Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

دير خالد بن الوليد في دمشق

$
0
0

دير خالد بن الوليد في دمشق

توطئة

ورد في بعض مصادر حصار المسلمين لدمشق السنة 635 مسيحية ذكر لدير اسماه المؤرخون ب “دير خالد بن الوليد”…
هل تعلم ماهو هذا الدير واين…؟

الحقيقة اني عكفت على البحث ملياً في كل المراجع، وسير الفتح التي وثقت لحصار المسلمين وقتئذ لدمشق من كل جهاتها، وكيف عسكرت فصائل جيش المسلمين مع قادتها وفيهم عدد من الصحابة امام ابواب دمشق السبعة…فلم اعثر على ذكر لهذا الدير…

مخطط لدمشق بريشة مستشرق ورحالة اوربي تعود الى القرن 15

مخطط لدمشق بريشة مستشرق ورحالة اوربي تعود الى القرن 15

ونشير في هذا الصدد الى ان الأديرة الرهبانية التابعة للخلقيدونيين (الكنائس الأرثوذكسية) واللاخلقيدونية (اليعاقبة السريان) والنساطرة… كانت تنتشر في كل محيط دمشق من (الحدود الادارية لمحافظات القنيطرة ودرع والسويداء حالياً) كدير رؤية القديس بولس في كوكب الى كل غوطتها التي تحيط بها احاطة السوار بالمعصم ولا تزال بعض اسماء القرى تحمل اسم دير كدير العصافير ودير جرمانوس ( بلدة جرمانا ودير مقرن…) ودير الصليب المقدس ( كنيسة الصليب المقدس حالياً) ودير حنانيا الرسول ظاهر دمشق جنوباً ( كنيسة القديس حنانيا الرسول في محلة الميدان /حارة القورشي حاليا) … الى كهوف قاسيون كمغارة الاربعين وهم الرهبان الاربعين.. واديرة قاسيون ومنها دير النيربين ( قصرتشرين الرئاسي حالياً)…الى اديرة كانت تقع بين فروع نهر بردى السبعة ومنها دير الفراديس في منطقة باب الفراديس بالقرب من بيت القديس الدمشقي يوحنا… الخ

بعد كل البحث لم نعثر على دير باسم خالد بن الوليد…!!!

اذاً اين كان يقع هذا الدير الذي نُسب الى دير خالد بن الوليد ولماذا اسمي بهذه التسمية؟

محيط جامع الشيخ ارسلان من الداخل او دير مارسمعان اليعقوبي

محيط جامع الشيخ ارسلان من الداخل او دير مارسمعان اليعقوبي

لذا نجزم في قولنا التالي

من المؤكد ان كلمة الدير تنصرف كما اسلفنا وماهو معروف الى مكان يعيش فيه الرهبان والراهبات المتوحدون والمتوحدات..ولم الأمر الذي يستحيل انطباقه على اعظم قائد لجيوش المسلمين اسماه نبي المسلمين ” سيف الله المسلول” لا بل وتشير سيرة القائد المذكور عن تهوره في الجهاد عن الاسلام لدرجة التهور كما ورد في الكثير من المراجع وحماسه في بسط الاسلام في بلاد الشام على حساب سكانها المسيحيين وسواهم …

نبذة تاريخية

باب شرقي والسور الشرقي لدمشق من القرن 18

باب شرقي والسور الشرقي لدمشق من القرن 18

عندما حاصرالمسلمون دمشق السنة 635م عسكر خالد بن الوليد أمام الباب الشرقي او باب الشرقية ( نسبة الى قرية اناطولي اليونانية الصرف الواقعة على ضفة بحيرة العتيبة مصب نهر بردى في عمق الغوطة وقد بقيت عامرة بسكانها اليونانيين حتى القرن 11 وفقاً لمخطوط تاريخي باليونانية كتبه مؤرخ يوناني دمشقي وسلط عليه الضوء الأب المؤرخ البحاثة الخوري ايوب سميا مؤرخ دمشق وهو معلمي في حب التاريخ…ومشيت على خطواته…)، ونزل عمرو بن العاص على باب توما ( وهو منسوب الى قائد عسكري روماني عظيم (بطريق) كان يحميه مع جنوده… لذا نُسب اليه)
ونزل الصحابي شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس ( موقعه بين الخضرة والتقاء فرعين من فروع بردى وكانت المنطقة حصينة عدا عن وجود مانع مائي هادر كان بفصل المهاجمين عن الباب، متشابكة الأشجار اشبه بالجنان لذا تسمى فراديس وهي كلمة يونانية تعني الجنان)
اما قائد الحملة فكان ابو عبيدة بن الجراح وليس كما هو معروف وقيل انه خالد بن الوليد، لأن الخليفة عمر بن الخطاب كان قبيل حصار دمشق، كان قد عزل خالداً وولى ابا عبيدة بدلاً عنه بكتاب ارسله اليه، لكن الأخير ولحكمة منه، وليحافظ على تماسك جيش المسلمين لم يقم بابلاغ خالداً بذلك، ولم يُقرئه كتاب الخليفة عمر، وابقاه امير الحملة وقائد الحصار…

وكان ابو عبيدة يحاصر باب الجابية في غرب دمشق (سمي بالجابية لأنه الطريق المؤدي الى بلدة الجابية في حوران، وهي العاصمة السياسية للغساسنة بينما كانت عاصمتهم الدينية هي بصرى)

جامع الشيخ ارسلان وهو دير مار سمعان اليعقوبي

جامع الشيخ ارسلان وهو دير مار سمعان اليعقوبي

ونزل كيسان مولى (خادم او عبد) معاوية على باب بولس الواقع في الشرق (وقد سمي على اسمه باب كيسان) اما معلمه معاوية فقد حاصر الباب الصغير (واسمي كذلك لأنه اصغر ابواب دمشق كلها).
تقول رواية حصار المسلمين لدمشق ” انهم لما فرغوا من قتال الروم في موقعة المرج أقاموا خمس عشرة ليلة، ثم رجعوا الى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة أربع عشرة، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وتحصن أهل المدينة ( دمشق) وأغلقوا ابوابها فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم اليه ابو عبيدة.
ونزل هو في دير خالد ….

فأين هذا الدير؟؟؟؟
دير خالد هو دير مار سمعان الخاص باليعاقبة السريان، وفي ايامنا هو مانسميه بجامع الشيخ رسلان شرقي دمشق حيث المقبرة حالياً وهو لصيق بمقام الشيخ ارسلان وقد أقام فيه خالد قريباً من معسكر جيشه المحاصر للباب الشرقي، وبالتالي أقام مسجداً وصلى فيه اثناء حصار دمشق، والثابت انه اول مسجد اقيم في دمشق.
في هذا الدير السرياني حيث كان خالد مقيماً مع قيادة مجموعته، اتى اليه الراهب السرياني يونان او يوانس رئيس الطائفة اليعقوبية السريانية في دمشق (وهذا الدير يتبع له) عندما ايقن ان دمشق صارت بحكم الساقطة عسكرياً بيد المسلمين بعد جلاء والي دمشق البيزنطي على رأس حاميتها ،وللخلاص من الحكم البيزنطي وكنيسة

باب توما الأثري من الساحة الواقعة خلفه

باب توما الأثري من الساحة الواقعة خلفه

الروم الخلقيدونية المخالفة لهم في العقيدة، اتى الىمعسكر خالد خلسة بعدما تسلل من نافذة بيته الكائن في كنيسة السريان (حالياً كنيسة مار سركيس للأرمن الأرثوذكس) بعدما وسع النافذة فأتى به الجنود المسلمون الى حيث يقيم خالد في دير القديس سمعان او شمعون كما قلنا، وعرض عليه مساعدته في فتح دمشق من خلال الباب الشرقي عند تبديل الحرس في منتصف الليل بادخال شرذمة من جنوده سراً من نافذة بيته (التي وسعها وخرج منها) مقابل وعد قاطع من خالد قائد الحملة بحماية عائلته ورعيته الصغيرة البالغ عددها فقط 70 نسمة وكنائسهم عند فتح دمشق من الفاتحين المسلمين فوعده خالد بذلك وهو ماتم فعلاً، واقتحمت قوات خالد الباب الشرقي، بعدما تم فتح الباب من قبل ثلة جنود خالد التي ادخلها يونان من نافذة بيته ومكنها من الوصول الى الباب الشرقي وفتحه…

وهجم المسلمون مقاتلين مندفعين في الشارع المستقيم، وهم يكبرون والسيوف مشرعة تقطر منها الدماء باقتحامهم البيوت وقتل السكان الذين كانوا مذهولين من هذا الاقتحام المفاجىء، وكانت ليلة دموية على السكان في جانبي الشارع المستقيم من الباب

وس النصر جانب بطريركية الروم الارثوذكس وتبدو المئذنة التي توثق لالتقاء طرفي جيش المسلمين

قوس النصر جانب بطريركية الروم الارثوذكس وتبدو المئذنة التي توثق لالتقاء طرفي جيش المسلمين

الشرقي الى جوار كنيسة مريم (المريمية)، فيما كان ابو عبيدة قد اتفق مع الوجيه الدمشقي سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي، الذي تولى ادارة شؤون دمشق بعد خروج والي دمشق وحاميتها الرومية، فصار رئيس مايمكن ان نسميه اليوم (الادارة المدنية)،على تسليم ابا عبيدة دمشق صلحاً، مقابل دفع الجزية والمحافظةعلى الكنائس والسكان كافة والدخول بسلام، بعكس اتفاق الراهب يونان مع خالد بن الوليد (الذي خص به طائفته سكاناً وكنائس فقط،) وقد اجراه سراً لم يُعلم به سرجون النصراني خيانة بأهل دمشق لنهم من كنيسة اخرى.

وقد التقى الجيشان امام كنيسة مريم (الكاتدرائية المريمية) لذا اقيم هذا المصلى

باب كيسان - باب القديس بولس

باب كيسان – باب القديس بولس

الصغير تخليداً للانتصار، والباقي منه حالياً مئذنته بجوار الدار البطريركية الأرثوذكسية…( حيث قامت محافظة دمشق عام 1943 بتوسيع الساحة وطريق مريم المار في اوقاف البطريركية الأرثوذكسية ومدرسة مار نقولا البطريركية الأرثوذكسية، وتم اخراج قوس النصر من بطن الأرض ووضعه في مكانه الحالي، ولتوسيع هذه الساحة والشارع المستقيم تم ازالة المصلى ولم تبق منه الا مئذنته، وقد تم تجديدها عام 1963 بواقعها الحالي) واعتبرت كنيسة مريم من املاك الدولة فأغلقت 65 سنة من لحظة اقتحام دمشق عام 635 الى السنة 705 (التي صادر فيها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كاتدرائية دمشق العظمى اي كاتدرائية النبي يوحنا المعمدان وحولها الى مسجد بني امية)

كاتدرائية دمشق -الجامع الأموي

كاتدرائية دمشق -الجامع الأموي

عندها وبناء على شكوى المسيحيين الدمشقيين بأنه لم يبق لهم من كنائس بعد تحويل الكنائس كلها في القسم الشرقي الى جوامع مع كنائس واديار الغوطة الشرقية وعددها 18 وكان قد وعدهم باعادتها كنائس عند تحويله كاتدرائية يوحنا المعمدان الى جامع لكن المسلمين رفضوا اعادتها بفتوى انه أُذِنَ بها لله، فلا تجوز اعادتها كنائس…!!! اعادها الى الارثوذكس بقوله:” اننا نعوض النصارى عن كنيسة يحي بكنيسة مريم.”

الكاتدرائية المريمية بدمشق حيث التقى جناحا جيش المسلمين فاعتبروها من املاك الدولة واغلقت 65 سنة

الكاتدرائية المريمية بدمشق
حيث التقى جناحا جيش المسلمين فاعتبروها من املاك الدولة واغلقت 65 سنة

ومكافأة من المسلمين لليعاقبة السريان الذين كانوا يكرهون الروم البيزنطيين وبالرغم من قلة عددهم مكنوهم من وضع اليد على كنيسة القديس يوحنا المعمدان تقديراً لفعل رئيسهم الراهب يونان بمساعدته لهم في فتح الباب الشرقي، وتقديراً لمساعدة الغساسنة السريان في معركة اليرموك حينما انقلبوا من جيش الروم الى جيش المسلمين، وكان ذلك سبباً حاسماً في انتصار خالد بن الوليد في معركة اليرموك…. حتى ان بطريرك السريان حبس في الكاتدرائية الشاعر الأخطل وكان سريانياً بحكم رئاسته على الطائفة وكنائسها ومنها كاتدرائية دمشق التي استولوا عليها.

وقلنا ان والي دمشق الرومي وحامية دمشق، كان قد خرج من دمشق قبيل الحصار، وعندما وصل طرفا الجيش المسلم الى خط المريمية القى المسلمون القبض على بطريقين روميين ( قائدين عسكريين ) واحضروهما الى خالد وابي عبيدة فأمر ابو عبيدة بفك اسرهما والعفو عنهما بموجب اتفاقه مع سرجون، فيما اراد خالد قتلهما، واحتدم النقاش على اساس ان قرار خالد يجب ان ينفذ لأنه قائد الحملة، وتدخل عدد من الصحابة المرافقين الذين كانوا يعرفون الواقع لفض الخلاف بين ابن الوليد وابن الجراح، عندها اخرج ابن الجراح امر الخليفة عمر بعزل خالد وتوليته هو قائداً عاماً لحملة الشام، وبمساعي الصحابة تم اخلاء البطريقين على ان يغادرا دمشق فوراً وان تم القبض عليهما مستقبلاً وفي اي مكان يتواجد به المسلمون عسكريا يحكم عليهما بالاعدام، وهو ماتم فعلاً بأمر خالد وفي حمص عندما قام بفتحها لاحقاً. ا

قبر رأس النبي يوحنا المعمدان من داخل الجامع الأموي او كاتدرائية دمشق كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان

قبر رأس النبي يوحنا المعمدان من داخل الجامع الأموي او كاتدرائية دمشق كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان

للمزيد…
انظر مقالنا عن الكاتدرائية المريمية وعن كاتدرائية دمشق في موقعنا هنا…



قصة استاذ الفلسفة الملحد

$
0
0

قصة استاذ الفلسفة الملحد

كان استاذ للفلسفة في احدى الجامعات الأميركية في تعليمه لطلابه يبذل كل جهده لتشكيكهم في وجود الله، وكان الطلبة يخشون الحوار معه إذ كان قديراً متمكنا في قناعاته، ودوماً ينجح في حواراته مع من يريدون اظهار خطأه اضف الى ان لسانه سليط بحق من يحاول ان يغلبه، واستمر هذا الحال اكثر من عشرين سنة، ولم يكن لدى أحد لا من الطلبة او الزملاء الأساتذة الشجاعة أن يقف أمامه…وقد صار لقبه بعد ان ذاع صيته وشهرته بأنه الفيلسوف الملحد الرافض للايمان بالله، والذي لا يقدر احد ان يغلبه.

ايقونة الرب يسوع

ايقونة الرب يسوع

في نهاية كل فصل دراسي جامعي كان يقف بين تلاميذه ويقول لهم: ” إن كان أحد منكم لا يزال يؤمن بيسوع فليقف ويحاورني بايمانه”
لذا لم يكن يجسر أحد أن يقف، إذ كانوا يعلمون أنه إن وقف أحد ليحاوره كان يعاجله بقوله: “من يؤمن بالله فهو غبي. الله غير موجود. إن كان موجودًا فليمنع اصبع الطباشير من سقوطها من يدي على الارض وبالتالي يمنع انكسارها وتشظيها الى قطع…”
لذا صارت أغلبية الطلبة وسواهم يشككون في وجود الله بسببه، وكان المسيحيون يخشون السخرية وعدم القدرة على الوقوف أمامه.

ذات مرة وفي إحد الفصول الدراسية الجامعية كان ثمة طالب مسيحي يشعر بمرارة واهانة بحق الايمان المسيحي جراء مايقوله ويفعله الاستاذ، وكان يشعر بواجبه باعلان ايمانه بيسوع المسيح في وجه هذا الفيلسوف الملحد، ويتوجب عليه ان يشهد لإلهه أمام هذا الملحد مهما كلفه الأمر. مرت ثلاثة شهور كان الطالب يصلي بدموع من أجل أن يعطيه الرب فرصة للشهادة له، طالبًا خلاص هذا الأستاذ. كان يصرخ للرب أن يكشف عن ذاته أمام الأستاذ لكي يتمتع بعذوبة الإيمان.
في نهاية الشهور الثلاثة، التي هي الفصل الجامعي، سأل الأستاذ الفيلسوف كعادته طلابه إن كان لا يزال أحدهم يؤمن بيسوع.؟ فوقف الشاب بكل جرأة وقال لأستاذه: “أنا أؤمن بسيدي يسوع المسيح” صُدم الأستاذ لموقف الشاب، وأيضًا دُهش الطلاب الحضور وسكتوا وكأن على رؤوسهم الطير، وكان عددهم حوالي الثلاثمائة طالب…
صرخ الأستاذ كعادته في مثل هذا الموقف :” أيها الغبي، إن كان الله موجودًا فليوقف إصبع الطباشير من سقوطه من يدي، وارتطامه بالأرض وانكساره إلى ثم ألقى بإصبع الطباشير كعادته طوال العشرين عاماً، وكم كانت دهشته لأن اصبع الطباشير تسلل من بين اصابعه الى قميصه إلى قميصه، ثم إلى البنطلون والحذاء وإذ بلغ الأرض تدحرج بهدوء دون أن ينكسر…!
لأول مرة يشعر الأستاذ بخزي شديد، لذا ترك قاعة الصف وجرى، بينما تقدم الشاب المسيحي الذي كان يجلس في آخر مقعد في قاعة الصف وجاء إلى اول الصف ووقف أمام الطلبة وتحدث معهم عن شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وحبه العجيب للإنسان، واهتمامه به. دهش الطلبة من هذه المعجزة، وأدرك كثيرون منهم بالحاجة إلى المخلص يسوع المسيح…

تأمل…

يايسوع اصرخ اليك ضارعاً ونادما ًبقولي:
– أنت هو الصخرة الحقة، من يستطيع أن يقاومك؟
– من لا يحتمي بك ويتواضع أمامك؟
– من لا يقتنيك يفقد حياته!!!
– يايسوع القادر على كل شيء انت الوحيد القادر على خلاص نفسي لأنك خالقي وفادي…
– احفظني مثل حدقة العين، بظل جناحيك استرني (مزمور 17: 8)
– ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون ( مزمور 7 : 36 )
– ارحمني يا الله ارحمني لأنه بك احتمت نفسي وبظل جناحيك احتمي إلى أن تعبر المصائب ( مزمور 1:57)


“ولو أذنت…”

$
0
0

قصة مثل…

“ولو أذنت…”

توطئة

مما لاشك فيه ان لكثير من الأمثلة التي تتناقلها السنة الناس معان لطيفة تستر وراء ألفاظها الساذجة البسيطة ولكنها لاتخفى على المدققين الباحثين الذين يستخرجون منها حقائق علمية يصلون بواسطتها الى معرفة أمور غامضة وشؤون اجتماعية جليلة.

المثل الشعبي” ولو أذنت”…

ماهي قصته؟

– يقال ان وزيراً من وزراء الدول في سالف العصر والزمان كان يأخذ من عطار فقير كل مايحتاجه من طعام ومؤونة وشراب وذخيرة مدة طويلة، حتى صار لهذا العطار قي ذمة الوزير مبالغ طائلة يطالبه بها فيماطله، ويرجو منه وفاء دينه فلا يرد ويؤجله الى ان فقد صبر العطار، وضاق ذرعه فطرق ابواب بقية الوزراء، وبث لهم شكواه، فما انصفوه، ووقف على ابواب الحكام مستغيثاً فما أغاثوه، فذهبت كل وقفاته الطوال على أعتاب الوزراء ادراج الرياح .

مؤذن يؤذن من المئذنة

مؤذن يؤذن من المئذنة

وبينما هو كذلك في حزن وبؤس وألم وكد، إذ جمعته الصدفة برجل من رجال وطنه الأصلي، ولما رأى هذا الرجل علائم اليأس ظاهرة على محيا العطار، وعلائم الاضطراب بادية عليه تقرب منه وسأله حاله فشكى اليه أمره وقص عليه قصته فما اتمها حتى بدأ الرجل يسكن من روعه ويهدي باله قائلاً له:” كن على مثل اليقين ان الملك سيطلبك غداً بقصره فأبثث حينئذ شكواك هذه التي تعانيها اليه واعرض عليه مظلمتك مع هذا الوزير الباغي، فأنا على يقين بأنه سينظر اليك بعين الرحمة والعدالة وينصفك من خصمك الغاشم.”

وما هو الا يوم مر واذ بحاجب الملك يفتش على العطار ليستصحبه معه الى القصر ليمثل في بلاط الملك.

وهذا ماتم واذ به يرى خصمه الوزير جاثياً امام عرش الملك مستعطفاً سيده الملك، فصادر الملك كل امواله واملاكه واعطاها للعطار الفقير مع عطية ثمينة منه، فخرج العطار بعد ان قبل يد الملك داعياً له وللوسيط، وشاكراً للأول عطفه وعدالته، وللثاني وساطته الحميدة التي اوصلته الى حقه وازود، ثم ذهب على التو للوسيط ليستطلع الخبر منه ويقف على الطريقة التي اوصلته الى حقه. فأخبره الوسيط بأنه نقل قصته الى مؤذن المسجد المجاور لقصر الملك، فتألم المؤذن منها، وصعد الى المئذنة وأذن بين العصر والمغرب في وقت لا تقام فيه الصلاة، فعجب الملك لهذا الأمر واستحضر المؤذن لخلوته واستوضحه السبب الدافع لهذا الأذان في غير وقته، فبسط له المؤذن قضيتك على علاتها واخبره بما حلَّ بك بسبب أعمال الوزير الجائرة.

ففعل الملك ما فعل وقضى بما قضى…

فانصرف العطار بعدئذ شاكراً للرجل يده البيضاء التي سعت لانصافه داعياً له وللمؤذن وللملك بالخير.

الايمان المظهري او الاستعراضي

$
0
0

الايمان المظهري او الاستعراضي

الدين ليس للمظهر او للاستعراض، لا في العبادة ولا في الحماسة للدين والطائفة والمذهب… ولا في التعصب بالتالي ضد اي دين او طائفة او مذهب…

الدين هو علاقة سامية جداً لا يمكن وصفها بين الانسان والله الواحد الخالق والرازق الحياة والمخلص من الخطيئة. فخلقة الله للانسان على صورته ومثاله، كما ورد في سفر التكوين، جعلت التكوين الداخلي لهذا الانسان يميل الى عبادة الله بطريقة عميقة في داخله، وعمق الانسان فيه احتياج دائم لقوة أعظم منه يثق فيها وينشد منها الحماية وشد الأزر…لذلك اتفق سلوكياً وممارسة منذ فجر الوجود الانساني على ضرورة التعبد للكائن واركانها الرئيسة كالصلاة والصوم والصدقة واعمال البر…الخ

وحينما تحدث ربنا يسوع المسيح له المجد عن العبادة لم يتكلم عن ضرورتها أو لزومها لأن هذا كله ثابت في الكيان الانساني الداخلي مذ اوجده بيديه الطاهرتين المقدستين، وصنعه من التراب، لذلك نجده له المجد تكلم عن كيفية تقديمها لله حتى يقبلها ويبارك من يقدمها، وحتى لايمجد الانسان نفسه من خلال العبادة بدلاً من تمجيده الله…

راهب يسجد امام صليب الرب يسوع سجود حقيقياً بعيدا عن الاستعراضية والمظهرية

راهب يسجد امام صليب الرب يسوع سجود حقيقياً بعيدا عن الاستعراضية والمظهرية

فالاستعراضية في الدين وممارسة العبادة والتعبد، يجعل مركزها ذات الانسان التي تسعى للمجد الباطل، بينما يجب ان يكون الله هو مركز العبادة وهدفها، والمعطي لمن يتعبد كل العطايا الصالحة… لذلك فإن تَّدَّيَن البعض بطريقة استعراضية أو مظهرية كاذبة لربح قبيح وادعاء غير حقيقي يُخرج العابد من عمق الروحيات الى مظهر الاستعراضية بظواهرها الخطيرة والمنفرة… كمايُوصف المظهريون بتهكم بقول الناس الشعبي الدارج :” “يلحوسوا الأون” او يقبلون الايقونة بشكل تمثيلي مظهري وكأن كل منهم يقول للناس:” انظروني كم انا صالح ومؤمن…”

الظاهرة الأولى التمثيل:”متى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق، كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة، لكي يُمجدوا من الناس” (مت2:6)، والمراؤون هنا بمعنى الممثلين… وليس في الصدقة فقط ولكن في الصلاة ايضاً، فيقول في( مت 6 : 5): ” ومتى صليت فلا تكن كالمرائين، فإنهم يحبون ان يصلوا قائمين في المجامع، وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس”، أي جعلوا الصلاة مسرحية استعراضية امام الناس في الشوارع.

وقال هذا عن الصوم:” ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين” ( مت 6 :16) والظهور المقصود به التمثيل كأنه (اي المرائي) يمثل الصوم والصلاة والصدقة دون واقعية ذلك في عالم الحقيقة التي يعيشها، او تراه يكثر من رسم اشارة الصليب ولو بشكل مبتور ان مر امام كنيسة، وفي واقع حياته لا يصلب يده على وجهه عندما يخرج من باب بيته صباحاً طلباً حقيقياً للبركة وهو بعيد عن عيون الناس، والواقع عند المرائي يلعب دوراً لا يعيشه في حياته الخاصة، بل يعيش تمثيلية كتبها مؤلف آخر ويدربه مخرج يقوده في التمثيل، فلا يمس حياته الخاصة ولكن نجاحه في هذا الدور يتوقف على مدى اقناعه الجماهير، ومن الجدير ذكره ان دوره هذا يتقمص فيه شخصية يمثلها ويعيش معها جزءاً من الزمن ثم يعود لشخصه الحقيقي، والمرائي الذي يمثل شخصية المؤمن العابد يدرس أبعاد هذه الشخصية لكي يمثلها فقط وباتقان امام الناس المشاهدين.

هذا ليس مسلك المؤمن الحقيقي الذي يعرف الله حق المعرفة، ولكنه يمثل الدور فقط دون الحقيقة، وهذه خطورة الاستعراضية لأنها تحول العبادة من الشبع بالله ومحبته الى أغراض غير حقيقية، بل أهداف شخصية باطلة لاتفيد بل تُهلك النفس وتقودها للضياع. وأخطر عبادة فيما ورد في كلمات السيد المسيح له المجد والسجود وهي:”لكي يُمَّجَدوا من الناس”، بمعنى أن ما يسعى اليه فقط هو المجد الذاتي المهلك وليس مجد الله واستحسان الله لعبادته فهذا لايشغله. فالذات البغيضة صارت بديلة عن الله، يتعبد لها المرائي ويقود الناس لعبادتها.وهذا اتجاه شيطاني إذ سبق وأراد أن يرفع كرسيه الى كرسي العلي له المجد…

فأهلنا يارب ان نعبدك كما يأتي اليك الأطفال بكل براءتهم لأن لهم ملكوت السموات…

في توبة أهل نينوى للقديس يوحنا الذهبي الفم

$
0
0

في توبة أهل نينوى للقديس يوحنا الذهبي الفم

هلموا إذاً لنجذب قاربَنا في بحر توبة أهل نينوى…

لنرَ من شابهوا الوحوش يدركون رتبة الملائكة.

لنر الذين دمروا المدينة بأعمالهم يعيدون بناءها بطريقة فلسفتهم (حياتهم).

يونان النبي في جوف الحوت البحري

يونان النبي في جوف الحوت البحري

لنر أعداء الله يصيرون اصدقاءه، والذين كان السيد متهما لهم قبلاً، يقتنونه فيما بعد محامياً عنهم.

لنر المحكومَ عليهم يسعون لدى القاضي بعد صدور القرار، فيُسقطون الحكم.

لنر الله كاذباً لأجل محبته للبشر.

سمعنا قبلاً كيف أنه حالما نادى النبي اضطربت المدينة. وكما يضطرب البحر من ريح عاتية، وهكذا كان وقع سقوط صوت يونان، فسبب لشعب نينوى جزعاً ورعدة.

سمعنا أن المدينة لدى استقبالها النبأ لم تسقط في اليأس، بل نشطت الى التوبة، وبينما لم يكن لها دالة للخلاص شرعت في عبادة الله ومصالحته. يا ترى ماذا فعلت من أجل المصالحة؟

قد قيلت في ذلك شذرات، أما انا فعليَّ ان أعطيكم القول كله: ” لأنهم نادوا بالصيام، ولبسوا المُسحَ من صغيرهم الى كبيرهم.”

ياللعجب الغريب، المخيف للانسان، والذي تتوق اليه الملائكة!

تأمَّلْ، لخاطري، هذه الربوات الكثيرة من اولئك الرجال مع النساء والأولاد يلبسون المسوح حاديَن لأجل الشيء نفسه. كل المهن تتعطل وكل عمل بشري، لا أحد في اي مكان يقوم بعمل ولو بعمل واحد. حزنُ الجميع مع ضجيج وصراخ يرتفع الى السماء.

يونان النبي يدعو اهل نينوى للتوبة والصوم

يونان النبي يدعو اهل نينوى للتوبة والصوم

تأمَّلْ زوال التمايز بين الأسياد والعبيد، بين الرؤساء والمرؤوسين. هوذا الملك حاضر في وسط الجموع بمظهر مماثل لها يرتب الخدمة العبادية لله وكأنها تنظيم عسكري.

يقول الكتاب:”وصل الكلام للملك فنهض عن عرشه، خلع بزته، التحف المسوح، وجلسَ على الرماد.” ياللملك الحكيم. الملك بنفسه أول من أعلن التوبة، وذلك ليجعل مدينته بحالة أفضل. لأنه من ذا الذي يرى الملك نفسه مجاهداً لأجل الخلاص ويتراخى من بعدُ؟

جراحات التاج تشفيها المسوح، خطايا العرش يمسحها بجلوسه على الرماد، مرض الكبرياء يعالجه بتذلل المظهر، وبالصيام يداوي جراحات التنعم.

ولدى سلوكه في ذلك عملياً كان ينهض الجميع بندائه، فيسلكوا النهج ذاته. لأن الكتاب يقول:” ونودي من الملك: الناس والبهائم والبقر والغنم لا تذوقن شيئاً، لا ترعى، ولاتشرب ماء.”

يونان النبي يدعو اهل نينوى للتوبة والصوم

يونان النبي يدعو اهل نينوى للتوبة والصوم

هذا تشريع فريد لملك. يوصي المرضى بالصيام كما لو كان طبيباً. لا بل إن المشرع الذي قضى حياته بالمتع يقلد التعاليم الرسولية حول الصيام الموقر، ويأمر أن تشارك الناس في هذا الصيام الحيوانات العجم، حتى، بواسطة الطبيعة عادمة الخطيئة، يميل الله الى مراحم عظمى.

يقول الكتاب:” ولبسوا المسوح، البشر والبهائم”. يا للترتيب السماوي! ياله من طابور مرعب للشياطين! كان الشيطان يقف منتحباً لدى رؤيته كامل جيشه يتحول نحو الله ويحارب الشياطين. في هذه المعركة أولادً ونساءً ورضعً مع الرجال يحاربون، حتى طبيعة البهائم صارت مشاركة في صفوف الحرب. فرأى الشيطان منظراً جديداً. فالحيوانات الأهلية تدفع عن الناس ضريبة البر، وتصوم من اجل خلاص مالكيها” الناس والبهائم والبقر والغنم لاتذوقن شيئاً ولا ترعى”. نحى الملك شارات السلطة جانباً، وأخذ دور الكهنة فانتصب متكلماً متلفلسفاً، ومؤدباً أهل نينوى…

وبينما التهديد والخوف مهيمنان، لم يكن يحتمل (الملك) أن يفقد الرجاء الحسن، لأنه يقول:” فمن يعرف. العل الله يندم ويرجع عن سخط غضبه، فلا نهلك.”

الخليفة العباسي المتوكل ورحلته الى دمشق…

$
0
0

توطئة

الخليفة العباسي المتوكل على الله، أبو الفضل جعفر بن محمد، بويع له بالخلافة عام 232هجرية، وتوفي مقتولاً عام 247 هجرية. وهو طبعاً لم يكن رحالة ولا جغرافياً حتى نصنف رحلته الى دمشق ضمن دائرة ادب الرحلات وادب الجغرافيين، ولكنه قام برحلته الشهيرة والوحيدة الى دمشق لتوقه الشديد الى عاصمة خصوم قومه الأمويين، دمشق الحلوة بستان هشام كما وُصِفَت، ام التاريخ السحيق والمضيء قبل دخول المسلمين اليها…هي ليست عاصمة الأمويين، بل هي عاصمة المسكونة… سحرت اليونان القدماء فقالوا ان الاله الاغريقي دامسكينوس جاء من بلاد اليونان وعمَّرها واسماها باسمه وفي موضع آخر انه تزوج بشجرة ياسمين فأنجب دمشق، كما اسهمت بالحضارة الهلنستية مع الاسكندر المقدوني، وبالحضارة الرومانية مع فتح القائد الروماني بومبيوس لها السنة 63 ق.م…دمشق منطلق المسيحية الى العالم مع بولس الرسول مع السنة 35 مسيحية…

دمشق في العصر العباسي...

دمشق في العصر العباسي…

دمشق التي اثرت الحضارة الرومية مع قسطنطين الكبير 314 مسيحية وثيوذوسيوس الكبير 387 مسيحية الذي بنى كاتدرائيتها الكبرى، وقد اسماها على اسم القديس والنبي السابق المجيد يوحنا المعمدان، ووضع فيها خليفته تراجان رأس النبي الطاهر، وقد احضره من القسطنطينية دلالة على مكانة دمشق عند الروم ومنطلق المسيحية الى الكون كله…دمشق الشامة هي شامة الدنيا…

سجل التاريخ الاسلامي للمتوكل هذه الرحلة وارتبط ذكرها بشكل اساس في سيرته.

وفي الواقع فإنه وبالاضافة الى ميزات دمشق التي ذكرنا، والتي شدته لزيارتها كانت ثمة اسباب خفية وغايات سياسية تقف وراء هذه الزيارة، وتشكل حلقة أساسية من سلسلة الصراع على السلطة بين الخلفاء العباسيين، وقادة جيوشهم من الترك المرتزقة المستورَدين، والذين طمعوا بالاستيلاء على الخلافة العباسية، ذاك الصراع الذي كاد يذهب بسببه الخليفة المعتصم، ثم راح المتوكل نفسه ضحية له كما سنرى.

ابتدأت حدة هذا الصراع تتنامى عندما أقدم المتوكل على تصفية القائد الطاغية إيتاخ الذي كان ينوي كما تقول المصادر القضاء على الخليفة، وزاد على ذلك بأن أخذ في إقصاء الترك عن المناصب الهامة وشرع في ايجاد جبهة عربية لمقاومة نفوذهم، وبدَّلَ ولاية العهد من ابنه المنتصر الى المعتزّْ ليكون الأول ميالاً اليهم بالأصل.

دمشق في العصر العباسي...

دمشق في العصر العباسي…

غير ان اعماله تلك اوغرت صدور القادة الترك عليه، واستمالوا اليهم ابنه المنتصر الذي شرع في مناصرتهم، ووجدوا حجة قوية في محاربته وتأليب الناس ضده عندما قرر هدم قبر الامام الحسين وتسويته بالأرض. فبات المتوكل ها هنا يحسب لهم الف حساب ويخشى جانبهم اكثر من قبل، ولما ازدادت عليه حدة الضغوط قرر وهو في عصر قوته أن يغادر سامراء، ويلتمس عاصمة جديدة يمارس منها حكمه، واستقر رأيه أخيراً ان تكون تلك العاصمة دمشق، ولو أن بعض المؤرخين كاليعقوبي يعزون سبب هذا القرار الى أنه “وُصِفَ له برد هوائها وكان محروراً”.

رحلة المتوكل الى دمشق

ذو القعدة 243 هجرية – 244 هجرية

عزم المتوكل على المسير الى دمشق، فكتب الى أحمد بن محمد ابن مدبِّر يأمره باتخاذ القصور واعداد المنازل والمرافد. ثم سار بحاشية كبيرة متوجهاً اليها عن طريق الموصل، وكان خروجه كما ذكر اليعقوبي يوم الاثنين لعشر بقين من ذي القعدة عام 243 هجرية، فأدركه عيد الأضحى في مدينة بلد شمال الموصل، فضحى وأقام شعائر العيد. وبعد ذلك استمر في مسيره نحو دمشق، فوصلها يوم الاربعاء لثمان بقين من صفر عام 244 هجرية، ونزل بالقصور التي بُنيت له بداريا.

وتكاد المصادر تجمع على ان دمشق ومنطقتها قد أعجبت المتوكل أول الأمر، وأنه أمر بالبناء فيها ونقل دواوين الحكومة اليها. إلا أنه سرعان ماعاد فاستوبأ البلد لجملة من العوامل الطبيعية، فهي كما ذكر الطبري: الهواء بها بارد نديّ والماء ثقيل والريح تهب مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضي عامة الليل، وهي كثيرة البراغيث وغَلَت فيها الاسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة.

ويرى بعض الباحثين المعاصرين في ايامنا أن هذه الأسباب لم تكن بالفعل هي الموجب لعودة المتوكل عن دمشق الى سامراء، ورفضه الاقامة فيها خلال مدة بسيطة من الزمن لم تتجاوز الشهرين فقط ( 38 يوماً كما قال اليعقوبي) وبخاصة أن المتوكل كان قد نزل بداريا على بعد ساعة من دمشق بين صفر وربيع الثاني من عام 244هجرية، الموافقين لحزيران وتموز أي في منتصف فصل الصيف حيث لا أمطار ولا ثلوج في اقليم دمشق بكامله.

ويبدو أن اسباباً أخرى كانت ةراء اتخاذ المتوكل لقرار العودة عن دمشق الى سامراء، لعل أهمها تأثير القادة الترك أنفسهم والذين صحبوا المتوكل في رحلته الى دمشق، فقد اقتنع هؤلاء بأن المتوكل ماقصد من اللجوء الى دمشق الا تصفيتهم والخلاص من نفوذهم المتعاظم يوماً بعد يوم، فأرادو استباق الأحداث وأخذوا يختلقون له المتاعب والصعاب، فشغبوا عليه بل ذهبوا الى أكثر من هذا حيث دبروا مؤامرة لقتله في دمشق والخلاص منهم قبل أن ينتقم هو منهم. وكانت البداية في زرع بذور الشقاق بينه وبين القائد التركي بُغا الذي كان من أخلص أعوانه حقاً، فإن تم لهم ذلك يكونوا قد جردوا المتوكل من سنده الأكبر وصار من السهل القضاء عليه منفرداً.

فهكذا لم يحقق المتوكل بدمشق ما اراده، وتأكد أن عمله هذا لن يجدي نفعاً وانه بات ينبغي له العودة الى سامراء عاصمته السابقة، فكان هذا مافعله ووصلها في جمادى الآخرة من عام 244 هجرية. ولما عاد الى سامراء لم يشأ السكنة بين القادة الأتراك، بل أنشأ لنفسه ضاحية جديدة في الماحوزة عرفت باسم ” المتوكلية ” أو” الجعفرية نسبة اليه، وأنفق عليها أموالاً جزيلاً قدرت بنحو مليوني دينار.

وبالجملة عاش المتوكل البقية الباقية من حياته وخلافته أسيراً لرغبات القادة الأتراك، حتى اعتبر عصره مؤشرا حقيقياً لانحسار سيادة الخلافة العباسية وبقائها مجرد خلافة اسمية مهلهاة، وصح قول الشاعر فيه:

خليفة في قفص ………….. بين وصيف وبُغا

يقول ما قالا له…………… كما تقول الببغا

وسرعان مانفذ القضاء بالمتوكل فلاقى حتفه مقتولاً لأربع خلون من شهر شوال عام 247 هجرية وقتل معه وزيره الفتح بن خاقان، وأسدل الستار نهائياً على عصر السيادة العباسية الفعلية على العراق والشام والحجاز

وأما النص المقتضب الذي وصفت به دمشق أعلاه فإن دل على شيء فإنما على حال الزراية التي اضحت المدينة تعيشها إبان حكم بني العباس، إثر أن اعملوا فيها جهدهم في الحرق والتدمير والتخريب يوم سقطت دولة بني امية على يد عبد الله بن علي العباسي عام 132 هجرية.

وبقيت دمشق على هذا الحال نيفاً واربعة قرون حتى كان عهد نور الدين محمود بن زنكي فأعاد اليها رونقها وبهاءها.

وكذلك ممايتعلق برحلة المتوكل أن بعض المؤرخين في عصرنا حاولوا نسبة بعض آثار بساتين اللَّوان بين المزة وكفرسوسة جنوب غرب دمشق الى بقايا القصور التي عمِّرتْ للخليفة المتوكل آنذاك، فقد ذكر محمد أديب تقي الدين الحصني في كتابه” الريف السوري”: ارض اللوان، نقول إنها كانت فيما مضى قرية مستقلة، وكان الخلفاء الأمويون ثم العباسيون ( المأمون والمتوكل)، وبعدهم نائب السلطنة المملوكية الشهير تنكز في القرن الثامن الهجري، بنوا فيها قصوراً لطيب هوائها وثمارها. ثم دثرت هذه القرية مع قصورها، وتقسمت اراضيها بين المزة وكفرسوسة وداريا.

من مصادر البحث

كتاب “دمشق الشام في نصوص الرحالين والجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين”

ج1 الايبش أحمد ود. الشهابي قتيبة


عيد تجلّي ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح العظــة للقديس أفرام السرياني

$
0
0

عيد تجلّي ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح

العظــة للقديس أفرام السرياني

الحقلُ يُعطي حصاداً بَهجاً، والكرمةُ ثماراً شهيةً، والكتبُ المقدسةُ تعليماً مُحيياً

لحصاد القمح أوانهُ، ولقطاف العنب وَقتهُ، وأما التعليم المُحيي فيفيضُ من الكتاب المقدّس في أيِّ وقت تتلونهُ. الحَقلُ يجف بعد الحصاد، والكرمة بعد القطاف، وأما الكتابُ فيحصدُ كلَّ يومٍ، وسنابل الشَرَاح لا تنقصُ إذ يُقطفُ منه كل يوم ولا يخيبُ الرَّجاء من العناقيد فها نحنُ الآن نقترب من ذلك الحقل. ونتمتّع باثلامه المُحيية، ونحصد منها سنابل الحياة أعني أقوال ربّنا يسوع المسيح القائل لتلاميذه: “ان قوماً من القيام ههنا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن البشر آتياً في مُلكه”(متى8:16).

ايقونة التجلي

ايقونة التجلي

“وبعد ستة أيام، أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاهُ فأصعدهم إلى جبلٍ عالٍ على إنفراد وتجلى قدامهم وأضاء وجههُ كالشمس وصارت ثيابهُ بيضاءَ كالنور” (مت1:17-2). الرّجال لا يذوقون الموت حتى يروا عُنوان مجيئه، هم الذين صعد بهم إلى الجبل، والذين أراهُم كيف ينبغي أن يأتي في ذلك اليوم الأخير بمجد لاهوته وبجسد ناسوته، وكيف سيتمجدون هم أيضاً أصعدهم إلى الجبل ليُريهم من هو الابنُ، وابنُ من هو ذلك أنهُ حين سألهُم من هو ابنُ الإنسان. قالوا له: ” قومٌ يقولون إيليا، وآخرون إرميا أو واحدٌ من الأنبياء” (مت13:16-14) لقد نقلهم إلى الجبل ليُظهر لهم أنهُ ليس إيليا بل إله إيليا، وليس إرميا بل مُقدِّس أرميا في بطن أمه. وليس أحد الأنبياء بل ربّ الأنبياء ومُرسلهم، أصعدهم إلى الجبل ليُظهر لهم أنهُ هو الصانع السماء والأرض وربُ الأحياء والأموات. الذي إذ أمر السماء نزل إيليا وإذ أوْمأ إلى الأرض حضر موسى.

اصعدهُم إلى الجبل كي يُظهر لهم انَهُ ابن الله المولود من الآب قبل كلّ الدهور، والمُتجسّد من العذراء في آخر الأزمنه، إذ وُلد بدون زرع وبحالٍ لا توصف، حافظاً البتوليِّة بدون فساد، لأن حيثُ يشاء الله يُغلبُ ناموس الطبيعة فلقد سكًن الله الكلمة في حشا البتول، ولم تُحرق نارُ لاهوته أعضاء جسدها، بل حفظها مُدة تسعة أشهر. سكن في حشا البتول بلا دنس، وخرج منها إلهاً مُتجسداً لأجل خلاصنا. أصعدهم إلى الجبل لكي يُريهم مجدَ ألوهيته. فيُدركوا انهُ مُخلّص إسرائيل كما قال الأنبياء، ولئلا يعتريهم الشك حينما يُشاهدون آلامه الطْوعيّة التي كان مُزمعاً أن يكابدها بالجسد من أجلنا. لقد عرفوه إنساناً، وما علموا أنهُ الله. عرفوه ابناً لمريم مُرافقاً إياهم من العالم، وأظهر لهم على الجبل أنّه ابن الله. شاهدوه يأكل ويشرب، يتعب ويستريح، ينعس وينام، يخاف ويعرق، الأمر الذي لا يتناسبُ مع الوهيته، بل يرتبطُ بالنّاسوت فقط، لذا نقلهُم إلى الجبل حتى يُنادي الآب الابن. ويُشير إلى مجده قبل تعييره، وإلى كرامته قبل إهانته، حتى إذا ما قبض عليه اليهود وصلبوهُ يُدركون انهُ لم يُصلب عن علة فيه، بل بمسرّته وطوعاً من أجل خلاص العالم أصعدهم إلى الجبل ليُريهم قبل قيامته مجد ألوهته، حتى إذا ما نهض من الموت بمجد طبيعة الوهته، يعرفونه انه لم ينل المجد لأجل تعبه (كما لو كان مضطراً إلى التألم) بل المجد الذي كان له مع الآب قبل الدهور، هذا ما قاله وهو آتٍ إلى الآلام الطوعية. “مجّدني يا أبتِ عندك بالمجد الذي كان لي عندك من قبل كون العالم”(يو5:17). مجدُ الوهته المخفيُّ في ناسوته أظهرهُ للرسل على الجبل” فرأوا وجهه لامعاً كالبرق، وثيابه بيضاء كالنّور وكان التلاميذُ من ثُم يُعاينون شمسين واحدةٌ في السماء، أي الشمس الطبيعية، وأخرى فائقة الطبيعة الشمس الأولى ظاهرة للتلاميذ وللعالم وهي تُشع في جلد السماء، وأمّا الثانية فتشع لهم وحدهم. “وصارت ثيابه بيضاء كالنور”. مُظهراً لهُم بذلك انّ مجد الوهته كان يفيض من جسده كُله. وانّ النور يشعُ من أعضائه كُلها. فالسيد لم يُماثل موسى حين شعّ جسدهُ ببهاء من الخارج فقط، بل كان مجدُ الوهته فائضاً من ذاته، فضلاً عن ان المُخلص لم يُظهر لتلاميذه كامل مجده بل أظهر لهم ما يمكنُ لعيونهم أن تتحمل.

موسى وأيليا

ايقونة التجلي

ايقونة التجلي

شاهد التلاميذ موسى وإيليا يتكلمان معه. كانا يعترفان له بالفضل في تحقيق نبوءاتهما المُتعلقة بحضوره (تجسُّده) مع نبوءات سائر الأنبياء، ويقدَّمان له السجود من أجل الخلاص الذي صنعه للبشر والعالم أجمع. فالسر الذي تنبأ عنه هؤلاء الأنبياء قد جاء المخُلص وحقّقه بالفعل، وكان الصعود إلى الجبل من ثمَ فرحاً للأنبياء والرُسل فرح الرُسل لمُشاهدتهم مجد الوهته الذي لم يُدركوا حقيقته، ولسماعهم صوت الآب يَشهدُ للإبن، هذا الصوت الذي من خلاله عرفوا سرّ تجسده معرفةٌ حقيقية بعد ان كانت خافيةً عليهم. وثبَّت إيمانهم بهاءُ جسده الفائضُ من الألوهية المتحده به بلا تغيُّر ولا امتزاج. ثم اختتُمت شهادتهم (أي رؤياهم) سماع صوت الآب بحضور موسى وإيليا، وبعد ذلك أخذ الرُسل والنبيان يتبادلون النظرات. هناك التقى زعيما العهد القديم بأقطاب العهد الجديد فلقد رأى موسى البارُ سمعان المتُقدّس، ووليُّ الآب شاهد وليَّ الابن. الأول شقَ البحر الأحمر ليسير الشعبُ وسط الُلجج، والآخر أقام خيمته لبناء الكنيسة. بتول العهد القديم شاهد بتول العهد الجديد (إيليا شاهد يوحنا) الصاعدُ على مركبةٍ ناريةٍ شاهد الذي أحنى رأسه على صدر اللهيب، وهكذا أضحى الجبل المُقدّس كنيسة ضم فيها يسوع العهدين القديم والجديد. اللّذين قبلتهما الكنيسة ونقلت من خلالهما مجد أعماله، وقال سمعان “يا ربُّ حسنٌ أن تكون ههنا” ماذا تقول يا سمعان ؟ أن أقمنا ههُنا فمن يُتمِّم كلام الأنبياء؟ من يُتمِّم القول “سُمِّرتْ يداي ورجلاي”. وأيضاً “لقد تقاسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي اقترعوا” و”وضعوا في طعامي مرارة وفي شرابي سقوني خلاً”. من يؤكد القول “حراً بين الأموات”؟ إن أقمنا ههنا، فمن يُمزِّق صكَ آدم؟ ومن يُسدد دينهُ؟ ومن يُعيد إليه حُلَّة مجده؟ إن اقمنا ههُنا، فكيف يتمُّ كُلُّ ما قيل لك؟ من يؤسس الكنيسة؟ ومن يأخذُ مفاتيح السماء مني؟ من سيربط ويحلُّ؟ إن اقمنا ههُنا، يتأخر تحقيق كُلُّ ما ورد على لسان الأنبياء القديسين. وقال سمعان ايضاً: “فلنصنع ههُنا ثلاث مظال واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا. لقد أُرسل سمعان لتأسيس الكنيسة. وها هو الآن يودُ البقاء على الجبل لصنع المظال، أما الربُ. فقد أظهر لهُ أن لا حاجة إلى المظال، وهو الذي ظلَّل آباءه في الصحراء بالسحابة “وفيما هو

يتكلم إذا سحابةُ نيِّرةٌ قد ظللتهم” أرأيت يا بطرس مظلةٌ قائمةٌ بلا تعب؟ مظلة من الحر ولا ظلام فيها على الإطلاق؟ مظلة لامعه ومضيئة في آنٍ؟

شهادة الآب

وأما ذهول الرسل سُمع صوتٌ من السماء يقول: “هذا ابني الحبيب الذي به سُررت فلهُ اسمعوا” (متى 5:17) وبعد سماع صوت الآب، رجع موسى إلى مكانه وإيليا إلى موضعه، وأما الرسل فقد سقطوا ارضاً وبقي يسوع وحدهُ لأنَّ الصوت كان موجهاً إليه وحدهُ. ذهب النبيان وسقط الرسل أرضاً، لأن شهادة الآب لم تتم فيهم (هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت) بل أعلمهم من خلالها أن تدبير موسى قد تَّم وأن عليهم الآن أن يسمعوا للابنِ، فموسى كان كعبدٍ يتكلم بما يُؤمر به، ويكرزُ بما يوُصى به، وكذلك سائر الأنبياء إلى مجيء “يسوع الذي هو ابنٌ وليس من الصحابة. رب وليس من العبيد، سيدٌُ وليس من المأمورين، هو الابن المحبوب بطبيعة الإله، وما كان خافياً على الرسل من ثم قد أظهره الآب على الجبل، فالكائن يرشد المخلوق، والآب يُظهر الابن. ولهذا سقط الرسل بوجودهم على الأرض من جراء الصوت لأنه صوت الآب: إلا أن الابن ناداهم بصوته فأقامهم عن الأرض صوت الآب أسقطهم، وأما صوت الابن فقد رفعهم بالقدرة الإلهية، لأجل تلك الألوهية الحالّة في جسده والمتوحدة به بلا تغيير. هو لم يماثل موسى بجمال خارجي، بل تلألأ بالمجد كإله. ذلك أن موسى قد جُملّ بلمعان وجهه وأما يسوع فقد شّعَ بمجد لاهوته الفائض من كُلّ جسده كالشمس في إشعاعها. والآب صرخ: “هذا هو ابني الحبيب الذي سُررت فله اسمعوا” دون أن يكون مفصولاً عن مجد إلوهية الابن، لأن للآب وللإبن وللروح القدس طبيعة واحدة وقوة واحدة وجوهراً واحداً وملكاً واحداً إلى الأبد آمين.”

الجيش السوري تاج رؤوسنا، ونبض خافِقُنا

$
0
0

الجيش السوري  

تاج رؤوسنا، ونبض خافِقُنا  

نعم، الجيش السوري هو تاج الرأس، ونبض الفؤاد، حامي الوطن سياجاً وحضارة ومستقبلاً وأزاهير وثمار… 

هو سيد الأسود، والسد المنيع…  

نعم هو عطر الكلمة، وريحانة الخافق، وياسمين الشام العبق بالحب لكل من احتمى بالوطن المفدى سورية…  

هو آيات السماء… هو فخر الوجود السوري… هو جيش زنوبيا وتدمر التي قهرت عتاة الكون، ويتابع هو في قهر القتلة وتكفيريي الكون هو الفخر الذي لا يتأخر والشمس الساطعة، وسورية هي ارض الشمس الساطعة… 

الجيش السوري

الجيش السوري

هو المنتصر الذي وإن كبا لهنيهة ولكنه لن ولا يُهزم… 

 هو الوطن السوري… هو الشام الشامة بياسمينها الشامي ووردتها الدمشقية… بحريرها ودامسكوها الجميل قماش ملكات اوربة…  

دمشق الحبيبة أقدم عاصمة في التاريخ وحاضرته التي لم تغرب شمسها…ولن تغرب…

دمشق الفيجة وبردى الخالديَّن خلود الدهر الى انقضاء الأجل، وغوطتيها الجميلتين…

دمشق الشعب الفنان والضاج بالحياة… المحب للضيف…  

دمشق سوق الحميدية أقدم مول تجاري في الكون، ولا يزال ينبض بالحياة بالرغم من كل الجراح…  

دمشق الإيمان بالله على تعدد طرق العبادة والإيمان والاديان…

دمشق عاصمة الثقافة العربية…  

هو حلب الصمود والفن والتألق، وخانات طريق الحرير، أقدم مدينة في التاريخ، عاصمة الثقافة الإسلامية في العالم… وجوليا دومنا 

هو حمص العدية أم الحجارة السود وكركلا وجوليا دومنا…

مدفعية الجيش السوري

مدفعية الجيش السوري

هو حماه نواعير التاريخ والخير والعطاء والعاصي…العاصي للطبيعة… 

-هو أنطاكية واسكندرون وكيليكيا وديار بكر والنصف الجنوبي لآسية الصغرى المدعوة تركيا ظلماً بسورية وشعبها السوري بأطيافه العربي المسلم بمذاهبه السني والعلوي… والمسيحي الرومي والأرمني والآشوري والسرياني، والكردي بالرغم من مؤامرات السلخ عن الوطن السوري الأم وضمه الى مايسمى تركيا الغاصبة…  

هو اللاذقية لاوذيكياس عروس الساحل السوري وجباله… وطرطوس أرض الشهادة والشهداء.. 

هو الحكسة والقامشلي الخير والعطاء أرض الذهب الأصفر… 

هو دير الزور أرض الذهب الأسود… 

هو رقة الفرات زارع الخير والعطاء… 

هو الجنوب السوري وحوران مخزن غلال روما وزيت قناديلها… 

هو جبل حوران الأبي السويداء أرض الملاحم والكرم… 

هو القنيطرة، قنطرة العبور إلى أرض القداسة… فلسطين التي دوماً كانت بوصلته ومثوى شهدائه الأبرار…  

دبابات الجيش السوري

دبابات الجيش السوري

الجيش السوري هو كرامة سورية، وقداسة سورية وحامي قديسيها وأوليائها… 

هو النازف دماً دفاعاً عنها والمذبوح على مذبحها المقدس الطاهر… 

هو خبز التقدمة المقدس على مائدة الرب، وقربان المؤمنين الذي لا ينتضب كأس قربانه الطاهر…  

صفحات بياضها ناصع بلون الثلج، هو تاريخك وحاضرك أيها الجيش الحبيب، وقد كتبته بمداد الدم دم افراد اسرتك من اصغرهم الى كبار قادتهم، لتصنع به حاضر الوطن السوري الحبيب وامته ومستقبله المشرق 

نعم أنت علم الوطن بعينيه الخضراويين… 

أيها الجيش السوري الحبيب…انت لستَ بحاجة إلى شهادتي يا عظيم… لكنني أشهد أنك الأسطورة التي لا تُقهرْ المكتوبة بمداد الشرف الأحمر من أجل التراب والأرض والوطن الواحد والشرف، والعرض…  

أنت نعم هو الجيش ابن الشعب السوري… انت صاحب العقيدة والرسالة والحامي الأول والأخير للوطن السوري الحبيب…  

وقد ترجمت ذلك عبر تاريخك بكلمات الشهادة الواضحة الصريحة وبأنك الأكثر التصاقا بأبناء أمتك وشعبك السوري… 

شهداء الجيش السوري وقسم الثأر

شهداء الجيش السوري وقسم الثأر

نعم نجحت أيها العظيم المقدس والمفدى والأسطورة… وستنجح حاضراً ومستقبلاً وتقول لشذاذ الكون: أنا حامي الديار أبت بحضوري أن تزل نفوس الكرام 

لك عطر السلام ولشهدائك الأبرار السكنى في السماء العلوية ولجرحاك الشفاء… 


خاطرة في المرأة

$
0
0

((خاطرة في المرأة

ليست هناك امرأة غبية جدا…

ولكن امرأة هي الحياة…

او امرأة هي الموت…

فى الأساطير كل الأساطير على إطلاقها
لو بحثثنا عن أثر كل من الرب والربة فى الأساطير
سنجد أن الأثر الأهم والمؤثر فى الحدث الدرامى أو

العلاقة بين المرأة والرجل

العلاقة بين المرأة والرجل

الميلودرامى بمعنى أدق هو الربة…
والأساطير فى وجهة نظري
ملخص لحكمة الحياة رغم ما تتمتع به من ميتافيزيقا
ولكن الرساله الأهم هى:
أن المرأه هى العنصر الفاعل فى الكون
وهى القابضة على مقدراته والمسيرة له حسب أهوائها
وحتى ما بعد أزمنه الأساطير يؤكد لنا بأن المرأة هي
الفاعل الأهم:
فلنر عنترة العبسي وعبله

من الرسم الشعبي لعنترة العبسي وليلى العامرية وشيبوب

من الرسم الشعبي لعنترة العبسي وليلى العامرية وشيبوب

عبله تلك الايقونه الرقيقه
وعنتر ذلك الجبل والأسد الرابض والمقاتل المحنك الشجاع
كيف استعبدته فكرة العشق وجعلته خادماً فى بلاط النعمان
حتى يتمكن من جمع مهرٍ يتناسب وعبلته الرقيقه
انظر إلى قيس بن الملوح وليلى العامرية
هذا العتل الفحل الكبير من فحول الشعر ومالك بيانها كيف أنشد يقول:
أمر على الديار ديار ليلى…… أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبى…… ولكن حب من سكن الديار
الرجل يقبل الجدران!!!
أنظر اليه كيف فقد عقله وصار فى البريه،
بعد ان سلبته تلك الساحره ليلى أهم ما يمتلكه، عقله!!!
ليس هذا فحسب بل ملأت كل زاوية فى حنايا قلبه بصورتها
وأطلقت عذب صوتها يتردد فى جنباته كموسيقى تصويريه لحياته
يعجز شوبان وبيتهوفن عن الارتقاء إلى إيقاعها

قيس وليلى

قيس وليلى

لمشهد لن تراه عين
سوى بين عاشقين
والأمثله كثيرة….
مرة أخرى ليست هناك امرأه غبية جداً
ولكن امرأة هى الحياة ….أو امرأة هى الموت


الى ماذا ترمز اشارة السمكة في المسيحية؟

$
0
0

الى ماذا ترمز اشارة السمكة في المسيحية؟

سمكة المسيح (يونانية: ΙΧΘΥΣ أو ΙΧΘΥC) وتعني باليونانية القديمة “سمكة”.
أُتّخِذَت السمكة كرمزٍ للمسيحية منذ القرن الأول الميلادي وهو عبارة عن قوسين متقاطعين يمتد الطرفان الأيمنان بعد نقطة التقاطع ليشبه الشعار شكل السمكة. استخدمه المسيحييون الأوائل كشعار سري ليتعرفوا على بعضهم دون التعرض للمضايقات من الوثنيين قبل اعتماد المسيحية ديانة للامبراطورية الرومانية.

نقش السمكة في وادي قنوبين بلبنان يعود الى فجر المسيحية

نقش السمكة في وادي قنوبين بلبنان يعود الى فجر المسيحية

فكان للمسيحيين شعار يميز المؤمن عن غيرالمؤمن (المسيحي عن غير المسيحي) إما بشعار السمكة أو الصليب، فوقع الاختيار ذاك الوقت على السمكة. في ذاك الوقت كان الصليب لا يستخدمه المسيحيون كما هو اليوم، لكن شعار السمكة أعطى لهم شيئاً بسيطاً وسهلاً كرمز سري لتحديد هويتهم.
فقد عثر على رسومات للسمكة في كهوف ودياميس (مقابر) المسيحيين المتواجدة تحت الأرض، كما زينت السمكة جدران الكنائس المنقوشة بالفسيفساء منذ القرن الرابع المسيحي.
رمز السمكة من الرموز الهامة التي كان يستخدمها المسيحيون وقت الاضطهاد.

السمكة باليوناني ΙΧΘΥΣ التي تنطق بالعربية إيسوس، وكلمة ΙΧΘΥΣ هي أول كل حرف لخمس كلمات وهما “يسوع المسيح ابن الله المُخَلِص”
*الحرف الأول الايوتا”Ι” وهو الحرف الأول لكلمة Ἰησοῦς إيسوس اي يسوع.
*الحرف الثاني الخي”Χ” وهو الحرف الأول لكلمة Χριστóς خريستوس أي المسيح.
*الحرف الثالث الثيتا”Θ” وهو الحرف الأول لكلمة Θεοῦ المشتقة من كلمة Θεóς اي الله.
*الحرف الرابع اليوبسلون”Υ” وهو الحرف الأول لكلمة Υἱὸς يوس أي ابن.
*الحرف الخامس السجما”Σ” وهو الحرف الأول لكلمة Σωτήρ اي المخلص.

فتكون الكلمة يسوع المسيح ابن الله المخلص، Ἰησοῦς Χριστóς Θεοῦ͑ Υἱός Σωτήρ.

فسيفساء تعود الى القرون الأولى للسمكة...

فسيفساء تعود الى القرون الأولى للسمكة…

 اذن رمز السمكة له أهمية خاصة في المسيحية في معناه  ومدلولاته كما ذكرنا سابقاً، وأيضاً في ذكره في العهد الجديد، تُذكر كلمة سمكة بمشتقاتها حوالي سبع وعشرون مرة في الإنجيل فقط (متي – مرقص – لوقا – يوحنا)، علي سبيل المثال وليس علي سبيل الحصر، معجزة الخمسة أرغفة والسمكتين التي أشبعت خمسة آلاف رجل بغير النساء، وتبقى منها بعدما شبعوا إثنا عشر قفة مملوءة (بشارة الرسول مرقص أصحاح34:6-44). معجزة السبعة خبزات والقليل من السمك التي أشبعت أربعة آلاف شخص، وما تبقي منها بعدما شبعوا كان سبع سلال (بشارة الرسول مرقص أصحاح1:8-10)وفق الدراسات والمراجع، ان الرمز الأوّل للمسيحيّة في القرن الثاني الميلادي كان السمكة؛ “سمكة” باليونانيّة تعني ICHTUS، ويشير كل حرف منها الى كلمة ترتبط بيسوع المسيح كما اسلفنا اعلاه، والمعنى باليونانيّة Iesus Christos Theou Uios Soter أي “يسوع المسيح ابن الله المخلّص”
والصليب لم يُعتَمد نهائياً كرمز رسمي للمسيحية  وللكنيسة إلاّ بعدما اعترف الامبراطور قسطنطين رسميّاً بالمسيحية وحرية اعتناقها وحرية العبادة بأي دين، وبذا اباح للمسيحيين حرية العبادة بإصداره مرسوم ميلانو السنة 313، وتثبّتت أسسها السنة 324 مسيحية عندما استطاع الأمبراطور قسطنطين التغلّب على خصومه ومنافسيه ونجح في إعادة توحيد الأمبراطورية الرومانية عندما شاهد اشارة الصليب في ملء السماء في رابعة النهارمع كتابة باليونانية تحتها تعريبها ” بهذه تنتصر” فأمر برسمها على ثياب واعتدة واسلحة الجنود وانتصر على خصمه ليكيانوس قنصل الغرب، فأصبحت الديانة المسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية.

 

 

 

 

عيد رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة وانتقالها الى السماء

$
0
0

عيد رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة وانتقالها الى السماء

قصة العيد:
رتبت الكنيسة المقدسة قبل هذا العيد المبارك ان يتم الصوم لمدة 14 يوماً، وهو من احب الأصوام في الكنيسة الارثوذكسية ويحلو للكثيرين وحتى الآن ان يؤدونه بالانقطاع ليس فقط عن الألبان والأجبان واللحوم حتى الانقطاع عن الزيت والاكتفاء بالعشب الطازج والمسلوق بالماء فقط ابتغاء ارضاء السيدة الطاهرة، ونظراً لمكانة العذراء الطاهرة في كنيستنا الأرثوذكسية

* ان ماتسلمته الكنيسة المقدسة من الآباء منذ قديم الزمان عن رقاد والدة الاله هو مايأتي
وهوأنه لما حان ملء الزمان الذي سر فيه مخلصنا أن ينقل اليه والدته ارسل اليها ملاكاً قبل ثلاثة أيام ليخبَرها بقرب انتقالها من هذه الحياة الزائلة الى الحياة الأبدية المغبوطة، فلما سمعت هي بذلك صعدت بسرعة الى جبل الزيتون الذي كانت تذهب اليه كثيراً للصلاة وأدت الشكر لله، ثم عادت راجعةً الى بيتها وأخذت تهيءُ مايقتضي للدفن وفيما هي على هذه الحال اختطف الرسل من أقاصي الأرض كلا منها من حيث يُكرزُ بالبشارة وأحضروا في وهلة واحدةٍ الى بيت والدة الاله فأخبرتهم بسبب جمعهم بغتةً وعزتهم بمثابة أمٍّ عن الحزن الذي اعتراهم لا محالة، ثم رفعت يديها وتضرعت من أجل سلامة العالم، وباركت الرسل واخيرااضطجعت على سريرها وجعلت جسمها على الهيئة التي شاءت وهكذا أسلمت روحها الفائقة القداسةفي يدي ابنها وإلهها أما الرسل فرفعوا السرير الذي كان عليه جسدها المتقبل الآله بورع عظيم ومصابيح كثيرة مرتلين نشائد التجنيز وحملوه الى القبر وكانت الملائكة إذ ذاك ترتل معهم من السماء مشيعين من هي اعلى من الشاروبيم وإذ تجاسر أحدُ اليهود حَسداً أن يمد يديه على ذلك السرير بوقاحةٍ ناله في الحال من لدن القضاء الالهي ماكانت تستوجبه وقاحته من القصاص فإن يديه الجريئتين قطعتا بضربة لم تُر. ولما وصلوا الى القرية

ايقونة الرقاد

ايقونة الرقاد

التي تدعى الجسمانية دفنوا هناك ذلك الجسم الفائق الطهارة ينبوع الحياة بوقار عظيم. ثم في اليوم الثالث لدفنه اجتمعوا لتعزية بعضهم بعضاً. ولما رفعوا جزء الرب يسوع من الخبز كعادتهم ظهرت والدة الاله في الهواء قائلة لهم “سلام لكم” فتيقن الرسل من ذلك بأن والدة الإله انتقلت الى السماء بالجسد.”

(السواعي الكبير والسنكسار الجزء الأول)

تاريخية العيد

أصول هذا العيد غامضة، قبل العام 500 مسيحية كان يُحتفل به في فلسطين في 28 آب فيما كان المصريون يحتفلون به في 18 كانون الثاني.

انتقلت العادة المصرية إلى بلاد الغال (فرنسا) في القرن 4 مسيحية. بين الروم الأرثوذكس اتبع البعض العادة الفلسطينية، والبعض الأخر العادة المصرية. أما اعتماد تاريخ 28 آب في كل الإمبراطورية الرومية، بصورة نهائية، فكان بتدبير الإمبراطورالرومي موريق في القرن 7مسيحية.

ثمّة كتابات منحولة تُنسب إلى القديس يوحنا الإنجيلي والقديس مليتون أسقف صردة والقديس ديونيسيوس الأريوباغي تشير إلى انتقال مريم، والدة الإله. هذه تعود إلى حدود القرن الخامس المسيحي. وهناك عظات تتحدث عن رقاد وانتقال والدة الإله لدى قديسين أمثال أندراوس الدمشقي اسقف كريت، ويوحنا الدمشقي وجرمانوس القسطنطيني وثيودوروس الستوديتي وغريغوريوس بالاماس.

ايقونة رقاد السيدة

ايقونة رقاد السيدة

طروبارية عيد الرقاد والانتقال باللحن الأول
” في ميلادك حفظت البتولية وصنتها وفي رقادك ما اهملت العالم وتركته ياوالدة الاله لأنك انتقلت الى الحياة، بما أنك أم الحياة، فبشفاعاتك أنقذي من الموت نفوسنا.”

بعض من الخدمة الليتورجية للعيد

العناصر الأساسية للعيد معبّر عنها بوضوح في الخدمة الليتورجية. والدة الإله ذاقت الموت، رقدت، وأودعت القبر، لكنها لم تعرف فساداً لأنها انتقلت إلى السماء. في كاثسما سَحر العيد نخاطبها على هذا النحو: ” أما في ميلادك فحبل بغير زرع، وأما في رقادك فموت بغير فساد”. وفي الأودية التاسعة من صلاة السحر نقول: ” إن المولد بتولي والموت قد صار عربوناً للحياة “. من جهة أخرى، في صلاة الغروب، في برصومية على يا رب إليك صرخت ” أن ينبوع الحياة قد وضعت في قب،ر واللحد قد صار سلماً مصعدة إلى السماء”. هكذا انتقلت من حياة إلى حياة (الغروب. قطعة الليتين). انتقلت من الأرض إلى السماء (برصومية على يا رب إليك صرخت). وقد كان انتقالها بتمجيد وبحال تفوق الوصف على يدي ابنها وسيّدها (الغروب. قطعة الأبوستيخا). كل الأرض والسماء معنية برقادها. لذلك نشدّد “أن السلطات والكراسي والرئاسات والأرباب والقوات والشاروبيم والسارافيم المرهوبين يمجّدون رقادك. ويبتهج الأرضيون مزينين بمجدك الإلهي وتسجد الملوك مع رؤساء الملائكة والملائكة يرنمون…” (برصومية على يا رب إليك صرخت. صلاة الغروب). كذلك في صلاة السحر أن رقادها كان حدثاً كونياً إذ ” انتقلتِ برقادك الموقر إلى الحياة الخالدة محفوفة بالملائكة والرئاسات والرسل والأنبياء وسائر الخليقة” (صلاة السحر. قطعة الإينوس الثالثة)

ايقونة سيدة الرقاد

ايقونة سيدة الرقاد

من هنا مخاطبتنا لها باعتبارها الطاهرة الحية على الدوام مع ابنها اللابس الحياة (قطعة المجد والآن على يا رب إليك صرخت. صلاة الغروب). بهذا صار لها من حيث هذه المعية، دور مشارك في خلاص البشرية. رقادها جعلها مساهمة في خلاص العالم على أوسع نطاق. في إحدى طروباريات الأودية التاسعة نعبّر عن هذا المعطى الجديد بالكلمات التالية: “يا والدة الإله بما أنك منطلقة إلى الأخدار السماوية نحو ابنك فأنت تخلصين ميراثك دائماً “.

في هذا السياق، الذي حدّدته الخدمة الليتورجية، كتب القديس غريغوريوس بالاماس يقول: ” اليوم نحتفل برقادها أو انتقالها المقدس إلى حياة أخرى. فإذ هي دون الملائكة قليلاً، لمواتيتها، فإنها، بدنوها من إله الكل، قد سَمَت على الملائكة ورؤساء الملائكة وكل القوات السماوية الأرفع منها “. وفي عظة للقديس ثيودوروس الستوديتي في رقاد والدة الإله هذه الالتماعات: “إذ نحمل على ظهورنا ثوب الفضائل نحتفل بعيد دفن وعبور الكلية القداسة إلى السماء. فإن السماء على الأرض، لما اتشحت بثوب الخلود، انتقلت اليوم إلى الخدر السماوي الأبدي. اليوم والدة الإله، التي أطبقت عينيها الجسديتين، تقدّم لنا أنواراً مقدسة مشعّة، كانت، إلى عهد قريب، غير مألوفة وهي السهر على العالم والضراعة من أجله أمام وجه الله. اليوم، وقد أضحت خالدة، ترفع يديها إلى الرب من أجل خلاص العالم. لأنها سمت إلى القمم، فإنها، كحمامة نقيّة، لا تكف عن الذود عنا ههنا. أما وقد ارتفعت إلى السماء فإنها تطرد الأبالسة لأنها صلاة الشفاعة، من جهتنا، لدى الله. الموت، قبلاً، بسط سلطانه من خلال أمنا حواء، لكنه، حالما مسّ ابنتها المغبوطة، مات بموتها لأنه انغلب من ذاك الذي استمددت منه والدة الإله قوتها. والدة الإله رقدت _ وأقول رقدت لا انطفأت، لأنها منذ أن عبرت إلى السماء لم تكف، هناك، عن الذود عن الجنس البشري. بأي كلمات نصف سرك؟ فإن الذهن ينحني واللسان يستبين عاجزاً لأن مجد هذا السر يفوق كل ذهن. لا شيء

ايقونة سيدة الرقاد

ايقونة سيدة الرقاد

يضاهيه ويتيح لنا أن نفسره على نحو أو على آخر: كل ما هو منك يتخطانا. فقد عدّلت ما للطبيعة بميلادك الذي لا يوصف. من سبق أن سمع بعذراء تحبل بغير زرع؟ يا للعجب! هذه الأم التي تلد هي، أيضاً، عذراء عفيفة، فإن من يولد منها هو الله. هذا الأمر وحده يجعلها مختلفة عن الجميع. لذا تقتبلين، عن حق، في رقادك المحيي، خلود النفس والجسد (…) هل سبق لنا أن سمعنا عن وفاة كالوفاة التي أهلت لها والدة الإله؟ كم ذلك عادل لأنه لا أعلى من التي هي أعلى من الكل؟ إن نفسي تدهش متى ارتحل عقلي إلى رحيلك الفاخر، أيتها العذراء! نفسي تعجب إذ تهذ في رقادك العجيب! لساني يُعتقل متى تكلمت على قيامتك السرية؟ من تُراه، في الحقيقة، أهلاً لسرد كل عجائبك؟ أي ذهن، مهما سما يقدر، وأي لسان مهما كان فصيحاً، يحيط بقيمة أفعالك ويعرض ويقيم أسرار مجدك وعيدك ومديحك؟ كل لسان ينضب ويهن إن حاول، لأنك تفوقين وتسمين بغير قياس، على القمم السماوية الشاهقة، وبهاء نورك أكثر ألفاً من الشمس، وقد حزت على ما يزيد عظمة عن الملائكة وكل القوات الروحية غير المتجسمة”. هذه المعاني الفائقة لوالدة الإله، وخصوصاً لرقادها، وردت في التراث على نحو قصصي. فقد قيل إن الرب يسوع أعلم والدة الإله برقادها، بملاك، قبل حدوثه بثلاثة أيام. هذا ملأها فرحاً لأنها اشتهت أن تصعد إلى ابنها وإلهها. لذلك توجهت إلى جبل الزيتون لتصلي في سكون، كما كانت عادتها. وقد ورد أنها لما بلغت القمة خضعت لها الأشجار. بعد ذلك عادت لترتب أمرها وأذاعت على النسوة اللواتي أتين إليها خبر ارتحالها إلى السماء. وإثباتاً لذلك استودعتهن غصن النخيل، رمز الغلبة وعدم الفساد، الذي زودها به الملاك. وإذ حزنَّ لخبر فراقها أكدت لهن أنها ولو رحلت إلى السماء فإنها لن تكف عن الذود عنهن وعن كل العالم، بصلاتها.”

هذا وقد ذُكر أن البيت امتلأ غيماً سماوياً أحضر الرسل من أطراف الأرض. الكنيسة كلها، بأشخاص الرسل، انوجدت، سرياً، احتفاء بجنازة والدة الإله. وإلى جوق الرسل انضم الأساقفة القديسون نظير القديس إيروثاوس الأثنائي، المعيد له في 4 تشرين الأول، وديونيسيوس الأريوباغي، المعيد له في 3 تشرين الأول، وتيموثاوس الأفسسي، المعيد له في 22 كانون الثاني. الرسول بولس كان أيضاً، حاضراً.

وبحسب القديس يوحنا الدمشقي، حضر عدد من أنبياء العهد القديم. وقيل إن حنة، أم والدة الإله، مع إليصابات وإبراهيم وإسحق ويعقوب وداود كانوا حاضرين.

رقدت والدة الإله بسلام واستقرت، أبهى من كل نور، بين يدي ابنها وإلهها الذي ظهر بمعية رئيس الملائكة ميخائيل وجوق من الملائكة. تمّ رقادها بلا ألم وبلا قلق كما كان وضعها لإبنها دون أوجاع. تداخلت أصوات الملائكة بأصوات البشر إكراماً لرقادها. تنقى الهواء بصعود نفسها وتقدست الأرض باقتبال جسدها. وقد استعاد العديد من المرضى عافيتهم. حسد اليهود وحقدهم جرى التعبير عنه بإثارة زعمائهم قوماً للتعرض للمحمل الذي سجيت عليه والدة الإله. وإذ تجاسر كاهن اسمه، التراث، يلفونياس على الدنو منها انقطعت يداه. لكنه تاب وآمن واستعاد اليدين بنعمة الله. وآخرون ضربوا بالعمى آمنوا بالرب يسوع وجرى شفاؤهم.

جرى دفن والدة الإله في بستان الجثسمانية، هناك أقام الرب مع الملائكة في الصلاة ثلاثة أيام.

ايقونة سيدة الرقاد

ايقونة سيدة الرقاد

توما الرسول، تدبيراً، لم يحضر الجنازة. وصل إلى الجسمانية في اليوم الثالث وقد استبد به حزن عميق. كان يرغب في أن يلقي نظرة أخيرة على والدة الإله راقدة ليتبرك منها. ولأجل إصراره قرّر الرسل فتح الضريح ليتسنى لتوما أن يُكرم الجسد المقدس. فلما رفعوا الحجر الذي يسد المدخل استبد بهم الدهش لأن الجسد كان قد اختفى. وحده الكفن الذي اشتمل والدة الإله كان هناك وقد اتخذ شكل الجسد. كان هذا دليلاً على انتقال والدة الإله إلى السماء، أي على قيامتها وصعود جسدها الذي انضم، من جديد، إلى نفسها، صعودها إلى ما هو أرفع من السموات، إلى حميمية ابنها لتكون ممثلة لنا ومحاميتنا لدى الله.

مريم “ابنة آدم” التي صارت أماً للإله وأماً للحياة ذاقت، إذاً، الموت. لكن موتها لم يكن مُذلاً بحال، فإنه بالموت، إذ انغلب للمسيح الذي اقتبله، طوعاً، لخلاصنا، استحالت دينونة آدم “موتاً محيياً” ومبدأ وجود جديد. ولحد جسمانية، كالقبر المقدس، استبان خدراً جرى في كليهما عرس عدم الفساد. لقد كان لائقاً، انسجاماً مع ما جرى للمسيح المخلص، أن تعبر والدة الإله بكل السبل التي سلكها المسيح ليمد القداسة في طبيعتنا. فبعدما تبعته في آلامه وعاينت قيامته خبرت الموت. ولما انفصلت عن جسدها أنوجدت نفسها الكلية النقاوة متحدة بالنور الإلهي. أما جسدها فقد بقي قليلاً في الأرض ثم قام بنعمة المسيح الناهض من بين الأموات. هذا الجسد الروحاني اقتبل في السماء كهيكل للإله المتجسد، كعرش الله. إنه الجزء الأبرز من جسد المسيح، وكثيراً ما ماثله آباء الكنيسة بالكنيسة المقدسة عينها، مسكن الله بين الناس وموضع حالنا الآتية ومصدر تأليهنا. من الحشا العفيف لمريم، والدة الإله، انفتح لنا ملكوت السموات. لذلك صار انتقالها إلى السماء سبب فرح لكل المؤمنين الذين تلقوا بذلك الضمانة إن كل الطبيعة البشرية، في شخص مريم، أضحت حاملة للمسيح ومدعوة لأن تسكن في الله.(السنكسار)

جر المياه الى دير سيدة صيدنايا

$
0
0

جر المياه الى دير سيدة صيدنايا

توطئة

هي صفحة مشرقة من تاريخ دير سيدة صيدنايا، وانعكست على بلدة صيدنايا بالرغم مما رافقها من غصة نتيجة رفض الشقيق طائفياً لهذه الخطوة الحيوية كالكثير من الخطوات اللاحقة…!

توثيق هذا الفعل الحميد

تخليداً لهذه الفعل المبارك الذي غير تاريخ الدير والبلدة تم توثيقه بلافتة حجرية وضعت في دير سيدة صيدنايا مقابل كنيسة السيدة في الدير المبارك حيث ورد التالي

” في ظل الحكومتين الوطنية والمنتدبة، وفي عهد غبطة البطريرك غريغوريوس وبسعي الرئيسة الحاجة مريم السمرا والراهبات التقيات، وبهمة إقدام رئيس اللجنة نعمان بك ابو شعر واعضائها سرحان تامر شحفة، أمين يوسف ملوك، أمين بطرس قندلفت، اسكندر نقولا طرابلسي، جبران غطاس بدرا، جرجي جبران مسلم، ايان عبد الله خباز، عبده جرجي ابو شنب، سليم سليمان الأمير وباحسان الغيورين من الطائفة الأرثوذكسية في الوطن والمهجر، وبمهارة المهندسَّين رشدي بك سلهب الطرابلسي، سليمان بك ابو شعر الدمشقي.

استُنبط هذا الماء من الجبل على بعد الفين وست مئة متر من الجهة الشمالية الغربية بنفق وجُرَّ الى خزان منه الى الدير والقرية ودشن يوم الأحد في 22 ايلول شرقي سنة 1924.”

توثيق حادثة جر المياه

توثيق حادثة جر الميا

مراحل العمل…

بتوجيه من غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع (1906-1928) وبمساعيه عبر المجلس الملي البطريركي وابناء الرعية الغيورين والمتنفذين في زمن الحكومة الفيصلية التي اعقبت طرد الأتراك من بلادنا في 8 آذار 1918 بدأ السعي الحثيث لايصال الماء الى دير سيدة صيدنايا البطريركي المحجة المسيحية الأقدس في بلاد الشام وفي الكرسيين الأنطاكي والاورشليمي بعد القبر والمهد المقدسين في القدس الشريف، وشكل المجلس لجاناً لوضع المشروع قيد التنفيذ، وتعثر المشروع كثيراً بسبب ضعف التمويل، سيما وان البطريركية الانطاكية الفقيرة اصلاً كانت قد امست مديونة بديون فاحشة للدائنين ورهون للأوقاف البطريركية الارثوذكسية من بيوت وخانات ومؤسسات وموجودات الكنائس والاديرة من تجهيزات كنسية ذهبية وفضية بمقابل فاحش نتيجة فعل الرحمة المتمثلة باطعام الجياع بغض النظر عن الدين والمذهب، الذي قام به غبطة البطريرك غريغوريوس باطعام الجياع في الفترة المسماة ” سفر برلك” من 1914- 1918 طيلة الحرب العالمية الأولى حتى انه رهن صليب لاطيته الماسي ثم باعه لهذا الهدف النبيل (انظر سيرته في موقعنا هنا). اضافة الى تعثر الوضع السياسي ثم نكبة ميسلون ودخول الاستعمار الفرنسي الى سورية واقامة دولة لبنان الكبير من الخاصرة السورية، وسلخ كيليكيا والحاقها بتركيا ارضاء لها كي لاتكون معادية في اية حروب مستقبلية ضد فرنسا…

وتؤكد الوثائق البطريركية على قيام المجلس الملي البطريركي بدوره في قيادة شؤون البطريركية وابرشية دمشق وريفها وخاصة بهذا الموضوع الهام جداً سيما والدير بطريركي مرتبط رأساً بالمقر البطريركي ومجلسها الملي عبر لجنة تنتخب منه تقوم بتسيير اموره اليومية وضبط وارداته ونفقاته وتأمين مستلزماته بالتنسيق مع رئاسته، وكانت بعض اللجان المختصة بجر المياه المتعاقبة قد اخفقت نتيجة اعتذار البعض من اعضائها الذين تم اختيارهم لوضع الخطط والمتابعة كان منهم المصرفي الشهير السيد ميشيل مرقدة صاحب بنك مرقدة الشهير(في محلة العصرونية) الذي تقدم بكتابه الى المجلس الملي البطريركي في 11كانون الأول 1922 شاكراً ثقة المجلس الملي به التي ادت الى اختياره عضواً في لجنة جر المياه، ولكنه اعتذر عن القبول بسبب

مشغوليته، وحذا حذوه الوجيه الثري توفيق بك شامية (محافظ الحسكة، ثم الوزير

صورة للدير تعود الى عشرينيات وثلاثينيات من القرن 20 وتبدو ابنية البلدة وواقع البلدة الصعب

صورة للدير تعود الى عشرينيات وثلاثينيات من القرن 20 وتبدو ابنية البلدة وواقع البلدة الصعب

لاحقاً بعدة وزارات سورية) واخيراً وفي عام 1924 فإن اللجنة المكلفة بجر المياه افلحت في وضع الترتيبات بالتنسيق مع النافعة (وزارة الاشغال العامة والمواصلات) وكان امين عام وزارة النافعة هو المهندس الشهير سليمان بك ابوشعر( عضو المجلس الملي لدورات متعددة وشقيق المطران القديس اثناسيوس ابوشعر الدمشقي) الذي قدم وزميله رشدي بك سلهب الطرابلسي المخططات اللازمة اضافة الى الدعم الحكومي…فتحقق المشروع وجرت المياه الى دير سيدة صيدنايا والى بلدة صيدنايا كما ورد في الكراس الصادر عن بطريركية انطاكية وسائر المشرق / دير سيدة صيدنايا عام 1986 بمناسبة اليوبيل الذهبي للأم الرئيسة كاترين ابي حيدر رئيسة الدير المحتفى بها، وفيه اشارة واضحة الى رئيسة الدير الشهيرة الأم مريم السمرا التي تؤكد الوثائق البطريركية على تعبها المشهود في ادارة الدير ورئاسة رهبنته ودماثة اخلاقها وسيرتها الحميدة ونرى دورها ادناه في هذا المشروع الحيوي… وحكمتها في ادارة الأزمة في تأريخ ذلك في الكراس وهو بعنوان:

“خمسون سنة في دير سيدة صيدنايا ”

ورد فيه:

“… وفي عام 1914 اصبحت رئيسة الدير ولفترة طويلة الحاجة مريم السمرا من دمشق/ ومازال اهلها في دمشق وقد اعتنقوا المذهب الكاثوليكي/ وكانت تعرف بإدارتها الحسنة، وفي أيامه تم ايصال مياه الشرب ليس فقط الى الدير بل الى بلدة صيدنايا بالذات وبجهودها وعلى نفقة الدير.

كان اهل صيدنايا ينقلون مياه الشرب على الدواب من نبع بستان الدير ومن نبع بلدة منين أغلب الأحيان والتي تبعد عن صيدنايا مسافة 7 كم اي مشوار ساعة او أكثر مشياً او على الدواب، كما كان الدير يستقي من نبع يقع في ارض الوطية اسفل دير شربين، وذلك بواسطة رجل يدعى مخائيل شعلان/ ابو متري/ والذي كان يتقاضى اجرة عن نقل الماء بمعدل ليرة واحدة للجرة. لم يعجب ابو متري ايصال الماء الى الدير بواسطة القساطل اذ ان في ذلك قطعاً لرزقه واراد ان يمنع ذلك حتى انه استعمل القوة وتهجم بالضرب على الحاجة هيلانة الخوري في مكتب الدير، وقد قام بتخليص الحاجة هيلانة منه بعض الراهبات وعلى رأسهم/ الأم كاترين وكانت لم تزل في ثياب العلمانيين وذلك بأخذ السكين التي كانت بحوزته. وقد جازاه الله عن فعلته المنكرة اذ توفي اثر سماعه ان ولده الوحيد مصابا بمرض عضال وتوفيا الأب والابن في يوم واحد.

ولم يكن ابو متري المعارض الوحيد في ايصال مياه الشرب الى الدير، لقد رفض الكثير من اصحاب الأراضي ان تمر انابيب المياه في اراضيهم وعارضوا معارضة شديدة وأكثر هؤلاء كانوا من الطوائف المسيحية الأخرى، وللتغلب على ذلك قامت الرئيسة المرحومة مريم السمرا بالتنازل عن معصرة قرب الدير الى هذه الطائفة.

رئيسة الدير وقتها الحاجة مريم السمرا مع راهبة ثانية

رئيسة الدير وقتها الحاجة مريم السمرا مع راهبة ثانية

وقد كلفها في ذلك الحين ليرة ذهبية واحدة عن كل ذراع (74 سم) واستفاد اهالي صيدنايا بينهم وبين الدير بمعدل 4/3 لهم و4/1للدير.

خاتمة

تقضي الحقائق التاريخية ان تكون مدونة بشكل صريح بدون تجميل، لأنها حقائق تاريخية. وفي الكراس تمت محاولة الايهام بأن الكثير من اصحاب الأراضي عارضوا معارضة شديدة وان اكثرهم من ابناء الطوائف المسيحية الأخرى .. ووقتها لم يكن من طوائف في صيدنايا الا الأرثوذكسية وهي الأكثر عدداً والكاثوليكية…وان الحاجة مريم السمرا تغلبت على ذلك بالتنازل عن معصرة قرب الدير الى هذه الطائفة…وهنا محددة ” طائفة” وليست طوائف كما جاء قبلاً…والا لقيل ” الطوائف”…

وتؤكد الوثائق البطريركية عن ان المعارضة بدت فقط من ابناء طائفة الروم الكاثوليك الشقيقة بكل أسف، بينما رحب الارثوذكس لمنفعة ديرهم، ومعروف حدة الخلافات المذهبية بين الطائفتين في صيدنايا وسواها في القلمون، وسعي الكاثوليك وقتها للحصول على مايقابل مكانة الطائفة الارثوذكسية التي انشقوا منها سواء لجة وضع اليد على ما امكنهم من اديرة وكنائس…ما يقابل دير السيدة لذا وضعوا اليد على دير مارتوما حيث يؤكد العلامة الخوري ميخائيل زربطاني( المغترب في كندا) وقد وثق زيارته الى صيدنايا وقتها بكتابه:” ارجح المنقول في تاريخ دير البتول” الصادر في عام 1911 ان مفتاح دير مار توما كان بيد دير سيدة صيدنايا… وقد زاره في زيارته الموصوفة بكراسه، ووصفه بكتابه هذا بعد ان رافقه المكاري من دير السيدة الى دير مارتوما ومعه المفتاح… واليوم يعد دير مار توما مركز للبطريركية الكاثوليكية وللبطريرك فكيف ذلك؟؟

اضافة الى معظم المزارات والأديرة التاريخية التي تسبق تاريخ انشقاق الكاثوليك عن الارثوذكس، وكان كاثوليك صيدنايا قد قاموا بوضع اليد على الكثير من الأديرة ومنها دير بطرس او اللولبة اخر البلدة وسواه… ونشير الى ان الوجود الكاثوليكي في الكرسي الأنطاكي كان قد بدأ عام 1724 مسيحية فعلياً وقوي الوجود بحملة ابراهيم باشا المصري بفضل كبير مستشاريه حنا البحري الكاثوليكي حيث تم الاعتراف بها طائفة مستقلة عن البطريركية الارثوذكسية عام 1834 من قبل حاكم مصر والشام محمد علي باشا واضطرت الدولة العثمانية الى اصدار براءة سلطانية بذلك بضغوط الدول الأوربية الكاثوليكية وقتها فرنسا والنمسا…وسكوت الولاة العثمانيين مقابل الرشوة… ونقل المقر البطريركي من دير المخلص في صيدا الى دمشق مع كاتدرائية سيدة النياح بتحويل كنيس يهودي لطائفة القرائين المندثرة التي تم شراؤها من وكيلها بالأستانة، في اعقاب ذلك تم وضع اليد على الكثير من الكنائس الأرثوذكسية في صيدنايا وكان آخرها دير مار توما بعد 1911 الذي يعد اليوم مركزاً

دير سيدة صيدنايا والبلدة مطلع القرن 20

دير سيدة صيدنايا والبلدة مطلع القرن 20

بطريركياً…ويبرود كاتدرائية قسطنطين وهيلانة ودير قارة الكبير… ومعرة صيدنايا دير مار الياس الحي، ومعلولا ير مار سركيس وغيره…وصيدا الكاتدرائية ودير المخلص وصور والكثير من الأديرة والمزارات في جبل لبنان،

وسواء بالتالي لمنع اي مكاسب للطائفة الارثوذكسية مستمدة من دير السيدة وبقية المزارات والكنائس التاريخية كحالة جر المياه الى دير سيدة صيدنايا بدون مقابل، وان كان المقابل هنا واضحاً ثلاثة ارباع المياه الى البلدة وكان في مدخل البلدة على وعيي، وكانت تسمى” العين” حيث تصب بها هذه الكمية مقابل الربع الى الدير وكان المقابل الخاص اخذ معصرة من اوقاف دير السيدة ضمت الى اوقاف الكاثوليك…

والتاريخ تكرر عندما ارادت الرئيسة الأسبق مثلث الرحمات الحاجة كاترين ابي حيدر شق الطريق الى دير الشيروبيم عارض اصحاب الأراضي الكاثوليك الذين سيمر الطريق اما في اراضيهم او جوارها بالرغم من التحسين العقاري ومنعكسه مادياً على هذه الاراضي… لذا اضطرت الى تغيير المخططات، عندها راجعها الكثير منهم معتذرين راجين ان تمر الطريق في اراضيهم لكنها كانت قد اعتذرت فالمشروع بدأ وتم شق اول الطريق ( شهادة شفهية منها لنا وقتئذ)…

المصادر:

– الوثائق البطريركية / وثائق دير سيدة صيدنايا البطريركي

– كراس “خمسون سنة في دير سيدة صيدنايا”

– شهادات شفهية

بعض المعاهد اللاهوتية الأرثوذكسية الأنطاكية

$
0
0

بعض المعاهد اللاهوتية الأرثوذكسية الأنطاكية

قال الرب يسوع:” من عمل وعلم دعي عظيماً في ملكوت السموات”

مقدمة

ان المدارس والمعاهد العلمية واللاهوتية الأرثوذكسية لم تخل منها كنيسة منذ نشأتها، انما كانت تلك المعاهد في اول تأسيسها بسيطة المنهج تعلم تحت رعاية الاكليروس اضافة الى العلوم والمعارف، اصول الايمان المسيحي القويم (الارثوذكسي) والدفاع عنه في وجه الهرطقات التي ضربت الكنيسة على ممر العصور وشرح الكتاب المقدس. على انها في اواخر القرن المسيحي الثاني اخذت ترتقي في مدارج الكمال، ولاسيما في انطاكية والاسكندرية ثم في اورشليم فالقسطنطينية وغيرها.

هذا في الأجيال الأولى للمسيحية. أما فيما بعد ولاسيما في الأجيال المتأخرة، المتاخمة لعصرنا هذا ، فلقد نشأت فيما بعد في دور الكنائس واحضانها برعاية الكهنة والاساقفة والبطاركة مدارس علمية وأدبية كالمدرسة الأرثوذكسية الدمشقية المعروفة بمدارس الآسية الدمشقية…

– المدرسة الوطنية الارثوذكسية الدمشقية (الآسية)

هي اقدم واعرق مدرسة علمية عامة مع جانب جامعي وقسم اكليريكي اضافة الى مدرسة عليا للموسيقى الرومية…

هي مغرقة في القدم وترافقت مع نقل المقر البطريركي الانطاكي الى دمشق الشام 1344 حيث تشير بعض المخطوطات الى وجود مدرسة ابتدائية في حضن المقر البطريركي برعاية الكهنة كان يتلقى فيها التلاميذ مبادىء العربية والحساب والعلوم

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

الدينية مع الترتيل…

في عام 1634 تولى السدة البطريركية السيد افتموس كرمة وكان عالماً من علماء عصره (انظر سيرته في موقعنا هنا باب أعلام ارثوذكسيون) وقد نقل مكتبته الشهيرة من حلب حيث كان مطراناً لحلب وتوابعها وقام بتأسيس مدرسة علمية واكليريكية في المقر البطريركي عام 1635 واستمرت متعثرة وان كانت قد ازدهرت في عهد خليفته البطريرك العلامة مكاريوس ابن الزعيم1635- 1672 بسبب المظالم العثمانية واستتار التعليم عن اعين السلطات التي كانت تريد ان يكون التعليم فقط في الكتاتيب المحصورة بالجانب الاسلامي وفي احضان المساجد

ولا تزال مدارس الآسية الأرثوذكسية حتى الآن بعد ان حدثها القديس الدمشقي الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ثم دمرها الرعاع الفتنويون في مذبحة دمشق الطائفية وقتلوا بوحشية قديسنا الخوري يوسف مهنا الحداد وخمسة كهنة ودمروا المقر البطريركي والمريمية وبقية مدارس وكنائس الطوائف الشقيقة اضافة الى سائر الحي المسيحي واستشهاد حوالي ثلاثة ارباع المسيحيين الارثوذكسيين حيث ان احياءهم السكنية كانت هي خط الصدم وتقع على خط الجبهة الفاصل بين احياء المهاجمين واحياء المسيحيين الآمنين وهي مئذنة الشحم والشاغور والشارع المستقيم والمريمية والقيمرية وهذه هي التي تلقت الضربات الاولى تبعاً لعدد الارثوذكسيين وهو اكبر

شعار مدارس الآسية وهو من وضعنا عندما كتبنا كتاب تاريخ الآسية

شعار مدارس الآسية وهو من وضعنا عندما كتبنا كتاب تاريخ الآسية

بأضعاف من كل الطوائف المسيحية مجتمعة وكانت احياؤهم متراجعة وتمكن الكثيرون منهم من الهرب باتجاه صيدنايا والاحتماء بديرها الشهير وفقاً للكثير من المؤرخين المعاصرين، والكثيرون منهم تمكنوا من الاحتماء في الاقبية الحصينة في بيوتهم وحتى في الآبار المنزلية، ولكن الدمار كان شاملاً لكل الحي المسيحي بكنائسه ومؤسساته وبيوته ومنه مدارس الآسية وسواها…

ثم اعيد بناؤها ولاتزال تمارس نشاطها وفي تصاعد مستمر وتخدم القضية الوطنية والروحية واستحقت شكر مدحت باشا والي دمشق العثماني في العقد الثامن من القرن19 والسفاح جمال باشا على قيامها برسالتها الوطنية عام 1915 والأمير فيصل بن الحسين عام 1918 عندما زارها بمعية البطريرك غريغوريوس مهنئاً وشاكراً على دعم البطريرك وكنيسته له في تحرير البلاد من النير التركي… ثم زارها مجددا لما اعتلى عرش سورية وقد لها معونة مالية واستقبلته فرقتها الكشفية بموسيقاها النحاسية عام 1920.

وسنفرد لها بحثاً خاصاً باذن الله مستمداً من كتابنا الذي كتبناه عنها، واصدرناه عام 1991 وكان بعنوان:” الآسية مسيرة قرن ونصف 1840 – 1990″ تم توزيعه في احتفال خاص بها برئاسة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وذلك بمناسبة مرور 150 سنة على اعادة تأسيسها اي الى عام 1840 بهمة القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي… وشمل الاحتفال حفلاً خطابياً اضافة الى فعاليات علمية ومعارض وحفلاً فنياً…

– مدرسة البلمند الاكليريكية عبر تاريخها

منذ طفولتنا، ونحن نسمع بمدرسة البلمند، ونشاهد خريجيها من الأحبار الأفاضل والقادة الرعاة في كنيستنا الأنطاكية المقدسة. ومدرسة البلمند هذه تبقى رمزاً لأنها أصبحت عبارة عن صرح تعليمي، يبدأ التعليم فيه من نعومة الأظفار إلى الجامعي وما فوق الجامعي بشقيه اللاهوتي والعام.
مما لاشك فيه ان هذا المعهد اللاهوتي اليوم والذي هو على اسم القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي من المعاهد التي يجب ان تذكر للتاريخ بالفخر…والذي وضع حجر اساسه مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع عام 1974 بمنحة من مثلث الرحمات انطونيوس بشير متروبوليت نيويورك واميركا الشمالية وتابع مثلث الرحمات

تكريم الطلبة المتفوقين خريجي الآسية العام 2014 من قبل غبطة البطريرك يوحنا العاشر في قاعة الصليب المقدس والصورة عامة امام واجهة كنيسة الصليب المقدس

تكريم الطلبة المتفوقين خريجي الآسية العام 2014 من قبل غبطة البطريرك يوحنا العاشر في قاعة الصليب المقدس والصورة عامة امام واجهة كنيسة الصليب المقدس

البطريرك اغناطيوس الرابع اهتمامه المطلق بهذا المعهد مع مساعدات قيمة من ابرشية اميركا برعاية مثلث الرحمات المتروبوليت فيليبس صليبا متروبوليت ابرشية اميركا الشمالية وتابع غبطة المثلث الرحمات ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع وبعد ان كان قد أنشأ الثانوية حينما كان رئيساً للدير حقق حلمه بإقامة جامعة البلمند التي صارت اليوم من اهم واول الجامعات الخاصة في لبنان وسورية…

لما نزل نحن ابناء انطاكية العظمى ” ننظر الى هذا المعهد الديني كمنارة ترشد سفن أبناء كنيستنا الى موانىء امينة بعد ان تجتاز تيارات دينية متعددة من اخوان لنا في المسيحية” (نجيب ميخائيل ساعاتي مدير معهد الدراسات اليونانية في الاسكندرية مجلة النعمة العدد 64 السنة 1966)

مرّت على هذه المدرسة عهود مختلفة، كانت تفتح وتغلق تبعاً للأهواء الشخصية وللظروف العامة!!

المدرسة الأولى مدرسة الارشمندريت اثناسيوس قصير الدمشقي

وكانت أول مدرسة إكليريكية قد فتحت في البلمند في النصف الأول من القرن 19 وبالتحديد عام 1833 بهمة رئيس الدير وقتئذ العلاّمة الارشمندريت أثناسيوس قصير الدمشقي (زمن البطريرك الانطاكي متوديوس من ناكسوس في اليونان {1832ــ 1850})، وكان من الذين تشبعوا بروح الإصلاح في الحياة الإكليريكية والرهبانية في الكرسي الأنطاكي المقدس والذي يهدف إلى إعادة تعريب السدة الانطاكية، وكانت هذه الروح الوطنية قد سادت بقوة بين عدد من الإكليريكيين والعلمانيين، لعل أبرزهم قديس دمشق وشهيدها الخوري يوسف الحداد الذي قام بنهضة مماثلة في دمشق، وكان أيضاً طيب الذكر تلميذه السيد ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي الذي حتى الآن لا يزال مجهولاً (وربما احقق امنيتي قبل الموت بأن تعلنه كنيستنا قديساً وهو القديس المنسي او المجهول وصاحب الفضل في كرسينا الأنطاكي )، والسيد جرجي مرقص الدمشقي ( انظره في موقعنا هنا)  اما قديسنا الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي فهو الذي كان وراء كل النهضة الروحية الوطنية في الكرسي الانطاكي المقدس منذ الثلث الأول من القرن ال19 عبر تلاميذه وتلاميذهم…

دير البلمند من الجهة الشرقية

دير البلمند من الجهة الشرقية

وكان من الضروري جداً افتتاح هذه المدرسة لمواجهة الحملات التبشيرية المتعاظمة والمنتظمة من كاثوليكية وبروتستانتية والتي كانت تنتزع النابغين من الفتيان لإرسالهم إلى مدارس رومة، والمدارس البروتستانتية لذلك قام الارشمندريت قصير بفتح المدرسة وضمَّ إليها 30 تلميذاً من الرهبان، وأحضر لها أساتذة مرموقين آنذاك، منهم الخوري اسبريدون صروف الدمشقي( انظره في موقعنا هنا) والخوري جراسيموس فرح الدمشقي
الذي أصبح فيما بعد مطراناً على باياس ثم على صور بعدما كانت ابرشية بيروت قد رفضته مطراناً عليها رغم اعترافها بأهليته فقط لكونه دمشقي!!! ( الوثائق البطريركية) .
والأستاذ اليوناني ديمتري فيليبدس لليونانية والموسيقا البيزنطية، بينما تولّى الارشمندريت قصير تعليم قواعد اللاهوت الأرثوذكسي والآباء

ولإنجاح هذه الخطوة الرائدة سعى الأرشمندريت قصير إلى زيادة أوقاف دير البلمند ووارداته، وجهّزه بالمخطوطات والملابس الكهنوتية والأواني الكنسية ورمّمَ بعض مبانيه بالإضافة إلى بنائه للقاعات الغربية التي تُعرف حالياً باسم الجناح البطريركي، وفيها نشأت هذه المدرسة وقد بادر أيضاً إلى استصدار قرارين من إبراهيم باشا ابن خديوي مصر، يقضي أولهما بإعفاء الدير من بعض الضرائب الأميرية، ويحول ثانيهما دون أن يضع الأمير بشير الشهابي (حليف ابراهيم باشا خاصة في فتحه لبلاد الشام) يده على مطاحن الدير.

 

إغلاق المدرسة الأولى او مدرسة الارشمندريت قصير
لم يطل الأمر على هذه المدرسة، وهي الومضة الأولى في الحياة الإكليريكية الانطاكية، حتى أُغلقت بأمر من البطريرك الانطاكي متوديوس، وقد تمَّ ذلك في عام 1840 عقب زيارة دير البلمند، وبمعيته مطران عكار زخريا، وقد جرى له في هذه الزيارة استقبال حافل من الرهبان والطلبة، فكان سروره عظيماً، لكن ما أزعجه، وجعله يبطّن القرار بإغلاق هذه المدرسة، جملة كان قد لفظها المطران زخريا تتحدث عن الآمال المعقودة على خريجي هذه المدرسة في قيادة الرعية وفي مستقبل الكرسي (وهذا كان يزعج البطاركة اليونان الذين تعاقبوا على السدة الانطاكية من 1724 مع البطريرك سلفستروس القبرصي، وحتى اسبريدون من رهبنة القبر المقدس عام 1898) ومن نافلة القول أن خريجي هذه المدرسة كانوا قد لعبوا دوراً نضالياً بارزاً في تعريب السدة الانطاكية وإقصاء اسبريدون عنها، وانتخاب ملاتيوس الدوماني كأول عربي عليها، ومن هؤلاء غفرئيل شاتيلا وأغابيوس صليبا والدوماني….

شعار جامعة البلمند

شعار جامعة البلمند

ولم يطل الأمر على تدبير الأمر بإغلاق المدرسة، فحال عودة البطريرك إلى دمشق، أنذر رئيس الدير الارشمندريت أثناسيوس بإغلاقها، فرفض الأخير، وتقدّمَ باستقالته من رئاسة الدير، فقبلها البطريرك فوراً، ونقله واعظاً إلى القدس لمصلحة بطريركيتها، وأغلق المدرسة، فتفرّقَ الطلاّب، منهم من ذهبَ إلى مدرسة ديرالقديس جاورجيوس الحميراء البطريركي، ومنهم من ذهب إلى أديار جبل آثوس، بينما بقي اثنان وعشرون راهباً في البلمند، يعيشون الحياة الرهبانية منتظرين إعادة افتتاح مدرستهم الاكليريكية. واستمر هذا الوضع المؤلم حتى العهد العربي.

وكان في ذلك الوقت وكما اسلفنا في حديثنا عن مدرسة دمشق الآسية ان بادر الخوري يوسف مهنا الحداد الدمشقي ( الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي) ان حول جانباً من المدرسة الى كلية لاهوتية، اضافة الى مدرسة عليا للموسيقى الرومية، اضافة الى انه كان قد طور مناهج المدرسة في مرحلتها التي تقاس اليوم بالثانوية ومافوقها الى مناهج لست كليات جامعية…وكان ذلك قد تم في العام الدراسي 1851- 1852 واستمرت في اضطراد مستمر ومتعاظم وارتقاء حتى كانت مجزرة دمشق الطائفية عام 1860فاستشهد معظم كادرها التدريسي والاداري واولهم الخوري يوسف ودمار المدرسة…

المحاولة الثانية لفتح مدرسة لاهوتية اكليريكية

في زمن البطريرك الأنطاكي اليوناني جراسيموس 1886- 1891
فكر البطريرك في إحداث مدرسة لاهوتية في المقر البطريركي بدمشق، وحاول اسناد ادارتها الى المحسن الكبير والعلامة المغترب الدمشقي في القسطنطينية ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي تلميذ الخوري يوسف الحداد ( القديس يوسف الدمشقي) راجياً منه العودة الى دمشق ليساعده في ادارة وتدبير هذه المدرسة بعد ان يصيره ارشمندريتا، ويكون مقر المدرسة اما في الدار البطريركية او في الآسية او في دير سيدة صيدنايا البطريركي وكانت الكفة راجحة الى هذا الدير…وكان هذا الترشيح والمتابع الدقيق لهذا المشروع التربوي الشماس جراسيموس مسرة اللاذقي شماس البطريرك (مطران بيروت لاحقاً) الذي يعتبر ديمتري معلماً له فيبادره بالكتابة دوما مستهلا رسائله بعبارة ” بعد التبرك بلثم يمينكم…” وهو اللاهوتي الأول في كرسينا الانطاكي وخريج خالكي المتميز… وكذلك كان الشماس روفائيل هواويني الدمشقي ( مطران اميركا الشمالية والمطوب قديساً ارثوذكسيا من قبل الكنيسة الروسية العام 2010) كان يكاتبه بالوصف ذاته مقبلاً يمينه…

وفي الوقت عينه كان الحلبيون قد اجمعوا على انتخابه مطراناً عليهم بالرغم من كونه علماني ووسطوا البطريرك القسطنطيني ليقنعه بالقبول… لكنه اعتذر عن القبول في الترشيحين وقد زعل منه البطريرك جراسيموس لعدم قبوله ادارة المدرسة لأنه كان قد وضع خاتمة لحياته بعد عودته من مغتربه كمتوحد فقير قدم كل مايملك للمريمية وللكهنة الانطاكيين الفقراء ولدير سيدة حماطورة، عاش متوحداً بثيابه المدنية في دير سيدة حماطورة الرهباني خادماً له وهذا ماتم الى حين وفاته بالرب… وبذا لم يفلح مشروع المدرسة…

صورة للمشاركين في المؤتمر الأنطاكي مع غبطة البطريرك يوحنا العاشر ومطارنة الأبرشيات والوفد الأنطاكية امام قاعة الزاخم في البلمند 2014

صورة للمشاركين في المؤتمر الأنطاكي مع غبطة البطريرك يوحنا العاشر ومطارنة الأبرشيات والوفد الأنطاكية امام قاعة الزاخم في البلمند 2014

المدرسة الاكليريكية في زمن البطريرك ملاتيوس الدوماني
مع بداية هذا العهد عادت المدرسة الإكليريكية للحياة بقرار مجمعي اتُخِذَ في 13 تشرين الثاني 1899، وافتتحها البطريرك ملاتيوس في 3 كانون الثاني 1900، وأُوكل أمر الإشراف عليها لمطران طرابلس غريغوريوس حداد، وعيّن الأستاذ غطّاس قندلفت الدمشقي مديراً لها، وضمت أيضاً أساتذة كباراً أمثال جرجس همام الشويري، ونجيب مشرق، وجرجي شاهين عطية، وضاهر خير الله الشويري، وكان عدد الطلاب في هذه المرحلة الثانية أيضاً ثلاثين طالباً، وكان رئيس الدير هو الارشمندريت ايوانيكوس حايك، ووضع الأستاذ قندلفت نظام المدرسة، وكان مستوحى من نظام مدرسة خالكي ويقع في تسع وعشرين صفحة من كراسة غير مجلدة، وهو يحتوي على سبعة عشر فصلاً وخاتمة، ويتضمن فصولاً تتناول مسؤوليات لجنة المدرسة، والمدير، والأساتذة، والخدّام، والدروس، والمكتبة، ووسائل الإيضاح، ووجود ناظر، وطبيب يأتي أسبوعياً من طرابلس أو غيرها للسهر على صحة الطلاب، وعلى وجوب تعيين البطريرك ثلاثة كهنة، للقيام بالصلوات والقداديس ولتأمين اعتراف الطلبة، وقد وافق البطريرك على هذا النظام، وأرسل رسالة لرئيس الدير ايوانيكوس، حدد فيها المتوجبات اللازمة لهذه العملية التي أضافت نفقات كثيرة، كان يفترض أن يقدمها الدير وتعتبر ديوناً يتوجب تسديدها على البطريركية إضافةً إلى أن هذه الرسالة كرّست فصلاً من الدير والمدرسة، فقد حددت واجبات وحقوق كل منهما.

أما المواد التي دُرِّست وقتئذ فكانت العربية بفروعها وآدابها، والرياضيات، والجغرافيا، والتاريخ، والطبيعيات، واللغات التركية، واليونانية، والروسية، ومطالعة الكتاب المقدس، وتفسيره، والخطابة، والوعظ، والإرشاد والموسيقا الكنسية.

وفي سنة 1905 تخرّج أول فوج من المدرسة بعدما حضر البطريرك ملاتيوس امتحانات السنة الأخيرة، وقدّم مديرها الأستاذ غطاس قندلفت تقريره بإنجازات العام، وعَقَبَهُ خطباء عدة أثنوا على المدرسة.

ومن خريجيها كان الشماس أبو رجيلي (البطريرك ثيوذوسيوس 1958ــ 1969)، الشماس غفرئيل كردوس، الشماس أثناسيوس كليلة (مطران حوران)، الشماس روفائيل نمر (مطران حلب)، الشماس ايصائيا عبود (تسلّم مناصب عدة) الشماس باسيليوس شاهين، الشماس فوتيوس صعب، الشماس فوتيوس خبّاز، الشماس يوسف أبو طبر، والمبتدئان اسكندر يارد وجرجي ديبو.

في عهد البطريرك غريغوريوس الرابع (1906ــ 1928)
في عام 1907 كانت مدرسة البلمند تعد ثلاثين تلميذاً، وسبعة أساتذة، هم:
ــ الأستاذ غطاس قندلفت مديرها، وأستاذ اللاهوت، والمدخل إلى الكتاب المقدس.
ــ الشمّاس جبرائيل كردوس أستاذ الرياضيات والعلوم الطبيعية.
ــ الأستاذ الياس اسطفان أستاذ اليونانية والتاريخ وتفسير الكتاب المقدس.
ــ الأستاذ جبران حبيب أستاذ الروسية والقانون الكنسي وناظر المدرسة.
ــ الأستاذ نجيب مشرق أستاذ الروسية والجغرافيا.
ــ الأستاذ متري المر أستاذ الموسيقا البيزنطية.
في عام 1908 أُغلقت المدرسة لأسباب غير معروفة، ربما لأسباب إدارية، أو لمصاعب مالية، لكن البطريرك غريغوريوس الرابع، أعاد فتحها عام 1909، وعيّن الارشمندريت العالم إغناطيوس أبو الروس لإدارتها، وكانت تعد 36 طالباً.
وفي عام 1911 عيّن الأستاذ غطاس قندلفت مجدداً لإدارتها، واستمرت المدرسة حتى إغلاقها بسبب الحرب العالمية الأولى عام 1914.
ثم أُعيد افتتاحها مجدداً في الفترة ما بين 1921ــ 1924 لكن بمضمون جديد إذ اتخذت طابعاً علمانياً بخلاف ما كانت عليه في الفترات السابقة من طابع إكليريكي، فانضمَّ إليها طلاّب مسلمون ورئسها وقتئذ الأب إغناطيوس حريكة (مطران حماة لاحقاً).
وفي ذلك الوقت، كان لبنان قد دخل في دائرة الانتداب الفرنسي واعلن كياناً سياسياً مستلاً من سورية ومستقلاً عنها باسم دولة لبنان الكبير، ثم الجمهورية اللبنانية، فتغيّرت المناهج التعليمية في مدرسة البلمند، وحلّت الفرنسية محل اليونانية والتركية، ودُرسَت جغرافية فرنسا وتاريخها. وزادت أهمية الدروس العلمية على الدينية، فتحوّلت مدرسة البلمند من إكليريكية إلى مدرسة وطنية محلية، وكان مديرها الأستاذ نقولا شاهين.

لافتة توثق وضع حجر الأساس لمركز البلمند الطبي في 2014 في المؤتمر الأنطاكي

لافتة توثق وضع حجر الأساس لمركز البلمند الطبي في 2014 في المؤتمر الأنطاكي

أما المدرّسون، فكان معظمهم من خريجي معهد المعلمين في الناصرة التابع للجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية، ومن خريجي مدارس الجمعية المنتشرة في كل البقاع الشامية إضافة إلى معلمين من الروس البيض الذين كانوا قد هربوا من روسيا حال قيام الثورة الشيوعية فيها عام 1917، وتم استخدامهم بقرار من البطريرك غريغوريوس الرابع.
وقد طبّقت بشأن البرامج التعليمية، وأنظمة الامتحانات، الأسسس المعتمدة في مدارس الفرير والجامعة الاميركية. وفي الأخيرة تابع عدد من الطلبة الإكليريكيين دراساتهم بنجاح بعد تخرجهم من مدرسة البلمند.

 

ثم بعد ذلك توقفت لانعدام التمويل ثم بسبب المجاعة في حرب سفر برلك1914 وتم ارسال التلاميذ الى بيوتهم والبعض منهم ذهب الى دير القديس جاورجيوس الحميراء امثال الراهب الفقير ايوب سميا ( الخوري المؤرخ والعلامة ايوب نجم سميا من قب الياس انظر سيرته في موقعنا (اعلام ارثوذكسيون) وبقيت في الدير مدرسة اكليريكية يتعلم بها الرهبان اللاهوت والموسيقى الرومية… وصار يتم ايفاد الطلبة المتميزين الى كليات خالكي وبطرسبرج وموسكو واثينا…لتلقي التعليم اللاهوتي العالي…

في عهد البطريرك ألكسندروس الثالث (1931ــ 1958)

بعد اجتياز الأزمة البطريركية في الكرسي الانطاكي عام 1931 بالقرار الذي صدر عن ممثلي البطريركيات الأرثوذكسية (القسطنطينيةــ الاسكندريةــ القدس)، والذي قضى بشرعية انتخاب ألكسندروس بطريركاً، قام البطريرك ألكسندروس بجهود كبيرة لوفاء الديون الباهظة وفوائدها والتي كانت على الكرسي الانطاكي من زمن البطريرك غريغوريوس، لذلك لم يتمكن من إعادة فتح مدرسة البلمند إلا في عام 1936 حيث استمرت حتى عام 1940، فالبطريرك الكسندروس كان موصوفاً ب( العلامة) ودوما هذا الوصف يسبق اسمه لذا كان محباً للعلم ورعى وقتها فتح وتطوير مدرسة دير القديس جاورجيوس الحميراء في عهده وكان هدفه في مدرسة البلمند هذه المرة تنشئة إكليريكيين متعلمين ومثقفين، أي إن مدرسة البلمند عادت في هذه المرحلة إلى منهاجها الأول، وهو الدراسة الإكليريكية، وقد أُجريت تعديلات جديدة على وضع المدرسة، فالنفقات كانت على عاتق البطريرك والأساقفة والمتبرعين، أما الدروس فكانت دينية وعلمية موزّعة على سبع سنوات وشملت اللغات العربية والفرنسية واليونانية. ولتدريب الإكليريكيين على الحياة الرعائية، كان يتوجّب على طلاّب السنة الأخيرة أن يتنقلوا في القرى المجاورة لإلقاء العظات في الكنائس. والخطب في المدارس بعد الحصول على إذن من مطران الأبرشية، ويرافقهم في عملهم أحد أساتذتهم. أما الامتحانات فكانت خطية وشفهية، تناولت الخطية مواد اللاهوت والآباء والآثار المسيحية وقوانين المحاكم الروحية، بينما تناولت الشفهية تفسير الكتاب المقدس، واللاهوت العقائدي، وتاريخ الكنيسة، والقانون الكنسي …

وكرمت ادارة اكاديمية خالكي اللاهوتية البطريرك الكسندروس كأقدم خريجيها الأحياء.

في عهد البطريرك ثيوذوسيوس السادس (1958ــ 1969)

في السنة 1960 اسندت ادارة الدير الى الارشمندريت سرجيوس عبد ( مطران تشيلي حالياً) وهو خريج معهد خالكي اللاهوتي يعاونه الارشمندريت كوستا او قسطنطين من خريجي جامعة أثينا وهو من اليونان الدمشقيين ( متروبوليت ابرشية الكويت وبغداد السابق والمستقيل وقد انتقل الى رحمة الله عام 2015 بعد استقالته) ومنذ ذاك الحين وضع البطريرك ثيوذوسيوس السادس( 1985- 1970) تصميماً لرفع معهد هذا الدير الاكليريكي الى درجة سيمينار حتى يتسنى للمتخرجين منه ان يتابعوا دروسهم اللاهوتية العالية في الجامعات الارثوذكسية كما انه كان ترميم الدير واصلاحه واضافة ابنية جديدة فيه اضحت مزدهرة.

وفي سنة 1961 اناط البطريرك ادارة المدرسة الاكليريكية البلمندية بالأسقف سرجيوس سمنة الدمشقي اسقف سلفكية وهو المعروف عنه خبراته في ادارة وتنظيم المدارس الاكليريكية اضافة الى علمه الغزير وتضلعه باليونانية القديمة والحديثة والعربية ويعد كتاب الميناون بأجزائه الثلاثة الذي عربه عن اليونانية وضبطه في العام 1958 من ادق المعربات واكثرها جزالة وشعراً.


بقرار مجمعي عهد البطريرك ثيوذوسيوس إلى أسقف” بالميرا” إغناطيوس “هزيم” الوكيل البطريركي برئاستها وإدارتها في أيار1962.( من الوثائق البطريركية)
في ذلك الوقت لم يكن الاهتمام بالدير والمدرسة سهلاً على رئيسهما بسبب الأوضاع المالية الصعبة التي كان يصادفها في المؤسستين بشهادة العديد من تلاميذه (بعض أساقفة الكرسي حالياً) وقد أعلن عن حاجته لمبلغ إسعافي قدره 5000 ليرة لتحقيق الحد الأدنى من المصاريف الضرورية، كما أبان حاجته إلى ناظر للمدرسة، وكاهن للكنيسة، ليكون أباً روحياً لتلامذة مراهقين، إضافة إلى حاجته لأشخاص يهتمون بالتعليم الديني.
ثم رفعَ الأسقف إغناطيوس
تقريراً مهماً إلى البطريرك ثيوذوسيوس بتاريخ 20 تشرين الأول 1962، تضمنَ معلومات وافية عن المدرسة، وأساتذتها، وطلاّبها، ومشروع موازنة الدير والمدرسة للسنة 1962ــ 1963 بالإضافة إلى بعض الملاحظات منها: أن بناء المدرسة داخل الدير غير صالح، ويقترح التفكير بإيجاد بناء مستقل عن بناء الدير، يصمم ليكون مدرسة، ويحوي ما يلزم لمدرسة ذات مظهر رصين في جو تربوي صحيح.
أما اقتراحاته الإجمالية، فكانت تهم الدير والمدرسة:
بالنسبة للدير، اقترحَ فرز الدير، ليبقى بناء أثرياً ومحوراً لنشاط روحي، وإيجاد مكان لائق للمدرسة، تستعمل فيه وسائل التعليم الحديثة، ومكتبة، وغرفة، مطالعة….الخ
وبالنسبة لسير المدرسة نحو مستوى علمي أرفع، فإنه اقترح اختيار تلاميذ أصلح علمياً، لتكون نخبة خلقية علمية، ولا تعتبر المدرسة محض مدرسة إصلاحية للعاصين، وميتماً لمن لا معيل له، (وهذا لا يعني التخلّي عن الفئتين المذكورتين).
وبالنسبة للمشكلة المالية التي تُعاني منها المدرسة، فقد اقترح الاقتراحات التالية:
1ــ اشتراك الأبرشيات في تمويل المدرسة إذا كان ذلك ممكناً.
2ــ السماح بتأليف “أصدقاء دير البلمند”، وسيكونون من المهتمين بالدير، والذين يكتتبون له بمبلغ ما كل سنة على أن يطّلعوا فيما بعد على مصير تبرعاتهم.
وبرسالته الثانية المؤرخة في 9/5/1963
أوضح الأسقف هزيم للبطريرك ثيوذوسيوس مجدداً الضائقة المالية التي يعيشها الدير والمدرسة لأن البطريركية لم تدفع في تلك السنة للمدرسة فلساً واحداً، في حين أنها كانت تدفع في السنوات الماضية لا أقل عن 20000 ليرة سنوياً.

وفوق ذلك فإن البطريركية ألقت على عاتق الدير إعاشة الأولاد المبتدئين. ويضيف المدير: “وكان يمكن لهذه المشاكل المالية أن تُحَل، فيما لو تحركت قضية وقفية وتبرعات المطران بشير”. ويؤكد أنه استنفذ كل صداقاته ليقوم بأود المدرسة الإكليريكية وبقي بلا راتب، معطياً رخاء المدرسة أفضلية، ثم يرجو من غبطته الإبراق إلى المطران بشير، لإرسال مبلغ مؤقت للبلمند لتسيير هذه الأحوال الاستثنائية على الدير والمدرسة.
وقد أمرَ غبطته خطياً في حاشيته المسطّرة على كتاب الرئيس الأسقف هزيم بصرف مبلغ 5000 ليرة لتسديد رواتب الأسقف، وغير ذلك من النفقات.

ومع كل هذه الضيقات، فإن مدرسة البلمند حققت في عهد الأسقف هزيم قفزة نوعية عظيمة، فقد بلغت مستوى القسم الثاني من البكالوريا اللبنانية، وتضاعف عدد طلابها بفضل سهره الدؤوب وحكمته وصلابة موقفه وحجة رأيه ونجاحه في التعليم وبخاصة في إدارة كلية البشارة في بيروت التي أُطلق عليها اصطلاحاً “مدرسة الأب هزيم”.

كل هذه الضيقات، فإن مدرسة البلمند حققت في عهد الأسقف هزيم قفزة نوعية عظيمة، فقد بلغت مستوى القسم الثاني من البكالوريا اللبنانية، وتضاعف عدد طلابها بفضل سهره الدؤوب وحكمته وصلابة موقفه وحجة رأيه ونجاحه في التعليم وبخاصة في إدارة كلية البشارة في بيروت التي أُطلق عليها اصطلاحاً “مدرسة الأب هزيم.”

المدرسة الحديثة
وبفضل هذه الاقتراحات المُلحة، واندفاع الأسقف إغناطيوس لتحقيقها، فقد طلب البطريرك ثيوذوسيوس من مجلس الكنائس العالمي المساعدة في إنشاء المدرسة الثانوية، وإدراج مشروعها في جملة مشاريعه، وأَرفق بطلبه هذا تصميم المدرسة.

ونُفّذَ المشروع بوساطة مجلس الكنائس العالمي كما سلف القول إضافة إلى تبرعات من الكنائس الأرثوذكسية، بينما غطت ما تبقى من التكاليف حَملةُ تبرعات محلية. ونشأت المدرسة الحديثة بجوار الدير التاريخي.

إن المدرسة الحديثة لم تعد إكليريكية بحتاً بل فُتحت أمام الجميع، أما بناؤها فمؤلف من أربع طبقات، تحتوي الطبقتان الأوليان سبع غرف للدراسة ومُختبراً، وغرفة معلمين، وغرفة مطالعة، وجناح إدارة، وقاعة استقبال، وبهواً، وغرفة طعام، ومطبخاً أما الطبقتان العلويتان فتتسعان لمئة طالب داخلي.

وقد توزع العمل الدراسي في هذه المدرسة الجديدة على أربعة أقسام المتوسط والثانوي والابتدائي والتحضيري، وتمَّ ربط هذه المدرسة بسائر أنحاء لبنان بوسائط نقل خاصة لنقل التلاميذ من المدرسة وإليها.
معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي الأرثوذكسي
على اسم هذا القديس العظيم المعلم والرائد في الدفاع عن اللاهوت الأرثوذكسي والأيقونة، ويقول التقليد إن يده قطعت دفاعاً عن العقيدة الأرثوذكسية وباع كل شيء والتحقَ بدير القديس سابا الرهباني، وهناك كتب كل مصنفاته اللاهوتية.
على اسمه بني هذا المشروع الرائد، عندما تبرّع مثلث الرحمات المطران انطونيوس بشير متروبوليت أميركا الشمالية بمبلغ 250000 دولاراً من جيبه الخاص، ومبلغ 44000 دولاراً من مطرانية أميركا. ففي عام 1965 كان المؤتمر العام لأبرشية أميركا الشمالية فاتخذ قراراً نهائياً بإنشاء المعهد اللاهوتي في البلمند، وقام البطريرك ثيوذوسيوس بوضع حجر الأساس للمعهد في 15 آب 1966 في احتفال شعبي كبير، وتعهّدَ المطران فيليبس مطران أميركا الشمالية حالياً بتنفيذ وصية سلفه مثلث الرحمات المطران بشير لإكمال بناء المعهد، وانطلقت ورشة البناء بإشراف المطران إغناطيوس (مطران اللاذقية وقتئذ)، ورئيس الدير، ومدير إكليريكيته، ودشَّنه مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع رسمياً الأحد 7 تشرين الثاني 1971 بحضور جمع غفير تقدمهم المتروبوليت فيليبس صليبا، وبقية مطارنة الكرسي الأنطاكي، والمطران هزيم، ومسؤولون في الجمهورية اللبنانية.
وفتح المعهد أبوابه أمام الطلبة للعام الدراسي 1970ــ 1971، وتولّى المطران هزيم منصب العميد، ووفاء منه لذكرى الخالد المتروبوليت بشير الذي قدّم كل ما يملك في سبيل البلمند (ثانوية ومعهد اللاهوت) وأقام تِمثالاً نصفياً له في صدر ردهة المعهد اعترافاً بفضله.
وفي الفترة (1976ــ 1978) فترة الحرب الأهلية اللبنانية الشاملة، توقفت الدراسة في المعهد، وسُرِقت محتويات الدير والمعهد من المخطوطات التاريخية، وغيرها من نفائس الكتب، وانتقل الطلاّب الإكليريكيون إلى جامعات اليونان (أثينا، سالونيك) لمتابعة الدراسة اللاهوتية، والتحصيل العالي فيها، ومنهم حالياً أصحاب السيادة المطارنة: دامسكينوس منصور متروبوليت ابرشية البرازيل، جورج ابوزخم متروبوليت ابرشية حمص ، وموسى الخوري المعاون البطريركي بدمشق، والآباء الارشمندريت جورج جيلو…وغيرهم.
ثم تابع المعهد دوره مجدداً على الرغم من الصعوبات الحياتية، ومضايقات الحرب، فكانت رسالته التي عبَّرَ عنها تقرير قدَّمه قدس الأب جورج عطية أحد أساتذة المعهد حيث قال فيه:
يعمل المعهد على تربية أجيال من رعاة ومعلمين حاملين رسالة مصالحة وسلام ومشتركين في بناء الوطن وإنسانه، لذلك اعتمد نهجاً تعليمياً، يعطيه هويته، ويظهر معنى وجوده، لأنه يرمي إلى بناء شخصية الطالب وتثقيفه، وهذا النهج يوسِّع المعرفة، ويساعد على اكتساب أسس البحث والكتابة…”
وفي لقاء مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع مع وفد كنيسة كورهاس فالدك الألمانية في البطريركية بدمشق الثلاثاء 24/5/94، نوّه بدور هذا المعهد اللاهوتي حالياً حيث قال:
“المعهد ليس مكاناً للدراسة اللاهوتية فقط، هناك محاولة لتحويله إلى بيت للرعاية…” وحول طلاب المعهد قال غبطته: “”…هم طلابٌ جامعيون يشعرون بالمسؤولية، ونحاول تطوير الروحانية النوعية لديهم، فالإنسان هو الأساس. المعهد مؤسسة جامعية، وتأكيدنا ينصب أولاً على نوعية الشخص في مرحلة قبوله.”

وأضاف: “…أعتقد أننا خطونا خطوة جيدة إلى الأمام، وآمل أن نصل إلى تنمية أبنائنا ليس فقط بالتعليم بل بالرعاية، وبتنمية الحس الرعوي لديهم. والبلمند معهد من أهم المؤسسات في كنيستنا الأنطاكية، وهو اليوم مكان للقيادة الروحية. نحن نعاني من نقص في رجال الإكليروس. والبلمند هو الذي يقوم بتهيئة الإكليروس الأنطاكي من أجل الرعاية والقيادة الروحية…”.
لقد تحد‍ّثَ غبطته عن مؤسسة رعاها منذ نشأتها بعرقه وقلبه ووجدانه وجيبه، بالرغم من صعوبة الأحوال المالية والإدارية والفنية. فكانت اليوم هذه الصروح المتنوعة والمتميزة في مجال التعليم كما أرادها. أما برنامج دروس المعهد، فيتناول مواد اللاهوت، والفلسفة، والتاريخ، والكتاب المقدس، والآباء والرعائيات، والليتورجيا، وعلم الاجتماع، واللغات القديمة، والحديثة وتوزّع هذه المواد على أربع سنوات يحصل الطالب في نهايتها على إجازة في اللاهوت. أما الذي كان يُحيي الدروس وينعشها فهو حياة الصلاة المشتركة على أرض المعهد وفي كنيسته صلاة بين المرشدين الروحيين والأساتذة من جهة والطلاّب من جهة ثانية. وقد طبّقت لفترة من الوقت تجربة إعداد الكهنة ومدة الإعداد سنتان. لكن النظام السائد حالياً هو الإجازة الجامعية في اللاهوت.
جامعة البلمند
هو القسم الأهم في البلمند وأهم حدث في تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس منذ تأسيسه على أيدي الرسولين بطرس وبولس. انطلقت هذه الجامعة الحديثة في مسيرتها عام 1988 بعد أن كانت حلماً جميلاً داعبَ خيال مثلث الرحمات غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع فسعى لتحقيقه وكم مرّ به معوقات وآلام وشجون لأن الكرسي الانطاكي عبر تاريخه كان مدرسة للفكر واللاهوت ومنه نُقِلَ هذا الإبداع إلى كل العالم

تحقق حلم إغناطيوس الذي حلمه مذ تسنّم رئاسة الدير والمدرسة عام 1962 لا بل وهو لا يزال على مقعد الدراسة في الجامعة الاميركية ببيروت ثم وهو يدرّس اللاهوت والفلسفة في معهد القديس سرجيوس في باريس، ودخلت الجامعة معترك التدريس تنافس شقيقات لهنَّ باعٌ طويل في هذا المضمار الحيوي كالجامعة الاميركية والجامعة اليسوعية.
وُلدت هذه الجامعة التي أنعشت عروق الشمال اللبناني في الحرب اللبنانية وكملت نفسها مع إطلالة السلام وحملت على عاتقها الأرثوذكسية العربية ابنة المشرق العربي وهي الآن قد انتقلت من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التركيز.
وكانت قد انطلقت ولم تكن قد حصلت بعد على رخصة رسمية من وزارة التربية اللبنانية والجهات الرسمية الأخرى ووقتها لم تكن هذه الأبنية الضخمة التي تشكّل اليوم كليات الجامعة ومعاهدها إلا عبارة عن مخططات هندسية ومجسّمات مصغّرة.
ثم صدر ترخيصها بالمرسوم رقم 4885 تاريخ 4 حزيران 1988 الذي أجاز لها العمل رسمياً وجاء في قانونها الأساسي أن جامعة البلمند ترمي إلى التعليم والبحث في آن واحد وهي مؤسسة لا تتوخّى الربح وتتطلع دوماً إلى المستوى العلمي وأخلاقية المعرفة وتواكب التطورات العلمية المعاصرة وترشد طلابها إلى القيم الإنسانية والروحية والمحبة والعطاء.

تمارس الجامعة سياسة الانفتاح على الجميع ولا تميّز بين فرد وآخر بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو العرق أو اللون.

تسعى الجامعة إلى إنشاء علاقات ثقافية وتعاون أكاديمي مع أفضل مؤسسات التعليم العالي في لبنان وخارجه.

أقسام الجامعة
معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي سالف الذكر، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كلية إدارة الأعمال، كلية العلوم، كلية الهندسة، كلية العلوم الصحية. ومعاهد ومراكز أبحاث مختلفة منها معهد الدراسات الإسلامية المسيحية، مركز الدراسات الانطاكي الأرثوذكسي. ولاتزال كل يوم تتوسع بهمة خلفه غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر اضافة الى تدشينه المركز الاعلامي الأنطاكي، ووضع حجر الاساس لمجمع البلمند الطبي مع عدد من الكليات الجامعية، وتدشين المباني التابعة للمقر البطريركي حيث افتتحها البطريرك يوحنا العاشر وكرسها، واطلق خدمة البث الاذاعي لراديو البلمند، وتم ذلك في احتفالات الكرسي الانطاكي بمناسبة عيده في 28 حزيران 2014 والمؤتمر الانطاكي الشامل اذي ضم ممثلين لكل الابرشيات واستضاف بطاركة الكنائس الأنطاكية الشقيقة وكان تتويجه بالقداس الالهي غير المسبوق في استاد البلمند في 29 حزيران 2014.
السياسة التربوية في الجامعة
تعتمد الجامعة البرامج التي تطوّر العلوم وتخدم مصلحة المجتمع وتطوراته المستقبلية ومصلحة لبنان ومصلحة المشرق العربي وحاجاته.
كما أن الجامعة ملتزمة بالدراسة والتعليم فهي أيضاً ملتزمة بمعرفة الحقيقة في كل شيء وذلك من خلال البحث العلمي والحوار المسؤول والكتابة والنشر والنقد والجو الحر المنفتح الذي تتطلبه الدراسات العليا وتهدف الجامعة إلى تحويل المعرفة إلى وسائل ومنهجيات عملية تخدم مصالح الشعب وتدفعه نحو التقدم الحضاري والازدهار الاقتصادي.
لكل جامعة في العالم خصائصها ورسالتها التي تماشي الحقائق العلمية… وجامعة البلمند التي تنطلق من التراث الأرثوذكسي الانطاكي تجد نفسها مجذرة خلقياً في هذا التراث الفني ومنفتحة كلياً على المجتمع الحديث والعلم الحديث، وتسهم بشكل فعال في مسيرة العلوم العليا في لبنان والمشرق العربي مضفية على المسارات العلمية الحديثة في المنطقة روحية خلقية متحررة تؤمن المواطَنة الحقة.
فجامعة البلمند هي جامعة لكل لبنان ورسالتها العلمية والخلقية رسالة عالمية وأبوابها مفتوحة لكل باحث وأستاذ وطالب وموظف دون تمييز.
وكجامعة في جوار الدير التاريخي لا بد لها من أن تشدد على الروحانيات وعلى معرفة الغير من خلال الحوار المنفتح وبالأخص الحوار المسيحي الإسلامي الذي للبلمند تاريخ حافل فيه. والولاء للبنان المتفاعل حضارياً وتاريخياً مع محيطه العربي والمنفتح دوماً على العالم.
وتقدّم الجامعة برامجها التربوية باللغتين الانكليزية والفرنسية وتتطلب معرفة جيدة باللغة العربية وأخيراً فإنه لا بد من الإشارة إلى المتبرعين الذين بحق يتوجّب علينا أن نشكرهم نيابة عن الأسرة الانطاكية الأرثوذكسية منهم من هو من أبنائها ومنهم من هو من أديان شقيقة أخرى وتجمعنا معهم وحدة الدم والتاريخ والأرض وإن اختلفنا في العقيدة إلا أننا ننشد معاً وجه الله على الأرض وفي رحاب البلمند.
مجلس الكنائس العالمي، أبرشية نيويورك وسائر أميركا الشمالية ممثلة بمثلث الرحمات المطران انطونيوس بشير والمطران فيليبس صليبا وآخر التبرعات منهم القرية الانطاكية التي ستجمع الطلاب الداخليين والأساتذة (مدينة جامعية)، د. عثمان العائدي، صائب نحّاس، الأستاذ رفيق الحريري، الأستاذ عصام فارس، آل بولس، آل زاخم، أبرشية باريس (تبرعت بكنيسة) وآخرون بمنح دراسية بما يفوق مئة ألف دولار، وغيرهم ممن لم يسعفنا الوقت لاضافتهم وخاصة من الجنود المجهولين.
ختاماً
نقول في رحاب التاريخ المجيد الذي عاش فيه البلمند ببخوره ورهبنته، في رحاب مدرسته اللاهوتية المتألمة التي كبرت على الجراح فأصبحت معهداً على اسم أعظم قديسي المشرق والمغرب يوحنا الدمشقي الكوكب الثاني من كواكب دمشق الخالدة التي زهت بمسيحيتها على مر العصور، العصفور الغَرِدْ الذي كتب الشعر فأبدع ونظم الموسيقا فحلّق، كنارة الروح والناي الرعائي.

مصادر البحث

– الوثائق البطريركية ( دمشق- دير البلمند…)

– د. رستم كنيسة انطاكية

– مقالي في النشرة البطريركية 1994 بعنوان دير سيدة البلمند البطريركي

– مقالي عينه في موقعي هنا…


تاريخ الكرسي الأنطاكي المقدس

$
0
0

تاريخ الكرسي الأنطاكي المقدس

نبذة في تأسيس مدينة أنطاكية

كان سلوقوس نكتاروس(الظافر) وهو أحد قواد الاسكندر المقدوني قد تقاسم مع القواد الآخرين
امبراطورية معلمهم العالمية بعد وفاته، فكانت
منطقة الشرق حتى بلاد السند تحت ولايته، كما آلت الاسكندرية وسائر الشمال الافريقي الى رفيقه بطليموس، وذلك في العام 300 ق.م.

الكاتدرائية المريمية

الكاتدرائية المريمية

– أراد سلوقس أن يبني عاصمة جديدة له تتمتع بالحصانة بخلاف السويدية (على مصب العاصي)، فصعد الى الجبل الأقرع في 23 نيسان 300 ق.م وقدم الضحية للاله زوس فجاء النسر وحمل الضحية، وطار بها الى جبل سيليبوس وألقاها هناك. ثم عاد في أول ايار فصعد الى الجبل الأقرع وقدم الضحية مجدداً للاله زوس، فجاء النسر ثانية وحمل هذه الضحية وطار بها الى موقع حصين على سفح جبل سيليبوس محمي من ظاهره بجبل آخر، فأدرك أن الاله زوس أرشده الى مكان عاصمته المنشودة. فبنى هذه العاصمة، وأسماها أنطاكية على اسم والده انطيوخوس.

تميز موقع هذه المدينة بوقوعه على منحنى نهر العاصي، وقد جمع بين فوائد البر والبحر الذي كان قريباً، والعاصي كان صالحاً آنئذ للملاحة، حتى أن المراكب (مهما كان ثقل غاطسها) تمخر مياهه الى أنطاكية، وهناك كان يتم افراغ حمولتها. وربط سلوقس أنطاكية ببابل (وكانت أعظم مدن الشرق وهي عاصمة الشرق للاسكندر) بطريقين معبدتين تسهيلاً لنقل الجيوش، وتشويقاً لانتقال التجار والسلع. وسعى لتهلين الشرقيين من رعاياهم، فسهل لهم الاقامة في منطقة العاصي.

نشأت أنطاكية أربعة أحياء يحيط بكل منها سور منيع مزدوج لاتزال آثاره بادية حتى الآن، وقد سميت ” تترابولس” (المدن الأربع) باليونانية. وجدير ذكره أن سلوقس أنشأ أربع مدن هي أنطاكية (على اسم والده) وسلوقية (على اسمه) وآفامية (على اسم زوجته) ولاوذيكياس(اللاذقية ) على اسم أمه.

– وفي سنة 64 ق.م، فتح الرومان بقيادة بومبيوس سورية، فجعل انطاكية عاصمة ولاية سورية، ودعاها عين الشرق كله، وجعلها مقراً للحاكم الروماني العام، وربط بها فلسطين مع استقلالها الذاتي لخصوصية اليهود.

كنيسة أنطاكية

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

– ان كنيسة مدينة انطاكية تعد من أقدم الكنائس بعد أورشليم، وقد قبلت المسيحية عقيب صعود الرب يسوع المسيح الى السماء بثلاث سنوات. وذلك أنه بعد استشهاد القديس استفانوس في اورشليم سنة 37 مسيحية، جاء انطاكية مؤمنون من قبرص والقيروان، ونجحوا في كرازتهم، وطارت أنباء نجاحهم الى الكنيسة في اورشليم فبعثت العاِلمْ العلامة برنابا الذي انضمت اليه جموع غفيرة، فتشجع على الذهاب الى طرسوس، حيث أتى بشاول (بولس الرسول) الى أنطاكية، وأخذا معاً في التبشير هنالك بانجيل السيد المسيح .فازدهرت الكنيسة الأنطاكية واشتهرت في العالم ودعيت فيها الكنيسة مسيحية، وسمي فيها المؤمنون مسيحيين لأول مرة. فخرج منها المرسلون الى أقطار العالم في الشرق والغرب، كما خرجوا من دمشق، حيث زرعوا بذار الدين المسيحي مما جعل لها حقوقاً شرعية على الكنائس الجديدة في الأصقاع الشرقية. فلذلك نرى أسقف أنطاكية متقدماً منذ عهود المسيحية الأولى على سائر أساقفة الشرق، فهو الذي ترأس المجامع المكانية في الشرق (أنقرة سنة 315 وقيصرية سنة 316).والتقاليد الشريفة تثبت لنا أن الرسولين برنابا وبولس أسسا كنيسة أنطاكية حوالي سنة 42 للمسيح. وأن بطرس الرسول كان أول أسقف أقيم عليها ومكث على رعايتها ثماني سنوات أي من السنة 45 الى السنة 53 ،وكانت أنطاكية عاصمة الشرق في تلك الأيام تضم نحو 700000 نسمة.

– في سنة 325 مسيحية انعقد المجمع المسكوني الأول في نيقية، واعترف لكنيسة انطاكية بالرئاسةعلى سائر اساقفة الشرق.

ثم جاء المجمع المسكوني الثاني سنة 381 مسيحية مثبتاً أعمال المجمع الأول. واعترف المجمع المسكوني الثالث سنة 431 مسيحية باستقلال كنيسة قبرص عن أنطاكية. ثم منح المجمع المسكوني الرابع سنة 451 مسيحية لقب بطريرك لأسقف أنطاكية. فالحوادث السياسية والهرطقات الدينية قد عملت على فصل بعض المقاطعات عن أنطاكية أيضاً وعلى تأسيس بطريركيات

 اول  كنيسة في انطاكية مغارة القديس بطرس في مدينة انطاكية

اول كنيسة في انطاكية مغارة القديس بطرس في مدينة انطاكية

خاصة لها، ومنها الكنيسة الآشورية في بلاد مابين النهرين وفارس التي دخلت في هرطقة نسطوريوس فحرمها المجمع المسكوني الثالث سنة 431 مسيحية، ثم انفصلت عن انطاكية السنة 498 مسيحية، ومنها الكنيسة السريانية اليعقوبية التي سقطت في هرطقة الطبيعة الواحدة، التي حرمها المجمع المسكوني الرابع سنة 451 مسيحية، وانفصلت في سنة 513 مسيحية. ومنها اتباع هرطقة المشيئة الواحدة، الذين حرمهم المجمع المسكوني السادس سنة 680 مسيحية ،ومنهم الموارنة أيضاً الذين استقلوا عن البطريركية الانطاكية بانتخاب أول بطريرك عليهم يوحنا مارون سنة 685 مسيحية ،وكانوا أول كنيسة اتحدت برومه مع وجود الفرنج في بلاد الشام في العام 1182 مسيحية، في عهد البطريرك ارميا العمشيتي، وأعلنت خضوعها لبابا رومه.

  • في السنة 1050 مسيحية استقلت الكنيسة الكرجية الأرثوذكسية عن أمها كنيسة أنطاكية، وصارت كنيسة ارثوذكسية مستقلة مالبثت الكنيسة الروسية أن ضمتها اليه عام 1840 مسيحية ،ثم أعيد اليها استقلالها مع نجاح الثورةالشيوعية في روسيا عام 1917مسيحية و تسمت بطريركية جيورجيا.

لغة الكنيسة الانطاكية

– بقي الكرسي الأنطاكي قروناً طويلة منذ نشأته حتى الفتح الاسلامي للمنطقة في عام 633 مسيحية، اكليروساً وشعباً، معروفاً بصبغته اليونانية، بالرغم من وجود شعب قليل في شمال سورية يتكلم السريانية. وهذا مايقلل وجود أحبار سريان بين البطاركة والأساقفة وسائر رجال الاكليروس اليوناني الأصل واللغة، الذين كانوا يتولون شؤون الكرسي الأنطاكي المقدس. ومعلوم أمر مدرسة أنطاكية الشهيرة، وتلاميذها الكثيرين مثل يوحنا الذهبي الفم وغيره ، وكذلك مدرسة اديسا أوالرها (اورفا)، ومدرسة نصيبين (ديار بكر). وهاتان المدرستان كانتا تدرسان اليونانية والسريانية معاً، وقد نبغ في هذه المدارس عدد عظيم من الرجال الذين من بينهم بطاركة وأساقفة لبقية الكنائس أيضاً. ومنذ أن فتح المسلمون أنطاكية سنة 635 مسيحية أخذت اللغة اليونانية تتضاءل شيئاً فشيئاً ازاء العربية لغة الفاتحين فاندثرت تلك المدارس ولم يبق لها من أثر…

النسر الرومي شعار الكنيسة الارثوذكسية

النسر الرومي شعار الكنيسة الارثوذكسية

ومما لاسبيل للسكوت عنه هو أن هؤلاء الفاتحين كثيراً مااستعانوا بالسريان والآشوريين الذين كانوا يتكلمون السريانية شقيقة العربية فكانوا يقربونهم اليهم ويستخدمونهم كأطباء وكتبة وموظفين… ويستخدمون بطاركتهم وخصوصاً النسطوريين منهم كأخصام الاكليروس الأرثوذكسي مسهلين لهم الاقامة في مناطق الكرسي الأنطاكي تحقيراً للبطاركة الأرثوذكسيين بعد أن كان أولئك الهراطقة لايجسرون على اجتياز حدود بلاد فارس الى أنطاكية. وبالرغم من ذلك، بقيت اليونانية لغة الكنيسة ورجالها حتى القرن الحادي عشر، عندما ظهر لأول مرة رجال يجيدون اللغتين معاً، فأمسى الشعب لايعرف لغة غير العربية، مما اضطر بعض رجال الكنيسة لتعريب بعض الكتب الطقسية. وكان شيخ التعريب والمعربين الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي المطران. فقد ظل اختيار الاكليروس بصورة عامة من الذين يعرفون اليونانية والعربية، وكان التبادل لايزال بين رجال الاكليروس قائما ًدون تمييز بين جميع الكنائس، كما كان التضامن بين البطاركة الأربعة آخذاً مجراه الطبيعي فيما يتعلق بوحدة الايمان، واحتمال المصائب في سبيله. ومن أجدى المواقف دلالة، الموقف الذي اتخذه الكرسي الأنطاكي أثناء حوادث الانشقاق الكبير والأخطر في العالم المسيحي سنة1051 مسيحية.

من ثم جاءت غزوات الفرنج  فاحتل المجتاحون مدينة انطاكية في 29 حزيران 1098 . وكان يوم عيد الكرسي الأنطاكي، بعد حصار دام سبعة أشهر ارتكبوا خلالها من أنواع الاغتصاب والتدمير المنكرة ضد اخوانهم الأرثوذكسيين (بكل أسف) ما يندى الجبين منه خجلاً…فمنذ دخولهم أنطاكية عزلوا بطريركها يوحنا السابع بعد ان وضعوه في قفص خشبي كالحيوانات ودحرجوه على الجبل فقضى شهيداً،وأقاموا مكانه لاتينياً اسمه برنارد …!

الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن

الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن

كذلك استبدلوا كل أفراد الاكليروس وكانوا يجيدون العربية علاوة على لغتهم الأصلية، وفي مدة حكم الفرنجة حوالي قرنين من الزمان، اضطر البطاركة الشرعيون للاقامة في القسطنطينية. ونشير الى أن احدى غزوات الفرنج فتحت القسطنطينية واستباحتها بشكل لم يسبق له مثيل سيما وأنه تم من اخوة في المسيح، لقد انتهكوا المقدسات ومارسوا العهر مع العاهرات والزواني على المائدة المقدسة في كاتدرائية آجيا صوفيا، ودخلوا الكنائس بسنابك خيلهم. واستمر احتلالهم لها مدة زادت عن السبعين سنة وكان هذا الغزو قد اضعف الدولة الرومية كثيراً مما سهل على السلطان العثماني محمد الثاني اسقاطها بعد نضال مرير.

  • بلغ عدد البطاركة اللاتين على الكرسي الأنطاكي عشرة الى سنة 1268 حينما فتح الظاهر بيبرس البندقداري أنطاكية بعد حصار، ودمرها واستباحها، وقتل وسبى شعبها البالغ 100000 نسمة وهو عارف حين حصاره لها أن جيش الفرنجة كان قد انسحب منها قبل وصوله (بيبرس) اليها، والتجأ الى عكا منضماً الى قوات الفرنجة فيها تحت قيادة ملك عكا.

ولم يكن حال أورشليم وكرسيها الرسولي بأفضل من انطاكية والقسطنطينية والاسكندرية على يد الغزاة الفرنجة الى أن حررصلاح الدين الأيوبي بيت المقدس (اورشليم) ودخلها والى يمينه مساعده المسيحي الأرثوذكسي عيسى العوام.وهكذا انقضى الوجود اللاتيني الروحي من المنطقة، الى أن أعاد الرهبان اللاتينيون تأسيس بطريركية في الشرق في اورشليم عام 1845 مسيحية شملوا بها كل اللاتينيين في بلاد الشام، واستولو بمعونة السفراء الفرنسيين والنمساويين والممالك الكاثوليكية في الاستانة عند بلاط الخلفاء العثمانيين والولاة العثمانيين في الولايات على كنيسة المهد في بيت لحم، وجزء من كنيسة القيامة وكنائس أخرى. كما استولوا على كنيسة حنانيا الرسول بدمشق…

لقد ترك الفرنجة بعد طردهم، علاقات تجارية واقتصادية واسعة جداً بين الشرق والغرب فضلاًعن الرهبنات الكاثوليكية العديدة التي ثبتت كيان الموارنة تحت سلطة بابا رومية بعد تعديل صورة ايمانهم للكثلكة في سنة 1182 مسيحية على يد البطريرك اللاتيني اينري سنة 1183 مسيحية .

كما اسلفنا، كان الفرنجة عنصر بابوي منظم في منطقة البطريركية

دير سيدة البلمند حيث وضع البطريرك اثناسيوس الدباس المطبعة

دير سيدة البلمند حيث وضع البطريرك اثناسيوس الدباس المطبعة

الأنطاكية. ثم جاء بعد ذلك عصر المماليك والأتراك السلاجقة، وقد اشتهروا باضطهاد المسيحيين، والتعدي على الشعب والشراسة والظلم والانتقام.فكان عهد مؤلم لم يطرأ عليه اي تغيير هام لصالح الكنيسة سوى جهادها المستمر للدفاع عن كيانها، ولاستعادة قواها، وترميم بعض ماتبقى لها من ممتلكات وأوقاف.

– كان البطاركة الأنطاكيون يقيمون في مدينة أنطاكية الى حين دمارها على بيبرس 1268 . فكان من جراء ذلك تنقل خمسة بطاركة في أرجاء آسية الصغرى والقسطنطينية وقبرص. وبعد وفاة البطريرك الانطاكي مرقس الأول، تقرر نقل مقر الكرسي الأنطاكي الى مدينة دمشق المدينة الأهم في بلاد الشام، والمدينة الأهم روحياً بعد أنطاكية، إذ كان أسقفها يلي البطريرك في أنطاكية من حيث الأهمية، لذا تقرر أن ينادى بأسقف دمشق يواكيم، وهو الأسقف ال58 بعد الرسول حنانيا (أول اسقف على دمشق) بطريركاً انطاكياً. وبعد وقت وجيز توفي يواكيم، ونصب خلفه اغناطيوس الثاني سنة 1344م فكان أول بطريرك أقام في دمشق في دار البطريركية الحالية في دمشق القديمة. ومن ذاك التاريخ اتحدت سلسلة اساقفة دمشق بسلسلة بطاركة أنطاكية (الى ماشاء الله) وأصبح البطريرك هو أسقف دمشق.

الطريق الرئيس في دير رؤية القديس بولس في كوكب

الطريق الرئيس في دير رؤية القديس بولس في كوكب

– بعد سقوط القسطنطينية بيد  السلطان العثماني محمد الثاني  سنة 1453 مسيحية حدث رعب شديد بين مسيحي الكرسي الأنطاكي (وكانوا نحو 90 %أرثوذكسيين ونحو10%من أصحاب الطبيعة الواحدة) وعلى الخصوص في الأماكن البعيدة او المنعزلة عن المدن، ودامت هذه الحال الى ان فتحت بلاد الشام السنة 1517 مسيحية. ولحقتها مصر بقيادة السلطان سليم الأول، ولم يتورع الأتراك عن ارتكاب الأعمال البربرية والوحشية.

نشوء الكثلكة

في هذا العصربدأت تظهر طلائع البعثات الدينيةالبابوية بحملة تبشيرية، قام بها اليسوعيون الذين كانوا قد فرغوا لتوهم من وقف المد البروتستانتي في أوربة، وكثلكة أرثوذكس البانيا والساحل الشرقي لايطالية .وكان ستار هذا المد التبشيري القول بتعليم المسيحيين وانقاذهم من براثن الجهل. وكان اليسوعيون رجال علم ومزودون بالمال، وقد جعلوا من عاصمة “ملة روم” أي القسطنطينية مركزاً لهم ومنطلقاً لتبشيرهم في كل دائرة الدولة

العثمانية وبالتحديد في بلاد الشام. وبسبب تكاثرعدد المتعلمين على نفقة الفاتيكان بين المسيحيين المتكثلكين، وغيرهم،الذين أمسوا ارثوذكساً بالأسم، وقد تلقوا العلم في ” مدرسة انتشار الايمان في رومة” وباللغة اليونانية.

وبسبب ذلك ازدادت الغيرة عند الأرثوذكسيين لاقتباس العلوم، فلم يتمكن الرؤساء الروحيون من إجابة رغبة الشعب بفتح مدارس جديدة منظمة، نظراًلحالة الفقر العامة عند الرعية والراعي، وعدم سماح السلطات العثمانية لهم بفتح هذه المدارس، وكان التدريس يتم في كتاتيب ملحقة بالكنيسة وبالحد الأدنى ولم يكن يسمح للمسيحيين فتح حتى مجرد كتاتيب، وان تم ذلك كان يحصل بالسر بعيداًعن أعين السلطات.

فأخذ البطاركة الأنطاكيون والمطارنة يجاهدون ويسافرون للخارج الى اوربة الشرقية مستجدين اكف الشعب الأرثوذكسي والرئاسات الروحية والرسمية لجمع الاعانات من أجل ترميم الكنائس الخربة ومحاولة فتح المدارس. كما أخذت البطريركية تجتهد في تنظيم أمورها الداخلية لتواجه التحديات، وهاهو البطريرك العظيم مكاريوس بن الزعيم يسافر في السنة 1648 مسيحية الى رومانية وروسيا والبلقان لجمع الإعانات، وقد دامت رحلته ثمان سنوات أصاب فيها من النجاح الشيء الكثير، وأقطع له الأمراء الحسنيو العبادة أوقافاً وأدياراً لصالح الكرسي الأنطاكي. ثم عاد مجدداً

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم

برحلة ثانية الى روسيا السنة1861 مسيحية استمرت لمدة خمس سنوات، وقد دوَّن ولده الأرشيدياكون بولس ابن الزعيم أحداث هاتين السفرتين ولكنه توفي في طريق العودة قي بلاد الكرج (جورجيا) ودفن في تبليسي فأكمل والده احداث الرحلة الثانية.

– في فترة تغيبه وبسبب تسامحه معهم (من وجهة نظرمسيحية حقيقية) بدخول بيوت الرعية الأرثوذكسية، اغتنمت الارساليات التبشيرية الفرصة لجهة فقر الشعب، من جهة، ومن جهة أخرى رغبته في اقتباس العلوم العصرية.

فأخذ الرهبان الغربيون يدخلون بيوت المسيحيين الأرثوذكسيين في حلب ودمشق ك “رجال علم وخير رائدهم في ذلك مساعدة اخوتهم في المسيح ” فاستغلوا ذلك واستثمروا سذاجة الشعب الأرثوذكسي المؤمن، وبشروه بما يخالف عقيدته محرضين اياه على اعلان الاتحاد بكنيسة رومية حينما يأتي الموعد، وتدخلوا في أعمال البطريركية وفي انتخابات السدة البطريركية  وفي رهبنة دير البلمند، ودفعوا بفريق من هؤلاء الرهبان وكانوا من حلب الى تأسيس الرهبنة الحلبية، وأخذوا بعض الأولاد النجباء الراغبين بتلقي العلم الى رومة، لتهيئة الظروف المؤاتية للاتحادمع الكرسي البابوي. وما أن جاءت نهاية القرن 17 ،الا وكان قد ظهر عدد كبير من الكهنة والعائلات أرثوذكساً بالاسم وكاثوليكاً بالفعل. وكان أول أسقف في قوام المجمع الأنطاكي المقدس نادى بالكثلكة هو أفتيموس الصيفي ربيب اليسوعيين ومدرسة روما، الذي صارمطراناًعلى أبرشية صوروصيدا بفضلهم وصيره البابا اول اسقف على الروم المتحدين برومة. وبفضله هو، وبعد وفاة البطريرك اثناسيوس الدباس سنة 1724 تمت رسامة ابن شقيقته الخوري سيرافيم طاناس بطريركاً، وبشكل مخالف للقوانين الكنسية. لكن الشعب الدمشقي الباقي على عقيدته مع الأساقفة الشرعيين وجد ان أفضل وسيلة لمقاومة هذا المد، هي في انتقاء بطريرك يوناني الأصل واللغة، ومن اكليروس الكرسي القسطنطيني على اعتبارأن الفرمانات الممنوحة لبطريرك القسطنطينية، أعطته الرئاسة على مسيحيي السلطنة العثمانية (بطريرك ملة باشي) اي رئيس الملة المسيحية، وأعطته حقوقاً وامتيازات عديدة تفوق تلك المعطاة لسواه من رؤساء باقي الكراسي الأرثوذكسية. فطلبوا منه ارسال بطريرك للكرسي الأنطاكي على عجل لوقف التدهور الحاصل بعدما تسيَّد السيدان طاناس والصيفي البطريركية الأرثوذكسية والحقوها ببابا رومية، لاسيما وأن السيد طاناس ارسل الى البابا صك الخضوع له وللكثلكة. فقام البطريرك المسكوني برسامة السيد سلبسترس القبرصي راهب جبل آثوس بطريركاً وفق اختيار المطارنة الانطاكيين واراخنة الشعب الدمشقي.

دورالبطاركة اليونان على الكرسي الأنطاكي

القديسان بطرس وبولس مؤسسا الكرسي الأنطاكي المقدس

القديسان بطرس وبولس مؤسسا الكرسي الأنطاكي المقدس

جاء البطريرك سلبسترس على جناح السرعة عن طريق حلب، فاستقبلته رعيتها بترحاب وحفاوة، وكان وقتها الصوم الكبير، وأولمت له وليمة، وبتدبير سيء من الرهبان الغربيين (بكل أسف) وقد طلبوا من الرعية وضع السمك على المائدة، وفي ذلك مخالفة للصوم الأرثوذكسي، فغضب البطريرك وقَلَبَ المائدة. وكانت هي الشرارة التي اشعلت الهشيم، فانقلب معظم أرثوذكس حلب كاثوليكاً

وأعلنوا العصيان. لذا نجد أنه ومنذ تاريخه أن رعية حلب صارت كاثوليكية بامتياز، وأثرت الكنيسة الناشئة بالاكليروس والرهبنات (وحتى ان اهم البطاركة كان السيد مكسيموس مظلوم الحلبي وهو الذي بدأبه اعترفت الدولة العثمانية بكنيسته طائفة مستقلة عن امها الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية بعد مائة سنة من الانشقاق الفعلي وكان ذلك عام 1834مسيحية)، ويقيناً أن هذا الانشقاق ماكان ليتم لولاهذا التدبير المرتب له بدقة وحذاقة وقد أثمر النتيجة المستهدفة.

وحالما وصل سيلبسترس الى مشارف دمشق، غادرها طاناس مع خاله واتباعه من الكهنة مع الرهبنات بالسرعة ومعه كل موجودات الكاتدرائية المريمية من حلل حبرية، وأواني مقدسة وايقونات اثرية أحضرها البطريرك ابن الزعيم، والبطريرك الدباس من العالم الأرثوذكسي. وكل موجودات الدار البطريركية الى دير المخلص في منطقة صيدا عند خاله افتيموس. فتحول من دير ارثوذكسي أبرشي الى مقر بطريركي. كما استولى على كل كنائس الأبرشة فتحولت كاثوليكية، و استولى الكاثوليك بعدذلك على العديد من الكنائس في أبرشية سلفكياس (زحلة والبقاع وصيدنايا ومعلولا ويبرود وقارة مع العديد من أديارها…)

البطريرك ملاتيوس الثاني

البطريرك ملاتيوس الثاني

وهكذا تم انفصال فريق عزيز وغصن وارف من الشجرة الأرثوذكسية الأنطاكية، والتحق بالرئاسة البابوية التي لم تنجح في الحاق الكرسي الأنطاكي بها. وكذلك الحال بالنسبة لكرسيي الاسكندرية وأورشليم ،فأطلق عليهم تسمية الروم الكاثوليك، وتم الأمر عينه مع اتباع الكنائس الشرقية (السريان في بلاد الشام والأقباط في مصر والآشوريين في بلاد الرافدين، والارمن) فنشأت كنائس غربية من وسطها الشرقي الأرثوذكسي، وأقامت لها رومة رئاسات، ودعمتها بالمال وبكل اشكل الدعم اللازم للبقاء والاستمرار، وقد نشأت جميعها تقريباً في بدايات القرن 18.

في عام 1724 ومن مقره البطريركي في دير المخلص، أنشأ البطريرك الكاثوليكي كيرلس طاناس أبرشيات مقابلة للأبرشيات الأرثوذكسية، ودعمها بانشاء رهبنات حديثة باشراف الرهبنات البابوية التي مدتها بكل مقومات النجاح، وانتشرت في كل الأبرشيات الأرثوذكسية وفتحت مدارس حديثة واستفادت من دعم سفيري فرنسا والنمسا صاحبي الحظوة في البلاط العثماني، وجهدت في جذب الأرثوذكس ان كان بالمساعدات أوباستغلال الخلافات وخاصة في القرى على ترشيح كاهن أو مختارأوحتىمجرد خلافات عائلية. فانقلبوا الى الكثلكة، وخاصة في حوران الفقيرة ومناطق أخرى…وحافظ المنشقون على طقوس كنيستهم الأم، بما في ذلك الابقاء على كلمة الأرثوذكسية في كتب الليتورجيا، وارتداء اللباس الكهنوتي الأرثوذكسي والتمسك أكثر باللغة اليونانية طقسياً، وخاصة في الوقت الحالي.

حصل الروم الكاثوليك على اعتراف من ابراهيم باشا قائد الحملة المصرية على بلاد الشام(1831 -1840) ببطريركية مستقلة. بدعم من كبير مستشاريه حنا البحري الكاثوليكي، وبمساعدة من الأمير بشير الشهابي الماروني الذي قاتل الدولة العثمانية الى جانب الحملة المصرية. ثم اعترفت السلطنة العثمانية بهم بمساعي سفيري النمسا وفرنسا، ثيوذوسيوس ابو رجيليوانتقاماً من اليونان، ومنهم البطاركة المتربعون على السدة الأنطاكية. وبعد جولات مكوكية مكثفة قام بها البطريرك الكاثوليكي الشهير مكسيموس مظلوم الى العواصم الأوربية، صاحبة القرارفي الرجل المريض (الدولة العثمانية) والى حاضرة الفاتيكان، وبتدخل مباشر من قيادات الرهبنات اللاتينية المقيمة في استانبول صاحبة النفوذ لدى الباب العالي، فاعترفت الدولة ببطريركية للروم الكاثوليك تحت اسم “بطريركية أنطاكية والاسكندرية واورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك” عام 1834 . وبادر البطريرك مظلوم على الفورلنقل المقر البطريركي من دير المخلص الى دمشق اثباتاً للوجود في دمشق عاصمة الكرسي الأنطاكي ولأهمية دمشق روحياً وادارياً وسياسياً. فاشترى من وكيل طائفة اليهود القرائين المندثرة كنيسها الكبير الواقع في حارة الزيتون( وكان الوكيل مقيماً في اسطنبول)، وحول الكنيس الى كاتدرائية باسم سيدة النياح (مقابلاً للكاتدرائية المريمية الأرثوذكسية، وهي على اسم سيدة النياح أيضاً) وبنى

البطريرك غريغوريوس حداد

البطريرك غريغوريوس حداد

الى جانبها ايضاً الدار البطريركية الكاثوليكية، وفي عام 1862 بنى البطريرك غريغوريوس يوسف المدرسة البطريركية في حرمها لتأهيل الكهنة.

التطورات التي مرت على الكرسي الأنطاكي في العصر الحديث

مرعلى السدة الانطاكية منذ انشقاق الروم الكاثوليك السنة 1724 وحتى السنة 1898 ستة بطاركة يونان من الكرسي المسكوني (القسطنطيني) وثلاثة من الكرسي الأورشليمي. وجدير ذكره ان القرن 18 بكامله مع الثلث الأول من القرن 19 كان مثقلاً بالأحداث التالية

* ارهاق المسيحيين بالضرائب الباهظة، والقوانين الظالمة اجمالاً، والأرثوذكسيين تحديداً بسبب ثورات اليونانيين التحررية سنة 1770، و(1821 – 1830 ) بما في ذلك تسهيل نشاط البعثات التبشيرية البابوية في البلاد.

* بعض الحوادث الداخلية في الكرسي الأنطاكي والتنازع بين بعض الرؤساء  على السدة البطريركية، ومناورات الرهبنات الأجنبية لتوسيع كل خلاف بواسطة تلاميذها ومنهم رهبنات الروم الكاثوليك المزدهرة التي تولت استمالة العديد الى الكثلكة للاسباب السالف ذكرها.

* المشاكل العاصفة مع الروم الكاثوليك.

* قسوة السلطنة العثمانية على الأرثوذكسييين في بلادها لم يعرف الدافع اليها في ذلك الحين، الاما اكتشف وانتشر مؤخراً من رسائل نابليون الى سلاطين بني عثمان، وفيها حيث يقول:”…فتشوا عن عدوكم الحقيقي داخل بلادكم لا في خارجها وهذا العدو هو الشعب الأرثوذكسي الذي تحميه روسيا داخل بلادكم كما تحمي سائر الأمم الأرثوذكسية الأخرى وفي مقدمتها اليونان …الخ…الخ…”

* فتنة 1860م الطائفية التي بدأت في جبل لبنان 1849م بين الدروز

القديس يوسف الدمشقي

القديس يوسف الدمشقي

والموارنة، وامتدت السنة 1860م الى زحلة فدمشق ومحيطها، وجبل الدروز وجبل الشيخ وقضى فيها عشرات الالوف من المسيحيين ودمرت قراهم وأحياءهم وفتحت باب الهجرة لمن تبقى منهم حياً هرباً الى بيروت ومنها الى مصر والسودان والأميركيتين…وكانت فتنة مماثلة قد ضربت حلب عام 1850م .

كان آخر البطا ركة اليونان على انطاكية البطريرك اسبريدون الذي استقال وعاد الى بلاده سنة 1898.بضغط شعبي دمشقي عارم، فانتخب مكانه البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي من قبل المجمع الأنطاكي المقدس وعارضهم في ذلك 3 مطارنة يونان (حلب وكيليكيا وارضروم)، ولم تعترف الدولة عليه وتصدر فرماناً بتثبيته الا في عام 1899م اي بعد سنة من المراجعات المستمرة من وكيل البطريرك في اسطنبول السيد كمال بك قزح الدمشقي، وقامت البطريركيات (القسطنطينية، والاسكندرية وأورشليم ) بقطع الشركة مع البطريركية الأنطاكية، ولم تعترف بالبطريرك ملاتيوس لكونه عربي. وكان هو أول بطريرك عربي منذ وفاة البطريرك الدباس 1724م ونشوء الكثلكة. هذا الحدث التاريخي عبرعنه ابوخلدون ساطع الحصري بأنه “أول خطوات ظهور القومية العربية في سورية”.

استمر قطع الشركة مع أنطاكية حتى عام 1910م حيت اعترفت البطريركيات الثلاث بالبطريرك غريغوريوس حداد بعد اربع سنوات من رسائله السلامية لهم كالعادة. ولابد من ذكرشخصية عظيمة ظهرت في دمشق لعبت دوراً محورياً في الاعداد للتعريب وهي الخوري يوسف مهنا الحداد/ الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي المعلم في مدرسة بيته والذي أعاد افتتاح مدرسة البطريركية (الآسية) ونظمها وفق الأسس الحديثة، وافتتح فيها فرعاً لاهوتياً اكاديمياًعام 1851 مع مدرسةعليا للموسقى الرومية، انتمى اليه رجال الأكليروس الذين قاموا بعد ذلك بتعريب السدة الأنطاكية، وفي مقدمهم البطريرك الدوماني وبالتأكيد كان هذا خطاً جامعياً غير مسبوق في بلاد الشام، كان اسبق بحوالي عشرين سنة عن الجامعتين اليسوعية والأميركية، ولولا استشهاده وفريق المدرسة ودمارها

البطريرك ألكسندروس االثالث

البطريرك ألكسندروس االثالث

عام 1860 لكان قد حقق طموحه بتصيِّير الآسية اضافة الى كونها المدرسة الأولى والأقدم في بلاد الشام ( تأسست عام 1635م)، اول جامعة لاهوتية وعلمية بعدما اعد العدة لذلك مع تلميذه الغيورالثري السيد ديمتري شحادة الدمشقي في اسطنبول .

أما في عامي 1836م و1840م وبعد ان انتخبه الشعب الأرثوذكسي الدمشقي بالاجماع كاهناً. انصرف الخوري يوسف الى الرعاية والاجتهاد للحفاظ على القطيع الأرثوذكسي وابنائه في دمشق، وفي حاصبيا،وبلودان، وقد استطاع الحد من انتشار الكثلكة في دمشق وغيرها، ورد فريقاً كبيراً منهم للأرثوذكسية، كما أوقف نشاط المرسلين البروتستانت الانكليز وأعاد بعضاً من المعتنقين الجدد الى حظيرة الايمان.

وبالنسبة لمدارس الآسية ( المدرسة الوطنية الأرثوذكسية البطريركية الدمشقية) فقد درست في عهده مواداً جامعية اضافة الى الدراسة اللاهوتية العالية، وكان الخوري يوسف يخطط لجعل الآسية جامعة كجامعات خالكي وأثينا وموسكو وبطرسبرج، ولولا فتنة 1860 واستشهاده فيها ودمار المدرسة لكان قد حقق مسعاه وأقام أول جامعة في بلاد الشام وقبل الجامعتين الاميركية واليسوعية في بيروت بعقدين تقريباً.

وكما قلنا فان تلاميذ هذا القديس، كانوامن قام بتعريب السدة الأنطاكية، وكانوا قد تولوا الكراسي الأسقفية في الأبرشيات الأنطاكية، اضافة الى علمانيين عظام كان ابرزهم السيد ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي (المحكي عنه) الذي تغرب في القسطنطينية من 1846م الى 1890م ولعب دوراً قيادياً في نهضة الكرسي الأنطاكي، وخصوصاً في تعريب السدة الأنطاكية (سنتحدث عنه لاحقاً باذن الله).

خلاصة القول عن هذه المرحلة أن النتائج الثمينة التي توصل اليها البطاركة اليونانيون على السدة الأنطاكية ثم العرب، ماهي الا ثمرة جهاد بطولي مستمر لايجارى. وعليه يمكننا الاستنتاج بانه لولم تكن هنالك اسباب قاهرة منها ماهو داخلي ومنها ماهو اقليمي مع ابعاد سياسية واقتصادية خطيرة حلت بالأرثوذكسية في بلادنا، لكان تيار الهجوم عليها قد أوقف في الحال.

البطاركة الوطنيون

البطريرك ثيوذوسيوس السادس

البطريرك ثيوذوسيوس السادس

وبالطبع فقد باشر البطريرك ملاتيوس اصلاحاً داخلياً بدأه بفتح مدرسة اللاهوت الاكليريكية في البلمندعام 1900 ، وبظرف سنوات قلائل تمكن من ارسال بعثة من الطلبة الاكليريكيين ليتموا دراساتهم اللاهوتية العليا في مدارس خالكي واثينا وموسكو.ثم أخذ بانتخاب مطارنة وطنيين لملء الابرشيات الشاغرة ومنها كيليكيا (مرسين وطرسوس وأطنة …) التي انتخب لها المطران الكسندروس طحان الدمشقي، الا أن الرعية في تلك الابرشية و كانت في معظمها يونانية لم تعترف به مطراناًعليها لكونه عربي كما تحكي الوثائق البطريركية.

– توفي البطريرك ملاتيوس الأول عام 1906م ومع كون فترة بطريركيته قصيرة وانتهت بوفاته بالسكتة الدماغية الا انه حقق قفزات تصحيحية في الكرسي الأنطاكي المقدس.

انتخب خلفاً له مطران طرابلس غريغوريوس حداد من عبيه بلبنان فكان خير خلف لخير سلف في الحفاظ على البيعة الأرثوذكسية والجهاد لأجلها واستمر حتى وفاته عام 1928م.

شهد عهدالبطريرك غريغوريوس الرابع متغيرات جذرية على الصعد الوطنية والارثوذكسية والدولية، ففي عام 1910م أعيدت العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية. وفي عام 1913م زار روسيا تلبية لدعوة القيصر نقولا، ورئس احتفالات آل رومانوف بمرور 300 سنة على تملكهم العرش الروسي.

طرد الأتراك والحكم الوطني

وفي فترة 1914 -1918 كانت الحرب العالمية الأولى بكل قسوتها ومآسيها من مجاعة سفربرلك وأوبئة وجائحات جراد، وموت بعشرات الآلاف من الأرثوذكسيين ،وغيرهم من ابناء لبنان والشام…، وهجرة كثيفة منهم الى الأمريكيتين.

وتشهد سيرة هذا البطريرك العظيم لأفعال الرحمة التي قام بها، وقد استدان بكثافة لتأمين إطعام الجائعين من كل الأديان والطوائف والشرائح. وقد حاز اعجاب الخصوم كجمال السفاح ثم الجنرال غورو فيما بعد، وإعجاب المحبين أمثال الشريف حسين بن علي أمير مكة، وولده الأمير فيصل، وقد انتزع من الأخير اعترافاً خطياً يقضي بأن المسيحيين العرب مواطنون من الدرجة الأولى، لهم ما لأشقائهم في العروبة والوطن من الحقوق والواجبات. وقد ورد ذلك الاعتراف في جريدة العاصمة مع صك المبايعة لفيصل ملكاًعلى سورية عام 1920 .
كان البطريرك هوالوحيد الذي ودع الملك فيصل في محطة قطارات القدم جنوب دمشق بعد معركة ميسلون في 24 تموز 1920 ودخول الفرنسيين دمشق منتصرين، وقد بكى فيصل من هذا الوفاء، وقد انفض عنه

البطريرك الياس الرابع بطريرك العرب

البطريرك الياس الرابع بطريرك العرب

الجميع،خاصة عندما قال له البطريرك “ان هذه اليد التي بايعتك ستبقى وفية على العهد الى الأبد”. فانحنى فيصل محاولا ًتقبيل يد البطريرك، تماماً كما فعل قيصر روسيا نقولا عام 1913 في موسكو. انه موقف رائع بدلالاته ان يقبل ملك سورية فيصل ابن حسين بن علي شريف مكة المكرمة وملك العرب وخليفة المسلمين يد البطريرك!!.

الكرسي الانطاكي في الانتداب الفرنسي

منذ دخول الفرنسيين الغزاة سورية، وقف البطريرك غريغوريوس موقف المعادي لهم. فبادلوه العداء، وكانوابذرائع شتى يتمنعون عن تقديم المساعدة والتعويض عن القرى الأرثوذكسية بخلاف القرى الكاثوليكية،وغيرها. ومنع على الأرثوذكس المناصب العامة والوظائف وخاصةفي الادارات التي يسيطر عليها الفرنسيون كالجمارك والخط الحديدي الحجازي ومصلحة الريجي(حصر التبغ والتنباك). وعند وفاته حاولوا شق الكنيسة الأرثوذكسية الى قسمين سوري ولبناني والعزف على هذه النغمة بإنشاء بطريركيتين ارثوذكسيتين في كل من سورية ولبنان بغية ضرب هذه الكنيسة الوطنية المتجذرة في هذه الأرض، وخاصة عندما حصلت الأزمة الأنطاكية بانتخاب بطريركين انطاكيين،فقد انقسم المجمع الأنطاكي المقدس الى فريقين انتخب أحدهم

مطران اللاذقية ارسانيوس حداد البيروتي، والفريق الآخر انتخب مطران طرابلس الكسندروس طحان الدمشقي. وقد تنادت البطريركيات الأرثوذكسية لوقف الخلاف بعد فترة 3 سنوات من 1928 الى 1931 عانى فيها الكرسي الأنطاكي من تشرذ م وضياع بفضل مؤامرات الفرنسيين. وقد أفتت لجنة ارثوذكسية عليا مثلت البطريركيات الارثوذكسية بصحة انتخاب الكستدروس بناء على قانون الانتخاب البطريركي الأنطاكي. على ان يحتفظ ارسانيوس بلقب بطريرك وتكون اقامته في اللاذقية ، ويتولى احد البطريركين السدة الأنطاكية فور وفاة الآخر. وشاءت العناية الالهية وفاة ارسانيوس بعد سنة من هذا الاتفاق في مستشفى القديس جاورجيوس الأرثوذكسي في بيروت بعد مرض لم يمهله طويلاً،وكان للزيارة التي قام بها الكسندروس الى المستشفى لعيادته وقع الصاعقة على الفرنسيين فأوقفوا دسائسهم اذ ايقنوا بأن الكسندروس لم يقل في قوة الشكيمة عن سلفه غريغوريوس، وحاولوا التقرب منه ولكنه وقف منهم موقف الرافض للانتداب ، وقام (وعلى علم منهم) بمد ثوار الغوطة بمايلزمهم من سلاح وذخائر …

وفي عام 1935 حصلت أزمة جديدة اذ أنشأ السيد ابيفانيوس زائد مطران عكار الكنيسةالسورية الأرثوذكسية المستقلة، فلم تعترف بها لا السلطات الرسمية ولا سلطات الانتداب ولا البطريركيات الأخرى، وقد دامت فترة طويلة وشكلت خطراًعلى وحدة الكرسي الأنطاكي المقدس اذ صار لها اتباع في كل الأبرشيات الى أن تم حلها بعودة السيد ابيفانيوس الى طاعة المجمع.

البطريرك اغناطيوس الرابع بطريرك العرب وبطريرك الوفاق اللبناني

البطريرك اغناطيوس الرابع بطريرك العرب وبطريرك الوفاق اللبناني

في عام 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية التي استمرت الى عام 1945 بمآسيها وما عكسته على الوضع الداخلي فأثر سلباً وبشكل كبير على الكنيسة الأرثوذكسية، ولكن موقفها الوطني بقي رافضاً للانتداب الفرنسي وكان موقفاً مشرفاً حاز تقدير واعجاب سائر الفعاليات في البلاد، كما كان الموقف ذاته من قضية فلسطين بدأ مع البطريرك غريغوريوس برفض وعد بلفور واشتد مع البطريرك الكسندروس حيث بادر لىتشجيع رعيته الانطاكية الارثوذكسية للانخراط في جيش الانقاذ 1948 للدفاع عنها ضد العصابات الصهيونية الى مد يد العون من أجل تسليح الجيش السوري، وتحفيز المغتربين للتبرع الذين لم يبخلوا بالعطاء، حيث تولى توزيع تبرعاتهم على الجيش الوطني، والمقاومة الفلسطينية والعربية في فلسطين، وكان لمطارنة الكرسي الأنطاكي في الأبرشيات الفضل في جمع هذه التبرعات لصالح القضية الفلسطينية، كما فعلوا حينما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدفعية عام1925 ودمروا حي سيدي عامود العريق وقد احترق برمته. وعام 1945 حينما ضرب الفرنسيون دمشق ودمروا عدداً من الأحياء وقصفوا البرلمان وأبادوا حاميته. فقد وزعت التبرعات الواردة من أنطاكية الأرثوذكسية المهاجرة على جميع أبناء الوطن بدون تمييز بالدين والمذهب.

واستمر الموقف الوطني المعروف للكنيسة الأرثوذكسية يزداد تألقاً في العدوان الثلاثي على مصر، وهاهو البطل السوري الأرثوذكسي ابن اللاذقية والطالب في الكلية البحرية في مصر يقدم ذاته دفاعاًعن مصر ويُغرق بعملية استشهادية البارجة الفرنسية جان دارك في قناة السويس. وقد اشاد السيد شكري القوتلي رئيس الجمهورية بهذا البطل في تأبينه له بالقداس الالهي الذي أقامته البطريركية لراحة نفسه في الكاتدرائية المريمية بدمشق مهنئاً البطريرك الكسندروس والطائفة الأرثوذكسية بالشهيد وان هذاليس بغريب على وطنيتها وقوميتها.

استمر الكسندروس على السدة البطريركية حتى وفاته عام 1958. وخلفه البطريرك العلامة السيد ثيوذوسيوس أبو رجيلي وهو من بيروت، واستمر حتى عام 1969 حيث توفي مفلوجاً في مستشفى الروم ببيروت فخلفه مطران حلب الياس معوض. كان البطريرك الياس الرابع راهباً ووطنياً سياسياً محنكاً وحمل لقب بطريرك العرب من مؤتمر لاهور الاسلامي الأول 1974 وقد شارك فيه والقى كلمة المسيحيين العرب عن

القدس.وأيد المقاومة الفلسطينية والعربية من أجل استرجاعها.واستمرعلى السدة البطريركية الى 1979

حين وفاته. حيث خلفه البطريرك الحالي اغناطيوس هزيم، ويضيق بنا المقام عن تعداد انجازات البطريرك اغناطيوس الرابع العمرانية والروحية اضافة الى الرؤية الوطنية حيث نال بدوره لقب بطريرك العرب من مؤتمر الطائف الاسلامي وأسهم في وقف الحرب الأهلية اللبنانية وفي مؤتمر الوفاق الوطني اللبناني في الطائف 1989. ان أعظم مايسجل للبطريرك اغناطيوس الرابع تحقيق حلمه بتحويل البلمند من مجرد دير رهباني اكليريكي الى جامعة كبرى تنافس اكبر الجامعات العالمية عراقة. اضافة الى ان عدد الكنائس في دمشق وحدها قد ارتفع في عهده من اربع الى12 كنيسة وازداد عدد الأديرة البطريركية في عهده في سورية من3 أديرة الى7 أديرة ….الخ وان عدد الأبرشيات

غبالبطريرك يوحنا العاشر 2012-...

البطريرك يوحنا العاشر 2012-…

الأنطاكية بلغ حالياً 20 أبرشية تنتشرفي اربع جهات الدنيا. وان عدد ابناء الكرسي فيها يقر ب18 مليون ارثوذكسي يتطلعون الى مدينة انطاكية العاصمة الأساس والى دمشق قبلتهم اينما كانوا وحيثما حلوا.

توفي البطريرك اغناطيوس الرابع في 5 كانون الاول 1912 عن شيخوخة صالحة بعمر 93 سنة، فاختار المجمع الأنطاكي المقدس مطران اوربة الغربية يوحنا (يازجي) خلفاً له وتم تنصيبه في كنيسة الصليب المقدس في دمشق باسم البطريرك يوحنا العاشر وعهده شمل وضعاً صعباً جداً لسورية الدولة الأكبر في بلاد الشام من حيث الرقعة الجغرافية والأهمية الأرثوذكسية عددياً وايمانياً ودورها العظيم في نشر المسيحية وخاصة دمشق التاريخ والحاضرة منصرة بولس الرسول ومنطلقه الى المسكونة وعاصمة الكرسي الأنطاكي المقدس سورية التي فيها قرابة ثلاثة ملايين ارثوذكسي عدا المسيحيين الآخرين من كنائس شقيقة اخرى حوالي مليون مسيحي، واستباحتها بحرب ارهابية ظالمة عليها وعلى مسيحييها وتم ذبح وخطف كهنة وخطف مطران حلب بولس مع مطران السريان الأرثوذكس عن حلب اضافة الى تدمير الكنائس والأديرة وتهجير الرعايا وشهد الشعب السوري بكل مكوناته هجرة مخيفة حملت ملايين منه الى المنافي القريبة والبعيدة وكان عدد المسيحيين عموماً والارثوذكسيين خصوصاً مخيفاً فتناقص عددهم بشكل غير مسبوق بالرغم من محاولات غبطته لوقف الهجرة…وتم فتح ابرشيات جديدة في اوربة لمواكب المهاجرين وايجاد كهنة لهم ومحاولة مساعدة الباقين الذين يعيشون ازمات خانقة اقتصادية ومعيشية اضافة الى فقدان الأمن والخطف والقصف العشوائي للمدن والقرى والأفراد… في كل ابرشيات الوطن في سورية والعراق اما لبنان فأوضاعه السياسية الداخلية اعاقت انتخاب رئيس للجمهورية وسط ازمات معيشية واجتماعية حادةيعيشها هذا البلد الصغير جغرافياً والكبير في اهميته بالنسبة للكرسي الأنطاكي المقدس…

بقي ان نختم بأن عدد البطاركة على الكرسي واولهم بطرس الرسول وآخرهم يوحنا العاشر(الحالي) بلغ 166 بطريركاً. وأن عدد اساقفة دمشق منذ حنانيا الرسول حتى انتقال الكرسي البطريركي الى دمشق مع البطريرك اغناطيوس الثاني عام 1344 بلغ 58 أسقفاً لتتوحد سلسلة اساقفة دمشق مع سلسلة بطاركة انطاكية وليبقى الكرسي الأنطاكي خالداًكما دمشق عاصته الأبدية خالدة.

مراجع البحث:

+- رستم كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى.

+- الأسقف استفانوس حداد، تاريخ كنيسة أنطاكية.

+- المطران الكسندروس جحا، تاريخ الكنيسة المسيحية.

+- خير الله ضاهر،الأرج الزاكي في تهاني غبطة البطريرك الأنطاكي.

+- الوثائق البطريركية( دمشق- بيروت- حلب- القسطنطينية …

+- زيتون جوزيف، الآسية مسيرة قرن ونصف .دمشق1991

+- زيتون جوزيف،سيرة القديس يوسف الدمشقي، النشرة البطريركية ،مجلة العربية(ابرشية السويداء)، كتابنا الآسية مسيرة قرن ونصف

+- زيتون جوزيف، زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى أنطاكية والاسكندرونة وكيليكية دمشق 1994 .

دير القديس خريستوفورس البطريركي

$
0
0

دير القديس خريستوفورس البطريركي

مركز المؤتمرات الأنطاكي الأرثوذكسي

صيدنايا

مقدمة

صيدنايا بلد الكنائس والأديار، معقل الرهبنة. فلقد كان فيها استناداُ على السائح الروسي بارسكي السنة 1728مسيحية، أربعون كنيسة وديراً منها ديرنا الحالي الذي هو على اسم شفيعه القديس خريستوفورس ودير القديس جاورجيوس، ودير الشاروبيم إضافة إلى ديرها الرئيس، دير سيدة صيدنايا البطريركي العجائبي…

يقع دير القديس خريستوفورس في أول سهل صيدنايا، متوسطاً بلدتي صيدنايا ومعرة صيدنايا، على رابية صخرية، تقع تحتها وفي محيطها كهوف رهبان أبرار عاشوا فيها، ومدافن صخرية دفنوا فيها، وثلاثة آبار ماء شربوا منها، وكنيسة صلوا فيها. يبلغ محيطه حوالي (30) دونماً من الأراضي الصخرية والترابية، منها (15) دونماً تقع داخل سوره الذي بني حديثاً، ويضم الدير القديم بسوره المميز ومركز المؤتمرات الحديث الفخم، الأنيق بحجارته البيضاء وصلبانه المنارة والمتلألئة ليلاً.

كنيسة الدير

كنيسة الدير

نبذة عن سيرة القديس خرستوفورس

خريستوفورس، باليونانية “حامل المسيح”، ولد في القرن (3 م) في إقليم ليكيا في آسية الصغرى لأسرة وثنية، اهتدى إلى المسيحية في مدينة أنطاكية، واقتبل العماد المقدس من البطريرك الأنطاكي بابيلاس (240 – 253) الذي سماه خريستوفورس، حامل المسيح. تعرض لعذابات شديدة ليجحد إيمانه المسيحي.

وصف الدير

يتألف الدير القديم من كنيسة وفناء, يحيط بهما سور حجري منيع بعلو خمسة أمتار تقريباً، شكله مربع تقريباً إذ تبلغ أبعاده (22/24) متراً، يتوسط حائطه الشرقي باب حديدي يعود إلى زمن تجديده الذي تم العام 1957 بنفقة وجهود دير سيدة صيدنايا البطريركي.

تتدرج حجارة السور في صفوفها الأرضية الثلاثة من الضخامة إلى الأحجار العادية في الصفوف الأعلى، وتدل الأحجار الضخمة على تاريخ سحيق لهذا الموقع، يعود إلى فترة القرن الأول قبل الميلاد. ولربما كان موقعه في الأصل معبداً وثنياً، حوَّله الرهبان، بعد استقرار المسيحية في أوائل القرن الرابع، إلى دير جمع قلاليهم ومدافنهم حول كنيسة رهبانية صغيرة.

تؤشر حجارة الصفوف الأعلى الأصغر حجماً إلى تجديد تم في القرن (19)، إضافة إلى ترميم تم لاحقاً بفضل مطران سلفكياس ( معلولا وصيدنايا وزحلة)، مثلث الرحمات جرمانوس شحادة في العام 1905، الذي أنجزه في أعقاب ترميمه لدير القديس جاورجيوس، وهو توأم لدير القديس خريستوفورس.

يدخل الزائر إلى فناء الكنيسة من الباب الحديدي، و يقع جدار الكنيسة الجنوبي إلى يمينه، ويقع فناء الدير وحديقته إلى يساره. ويدخل إلى داخل الكنيسة من بابها الواقع في جدار الكنيسة الغربي الذي تقابله قنطرتان أثريتان مغرقتان في القدم تعودان إلى زمن إحداث هذا الدير.

سور الدير القديم وبوابته التي تعود الى فترة بناء الكنيسة منتصف القرن 20

سور الدير القديم وبوابته التي تعود الى فترة بناء الكنيسة منتصف القرن 20

أما الكنيسة فهي حديثة تعود إلى العام 1957، كما تؤشر اللوحات الرخامية التي أرخت لهذا الحدث الذي تم بعهد مثلث الرحمات البطريرك ألكسندروس الثالث، وبأتعاب وتبرع وكالة الدير ورئيسته وراهباته ومبتدئاته. تتألف من صحن واحد وهيكل مستحدث من الرخام الرحيباني، ويبلغ طولها مع هيكلها(15) متراً، وعرضها (6.5) متراً.

ويتألف الأيقونسطاس من باب ملوكي وبابين جانبيين على يمينه ويساره، تزينه الأيقونات السيدية المعتادة مع أيقونة شفيع الدير، يعلوه صلبوت وأيقونات الإنجيليين الأطهار. أما الأيقونات الأخرى فهي تقدمات من الرهبان والمؤمنين.

وصف مركز المؤتمرات

وهو البناء الجديد الفخم المبني من الحجارة البيضاء النحيتة الذي أمر بإحداثه غبطة البطريرك أغناطيوس الرابع ليكون مركزاً أنطاكياً للمؤتمرات.

واجهة الدير الجديد ومركز المؤتمرات اأنطاكي البطريركي

ويتألف من بناء حجري أبيض اللون، جميل وأنيق، يقع على مرتفع شمال الدير القديم، تصعد إليه بدرج حجري عريض يطل على الدير القديم وعلى سهل معرة صيدنايا بمزارعه وأبنيته الاصطيافية الجميلة. وتحاذي واجهته الخلفية الأكمة الصخرية التي تختزن تحتها تاريخ هذا الموقع. كما تطل على الطريق العام المؤدي إلى معلولا وبقية بلدات القلمون. البناء مكون من طابقين، أرضي وعلوي، وقبو.

الطابق الأرضي

يتألف من مدخل أنيق عبر واجهة رئيسية، يعلوه رواق محمول على أربعة أعمدة اسطوانية من الحجر الأبيض النحتي.

في داخله بهو فسيح أنيق، يوصل إلى القاعة الكبرى متعددة الاستخدامات ومطبخ حديث. فيه ركن الاستعلامات، ويضم أربعة غرف للمنامة إلى يمين البهو، وإلى يساره عشر غرف منامة.

الطابق العلوي

لا يختلف كثيراً في أقسامه وأجنحته عن الطابق الأرضي، إنما تزيد غرف المنامة غرفة واحدة في جناحه الغربي. أما جناح البطريرك فيقع إلى يمين البهو مع قاعة انتظار، إضافة إلى تيراس كبير يقع على سطح الطابق العلوي ويطل شمالاً على هضبة صيدنايا وترتبط به ثلاث قاعات فسيحة إحداها قاعة اجتماعات فرعية.

القبو

يتألف من قاعات خدمية, تضم الخزان والمولدات الكهربائية وخدمات الغسيل والكوي والتدفئة والتكييف ومخازن الأرزاق والطعام.

يتسع المركز بطابقيه الأرضي والعلوي لستين سريراً مع تجهيزات غاية في الأناقة والذوق …

احيط موقع الدير بسور حجري مع درابزين حديدي، وله بوابة فسيحة تقع غرفة الحراسة إلى يمينها وهي مبنية كالسور من الحجر الأبيض ومسقوفه بالقرميد. تحيط أراضي زراعية بموقع الدير، بينما تنتشر الحدائق في محيطه الداخلي وقد شجرت بالأشجار المثمرة والحراجية وأصناف الورود الجميلة وزرعت الحدائق بالحشيش الأخضر(الغازون).

ما قدمناه لا يعدو مجرد تعريف بسيط عن هذا المشروع الأنطاكي الجديد وندرج لا حقاً بحثاً إضافياً شاملاً له من النواحي التاريخية والواقعية، ما يرضي قراء النشرة ويسلط ضوءاً ساطعاً يفيد في معرفة تاريخية هذا الأثر المقدس وفي معرفة فكرة إقامة مركز المؤتمرات. (كتبناه للنشرة البطريركية في العدد 5 لعام 2005)

صورة بانورامية رائعة في الليل تجمع الدير القديم وكنيسته يمينا ومركز المؤتمرات يساراً

حفل التكريس

ببركة صاحب الغبطة، البطريرك إغناطيوس الرابع، ترأس سيادة المعاون البطريركي المطران لوقا (الخوري)، أسقف صيدنايا، صلاة تقديس الماء في دير القديس خريستوفورس في صيدنايا، مساء يوم السبت 7/5/2005، عاونه فيها سيادة المطران غطاس هزيم الوكيل البطريركي وعدد من إكليروس أبرشية دمشق.

اكتظت ساحة الدير، بالإضافة إلى رؤساء أديرة أبرشية دمشق ورهبانها وراهباتها، بأبناء رعية أبرشية دمشق، من المناطق والقرى كافة. وبعد تقديس الماء، تولى الآباء الكهنة رش البناء بالماء المقدس.

ألقى سيادة المطران لوقا كلمة، عبر فيها عن الفرح بوجود هذا المركز الجديد، شاكراً جميع من ساهموا في وجوده:

” … بداية يا أحباء يجب أن نشكر الله الذي باسمه نجتمع وباسم ربنا يسوع المسيح، نشكره على هذا الجو الرائع الذي نعيشه في هذه اللحظات الجميلة، أمام هذا المبنى الجميل، الذي هو بحمى القديس خريستوفورس والعذراء مريم حامية هذه المنطقة.

وأجمل ما يقال لهذه المناسبة كلامٌ لرسول الأمم بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس: ” لسنا نأتي بمعثرة في شيء لئلاّ يلحق الخدمة عيب، بل نُظهر في كل شيء أنفسنا كخدام الله في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات…كأنّا مضلون ونحن صادقون، كأنّا مجهولون ونحن معروفون، كأنّا حزانى ونحن فرحون، كأنّا فقراء ونحن نُغني كثيرين، كأنّا لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء”.

نعم يا أحباء، نحن كرعاة في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية المتربع على عرشها صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع … تكون إرادتنا أن نموت ليحيا الأبناء، إرادتنا أن نُقيم الدليل على تعلقنا الشديد بشعبنا وبالوطن … وكما يقول كبيرنا صاحب الغبطة: “نعبر دائماً وباستمرار عن إيماننا بشعبنا المتشبث بأرضه. مع هذا الشعب نحيا لأنه ينتمي إلينا وننتمي إليه”.

مشروعنا المتواضع هذا، الذي قمنا بتكريسه اليوم، والذي هو واحدٌ من عدة مشاريع أقيمت وستقام، هو تعبير عن إيماننا بالله أولاً وبخدمة الإنسان ثانياً، …وهذا المركز سيكون مفتوحأً للجميع لراحتهم في جو يعبق بالإيمان والمحبة.

يطيب لي أن أشكر السادة والأخوة الذين تكرموا وقبلوا دعوتنا للمشاركة في تكريس هذا المبنى الجميل وفرحوا معنا.

يطيب لي وإياكم، أن نرفع التضرع إلى العلي القدير أن يحفظ لنا مولانا صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، أن يحفظه معافىً مديد الأيام … والشكر كل الشكر، إلى رئيسة دير سيدة صيدنايا ولراهباته وكل العاملين فيه، لأنه ما كان لهذا المركز أن يرى النور لولا دعمهم وكرمهم.

المطران لوقا المعاون البطريركي اسقف صيدنايا ممثل مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع في حفل تكريس الدير 7/5/2005

ثم شكر من ساهم بالاسم…

ثم تكلمت الحاجة كريستين، رئيسة دير سيدة صيدنايا، شاكرة صاحب الغبطة على توجيهاته الدائمة في إعمار أنطاكية فقالت:

“هذا هو اليوم الذي صنعه الرب نفرح ونتهلل له وبنور قيامته الإلهية نستنير اليوم، نستطيع أن نرحب بصاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع، كلي الطوبى وجزيل الاحترام، وهو، روحاً وبركة، موجود معنا من خلال وفده الكريم… أشكر هذا الحضور … فأهلاً وسهلاً.

قال أحد المفكرين: “الحياة ليست بسطوحها بل بخفاياها، والمرئيات ليست بقشورها بل بلبابها والناس ليست بوجودها بل بقلوبها”، وهذا ما أكده السيد المسيح له المجد: “يا بني أعطني قلبك”.

أيها الحضور الكرام التآخي هو المحبة، هو التقدم في حقل الروح إلى دائرة النور الأعلى ولسان حالي يعجز أن يشكر كل من ساهم في بناء هذا الصرح العظيم أو بذل من جهوده وتعبه أو أعطى من ماله لدعم هذا الدير ليصبح ظفيرة مجدولة بالقداسة مع ديرنا الشريف ثمر صلاح وتسبيح لمجده تعالى، آمين.

عام 1905 المطران جرمانوس شحادة مطران سلفكياس منقباً في خربة دير القديس خريستوفورس وكانت ابرشية سلفكياس تشمل صيدنايا ومعلولا ويبرود ودير عطية وسائر القلمون اضافة الى بلودان والزبداني وقاعدتها زحلة ودير القديس جاورجيوس في صيدنايا المقر الصيفي لمطران زحلة تم الحاقها كلها بالمقر البطريركي بدمشق عام 1924

أيها الأخوة والأخوات انظروا إلى هذا الصرح … يعيد مجد أنطاكية ومجد القديس خريستوفورس حامل المسيح الذي نادى باسمه في أنطاكية واستشهد فيها مخلفاً منارة روحية تنير شموعه دوماً امتداداً لشموع الشاغورة عليها السلام… شعلة من نور يستضيء بها القريب والبعيد لتبقى منارة لا تنطفئ إلى الأبد… ولتبقى سوريةمنارة ورايتها ترفرف على هذا الوطن الغالي الحبيب…” واشاد برئيسها وقيادتها…

 ثم تابع :”…فباسمكم أيها الحضور الكرام لنكثف الصلاة والدعاء إليه تعالى أن يحفظ لنا غبطة مولانا وبطريركنا ليبقى بصحة جيدة وعافية لأنه حامل مجد أنطاكية وحامل لشرقنا لاهوت أنطاكية الخالدة”.

وتتالت الكلمات معبرة عن الفرح العظيم، وعن التقدير لغبطة البطريرك على عطاياه، كلمات وصفته جميعها برجل أنطاكية.

المصدر (النشرة البطريركية العدد5 2005 د. جوزيف زيتون أمين الوثائق البطريركية)



قام…وهو يسبقكم إلى الجليل

$
0
0

قام… وهو يسبقكم إلى الجليل

) (متى 28: 1- 10

يسوع قادم إلى أورشليم، وهو أتٍ إلى الصليب ليعتلي عرش أزليته ومجده، يعطي تلاميذه عبر مشهد الشعانين عربون المجد الذي له من قبل إنشاء العالم ليقوّوا على رؤية هوانه وألامه وسحقه كحبة الحنطة. كذلك فعل في مشهد التجلي، واختلط يومها الكلام عن مجده وآلامه.

في بشارة يوحنا نغوص في سر لاهوت السيد، وقد اعطانا أن نقرأ عن الشعانين مباشرةً بعد إقامته لعازر من الموت وتطييب قدميه من قبل مريم أخت لعازر وقد تركها تفعل، وهو الغاية والمنتهى في التواضع، فقط لأنه يُربّي ويتلمذ ويُعطي رموزاً يقرأها تلاميذه فيستطيعون أن يلجوا بقلب قويّ إلى ليل الآلام.

سمعت الجموع التي جاءت إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم. فحملوا أغصان النخل وخرجوا لاستقباله وهم يفرشون ثيابهم ويهتفون : “مباركٌ الآتي باسم الرب، اوصنا لملك اسرائيل” سمعوا أنه قادم، هذا يعني أنهم كانوا يتبعون أخباره وينتظرون ويأملون ويدرِّجهم ليفهموا عمق طريقه.

يسوع ملك طبعاً، لكنه من نوع آخر من الملوك والرؤساء… ملك يركب على جحش ابن أتان، وهذا يغيّر كثيراً فيي الرؤية. لم يركب حصاناً مطهماً مجللاً بالحرير

يسوع يدخل اورشليم يوم الشعانين

يسوع يدخل اورشليم يوم الشعانين

والذهب كما تعطينا صور الملوك الفاتحين وخاصة على حصان أبيض. بل جحشاً، كما تنبأ زكريا النبي عن زيارة السلام. وصرخوا بملء الحناجر “أوصنا” ومعناها “الرب يخلص”. وهم يقصدون الخلاص من الرومان المحتلين. تركهم يسوع يصرخون، لأنه بالفعل مخلِّص، ولكن من احتلال من نوع آخر، احتلال عالم الظلمة والشك. وهو عارفٌ أنهم سيصرخون ليس بعد أيام كتيرة صرخة أخرى مدوية :”اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى أولادنا.”

كم يحبنا يسوع ! وكم يُذهلنا بحبه، كم يفرحنا !! يضعُ الأمان غير الموصوف في عمق وجودنا، ويخلق بنا فعل إيمان لأنه وحده الرب المخلص والمستحق كلَّ كرامة ومحبة فهو أحبنا حتى الثمالة ” وهل من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه…” الحب هو الأساس وهو يحتاج إلى العمق في المعرفة والفهم، معرفة: يسوع المسيح الإله الخالق مصلوباً، كيف هذا ؟ وفهم: لمَ تمَّ هذا! لأجل هذا الآدم الذي خالف وصيته كخالق فأوحل في التكبر…

كيف يتساوى الأمران الخالق يُصلب لأجل المخلوق المتوغل في خطيئته ضد الخالق فوق مدارك البشر… أيهما أوتينا في المعرفة والفهم…! يجب أن نكون على مقدار قامة الفادي لنفهم هذه المعادلة المستحيلة حتى لا يبقى هذا الحب الخالد على مستوى الإحساس والمزاج…

في معرفتنا وفهمنا نُعطى الوضوح في الرؤية من قبله وحده..يسوع المحرر والمخلص، فنعرف ماذا نختار لأنه مقياس للتميّيز، وبالتالي يُصَّيرنا أنقياء لأنه صقلنا على مستوى النوايا. والنقاء يُعطي الثمر بسبب شفافيته وطهره.

هذا هو الأمر العظيم العجيب الذي لم يستطع الإنسان أن يدركه قط أن المسيح له المجد تحمل الآلام ليجعلنا نحن الخطأة أنقياء لأنه في أيام جسده البشري، أيام حياته على الأرض تحملها حناناً بنا ما جعل أعين البشر المتطلعة أليه تمتلئ بالرحمة والعطف. وعندما سيق إلى موته الغير العادل على الصليب “كان يتبعه جمع غفير ونساء كنَّ يلطمن صدورهنَّ ويبكين نائحات” (لوقا 23 : 27) لم تتألم النسوة من أجله فقط بل بكاه أشعياء النبي قبل قرابة ألف سنة، عندما رأى بعين النبوة آلامه. لم يتمكن أن يحبس دموعه إزاء المشهد الذي رآه “رأيناه لا شكل له ولا جمال ولا صورة، رأينا شكله مهاناً” (أشعياء 23 : 27).

يا للسر العظيم، إن المخلص أثار عطف البشر عندما كان يمر في نزاع العذاب ليرحمنا، لم يرد أن يصير شريكاً بالألم فكرياً بل تنازل ليعافي كل ألم ليموت البريء من الخطأ.

الطريق التي سلكها الإنسان بعد خروجه من باب الفردوس الضيق كانت عريضة ومتعبة منها تشعبت دروب انفتحت على فلوات زمنية من الغربة، حَصَد الشوك، والقتاد وذرف العرق، وسكب الدموع، وتعفر بالتراب وغرق في الوحول، ولعق الحمأة، واكتوى بنار، وتاه في وديان وضلَّ في براري، وقرّ بجوع وذاب عطشاً، ونام يحتضن ناراً يغطيها صقيع، عيناه اكتحلتا بالرمضاء وقلبه احترق بالشوق أراد الدنيا فضاقت عليه، وأراد الحياة فصارت وهماً بين كفيه…

الإنسان خالق مآسيه ومهازله، الموت هو الذي وضع الإنسان أمام قدره فيجب أن يقضى على الموت بالموت وأن يعود الإنسان إلى حيث كان، وأن يتطور من الصورة إلى المثال ولكي يتحقق ذلك يجب أن يمر بالصليب، يجب أن يصلب الخطيئة فوق عود الشجرة التي سببت ثمرتها الموت، الصليب الذي حمل العنقود البالغ أينع وأصبح ثمرة حلوة المذاق، وكل من قطفها وذاقها نال الحرية والعتق.

كان يجب أن يُقضى على الموت، وأن يتحول من قصاص إلى طريق يُعيد الإنسان في الفردوس… كان قلب الآب السماوي ينفرط حزناً على خليقته آدم وحواء وذريتهما، هذا الإنسان الذي غرته القوة التي أُعطيت له وخدعته النعم والمواهب والخيرات التي وضعها الله بين يديه نظر إليها وأهتم بها، ونسي الواهب، نسي مصدر الخيرات، واستمر قلب الآب واهب الخيرات يُدمى على ابنه الإنسان الذي فقد سعادته ومواهبه.

في ملء الزمان دبَّر الآب وسيلة فعالة لخلاص ابنه إذ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له أخذ طبيعتنا الجسدية، ولبس هذا الثوب البشري المتسخ ” آخذاً صورة عبد صائراً في شبه البشر، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب”. من هو هذا الفادي العظيم ؟ هو كلمة الله الذي كان عليه بدافع المحبة أن يقضي على الموت لأنه الوحيد الذي يمكنه أن يتغلب عليه كحمل خال من الخطيئة، يُسفك دمه الطاهر لينقي الإنسان من وسخ الخطيئة، فالإله المتجسد محبة، كان لابد أن يسلك طريق الصليب ليخلص الإنسان لا مُكرهاً بل بكل الحب.

” من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحل صليبه ويتبعني”

فيا أيها المسيح المصلوب المعلق على خشبة، أيها القادر وقد جعلت من نفسك ضعيفاً كالخروف الذي سيق إلى الذبح نسجد لآلامك صانعة الحياة.. مهيب أنت في آلامك الممدودة على سنين التاريخ، عشتها قبلنا ولا تزال تعيشها حتى نهاية الأيام مع كل متالم ومريض ومظلوم ومضطهد…

لك المجد أيها البريء المصلوب، أعطيتنا أن نرى ألم البريء فنفهم معنى آلامنا ونقبلها. آلامك أنت هي الكلمة الأخيرة التي قلتها وتقولها، وهي كلمة الفصل بين الحق والباطل، بين النور والعتمة، آلامك يا سيد جاءت تقول ما لم تعد الأبجدية تستطيع قوله، فأسلمت جسدك للسياط والصليب وجبينك لإكليل الشوك يا ملك… وأنت تقول لنا :” إلى هذه الدرجة أنا أحبكم”

لك المجد يا وجه الآب فارتضيت بهوان التراب ومعمودية الدم وتركت وجهك في وجوه الناس تُصلب حتى نهاية الأيام.

لك المجد يا جسداً معلقاً على الصليب، اعطانا أن نرى الجسد بعين القداسة…

لك المجد أيها المعلم المصلوب وتعطينا كل يوم شرف التشبه والصيرورة من أحبائك الذين يصلبون أجسادهم من أجلك.

نحن في سورية والمشرق نصلب كل يوم من أجل إسمك فاعطينا مجد القيامة يا سيد الرجاء ليزهر ربيع النعمة من قبل جرح الدم لك المجد يا حبة الحنطة وخبز الغذاء الطيب.

ومع فجر القيامة تُقلب أيها الناهض من القبر المفاهيم كلها، وتخلق ابعاداً ومواقع لم تخطر على بال بشر، كل ذلك تفعله قيامتك أيها المعلم ونقول مع بولس :” فإن لم يكن المسيح قد قام فتبشيرنا باطل وإيمانكم باطل… وإذا كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدى هذه الحياة فنحن أشقى الناس جميعاً.”

يُحزننا أحياناً أن نرى وجوهاً كالحة مظلمة، يائسة وكأن المسيح لم يمت عنها وكأن قيامته لم تُشرق فيها إشراقاً واستنارة من الداخل. غاندي رأى وجوه بعض المسيحيين الحزينة فقال : ” لا أفهم كيف يطيقون العيش في الحزن بعد أن مات يسوع من أجلهم.”

نتساءل اليوم بعد نيف وألفي سنة على حدث القيامة الذي لم ولن يتكرر، هل المسيح الحيّ حيّ فينا، من خلالنا ؟ هل نُسلم له حياتنا ليقيمنا معه ؟ هل نصغي لأمره اليوم في تحديد موعده في الزمان والمكان ونطيعه ولو كان الموعد في الجليل ؟ هل نجرؤ أن نتمسك بجروحه علامة حضوره فتصبح جراحنا وجراح الوطن سورية والمشرق وأنطاكيتنا مطلاً نطل من خلاله بفخر على الأخرين.. وكما قيامته له المجد هي وسيلة قيامتنا هي وسيلة قيامة أوطاننا من وسط القبر…

قصة المثل: ”نحنا دافنينو سوا”

$
0
0

قصة المثل: ” نحنا دافنينو سوا””

قد يكون هناك من لا يعرف قصة هذا المثل
وهي أن شخصين مكاريين كان لديهما حمـاراً يعتاشان من تعبه
وفي تحصيل امورهما المعيشية…
ونقل البضائع من قرية الى اخرى، وأحباه حتى صار كأخ لهما
يأكلان معه وينام جنبهما وأعطياه اسما للتحبب هو ابو الصبر،

ضريح ابو الصبر

ضريح ابو الصبر

وفي أحد ألايام وأثناء سفرهما في الصحراء سقط الحمـار ونفق،
حزن الاخوان على الحمـار حزنا شديدا ودفناه بشكل لائق
وجلسا يبكيان على قبره بكاء مرا، وكان كل من يمر يلاحظ هذا المشهد
فيحزن على المسكينين ويسألهما عن المرحوم فيجيبناه بأنه المرحوم أبو الصبر
وكان الخير والبركة ويقضي الحوائج ويرفع الاثقال ويوصل البعيد…
فكان الناس يحسبون انهما يتكلمان عن شيخ جليل او عبد صالح فيشاركونهم البكاء
وشيئاً فشيئاً صار البعض يتبرع ببعض المال لهما ومرت الايام فوضعا خيمة على القبر
وزادت التبرعات فبنيا حجرة مكان الخيمة والناس تزور الموقع وتقرأ الفاتحة
على العبد الصالح الشيخ الجليل ابو الصبر…!
وصار الموقع مزارا يقصده الناس من مختلف الاماكن…
وصار لمزار ابو الصبر كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع
فهو يفك السحر ويزوج العانس ويغني الفقير ويشفي المريض
وكل المشاكل التي لاحل لها، فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات
طمعاً في أن يفك الولي الصالح عقدتهم، واغتنى الاخوان وصارا يجمعان الاموال
التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما.
وفي يوم اختلف الاخوان على تقسيم المال فغضب احدهما وارتجف وقال:
– “والله سأطلب من الشيخ الصالح ابو الصبر (مشيرا الى القبر) ان ينتقم منك
ويريك غضبه ويسترجع لي حقي منك”.
ضحك اخوه وقال:” اي شيخ صالح يا أخي؟
أنت نسيت ؟ نحنا دافنينو سوا…”

”تخت شرقي “

$
0
0

” تخت شرقي ”

قصيدة نثرية


” أساطير العشق في بلادنا إجرام
و ملاحم اللغة فيكِ ثورة و ركام
كل النساء على تختي الشرقي حرام
يا ابنة الجبل الأشم وبيوت أهله كرام
عقدتك زوجا هو الشاهد والإمام
أخفيت العقد وتركتُ مقدمة الشفاه ختام
تختلف قوانين الشرق وتتبدل الأحكام
عندنا كل شيء مباح كاتبه رسام
في الشرق حكايات الهوى نهايتها انتقام
سميتك الكعبة و إليك النسك و الإحرام
سميتك اللاذقية وفيك عشّاق وأقلام
نثرت حبّكِ في قلبي فكشفه الإعلام
أقمتُ قصري في الجبل وتلاشت الخيام
أبني بين نهديك شعراً تأكله الأحلام
على تختي الشرقي أميل فيعلن الاستسلام
يلجُ الروح حباً جسدا لذته الإقحام
زيراً تمرّس النساء فصاح حبه هيام
عليلا عاشقا من حلب زاده الليل سقام
أرتل ضلوعي فيكِ وأصعبه الإدغام
متعبٌ من عروبتي زاده الوطن اختصام
أنينه يهزّ عروش الملوك صداه الحكام
دخل الجسد حرباً شرايينه أوردته انقسام
خانوا دمي وتركوه فاصلة و كلّه استفهام
كل روايات العشق في بلادنا إجرام
كل النساء على تختي الشرقي حرام
سميتك الكعبة و إليك النسك و الإحرام
على تختي الشرقي تتمزق المعاجم
يخلع النعل وتتقدس النساء ملاحم
استوطن جسدك معلنا بدايته الاعتصام
استأنف حكمه ونهاية التقبيل إعدام
عذريتك غشاء شرقي ما مسه الكلام
كل روايات العشق في بلادنا إجرام
كل النساء على تختي الشرقي حرام
سميتك الكعبة و إليك النسك و الإحرام.”

شرح ما نثر

يناجي الشاعر سيدته في ثورة عاطفية بدايتها ونهايتها غامضة، ويترك الوطن فاصلا بين ملاحم روحها، مؤكدا لها أن كل شيء في بلاد الشرق مختلف، حتى أن الدم خان جسده في إشارة إلى التمرد العاطفي الذي قاد الشاعر ليسكن دار محبوبته وليعلن ثورة عشقه.

” تخت شرقي ” 31-8 – 2016

قصيدة نثرية

بقلم الكاتب آزاد عزيز عثمان

 

ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم

$
0
0

تمهيد

يصادف 8 أيلول عيد مولد العذراء مريم والدة الإله (يقال لهذا العيد في بلادنا عيد صيدنايا) وذلك نسبة إلى ديرسيدة صيدنايا قرب دمشق الذي بني في القرن السادس على اسم “ميلاد والدة الإله” التي هي ارفع من كل الخلائق والتي يليق بها كل تمجيد وإكرام لقداسة ميلادها.

لم تتعود الكنيسة أن تقيم أعياداً للقديسين يوم ميلادهم، لأن البشر في يوم ميلادهم لا يزالون ملطخين بالخطيئة الأصلية، لذلك تقيم لهم الأعياد يوم انتقالهم إلى الأخدار السماوية. ثلاثة فقط يُحتفل بميلادهم وهم السيد المسيح له المجد، ووالدته العذراء كلية الطهارة وفائقة القداسة وسابقه النبي يوحنا المعمدان، لان في ولادتهم تَّدَّخُل مباشر من قبل الله الكلي الاقتدار من خلال ملائكته.

ايقونة السيدة في مدخل دير سيدة صيدنايا

ايقونة السيدة في مدخل دير سيدة صيدنايا

بالنسبة للعذراء والدة الاله تقيم لها الكنيسة أكثر من عيد، وذلك للدور الكبير الذي قامت به في تاريخ خلاص البشر.

عيد ميلاد السيدة هو أول الأعياد السيدية والوالدية في الروزنامة الطقسية ورقادها هو العيد الأخير، وذلك لأن تحقيق خلاص الله الموعود للبشر أجمعين يبتدئ مع مولد مريم. مع ميلاد مريم تبتدئ رحلة عودتنا إلى الملكوت. ومع رقادها وانتقالها إلى السماء نتذوق ما سيحل بكل من يكون متكلاً على الرب وطائعاً كما كانت مريم، أي سيكون من أبناء الملكوت.

لذلك تقرن الكنيسة في العيدين بترتيلة واحدة وترتل في عيد الرقاد:” في ميلادك حفظت البتولية وصنتها، وفي رقادك ما اهملت العالم وتركته ياوالدة الاله…”

كما يقال لهذا العيد “عيد الحج ” وهو يأتي من حيث الأهمية بعد الحج الى فلسطين القدس وبيت لحم الى القبر والمهد المقدسين.

تاريخية العيد

يعود أصل العيد إلى أواسط القرن الخامس في أورشليم حين تم تكريس كنيسة على اسم والدة الإله مريم قرب البركة الغنمية أو بركة بيت حسدا. يقول التقليد الشريف أن بيت القديسة حنة والدة مريم كان يقع بالقرب من هذه الكنيسة. من أورشليم انتقل الاحتفال بعيد ميلاد العذراء في القرن السادس إلى القسطنطينية حيث وضع القديس رومانوس المرنم الحمصي الترانيم الخاصة بالعيد وما زلنا نصلي بعضها.

من الشرق انتقل العيد إلى الغرب في عهد البابا سيرجيوس الأول (687 -701مسيحية ) الأنطاكي الأصل.

دير سيدة صيدنايا البطريركي

دير سيدة صيدنايا البطريركي

لا يذكر العهد الجديد شيئاً عن طفولة مريم، ولا عن مولدها أو رقادها، ذلك أنّ هدف الأناجيل هو التعريف بسيرة الربّ يسوع الخلاصيـّة وبـأعماله وتعاليمه. لكن التقليد الكنسي الذي حفظ مكانة خاصة لمريم يذكر أن ولادتها تمت بتدخل إلهي مباشر كما حصل مع عدد من الأشخاص المميزين في العهد القديم كإسحق ابن إبراهيم وشمشون وصموئيل ويوحنا المعمدان. كل ذلك ضمن سر التدبير الخلاصي. أما المصادر التي تستند إليها الروايات الكنسيّة والنصوص العباديّة في شأن ميلاد السيّدة فهي الأناجيل المنحولة (المنسوبة إلى غيـر مؤلّفيها). فقد ورد في “إنجيل يعقوب التمهيديّ” أنّ يواكيم، والد مريم، وهو من سبط يهوذا من نسل الملك والنبي داود، فأبوه هو فاربافير من سلالة ناثان بن داود لقد كان غنيًّا جدًّا ويقدّم لله قرابين مضاعفة قائلاً في قلبه: ” لتكن خيراتي للشعب كلّه، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله، ليشفق الربّ عليّ”. وكانت امرأته حنّة ابنة كاهن متان من قبيلة هارون وكان لها أختان هما مريم وصوفيا، وقد تزوجت مريم في بيت لحم وولدت صالومي، وتزوجت صوفيا في بيت لحم أيضاً وولدت أليصابات أم النبي يوحنا المعمدان. حنة كانت عاقرًا وتعاني من ذلك حزنًا وألمًا كبيرين، لأن العقر يعتبر عاراً فالولادة تعني تأمين النسل وبالتالي إفساح المجال أمام ولادة المسيح المنتظر من شعب العهد القديم. فابتهلت حنة إلى الربّ قائلة: ” يا إله آبائي، باركني واستجبْ صلاتي، كما باركتَ أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابنًا”. فإذا بملاك الربّ يقول لها: “يا حنّة، إنّ الله سمع صلاتك؛ سوف تحبلين وتلدين، ويكون نسلك مشهورًا في العالم بأسره”. فأجابت حنّة قائلة:

” ليحيَ الربّ إلهي، سواء كان صبيًّا أم بنتًا ما ألده، فسوف أقدّمه للربّ، وسوف يكرّس حياته للخدمة الإلهيّة “.

حبلت حنّة، وفي الشهر التاسع ولدت بنتًا، فسمّتها مريم وشكرت الله قائلة: “نفسي ابتهجت هذه الساعة.”

ليتورجية العيد

ايقونة دير سيدة صيدنايا

ايقونة دير سيدة صيدنايا

تعطي التراتيل والصلوات فكرة واضحة عن هذا العيد حيث تتكشف أهمية هذا العيد لمن يتأمل القراءات التي تقرأها الكنيسة بهذه المناسبة والتي تشير إلى تدبير الله الخلاصي أي بدء خلاص جنس البشري.

القراءة الأولى

تشير أو ترمز إلى دور البتول في سر الفداء، إذ تتحدث عن الليلة التي قضاها يعقوب في لوز ورؤية السلم المنتصب على الأرض، ورأسه مرتفع إلى السماء هذا السلم يشير إلى العذراء، سلم سري بين الأرض والسماء وبيت الله الحقيقي.( تكوين 28)

القراءة الثانية

تتحدث عن طريق باب المقدس المغلق: ” ورجع بي إلى الطريق باب المقدس الخارجي المتجه نحو الشرق وكان مغلقا فقال لي الرب: أن هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح ولا يدخل منه لان الرب … قد دخل منه فيكون مغلقا “( حزقيال 44: 1 –2 ) تشير هذه القراءة بحسب تفسير الكنيسة إلى بتولية مريم الدائمة وأمومتها المعجزة البيان.

القراءة الثالثة

تتحدث عن:” الحكمة بنت بيتها ونحتت أعمدتها السبعة وذبحت ذبائحها ومزجت خمرها وهيأت مائدتها وارسلت جواريها تنادي على متون مشارف المدينة ” ( امثال 9 –1 ) يشير هذا النص إلى العذراء مريم بحسب تفسير الكنيسة، البيت الذي بناه الله الحكمة الفائقة ورسولة العلي المرسلة إلى البشر لتدعوهم إلى مائدة الرب.

تشير التراتيل إلى أن ميلاد مريم هو مصدر فرح وتهليل لكل الخليقة. مريم ولدت من يواكيم وحنة، بنعمة الله، لكنها تخص العالم كله، لأنها هي التي ولدت المسيح الاله مخلص العالم. مريم هي غاية تاريخ الخلاص وتمامه ومآل تاريخ الحب والطاعة واكتمال تاريخ الاستجابة والرجاء. لهذا السبب نجد الخدمة الليتورجية في هذا اليوم مشبعة بالتهليل والفرح والحبور.

” هذا هو يوم الرب فتهللوا يا شعوب…”.” اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم…”. ” اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب…”.”… لتتزين الأرضيات بأفخر زينة، ولترقصن الملوك طربا، لتسرن الكهنة بالبركات، وليعيدن العالم بأسره، فها إن الملكة عروس الآب البريئة من العيب قد نبتت من جذر يسى، فلن تلد النساء أولادهن، بعد، بالأحزان، فان الفرح قد أزهر، وحياة الناس عادت تسري في العالم…”
لاهوتية العيد

مقام الشاغورة

مقام الشاغورة

اذا كانت عطية الله، مريم، تخص الخليقة بأسرها، فان يواكيم وحنة هما صورة هذه الخليقة التي ما لبثت مقيمة في العقر منذ ان سقط آدم وحواء في المعصية. في المزمور 13 هذه الأقوال التي تعبر عن حال البشرية قبل ورود المسيح:”… ليس من يعمل صلاحا، حتى ولا واحد. أطل الرب من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب لله. ضلوا كلهم جميعا وتدنسوا. ليس من يعمل صلاحا. كلا ولا واحد.” (مزمور1:13 – 3).

طبعا، كان هناك صديقون أرضوا الله من قريب أو بعيد ولكن وحده الرب يسوع المسيح كان على قلب الآب السماوي، وأرضى الله إرضاء كاملاً غير منقوص. لهذا السبب كان الرب يسوع الوحيد الذي قال عنه الآب السماوي:

” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا.”(متى 5:17) العالم اذاً كان عاقرا عقيما كيواكيم وحنة. لذلك تقول إحدى ترانيم صلاة السحر:” يا للعجب الباهر، فان الثمرة التي برزت من العاقر بإشارة خالق الكل وضابطهم قد أزالت عقم العالم من الصالحات بشدة بأس….” وكما أن يواكيم وحنة هما صورة العالم العقيم، كذلك مريم صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة. كلاهما نعمة من عند الله فنحن نتحدث بصورة تلقائية عن انحلال عقر يواكيم وحنة وانحلال عقر طبيعتنا باعتبارهما شأنا واحدا كما نتحدث عن ولادة مريم.” التي بها تألهنا ومن الموت نجونا.”

وكأن الامرين واحد، إن ولادة مريم هو مصدر فرح وسرور للجنس البشري، لأنها هي التي ولدت المسيح الإله مخلص العالم. فسرورنا بولادة مريم هو سرور وفرح بالرب يسوع وتهليل له. لا  لا قيمة لمريم في ذاتها فقط كما أن البشرية كلها لا قيمة لها في ذاتها فقط. المسيح هو الذي جعل مريم أم الحياة، أم النور، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة. هذا الأمر كثيرا ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنها قائمة في ذاتها مجردة عن دور الله في حياتها. الكنيسة تسمي مريم والدة الإله في كل التراتيل والأناشيد الكنسّية، لا تذكر مريم إلا مقرونة بابنها يسوع المسيح المخلص.

كل الخليقة تحيا إذا ما أضحت مسكنا للمسيح على غرار سكنى الرب يسوع في أحشاء مريم. كما أن كل الخليقة تزهو وتتمجد إذا ما كانت أيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح. احتفال الكنيسة بحياة مريم والدة الإله هو احتفال بسيّدة وهبت حياتها كاملةً لربّها ومخلّصها يسوع المسيح. هو احتفال بتكريس مريم ذاتَها لعبادة الله والخضوع لمشيئته في كلّ أمر قامت به.

عيد الحج

دير سيدة صيدنايا مطلع القرن ال20

دير سيدة صيدنايا مطلع القرن ال20

هي تسمية لفعل الحج الى صيدنايا بهذه المناسبة وتعود الى تاريخية وضع هذا العيد كون دير سيدة صيدنايا ومنذ بنائه بأمر السيدة والدة الاله الى الأمبراطور يوستنيانوس الأول حسن العبادة السنة 518 مسيحية بتلك الأعجوبة التي تحولت فيها تلك الظبية الجميلة التي انهكت يوستنيانوس بمطاردته لها من نبع بستان الدير الى بطن الجبل ليصطادها، الى العذراء الطاهرة فسجد لها يوستنيانوس وامرته ببناء دير لها على اسمها بهندسته الحالية التي وضعتها له العذراء والدة الاله بيدها المقدسة وجعله على اسمها، وخصصه للراهبات يقال ان شقيقته كانت اول رئيسة لرهبنته. ووقف لها بستان الدير الحالي وغيره لتأمين ريعية، وكان فيه فيما بعد رهبنة رجالية في طرف خارجي من الدير، وقد انضم الى هذه الرهبنة آخر من بقي حياً من رهبان دير الشيروبيم الرهباني في اعلى القمة بعد صيرورته طاعناً في السن وبحاجة الى من يقوم به وكان ذلك منتصف القرن 18، حيث آل هذا الدير للخراب واستجر سكان القرى القريبة احجاره الضخمة وبنوا فيها مساكنهم…

وقد جعل يوستنيانوس مكان وقوف العذراء غرفة الشاغورة او المشهورة، ثم في وقت لاحق اودعت في طاقتها الشريفة ايقونة من اساس الايقونات الثلاث المتماثلة التي رسمها القديس الانجيلي لوقا كاتب الايقونات بالهام الهي، والتي عرضها على والدة الاله والطفل يسوع على يمينها، ليأخذ قرارها فأقرته عليها، فقدمها لها، ورسم ايقونتين مماثلتين احداهما في احد اديرة جبل آثوس المقدس.

منذ تاريخه ومواكب الحج كانت تفد من كل الاتجاهات من كل الديار الشامية الى دير السيدة في عيد الدير الواقع في 8 ايلول.

غبطة ابينا البطريرك يوحنا يقيم عيد ميلاد السيدة في كنيسة الدير

غبطة ابينا البطريرك يوحنا يقيم عيد ميلاد السيدة في كنيسة الدير

وفي عهد حروب الفرنجة الممتدة خلال القرون 11و12 و13 مسيحية كان الحجاج الفرنج يحجون الى دير سيدة صيدنايا بإذن خاص من سلاطين المسلمين وخاصة زمن صلاح الدين الأيوبي الذي كان يوقر الدير توقيراً خاصاً اذ ان شقيقه شفي فيه باعجوبة من صاحبة الدير لذا وقف وشقيقته خاتون مقداراً وافراً من زيت الزيتون (مائة الف كيلة) في كل عام… حيث انه بعدما فتح القدس وحاصر من بقي من الممالك اللاتينية في الديار الشامية تمهيداً لانهاء الاحتلال الفرنجي، ومع ذلك كان يمنح الفرنجة، ومنهم مقاتلين، اذناً خاصاً للحج الى دير سيدة صيدنايا اذ كان لايستقيم ولا يكتمل حجهم الى دار المقدس بدون الحج الى صيدنايا.

وكانت تقام احتفالات كبيرة تترافق مه هذه الفعالية الروحية، وكانت والى بدايات القرن العشرين تقوم مواكب الحج من كل الديار الشامية وخاصة من جبل لبنان وبيروت وبقية ارجاء لبنان حالياً وشرق الاردن وفلسطين وآسيا الصغرى وقبرص وتستمر ماقبل العيد وبعده مدداً طويلة تصل الى ثلاثة اشهر وكانت وخاصة بعد الحملة المصرية على بلاد الشام ( 1831-1840)التي زرعت الأمان واتاحت للمسيحيين اظهار ايمانهم واحتفالاتهم به وخاصة في الحج وتحديداً الى دير سيدة صيدنايا، كانت تترافق مع عراضات لقوافل الحج على طول الطرق…

ولا ننسى الى ماقبل سنوات كانت الاحتفالات الشعبية تبلغ ذروتها بعد صلاة غروب العيد وزياح ايقونة العذراء المحفوظة في طاقة الشاغورة في ارجاء وسطوح الدير مع صلوات الغروب…ويشارك عادة في هذه الاحتفالات الصاخبة المسلمون وينتظرونها سنويا ويكون الدير غاصاً بالنزلاء الذين يفترشون حارات وغرف وسطوح وتلة الدير مع اطلاق العيارات الدينية…

وفي يوم العيد تستكمل الاحتفالات الروحية بالقداس الالهي…

الخاتمة

نهتف منشدين لوالدة الاله: “اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم…”. “اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب…”.”… لتتزين الأرضيات بأفخر زينة، ولترقصن الملوك طربا، لتسرن الكهنة بالبركات، وليعيدن العالم بأسره، فها إن الملكة عروس الآب البريئة من العيب قد نبتت من جذر يسى، فلن تلد النساء أولادهن بعد بالأحزان، فان الفرح قد أزهر، وحياة الناس عادت تسري في العالم…”.

نبذة في مدارس الآسية الأرثوذكسية المختلطة

$
0
0

نبذة في مدارس الآسية الأرثوذكسية المختلطة

كلمة غبطة ابينا (مثلث الرحمات ) البطريرك اغناطيوس الرابع في مقدمة كتابنا ” الآسية مسيرة قرن ونصف 1840- 1990″ الذي أصدرناه السنة 1991 بمناسبة احتفالات البطريركية الأنطاكية بمرور 150 سنة على اعادة تأسيس الآسية.

” بسم الإله الواحد: الآب والإبن والروح القدس.

لدى تجسد ابن الله الوحيد في مغارة بيت لحم في شرقنا المبارك، نور سطع وملأ السماء والأرض. فمنذ الولادة تجلى المسيح ” نوراً من نور، الها حقاً من اله حق”. ومنذ بدء بشارته على الأرض ارسى حب النور والحق واندمج به” ” الطريق والحق والحياه”. وقضى الرب سحابة بقائه بالجسد على الأرض منيراً ومعلماً الشعب الى أن اضحى ” المعلم” عند الناس وصار لهم الرب والمعلم معاً. ثم أطلق وصيته المأثورة قائلاً: ” من عمل وعلم دعي عظيماً في الملكوت السماوي.”

هذا يوضح لنا كيف أن كنيسة المسيح في هذه البقاع اتخذت على عاتقها أن تعَّلمْ، وكيف أنها منذ استتبابها أنشأت المدارس التي لم تكن أقلها مدرسة أنطاكية ومدرسة قيصرية فلسطين ومدرسة الاسكندرية. ذلك لأن المسيحي المؤمن يتلقف إيمانه نوراً ينير العقل ويملأ القلب ويطهر الكيان بكامله.

غلاف كتاب الاحتفال بمرور 150 سنة على اعادة تأسيس الآسية

غلاف كتاب الاحتفال بمرور 150 سنة على اعادة تأسيس الآسية

أقول هذه الكلمات لأشكر الله الذي من علينا أن نعيد اليوم لمرور قرن ونصف القرن على انشاء المدارس الآسية الأرثوذكسية. ويجدر بنا ألا ننسى بأن امها الأرثوذكسية قد ولدت لها منذ ذلك الحين أخواتٍ خالدات في بيروت وحمص واللاذقية. وفيما كانت بقاعنا تعصف بالعنف والأمية كانت اسرة المدارس الأرثوذكسية تتحدى التيار المعادي وتتابع التاريخ الطويل، تاريخ القراءة والكتابة والحساب قرب جدران الكنائس. وكان فيها:” في البدء كان الكلمة…” والكلمة في الأصل خير التعابير عن “الكلمة” المتجسد.

إن المدارس الآسية اليوم مفخرة كنسية وبالتالي وطنية. هاجسها الأعظم تأدية أفضل الخدمات لمن يؤمها من اولاد هذا البلد الخالد، والواقع شاهد على النيات. إن أحداً لا ينشد منها أجراً. فأجر الخادم أن يؤدي خدمته على اتم وجه: وفي الآسية الجو جو خدمة وجو عطاء.

لقد تعرضت الآسية خلال تاريخها الماضي وواقعها الحاضر الى معاكسات جسيمة ولكنها لم تلتوِ ولم تتردد، واليوم أقول: إنها حقاً لن تلتوي ولن تتردد طالما الأمانة الغالية موكولة لها أعني أمانة خدمة أجيالنا الصاعدة التي تحتاج الى المحبة فوق كل اعتبار.

ايها العاملون في الآسية، اراكم الله ثمرات أتعابكم نوراً في شبيبتنا وفي وطننا بصورة عامة.

ويا ابناءنا. بارك الله بكم وهيأ لكم مستقبلاً ناجعاً خلاقاً. فأنتم مرسى لمحبتنا وأدعيتنا.

اما الادارة فالرب معها عاضداً وسانداً.

دمشق 8/8/1991


+ البطريرك أغناطيوس الرابع

وقد جاء في مقدمتنا في الكتاب المذكور

المقدمة

مذ خلق الله الانسان على صورته ومثاله، واعطاه سلطاناً على كل المخلوقات، وجَّمَّلَّهُ بوجود العقل الذي لم يعطه للكائنات الأخرى والعقل يعمل، وبواسطته وُجدت الابجدية وكانت اولاً في منطقتنا السورية وبفضل عقل انساننا السوري، وهاكم اوغاريت.

والأبجدية تعني التاريخ وهي أداة التأريخ…

والتأريخ يعني نقل المعارف من السلف المخترع الى الخلف المطور، ولابد للتطوير من وجود التعليم، والتعليم لم يك كما في آننا الحاضر لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، فكان يمارس في المعابد كما في مصر الفرعونية، وفي المكتبات كما في ماري وايبلا، وأثمر تشريعاً أولياً للانسانية كان بفضل حمورابي.

وكانت مدرستا انطاكية الفلسفيتان فيما بعد ومدرسة بيروت الحقوقية ومكتبة الاسكندرية العظمى.

كلها ارتبطت بالتعليم الذي يعني تطويراً للمعارف ونقلها للأجيال.

كان التدوين قبلاً على الرُقم الطينية كما في بلاد الرافدين والشام، وعلى الأحجار المنقوشة واوراق البردي كما في مصر… وعلى جريد النخل، وعظام الجمال ورقوق الغزلان كما في المعلقات.

كلها كانت مدارس وكانت مرآة حقيقية تعكس واقع ذلك الزمان…

وتطورت المدارس وتعددت وتنوعت اختصاصاتها وكلها شهدت لإنساننا بفضل ذكائه…

ونحن في هذا الكتيب نستعرض مجرى ساقية من سواقي التعليم في الوطن، ونلقي الضوء على مدرسة يحق لها أن تُدعى معهداً لما لها من كبير الأثر في التعليم في سورية عموماً وفي دمشق خصوصاً.

ولولا بعض الظروف الاستثنائية لكانت في عداد الجامعات العليا كالجامعة الأميركية، في بيروت لتماثل المواد التي تدرس فيهما كما سنرى.

وأقول ان كتيبنا هذا، وان لم يعط هذا المعهد حقه في توضيح دوره في مسيرة التعليم في سورية لقلة الوثائق لكنه سيبقى أثراً لا بأس فيه، وستبقى بعض اسماء الأعلام من المؤسسين والمتابعين منائر مضيئة في جَلَدِ التعليم في دمشق.

صورة جماعية تعود الى 1991 جمعت مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع ونائب الصاحب وقتها والكادر التدريسي والاداري على درج المدرسة ويدل السهم علينا بصفتنا مدرس للعلوم الفلسفية والا جتماعية والمسيحية

صورة جماعية تعود الى 1991 جمعت مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع ونائب الصاحب وقتها والكادر التدريسي والاداري على درج المدرسة ويدل السهم علينا بصفتنا مدرس للعلوم الفلسفية والا جتماعية والمسيحية

وستبقى بعض اسماء لطلاب كانوا قد أصبحوا كباراً لمجتمعهم ووطنهم.

وسيبقى هذا المعهد أولاً وأخيراً وطنياً وقومياً تأسيساً واستمراراً… أعطى الخالق حقه والأمة والوطن حقهما…

ويحق لنا ان نفخر به معهداً للنفوس يتولى زمامه البطريرك العالم العامل بدون كلل، غبطة السيد اغناطيوس الرابع ويسهر عليه سهراً دؤوباً…

توطئة البحث

تتبع هذه المدارس إلى بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وهي إحدى المؤسسات التربوية الوطنية التي أنشأتها البطريركية، والمطرانيات، والرعايا على مساحة الكرسي الأنطاكي المقدس، الذي يمتد في المشرق وبلاد الشام، ومن ثم الانتشار العالمي نتيجة مذبحة 1860 المدمرة للوجود المسيحي في دمشق.

كان التعليم عند المسيحيين يتم في أبنية الكنائس منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام السنة 634 مسيحية، اذ لايجوز فتح مدارس بالمفهوم المدرسي، لذا ليس من تعليم لأبناء الرعايا خارج دور الكنائس، وكان الكهنة وهم القلة المتعلمة هي من تقوم بالتعليم في الكنائس والأديرة، إلى إن وفد الاحتلال العثماني بكل ثقله البغيض والمتعصب وخاصة في عصر الانحطاط، فأوقع العقاب الشديد على كل معلم يعلم في كتّاب خاص!!!

ويشهد التاريخ على كم كبير من الشهداء من المعلمين المسيحين الارثوذكسيين في العهد العثماني كانوا قد افتتحوا خفية كتاتيب لتعليم الأولاد، ثم افتضح أمرها نتيجة النظام الجاسوسي، فعوقب المعلمون بالإعدام إما شنقاً أو بالخازوق.

لذلك فإن مدرستنا متجذرة في ارتباطها وبنوتها للصرح البطريركي الأنطاكي منذ انتقال مقر الكرسي الانطاكي المقدس من مدينة انطاكية (المدمرة بيد الظاهر بيبرس عام 1268 مسيحية) إلى دمشق عام 1344 مسيحية ونشأت في أروقته وتولى التدريس فيها الاكليروس المتعلم (النادر).

ماذا تعني تسمية (الآسية)؟

وماهي أسماء المدرسة عبر تاريخها؟

الآسية (بدون تشديد) ج أواسي وهو العمود، يقال (ملك ثابت الأواسي) أي الأساطين كما وأن الآس عند العرب هو الريحان برائحته الزكية.

شُدِّدَّ اليوم اسم الآسية بالاستعمال وهويعني(البنيان العلمي الثابت)، وقد قصد المعنيون بالتسمية بجمعهم بين مفهوم الآسية كبنيان علمي ثابت وطيد الاركان، والآس ذي الرائحة الزكية (البنيان الوطيد الأركان المخرج للأجيال المتسلحة بالعلم الوفير).

في الأسماء المتعاقبة لمدارس الآسية

واجهواجهة الكاتدرائية المريمية بدمشق واسمها كنيسة مريم في حرمها كانت المدواجهة الكاتدرائية المريمية بدمشق واسمها كنيسة مريم في حرمها كانت المدرسة البطريركية

واجهة الكاتدرائية المريمية بدمشق واسمها كنيسة مريم في حرمها كانت المدرسة البطريركية

  1. المدرسة البطريركية في القرون 17 – 18 – 19مسيحية
  2. المدرسة الطائفية الارثوذكسية الكبرى أيام الخوري يوسف 1836…1840مسيحية
  3. المدرسة الأرثوذكسية الكبرى أواخرالقرن 19 والثلث الأول للقرن 20 وكذلك المدرسة الوطنية الأرثوذكسية وقتئذ.
  4. المدرسة التجهيزية الأرثوذكسية (الآسية) من ثلاثينات القرن 20 وحتى ستيناته
  5. المدارس الآسية الخاصة المختلطة حالياً

أما السبب في هذه التسميات فكان للتمييز مع بقية مدارس البطريركية الأرثوذكسية الأخرى في كل من دمشق والميدان، فكانت مدارس البطريركية الأرثوذكسية بدمشق وحدها عدا الميدان هي:

  1. القديس نيقولاوس البطريركية المؤسسة عام 1876
  2. مدرسة البنات المؤسسة عام 1895 ورعتها مؤقتاً الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية التعليمية (من أواخر العقد التاسع في القرن 19 وحتى قيام الشيوعية في روسيا 1917) وبناء المدرسة اليوم خرب وكانت قد استأجرته مديرية تربية دمشق عام 1966 وجعلته مدرسة رسمية للإناث باسم ثانوية الياس قدسي وملحق بها مدرسة للصغار. واليوم عادت المدرسة المستأجرة إلى حوزة البطريركية بعد انتهاء عقد الإيجار، ويتم إعادة الترميم بحلته القديمة كبيت شامي جميل، وبالمناسبة فإن الياس قدسي كان شخصية علمية واجتماعية دمشقية من جهة، وارثوذكسية من جهة اخرى، وكان وكيلاً من وكلاء المدارس الآسية في الثلث الأخير من القرن 19 مسيحية.
    الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن

    الصرح البطريركي في دمشق وهو دار اسقفية دمشق منذ السنة 705 الى 1344 ليصبح مقراً لبطريرك انطاكية واسقف دمشق وحتى الآن


  3. مدرسة القديس يوحنا الدمشقي المحدثة عام 1885 وكانت في محيط دار البطريركية الحالي، وقد اسستها جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية الثقافية، وكانت قد اسست مكتبة عامرة وكانت موجودة في موقع مميز في مدارس الآسية، ومدرستها مستمرة الآن في القصاع في منطقة بستان الصليب بحرم كنيسة الصليب المقدس وتأسست في مكانها الحالي 1932 وكانت قد وجدت في منطقة القصاع الناشئة منذ 1905 بتشجيع من البطريرك ملاتيوس الدوماني، وهي كما احدثت وقتئذ ابتدائية ولا تزال وكانت للذكور وهي مختلطة الأن.
  4. مدرسة ميتم جمعية اليتامى للبنات اليتيمات وتأسست عام 1910، وهي الأن ميتم القديس بندلايمون للبنات اليتيمات، وقد خرجت عن دورها كمدرسة واقتصر دورها على كونها ميتماً للبنات ولا تزال في مكانها الأساس خلف الكاتدرائية المريمية وفي موقع مستشفى القديس العظيم بندلايمون او كما يحلو لنا ان اسميه ” مستشفى الروم الدمشقي”

تأسيس المدرسة

كما أسلفنا فإن وجود هذا المعهد العلمي الأصيل مرتبطٌ بالكنيسة عموماً والصرح البطريركي خصوصاً، وعلى هذا فإن هذه المدرسة وطنية التأسيس نشأت بيد الرعية الأرثوذكسية الدمشقية والرئاسة الروحية، وهي ليست نتاج بعثة تبشيرية واردة من الغرب، تمويلها كما نشأتها واستمرارها، وطني من هذه الرعية الفقيرة، ولاتزال وطنية التجذر يشهد لها تاريخها وعراقتها وبرامجها التربوية، لعبت دوراً في التربية والتعليم في سورية عموماً ودمشق خصوصاً والتعليم الخاص بالأخص. ومن ثم وعبر تاريخها الحديث تخرج منها كبار رجالات الاستقلال ورجال الحضارة السورية من جميع ألوان الطيف السوري واديانه في العصر الحديث والمعاصر، وإن كانت صرحاً تعليميا منتمياً اساساً إلى البطريركية الأرثوذكسية.

مشهد عام لدمشق القديمة في القرون الماضية

مشهد عام لدمشق القديمة في القرون الماضية

ظهرت إلى العلن كمدرسة، وكما أسلفنا في الصرح البطريركي، بيد البطريرك افتيموس كرمة عام 1635م، وكان لخليفته البطريرك الشهير مكاريوس ابن الزعيم وابنه الارشيدياكون بولس (اصله من كفربهم ورسم كاهنا في حلب وكان متزوجاً ورزقه الله بابنه بولس ولكنه فجع بوفاة زوجته فربى ولده، وبعد عشرين سنة ونظراً لصفاته الروحية والعلمية والرعوية، وبعد وفاة مطران حلب، اجمعت عليه رعية حلب مطراناً على حلب، فوافق المجمع الانطاكي، وتمت رسامته مطرانا لحلب، ورسمَ ابنه شماساً بعد زواجه ثم رئيس شمامسة اي ارشيدياكوناً)، كان للبطريرك مكاريوس وابنه بولس قصب السبق في تطويرها في عهده البطريركي الممتد من 1647 إلى حين وفاته 1672. ثم في عهد حفيده خليفته كيرلس بن بولس ابن الزعيم وقد تولى السدة الانطاكية منذ 1672 وحتى وفاته عام 1720مسيحية.

ويشهد التاريخ للمعلم داود القسطنطيني 1767 بالدور المتميز في تطويرها كمدارس القسطنطينية الأرثوذكسية حينئذ.

في هذه الظروف القاسية (عصر الانحطاط العثماني) تقهقرت المدرسة لتصبح مجرد كتّاب بسيط استمر ذلك منذ بداية القرن 19 إلى عام 1822 عندما أعاد بعثها البطريرك متوديوس حال توليه السدة البطريركية.

الخوري يوسف مهنا الحداد

وكان في دمشق ثمة شاب دمشقي المولد حوراني الأصل من ازرع، طموح ثقف نفسه ذاتياً بعد تلقيه بداية العلم في هذه المدرسة هو يوسف مهنا الحداد الذي بادر(بالرغم من كل الأخطار التي تهدد كل من يفتح مدرسة كما اسلفنا) منذ الربع الأول من القرن 19 إلى فتح كتّاب في غرفة خفية في بيت أهله بعيداً عن أعين السلطات العثمانية وجواسيسها، كان يمر بها السياق (المجرور). هذا الشاب أجمعت عليه الرعية كاهناً لحبه الشديد للعلم ونزولاً عند رغبة أهله تزوج ثم رُسم كاهناً (يجوز الكهنوت بعد الزواج ، ويحظرزواج الكاهن). وبعد رسامته كاهناً أقفل كتّابه ونقل تلامذته إلى مدرسة البطريركية الني أحدثت عام 1822 وهي التي تعلم فيها ألف باء العلم وكان ذلك عام 1836 مسيحية.

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم

وكانت هذه المدرسة لا تزال في الصرح البطريركي وهي عبارة عن قاعة كبيرة من قاعات الصرح البطريركي، ففصلها إلى نصفين بساتر قماشي فصارت صفين، وكان هو ورفيقه اليوناني يني بابادوبولس الوافد من آسية الصغرى(الهارب من مظالم وبطش العثمانيين بحق بني جنسه والروم السوريين واليونانيين) يعلمان فيها كلٌ في صفه، فاختص هو بتدريس العربية وآدابها والرياضيات والعلوم الروجية، ومبادئ اليونانية، بالإضافة إلى الخط، بينما اختص يني بتدريس اليونانية بآدابها والعثمانية، وكان يتعلم العربية من الخوري يوسف في الوقت ذاته.

وانفردت الآسية بتدريس اللغة العربية اضافة الى اللغات التركية واليونانية والفرنسية والانكليزية… بينما المدارس الرسمية لم تقم بتدريس العربية البتة بل العثمانية، ومدارس الرهبنات (لاحقاً ) كانت موادها تُدَّرس بالفرنسية، وكانت العربية مجرد مادة…

لجأ الخوري يوسف بعد ذلك في عام 1840 إلى تطوير مدرسته، فكان أول تدبير له أن أخرجها من مفهوم كتاتيب عصره، فبادر إلى توسيعها وناظرها وعين لها وكلاء أمناء على نهجه لتحقيق هدفه في رقي هذه المدرسة البطريركية كما لو انها مدرسته الشخصية.

تم ذلك بعد أن تم نقل المدرسة من داخل الصرح البطريركي إلى بيت وقفي كبير (هو الحالي) بعد صدور موافقة من إبراهيم باشا المصري قائد الحملة المصرية على بلاد الشام (الذي أباح فتح المدارس الحديثة، أباح ترميم الكنائس وبنائها (كان محظوراً ويشهد تاريخ المريمية شنق ثلاثة من وكلاء الكنيسة ليلة سبت النور لقيامهم بترميم المريمية سرا بعد تصدع شديد فيها فكان نصيبهم الشنق وهي معايدة من والي دمشق للمسيحيين في عيد الفصح!!!) وفي فترة الحملة التي استمرت من 1831-1840 حصل تغيير جذري في وضع المسيحيين كما يشهد التاريخ وأدبيات هذه الحملة.

أبدل الخوري يوسف السبتية (أجرة تدريس التلميذ التي كان والد التلميذ يدفعها اسبوعياً كأجرة للمعلم  آخر الأسبوع أي يوم السبت، وتقابل الخميسية في كتاتيب المسلمين) برواتب محدودة تبلغ مائة قرش تدفع من إدارة المدرسة للمعلم.

وقد حققت مدرسة دمشق نجاحاً باهراً وطار صيتها الى اورشليم فبادر البطريرك الأورشليمي اليوناني المصلح كيرلس الى الاتصال بالخوري يوسف راجياً ان ينتقل الى اورشليم لينظم له مدرسة المصلبة العلمية والاكليريكية البطريركية في القدس اضافة الى تحفيزه ليكون واعظاً للكرسي الاورشليمي مقابل اغراءات مادية كبيرة. لكن الخوري يوسف اعتذر منه بقوله:” لقد زرعت في كرمة المسيح الحقيقية في دمشق” وارسل بدلاً عنه زميله الخوري اسبريدون صروف الدمشقي.

وكان مساعده في كل القضايا المرتبطة بمدرسة وطنه دمشق كما كان يسميها مفتخراً تلميذه ورفيق دربه الخواجا ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي نزيل القسطنطينية وهو الثري الأعزب وابن الكنيسة الذي كانت اكفه بيضاء نحو معلمه وكهنة دمشق والبطريركية ومدارسها واولها الآسية…

مشروع جامعة الآسية

الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي 1860

الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي 1860

في العام الدراسي 1851-1852 وفي عهد البطريرك ايروثيوس وببركته افتتح الخوري يوسف فرعاً لاهوتياً عالياً جعله أكاديمياً قاصداً من ذلك انشاء كلية لاهوتية تضاهي كليات العالم الأرثوذكسي في خالكي (القسطنطينية) وأثينا بطرسبرغ وموسكو… وألحق بهذا الفرع اللاهوتي 12 تلميذاً متفوقاً تخرجوا منه وصار من كبار احبار الكرسي الأنطاكي المقدس أولهم البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي وغفرائيل شاتيلا متروبوليت بيروت ولبنان…

كما افتتح مدرسة عليا للموسيقى الكنسية (البيزنطية) تماثل المعاهد الموسيقية العالمية وقتئذ وهي مكملة للأكاديمية اللاهوتية…

وبهذا انشأ كليتين جامعيتين، وبدأ يعد العدة بمساعدة تلميذه ديمتري لفتح جامعة على غرار تلك الجامعات الأوربية المعاصرة بتزويدها بالمطبعة الحجرية لطباعة الكتب العلمية والأدبية واللاهوتية التي كان يقوم وبعض التلاميذ بتعريبها ولكن العائق المادي لبطريركية ورعية فقيرتين حالا دون إتمام ذلك وخاصة ثمن المطبعة المرتفع جداً بعد متابعة ودعم كبير من ديمتري فأرجأه مؤقتاً. ولكنه وضع مواداً لست كليات جامعية كانت تُدَّرَّسْ في الصفوف العالية (تماثل الصفين الثاني والثالث الثانوي في وقتنا) منها الفلسفة والمنطق والطب والتشريح وأداب اللغات (العربية واليونانية والعثمانية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية) والحقوق والفقه…فكان الطالب المتخرج منها في ختام المرحلة الثانوية وكأنه قد تخرج من عدة كليات جامعية وحاز شهاداتها…

السيد ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي تلميذ الخوري يوسف الحداد

السيد ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي تلميذ الخوري يوسف الحداد

بلغ عدد تلاميذ المدرسة (الذكور) حتى قبيل فتنة 1860( 360تلميذا ) في كل المراحل من ما يقابل الآن الحضانة إلى الشهادة الثانوية.

استشهد الخوري يوسف وكادر المدرسة التدريسي والإداري في مذبحة 1860 ودُمرت المدرسة كلها ولم ينج إلا وكيل واحد من وكلائها هو ميخائيل كليلة استطاع النجاة بالتلاميذ وصولاً إلى بيت المغفور له الأمير العظيم عبد القادر الجزائري في محلة العمارة الجوانية حيث تم نقلهم بحراسة جنوده إلى قلعة دمشق.

وباستشهاده توقف هذا المعهد العلمي والروحي العريق حوالي العقد من الزمان وانتهى مشروع جامعة الآسية التي لو تحققت لكانت أسبق من الجامعتين الأميركية واليسوعية في لبنان بعقدين تقريباً من الزمان.

لم تستطع الرعية الدمشقية ولا البطريركية إعادة افتتاح المدرسة (بعد استشهاد نصف ارثوذكس دمشق/الوثائق البطريركية/ وهروب الربع إلى خارج البلاد إلى بيروت والإسكندرية والسودان والاميركيتين وبقاء الربع المتبقي اللاجئ  مرتاعاً  مكسور الخاطر يعيش في دوره المحترقة) الى نهاية العقد السابع إلى حوالي 1870 حينما فتحت المدرسة تدريجياً  وفق الصفوف من الأصغر الى نهاية المرحلة الثانوية بهمة وكيلي المدرسة الياس بك قدسي وميخائيل بك كليلة، وكان مديرها وقتئذ السيد جبران لويس وقلة من الرواد الجدد والغيورين فساروا بالمدرسة  مجدداً إلى أن قيض الله ببدء عودة البطاركة الوطنيين على الكرسي الأنطاكي بجلوس البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي على السدة الانطاكية منذ 1898-1906 وبالرغم من شح الموارد ودمار الأوقاف التي كانت تدر بعض الريعية للمدرسة كخان النحاس في مئذنة الشحم. استطاع البطريرك القفز بالمدرسة مجدداً وفتح مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الابتدائية في القصاع 1905 كما فتح معهد اللاهوت في دير البلمند…

البطريرك غريغوريورس الرابع والملك فيصل بن الحسين

البطريرك غريغوريوس والملك فيصل والشهيد يوسف العظمة ترابط عضوي لمصلحة الدولة السورية لطرد الاحتلال التركي وضد الانتداب الفرنسي

البطريرك غريغوريوس والملك فيصل والشهيد يوسف العظمة ترابط عضوي لمصلحة الدولة السورية لطرد الاحتلال التركي وضد الانتداب الفرنسي

وتبعه مهتماً البطريرك غريغوريوس حداد 1906-1928 وبوتيرة مرتفعة ومتصاعدة فأعاد الآسية إلى الصف الأول تعليمياً بين مدارس دمشق الخاصة والعامة بإعتراف الأمير  فيصل بن الحسين شريف مكة الذي زارها عام 1918 وجرى له فيها استقبال حافل شاركت فيه فرقة كشافتها بموسيقاها مع فوج الكشاف الأرثوذكسي البطريركي وهو الأول في التأسيس في دمشق وقتها1912 بحضور البطريرك غريغوريوس ورئيس حكومته رضا باشا الركابي والموسيقار متري المر اول المرتلين في الكرسي الأنطاكي ومدرس الموسيقا في الآسية وشاعر وملحن أول نشيد للملكة السورية بعهد فيصل.

ثم زار الصرح البطريركي مجدداً بعد اعتلائه العرش السوري عام 1920 لشكر البطريرك غريغوريوس على مواقفه النبيلة تجاه الوطن عموماً والملك فيصل ووالده الملك حسين الهاشمي،وانتقل والبطريرك والحاشية الملكية والحاشية البطريركية لزيارة الآسية وجرى له استقبال مشهود من طلابها وكشافتها وادارتها وقدم للمدرسة منحة مالية جزيلة تساعدها في محنتها المالية بعد سفر برلك والحرب العالمية الأولى.

درّس في المدرسة كل من فارس الخوري الذي تولى ادارتها ردحاً من الزمن، والأديب المؤرخ عيسى إسكندر المعلوف الذي ادارها بعده ووضع لها قانوناً ونظاماً داخلياً ونظاماً تعليمياً كان هذا النظام الشامل الأسبق في مدارس دمشق عام 1911، وصدقه البطريرك غريغوريوس وتم العمل به تحت رعاية المجلس الملي البطريركي (شبيه بالبرلمان) ولجنة المدارس العلمية والوقفية والمالية المنبثقة عنه. وكانت تهتم بكل المدارس السالف ذكرها كانت لجنة المدارس ومنذ 1877 تصدر في ختام كل عام دراسي (بيان أعمال) تعليمي عن واقع المدرسة تربوياً وادارياً ومالياً… وفي عام 1957 تم اصدار نظام داخلي جديد عُمل به حيث تم تعديله ليتوافق مع روح العصر ووضع المدارس.

واستمرت المدرسة في تطورها حيث اهتم بها كل البطاركة اللاحقين (الكسندروس طحان1931- 1958، ثيوذوسيوس أبو رجبلي 1958-1969، الياس معوض1970-1979 (بطريرك العرب) وبطريرك العرب أغناطيوس هزيم1979-2012 والبطريرك الحالي يوحنا يازجي نُصب في 10 شباط 2013، حيث تم في عهد مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس احداث  فرع لها وهومدرسة آسية جرمانا وهو فرع متميزوصار عدد طلابه يفوق 1200 طالب بمختلف المراحل.

صورة لزيارة الملك فيصل وحاشيته الى الصرح البطريركي لشكر البطريرك غريغوريوس على وقوفه مع الملك حسين شريف مكة في طرد الأتراك

صورة لزيارة الملك فيصل وحاشيته الى الصرح البطريركي لشكر البطريرك غريغوريوس على وقوفه مع الملك حسين شريف مكة في طرد الأتراك

عيد المدرسة

تعيد المدرسة سنوياً منذ تأسيسها في 30 كانون الثاني بعيد الأقمار الثلاثة (القديسون باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم) شفعاء التعليم في الكنيسة الأرثوذكسية. في عام 1944 كان قد أقيم احتفال كبير للمدرسة بيوبيلها الأول.

ثم في عام 1991 أقيم احتفال مشهود بمناسبة مرور 150 سنة على إعادة تنظيمها برئاسة وحضور البطريرك اغناطيوس وأصدرنا كتاباً بعنوان “الآسية مسيرة قرن ونصف 1840 – 1990 ” وزع فيها على الحضور كان منهم من بقي حياً من الخريجين والمدرسين القدامى استمرت الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام وتضمنت حفلاً خطابيا كبيراً بحضور  عدد من الوزراء والخريجين القدامى منذ 1930- 1980 وتقدمهم وزير التربية وافتتحبه البطريرك اغناطيوس الرابع معرضاً لأعمال الطلاب ومعرض كتاب وكان مبتكراً حيث اقيم في الباحة الداخلية للمدرسة مخيماً كشفياً مع اعمال الريادة الكشفية من عملنا وفيه وضعت المعروضات اليدوية ومعرض الكتاب وفيه الكتب التاريخية التي كانت تدرس في المدرسة منذ الثلث الأخير من القرن 19 وحتى منتصف القرن 20 ومختبر المدرسة العلمي وهو الأول والمقدم هدية للمدرسة من الكنيسة الروسية الارثوذكسية عام 1965… وقد قلد غبطته وسام الكرسي الأنطاكي لعدد من السيدات والسادة التربويين والاداريين القدامى والحاليين لخدمتهم المدرسة ومنهم إدارة المدرسة الحالية وقتئذ…  

“مكتبة المدرسة الخصوصية

فرقة كشافة الآسية مع الاتها الموسيقية في مقر المدرسة قبل تحديثه

فرقة كشافة الآسية مع الاتها الموسيقية في مقر المدرسة قبل تحديثه

والمكتبة الأرثوذكسية الطائفية”

جاء في قانون المدرسة الصادر عام 1911 في الفصل الأخير المتعلق بالمكتبة مايلي:

…11- مكتبة المدرسة الخصوصية

1- للمدرسة مكتبة خصوصية تأسست سنة 1897 برأس مال لا يتجاوز 300 غرش اقتصد عليه من وارداتها ويجب ان يحافظ عليه ليبقى الى ماشاء الله إعانة للطلبة المعوزين من ابناء الملة.

2- يهتم المدير باستجلاب الكتب المدرسية الموافقة التي تُشترى بمعرفة الوكالة.

3- تباع الكتب المذكورة بمعرفة المدير بربح معتدل الى ابناء المدرسة الميسورين.

4- تُعطى منها كتب مجانية الى ابناء الملة المعوزين بمعرفة المدير بعد تصديق الوكالة.

5- ما يُقبض من اثمان الكتب ويؤدى عنه حساب مدقق ويدفع الى الوكالة في كل ثلاثة أشهر لتحفظه رأسمالاً لتجلب به كتباً أخرى في السنة الثالثة…”

تنويه

نرجح بأن مكتبة المدرسة كانت موجودة قبل التاريخ المنوه عنه بلا شك بسبب وجود كتب بمواضيع مختلفة تم اهداؤها الى التلاميذ المتفوقين تحمل تواريخاً تعود الى عام 1875-1876 وهي موجودة الآن في المكتبة البطريركية قدمت اهداء من اصحابها الى الصرح البطريركي مع كتبهم الأخرى…

كما ان وكيل المدارس المغفور له ميخائيل كليلة نوه في كتيب أعمال المدارس 1899-1903 عن عدم صحة التاريخ أعلاه.

…12- المكتبة الأرثوذكسية الطائفية

“… وقد تأسست سنة 1898 ولغبطة البطريرك مع القومسيون حق السيطرة والمناظرة على المكتبة والسؤال عما يحدث فيها…”

الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي

قرر المجمع الأنطاكي المقدس اعلان قداسة الخوري الشهيد يوسف مهنا الحداد ورفقته شهداء دمشق في المذبحة الطائفية 1860 وذلك في الدور المجمعي الموسع المنعقد عام 1993 في البلمند وقد ضم ممثلين عن مجالس الرعايا في كل الابرشيات بعدما كنا وبتكليف من مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وفي عام 1987 حال تسلمنا امانة المكتبة والوثائق البطريركية كتبنا سيرته وقد نبشناها من الوثائق البطريركية وكان قد سبقنا الى تسليط الضوء عليه عام 1911 العلامة اسكندر عيسى المعلوف في مجلة النعمة البطريركية، ثم وبالاستناد الى مخطوطنا كتب الارشمندريت توما رئيس دير الثالوث المقدس اعاد كتابة سيرته في كتابه ” سير القديسين – قديسون منسيون- ثم كتيب خاص باعلان قداسته مع الليتورجيا الخاصة به.

وكان لنا تحفظ عليه لجهة جعله كاهناً بيروتياً في حين هو كاهن دمشقي واصوله من ازرع بحوران.انظر سيرته في موقعنا هنا في قديسون ارثوذكسيون.

من مدراء المدرسة

– القديس يوسف الدمشقي (الخوري يوسف مهنا الحداد) 1836-1860

-الشماس ملاتيوس الدوماني1865 قبل مطرانيته على اللاذقية، البطريرك 1898-1906

-جبران لويس ناظر مدرسة الصبيان 1877

الشماس اثناسيوس عطا الله ناظر مدرسة الصبيان 1879 قبل مطرانيته على حمص

-الشماس سلبسترس 1880 وكان وكيلاً واطلقت الوكالة يده لنجاحه وكفاءته فأصبح بمثابة المدير عندما لم يكن مديراً في حينه.

– السيد ميخائيل نقولا كليلة منذ 1877

– الشماس اسكندر طحان 1885 ( البطريرك الكسندروس 1931-1958

– الارشمندريت بولس ابو عضل 1893-1894 (اول مطران على ابرشية جبيل والبترون – جبل لبنان 1902

– السيد فارس الخوري 1907

– السيدعيسى المعلوف من 1908-1912

– الشماس باسيليوس صيداوي آب1909 وترقى الى رتبة ارشمندريت عام 1911 وتولى الاشراف على المدارس الارثوذكسية في المقر البطريركي والقنيطرة والجنوب اللبناني1908

– الخوري أثناسيوس كليلة من اوائل حملة الدكتوراة في الكرسي الانطاكي( مطران حوران 1935)

– السيد ميشيل كزما 1929-1931 وكان مهندساً كيميائياً وساهم في احداث كلية العلوم بجامعة دمشق ويحمل الدكتوراة في الهندسة الكيميائية

– السيد جميل صليبا 1931( وهود. جميل صليبا مؤسس كلية الفلسفة بجامعة دمشق)

– السيد سليمان سعد 1936

– السيد جورج لاذقاني 1937 و1953

– السيد ندره اليازجي- 1941

– السيد خليل مالك 1946 و1952

-السيد بيترو بنوت 1954

-السيد رياض حداد

– الأب ايليا صليبا 1964(مطران حماة الحالي)

اعتباراً من 1967 اصبح مدير المدرسة منتدباً من وزارة التربية بموجب مرسوم الاشراف

– السيدة اديل حداد مديرة مدرسة البنات 1947

– الآنسة نور صعبية مديرة المدرسة الابتدائية للبنين 1947

– السيدة هيلانة حبيب مديرة مدرسة البنات

– السيدة ناديا مالك مديرة المدرسة الابتدائية للبنات 1965

من معلميها

نثبت كشفاً لبعض اسماء المعلمين والمعلمات حسب تسلسلهم التاريخي مع الاعتذار سلفاً عن اسقاط البعض لاعتمادنا غالباً على الذاكرات ومازودنا به البعض من كبار السن حينما كتبنا كتابنا السنة 1991

اللغة العربية

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم، الارشيدياكون بولس ابن الزعيم، االمعلم جرجس بن صروف،الخوري يوسف الحداد، الخوري اسبريدون صروف، الشماس جراسيموس مسرة، المعلم نقولا ابو طبيخ، المعلم ظاهر خير الله الشويري، ثم ابنه أمين ظاهر خير الله الشويري، الارشمندريت خريستوفورس جبارة، المعلم سليم مدري، المعلم منصور شامية للمبتدئين، المعلم عبده كركر للمبتدئين، الشماس روفائيل هواويني (القديس روفائيل هواويني مؤسس ابرشية نيويورك وسائر اميركا الشمالية (1893-1915)، المعلم فارس الخوري، المعلم عيسى المعلوف،المعلم متري قندلفت،
الشهيد جرجي حداد (1916)، الشماس ثيوذوسيوس ابو رجيلي(مطران صيدا ثم طرابلس، ثم البطريرك 1958- 1969)

المعلم توفيق شامية (محافظ الحسكة ووزير ثلاث مرات في عهد الانتداب)، المعلم خليل الله ويردي كاتب كتاب فلسفة الموسيقى الشرقية وكتاب زهر الربى والحائز وسام الاستحقاق السوري، أ. ميشيل فرح،الارشمندريت ملاتيوس الصويتي( مطران الارجنتين 1957- 1985)، أ. نسيم شباط، أ. سركيس قداح، أ. شحادة الخوري ( عضو مجمع اللغة العربية)،أ. خليل مالك، أ. عبده قبوات، أ. خيري النشواتي، الشماس ابيفانيوس زائد (مطران حمص فعكار لاحقاً) عضو مجمع اللغة العربية، الشماس الياس معوض ( البطريرك 1970- 1979) بطريرك العرب، المعلم ميشيل رموز، المعلم جورج سمارة، المعلم حسن علي تاج….

اللغة الانكليزية

منهم المعلمون جوزيف وهبة،فريد مجاعص، وروزين خوري…

اللغة الفرنسية

منهم: الخوري بطرس مسعد الماروني( المطران) النائب البطريركي الماروني على طرسوس، والمعلمون اندراوس نحاس، وبولين الماظ، والفرنسي ريشار و اليوناني جورج جوردان ، وجرجي السمان، وامين لويس، وجرجي متى والأمير الروسي الكسي بوغو ليوبسكي، والأمير نسيم شباط، ومنير شدرفيان، والفرنسي ناتان برسيادو، وريمون هبرا…

اللغة اليونانية

منهم: البطريرك ابن الزعيم، والمعلم يني بابادوبولس، الشماس ثاوفيلوس دصكالوس، والخوري اسبريدون صروف، الشماس روفائيل هواويني(القديس)، المتوحد استفانوس مقبعة (مطران حلب لاحقاً1903)…

اللغة التركية

منهم: المعلم جبران لويس ( محامي وعضو مجلس المبعوثان التركي)،الشماس روفائيل هواويني، والمعلم سمعان لويس…

الخط العربي

منهم: المعلم جبران لويس، والمعلم سليم مدري، المعلم حسين موسى، الخطاط حلمي افندي، الخطاط فارس ضو، المحامي نجيب هواويني وه الخطاط الأول للملك فاروق ملك مصر، الرسام ميلاد الشايب، المعلم ميشيل رموز…

الحقوق

منهم المحامون والحقوقيون: جبران لويس، سمعان لويس، الخوري فيليمون بشارة، الارشمندريت بولس ابو عضل، نجيب هواويني، فارس الخوري، فائز الخوري، توفيق شامية، الارشمندريت العالم حنانيا كساب صاحب مجموعة الشرع الكنسي….

المحاسبة والدوبيا والعلوم التجارية

منهم : متري شاتيلا، وفارس الخوري، جورج سمارة…

العلوم الطبيعية

منهم: جريس بللوز، جوزيف عاقل، جورج عزام، ميشيل زماط، عبده قبوات…

العلوم الفيزيائية والكيميائية

منهم: ميشيل كزما، الصيدلي الياس ايوب، بيترو بنوت، انطون مارين، وحيد الصواف…

العلوم الرياضية والهندسية

منهم: الخوري يوسف الحداد، متري شاتيلا، فارس الخوري، كمال مشاقة، انيس شباط، الفرنسي رينيه موران، وديع خوري…

العلوم الاجتماعية

منهم: جورج جوردان، فيصل شيخ الأرض، الشماس الكسي كرشة، عبده قبوات، جبران قندلفت، داوود صليبا، قسطنطين قدسي، جورج عويشق، بسام كردعلي، جورج حداد، ابراهيم عرموني…

الفلسفة وعلم النفس

منهم: الخوري يوسف الحداد، الخوري فيليمون بشارة، عادل العوا، حكمت هاشم، جميل صليبا، انطون مقدسي…

التربية المسيحية

منهم: البطريرك ابن الزعيم الارشيدياكون بولس، الشماس ثاوفيلوس، الخوري اسبريدون صروف، الخوري يوسف الحداد، المعلم يني ببادوبولس، الارشمندريت خريستوفورس جبارة…

الرسم

منهم :المعلمون فارس الخوري وكمال مشاقة، والفنان ميلاد الشايب…

الموسيقا الرومية

الخوري يوسف الحداد، والارشيدياكون اثناسيوس عطا الله، الارشمندريت بولس ابو عضل، حنانيا كساب، المعلم البروتو بسالتي ( اول المرتلين في الكرسي الأنطاكي ايليا سيمو نيذس( الشهير بالرومي)…

خاتمة

ماوردناه عبارة عن نبذة بسيطة عن صرح تعليمي وطني كنسي ارثوذكسي انطاكي دمشقي متميزنشأ بايد وطنية وسيستمر باذن الله ومن نجاح الى نجاح…

اذكر انني كنت في عمان بالاردن عام 2006 مشاركاً في مؤتمر اعدت له الجامعات الثلاث، دمشق، عمان، والاردن…بمشاركة وحضور كثيف من اساتذة الجامعات الثلاث وغيرهم اضافة الى جامعة البلمند…

وكنت اشارك ببحث عن الاوقاف الأرثوذكسية في دمشق ومحيطها، وحضرت بحثا قدمته استاذة دكتوره عن مدارس (؟) خاصة في دمشق لها صفة دينية طائفية مشيدة بها على انها وطنية وليست كمدارس الارساليات التبشيرية ومنها مدارس الآسية…

وفندت ادعاءها غير الدقيق بأن ليست كل المدارس المسيحية الخاصة هي مدارس ارساليات تبشيرية وتحدثت عن الآسية…متحدثا باقتضاب عن تأسيس الآسية ومراحل تاريخها…

فما كان منها الا الوقوف والاعتذار…

مكنني الله ان اتابع من حيث ما توفقت في الكتاب المنشور واعطاني القدرة لتسليط الضوء اكثر عن المدرسة وتطويرها المستمر…

                                                    د. جوزيف زيتون

                                                  أمين الوثائق البطريركية

مستل من كتابنا ” الآسية مسيرة قرن ونصف 1840 – 1990

الناشر البطريركية1991 بدمشق


Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>