فقدوا اقرب الناس اليهم. وهذا ماتستغله الجماعات المسلحة لتجنيدهم وانشاء فرق انتحارية منهم. حيث يتم اختيارهم بعد دراسة معينة ويخضعون لبرنامج خاص…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الاطفال ضحايا الارهاب التكفيري في شرقي حلب

الاطفال ضحايا الارهاب التكفيري في شرقي حلب

فيما يقتصر التعليم الذي يتلقاه الأطفال في المدارس الدينية داخل المدينة على بعض التعاليم الدينية الاسلامية وحفظ القرآن والأحاديث النبوية، تعمل عدة تنظيمات على جذب الأطفال للانخراط في مشروع الحركات الأصولية المتمثل بتنشئة جيل اسلامي وفق منظورهم للإسلام حيث يتلقى الأطفال اضافة الى التعاليم الدينية، مجموعة دروس مكثفة حول الجهاد، وأسس الدولة الاسلامية قبل ان ينتقلوا في مرحلة لاحقة الى تلقي التدريبات في معسكرات خاصة اُقيمت لهذا الهدف. وتتراوح اعمار الأطفال الخاضعين لهذه المعسكرات بين 16 و20 سنة فيما يتم تعليم من هم أصغر سناً وفق منهاج ديني وضعه علماء اصوليون.
ويشير تقرير أعده:” المركز السوري لبحوث السياسات” بالتعاون مع “منظمة الأونروا”…بأن نحو خمسة آلاف مدرسة خرجت عن عملها اضافة الى انخفاض معدل الالتحاق بالمدارس الى نحو 46,2% مع نقص في الكادر التعليمي حيث انضم معظمهم الى الآف اللاجئين والمشردين داخلياً

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الاطفال السوريون في معسكرات اللجوء

الاطفال السوريون في معسكرات اللجوء

واستنكرت “منظمة هيومن رايتس ووتش” قيام المجموعات المسلحة في سورية باستغلال الأطفال في القتال والأغراض العسكرية الأخرى عبر استخام لغة الوعد والوعيد… واشارت في تقريرلها أنه ثبت لديها وجود أطفال في سن ال14 عاماً يخدمون ضمن صفوف الجماعات المسلحة، وينقلون الأسلحة والامدادات ويقومون بأعمال مراقبة، كما شوهد أطفال في سن ال16عاماً يحملون السلاح ويقاتلون الجيش السوري…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
اطفال سورية وسط الثلوج في معسكرات اللجوء

اطفال سورية وسط الثلوج في معسكرات اللجوء

ولم تكن الطفلة الصغيرة وعمرها دون العشر سنوات التي زنرها والدها التكفيري بحزام ناسف وفجرت نفسها في مخفر شرطة الميدان بدمشق الشهر الماضي هي الحالة الاولى على مساحة الجغرافيا السورية في سياق متصل حذر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من تعرض الأطفال السوريين الفارين بسبب الصراع لأشكال مختلفة من الاستغلال من بينها الزواج المبكر كما في مناطق داعش والنصرة في الرقة وادلب وشرق حلب والاطفال غير الشرعيين المسجلين بعد تحرير حلب كلقطاء فاقدي النسب لفقدان الآباء الذين تزوجوا الطفلات والبنات الصغيرات بعقد غير شرعي اما بموافقة الاهل لكونهم بيئة حاضنة او لخوف الآباء من سطوة الارهابيين وقد بلغ عدد هذه الزيجات وعدد الاطفال ثمرتها مايفوق الوصف…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الطفلتان ووالدهما الارهابي الذي زنر احداهن وفجرها في مخفر شرطة الميدان

الطفلتان ووالدهما الارهابي الذي زنر احداهن وفجرها في مخفر شرطة الميدان

اضافة الى تعرض الأطفال الى العنف المنزلي فهربوا من المنازل وصاروا تحت سطوة ارهابيين من نوع آخر يقودون شبكات التسول والدعارة واللواطة والاتجار بالمخدرات…أوعمالة الأطفال بتشغيل ذويهم لهم في اعمال لا تتناسب مع اعمارهم وتشكل خطراً عليهم.
وذكر الصندوق أن أكثر من مليون طفل بعضهم بدون آباء أو أقارب من الدرجة الأولى من بين 2,1 مليون لاجىء عبروا الحدود الى الأردن ولبنان والعراق وتركيا منذ آذار 2011، وذكر نائب ممثل اليونيسسف في الأردن ان الأطفال في المجتمعات المضيفة يتعرضون بشكل أكبر لعمالة الأطفال والزواج المبكر جداً وخاصة البنات الصغيرات في مخيمات الاردن للاستمتاع من دفع الثمن الأكبر للسماسرة الذين يدعون الورع والذين يكون مصيرهن في السعودية والخليج ثم يصبحن في النهاية مومسات داعرات في اسواق البغاء بتشجيع من ازواجهن، وحتى ضمن شبكات دعارة…
– في القوانين الدولية

*يشير “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة”، وسورية طرف فيه منذ عام 2003على انه :” لايجوز ان تقوم المجموعات المسلحة المتميزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد او استخدام القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأطفال في صفوفهم للمشاركة الصريحة في أعمال القتال تعد جريمة حرب.”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
اطفال الرقة المجندين في داعش

اطفال الرقة المجندين في داعش

* وطبقاً للتفسيرات الملزمة فان المشاركة الصريحة في أعمال القتال لاتقتصر على مشاركة الطفل في القتال مباشرة، بل تشمل أيضاً أنشطة متصلة بالقتال مثل الاستطلاع والتجسس والأعمال التخريبية واستخدام الأطفال في تشتيت انتباه الخصم أو لحمل المعدات أو عند نقاط التفتيش العسكرية.
* كما يشمل الحظر على المشاركة الصريحة للأطفال في الاعمال القتالية اوماشابه استخدامهم في مهام دعم مباشر مثل حمل الامدادات الى الخطوط الأولى للقتال. *وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1989 “الإعلان العالمي لحقوق الطفل” الذي ينص على ” وجوب حماية الطفل من الاهمال والقسوة والاستغلال وان لايتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل، وأن لايتم استخدامه قبل بلوغه سن الرشد، وأن لايسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته، أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي.”

خاتمة
* يبقى أن نختم بالقول بأن ظاهرة عمالة الأطفال السوريين، ماتزال مستمرة وبشكل واضح. رغم تحذيرات “اليونيسيف” في تقاريرها المثبتة لهذه الظاهرة…
وأقول اصبحت الطفولة السورية تتحول من اللعب والفرح الى مشروع قتل او شهادة كأنهم ولدوا لكي يقتلوا او يستشهدوا… او ليجرحوا ويتعوقوا للأبد…

بكل اسف هو واقع الطفولة السورية الذبيحة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
اطفال سوريون يقاتلون في صفوف داعش

اطفال سوريون يقاتلون في صفوف داعش



كنيس جوبرأقدم كنيس يهودي في العالم…

الكثير من المؤرخين يعتبر بلدة جوبر المكان الثاني لليهود في منطقة دمشق قديما بعد حي اليهود الشهير في دمشق القديمة (منطقة الأمين) حيث يسكن اليهود الدمشقيون في بيوت معظمها كبير وفخم، ولهم فيه عدة معابد تبعاً لطوائفهم، ومدرسة الاليانس (ابن ميمون) اليهودية، اما بلدة جوبر حيث يوجد فيها الكنيس الأشهر، وهو أقدم كنيس يهودي في العالم ويقع في شارع المدرسة في وسط البلدة وفيه أقدم توراة في العالم وكذلك فيه مقام النبي الياهو ( ايليا او الياس).

Image may be NSFW.
Clik here to view.
واجهة كنيس جوبر

واجهة كنيس جوبر

في تاريخية كنيس جوبر

ورد في الكتاب المقدس ومرويات اليهود الدمشقيين، ان ابراهيم الخليل عندما سطا خصومه على ارزاقه وقطعانه عندما كان غائباً عن مكان اقامته والمعروفة اليوم باسمه (الخليل)، واسروا ابن شقيقه لوط واقتادوه معهم، وكان ابراهيم واسرته قد وفدوا من اور الكلدانيين في بلاد مابين النهرين ( العراق) (في الألف الثالثة قبل الميلاد ووفق التقويم العبراني والألف الخامسة مسيحياً) وعند حضوره ومعرفته ماجرى، طاردهم ومعه مقاتليه خاطفي لوط ابن اخيه ومواشيه الى قرية جوبر الواقعة في شمال شرق غوطة دمشق، حيث وقعت بين الفريقين معركة حامية الوطيس، انتصر بها ابراهيم وحرر لوطاً من الاسر، واقام مزاراً هناك تخليداً لهذا الانتصار، وسجد به ليهوه شكراً على هذا الانتصار، وطبخ طبخة العدس الشهيرة لاحقاً (المجدرة) لمقاتليه. ماقبل بدء التاريخ العبراني. وان هذا المزار ثم الكنيس لاحقاً صار محجة لليهود قاطبة، وتحول اسمه الى النبي ايلياهو المعروف بالنبي الياس الغيور مسيحياً.

ويقال ان المسيحيين الغوطانيين عامة والجوابرة منهم خاصة (وكانت الغوطة تعج بالمسيحيين ولهم فيها ثمان عشرة كنيسة منتشرة في قرى الغوطة الشرقية، عدا الاديار التي كانت في مواقع القرى كدير العصافير… ودير الصليب المقدس ( كنيسة الصليب المقدس في القصاع) وفق تاريخ دمشق المسيحية وتاريخ ابن عساكر) يكرمون الموقع وهو عندهم على اسم القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس، وتبعهم المسلمون في تكريمه وزيارته بصفته مزاراً باسم النبي الخضر وهو ذاته القديس جاورجيوس.

قرية جوبر وبعد توسع مدينة دمشق صارت حياً من احيائها الشرقية، اعتباراً من اربعينيات القرن العشرين، وقد ادخلها ايكوشار مهندس دمشق الافرنسي في مخطط دمشق التنظيمي، وعلى اراضيها الزراعية نشأ حي القصاع ثم العباسيين ثم حي القصور فالتجارة…

اصل التسمية

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الكنيس من الداخل

الكنيس من الداخل

تنسب تسمية جوبر شعبياً لغار كان قد اختبأ بها النبي إلياس، وكان به جُب صغير (بئر ماء) وكانت المنطقة برّية (غابة) فسمّي المكان (جُب بر) وتطورت التسمية إلى جوبر، وهذا الجُب يقع الآن ضمن الكنيس اليهودي الموجود في البلدة، ثم الحي الذي كان يرتاده الى ماقبل خروج اليهود في العقد التاسع من القرن20 اليهود السوريون والزوار الدبلوماسيون وحتى الى ماقبل بداية الاحداث في سورية في آذار 2011 حيث كان من بقي من اليهود الدمشقيين يحجون اليه باستمرار.


وقد كتب الباحث التاريخي الدمشقي الاستاذ شمس الدين العجلاني والد الشهيد الصحفي ثائر العجلاني مايلي ادناه على مقالين وقد نشرهما في موقع “الأزمنة” ننشرهما بتصرف توخياً للفائدة وفق مايلي

النص الاول

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مقام ايليا النبي في الكنيس

مقام ايليا النبي في الكنيس

في وثيقة نادرة “لقاء” موجودة في الجامعة الأميركية في بيروت، يروي رئيس وزراء سورية 1942- 1943 السابق السيد حسني البرازي قصة محاولة الانتداب الفرنسي شراء كنيس يهودي في سورية، فيقول البرازي رداً على سؤال عن سرقة الآثار أيام الانتداب الفرنسي:
س – متى حدثت قصّة الكنيس اليهودي؟
ج – سبق وأخبرتكم بأني كنت المسؤول، أي الوزير المسؤول عن المعارف، ولم يكن للوزراء السابقين أي رأي، ومن الأمور التي حدثت: موضوع الكنيس اليهودي. كانت دائرة الآثار تابعة لدائرة المعارف، ولما تسلّمتُ وزارة المعارف ُقدّمت لي قرارات متعلّقة باختيار الفرنسيين لبعض الآثار من رومانية وغير ذلك لشرائها ونقلها إلى بلادهم، ومن جملة هذه الآثار الكنيس اليهودي، فقال لي وزير الآثار، الأمير جعفر الجزائري إن الفرنسيين دعوا أحدهم لاختيارها، قلت: “مَن اختارها”؟ قال: “أحد المستشارين”. قلت: “وكيف للمستشار أن يختارها”؟ قال: “من باب الفن. لقد وافقنا نحن على المستشار. فهم يبقون في سورية ما هو حسن”. قلت له: “أنا لست بعالم أثري إنّما لا أتنازل عن الكنيس اليهودي”. قال: “اختاروها وانتهى الأمر”. قلت: “إذن لا أوقّع على القرار. إذا كان القرار يُنفّذ دون توقيعي، فلا مانع”. قال: “كلاّ”. قلت: “إذن بلّغ ذلك”. فأتى المستشار وقال: “إنّ الأصول تقضي بأن تُعهد الآثار إلى المفوّضية الفرنسية وإلى علماء متخصّصين”. قلت: “عندنا كثير من الآثار الرومانية والمتحف فيه أيضاً الكثير. أما كنائس يهودية فليس عندنا إلا هذا. فأنا أصرّ على إبقاء الكنيس اليهودي”. ثمّ خابر المستشار المفوّضية وذهب إلى مستشار المفوّض السامي المختصّ بالآثار. ثمّ عاد مستشار المفوّضية إلى عندي ليقول: “إنّ هذا لا يصحّ”. قلت

Image may be NSFW.
Clik here to view.
رئيس وزراء سورية الأسبق السيد حسني البرازي

رئيس وزراء سورية الأسبق السيد حسني البرازي

له: “إني مصرّ على رأيي وأنا المسؤول والكنيس اليهودي ذو قيمة كبيرة، أما آثارنا الرومانية فكثيرة”. وكان الكنيس عند الصالحية على الفرات. قال: “آسف أن أخبرك بأن الاختيار قد تمّ وقد أرسل قسم من الآثار المختارة في صناديق إلى أميركا لتشاد هناك”. قلت له: “كيف تفعلون ذلك قبل توقيع وزير المعارف؟ إني مصرّ على رأيي”. قال: “ما العمل؟ هل لديكم اختصاصيون لبناء مثل هذه الآثار”؟ قلت له: “أنتم أتيتم إلينا لكي تدرّبونا. على كل حال نستطيع أن نأتي باختصاصي”. وبعد إصرار عنيد وصلت إلى النتيجة التي أريدها. ففكّ القسم الذي كان قد هيئ لشحنه. وكان قد أرسل حوالي 100 صندوق إلى أميركا فأرجعوها ثمّ أتوا بـ إيكوشار المشهور الآن عندكم بخصوص موضوع الكنيس. ولم تنقطع المفاوضات في أثناء ذلك، وبعد أن وجدوا كل هذا الإصرار قالوا لي: “كم تريد ثمن الكنيس وكم تريد أنت؟ باستطاعتنا أن نعطيك دون قيد ولا شرط”. قلت لهم: “لا شيء”. قالوا: “نعطي الحكومة خمسة ملايين ليرة ذهباً. فإنّكم بحاجة إلى المال”. قلت لهم: “لا، ولو كان المبلغ خمسين مليوناً”. كنت كلما رأيت إصراراً منهم وحرصاً على الدّفع تزداد قيمة الكنيس عندي. فلم أقبل بأي ثمن. وهكذا أتوا بالكنيس وأعادوا تركيبه. والآن يعدّ الكنيس اليهودي من أعظم الآثار وهو يعود إلى حوالي 5000 سنة. ويبدو كأنّه قد فرغ الدهّان والمعمار منه اليوم. كلّه قاعات كان يستخدمها اليهود منذ عهد إبراهيم وإسحاق. كما أن الحوادث التاريخية كلّها مصوّرة أجمل تصوير. هذه هي قصّة الكنيس اليهودي…”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الكنيس من الداخل

الكنيس من الداخل

السرقات من كنيس جوبر (ولا يزال الحديث للعجلاني)

“روى لي صديق مهتم بتاريخ اليهود وكان يتردد باستمرار على كنيس جوبر، إنه من خلال زياراته المتعددة إلى كنيس جوبر لاحظ اختفاء العديد من الآثار النادرة من سنوات عدة، فعلى سبيل المثال كان يشاهد وجود سجادة صلاة إسلاميّة عليها صورة مكة المكرمة والمدينة المنورة، معلقة على أحد جدران الكنيس ومكتوب حول السجادة كلمات عبرية بخيطان من الذهب أو ذهبية اللون، ومسابح إسلامية نادرة وفي إحدى زياراته للكنيس افتقدها!؟ كما يروى إنه كان هنالك علامة موطئ قدم للنبي الياهو قبل صعوده إلى السماء، وأيضاً هذه غير موجودة منذ سنوات!؟
ولا يمكننا نكران أن ليهود الشام سوابق في تهريب الآثار إلى “فلسطين المحتلة”، فقد استطاع عدد من أبناء الطائفة اليهودية وعلى رأسهم الحاخام إبراهيم حمرا أن يخرجوا من 
سورية ثروات تراثية لا تقدر بثمن من مخطوطات وقطع أثرية ومنها: (9 مخطوطات من الكتاب المقدس، 40 من لفائف التوراة، 32 صندوق لفائف التوراة المزخرفة..) والحاخام أبراهام حمرا بمجرد وصوله إلى إسرائيل قادماً من أميركا عند هجرته من دمشق، أنشأت له “الدولة الصهيونية ” المركز الدولي لتراث اليهود السوريين!؟ والسؤال الذي يتبادر فوراً إلى ذهن كل قارئ ومن أين سيأتي هذا التراث؟ إذا لم يأت من سورية.. وهل للحاخام إبراهيم حمرا دور في سرقة الآثار اليهودية السورية وتهريبها إلى “الكيان الاسرائيلي”!؟

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مقام ايليا النبي داخل الكنيس

مقام ايليا النبي داخل الكنيس

النص الثاني

” منذ سنوات عدة أسس الحاخام الدمشقي إبراهيم حمرا بدعم من الحكومة الصهيونية، والجالية اليهودية السورية في العالم، مركزاً تراثياً لليهود الذين هاجروا إلىفلسطين المحتلة، وأطلق عليه اسم:”المركز الدولي لتراث اليهود السوريين” ويقع هذا المركز في منطقة حولون في وسط فلسطين المحتلة، وقدمت الحكومة الصهيونية قطعة أرض للحاخام ابراهيم حمرا لبناء هذا المركز، وتقدر قيمتها بنحو خمسة ملايين دولار، ويضم المركز وثائق تاريخية ودينية يهودية نادرة تعود إلى آلاف السنين إضافة إلى معرض للصور، وتشير المصادر الصهيونية أن كل ما بحوزة الطائفة اليهودية في دمشق وحلب والقامشلي من مخطوطات وقطع أثرية قد هُرّبت بمعرفة الحاخام حمرا من سورية إلى فلسطين المحتلة، وأن أغلب هذه المهربات هي الآن في حوزة “المركز الدولي لتراث اليهود السوريين”.

وتذكر المصادر الصهيونية أن الحاخام حمرا بذل جهوداً كبيرة ليُحضر معه من دمشق، مخطوطات قديمة وبعض المقالات والدراسات والكتب بما فيها المتعلقة ب”المحرقة” وطائفة “السفارديم” والتي لا تقدر بثمن، بالرغم من المخاطر التي حفت بتهريب هذه الوثائق، وأن هذه العملية تمت بسرية تامة حيث تم نقل المهربات إلى تركيا، ومن ثم إلى الكيان الاسرائيلي عبر قنوات إفرنسية وأمريكية، وقد عرضت هذه المخطوطات والقطع الأثرية بعد ترميمها يوم 15 تشرين الثاني عام 2000 في منزل رئيس “الدولة الصهيونية” موشيه كتساف.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مشروع بناء المركز الدولي لتراث اليهود السوريين

مشروع بناء المركز الدولي لتراث اليهود السوريين

وتشير المصادر الصهيونية أن الدراسات المعمارية لهذا المركز وضعها أهم المعماريين الصهيونيين، والمركز على شكل عنقود من أبنية ملتفّة حول بعضها بشكل ثابت، وأن هذا المركز سيكون بالنسبة للعالم مركز قيادة وحضارة، ويحتوي المركز عدة أقسام: قاعات للدراسة، وقاعات للشؤون الاجتماعية، ومركزاً ثقافياً، وقاعات للمحاضرات والمعارض، إضافة إلى كنيس… ويخطط الحاخام ابراهيم حمرا الذي يرأس المركز إلى استقطاب جهود يهود العالم، وخاصة السوريون منهم لإنجاح مشروعه الذي يسعى ليكون محط أنظار يهود العالم.

من هو الحاخام ابراهيم حمرا؟

أبراهام (إبراهيم) حمرا، قويّ البنية، ذو لحية سوداء كثيفة، يعيش الآن في إسرائيل، لكنه يسافر إلى الولايات المتحدة بانتظام ليزور بعض أولاده. أصبح حمرا رئيساً للطائفة الموسوية السورية في الثمانينيات من القرن الماضي، خلفاً لرئيسها سليم طوطح، الذي وافتْه المنية آنذاك.
في عام 1976 أصبح حمرا رئيساً للطائفة الموسوية السورية، وظل حمرا في منصبه هذا لحين هجرته من دمشق، وهو واحد من اليهود القلائل الذين بقوا في سورية إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، قبل هجرته دمشق عام 1998

Image may be NSFW.
Clik here to view.
رئيس الطائفة الموسوية في سورية الحاخام ابراهيم حمرا

رئيس الطائفة الموسوية في سورية الحاخام ابراهيم حمرا

إبراهيم حمرا استطاع أثناء قيامه بمهام رئيس الطائفة الموسوية أن يبني علاقات كبيرة وكثيرة مع شخصيات دمشقية في كافة الأوساط، وأقام معها علاقات طيبة
لم يزل أبناء دمشق يتذكرون إبراهيم حمرا كبير حاخامات دمشق الذي يعيش الآن في فلسطين المحتلة بمنطقة حالون، وهو من يهود السفارديم، ويسافر إلى الولايات المتحدة في انتظام ليزور بعض أولاده، وكانت أول زيارة له لأميركا عام 1980 م وكان حينها مقيماً في دمشق، وهاجر من دمشق إلى إسرائيل عن طريق الولايات المتحدة الأميركية، وحين وصوله إلى مطار إسرائيل على خطوط شركة العال الإسرائيلية كان في استقباله رئيس الوزراء إسحق رابين ورئيس الكنيست شيمون بيريز آنذاك.
وحمرا متزوج من يهودية اسمها استيلا وله عدة أولاد، وكانت استيلا تعمل لدى حمرا في مدرسة ابن ميمون بدمشق كأمينة سر، وكانت متزوجة ويقول أهل دمشق إن حمرا كان وراء طلاقها من زوجها الأول. وقد أقام حفل العرس حين زواجه من استيلا في أحد البيوت اليهودية الفخمة بدمشق بحارة اليهود، ودعا لحضوره عدداً كبيراً من أهل دمشق من المسلمين والمسيحيين، وكان ذلك في السبعينات من القرن الماضي، ووزع على كل من حضر هذا الحفل صحناً نحاسياً صغيراً
حمرا هو التلميذ النجيب للحاخام شاوول منجد، وأمضى حياته ولم يزل في خدمة الطائفة اليهودية ومازال حتى الآن مرجعاً مميزاً للطائفة، وحمرا كان يساعد اليهود في دمشق وخاصة لزيارة الولايات المتحدة الأميركية، لأنه كان صلة الوصل مع الحكومة السورية؟ ويطلقون على حمرا في مدينة حولون زعيم الحاخامات أو رئيس الحاخامات لليهود السوريين.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الحاخام ابراهيم حمرا في احد المعابد اليهودية في حارة اليهود بدمشق

الحاخام ابراهيم حمرا في احد المعابد اليهودية في حارة اليهود بدمشق

والسؤال المطروح

هل ذهبت المخطوطات والكتب النادرة وأقدم نسخة في العالم من التوراة من كنيس جوبر إلى “المركز الدولي لتراث اليهود السوريين”؟

مصير كنيس جوبر حالياً

الآن بات من الثابت أن كنيس جوبر، قد تعرض للنهب والسلب منذ فترة وجيزة على أيدي عصابات مسلحة، فهل عملاء الاستخبارات الإسرائيلية في “لواء الإسلام” و”الجيش الحر” سرقوا محتويات هذا المعبد اليهودي الأول في العالم بجوبر وهرّبوها إلى الخارج عبر الأردن وتركيا، وبمساعدة الحاخام الدمشقي ابراهام حمرا !؟ ولحمرا سوابق في مثل هذه السرقات، وهو رئيس الطائفة اليهودية في دمشق.!!! تسريبات اعلامية تحدثت عن دور الكيان الصهيوني والحاخام ابراهيم حمرا في تهريب محتويات كنيس جوبر الى اسرائيل ةان الاستخبارات الصهيونية قد اتخذت القرار بنقل محتويات الكنيس الى اسرائيل وان الكنيس وبعد ثلاثة اسابيع تعرض الكنيس لقذائف هاون دمرت اجزاء من جدرانه الخارجية وبهوه الداخلي.

كلفت “هذه الاستخبارات” ما يسمى “جيش الإسلام” المتحكم بجوبر ودوما وكافة الغوطة الشرقية بسرقة كنيس جوبر وتهريب المسروقات إليها عبر الأراضي الأردنية والتركية!؟

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الكنيس بعد سقوط قذائف الهاون عليه

الكنيس بعد سقوط قذائف الهاون عليه

الحديث يدور أن مجموعة عملاء “كوماندوز” مؤلفة من حوالي 15 شخصاً ينتمون لوحدة” الفهود اليهودية السوداء” أغلبهم من اليهود العرب، سوريون وعراقيون ومغاربة ولبنانيون.. تنكروا بزي “مجاهدين إسلاميين من ميليشيا “الجيش الحر”، وصلت هذه المجموعة إلى جوبر بالتعاون مع جهات أمنية أردنية وتركية ومع “جيش الإسلام”، وقامت بالسطو على محتويات المعبد اليهودي السوري من المخطوطات المقدسة والمقتنيات النفيسة التي لا تقدر بثمن، بما في ذلك نسخة من التوراة التي تعتبر من أقدم النسخ في العالم، قبل نقلها خلسة بواسطة “جيش الإسلام” ومجموعات أخرى من ميليشيا “الجيش الحر” إلى خارج سورية عبر طرق مختلفة، وأن فريق التهريب انقسم في طريق العودة إلى أكثر من خمس مجموعات مؤلفة كل منها من شخصين أو أكثر يحمل معه جزءاً من المخطوطات للحيلولة دون فقدانها كلها في حال وقعوا في أيدي السلطات السورية.

أحد المصادر الإعلامية تحدث مع عدد من مواطنين من حي جوبر، الذين أفادوا أن الكنيس اليهودي قد تعرض للسلب والنهب من قبل ميليشيا “الحر” لكن دون أن توضح ما هي المسروقات بالضبط.

ملاحظات

– ظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه عناصر ميليشيا “الجيش الحر” في حي جوبر بدمشق وهم يدخلون الكنيس اليهودي. ويوضح المقطع أن الكنيس قد خُرب في جزء منه، وتم السطو على بعض المعالم واللوحات، والكتب ذات الرمزية الدينية لليهود.

– من المعروف أن ميليشيا “الجيش الحر و جبهة النصرة” ومجموعات مسلحة أخرى منتشرة في محيط كنيس جوبر منذ عدة أشهر (المقال كتب ونشر في شهر حزيران 2013) وعمدت إلى استهداف المدنيين الجوابرة، وتهجيرهم من منازلهم بعد السطو عليها.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
التخريب الحاصل داخل الكنيس بنتيجة قذائف الهاون

التخريب الحاصل داخل الكنيس بنتيجة قذائف الهاون

– لا يخفى على أحد أن هؤلاء الدخلاء على أرض سورية، لا ثقافة لهم أو عقيدة، ولا يعترفون بحرية الديانات والعقائد، ولهم فكر “وهابي” وسبق أن وضعوا “عقلهم بعقل” تمثال المعري على سبيل المثال وقاموا بتحطيمه!؟”

– واللافت انه برغم تناقل الوكالات الصحفية العالمية لخبر سرقة محتويات الكنيس اليهودي، إلا ان “الكيان الصهيوني” لم يحرك ساكناً

– والجميع يعرف ان لحاخامات اليهود السوريين سوابق في تهريب الآثار اليهودية السورية إلى “إسرائيل” وخير دليل على ذلك الحاخام الدمشقي ابراهام حمرا، وما رواه رئيس وزراء سورية الأسبق حسني البرازي…

إن سرقة ونهب كنيس جوبر اليهودي، وتهديم جزء منه، يطال سرقة جزء من تاريخنا الحضاري السوري، وتهديم جزء من ذاكرتنا نحن أصحاب الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية. كنيس جوبر هو المكان المقدس لدى اليهود لكونه مقام النبي الياهو، وهو المكان المقدس لدى المسيحية لكونه مقام مار جريس، وهو المكان المقدس لدى الإسلام لكونه مقام النبي الخضر

ويبقى السؤال، هل التاريخ يعيد نفسه؟ هل يجب علينا قراءة التاريخ بشكل جيد والاعتبار من أحداثه ووقائعه؟ هل سبق وأن سرقت الآثار اليهودية من دمشق؟”

(انتهى نص مقال العجلاني الثاني)

Image may be NSFW.
Clik here to view.
الحاخام حمرا مع زوجته في منزله بفلسطين المحتلة

الحاخام حمرا مع زوجته في منزله بفلسطين المحتلة

واضيف ان ماحصل لسرقة محتويات كنيس جوبر سبق ان حصل لمخطوطات وادي قمران في خمسينيات القرن العشرين بشرائها من المطرانية السريانية في القدس.


خربشات سياسية…أغنية عالروزانا…عالروزانا كل الحلا فيها…

خربشات سياسية…

أغنية عالروزانا… عالروزانا كل الحلا فيها…

* هذه القصة مهداة الى بعض من اخوتنا في لبنان، ليتذكروا اننا إخوة مهما غربوا انفسهم عنا او مهما غربهم البعض… ان سورية هي الشقيق الأكبر والشقيق هو اكبر من الأخ، الشقيق هو المولود من امك وابيك… واننا نحن واحد في بنوتنا لأبينا التاريخ في ماضيه السحيق وحاضره المؤلم ومستقبله، وفي بنوتنا لأمنا سورية الكبرى التي قسمها كل من سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي عام 1916وبلفور وزير خارجية بريطانية وفيه وهب فلسطين، وهو ليس بالواهب ولا يمتلك الحق بالهبة، الى اليهود لاقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وهم وليسوا بأصحاب حق في فلسطين، فشعبها الحي هو صاحب الحق فيها، وهي ولبنان والاردن جزء من سورية، وهي كبد الشام… كما ان لبنان هو رئتها… 

الروزانا هي للذكرى… لعل الذكرى تنفع المؤمنين…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بيروت الرصيف البحري مطلع القرن 20

بيروت الرصيف البحري مطلع القرن 20

قصة الروزانا

في آخر أيام الحكم العثماني البغيض لبلادنا… أرسل الأتراك العثمانيون باخرة ايطالية إسمها “روزانا” محمّلة بالبضائع والمواد الغذائية والفواكه والخضار لبيعها في أسواق بيروت، بأسعار منخفضة للمضاربة على بضائع وتجارة وتجار بيروت، وبيروت وقتها كانت الميناء التجاري لكل سورية الكبرى ….

وهذا ما حصل فعلاً … فتكدست البضائع اللبنانية في الأسواق، وكسدت، وكادت أن تتلف وخاصة ، بفضل جودة ورخص البضائع التي حملتها الباخرة روزانا…

فهب تجار حلب، وحلب حاضرة التجارة في سائر بلاد الشام، هبوا لنجدة اخوتهم تجار بيروت واشتروا وبالسعر الطبيعي سائر بضائعهم المتكدسة التي بارت وكسدت، وباعها تجار حلب في سائر بلاد الشام بسعرها الطبيعي بدون اي ربح اضافي…وكانت الغاية هي انقاذ تجار بيروت من الافلاس…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
المراكب التجارية الشراعية

المراكب التجارية الشراعية

وقتها غنى البيروتيون شكراً لحلب والحلبيين اغنية باسم روزانا على اسم الباخرة التجارية…

واقع اليوم عند البعض

* اليوم بسبب العنعنات السياسية التي باعدت الأشقاء عن بعضهم، كما هو حاصل عند فريق من اخوتنا اللبنانيين بحق سورية ناسين انه لأجل ان يبقى لبنان واحداً موحداً بصيغة لاغالب ولا مغلوب قضى فقط 20000شهيد من الجيش السوري عدا عن اضعافهم جرحى ومنهم مخطوفين مغيبين وخاصة في الغزو الصهيوني للبنان واستباحة بيروت 1980.

لقد اقرت القيادة السورية فتح دمشق وكل المدن السورية برمتها من عام 1975 وطيلة الحرب الأهلية اللبنانية وحتى اتفاق الطائف لكل المصالح والأعمال والتجارات بما في ذلك الايواء في البيوت الخاصة والسماح للسيارات اللبنانية الخاصة بالعمل كسيارات اجرة في دمشق وسواها بدون رخصة الا انها بنمرة لبنانية… وكذلك في عدوان تموز 2006… ولن ادافع عن الفساد والمحسوبيات والظلم الذي اوقعه البعض من رموز واتباع ماسمي بحاكم لبنان وقتئذ عبد الحليم خدام… وغازي كنعان… بما فيهم لبنانيون كثيرون منهم من الطغمة السياسية اللبنانية الحاكمة وأثرياء الحرب اللبنانية الأهلية القذرة… وهم الذين كانوا السبب بالاحتماء وتمرير المصالح على “مبدأ طعميني لطعميك”

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بيروت مطلع القرن 20

بيروت مطلع القرن 20

ان هذا كان ولايزال عندنا مرفوض وعند كل سوري شريف ولانرضاه… وان كان هذا الفريق يسب السوريين باستمرار، وهو الذي كان منتفعاً من السوري، وبكل اسف صار شامتاً بما حصل، ويحصل لسورية من تدمير وخراب ومئات الوف الضحايا الأبرياء، وساهم ويساهم في ذبحها بما اوتي من سلاح ونفوذ وارتهان لا بل ساهموا في تهريب السلاح للارهابيين وكانوا يهللون ويكبرون ويقومون بضيافة الحلويات على مفارق الشوارع عند كل انتصار يحققه هؤلاء على الجيش السوري كما حصل في سقوط تدمر مؤخراً… واقاموا مجالس العزاء في بعض المناطق كما حصل في تحرير حلب، حتى ان بعضهم اعتبر ان لامشكلة معهم مع النصرة وداعش وقد تناسوا شهداء الجيش اللبناني البطل والمقاومة اللبنانية المذبوحين، ولا يزال المخطوفون بقبضة داعش والنصرة…

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بيروت وشاطئها اواخر القرن 19

بيروت وشاطئها اواخر القرن 19

* ربما نسي هذا الفريق اللبناني كل ماجرى، وهذه الدماء الطاهرة وثكل 20000 ام وزوجة واولاد بشهدائنا عدا الجرحى والمخطوفين… ويجب ان لايحمل كل سوري وزر مافعله انتهازيون يوماً  وقت الوجود السوري بلبنان…لقد نسي هذا الفريق مشانق 6 أيار 1916… مشانق ساحة الحرية في بيروت وساحة الحرية (المرجة) في دمشق وقد ضمت خيرة احرار سورية الواحدة من سوريين ولبنانيين وفلسطينيين من ابناء سورية الواحدة، وانشدت دمشق صباح 6 أيار “زينوا المرجة والمرجة لنا، شامنا فرجة وهي مزينة”، والمقصود بهذه الزينة، الأحرار الذين تدلوا على أعواد المشانق…

ربما نسي هذا الفريق من الاشقاء اللبنانيين قوافل القمح التي هربها الدمشقيون في فتنة سفربرلك ومجاعتها الى لبنان الجائع من قيود وجواسيس الأتراك وبطش السفاح جمال كما صور الرحابنة وفيروز الرائعين في مغناتهم ” سفر برلك” وعكسوا جزء بسيطاً من الواقع وقتها، حيث قضى العديد من الدمشقيين في تهريب البضائع والقمح الى اخوتهم اللبنانيين الجائعين في جبل لبنان وبيروت، كما نسي هذا الفريق مثلث الرحمات بطريرك الرحمة غريغوريوس حداد، القديس الذي لم يطوب بعد، الذي

Image may be NSFW.
Clik here to view.
حلب الجميلة مطلع القرن 20

حلب الجميلة مطلع القرن 20

راعته تلك الجموع الغفيرة الجائعة من اللبنانيين التي وفدت الى دمشق (1914- 1918) وقضى عشرات الالوف منهم شهداء الجوع على ارصفة دمشق، ففتح ابواب بطريركيته الأرثوذكسية ومريمية الشام في محلة الخراب بالشارع المستقيم وآواهم واطعمهم مع اشقائهم من دمشق، بغض النظر عن الدين والمذهب وباعت البطريركية وقتها كل املاكها واوقافها في دمشق والكثير من الاديار، لتسد ديون الدائنين وفوائدهم الفاحشة وخاصة منهم اليهود… وقد باع صليب قلنسوته الماسي المهدى له من قيصر روسيا 1913 بألف ليرة ذهبية وباع آنية مريمية الشام الذهبية والفضية…

* ارجو من هؤلاء الأشقاء ان لاينسوا وكفى بالبعض اذلالاً وابتزازاً للسوريين على معابرالحدود، فالسوريون وصلوا الى حافة الجوع…

وليتذكروا اخيراً ان الكثير من عائلات بيروت الشهيرة هي من دمشق وبقية المناطق السورية، وان تلة الاشرفية الأشهر اليوم في كل لبنان، وكانت تلة مشجرة غير

Image may be NSFW.
Clik here to view.
البطريرك غريغوريوس الرابع 1906- 1928 بطريرك الرحمة

البطريرك غريغوريوس الرابع 1906- 1928 بطريرك الرحمة

مسكونة/ ان من ساهم في بنائها (لم نقل ان كل بناتها) كان الدمشقيون الارثوذكسيون الناجون من مذبحة 1860 وبنوا فيها بيوتهم ومدارسهم، وفي جعبتي الكثير الكثير من هذه الشواهد من الوثائق البطريركية وغيرها من شهادات الشهود ومنهم جدي رحمه الله ابن راشيا الوادي الذي انجدته دمشق وآوته ونشأت اسرتنا فيها.. وان ابناء الجنوب اللبناني في اقضية حاصبيا وراشيا والبقاع كانت وجهتهم وعاصمتهم دمشق بتجارتهم وتسوقهم واخيراً بلجوئهم، وان من نجى منهم من مذبحة 1860 استقروا في محلة الميدان بدمشق وتدل اسماء مناطقها عليهم (ساحة الرياشنة نسبة الى راشيا والتيامنة نسبة الى وادي التيم…) ومنهم اسرتنا الراشانية…

ارجوكم احبتنا لاتنسوا هذا التاريخ الواحد والنسب الواحد وحتى الرئاسة الروحية هي واحدة في بطريركية انطاكية بمكوناتها وبسورية ولبنان، مع شكري وشكر كل سوري للبنانيين الأحبة (وهذه هي مبدأيتهم الأخوية) الذين ردوا لنا الجميل بكل خيريتهم وبظروف لبنان الشقيق الدقيقة واستضافوا السوريين بكل محبة واحسنوا اليهم… ومنهم الكثير من المهجرين واللاجئين والعائلات والشباب فشكراً لكم والف شكر…

* ونعود الى الروزانا وقد سوقناها لأنها مثال فني جميل، ولقد نسي هؤلاء الأحبة هذه الحادثة الأخوية، المرتبطة باسم الباخرة روزانا انما من المؤكد انهم لم ينسوا كلمات هذه الأغنية اللتي كتبها اللبنانيون تعبيراً عن الشكر لأهل مدينة حلب… وصارت تبعاً لذلك من التراث الفني الحلبي الأصيل…

ولم يبق مطرب سوري او لبناني إلا وقد غناها…. عبر أكثر من مائة وعشر سنوات…

اغنية الروزانا

“عالروزانا …. عالروزانا


كل الهنا فيها وكل الحلا فيها
شو عملت الروزانا الله يجازيها
يارايحين ع حلب حبي معاكم راح
يامحملين العنب تحت العنب تفاح

كل من حبيبه معه وانا حبيبي راح

ياربي نسمة هوا ترد الولف ليَ
على مايبدو أن أحقاد العثمانيين على حلب دفينة منذ القدم ولا تزال بما فعلوا في حلب حتى تحريرها مؤخراً، اضافة الى طمعهم بسائر منطقة حلب، ومن خلال مجنديهم وبتسميات وشعارات مختلفة…
والتي لم يبقى مطرب لبناني أو سوري او فلسطيني واردني إلا وغنى هذه الأغنية الشهيرة…
هي دعوة محبة لبعض الساسة وللاخوة في لبنان الشقيق الأصغرالى عدم التناسي والنسيان وايقاذ الغرائز والفتن الطائفية والمذهبية…وسيبقى لبنان الصغير واحة للمحبة والدفء والانسانية مهما حاول هذا البعض اظهار عكس هذه الصورة، وستبقى بيروت شقيقة دمشق كما عمان والقدس…

وليتذكروا اننا واحد في شامنا الكبرى…


للذكرى والتاريخ معجزة للعذراء في قبرص…

للذكرى والتاريخ

معجزة للعذراء في قبرص
في مشاركة لي عام 1984 في قبرص بمجلس كنائس الشرق الأوسط في مركزه في بلدة (أيا نابا) بمؤتمر نظمه “معهد الدراسات المسكونية” التابع للمجلس، كان بعنوان: “العقيدة الأرثوذكسية” من ليتورجيا وموسيقى وايقونات وتاريخ ورهبنة وكهنوت… كان وفد الكرسي الانطاكي مؤلفاً من سيادة المتروبوليت العلامة جورج خضر مطران ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما رئيساً والسيد د.طارق متري الاستاذ في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، والاستاذة فريدا حداد، والارشمندريت

Image may be NSFW.
Clik here to view.
واجهة كنيسة دير كيكو

واجهة كنيسة دير كيكو مقر مجلس كنائس الشرق الاوسط

دامسكينوس (منصور) (متروبوليت البرازيل حالياً) والسيد جبران اللاطي (كاهن حاليا ومن اداريي معهد اللاهوت في البلمند)، اي ان هذا الوفد كان على مستوى رفيع في اللاهوت والمعرفة والعلم، والثلاثة الاوائل كانوا من المحاضرين في هذه الحلقة المخصصة للتعريف بالكنيسة الارثوذكسية اضافة الى مشاركين من شتى الكنائس الارثوذكسية في اليونان وروسيا… والكنائس الشرقية من السريان والأقباط، ومن العائلة الانجيلية ولم تكن العائلة الكاثوليكية مشاركة بعد في مجلس كنائس الشرق الاوسط وتشارك بصفة مراقب فقط، كانت مدة المؤتمر 12 يوماً وخصصت ادارته الايام الثلاثة الأخيرة منه بزيارات ميدانية للاطلاع على الارثوذكسية من نواحيها المتميزة كالرهبنة والفن الايقونوغرافي… وقد تسنى للمشاركين من كل الكنائس زيارة اديار قبرص الرهبانية وكان منها دير دير كيكو

Image may be NSFW.
Clik here to view.
مقر مجلس كنائس الشرق الأوسط في دير كيكو

مقر مجلس كنائس الشرق الأوسط في دير كيكو

الرئاسي حيث تتجلى فيه فخامة القصور الرئاسية حيث كان القصر الصيفي للرئيس القبرصي الراحل رئيس اساقفة قبرص مكاريوس، وهناك ترهب منذ طفولته، ودفن فيه وهو دير رهباني رائع بفخامته الارثوذكسية من نقوش ومنمنات وايقونات وفريسك ايقونوغرافي… ومقصداً للرحلات من كل انحاء العالم،   ودير  هريسوروياتيسا الوادع  ويقع وسط طبيعة خلابة من الغابات الجميلة،

Image may be NSFW.
Clik here to view.
دير هريسوروياتيسا في قبرص

دير هريسوروياتيسا في قبرص حيث حصلت المعجزة

ويضم نيف و50 راهباً معظمهم من الشباب الحائز الدكتوراه والشهادات العليا في العلوم والمعارف اضافة الى اللاهوت وهم يعيشون نسكاً قاسياً بايمان وعشق الهيين وبوفاء للنذور الرهبانية الثلاثة الفقر والعفة والطاعة…
حكى لنا رئيس الدير عن ان الدير ودع منذ شهر تقريباً اكبر رهبانه واقدمهم بانتقاله الى الأخدار السماوية، وحكى لنا قصة رهبنته قبل اكثر من ثلاثة ارباع القرن، وكان فتى حين هرب من بيت ذويه وجاء الى هذا الدير راغباً بالنسك، وحكى لرئيس الدير ان اهله يرغبون بتزويجه كونه وحيدهم ولتأسيس اسرة وهو لايرغب…
لحقه والداه الى الدير واجتمعا مع الرئيس وسألاه اقناع ابنهما بالعودة معهما للبيت ريثما يصير بعمر الزواج ، وانهما لن يمانعا في كهنوته كخوري رعية بعد زواجه…

على الرغم من عدم قناعته، استدعى رئيس الدير الفتى اليه بحضور والديه واقنعه بصعوبة بالعدول عن فكرة الرهبنة، والعودة مع اهله وعندما يصير بعمر الزواج يتزوج وفق رغبة اهله ليفرحهما بذرية، وأذن له بوداع اخوته الرهبان، فودعهم باكياً، ودخل الكنيسة ليتبرك بتقبيل ايقونات الأيقونسطاس، وكان والداه واقفان على باب الكنيسة يشاهدان مايقوم به ولدهما.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ايقونة والدة الاله...

ايقونة والدة الاله…

 سجد الفتى الباكي امام الباب الملوكي، وعمل مطانية، وسجد لأيقونة السيد يمين الباب الملوكي وقبلها، ثم انتقل الى ايقونة السيدة شفيعة الدير يسار الباب الملوكي، وعمل امامها مطانية وسجد امامها… وفيم هو منحن امامها سقط من سقف الكنيسة حجر كبير باتجاه رأس الفتى، فما كان الا وخيط ايقونة السيدة( المخصصة للتقبيل) الذي يشدها للأيقونسطاس قد انقطع وغطت رأس الفتى حيث سقط الحجر على ظاهرها المدعم بعارضة خشبية متينة…

ساد صمت وذهول لفترة ثم قام الفتى وركض نحوه والداه والرهبان، فقام بتقبيل الأيقونة وهو يبكي فرحاً ويصلي للسيدة التي حمته. اما والداه فقد اعلنا وبصوت واحد ان ابنهما هو ابن العذراء، ونذراه لها، وتركاه من يومها لرغبته في الرهبنة، وانا بدوري وكل المشاركين وخاصة من الكنيسة الانجيلية وكانوا في معظمهم من القساوسة وزوجات القساوسة ومن الكنائس الأميركية لما سمعت بهذه الأعجوبة التي اجترحتها السيدة الطاهرة بأيقونتها، سجدت امامها وقبلتها بدموع على معجزاتها الدائمة… ومعي كل الوفد الانطاكي…

اما الاخوة المشاركين من الكنائس الانجيلية، وكلهم ووفق عقيدتهم لا وزن للقديسين في عقيدتهم، والسيدة العذراء مجرد واسطة لمولد المخلص، ولا وزن لا للايقونة ولا للترتيل اطلاقاً في عقيدتهم، سيما وكانوا كلهم من القساوسة وزوجات القساوسة ومن الولايات المتحدة تحديداً ولكل منهم باع كبير في التبشير فقد تمثل ردهم في اقدامهم على اقتناء الايقونات وخاصة ايقونة السيدة الطاهرة.

Image may be NSFW.
Clik here to view.
دير كيكو وهو اهم الاديار في قبرص والمقر الصيفي لرئيس الاساقفة

دير كيكو وهو اهم الاديار في قبرص والمقر الصيفي لرئيس الاساقفة

 اليوم اناشد كل من يؤمن بالعذراء اخوتي المسلمين قبل المسيحيين فهم يوقرونها ويصفونها (ستنا مريم ) فلنصل امامها جميعنا، ونتضرع لها لتحمي وطننا وهذا الشعب الطيب والمسكين والذي يُذبح أكثر فأكثر، ولتوقف هذا النهر من الدماء السورية الطاهرة وانا اسجد معهم بدموع.

خربشات سياسية…دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

 

خربشات سياسية…

دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

يقولون ان مصر هي هبة النيل…

وانا اقول ان دمشق هبة بردى والفيجة…

منذ فجر التاريخ ثمة صداقة بين كل دمشقي مهما كان وضعه المادي وتمتد مع وادي بردى من قهوة ابو شفيق في الربوة، الى مصايف بلودان والزبداني ومقاصفها… وقد استأثرت كل قرية بنصيبها من الشوام، الذين كانوا يرون فيها مصيفهم…

في بلودان حيث القرية مسيحية وشعبها فقير، بدأ الدمشقيون المسيحيون الأغنياء بالاصطياف فيها منذ العقد الأخير من القرن 19 وتحديداً منهم الارثوذكس الذين بادروا هم الى تحديث كنيسة القديس جاورجيوس التي كانت ديراً مندرساً، والانفاق عليها واقتنوا القصور في محيطها… وتطور وضع القرية في فترة الانتداب ونشأت فيها بعض المقاصف والفنادق واهمها كان فندق بلودان الكبير وصار مقصداً للنخبة من الدمشقيين وفيه عقد اول مؤتمر كشفي عربي السنة 1939…

كنا نحن في الكشفية نجد الجديدة ودمر والهامة وادي بردى ونبع بردى ونبع الفيجة وهريرة وسوق وادي بردى والزبداني وبلودان مرتعاً رائعاً للتخييم والأنشطة وخاصة المسير الكشفي على سكة القطار تحت الاشجار الظليلة الوارفة، وصوته الهادر كان محبباً الى نفوسنا، ورحلاتنا فيه الى اي قرية في هذا الوادي الجميل الرائع في وداعته وطيبة اهله… ولم ننسى نبع بردى ومخيمنا الكشفي فيه الذي صار مخيماً لكشاف سورية بعدما قام الكشافون بتشجيره واقيم فيه ثلاثة مخيمات كشفية عربية وكان الكشافون العرب سعداء بوجودهم في بقعة الجنة هذه… وبهذا انضم الكشافون العرب في حب المنطقة الينا نحن الكشف السوري…

لم انسى عندما كنا صغاراً فتياناً في الحركة الكشفية، وكنا مخيمين في منطقة الجديدة واحتجنا للخبزللعشاء، كيف ان سيدة من اهل القرية، اعطتنا كل مخزون البيت من الخبز المشروح، والذي من المقرر ان يكفي بيتها لثلاثة ايام، بعدما قرعت بابهم في غروب احد ايام المخيم، وسألتها ان كان ثمة فرن او مكان يبيع الخبز، وأبقت لها مايكفي لعشاء العائلة، وافهمتني انها غداً تقوم بعجن وخبز خبز لها ولنا… وقامت بالتالي بأخذ كمية مماثلة من جارتها لأجلنا… وضحكتها تملأ وجهها…

الذاهب بالقطار، ايام زمان، الى دمشق لا بد ان يعرج على ذلك الكرنفال السحري في قرى وادي بردى. نساء يحملن صواني الجوز والتفاح على رؤوسهن، ورجال ملأوا السلال لاغواء المسافرين باشياء الزمن الجميل…
واذا تسنى لك ان تجلس في احد المقاهي بين الاشجار الوارفة، لا مناص من ان تصادف من يقول لك انه لولا هذا الوادي لما كانت دمشق اقدم مدينة في الدنيا. هو يمدها بالنسيم العليل الذي يحد من جنون الهواء الآتي من البادية…
هو أيضاً الذي يبعث اليها بالماء الذي احترف، ربما منذ الازل، صناعة الياسمين…
في الطريق، وعلى وقع لهاث القطار الذي يتلوى بين الاودية، يطالعك نبع بردى.
النهر الذي كما لو أنه النص الالهي. الم تكن القوافل الآتية من شبه الجزيرة، أي من الشظف والقيظ، تحط الرحال على ضفاف بردى في اول الربوة بمدخل دمشق التي هي صورة طبق الاصل عن ضفاف الفردوس، الدنيا بدأت باشجار الحور والصفصاف التي هناك و”القطوف الدانية”.
الدمشقيات، ايها السادة، الم يكنّ، وما زلن، حوريات الدنيا؟
هذا ليس رثاء لوادي بردى ولأهلها الذين يشبهون بساتين التفاح، والاجاص والدراق…والصخور التي تزنرها بين الحين والآخر، بل هي صرخة من أقاصي القلب، بالاحرى من أقاصي الروح، للحيلولة دون البقاء داخل تلك اللعبة العبثية (الصدمية)، وحيث القتل للقتل، بل حيث قتل السوري للسوري لمصلحة من حملوا على ظهورهم الايديولوجيات البلهاء، ومن وقعوا في غواية التاريخ او في غواية القتل والتدمير … حيث ساهموا في ذبح اهل دمشق بسلاح الماء.
كل من يتهم الدولة السورية بالتقصير في خدمة اهل الوادي حتى اعتنقوا هذه الايديولوجيا، او اكثرها، انها ادارت ظهرها للريف، هو واهم، لأن الخدمات التعليمية والاستشفائية والخدمات كلها واحدة لكل سورية، وخاصة الريف القريب لدمشق، وقد ملأت المقاصف والفيلات والقصور والمشاريع الزراعية والمدارس والمستوصفات… قرى الوادي… وهو آخر ما تبقى لنا من الزمن الجميل.

ربما الذي جعل اهل الوادي يشعرون بغبن ما ان الاوتوستراد السريع الذي من دمشق الى الحدود اللبنانية حجب كل تلك المصايف والقرى الخلابة ولكن بقناعتي ان هذه القطعة الخلابة كان لها عاشقوها وانا منهم، والحسنة بالنسبة لها انها ابعدت عنها التلوث والضجيج واخطار الطريق.
وكان الذاهب بالقطار حين يصل فجراً الى محطة الحجاز ويتناهى اليه صوت المؤذن يشعر كما لو ان الله (شخصياً) هو الذي يرفع الاذان…
هذه الشكوى من الاهمال الموهوم او من التفرقة الموهومة، وهذا ما استثمره، الى ابعد مدى، حفارو القبور، وهم اياهم حفارو الانفاق، لتسويق لغة الغرائز. كثيرون سقطوا في جاذبية البنادق علّ الغد يكون افضل، ودون ان يدري هؤلاء ان من يدعون بالثوار في ربيعهم الدموي، وقد تعسكروا، وراحوا يعملون كمرتزقة لكل من يريد وضع اليد على سورية، انما يدفعون بالزمن الى آخر الزمن… وهل يوجد شيء احط واقذر من تسميم الماء ونسف ينابيعه الذي بعهدة مناطقهم والمفروض انه بحمايتهم سلموه للغرباء، المرتزقة، الساقطون، هم من يمسكون بلحاهم، كما لو انها لحى الابالسة، بالوضع في بعض قرى الوادي التي معظم سكانها نزحوا الى دمشق. هؤلاء هم الذين يقطعون مياه عين الفيجة او يلوثونها. اي ثورة تقطع المياه عن اهلها؟ ويأتي وفد الفصائل المسلحة في مؤتمر الاستانة ليدافع عمن سمم المياه وفجر النبع متهما الجيش السوري المدافع عن هذه المياه بأنه السبب…!!!
لاهل الوادي عموما (وقرية عين الفيجة) الذي يمتد الى لبنان، ، ولنا هناك عشق وطن رائع وذكريات طفولة وفتوة وشباب وكهولة، نقول انظروا الى ما يحدث على الارض السورية. اليست لعبة الامم، وقد تقاطعت تكتيكياً، مع لعبة القبائل هي التي دمرت كل شيء واحرقت كل شيء؟..
الايام سوف تكشف بربرية الكثيرين، وسذاجة الكثيرين. هل نبالغ اذا قلنا ان العقود المنصرمة شهدت حركة عمران لافتة جداً في قرى ومصايف الوادي، ولا نظن ان المعاناة كانت عاصفة، مادياً وحتى سياسياً، الى حد السقوط في غواية الصدم…
لا احد يغفل الحاجة الى التطوير السياسي، والى تحديث فلسفة (وآليات) الدولة، المتعلمون كثيرون في الوادي ويفترض ان يكون لهم دور. هكذا في كل سورية، ولكن ليس باحراق سورية…
ولتكن المصالحة، لا الانتحار، هي الخيار ان كنا نعلم اي هيستيريا تطبق على بعض من يمسكون بالزمام. وادي بردى ونبع الفيجة الذي كما لو انه النص الالهي يستصرخكم. اعيدوا للزمن الجميل زمانه…وللجيش الحبيب الف تحية واكبار لك ولشهدائك…

ويبقى الوطن امانة في اعناقكم…وتبقى عيناه خضراوين…

المجد والخلود للشهداء والجرحى…

ويبقى العشق بين دمشق ووادي بردى حكاية الهية…

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>