Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

لقد قام…وهو يسبقكم إلى الجليل (متى 28: 1:10)

$
0
0

لقد قام…

وهو يسبقكم إلى الجليل (متى 28: 1:10)

يسوع قادم إلى أورشليم، وهو أتٍ إلى الصليب ليعتلي عرش أزليته ومجده، يعطي تلاميذه عبر مشهد الشعانين عربون المجد الذي له من قبل إنشاء العالم ليقوّوا على رؤية هوانه وألامه وسحقه كحبة الحنطة.

كذلك فعل في مشهد التجلي، واختلط يومها الكلام عن مجده وآلامه.

في بشارة يوحنا نغوص في سر لاهوت السيد، وقد اعطانا أن نقرأ عن الشعانين مباشرةً بعد إقامته لعازرمن الموت وتطييب قدميه من قبل مريم أخت لعازر وقد تركها تفعل، وهو الغاية والمنتهى في التواضع، فقط لأنه يُربّي ويتلمذ ويُعطي رموزاً يقرأها تلاميذه فيستطيعون أن يلجوا بقلب قويّ إلى ليل الآلام.

ايقونة الشعانين

ايقونة الشعانين

سمعت الجموع التي جاءت إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم. فحملوا أغصان النخل وخرجوا لاستقباله وهم يفرشون ثيابهم ويهتفون:” مبارك الآتي باسم الرب، اوصنا لملك اسرائيل اوصنا لابن داود”

سمعوا أنه قادم، هذا يعني انهم كانوا يتبعون أخباره وينتظرون ويأملون ويدرِّجهم ليفهموا عمق طريقه…

يسوع ملك طبعاً، لكنه من نوع آخر من الملوك والرؤساء… ملك يركب على جحش ابن أتان، وهذا يغيّر كثيراً فيي الرؤية. لم يركب حصاناً مطهماً مجللاً بالحرير والذهب كما تعطينا صور الملوك الفاتحين وخاصة على حصان أبيض. بل جحشاً ابن أتان، كما تنبأ زكريا النبي عن زيارة السلام. وصرخوا بملء الحناجر “اوصنا” ومعناها “الرب يخلص وهم يقصدون الخلاص من الرومان المحتلين. تركهم يسوع يصرخون،لأنه بالفعل مخلِّص من احتلال، ولكن احتلال من نوع آخر، احتلال عالم الظلمة والشك. وهو عارفٌ أنهم سيصرخون ليس بعد ايام كثيرة صرخة اخرى مدوية:

“اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى اولادنا”

كم يحبنا يسوع ! وكم يُذهلنا بحبه، كم يفرحنا !! يضعُ الأمان غير الموصوف في عمق وجودنا، ويخلق بنا فعل إيمان لأنه وحده الرب المخلص والمستحق كلَّ كرامة ومحبة فهو أحبنا حتى الثمالة

الختن....

الختن…

“وهل من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه”

الحب هو الأساس وهو يحتاج إلى العمق في المعرفة والفهم، معرفة: يسوع المسيح الإله الخالق مصلوباً، كيف هذا ؟!!!
وفهم: لمَ تمَّ هذا! لأجل هذا الآدم الذي خالف وصيته كخالق فأوحل في التكبر…كيف يتساوى الأمران؟؟؟ الخالق يُصلب لأجل المخلوق المتوغل في خطيئته ضده اي ضد خالقه انه سر فوق مدارك البشر، مهما أوتينا في المعرفة والفهم…! يجب أن نكون على مقدار قامة الفادي لنفهم هذه المعادلة المستحيلة حتى

الصلب...في موقع الجلجلة

الصلب…في موقع الجلجلة

لا يبقى هذا الحب الخالد على مستوى الإحساس والمزاج في معرفتنا وفهمنا نُعطى الوضوح في الرؤية من قبله وحده..يسوع المحرر والمخلص، فنعرف ماذا نختار

لأنه مقياس للتميّيز، وبالتالي يُصَّيرنا أنقياء لأنه صقلنا على مستوى النوايا. والنقاء يُعطي الثمر بسبب هذا هو الأمر العظيم العجيب الذي لم يستطع الإنسان أن يدركه قط أن المسيح له المجد تحمل الآلام ليجعلنا نحن الخطأة أنقياء لأنه في أيام جسده البشري، أيام حياته على الأرض تحملها حناناً بنا ما جعل أعين البشرالمتطلعة أليه تمتلئ بالرحمة والعطف. وعندما سيق إلى موته الغير العادل على الصليب

كان يتبعه جمع غفير ونساء كنَّ يلطمن صدورهنَّ ويبكين نائحات (لوقا 23 : 27) لم تتألم النسوة من أجله فقط بل بكاه أشعياء النبي قبل قرابة ألفي سنة، عندما رأى بعين النبوة آلامه. لم يتمكن أن يحبس دموعه إزاء المشهد الذي رآه :

“رأيناه لا شكل له ولا جمال ولا صورة، رأينا شكلهً مهاناً” (أشعياء 23 : 27)

يا للسر العظيم، إن المخلص أثار عطف البشر عندما كان يمر في نزاع العذاب ليرحمنا، لم يرد أن يصير شريكاً بالألم فكرياً بل تنازل ليعافي كل ألم ليموت البريء من الخطأ…

واسلم الروح...

واسلم الروح…

الطريق التي سلكها الإنسان بعد خروجه من باب الفردوس الضيق كانت عريضة ومتعبة منها تشعبت دروب انفتحت على فلوات زمنية من الغربة، حَصَد الشوك، والقتاد وذرف العرق، وسكب الدموع، وتعفربالتراب وغرق في الوحول، ولعق الحمأة، واكتوى بنار، وتاه في وديان وضلَّ في براري، وقرّ بجوع وذاب عطشاً، ونام يحتضن ناراً يغطيها صقيع، عيناه اكتحلتا بالرمضاء وقلبه احترق بالشوق أراد الدنيا فضاقت عليه، وأراد الحياة فصارت وهماً بين كفيه، الإنسان خالق مآسيه ومهازله، الموت هو الذي وضع الإنسان أمام قدره فيجب أن يُقضى على الموت

بالموت، وأن يعود الإنسان إلى حيث كان، وأن يتطور من الصورة إلى المثال ولكي يتحقق ذلك يجب أن يمربالصليب، يجب أن يصلب الخطيئة فوق عود الشجرة التي سببت ثمرتها الموت، الصليب الذي حمل العنقود البالغ اينع، واصبح ثمرة حلوة المذاق، وكل من قطفها وذاقها نال الحرية والعتق…

كان يجب أن يُقضى على الموت، وأن يتحول من قصاص إلى طريق يُعيد الإنسان الى السكنى في الفردوس… كان قلب الآب السماوي ينفرط حزناً على خليقته آدم وحواء وذريتهما، هذا الإنسان الذي غرته القوة التي أُعطيت له، وخدعته النعم والمواهب والخيرات التي وضعها الله بين يديه، نظر إليها وأهتم بها، ونسي الواهب، نسي مصدر الخيرات، واستمر قلب الآب واهب الخيرات يُدمى على ابنه الإنسان الذي فقد سعادته ومواهبه…

في ملء الزمان دبَّر الآب وسيلة فعالة لخلاص ابنه إذ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له أخذ طبيعتنا الجسدية، آخذاً صورة عبد صائراً في شبه البشر، ولبس هذا الثوب البشري المتسخ، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه، وأطاع حتى الموت، موت الصليب…

من هو هذا الفادي العظيم؟

يسوع قد مات وهو في حضن امه...

يسوع قد مات وهو في حضن امه…

هو كلمة الله الذي كان عليه بدافع المحبة أن يقضي على الموت لأنه الوحيد الذي يمكنه أن يتغلب عليه كحمل خال من الخطيئة، يُسفك دمه الطاهر لينقي الإنسان من وسخ الخطيئة، فالإله المتجسد محبة، كان لابد أن يسلك طريق الصليب ليخلص

الإنسان لا مُكرهاً بل بكل الحب ونكران الذات والكفر بالنفس والتضحية بها

“من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”

فيا أيها المسيح المصلوب المعلق على خشبة، أيها القادر وقد جعلت من نفسك ضعيفاً كالخروف الذي سيق إلى الذبح نسجد لآلامك صانعة الحياة…

مهيب أنت في آلامك الممدودة على سنين التاريخ، عشتها قبلنا ولا تزال تعيشها

لا تزال حتى نهاية الأيام تعيشها يا ايها الرب الفادي مع كل متالم ومريض ومظلوم ومضطهد…

لك المجد أيها البريء المصلوب، أعطيتنا أن نرى ألم البريء فنفهم معنى آلامنا ونقبلها. آلامك أنت هي الكلمة الأخيرة التي قلتها وتقولها، وهي كلمة الفصل بين الحق والباطل، بين النور والعتمة، آلامك يا سيد جاءت تقول ما لم تعد الأبجدية تستطيع قوله، فأسلمت جسدك للسياط والصليب وجبينك لإكليل الشوك يا ملك… وأنت تقول لنا:” إلى هذه الدرجة أنا أحبكم…”

لك المجد يا وجه الآب فارتضيت بهوان التراب ومعمودية الدم وتركت وجهك في وجوه الناس تُصلب حتى نهاية الأيام…

لك المجد يا جسداً معلقاً على الصليب، اعطانا أن نرى الجسد بعين القداسة…

لك المجد أيها المعلم المصلوب وتعطينا كل يوم شرف التشبه والصيرورة من أحبائك الذين يُصلبون…

نحن في سورية والمشرق، نُصلب كل يوم من أجل إسمك فاعطينا مجد القيامة يا سيد الرجاء ليزهر ربيع فجر النعمة من قبل جرح الدم لك المجد ياحبة الحنطة والغذاء الطيب.

ومع فجر القيامة تُقلب أيها الناهض من القبر المفاهيم كلها، وتخلق ابعاداً ومواقع لم تخطر على بال بشر، كل ذلك تفعله قيامتك أيها المعلم ونقول مع بولس:

فإن لم يكن المسيح قد قام فتبشيرنا باطل وإيمانكم باطل… وإذا كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدى هذه الحياة فنحن أشقى الناس جميعاً

ادوات الآلام والصلب...

ادوات الآلام والصلب…

يُحزننا أحياناً أن نرى وجوهاً كالحة مظلمة، يائسة وكأن المسيح لم يمت عنها وكأن قيامته لم تُشرق فيها إشراقاً واستنارة من الداخل.

غاندي رأى وجوه بعض المسيحيين الحزينة فقال:

” لا أفهم كيف يطيقون العيش في الحزن بعد أن مات يسوع من أجلهم”

نتساءل اليوم بعد نيف وألفي سنة على حدث القيامة الذي لم ولن يتكرر، هل المسيح الحيّ حيّ فينا، من خلالنا ؟ هل نُسلم له حياتنا ليقيمنا معه؟ هل نصغي لأمره اليوم في تحديد موعده في الزمان والمكان ونطيعه ولو كان الموعد في الجليل؟ هل نجرؤ أن نتمسك بجروحه علامة حضوره فتصبح جراحنا وجراح الوطن سورية والمشرق وأنطاكيتنا مطلاً نطل من خلاله بفخر على الأخرين.. وكما قيامته له المجد هي وسيلة قيامتنا هي وسيلة قيامة أوطاننا من وسط القبر…

ايقونة القيامة

ايقونة القيامة



السلالم المعجزة

$
0
0

إحدى عجائب القديس يوسف النجارخطيب مريم

في مدينة سانتافي في ولاية نيومكسيكو بالولايات المتحدة، هناك سر عمره 133 سنة ويجذب 250 الف ذائر سنويا، ويقع في كنيسة لوريتو.

وما يجعل هذه الكنيسة مختلفة عن غيرها هو موضوع المعجزة المتعلقة بالسلالم.

السلالم التي صنعها يوسف النجار

السلالم التي صنعها يوسف النجار

هذه الكنيسة بنيت في القرن 19 وعندما انتهى بناؤها واصبحت جاهزة، انتبهت الراهبات الى مسألة عدم وجود سلم يربط الطابق الأرضي بالطابق الأول.

فقضت الراهبات تسعة ايام في الصلاة للقديس يوسف والذي كان نجاراً اصلاً.

وفي اليوم الأخير دق شخص غريب باب الكنيسة قائلاً انه نجاروانه يرغب بمساعدتهن على صنع السلم الخشبي.

قام هذا الشخص الغريب بنجارة السلالم لوحده ليجعلها تحفة فنية في النجارة، ولا يعلم أحد كيف أمكن لهذه السلالم الوقوف لوحدها بدون وجود مسند مركزي لها…!

ومن ثم اختفى النجار الغريب فجأة حتى دون ان يحصل على اجرته علماً انه لم يستخدم مسماراً واحداً أو غراءً في نجارة السلالم…!.

وسرت إشاعة في مدينة سانتافي بأن النجار كان هو القديس يوسف خطيب مريم نفسه، وان الرب يسوع أرسله اليهم ليحل مشكلة السلالم، ومنذ ذلك الوقت أصبح اسم تلك السلالم ” السلالم المعجزة” وأضحت الكنيسة موقعاً للزيارة وللتبرك.

يقول المتحدث باسم الكنيسة أن هنالك ثلاثة اسرار في هذه المسألة:

السر الأول: أنه لم يتم التعرف على هوية هذا النجار.

السر الثاني: أن كل المعماريين والمهندسين والعلماء لا يستطيعون فهم كيف يمكن لهذه السلالم التوازن دون ساند مركزي لها.

– والسر الثالث: ماهو مصدر الخشب المستعمل؟ فقد تم فحص نوعية الخشب وتم التوصل بأن هذه النوعية غير موجودة اصلاً في هذه المنطقة.

الرب يسوع طفلاً يتعلم النجارة من يوسف انجار

الرب يسوع طفلاً يتعلم النجارة من يوسف انجار

وهنالك شيء آخر في هذه القصة الواقعية والذي يعزز انها معجزة… أن عدد درجات هذا السلالم يبلغ 33 درجة وهو نفس عمر الرب يسوع المسيح بيننا على الارض.


المجامع المسكونية السبعة

$
0
0

المجامع المسكونية السبعة

توطئة

يمكن تعريف المجمع المسكوني ب:

” انه مجمع حازت تحديداته وقوانينه القبول في المسكونة كلها.”

وكان هذا التحديد مقبولاً حتى 1054مسيحية وهو عام الانشقاق الكبير بين الغرب والشرق، اما الشرق فقد حافظ عليه حتى يومنا هذا ولم يدع بعد ذلك الى عقد مجمع مسكوني، في حين ان كنيسة رومية توسعت في التحديد، وعقدت عدة مجامع أضفت عليها لقب المجامع المسكونية.

ماهومعيار اعتبارها مسكونية؟

ويرى الكتاب الرومانيون (اتباع رومة) المتأخرون” أن المجامع المسكونية هي التي يُدعى اليها الأساقفة ومن لهم حق التصويت من كل انحاء العالم والتي تعقد برئاسة البابا أو أحد مندوبيه، ويجيز مراسيمها فيتحتم على المسيحيين لذلك وجوب التقيد بأوامرها.”

ايقونة للمجمع المسكوني الخلقيدوني

ايقونة للمجمع المسكوني الخلقيدوني

وليس من الضروري ان يكون عدد الأساقفة الحاضرين وافراً بل يكفي ان يكون المجمع قد دُعي وعُقدَ على ان يكون مجمعاً مسكونيا كما هي الحال في المجمع القسطنطيني الأول، وليس من الضروري ان تكون كل أقطار العالم كلها ممثلة فيه، أو أن يكون اساقفتها قد دُعوا اليه.

إن كل ما يُطلب لاعتبار المجمع مسكونياً أن يصير الاعتراف به في كل انحاء العالم انه مجمع مسكوني، ولا بد من القول ان عدة مجامع عمومية التأمت ولم تُوصف بأنها مسكونية، فليس هناك الا سبعة مجامع تعتبر مجامع مسكونية بلا منازع.

أما المجامع العمومية فهي عديدة وقد سقط عدد غير قليل من المجامع البدع، ويكفي ان نذكر منها المجمع اللصوصي الذي عُقدَ في أفسس، والمجمع السابع الكاذب (الباطل) الذي عقده محاربو الأيقونات.

إن المجامع المسكونية تنسب الى ذاتها الحصانة من الخطأ في تعاليمها في العقائد والآداب اعتماداً على الوعد بحلول الروح القدس على المجتمعين فيها والهامه لهم.

والمجمع المسكوني لا يدَّعي اعلان حقيقة جديدة، بل يُحدد بصورة ثابتة لايعتريها تغيير الايمان المسَّلَّمْ للقديسين، وتعد تحديداته مسكونية لكونها تُعرب عن رأي وتفكير الجسم الكامل للمؤمنين من اكليريكيين وعلمانيين. ولأنه بحسب تعليم الكنيسة كان اتفاق الرأي في المسكونة يعتبر منّزَّهاً عن شبهات الضلال مصوناً بوعد السيد الرب له المجد:” أن ابواب الجحيم لن تقوى على كنيسته وهذا هو معنى كلمة ” كاثوليكس” او الجامع في اثبات عصمة المجامع المسكونية، وكانت هذه المجامع تنظر الى ذاتها كأنها تحت اشراف العناية الالهية التي يعصمها من الضلال او الخطأ في تعليم الايمان والآداب المسيحية.

إن اللاهوتيين يحسبون ان تحديدات المجامع المسكونية ككل القوانين والمراسيم التشريعية في الدولة المدنية، يجب ان تُراعى الدقة في وضعها. وان القضية عُرضت رسمياً للمذاكرة وهي التي تعتبر بأنها تحددت.

اما الملحوظات العابرة في مجمع عظيم فلا شك أن لها قيمة كبيرة، ولكن لايجوز ان نعتبرها في منزلة موضوع البحث الذي أصدر المجمع تحديده بشأنه فصار شرعة مسكونية.

اما بالنسبة لمعرفة ورضى بابا رومية فلم يشترط ذلك وفق ادعاء الترؤس، فالمجامع المسكونية السبعة دُعيت الى الاجتماع بأوامر ومشيئات امبراطورية من اباطرة بيزنطة من دون معرفة بابا رومية على الأقل من جهة المجمع القسطنطيني الأول، وبدون استشارته عند دعوة المجمع النيقاوي الأول، وخلافاً لإرادته التي صرح بها – على الأقل – عند دعوة المجمع الخلقيدوني، وإن كان قد أعلن موافقته متأخراً بعد أن اصدر الأمبراطور مركيانوس مرسومه بالدعوة الى عقده السنة 451 مسيحية، ومن هذا لنا البرهان التاريخي ان المجامع المسكونية كان في الامكان دعوتها وعقدها بدون معرفة ورضى كرسي رومية.

ولكن في اعتباره مسكونياً يعني أنه نال القبول من كل الكنائس لأننا يجب أن نذكر أنه لم يكن في غرب الأمبراطورية البيزنطية (وحتى الآن) إلا بطريركية واحدة هي بطريركية رومة، بينما كان في شرق الأمبراطورية كانت هناك اربع بطريركيات هي حسب التسلسل: القسطنطينية، الاسكندرية، انطاكية، واورشليم.

ويجب بالتالي ان نذكر ان موافقة الأمبراطور على قرارات كل مجمع مسكوني كانت مطلوبة، وتُنشر ويُشار اليها بنفس الاهتمام، إن لم يكن بأشد منه، ويؤكد الواقع التاريخي ان رومة قبلت بكل هذه المجامع المسكونية السبعة.

كيف أظهر كل من هذه المجامع السبعة نوع علاقته بكرسي رومية؟

1- ان مجمع نيقية الأول 325 مسيحية عُقد بدعوة من الأمبراطور قسطنطين الكبير وقد أخذ قانوناً يُستدل منه ان المجمع كان ينظر الى بعض حقوق كرسي رومية بأنها على المستوى ذاته مع حقوق المطارنة معلناً انها تستند على العرف أوالعادة.

وكان البابا هو سلفستروس، وكان الامبراطور هو اقترح عقد هذا المجمع للنظر في بدعة آريوس الذي جدَّفَ على الاله الابن الكلمة- كلمة الله- وقال عنه انه مخلوق وغير مساوٍ للآب في الجوهر، وقد رذل المجمع بدعته…

الأمبراطور لم يترأس بشخصه المجمع فقد يكون قد ترأسه اسقف قرطبة.، في حين ان البابا فيلكس الثالث 483-492 مسيحية يُعلن في رسالته الخامسة ان افسطاثيوس اسقف انطاكية كان هو رئيس ذلك المجمع.

ومع ذلك فهذا امرٌ لا يُؤبه له كثيراً، إذ ليس من ينكر على اسقف كرسي رومية أن يترأس مجمعاً مسكونياً للكنيسة جمعاء.

2- ان الأمبراطور العظيم ثيوذوسيوس الكبير دعا الى عقد المجمع المسكوني الثالث السنة 381 مسيحية بدون علم البابا داماسوس ولم يدعوه اليه، ولم يكن اول رئيس لهذا المجمع في شركة مع كنيسة رومية في ذلك الحين، وقد أصدر هذا المجمع بدون استشارة الأول بين البطاركة اي البابا قانوناً أجرى فيه تبديلاً في رتبة الكراسي البطريركية القديمة باعتباركرسي القسطنطينية هو الثاني بعد كرسي رومية.

ان البروتستانت لا يعيرون هذه القضية اهتماماً خاصاً، لأن التقسيمات الادارية في نظرهم ورُتبُ التقدم بها بما فيها اولوية كرسي رومية هي من الشؤون الادارية والتنظيمات الكنسية التي لاتمت بشيء الى العقائد عند من يقرأ فكر الكنيسة الانجيلية بخصوص المجامع المسكونية قراءة مجردة عن الغرض والهوى…

القانون الثالث لهذا المجمع يرى بكل جلاء أنه كما ان التقدم في الرتبة حازه كرسي رومية بسبب كونها العاصمة الأولى للأمبراطورية، حازه كرسي العاصمة الثانية القسطنطينية، او بالتالي يجب ان تحوزه، وقد صارت هي عاصمة الأمبراطورية ، وإذ صح هذا التفسير فهو ينقض مطلب رومه في ان الرئاسة الأولى لقداسة البابا هي شرع الهي.

3- قبل ان يدعى الأمبراطور ثيوذوسيوس الثاني المجمع المسكوني الثالث للاجتماع السنة 431 مسيحية كان البابا كيلستين الأول قد حكم على نسطوريوس بالبدعة وأمر باسقاطه وحرمه. ولما اجتمع المجمع بعد ذلك وقبل وصول مندوبي البابا، اعتبر نسطوريوس بأنه لايزال متمتعاً برتبة البطريركية وتجاهل كل التجاهل الحكم الذي أصدره بابا رومية باسقاطه وحرمه. ونظر المجمع في القضية بعد ان دعا نسطوريوس للمثول امام المجمع والدفاع عن نفسه، ثم حكم عليه ونشر الحكم حالاً، وفي 10 تموز اي بعد اسبوعين وصل مندوبا البابا وعقدت جلسة ثانية فتم تبليغهما ماجرى، فوافقوا على كل شيء.

4- والمجمع الخلقيدوني الرابع الذي عقد في السنة 451 مسيحية زمن الأمبراطور البيزنطي مركيانوس وامبراطور الغرب الجرماني فالنتيان الثالث، والبابا لاون الأول، ابى هذا المجمع ان يعتبر قضية اوطيخة قد انتهى امرها بصدور حكم رومه أو أن يقبل حكم البابا بدون فحص ودرس للتحقق من استقامة رأيه.

نضيف الى ذلك انه أصدر قانوناً في جلسة رفض مندوبو البابا حضورها، أثبت فيه ترتيب البطريركيات بحسب حكم المجمع القسطنطيني الأول معلنين ان الآباء قد جروا وفق النظام بمنحهم الامتياز لرومة القديمة لأنها عاصمة الأمبراطورية الأولى كما منحوا الامتياز نفسه للقسطنطينية عاصمة الأمبراطورية الثانية.

5- رفض المجمع الخامس المسكوني السنة 553مسيحية زمن الأمبراطور يوستنيانوس قبول رسائل في ايضاح العقائد من البابا فيجيليوس، ومحا اسمه من الذبتيخة، وهي الرق المزدوج لأسماء الأحياء والأموات التي تذكر على المذبح ورفض الشركة معه.

6- المجمع المسكوني السادس وهو القسطنطيني الثالث ( 680-681 مسيحية) زمن الأمبراطور قسطنطين بوغونايوس ( اللحياني)، هذا المجمع حرم البابا اونوريوس وكان هذا قد مات من عدة سنوات، وذلك لأنه كان من القائلين ببدعة المشيئة الواحدة.

7- مما لاريب فيه ان البابا ادريانوس لم يكن له يد في دعوة المجمع المسكوني السابع وكان الداعي الأمبراطور قسطنطين السادس والملكة ايريني. وكان طاراسيوس هو الذي ترأس هذا المجمع وليس مندوبو البابا…

وهذا مايستنتج باختصار من وجهة نظر المجامع المسكونية في ما يُعرف بالمدعيات البابوية لذلك لا نستغرب ان بعض المتطرفين من المدافعين عن السلطة البابوية قد تورطوا في الادعاء بأن قسماً كبيراً من وقائع المجامع وأعمالها وتحديداتها هو مزوّضر أو قد جرى فيه تلاعب او تحريف الغرض منه انكار الحقوق البابوية. ولو صحت هذه الدعوى لوجب ان يكون التزوير واسعاً على ان يعسر ان نتصور كيف يمكن ان يكون قد حدث مثل هذا التزوير والتحريف في اعمال المجامع المسكونية بنصيها اليوناني واللاتيني.

عدد المجامع المسكونية

قد يكون من الحق يسأل عن الداعي لحصر المجامع المسكونية السبعة، ولسنا في حاجة الى تقديم اي برهان على ان المجامع الاربعة الأولى وهي النيقاوي والقسطنطيني الأول والأفسسي والخلقيدوني هي مجامع مسكونية وقد اعتبرت كذلك منذ ايام القديس غريغوريوس اللاهوتي الكبير فقد قال عنها:” انني اعتبر المجامع المسكونية الأربعة كاعتباري للبشائر الأربع.”

ولم يوجد من ينكر ان القديس في قوله هذا قد اعرب عن رأي الكنيسة في عصره ولايشك أحدٌ في كون المجمعين الخامس والسادس من المجامع المسكونية وان حدث بادىء الأمر بعض الاضطراب في قضية الاعتراف بالمجمع الخامس في بعض الأماكن.

ولا تختلف الكنيستان الشرقية والغربية في اعتبار المجمع السابع مسكونياً في مدى نحو الف سنة، فلا يُشك اذن في ان المجامع السبعة هي مجامع مسكونية وقد يتساءل البعض قائلين: “لماذا لايضاف اليها غيرها من المجامع التي يمكن ان تتمتع بالحق في هذا الوصف على مثال مجمع سرديقية (348م) والمجمع الخامس –ترولو- (692م) والقسطنطيني (869م) ومجمع ليون (1274م) ومجمع فلورنسا (1439م)…؟”

ان اسباب رفض اعتبار مجمع سرديقية

نجدها في ماوضعه من قوانين.

ومثل هذا نقول بشأن مجمع ترولو ( الخامس-السادس) ولاينكر ان المجمع القسطنطيني الرابع الذي عقد السنة 869م اعتبر لمدة قصيرة مجمعاً مسكونيا في الشرق والغرب، ولاتزال الكنيسة اللاتينية تعتبره كذلك حتى اليوم.

اما الكنيسة الارثوذكسية اي في شرق اوربة والكراسي الارثوذكسية في انطاكية والاسكندرية واورشليم،  فما لبثت ان رفضته وعقدت مجمعاً آخر في السنة 879 نقض أكثر ما وضع في مجمع سنة 869م.

على ان قيادات الكنيسة الارثوذكسية في كل الأحوال لا تدعي الصفة المسكونية للمجمع الذي عقد في السنة 879م وهكذا لم يزد عدد المجامع المسكونية في الكنيسة الأرثوذكسية عن سبعة مجامع لاغير.

والسبب ذاته دفع بالكنيسة الارثوذكسية بعدم الاعتراف بالصفة المسكونية لمجمعي ليون وفلورنسة مع كونها كانت ممثلة فيهما…!

في هذين المجمعين توصل الحاضرون ان هذا الاتفاق رفضته الكنيسة الارثوذكسية. وبهذا لم يتسم المجمعان بالطابع المسكوني…

الفضائل الروحية

$
0
0

الفضائل الروحية

فضيلة لجم اللسان

من الفضائل الروحية التي يسعى الانسان المؤمن الى تحقيقها في حياته هذه الفضيلة، وما مواسم الأصوام المقدسة الا فترة يتدرب فيها المؤمن على ممارسة هذه الفضيلة كي يتهلم لجم لسانه باقي ايام السنة.

ماتنطق به السنتنا هو مؤشر شديد الوضوح على مدى صحتنا الروحية، وغالباً ما يذكر الكتاب المقدس العلاقة الوطيدة بين القلب واللسان، فيظهر لنا ان حالة الواحد تعكس حالة الآخر: ” يا اولاد الأفاعي كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم أشرار؟ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم.الانسان الصالح من كنزه الصالح في القلب يخرج الصالحات، والانسان الشرير من كنزه الشرير يُخرج الشرور. ولكن أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين، لأنك بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان.” ( متى 12 : 33 – 37 )

نحن سوف ندان بحسب أعمالنا. لسوء الحظ، معظمنا لا يعي هذه الحقيقة الأساسية ويستخدم لسانه بتهور، غيرَ مفكرٍوغيرَ مهتمٍ بما يقوله. نشارك في ثرثرةٍ مُفرطةٍ، في نميمةٍ، في افتراءٍ، في تملقٍ، في أكاذيب وعشراتٍ من الخطايا الأُخرى سببها لسانُنا، غيرَ مبالينَ بخلاصِنا. لذلك يُحَّذِّرُنا يعقوب الرسولُ: ” إن كان أحدٌ فيكُم يظن أنه دَيِّنٌ وهو لايلجُمُ لسانَهُ بل يخدعُ قلبهُ، فذلك ديانتُّهُ باطلة”. (يعقوب 26:1).

قد يساعدنا على لجم لساننا بعضُ الفَهمِ لماهيةِ خطايا اللسان المتنوعة، ولماذا نَرتكِبُها، وإلى أي حدِّ لا ترضي الله، وكيف نستطيع أن نعالِجَها.

كثرة الكلام

أحدُ أسبابِ كثرةِ الكلام هو أننا لا نجدُ أوقاتَ الصمتِ مريحةً، ونشعُرُ أننا بحاجةٍ لمِلئِها باسمرارٍ. وبما أن مُعظمَ الناسِ لا يميلونَ الى التحاورِ في أمورٍ روحيّة، يَنصرفون الى أمورٍ غير روحية ليتحدثوا عنها.

هكذا تكون النتيجةُ ثرثرةٌ، يتراوح موضوعُها من كلام فارغٍ الى كلامٍ صبيانيّ، وغالباً ما يكون كلاماً رديئاً ! حتى في الصلاة يجب ان لانسترسل في حديث فردي” لئلا نكرِّزَ الكلام باطلاً كا الأممْ.” (متى7:6). الصلاةُ هي طريقٌ ذو اتجاهين: الكلام والسَّماع. السَّماعُ يوازي أهمية الكلام إن لم يكُن يفوقه أهميةً. الله يُكلمنا في اوقات صمتِنا لكننا لا نعطيه فرصةً ليفعل ذلك. علاج الكلام الكثيرِ بسيطٌ: الصمت والاستماع، لقد أعطانا الله اُذنين إثنين وفمّاً واحداً فقط لسبب وجيهٍ ! من يسمعون أكثر ميالونَ ليصبحوا اناساً يتعلمون أكثر.

النميمة والافتراء

كل افتراء تكمن جذوره في النميمة التي تتخذ من الأمور الشخصية موضوعاً لها وتَصِفْ مانُحسهُ تجاه أشخاص آخرين. هذا أمر سيءٌ لأن الافتراءَ هو قتل معنوي، وهو أسوأ من القتل الجسدي ، فالضحية في هذه الحالةِ لا تزال حيّةً لكننا شوهنا سمعتها بافتراءاتنا وأكاذيبنا. عندما تفتري على الآخرين تُسي الى نفسكَ ايضاً، لأنك لا تستطيع ببساطةٍ ان تسبح الله من جهةٍ وأن تُهين أخاك من جهة اخرى.

” باللسان نباركُ الله الآب وبهِ نلعنُ الناسَ الذين قد تكونوا على شبه الله…لايصلح يا اخوتي أن تكون هذه الأمور هكذا” (يعقوب 3 : 9 – 10 ).

التسرع في الكلام

في بعض ألعاب التحدي يُطرحُ سؤالٌ على فريقين متقابلين، والفريقُ الذي يَضغطُ على الجرسِ أولا يحق له أن يجيب قبل الآخر، بهدف تجميع أكبر عددٍ من النقاط. غالباً ما يضغط أحد الفريقين على الجرس حتى قبل طرح السؤال كاملاً، ن دون أن يكونَ لديه أدنى فكرةٍ عن الجواب. في احاديثنا نقوم بالخطأ نفسِهِ، إذ نفتح أفواهنا ونقول أولَ أمرٍ يَخطرُ على فكرنا.

هذا ما يُحذر منه سفر الأمثال: ” أرأيتَ إنساناً متسرعاً في كلامه؟ إن الأملَ في الجاهل أكثر من الأمل به.” (أمثال 29 : 20).

الأكاذيب

صُنّْ لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالمكر.” ( مزمور 33 : 13). هذه خطيئة أُخرى تُرتكبُ باللسانِ وتأتي مباشرةً من الشيطان الذي يُسميه الكتاب المقدس “الكذاب” ( يوحنا 8 : 44). ياتي علاج الكذب من فهمنا للأسباب الرئيسة التي تجعلنا نَكذِب. فغالباً ما نتفوه با لأكاذيب للمحافظة على صورتنا الجميلة تُجاه الآخرينَ. أكاذيب أخرى تُقال لإخفاء الخطايا. يَكتسبُ المسيحي الحقيقي بِرَّهُ من سعيه ليكون ابناً صالحاً لأبيه السماوي، ونتيجة لذلك يُعرِض عن الكذب لأنه لا يسعى لإخفاء فعلٍ سيءٍ أو ليجعلَ رفاقه ينظرون اليه نظرة احترام، بل غايتهُ هي عيشُحياةٍ مرضيةٍ لله.

التملق والتفاخر

” كل واحد يكلم جاره بالباطل، شفاههم غاشةٌ، يتكلمون بقلب ذي وجهين، فليمحقِ الربُّ جميع الشفاه الغاشة واللسان المتكلم بالكبرياء” ( مزمور 11 : 2 – 3). هاتان الخطيئتان تمارَسان بوتيرةٍ عالية. التملق هو كذبة متنكرة بمديحٍ. نتملق الآخرين عادة لنحصل على شيء منهم، او لننال إطراءٌ. أما التفاخر بالكلام فهو نتيجة كبرياء الانسان، والكبرياء هي سبب السقوط الأول.

واللائحة تطولُ، فكل ما ورد أعلاه هو بعض خطايا اللسان. توجد خطايا عديدةٌ أُخرى تتضمن الكلام الفاحش، كلام السفاهة وكلام السخرية (أفسس 5 : 4)، كلام التجديف (1 تيموثاوس 1 : 20)، كلام غِش ( 2 كورنثوس 17 : 2)، وكلام المباحثاتِ الغبية والسخيفة ( 2 تيموثاوس 2 : 23 – 24)

كل هذه الأمور تُبعدنا عن طريق الله، فمن أراد أن يبقى في طريق الرب، عليه ان يتعلم السيطرة على لسانه. إذا استطعنا أن نقوم بذلك، سنمتلك سيطرةً عظيمةً على اجسادنا ايضاً.

فبحسب يعقوب الرسول: ” إننا في أشياء كثيرةٍ نعثُرُ جميعاً، لا يَعثُرُ في الكلام، فذاك رجلٌ كامل، قادر أن يلجم كلَّ جسده أيضاً ( يعقوب 3 : 2). هذه حقاً قوةٌ عظيمةٌ نختبرها عندما نُسيطر على السنتنا.


دير القديس سمعان العمودي

$
0
0

دير القديس سمعان العمودي

هو عبارة عن مبنى اثري كبير اضافة الى مبان أثرية ملحقة به يقع في المنطقة التي تسمت باسمه (جبل سمعان) من محافظة حلب ويقع الى الشمال الغربي من مدينة حلب ويحلو للبعض تسميته قلعة سمعان في حين ان الراهب سمعان العمودي هو عبارة عن ناسك وليس قائد عسكري ولم يصبح الدير يوماً قلعة وبالأصل فإن تلاميذ الراهب الناسك هم الذين بنوا هذا الدير في محيط العمود الحجري الذي نسك عليه معلمهم كل عمره. وتابعت القسطنطينية ممثلة بالأمبراطور الرومي زينون ببناء الكاتدرائية… وقد انتقل الى الأخدار السماوية السنة 459 وتسمى باسم القديس سمعان العمودي.

ويتألف البناء من كاتدرائية بيزنطية فخمة ودير ومضافة وكنيسة للتعميد تعود جميعها إلى عام 476م

واجهة الدير

واجهة الدير

القديس سمعان العمودي

قديس وناسك سوري ولد في قرية سيسان بين سورية وكيليكية في الربع الأخير من القرن الرابع السنة 389 مسيحية. وقد عاش في منطقة حلب في سورية وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في كافة مدن ومناطق الشمال السوري ومنها انتقلت إلى أوربة وخاصة الشرقية. وبلغ طول العمود حوالي 15 متراً. وصفه تيودوريطس أسقف قورش في كتاب يتحدث فيه عن نساك سورية، ونسب إليه الكثير من المعجزات ومنها انه يعيش طيلة فترة الصوم الاربعيني المقدس اي قبل الفصح بدون طعام او شراب…
ذاعت سمعة القديس سمعان وانتشرت طريقته في التعبد مما دفع كثيراً من الرهبان إلى إتباع تلك الطريقة. ومن أهم العموديين المعروفين الذين ساروا على نهج الراهب سمعان العمودي، القديس دانيال العمودي (409-493 مسيحية) في القسطنطينية، والقديس سمعان العمودي الصغير (517-592مسيحية) على جبل بالقرب من أنطاكية، والقديس اليبيوس البغلفوني (القرن السابع المسيحي)، و القديس لوقا (879-979مسيحية) في خلقيدونية، والقديس اليعازر (968-1054مسيحية) على جبل جاليزيون بالقرب من أفسس، هذا إلى جانب عدد آخر من العموديين تذكرهم النصوص الرهبانية والسنكسار ( سير القديسين) عاشوا في وادي العمق في سورية وفي آسية الصغرى وكانت يونانية اضافة الى اقوام اخرى عاشت بها وبلاد اليونان الحالية…
كما وجدت إشارة إلى قديسة عمودية. ولكن أبرز هؤلاء جميعاً كان القديس دانيال العمودي المار ذكره الذي كان أحد تجار القسطنطينية الأغنياء، فترك تجارته ودخل سلك الرهبنة وظل يتدرج فيها حتى نال حظوة كبيرة عند الإمبراطورين ليون وزينون فطالبهما ببناء كنيسة كبيرة تخليداً للقديس سمعان.

ايقونة القديس سمعان العمودي

ايقونة القديس سمعان العمودي


بدأ مشروع بناء الكنيسة في عهد الإمبراطور ليون، ولكن الأخير توفي قبل أن يتحقق مشروعه، فتولى الإمبراطور زينون تحقيقه. بعد وفاة القديس سمعان بنى الإمبراطورالرومي زينون في نفس المكان كنيسة فخمة حول العمود لا تزال قائمة اليوم ما عدا السقف ضمن آثار دير كبير. وقد أصر بطريرك أنطاكية على نقل جثمان سمعان إلى أنطاكية بأمر من الإمبراطور ليون، ولكن الأهالي رفضوا، فأرسل الإمبراطور 600 جندي للقضاء على مقاومتهم، واستطاع نقل الجثمان إلى كنيسة القديس قسطنطين في أنطاكية. نقل الرفات لاحقاً إلى القسطنطينية ودفن في كنيسة آجيا صوفيا الشهيدة التي اغتصبها الأتراك العثمانيون بقيادة السلطان محمد الثاني السنة 1453مسيحية يوم سقوط القسطنطينية وتحويل الكاتدرائية الى مسجد آيا صوفيا.

أصبحت الكنيسة في جبل سمعان في سورية مقصداً للحجاج المسيحيين من اوربة وخاصة الشرقية و من الشرق فكان الناس تحج إليها طوال العام، فتحها السلطان الايوبي صلاح الدين من يد الفرنجة وحولها إلى قلعة عسكرية، لا زالت تعرف باسم “قلعة سمعان” ودير سمعان وهي من الأماكن الأثرية المسيحية الهامة في السياحة الدينية المسيحية. ا
بدئ العمل في بناء الكنيسة عام 476م وأنجز في عام 490م أي أنه استمر حوالي الأربع عشر عاماً وتعتبر هذه الكنيسة أحد الإنجازات المعمارية الرائعة التي حققها الإمبراطور زينون في عهده، وقد أنفق في بنائها الأموال الكثيرة
بنيت الكنيسة على شكل صليب يتوسطه العمود الذي كان يعيش فوقه القديس سمعان (ومن هنا لقب بالعمودي) وفي نهاية القرن الخامس أقيمت بعض الأبنية حول الكنيسة سخرت لخدمتها ومن أهمها بناء المعمودية وبعض المنازل لتكون سكناً للرهبان وطلاب العلم.
في الفترة الممتدة بين 526 و528 مسيحية تطورت المنشآت هذه ونمت، بعدها مباشرة ضربت سلسلة من الزلازل المدمرة سورية الشمالية اوقعت أضراراً كبيرة في المدن الهامة كحلب وأنطاكية وسلوقيا، كما أحدثت أضراراً بالغة بكنيسة سمعان الكبرى.

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي


وعند فتح سورية بيد المسلمين ابقوا دير القديس سمعان مع كنيسته الكبرى بيد المسيحيين كما ابقوا الكنائس والاديار التي وقعت المناطق والمدن التي فتحت صلحاً فبقت الكنائس والاديار بيد المسيحيين ولو الى حين والكثير منها تحولت الى مساجد وتكايا ومدارس دينية اسلامية وتدل عليها وبشكل بين ابنيتها وواوابدها…
وعندما ضعفت الدولة الإسلامية وتمزقت استطاع الروم البيزنطيين استرجاع كنيسة سمعان وحصنوها وبذلك تحولت إلى مايشبه قلعة حصينة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تعرف احياناً باسم قلعة سمعان وخاصة من يود سلخ صفة الدير عنها.
بقي الدير بيد البيزنطيين قرابة القرن تشكل حصناً منيعاً من الحصون الدفاعية أمام حدود إمارة حلب الحمدانية، في أثناء هذه الفترة رصفت ارضية الكنيسة بالفسيفساء وأجريت بعض الترميمات، وهذا ما تشير إليه الكتابة التي وجدت على الفسيفساء التي اكتشفت في أرضية الكنيسة إذ تذكر أن الإمبراطور باسيليوس الثاني (976-1026مسيحية) وأخاه قسطنطين الثامن (976-1028م) قد قاما برصف الكنيسة بالفسيفساء وإجراء بعض الإضافات والإصلاحات فيها

في عام 986م تمكن الأمير الحمداني سعد الدولة ابن سيف الدولة من استعادة دير القديس سمعان بعد حصار استمر ثلاثة أيام، وفي مطلع القرن 11المسيحي تمكن الفاطميون الذين سيطروا على سورية الشمالية وقتذاك من السيطرة على دير مار سمعان العمودي بعد ان استماتوا في فتحه وكان ذلك السنة 1016 مسيحية.
بعد هذا التاريخ لم يعد للقلعة أهمية عسكرية وهجرت تدريجياً، سكنها في القرن السادس عشر أحد المتنفذين الأكراد وأقام في الضلع الشرقي من الكنيسة الكبرى طابقين، كما سكن المعمودية متنفذ آخر من المناطق المجاورة. إلى أن قامت السلطات الأثرية بإفراغها والاعتناء بها…

حنية الهيكل في الكاتدرائية

حنية الهيكل في الكاتدرائية


أقسام كنيسة دير مار سمعان

1- الكاتدرائية او الكنيسة الكبرى.

2- الكنيسة الصغرى او كنيسة المعمودية

1- الكاتدرائية

تحتضن كنيسة مار سمعان العمودي العمود الذي نسك عليه القديس سمعان العمودي في منتصف البناء المثمن الشكل والذي

تلتقي فيه أربعة كنائس لتشكلصليباً، وتبلغ مساحة الكنيسة خمسة آلاف متر مربع.

تتشابه الكنائس أو الأضلاع الغربية والشمالية والجنوبية من حيث الحجم بالنسبة إلى قاعدة عامود القديس، أما الضلع الشرقي فهو أعظم تلك الكنائس سعة وأجملها زينة وأهمها شأناً وأطول من بقية الأضلاع، وليس على خط مستقيم تماماً مع الضلع الغربي وإنما ينحرف قليلاً إلى الشمال ذلك أن الجهة الشرقية من قاعدة عامود القديس سمعان المربعة غير متجهة تماماً نحو الشرق، فاقتضى الأمر إلى إمالة الضلع الشرقي بكامله نحو الشرق.

لقد تميز الضلع الشرقي عن بقية الأضلاع أو الكنائس لكونه كان الكنيسة الرئيسة، ففيها كانت تقام القداديس والصلوات الاحتفالية أيام الآحاد والأعياد، ويشترك فيها أهل الدير والحجاج على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، في حين كانت تفتح الكنائس الثلاث الأخرى يومياً أبوابها لجماهير الحجاج وكان كل فريق يصلي بلغته الخاصة.

في البناء

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي

بنيت الكنائس الأربعة أي أضلاع الصليب على النمط البازيليك أي على شكل رواق واحد مقسوم إلى ثلاثة أسواق بواسطة ثمانية قناطر محمولة على تسعة أعمدة، وبهذا فإن الكنيسة تشمل على جميع أنماط البناء البازيليك والمثمن والمصلب معاً في آن واحد.

مدفن الرهبان

يعود بناؤه إلى نهاية القرن الخامس المسيحي، ويقع في الشمال الشرقي من الكنيسة الكبرى قرب السور الشمالي، وهو عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل نحتت في الصخر، وتضم في كل من جدارها الشمالي والجنوبي ثلاثة قبور، وفي الجدار الشرقي قبرين فقط، وقد جوفت ارض هذه الغرفة بقبو حفر بكامله في نفس الصخرة بغية وضع عظام المتوفين من الرهبان بعد إخراجها من القبور التي في الجدران، وهناك قبر تاسع خارج الغرفة محفور في سور الدير الشمالي.

دير الرهبان

يشكل بناء الدير الملحق بالكنيسة مع ضلعيها الشرقي والجنوبي باحة مستطيلة، ويتألف من بناء ذي طبقة أرضية وطبقتين علويتين فوقها، خصص جزء من الطبقة الأرضية إسطبلاً للحيوانات، وقد أضيفت بعض الجدران في القرون الوسطى

كانت إقامة الرهبان في الجهة الشرقية منه وقامت إلى الجنوب الشرقي لضلع الكنيسة الكبرى كنيسة صغيرة أو مصلى خاص بالدير يستعمل لصلوات الرهبان اليومية، وهي من طراز البازيليك المؤلف من بهو رئيسي في الوسط وبهوين جانبيين يفصل بينهم أعمدة وأقواس.

الحنية كالعادة باتجاه الشرق وجد في الزاوية الجنوبية الغربية من الكنيسة حجر كبير بديع الزخرفة ربما كان غطاء جرن المعمودية المستعمل لعماد الأطفال آنذاك، وفي الباحة الفاصلة بين الدير والكنيسة الكبرى وفي طرفها الغربي تقوم منصة صخرية كأنها أعدت للوعظ، بينما توجد أحواض صخرية خارج الواجهة الغربية لكنيسة الدير لعلها كانت تستعمل معاصر لصناعة الخمور أو زيت الزيتون، وتبلغ مساحة الدير مع باحته والمقبرة خمسة آلاف متراً مربعاً.

2- كنيسة المعمودية

كنيسة المعمودية

كنيسة المعمودية

تتألف من بناء مربع أقيم في وسطه مثمن في جهته الشرقية حنية في أسفلها حفرة مستطيلة بدل الجرن لمعمودية البالغين، وهي مكسوة بالقرميد الأحمر ولها دَرَجٌ في الشمال وآخر في الجنوب للنزول فيها والصعود منها، وهناك قناة لتجري إليها المياه، وبعد المعمودية كان الجميع يتوجه إلى الكنيسة الملاصقة لهذا البناء من جهته الجنوبية حيث كان يتم استكمال طقس المعمودية،

والتثبيت بالميرون المقدس والمناولة المقدسة وقص شعر المعمود

وتبلغ مساحة كنيسة وبيت المعمودية مع ملحقاتها ال2000 متراً مربعاً

خاتمة

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي

قاعدة العمود الذي كان ينسك عليه القديس سمعان العمودي


تعتبر كنيسة القديس سمعان العمودي بحق جوهرة كنائس المدن المنسية، ومن أجمل روائع الفن ومن أضخم وأروع الكنائس التي بنيت في العالم وهي مقصد السياحة الدينية المسيحية في سورية من كل العالم.

والدة الإله مريم في التقليد الأرثوذكسي

$
0
0

 

الفائقة القداسة، دائمة البتولية، والدة الإله…

 

في التقليد الأرثوذكسي، المغبوطة مريم تملك عدة أسماء. أيقوناتها تُعْطَى لها ألقاب وأسماء مثل: “الأم الممجدة من الكل”، “أم التعزية”، “أم الحنان”، “أم اللطف المحب”، “النبع المعطي الحياة”، “كفيلة الخطأة”، السريعة الاستجابة”، “فرح كل المحزونين”، وأيضاً، الأكثر لفتاً للنظر “أم الإله، الفرح غير المتوقع”. هذه الألقاب تدل على الشعور بالدفء والفرح، الشعور بالثقة والحماية، هذا الشعور الذي تبثه التقوى لوالدة الإله في الروحانية الأرثوذكسية. إن الإيمان بالمسيح الذي يستثني الحب والتوقير لوالدته يبدو للمسيحي الأرثوذكسي بارداً وغير كامل. إنه إيمان آخر، مسيحية أخرى غير تلك التي للكنيسة الجامعة الأرثوذكسية. إذا استثنينا مريم من الحياة الروحية، عندها نكون في خطر استثناء عنصر مؤثّر وبديهي، إدراك أو شعور حسي هام بشكل حيوي لجميعنا. ولكن بالرغم من أنها ممهورة بشعور قوي وفعال، فإن تقوانا لوالدة الإله ليست بحال من الأحوال عاطفية فحسب أو وجدانية، بل لها أساس ثابت في اللاهوت.

ايقونة والدة الاله

ايقونة والدة الاله


مكانة مريم في العقيدة الأرثوذكسية والحياة يعبَّر عنها في العبارة التي تستعمل أكثر من أي عبارة أخرى (ما عدا المجد والآن…) في صلواتنا: “بعد ذكرنا الكلية القداسة الفائقة البركات المجيدة… لنودع بعضنا بعضاً…”

هذا النص يزوِّدنا بأيقونة فعلية عن شركة القديسين. بشكل ثابت المسيح إلهنا هو في المركز، المخلّص والوسيط الوحيد، الذي عليه يستند كل شيء آخر. بجانب المسيح تقف والدته، الأكثر رفعة بين خلائق الله، ” الأكرم من الشيروبيم والأرفع مجداً بغير قياس من السيرافيم”، كما توصف في العبادة الأرثوذكسية. ولكن، وبمقدار تعظيمها، فهي دائماً مكرَّمة مع المسيح وتاليةً له، أبداً ليست لوحدها باستقلال عن ابنها. يسوع هو مخلِّصها وفاديها، مخلص وفادي كل الجنس البشري.

حتى ولو كنا نحن الأرثوذكس في بعض الأحيان نقول لوالدة الإله عبارات مثل: “أيتها الفائق قدسها والدة الإله خلصينا” أو “أنت خلاص الجنس البشري”، لكننا نبقى بثبات مقتنعين أنه لا يوجد وساطة أو خلاص بمعزل عن المسيح. مهما كان فعل مريم فهو بالكلية من خلاله وفيه. بعد والدة الإله يأتي القديسون الراقدون على الإيمان، وأخيراً، الأعضاء الأحياء للكنيسة على الأرض “بعضنا بعضاً” كما تعبّر عنها كلمات الصلاة. بهذه الطريقة، بعد ذكرنا مريم والقديسين والأحياء وإيداع أنفسنا للمسيح، نعبّر عن إحساسنا بالارتباط وأننا معاً من خلال الصلاة المشتركة نكوِّن عائلة واحدة.

العبارة “بعد ذكرنا…” تحتوي فعلياً على الأسماء أو الألقاب الثلاثة لوالدة الإله التي هي الأهم في التقوى الأرثوذكسية: “الكلية القداسة”، “دائمة البتولية”، و “والدة الإله”. هذه الألقاب الثلاثة جميعها نجدها في التقليد الآبائي المبكّر

“الفائقة القداسة” غالباً أعطيت لمريم من قبل أوريجنس في أواسط القرن الثالث (في مواعظه حول إنجيل لوقا  الإصحاحات 7 و19)، واستعملت بلا ريب من قبل إفستاثيوس القيصري في بداية القرن الرابع (التاريخ الكنسي 3،16). الأرثوذكسية فهمت أن هذا اللقب يعني أنها برئية من أي خطيئة فعلية، بالرغم من أنها وُلِدَت عرضة لتأثيرات الخطيئة الجدّية، مشتركة في ذلك مع كل الرجال والنساء القديسين في العهد القديم. بالتالي فالكنيسة الأرثوذكسية ترى فيها الكمال الأسمى للقداسة في شخص بشري، النموذج والمثال لما يكوِّن، بنعمة الله، الإنسان حقيقةً، ولكنها لا تقبل التعليم الكاثوليكي حول الحبل بلا دنس.

اللقب الثاني “دائمة البتولية”، يعود بالتاريخ على الأقل إلى القرن الرابع.

غالباً قد استعمل من قبل القديس بطرس الإسكندري (+311). وبالتأكيد فقد استخدم من قبل القديس أثناسيوس (في مواعظه ضد الآريوسيين وفي شرحه للمزامير). في القرن الذي يسبقه، يؤكد أوريجنس بوضوح إيمانه ببتولية مريم الدائمة، بالرغم من أنه فعلياً لا يستعمل المصطلح “دائمة البتولية” بالتحديد في كتاباته الموجودة. هو يعتبر أن “إخوة” الرب هم أولاد يوسف من زواج سابق، وهنا يختلف بالرأي مع القديس جيروم، الذي يعتبر أن إخوة يسوع هم أقرباؤه. الكنيسة الأرثوذكسية عادة تتبع رأي أوريجنس في هذه النقطة.

وبالنسبة للقب الثالث “والدة الإله” فقد استعمل أيضاً من قبل أوريجنس، وبعد ذلك من قبل سلسلة من الكتاب في القرن الرابع، بما فيهم ألكسندروس الاسكندري، إفسابيوس القيصري، القديس أثناسيوس، القديس كيرلس الأورشليمي، القديس غريغوريوس النزينزي، والقديس غريغوريوس النيصصي، ويصادف أيضاً من مقطع على بردية من القرن الثالث أو الرابع (Sub tuum paresidium) والتي تحتوي على واحدة من أقدم الصلوات المسيحية للمغبوطة مريم، والمعروفة لكل من المسيحيين الشرقيين والغربيين: “يا والدة الإله إذ قد لجأنا تحت كنف تحننك فلا تعرضي عن توسلاتنا في الضيقات بل نجّينا من كل الشدائد” (أنظر نهاية صلاة النوم). قبل هذا بكثير، اللقب “والدة الإله”، يدل عليه ضمناً وبوضوح القديس إغناطيوس الأنطاكي في المقطع الشهير الذي كتبه في السنوات الأولى من القرن الثاني: “ربنا يسوع المسيح قد حُبل به من مريم عبر التدبير”

هذا المصطلح أصبح شائعاً على عهد الامبراطور يوليانوس الجاحد (363) الذي كان يهتف بازدراء: “أنتم المسيحيين لا تكفّون عن تسمية مريم والدة الإله”.

اللقبين الثاني والثالث يظهران أيضاً في التحديدات العقائدية للمجامع المسكونية السبعة. “والدة الإله” استُعمِل في المجمع المسكوني الثالث في أفسس (431)، واللقب “دائمة البتولية” في المجمع المسكوني الخامس في القسطنطينية (553). اللقب “الكلية القداسة” يوجد في أعمال الجلسة الرابعة من المجمع المسكوني السابع في نيقية (787) بالرغم من أنه ليس في التحديد العقائدي للمجمع. لكن المجمع يصف مريم بأنها “كلية الطهارة، البرئية من كل عيب” “Achrantos” المصطلح الذي يطلق عليها في العبارة المذكورة سابقاً “بعد ذكرنا…”

 

الأم والطفل

الأهم بين الألقاب الثلاثة هو بدون شك “والدة الإله”. في الواقع، يمكن القول أن الكنيسة الأرثوذكسية ليس لها تحديد عقائدي رسمي آخر فيما يتعلق بالعذراء مريم بمعزل عن اللقب “والدة الإله”. عندما استعمل المجمع المسكوني الخامس لقب “دائمة البتولية”، والمجمع المسكوني السابع اللقب “الكلية القداسة”،لم يقضِ أي من المجمعين أن تؤول هذه الكلمات إلى مفهوم عقائدي خاص. ولكن عندما صادق آباء مجمع أفسس على الاسم “والدة الإله” كان هذا فقط بعد مناظرة عقائدية محددة، وقد فُهِم هذا اللقب من قِبَل المجمع في اقتنائه دلالة عقائدية دقيقة. قبل وبعد أفسس، على حد سواء، لوحظ أنه مركزي لاعتراف صحيح بالإيمان المسيحي: “إذا كان أحد لا يعترف أن العذراء مريم هي والدة الإله”، يقول القديس غريغوريوس النزينزي (329-389) “فهو مقصى عن الله”. والقديس يوحنا الدمشقي يؤكِّد: “الاسم والدة الإله يعبِّر عن كل سر التدبير الإلهي للخلاص”. بينما نحن الأرثوذكس نؤمن بثبات ببتولية مريم، فالأمر الهام بما لا يعلى عليه بالنسبة لنا هو دورها كمانحة للولادة، أمومتها الإلهية. هي ليست ببساطة وفي المقام الأول “البكر النقية”، ولكن فوق كل شيء هي أم – أم المسيح إلهنا، وليس هذا فقط، ولكن أيضاً الأم الكونية، أم كل الجنس البشري، معطية الحياة لكل الخليقة

كيف يمكن ترجمة المصطلح Theotokos؟ التعبير “والدة الإله” الذي غالباً سوف أستعمله، هو الأكثر ملائمة والأكثر أناقة، بصرامة أقول أنه ليس ترجمة بل إعادة صياغة

“أم الله” (باليونانية Mêter tou Theou) هو في الواقع اسم جلي وواضح، أعطي لمريم من قبل كتاب مسيحيين على الأقل منذ أوائل القرن الرابع، وجِد مثلاً في حديث الإمبراطور قسطنطين الكبير (337) “إلى مجمع القديسين”: “حمل بدون زرع… والبكر العذراء والدة الإله”. إنه من الأدق ترجمة Theotokos إلى “من ولدت الإله” (God bearer, Bearer of God, Birth giver of God)

دعونا نعتبر اللقب “والدة الإله” تحت الشكلين، وإذا نظرنا إلى مقطعيه الكلاميين الأولين Theo والتاليين Tokos. ماذا يعني أولاً كون مريم ملقبة بِـ “معطية الولادة” أو “أم الله” وأنها من ثم أم حقيقية؟ بكلام آخر، ما هي المعاني المتضمنة بهذا الاسم أولاً لفهمنا لشخص المسيح، وثانياً لفهمنا لشخص مريم؟ ما هو، أولاً، المعنى المركَّز على المسيح في هذا الاسم، وماذا يخبرنا عن تجسّد الله؟ وثانياً، ما هو المعنى الإنساني والكنسي؟ وماذا يخبرنا عن مريم كنموذج أصلي للنفس والكنيسة؟

المعنى الخريستولوجي للاسم  Theotokosهو ملخّص من قبل القديس كيرلس الاسكندري (444) في الحرم الأول من حرماناته الإثني عشر. “إذا كان أحد لا يعترف أن عمانوئيل هو حقاً الإله، وأنه لهذا السبب، العذراء القديسة هي والدة الإله، كونها بالجسد ولدت الله الكلمة الصائر جسداً، فليكن محروماً”. هنا الحافز الأساسي عند القديس كيرلس لتسمية مريم والدة الإله واضح فوراً. لقد رأى هذا كعامل أمان وكضمانة لوحدة المسيح الأقنومية. القضية بينه وبين نسطوريوس خلال النزاع في السنوات (429-431) حول اللقب “والدة الإله” لم تكن بشكل أساسي عن تكريم شخص مريم، حتى نسطوريوس يعلِّق “لا تجعل العذراء إلهة”. النقطة الأساسية للنزاع كانت بالأكثر كمال إنسانية المسيح ووحدته الأقنومية. لم يكن نزاعاً مريماً بل خريستولوجياً. نسطوريوس كان مهتماً بالتأكيد على سلامة وكمال طبيعة المسيح الإنسانية، وكان خائفاً أنه إذا دعيت مريم والدة الإله، فهذا سيجعل المسيح أقل من إنسان حقيقي. رأى في هذا اللقب خطراً خفياً للأبولينارية. إذ تبنى النظرة الأنطاكية التقليدية، فقد رسم تمييزاً حاداً بين ما يمكن أن ينسب إلى ألوهة المسيح وبين ما يمكن أن ينسب إلى إنسانيته. “لقد حوى كل الأشياء البشرية في إنسانيته وكل الأشياء الإلهية في لاهوته، لأن الولادة من إمرأة هي أمر بشري، ولكن الولادة من الآب بدون بداية… الواحدة أزلية والثانية زمنية”. ولهذا احتج قائلاً: “لا أستطيع أن أعبد إلهاً ولد ومات ودفن”. ولهذا فريم بالنسبة لنسطوريوس هي أم الطبيعة البشرية التي اتحدت بالله الكلمة، ولكنها لا يمكن، بمعنى دقيق، أن تدعى والدة الإله الكلمة نفسه. بالرغم من أنه (نسطوريوس) سمح باستعمال الاسم Theotokos بشروط معينة حذرة، فقد كان يعتبر أنه من الضلالة أن ندعو مريم “من ولدت الإله Theotokos ” أو “من ولدت الإنسانAnthropotoks ” وكان يفضل اللقب Christotokos “والدة المسيح” لأنه، كما كان يؤكّد، أن الكتب تقول أن “المسيح قد ولد” (متى 16:1)

إجابة القديس كيرلس على هذا الموضوع تظهر بوضوح في رسالته الثانية إلى نسطوريوس: “عندما تجرّأ الآباء على تسمية العذراء القديسة “والدة الإله”  فإنهم لم يعنوا بهذا أن طبيعة الكلمة أو ألوهيته تنشأ من العذراء القديسة. ولكن بأن جسده المقدّس، قد ولد منها، ولأن الكلمة قد اتَّحد أقنومياً مع ذاك الجسد، يقال بأنه قد ولد منها بحسب الجسد”

المفتاح لوجهة نظر كيرلس هو أنه يعتبر الأمومة كعلاقة بين أشخاص، وليس بين طبائع. بكلمات لاهوتي أرثوذكسي روسي، الأب جورج فلوروفسكي (1893-1979): “الفكر المسيحي يتحرك دوماً في فضاء الشخصيات، وليس في حقل الأفكار العامة. إنه يدرك سر التجسد كسر الأم والطفل”.

نفس النقطة يشدد عليها البابا يوحنا بولس الثاني في منشوره البابوي Redemptoris Mater (25 آذار 1987): “الأمومة دوماً تؤسِّس علاقة فريدة ولا تتكرر بين شخصين: بين الأم والطفل وبين الطفل والأم”. نفس الشخصانية تسيطر في فكر القديس كيرلس خلال النزاع النسطوري. ما تلده الأم ليس هو الطبيعة بل الشخص، وفي حالة المسيح، كما كان القديس كيرلس مقتنعاً، ليس هناك موضوع شخصي آخر غير الله الكلمة. خطأ نسطوريوس كان أنه يفكّر في مصطلح طبيعتين أكثر من تفكيره في شخص واحد، ولهذا فشل في إدراك أن الموضوع الأهم فيما يتعلق بالمسيح المتجسد هو دوماً الكلمة الإلهي. صحيح أن الإله في ذاته لا يخضع لولادة بشرية، ولكن مريم ليست أم الطبيعة الإلهية، هي أم شخص الله الكلمة. الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تولد من إمرأة. ولكن كامل سر معجزة التجسّد يكمن في هذا – أن الأقنوم الثاني من الثالوث، في تنازله وإفراغه لذاته، يمتد ليصير شخصاً خارج حدود طبيعته الإلهية، آخذاً الإنسانية بالكلية وبالحقيقة في وجوده الشخصي ومتقبّلاً كشخصٍ ولادة إنسانية حقيقية من إمرأة

إذا كنا لا نقول أن مريم ولدت الإله المتجسّد بالجسد، عندها من خلال وجهة نظر القديس كيرلس فالمقابل الوحيد أو الخيار الآخر هو أن نقول أنها ولدت إنساناً عادياً

فقط من خلال التأكيد على “والدة الإله” يمكننا تفادي تقسيم المسيح المتجسد إلى موضوعين شخصيين، موجودين معاً بشكل مهَلهَل في جسد واحد. اللقب “والدة الإله” يحمي الوحدة الجوهرية في شخص المسيح، وهؤلاء اللذين يجحدونها هم مجبرون – إن شاؤوا ذلك أم لا- على قبول إزدواجية أو ثنائية الأبناء: “هؤلاء الذين بغباوة يدافعون أن العذراء القديسة ليست والدة الإله، بالضرورة يسقطون في خطأ التأكيد على ابنين لله. لأنه إذا كانت العذراء القديسة لم تلد، بالجسد، الإله المتجسد، فهم بالضرورة يجب أن يعترفوا – حتى ولو لم يودّوا هذا – أنها قد ولدت إنساناً عادياً على قدم المساواة لنا… ولكنهم إذا قالوا أن الطفل المولود من العذراء القديسة هو الله بالحقيقة، أي الكلمة من الله الآب، متحداً بالطبيعة مع الجسد، فلماذا هم خائفون أن يعترفوا أن العذراء القديسة هي والدة الإله؟”

“والدة الإله” ليس لقباً اختيارياً للتقوى، ولكنه المحكّ للإيمان الحقيقي بالتجسد. أن تنكر والدة الإله يعني أن تضع تحت التساؤل وحدة شخص المسيح كإله متجسد. في تعليقه على المقطع (يوحنا 14:1) “الكلمة صار جسداً” يلاحظ القديس أثناسيوس أنه “صار إنساناً” وليس  “دخل في إنسان” . هنا تماماً يوجد الفرق عند القديس أثناسيوس بين المسيح وبين نبي أو قديس. في حالة النبي أو القديس الله يحرِّك شخصاً بشرياً. ولكن المسيح ليس شخصاً بشرياً يحرِّكه الله. إنه الكلمة صار جسداً، الشخص الثاني من الثالوث، شخص إلهي بذاته صار إنساناً بالكامل. التجسد يدل على أن الله نفسه أصبح بالحقيقة واحداً منا “مساوٍ بالجوهر لنا من خلال الإنسانية” كما يصرّح التحديد الخلقيدوني. اللقب “والدة الإله” يدعم هذه الحقيقة المعطية الحياة للإله المتجسد. كما يقول المجمع المسكوني السابع في تحديده العقائدي حول الأيقونات المقدسة “نحن نعترف أن سيدتنا القديسة مريم هي بدقة وبالحقيقة والدة الإله لأنها ولدت بالجسد أحد الثالوث القدوس، المسيح إلهنا”. إذا جعلنا مريم أقل من “والدة الإله”، عندها نجعل المسيح ذاته أقل من الإله المتجسد. الاسم “والدة الإله” متلازم مع الاسم “الإله الإنسان Theanthropos“. الإثنان ينتصبان ويسقطان معاً. عقيدة الاتحاد الأقنومي تتضمن وتقتضي الإيمان بأمومة مريم الإلهية. المصطلح Theotokos هو بالتالي، يورد الأب جورج فلوروفسكي “تحديد عقائدي في كلمة واحدة”

لهذا، الاسم المميّز “والدة الإله”، يجعل الربط الأساسي بين مريم والمسيح واضحاً. المريولوجي (Mariology) هو جزء من الخريستولوجي (Christology). شخص المغبوطة مريم وتكريمها يمكن فهمه بالشكل الصحيح فقط من خلال المفهوم الخريستولوجي. كما يشدد البابا بولس السادس في منشوره الرسولي Marialis Cultus (2 شباط 1974): “نقطة المصدر الأساسية في كل تكريمنا للقديسة مريم هو المسيح نفسه”. البابا الحالي يقول الشيء نفسه في منشوره Redemptoris Mater “فقط من خلال سر المسيح يصير سرّها واضحاً بالكلية”. ليس لنا أن نفصل الأم والطفل عن بعضهما. إذ يفهم بشكل صحيح، فإن التكريم والشرف المعطى لوالدة الإله لا يقلَّل بأي حال من الأحوال الشرف المنسوب أو المقدَّم إلى المسيح، لأنه من أجل الابن نكرِّم الأم. بكلمات الكالفيني ريشارد باكستر الذي يكتب في العام 1781: “ليس تقليلاً لشرف المسيح أنه يجعل من مخلوقات مرافقة لي مصدراً لفرحي”. في الواقع، هو لم يكن يتحدَّث عن مريم بل عن زوجته مرغريت التي توفت حديثاً، ولكن بالتأكيد كلماته يمكن تطبيقها بالتساوي على والدة الإله

إن الرباط الذي لا ينفك بين مريم والدة الإله وسر التجسد يعبَّر عنه باستمرار في أعظم الأشعار المسيحية الشرقية المنظوم على شرفها وهو المديح الذي لا يجلس فيه، المكتوب في منتصف القرن السادس غالباً من قبل القديس رومانوس المرنم. يحتوي على سلسلة من الهتافات لوالدة الإله تبدأ كل منها بالكلمة “إفرحي”، وغالبية هذه الهتافات تشير مباشرة إلى دور مريم في ولادة المسيح. تسمَّى “النجم المنبئ بظهور الشمس”، “السلم السماوي التي بها انحدر الإله”، ” الجسر الذي يقود البشر من الأرض إلى السماء”، “الفجر المضيء للنهار السري”، “الهيكل الحي”، “مظلة الإله الكلمة”، ” الأعظم من قدس الأقداس”، “القوس المذهَّب بالروح”. كل هذه العبارات وغيرها لها مصدر خريستولوجي ظاهر. بالنسبة لكاتب المديح، مريم هي “الأرض”، “الأرض الأم”، بينما المسيح هو “الزرع”. هي “الحقل”، “المائدة”، النبع”، بينما هو “الحصاد”، “الاحتفال”، “النهر”. الأم والابن هما معاً جزء من دراما واحدة، سر غير منقسم. المديح، باستعماله الغني للرموز الشعرية، يوضح مركزية الرمز في التفكير اللاهوتي. ذلك لأن الصور الشعرية في المديح ليست فقط ذات عمل أسلوبي أدبياتي، ولكن فوق كل شيء عقائدي. الشعر هو بشكل رئيسي لاهوتي.

مما يستحق الملاحظة هنا أن الآباء، حينما يكتبون شعراً أو نثراً، فهم يؤيّدون أفكارهم من خلال ترابط الرموز أكثر من استعمالهم لسلسلة من التفكير الاستنتاجي. وإذا كانت الرمزية مهمة لكل اللاهوت، فهي بشكل خاص هامة من أجل اللاهوت حول مريم

 

الحزن المفرِح

إذا كان هذا هو المعنى الحقيقي للقب “والدة الإله” من أجل فهمنا للمخلص، فماذا يخبرنا إذاً عن موقع وخبرة مريم ذاتها؟ للإجابة فإنه من الأفضل النظر إلى الرواية اللوقانية لحادثة البشارة. يوجد هنا ثلاث نقاط ذات أهمية خاصة. أولاً، والدة الإله تعبّر عن عنصر الفرح في حياتنا المسيحية. هذا ما يشار إليه بالكلمة الافتتاحية “إفرحي” Chaire (لوقا 28:1). في النسخ الأقدم من الكتاب المقدس تترجم بالكلمة Hail (King James, Douai, RSV) كما كانت ببساطة سلاماً عادياً، مرادفة للكلمة العبرية Shalom. وأيضاً (New English Bible) يتبنى بشكل ما الطريقة المطلقة للتحيّة. ولكننا بالتأكيد نعطي معنى أكمل للعبارة، وأيضاً للبقاء أقرب للمعنى الأدبي للعبارة اليونانية، بإتباعنا الإنجيل الأورشليمي نترجم الكلمة Chaire بِـ Rejoice. إذا كان الملاك جبرائيل قد اختار أن يبادر مريم بهذه الطريقة الخاصة، فهذا لأنه يحضر لها “أخباراً جيدة” عن فرح التجسد العظيم. العذراء مريم تظهر أنها هي من تتلقى ملء فرح تحنن محبة الله، والتي هي بالمقابل تنقل هذا الفرح إلى كل الجنس البشري. هذه نقطة أساسية في التكريم الأرثوذكسي للعذراء القديسة. كونها متلقية ومانحة للفرح، فهي تجسِّد عنصر السعادة والابتهاج في حياتنا الروحية. بالنسبة لنا هي مصدر لا ينضب للنور والرجاء. أيقوناتها، كما أشرنا سابقاً تعرف بألقاب مثل “فرح كل المحزونين” و”الفرح غير المتوقع”. في عيد ميلادها (8 أيلول) نرتّل لها: “ميلادك يا والدة الإله بشَّر بالفرح كل المسكونة”. في التسبحة الخاصة بها في قداس باسيليوس الكبير تسمى “فرح كل الخليقة” بينما في المديح نناشدها على أنها  “فرح كل الأجيال”.

كعلامة وتعبير عن الفرح، فمريم لها ارتباط موضوعي بشكل حاد مع عصرنا الحالي.

في المجتمع الغربي المعاصر هناك سعي متواصل وراء اللذة، ولكن بشهادة قليلة للفرح

معنى الفرح كعنصر رئيسي في الخبرة المسيحية يشدَّد عليه بصواب من قبل الأب ألكسندر شميمن (1921-1983): “المسيحية منذ بداياتها الأولى كانت إعلاناً عن الفرح، الفرح الوحيد الممكن على الأرض. صيَّرت الفرح الذي ظنناه غير ممكنٍ ممكناً. مع هذه الاستحالة، في قعر الظلمة، أعلنت وأبلغت عن فرح جديد يشمل الجميع، وبهذا الفرح حوَّلت النهاية إلى بداية. بدون إعلان الفرح هذا، المسيحية تصير مبهمة. فقط كفرح الكنيسة ظافرة في العالم، وخسرت العالم عندما خسرت الفرح، عندما توقفت عن أن تكون شاهدة له. من بين كل الاتهامات الموجَّهة ضد الكنيسة، المخيف أكثر من الكل أطلقه نيتشه عندما قال أن المسيحية لم يعد عندها فرح… أنظروا، إني أحضر لكم أنباء الفرح العظيم، هكذا يبدأ الإنجيل، وينتهي بما يلي: “وسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم” (لوقا 10:2 – 25:24) وعلينا أن نستعيد معنى هذا الفرح العظيم”

بجانب المسيح، والدة الإله هي فوق الجميع “فرح كل الأجيال”، التي تستطيع مساعدة جيلنا الحالي هذا في واجب استعادة الفرح العظيم، هذا الواجب الكلي الأهمية.

ولكن الفرح ليس على الإطلاق تفاؤلاً أو ابتهاجاً يتلاشى بسهولة. الفرح، كما يُفهم بالمفهوم المسيحي الحقيقي، ليس هو بمعنى من المعاني مجرد إقصاء للحزن. الفرح الأصيل، كما يقول الكاتب الأرثوذكسي تيتو كولياندر: “لا يحتاج لأسنان الضاحك العارية لكي يعبّر عن نفسه”

التقليد الأرثوذكسي، لدى معرفته مريم كعلامة للفرح، فهو يميِّز أيضاً المعاناة والمشقة التي كان عليها أن تقاسيها. خلال حياتها كانت متحدة مع ابنها في إخلائه لذاته. نُبِذت، طُرِدت، هُمِّشت، هي واحدة من هؤلاء “الفقراء” الذين تتحدَّث عنهم التطويبة الأولى. كما يعبّر عنها الشاعر السرياني نرسيس (502): “المسيح يسكن في حشا الفقيرة”. ولدت ابنها، ليس في أمان بيتها الخاص، ولكن في مدينة حيث كانت غريبة. إذ رحلت من الفندق، لم تجد لتستريح سوى كهف كان إسطبلاً. بعد الولادة أُنذِرت من سمعان “بالسيف” الذي سيخترق قلبها (لوقا 35:2). وكل حياتها عاشتها تحت ظل ذلك السيف.

كانت لاجئة، منفية، مجبرة أن تهرب مع ابنها ويوسف إلى أرض غريبة خوفاً على حياتها. ألم والدة الإله إذ وقفت عند الصليب يُذكَر باستمرار في الليتورجية الأرثوذكسية، إنه موضوع سلسلة من القطع الخاصة التي ترتَّل في أيام الأربعاء والجمعة وتعرف باسم الوالدية الصليبية، وأساسها يوصف بإسهاب في “نوح والدة الإله القديسة” لسمعان Logothete والذي يقرأ في الجمعة العظيمة

بكلمات القديس سلوان (1866-1938)، القديس المعلن حديثاً في أيار 1988، الراهب الروسي البسيط من جبل آثوس:

“لا يمكننا قياس عمق حب والدة الإله، ولكن هذا ما نعرفه نحن:

كلما ازداد ملء الحب، ازداد كمال معرفة الله

كلما ازدادت حرارة الحب، كلما ازدادت حرارة وتوهّج الصلاة

كلما ازداد كمال الحب، ازدادت قداسة الحياة

كلما عَظُمَ الحب، كان الحزن أعظم

إن والدة الإله لم تخطىء ولا بفكرة واحدة، ولا خسرت النعمة أبداً، ولكن حزنها كان غير متناه. عندما وقفت أمام الصليب، حزنها كان مثل المحيط غير المحدود، وروحها عرفت ألماً أعمق بغير قياس من ألم آدم عندما طُرِد من الفردوس، وهذا بسبب أن مقياس حبها كان أعظم بلا قياس من الحب الذي كان عند آدم عندما كان في الفردوس… لا يمكننا أن ندرك بشكل كامل حب والدة الإله، وهكذا لا يمكننا أن نفهم أساها. حبها كان كاملاً”

كما تشدِّد مواعظ القديس مكاريوس: “هؤلاء الذين ذاقوا عطية الروح يدركون ويشعرون بشيئين في الوقت نفسه: من جهة بالفرح والتعزية،  ومن جهة أخرى، الارتعاد والخوف والنوح”. في هذه الخبرة المزدوجة للحزن المفرح دخلت والدة الإله على درجة فائقة. إمتزاج الحزن والفرح هذا واضح بشكل ملفت للنظر في الأيقونة الخاصة التي تستعمل عندما يقع عيد البشارة في يوم الجمعة العظيمة، هذه الأيقونة تظهر رئيس الملائكة يحمل صليباً بالحجم الطبيعي بينما هو يحيّي والدة الإله. بنفس اللحظة التي فيها تسمع التحيّة “إفرحي”، تشاهد أيضاً رمز آلام ابنها.

 

الدعوة المقررة سلفاً

هناك سبب محدّد لفرح مريم. وهذا ينقلنا من نقطتنا الأولى إلى الثانية. هي تفرح لأنها مختارة. هيئة مريم في البشارة تعطينا مثلاً عن المعنى الحقيقي للدعوة. دعوتها المعطاة من الله يشدَّد عليها في الكلمة الثانية التي يوجهها لها الملاك ” Kecharitômenê” (لوقا 28:1)، والتي تترجم غالباً “الممتلئة نعمة” (Douai) ولكن ربما بشكل أصح يمكن ترجمتها “المفضَّلة جداً، ذات الحظوة العالية” (King James). مريم تسمّى “مفضَّلة” (favoured)، ممنوحة نعمة لإتمام دعوتها الفريدة. هي منتخَبة، معيَّنة من الله، مكرَّسة بالحقيقة. بالحقيقة، هذا الاختيار له بدايته ليس فقط منذ لحظة البشارة، ولكن منذ الحبل بها وولادتها، وحتى قبل ذلك بكثير. قبل كل الأجيال هي محدَّدة مسبقاً لواجبها الخاص كوالدة للإله. التجسد من العذراء لم يكن حدثاً عرضياً أو كيفما اتفق، ولكنه كان ثمرة تحضير حريص، الأمر الذي كان يُرى خارج الزمن في العناية الإلهية. أزلية دعوة مريم يشَدَّد عليها في العبادة الأرثوذكسية في عيد ولادتها (8 أيلول): “اليوم تولد الخيمة التي سبق تعيينها لإعادة صلحتنا مع الله”، نشدّد في النص الليتورجي لذلك اليوم، “هي محدّدة مسبقاً قبل الحبل بها كوالدة الإله”. كما يعبّر عن هذا البابا يوحنا بولس الثاني “في سر المسيح هي حاضرة حتى قبل خلق العالم، على أنها التي اختارها الآب كوالدة لابنه”

إن مريم كمدعوة من الله، فهي تشكّل مثالاً لنا جميعاً. هي التعبير الأسمى لما يعني أن يكون الإنسان صاحب دعوة. صحيح أن دعوتها فريدة، لا أحد من قبل ولا بعد قد صار – بالمعنى الأدبي والجسدي – أماً للإله. بالطبع هنا مفهوم آخر، رمزي ولكنه حقيقي، الذي فيه جميعنا، رجالاً ونساءً على السواء، مدعوون لنكون والدين للإله. إذا كانت هي مدعوة لواجب فريد، هكذا أيضاً كل واحد منا بطريقة مختلفة. يمكننا أن نطبّق، ليس عليها فقط بل على أنفسنا أيضاً، كلمات المعلم اليهودي (Barukh of Mezbizh): “كل واحد عنده الدعوة لعمل شيء كامل في هذا العالم. العالم بحاجة لكل إنسان بذاته”. في الدينونة الأخيرة، السؤال الحاسم – تساؤل التساؤلات – الذي سيعطى لكل واحد منا هو تماماً لماذا لم نوصل إلى المنتهى ذلك الوجود الإنساني الوحيد والفريد الذي كل واحد منا كان مدعواً ليكونه، لماذا لم نميّز، كل واحد منا، ذواتنا الحقيقية؟ لنأخذ قولاً من (Tales of the Hasidim): “قبل موته، قال الرابي  Zusya: “في العالم الآخر، لن يسألونني: لماذا لم تكن موسى؟ سوف يسألونني: لماذا لم تكن Zusya ؟”. الله لا يعمل الشيء نفسه مرتين. نحن البشر لسنا حاويات قابلة لاستبدال أحدها بالآخر، لسنا قوالب مبرمجة على كمبيوتر، ولكن داخل كل واحد منا هناك كنز لا يقدّر بثمن ولا يوجد عند أي أحد آخر. منذ الأزل شاهد الله كل واحد منا في تمايزه الكلي، كما شاهد والدة الإله في تمايزها. ومن كل واحد منا، كما منها، هو يرجو الشيء الذي لا يتوقعه من أي أحد آخر. كل واحد منا هو محدَّد مسبقاً، مختار في المسيح “قبل خلق العالم” (أفس 4:1). هنا أيضاً نشاهد موضوعية والدة الإله، ارتباطها بمجتمعنا الغربي المعاصر. في عصر مثل عصرنا، عندما الكثيرين منا يُبتلون بضياع الهدف، شعور بعدم الفائدة، نقص في تقدير النفس، المغبوطة مريم ترينا ما معنى أن تكون مختاراً من الله.

في إدراكها وقبولها لدعوتها، في موقع انفتاحها، مريم تقف أمامنا بشكلٍ سامٍ على أنها الذي يصغي بإيمانٍ طوعياً. الإيمان هو جوهر إستجابة مريم في البشارة، والإيمان يفترض الإصغاء. عندما نفكّر في طاعتها، من المهم إعطاء الكلمة “طاعة” مفهومها الحقيقي والأدبي. في اللاتينية “obtaudire” وفي اليونانية “hypakoi” تفيد “أن أسمع”، “ليكن لي بحسب قولك” مريم تجيب الملاك (لوقا 38:1). والدة الإله تصغي لكلمة الله. القراءة الإنجيلية في معظم الأعياد التي على شرفها مركَّزة على رد المسيح للمرأة في المجمع: “بل مغبوطون هم الذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها” (لوقا 28:11). هذا الجواب، من وجهة نظر سطحية قد تبدو وكأنها تقلّل من شأن والدة الإله، ولكنها بالحقيقة تشير إلى ما هو مجدها الحقيقي.

هي مغبوطة، ليس بمجرد فضيلة ولادتها الطفل بالجسد حقيقةً، ولكن بالأحرى أيضاً لفضيلة العمق الروحي لإيمانها الداخلي ويقظتها لكلام الله. لو لم تكن أولاً قد تعلّمت أن تسمع كلمة الله في قلبها، لما استطاعت أبداً أن تلد الكلمة متجسّداً في جسدها.

الإنجيل بتكرار يؤكّد على هذه الخاصية لمريم، أنها من يصغي. بعد سجود الرعاة، يقال أن “مريم حفظت كل هذه الأشياء متأملة بها في قلبها” (لوقا 19:2). كلمات مشابهة ترد بعد اكتشافها ليسوع ذي الإثني عشر عاماً في الهيكل :”أمه حفظت كل هذه الأشياء في قلبها” (لوقا 51:2). أهمية الإصغاء واضحة وجلية في كلمات مريم ذاتها للخدّام في عرس قانا الجليل “مهما قال لكم فافعلوه” (يوحنا 5:2). هذا هو القول الأخير المسجَّل لوالدة الإله في العهد الجديد، وهو يلخِّص بدقة ميراثها الروحي للجنس البشري: “مهما قال لكم فافعلوه”. أصغوا، إنتظروا الله.

مرة أخرى ارتباط مثال مريم بعصرنا الحالي هو ظاهر بسهولة. عالمنا هو المكان الذي فيه تتضاعف الكلمات ببراعة غير عادية – على الراديو والتلفيزيون، على أشرطة الكاسيت، الطابعات ومنتجات الورق – ولكننا نسينا فن الإصغاء. والدة الإله، الشخص الذي يصغي، بمثالها الخاص يمكنها مساعدتنا في إعادة إكتشاف الأبعاد الضائعة للعالم الداخلي. الروحانية البيزنطية ترى فيها الهاديء (hesychast) المثالي، أيقونة حية لما يعنيه اختبار الهدوئية، سكون القلب. كلمات صاحب المزمور: “إهدأ، واعلم أني أنا هو الله” (مز 11:46) تنطبق عليها تماماً.

 

استجابة بحرّية

إذاً، كل هذا نتعلّمه حول مريم من رواية البشارة. هي مصدر فرحنا، ومن خلالها نحن قادرون أن نفرح. هي تعلّمنا بمثالها ما معنى أن يكون عندك دعوة، وكيف تكتشف هذه الدعوة من خلال الإصغاء في صمت مبدع. ولكن قصة البشارة تخبرنا شيئاً آخر. في المقام الثالث، تشير القصة كيف أن المغبوطة مريم هي صورة للحرية والتحرر الإنساني. مريم مختارة، ولكن هي نفسها تختار. رواية القديس لوقا تتحدّث ليس فقط عن دعوة إلهية ولكن أيضاً عن استجابة بشرية، يضع أمامنا كامل حوار النعم مع الحرية. مريم كانت محدَّدة مسبقاً لتكون والدة الإله، ولكنها أيضاً كانت حرّة. الثالوث القدوس كان عنده خطة لها ولنا جميعاً، ولكنه لم يفرض تلك الخطة بالقوة. كما يقال في “الرسالة إلى ديوجينس” :”الله يحثّ، ولكنه لا يُجبِر، لأن العنف غريب عن الطبيعة الإلهية” .

في البشارة، الله ينتظر القبول الطوعي لتلك التي اختارها لتكون أمه. إنه يطلب سماحها. “ها أنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 38:1). في رد مريم نجد الإنسانية تقول نعم لله. وهذا الرد، أي قبول دعوتها المقرّرة سلفاً، ليست خاتمة موضوعة سابقاً. كان بإمكان مريم أن ترفض. هي لم تكن مجرّد أداة مطواعة لتجسد الله ولكن مشاركاً فعالاً في السر. ما نشاهده فيها ليس الاستسلام بل الميثاق، ليس الخضوع بل المشاركة، ليس الإذعان بل تبادل العلاقة. هي صانعة قرار. كما يشدد البابا بولس السادس في (Marialis Cultus)، هي “أُخِذَت إلى حوار مع الله”، وهي “تعطي موافقتها الفاعلة والمسؤولة”. علينا أن ننظر إليها ليس كـَ “إمرأة خاضعة بجبنٍ” ولكن كمن يقوم بـِ “خيار شجاع”. كلمات القديس بولس “نحن مشاركون بالعمل “synergoi” مع الله” (1كور 9:3)، تنطبق عليها بشكل أساسي. هي تعبّر، بالتمام أكثر من أي إنسان آخر، عن الطبيعة الأصلية للمشاركين بالعمل، للتعاضد بين النعمة الإلهية والطبيعة البشرية. كما يعبّر عن هذا القديس إيريناوس أسقف ليون (200): “مريم تتعاون مع التدبير”. ليست هي مجرّد أداة بل مثل مدير مساعد (joint operator)، وكيل أو عامل (actor). البابا الحالي بنفس الطريقة يلفت الانتباه إلى هذه السمة لوالدة الإله في منشوره البابوي مشيراً إلى “التعاون الكامل مع نعمة الله”، إنها بالتأكيد حقيقة لافتة للنظر أنه، بينما أن خلق العالم تم ببطء بعمل الإرادة الإلهية، فإن إعادة خلق العالم قد بدأ بالتحقق، بواسطة تدبير الله، بقرار فتاة ريفية شابة مخطوبة لنجار.

بينما الكاثوليك يوافقون بسهولة مع الأرثوذكس حول الأهمية الحاسمة لاختيار مريم الحر، فغالباً فإن وجهة مختلفة يتم تبنيها من الكتاب البروتستانت، خصوصاً هؤلاء الذين هم من التقليد الكالفيني. “ليس هناك إقتراح”، يقول الكالفيني المحافظ  جون وينهام عن البشارة، “أنها هي تتخّذ قراراً يعتمد عليه خلاص العالم”. هو يلجأ إلى جملة كارل بارث والتي هي خطأ أساسي، هرطقة يجب أن يقال لها “لا” بصرامة، وهي أنه يرى في مريم “مخلوقاً إنسانياً يتعاون كخادم في إفتدائه الذاتي على أسس النعمة السابقة”.

بالنسبة لبارث، علينا فهم دورها “في شكل اللاإرادي، غير المنتج، غير المبدع، ليس إنساناً ذو سيادة، ولكن في شكل الإنسان الذي يستطيع فقط أن يتلقّى، مجرّد أن يكون جاهزاً، مجرّد أن يدع شيئاً يُعمَل له ومعه”.

المسيحي الأرثوذكسي مدفوع ليعترض على هذه النقطة. بينما لا يوجد أي تساؤل أو شك حول أولوية نعمة الله في المرتبة، فنحن نؤمن أن قيمة كاملة يجب أن تعطى أيضاً للحرية البشرية. “بدوني لا يمكنكم أن تعملوا شيئاً” يقول الرب (يوحنا 5:15). لكن إرادتنا الحرة هي أيضاً لا غنى عنها. إذا كان صحيحاً أننا بدون الله لا نستطيع أن نعمل شيئاً، عندها صحيح أنه بدوننا الله لن يعمل شيئاً. بكلمات القديس مكاريوس في مواعظه “الإرادة الإنسانية هي شرط أساسي، لأنه بدونها الله لا يعمل شيئاً” . أهمية قبول العذراء الطوعي ظاهر بقوة في قانون صلاة السحر في عيد البشارة، الذي يأخذ شكل حوار بين والدة الإله ورئيس الملائكة. القانون يكشف تساؤل مريم إلى أقصى حدّ: “كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟” (لوقا 34:1) مريم تعبّر عن شكوكها مباشرة بصلابة، وكل ارتباكها وإحراجها يصير واضحاً. فقط بعد تردّد طويل هي توافق أخيراً أن تقبل خطة الله لها المعلنة بواسطة جبرائيل. بهذه الطريقة نستنتج بوضوح كبير أنها تتصرّف بحرّية كاملة وليست بأي شكل تحت الإكراه.

الاشتراك الفعّال لوالدة الإله في التجسد يشدَّد عليه بشكل خاص من قبل لاهوتي القرن الرابع عشر البيزنطي، القديس نيقولاس كاباسيلاس. في كلماتٍ للقديس نيقولاوس يوردها، بين أخرى، اللاهوتي الروسي فلاديمير لوسكي (1903-1958) يقول كاباسيلاس: “تجسّد الكلمة لم يكن فقط عمل الآب والابن والروح القدس – الأول بالرضا، الثاني بالتنازل والانحدار، الثالث بالتظليل – ولكنه أيضاً كان عمل إرادة وإيمان العذراء. بدون الأقانيم الإلهية الثلاثة، هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق. ولكن بنفس الطريقة لم يكن ممكناً جعله موضع التطبيق بدون قبول وإيمان العذراء الكلية الطهارة. فقط بعد تعليمها وإقناعها، الله يجعل منها أمّه ويتلقى منها الجسد التي تريد أن تهبه له بإرادة واعية. كما أنه هو كان مدفوعاً باختياره الحرّ، هكذا بنفس الطريقة هي صارت أمّه طوعياً وبموافقتها الحرة” .

كاباسيلاس ليس بيلاجيّاً، لأنه يقبل أولوية النعمة الإلهية: “بدون الأقانيم الثلاثة الإلهية هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق”، ولكنه على السواء يدرك المساهمة الكليّة الأهمية المفعولة من قبل حرية العذراء المخلوقة. إذا كنّا نكرّم مريم، فهذا ليس ببساطة لأنها اختيرت من الله، ولكن لأنها هي نفسها اختارت على نحو صحيح.

في عصر، الذي الكثيرين فيه مستعبدون – البعض خارجياً والبعض داخلياً – والدة الإله ترينا ما هو أن تكون حرّاً: كم هي صعبة الحرّية، كم هي مأساوية بعدة معاني، وأيضاً كم هو أساسي أن نكون أشخاصاً حقيقيين. من خلال هذه الاستعمال الصحيح للحرية الشخصية، كما في البشارة وخلال حياتها، هي تظهر لنا بهذه الطريقة ماذا يعني أن نكون بشراً بأصالة. هي نموذجنا ومثالنا، المرآة التي فيها نشاهد وجهنا الأصلي الصافي.

إذا أردنا فهم الأبعاد الكاملة للشخصية الإنسانية، ننظر قبل كل شيء إلى المسيح آدم الثاني، وبعد ذلك، بجانب المسيح، ننظر إلى مريم حواء الجديدة. كما يعبّر عن هذا G. K. Chesterton “الرجال هم رجال، ولكن الإنسان هو إمرأة”. (Men are men, but Man is a woman)

ما يميّز الوجود الإنساني عن بقية الحيوانات هو بشكل رئيسي حرية الاختيار، القدرة على صنع قرارات أخلاقية بوعي وبحس المسؤولية أمام الله. هذه النوعية المميَّزة للحرية الإنسانية هي عنصر رئيسي فيما نعني بصورة الله. ولا يمكن رؤية هذه الحرية معبَّر عنها بالحقيقة في أي شخص مخلوق مثل والدة الإله. بالتعاضد مع الله بإرادة، تصير شخصاً حقيقياً بالصورة والمثال الإلهيين، الثمار الأولى للخليقة الجديدة. هي “الإنسان الأول” الذي “أولاً ووحده يظهر طبيعتنا”. يوم ميلادها هو يوم ميلاد الجنس البشري، أو بالأحرى كل العالم. المديح يصف هذا بتعابير مماثلة:

إفرحي يا إنذاراً ساطعاً بمجد القيامة

إفرحي يا بدء الخليقة الجديدة والروحية

في هذا السياق، بإظهار مريم كأنها عالم صغير للخليقة الجديدة، يمكننا فهم صعودها إلى السماء. هذا الصعود يشدَّد عليه بوضوح في العبادة الأرثوذكسية، ولو لم نرد أن نراه مجدداً كعقيدة. تمجيد والدة الإله بالجسد يمكن تفسيره وإبرازه بمصطلحات أنثروبولوجية واسخاتولوجية (أُخروية). بما أن الشخص البشري هو وحدة كاملة للروح والجسد، فإننا ننظر أبعد من الموت إلى قيامة الجسد في اليوم الأخير. ونحن نؤمن أنه في حالة والدة الإله فإن هذه القيامة الأخيرة هي حالاً حقيقة منجزة. بالرغم من أن صعودها من وجهة نظر أولى هو امتياز فريد، ولكنه أيضاً توقّع لما هو أمل البشرية بالكامل.  ذلك المجد نفسه الذي تتمتّع به مريم الآن، كلنا نثق برحمة الله أننا سنشاركه في نهاية المطاف. التأكيد على تمجيد العذراء بالجسد هو بيان ليس عنها فقط بل عن الشخصية الإنسانية أيضاً.

 

مثالنا الفريد

مريم والدة الإله يمكن رؤيتها أو مقاربتها من وجهتي نظر مختلفتين. من جهة، في دورها كوالدة الإله يمكن أن تُرى كشخص فريد. في كل تاريخ الجنس البشري يوجد تجسد وحيد، ولهذا يمكن أن يكون هناك أم واحدة للمتجسّد. ولكن، من جهة أخرى، هي نموذجنا ومثالنا، وعلينا أن ندرك ليس فقط فرادتها، ولكن ما نشاركه في التشابه معها. كونها حواء الجديدة فهي تعبّر عن إنسانيتنا الكونية. إذا كانت هي قد اختيرت من الله واؤتمنت على دعوة مميزة، فكذلك نحن أيضاً، كل واحد منا في فرادته. إذا كانت هي قد استجابت طوعياً لنداء الله وتعاضدت معه بحرية، هكذا نحن أيضاً بإمكاننا فعل الشيء نفسه. كونها ترينا المعنى الحقيقي لما هو أن تكون شخصاً – بالاستعمال الصحيح لأغلى الهبات الشخصية، حرية الاختيار –  فهي تشكّل أفضل وأكمل تقدمة تستطيع إنسانيتنا أن تقدّمها للخالق.

بكلمات تسبحة أرثوذكسية تقال في غروب الميلاد:

ماذا نقدّم لكَ أيها المسيح

يا من ظهرتَ على الأرض كإنسان لأجلنا؟

فكل مخلوق من صنعك يقدم لكَ شكراً

الملائكةُ التسبيحَ

السمواتُ النجمَ

المجوسُ الهدايا

الرعاةُ التعجُّب

الأرضُ المغارة

القفرُ المذود

ونحنُ نقدّم لكَ أماً بتولاً

حواشي البحث

G. W. H. Lampe, a Patristic Greek Lexikon (Oxford 1961), p. 6391-

2-  –   الرسالة إلى الأفسيين، 18-2 –2

3- مذكورة عند القديس كيرلس الاسكندري، ضد يوليانوس 8 (الآباء اليونان 76، 901)

4- الرسالة 101 (الآباء اليونان 37، 117

5- عرض الإيمان الأرثوذكسي (الآباء اليونان، 94، 1029)

– 6- إلى مجمع القديسين، 11 ، عند إفسافيوس، الآباء اليونان 20، 12656

7- – العلم اللاهوتي المتعلق بالرب يسوع المسيح

8-  – 8- الرسالة 4،7

9- – حول الإيمان المستقيم، الآباء اليونان 76، 1205

10- المواعظ ضد الآريوسيين، الآباء اليونان 26، 338

.  11- العلم اللاهوتي المتعلق بمريم والدة الإله

12- – 12- طريق النساك، لندن 1960، ص 87

13- طريق النساك، لندن 1960، ص 87

– – 14- التريودي (النص الانكليزي)، ترجمة المطران كاليستوس وير والأم مريم، ص617-621

– 15- الرسالة إلى ديوجينيس 7،4

16- المواعظ الروحية 37،10

17- موعظة على عيد البشارة، الآباء اللاتين 19،488

المطران كاليستوس وير

عربها عن الانكليزية: الارشمندريت دامسكينوس كعدي

تعليم القديس يوحنا الدمشقي عن والدة الإله

$
0
0

تعليم القديس يوحنا الدمشقي عن والدة الإله

 

 

“إنه لحق وواجب أن نسمّي القديسة مريم والدة الإله. لأنه في هذا الاسم يتكون (يحتوى) كل سر التدبير الإلهي” (Εκδ ΙΙΙ, 12) (المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي ص 173)

1- عندما كتب القديس يوحنا الدمشقي، حوالي نهاية حياته الاعترافية، كتابه الأساس “التحديد الدقيق للإيمان الأرثوذكسي”( Ἒκδοσις ἀκριβὴς τῆς Ὀρθοδόξου Πίστεως)

بدأه مشدداً على التقليد الشريف للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة. كل ما كتب حول الله، حول الثالوث القدوس، حول المسيح، وحول والدة الإله الفائقة القداسة، هذا كتبه مستقياً من التقليد الشريف الذي كشفه ومنحه لنا الله عبر تدبير المسيح الخلاصي (Εκδ Ι,1). التقليد الشريف بالنسبة للدمشقي هو كل بناء وجسم الكنيسة الجامعة الرسولية، التي قد بنيت على “أساس حجر الزاوية” الذي بحسب بولس (1 كور 3: 11. أفسس 2: 20) و”صخرة اللاهوت” التي بحسب بطرس (متى 16: 18) “التي هي المسيح” (1 كور 10: 4)

الدمشقي الأمين لتقليد آباء الكنيسة العظماء المدافعين عن والدة الإله، يكرز بشكل واضح بفائقة القداسة أنها أولاً وحقاً والدة الإله.

ايقونة الايدي الثلاثة عندما قطع الخليفة يد القديس يوحنا الدمشقي عقاباً له على خيانته المزعومة عاد ومعه يده المقطوعة في بيته وسجد للعذراء لأنها منحته هذا الشرف فلم يجد الا يده سليمة وآثار القطع عليها وهذا ماجعل الخليفة يعتذر منه ويرجوه العودة لوظيفته امينا لبيت مال المسلمين... وتم تخليد هذه الاعجوبة بهذه الايقونة

> ايقونة الايدي الثلاثة عندما قطع الخليفة يد القديس يوحنا الدمشقي عقاباً له على خيانته المزعومة عاد ومعه يده المقطوعة في بيته وسجد للعذراء لأنها منحته هذا الشرف فلم يجد الا يده سليمة وآثار القطع عليها وهذا ماجعل الخليفة يعتذر منه ويرجوه العودة لوظيفته امينا لبيت مال المسلمين… وتم تخليد هذه الاعجوبة بهذه الايقونة


2- تعليم القديس يوحنا الدمشقي عن العذراء يشير بدقة إلى إرادة الله “القديمة والحقيقية”، “التي لتجسد الكلمة ولتأليهنا”. في “بحار محبة الله الغامضة غير المكتشفة” التي لها (لإرادة الله) أو لوحدة الثالوث المُبدئ الحياة “نحو هذه الكنائسية بوحدة إرادة الرأي” قد قررت قبل كل الدهور تجسد وتأنس الله الكلمة وتأله الإنسان. هذه “الإرادة المحددة” قبلاً من الله والتي قبل كل الدهور تظهر لنا “بحر صلاحه الوافر واللامتناهي”. وهذا الظهور يصير عبر والدة الإله القديسة: “محبة الله هذه غير الموصوفة نحو البشر ظهرت كلجّة”. هذا التحديد الإلهي للعذراء هو بالتأكيد غير مدرك من قبلنا، ليس صدفة ولكن وُجد في داخل الله مع سابق معرفته التي قبل الدهور لحرية اختيار واستحقاق العذراء وقداستها الشخصية: “إله الكل أحبّ استحقاقكِ الذي سبق فعرفه، ومحبّاً سبق فحدَّد في آخر الأزمنة أيضاً، وجعلكِ أماً ووالدة الإله وأبرزكِ مرضعةً لابنه وكلمته”. الكلمة “سبق فحدَّد” (بالنسبة للأهل) تعني هنا أن الله قد سبق فعرف ليس فقط استحقاق وفضيلة العذراء و”عذريتها الطاهرة”، ولكن أيضاً برَّ وعفّة وسيرة أهلها المرضية لله، لكي يعطي لهم هدية عظيمة بهذا المقدار، الابنة، التي ستلد الإله وبهذه الطريقة سيصيرون هم أنفسهم جدَّي الإله. هذه الكلمات الموضوعة توضح بشكل بديهي مبدأ التعاون بين الله وحرية الإنسان في كل تاريخ تدبير الخلاص.

هذا التدبير يصل إلى قمته ويكتمل في العذراء، التي بصورة رئيسية هي “مختارة” و”مطيعة” لله، عملت بغيرة و”شاركت بالعمل مع الثالوث” وشاركت في تدبير الخلاص كما لم يعمل أحد آخر منذ الدهر. بهذه الطريقة يرى القديس يوحنا الدمشقي، وبشكل عام الآباء القديسين، كل العهد القديم “دعوة” الله واختياره المسبق على مدى الأجيال (روم 5:11-7) أي نسب العذراء، التي منها سيولد مخلص العالم المسيح، مخلصٌ بالطبع أولاً، قبل كل فروع الأجيال هذا، قمتها التي هي العذراء، وبواسطتها لكل البشر.

يسميها القديس “ابنة آدم” بينما يدعو داوود الملك “الجد الأول وجد الإله” الذي من جذره “بحسب الموعد” وُلدت العذراء موحِّدةً بها الجذر الكهنوتي والملوكي. ميلاد العذراء من “أصل يسى” وبالرغم من الحل العجائبي، الحاصل بالنعمة الإلهية، لعقر حنة فهذا لا يشكّل بحسب القديس يوحنا الدمشقي استثناءً للعذراء من نسل الجد الأول ومن آدم أصل الجنس البشري. وُلدت العذراء من زرع يواكيم في رحم حنة، أي من العلاقة الزوجية الطبيعية ليواكيم وحنة، و”من الأرض وُلدت” ، “ورثت جسداً فاسداً من آدم”. وماتت أيضاً ميتة بشرية و”كابنة آدم… وبآدم ينحل الجسد إلى التراب” و”تنفصل طبيعياً” نفسها الكلية الطوبى والمقدسة والجسد “يثوي في القبر” وتالياً، فالعذراء الكلية القداسة كانت، كباقي البشر، وارثة لخطيئة آدم الجد الأول. هذا حتى أن القديس يوحنا الدمشقي يتكلم بدقة عن طهارتها وقداستها ونقائها بالروح القدس الحاصل لحظة حملها بكلمة الله.

3- هذا لا يعني أن القديس الدمشقي لا يقبل قداسة العذراء والدة الإله ولا يتكلم عنها. على العكس، إنه مع كل الكنيسة الأرثوذكسية يقبل ويمجّد قداسة العذراء الشخصية. ولكنهم يظهرون كم هو بعيد الأب القديس الأرثوذكسي عن الهرطقة الجديدة التي ابتدعتها كنيسة الروم الكاثوليك حول “الحبل بلا دنس” وولادة العذراء بدون خطيئة جدية.

هذه البدعة، حصيلة لهرطقة “عصمة” البابا الفاتيكاني (بيوس الرابع 1854)، لا تفصل العذراء عن أجدادها وأصل نسلها وعن باقي البشرية فقط، بطريقة ما ظالمة، بل هي ترفض كل معنى التدبير الإلهي المسبق في قصة العهد القديم، وبالأكثر، إنها تقلّل من استحقاقها الحقيقي وقداستها الشخصية. وليس هذا فقط، وإنما هذه العقيدة تقوّض واقع حقيقة خلاصنا لأنها ترفض وحدة طبيعة الجنس البشري الكاملة وتضع بالمقابل شكاً بحقيقة تجسد المسيح الخلاصي من مخلوق واحد ممثّل للجنس البشري

والدة الاله

والدة الاله


4- كلمة الله يسوع المسيح البرئ من العيب اتخذ، بحسب القديس الدمشقي، الطبيعة البشرية، كل الإنسان، لكي يخلّصه ويتحده بنفسه وبهذه الطريقة ليؤلّهه “اتخذ الكل واتحد الكل بالكل ليمنح الخلاص للجميع لأنه ما لم يتَّخذ لا يشفى” (Εκδ. ΙΙΙ,6). هذا “الاتخاذ” للإنسان في أقنوم كلمة الله بلا تشوش والاتحاد الأقنومي غير المنقسم (Εκδ. ΙΙΙ,2,9,22)

يؤكّد ويثبت دوام استمرارية الـ “الشركة الثانية” التي يتحدّث عنها القديس يوحنا الدمشقي متابعاً للقديس غريغوريس اللاهوتي. الـ “الشركة الثانية” أتت بعد انقطاع “الشركة الأولى مع الله” التي بآدم الأول، وتالياً فالمسيح وجد الإنسان ساقطاً واتخذه بجملته (لأن ما لم يتَّخذ لا يشفى) اتخذه بجملته ولكن بدون الخطيئة.

يشدّد القديس يوحنا الدمشقي بأن المسيح اتخذ “آدم بجملته قبل العصيان حراً من الخطيئة”، “ميلاد آدم الأول” (Εκδ. ΙΙΙ,1) أي طبيعته التي بدون خطيئة.

والدة الإله العذراء التي “حبلت بالمسيح مخلّص العالم” صارت أداة خلاصنا: “أم الله وأمته، الأرفع شأناً من القوات الملائكية أداة خلاصنا ولدت حمل الله الرافع خطيئة العالم”

لهذا نحن الأرثوذكسيون لا نقبل التفكير الكاثوليكي حول”الحبل بلا دنس” بوالدة الإله الذي يستثنيها من وراثة الخطيئة الجدّية، الأمر الذي يقوّض حقيقة تجسد الرب الخلاصي. نحن الأرثوذكسيين نؤمن حول (العذراء)، كما سلّمنا الآباء والقديس الدمشقي، أن توقير الغربيين المغلوط لشخص العذراء لا يمكن أن يكون مقياساً للإيمان وللحقيقة

التعليم المريمي للكنيسة الرومانية الكاثوليكية يعاني من فصلها عن التعليم عن المسيح  (Χριστολογία) والتعليم عن الخلاص (Σωτηριολογία)

5- بالرغم من أن العذراء والدة الإله وُجدت منذ لحظة الحبل بها خاضعة للخطيئة الجدية كوراثة لطبيعة آدم، هي نفسها شخصياً، وبحسب القديس يوحنا الدمشقي، ليس عندها أي خطيئة شخصية. يشدّد على قداستها الشخصية ويؤّكدها ويمجّدها كل الآباء وكنيستنا جامعة وبشكل خاص القديس يوحنا الدمشقي.

أن تكون جديرة بالخالق “ἀξία τοῦ Κτίσαντος” يُشهد له من الحدث أنها هي الوحيدة بين جميع المخلوقات عبر العصور قد حصلت على هذه القداسة لكي يصطفيها الله لتصير أم الله الفائق القداسة ولتخدم السر “الجديد تحت الشمس” أي تجسد كلمة الله. قداستها هذه تستند على مجمل تدبير الله الخلاصي.

مريم العذراء  هي بحسب طبيعتها “ابنة آدم”. ولكن بحسب إرادتها وفضيلتها الشخصية فإن القديس يوحنا الدمشقي يقارنها (يقاربها) بالجدين الأولين، ويظهر تفوق قداستها المطلق. وراثة الخطيئة الجدية لم يكن لها تأثير فاعل على مريم العذراء لأن إرادتها وكل قوى نفسها وجسدها كانت “موضوعة (مكرّسة) لله السيد”. أهلها الأبرار ولداها بالحكمة والعفاف، حتى أن القديس يوحنا الدمشقي يسمي “زرع” يواكيم “زرعاً طاهراً”

يصف القديس يوحنا قداستها والنعمة الممنوحة من الله ليواكيم وحنة. في لحظة البشارة، مريم العذراء، ابنة حواء، طبعاً ليس في الفردوس كتلك، وإنما في عالم خاضع للخطيئة، استحقت أن تسمع عن حق “إفرحي يا ممتلئة نعمة… لا تخافي يا مريم فقد وجدّت نعمة عند الله”.

 

6- يقول القديس يوحنا الدمشقي أن والدة الإله كانت “الأفضل والأبهى من الجميع” ويشملها مع “الجميع” والملائكة. لأنها أظهرت، بين الجنس البشري “العذرية المضاعفة”، قداسة تفوق على الشيروبيم والسيرافيم. لهذا فقداستها مرتبطة بدون انفصال ببتوليتها (عذريتها) الطاهرة (غير الفاسدة)، بتوليتها الدائمة. ولكن كل سر والدة الإله الكلية القداسة، كما علّمنا وسلّمنا الرسل والآباء القديسون، يلخَّص بالإجمال بـ “سر المسيح” وعلى أساسه يفسَّر.

عن سؤال اليهود: “ماذا تقدِّم لي؟ أتقدر إمرأة أن تلد الله؟” يجيب القديس بروكلس القسطنطيني: “لم أقل أن إمرأة تقدر أن تلد الله، ولكني أقول أن الله قادر على أن يتجسَّد مولوداً من إمرأة لأن كل شيء مستطاع عنده”.  ويكرّر القديس يوحنا الدمشقي هذا بقوله: “بإرادة الله تتحقق هذه الأمور، بإرادة الله كل شيء ممكن، ولا يصير شيء بدون إرادته”. إن قوة الله المطلقة هذه تتفق بحسب الدمشقي مع تنازله الذي لا يوصف، لأنه بالتنازل فقط نستطيع أن نفهم كيف أن الله الكلمة “نزل دون انتقال… شوهد على الأرض ونزل بإخلاء الذات الذي يرفع”.

القديس يوحنا الدمشقي راهباً في دير مار سابا في فلسطين

القديس يوحنا الدمشقي راهباً في دير مار سابا في فلسطين


 

7- من سر تجسّد كلمة الله هذا الذي لا يدرك تدعى الكلية القداسة “بحق واستحقاق” والدة الإله: “كيف لا تكون والدة الإله وهي ولدت ابن الله؟”. لم تلد والدة الإله إنساناً متشحاً بالله أو إنساناً متألهاً فقط، وإنما كلمة الله نفسه ابن الله الوحيد الذي: “بمسرة الآب، ليس من علاقة طبيعية، ولكن من الروح القدس ومريم العذراء، وصار جسداً بشكل فائق الطبيعة وغير متغير، ومن العذءرا والدة الإله الجبلة للجابل والتأنس لله وخالق كل شيء، والوعد للإله ومنقذة الوحدة بين المتَّحِد والمتَّحَد معه”.

(Εκδ. ΙΙΙ, 12)

الكلمات الأخيرة للقديس تعني أن الأقنوم الإلهي للإبن المساو للآب في الألوهة اتخذ الإنسانية في رحم العذراء، الطبيعة البشرية الكاملة، وصار المسيح مساوياً في الجوهر مع أمه ومعنا (جوهر الطبيعة البشرية) موحداً في شخصه هاتين الطبيعتين، الإلهية والبشرية، من دون أن تتحول أو تمتزج أو تذوب (تنحل) الخواص الجوهرية لكل من هاتين الطبيعتين.

مريم العذراء، الكلية القداسة، هي أيضاً والدة المسيح لأنها “ولدت المسيح” لهذا يمكن أن ندعوها “والدة المسيح، والدة الرب، والدة المخلّص، والدة الإله” (16) ولكن لأن تسمية “والدة الإله” لم تعجب الهرطوقي نسطوريوس المدان من الله، الذي دعاها “والدة المسيح” لذلك أفضل شيء أن نسميها والدة الإله.ومن بين كل أمهات الممسوحين والأنبياء والملوك فقط القديسة مريم هي والدة الإله.

8- يتحدّث القديس يوحنا الدمشقي أيضاً عن رقاد والدة الإله الممجَّد وصعودها العجيب إلى السماء، “بحسب التقليد الشريف القديم” لكنيسة أورشليم، ويصف بدقة الأحدث العجائبية الصائرة في يوم رقادها. لنرى فقط موضوع رقادها، ودفن جسدها، وانتقاله إلى السماء.

الحدث هو ان العذراء رقدت رقاداً بشرياً. بالرغم من أنها “نبع الحياة” إلا أنها “انتقلت إلى الحياة بواسطة الموت” وبينما في ولادتها تجاوزت حدود الطبيعة، ولكنها الآن تخضع لحدود هذه الطبيعة ويوضع جسدها الطاهر تحت سلطة الموت

وأيضاً “كابنة آدم القديم تحتوي المسؤوليات القديمة (التبعات) بشكل طبيعي. وتفارق نفسها البارة جسدها الطاهر ويودع جسدها في قبر كالعادة”.

هذا الدفن يصير لكي”ما أخذ من الأرض يعود ثانية إلى الأرض” لكي يزول هناك “الفاسد” ولكي يلبس “غير الفاسد”، الجسد الروحاني والمستنير الذي “لعدم الفساد”. ولكن بالرغم من كتابة القديس الدمشقي عن الموت الطبيعي لوالدة الرب يعترف بنفس الوقت مع القديس أندراوس الكريتي أن موتها “يسمو علينا”. “الصلاح ذو القوة غير المحدودة الذي للضعف القديم” الذي لابنها “جدَّد الطبائع” وكل شيء “جعله جديداً”. ضعفه هذا كان هو الإفراغ المخلّص والمنهض لنا، التجسد المتنازل والتواضع، ألمه المخلّص وموته المحيي بسببنا، ومن أجلنا. لأجل هذا “الضعف القديم” الذي له بالضبط بعد قيامته التي بواسطتها ألغى سلطان الموت، الطبيعة البشرية حصلت على الخلود. “تألَّهَ الإنسان”، يكتب الدمشقي، “الفاسد صار غير فاسد… تخلصنا من الفساد ونلنا عدم الفساد بإرادة الألوهة”.

المطران أثناسيوس ميتروبوليت إرزيغوفيني

تعريب الارشمندريت دامسكينوس كعدي


 

الكتاب المقدس في أعمال القديس يوحنا الدمشقي

$
0
0

الكتاب المقدس

في أعمال القديس يوحنا الدمشقي


 

معروفٌ أن القديس يوحنا الدمشقي كتب أعمالاً ذات محتوى متنوع. كتَبَ أعمالاً عقائدية، دفاعية، سير قديسين، أخلاقيات، ضد الهرطقات، شعرية، مواعظ، تفسيرية. هو الجامع للتقليد الأرثوذكسي، ويعتبر أن قاعدته الأساسية هي الكتاب المقدس. كامل عمل القديس يوحنا الدمشقي يمكن اعتباره نوعاً من تفسير بالمعنى المحدَّد للمصطلح كما بالمعنى الواسع له. أي هو تفسير وتقديم للمسيح الواقعي (الموجود بالفعل). بشكل عام، آباء الكنيسة، إن كانوا آباء للاهوت العقائدي، أو مدافعين، أو مفسرين، هم أولاً آباء كتابيين، لأن نقطة البدء والموجّه لهم هو الكتاب المقدس.

القديس يوحنا الدمشقي ليس معروفاً كمفسِّر للكتاب المقدس بقدر ما هو لاهوتي عقائدي، طالما أن أحد أهم أعماله “ينبوع المعرفة” والذي يتألف من ثلاث أقسام: الفصول الفلسفية، حول الهرطقات، والعرض الدقيق للإيمان الأرثوذكسي، هو عمل عقائدي. نفس الشيء في عمله “إلى من يرفضون الأيقونات المقدسة” والذي يتألف من ثلاث مقالات دفاعية مطولة ذات محتوى عقائدي ضد محاربي الأيقونات. مع هذا فالقديس كتب أعمالاً أخرى عديدة متنوعة المحتوى

في هذين العملين المذكورين، المقاطع الكتابية هي ضعف الشواهد الآبائية. هذا يعني أن وجهات نظره العقائدية تستند على مقاطع من الكتاب المقدس التي يفسِّرها، يحلِّلها، ينمّيها ويوسِّعها.

في هذا العرض المختصر سوف نبيّن:

  1. نظرة القديس يوحنا الدمشقي إلى الكتاب المقدس
  2. كيف يستعمل هو نفسه الكتاب المقدس

الفصل التسعون من كتابه عرض دقيق للإيمان الأرثوذكسي يحمل العنوان “Περί Γραφῆς” “حول الكتاب”. فيه يعرض الدمشقي وجهة نظره حول ما هو الكتاب وما هي قيمته وقيمة استعماله، مستعملاً مقاطع من الكتاب نفسه

مستنداً بدايةً على قول الرب يسوع: “ما جئت لأبطل بل لأكمل” (متى 17:5) يستخلص أن الله هو واحد، يُكرَز به ويُسبَّح ويُمجَّد كثالوثي في العهدين القديم والجديد، أي في كل الكتاب المقدس. نفس النتيجة يستقيها من المقطع (يوحنا 39:5): “تتصفحون الكتب
تظنون أن لكم فيها الحياة الأبدية فهي التي تشهد لي”, كما في المقطع (عبرانيين 1:1-2) “إن الله بعدما كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مرات كثيرة بوجوه كثيرة، كلَّمنا في آخر الأيام هذه بابن جعله وارثاً لكل شيء وبه أنشأ العالمين”. أي حسب تفسير القديس: “من خلال الروح القدس تكلّم كلٌّ من الناموس والأنبياء، الإنجيليين والرسل، الرعاة والمعلّمين، حول الإله الثالوثي”

يعتبر أن مطالعة الكتاب المقدس هي “عمل الإنسان الأفضل والأكثر فائدة للنفس” وذلك وفقاً للمقطع (2 تيم 16:3) “كل ما كتب هو وحي الله، يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البر” حيث يقول: “عندما تُسقى نفس الإنسان من الكتاب المقدس، تعطي ثمراً ناضجاً، أي الإيمان المستقيم والأعمال المرضية لله، وعندها تكون مثل شجرة مغروسة على مجاري المياه ومزينة دوماً بالأزهار وبالأوراق الدائمة الاخضرار”. في الكتاب المقدس توجد نصائح وتشجيعات لكل الفضائل. هكذا، “نسير نحو العمل الفضيل والنظر الصافي من خلال الكتب المقدسة”، أي أنها تقود البشر نحو العمل بالفضائل ونحو الرؤية الصافية (غير المشوَّشة)، ويقول “إذا كنا محبيّن للتعلّم، سوف نصبح غزيري العلم”، وكل شيء يتم “بالاجتهاد والتعب وبالطبع بنعمة المعطي النعمة”، لأن من يسأل يعطى ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له (متى 8:7)”

من خلال المقطع السابق من إنجيل متى، يحرّض الجميع بلغة جميلة وبأمثلة من الحياة اليومية “أن يقرعوا باب الكتب المقدسة” لأنه فيها فقط يستطيع أحد أن يجد “الفردوس الأبهى الذكي الرائحة، الفائق العذوبة، الجزيل الجمال، والمطرب آذاننا بمختلف أنغام طيوره العقلية المتوشحة بالله، النافذ إلى قلبنا، فيعزّيه في حزنه ويريحه في غضبه ويملأه فرحاً لا يزول”. يقول أن فردوس الكتاب يهذّب فكرنا ويرفعه على متن الحمامة الإلهية المذهَّب والبرّاق بجناحيها الساطعي الضياء سيراً إلى الابن الوحيد وارث زرع الكرم العقلي، وبه نبلغ إلى الآب أبي الأنوار”.

ولكن يقول أيضاً أننا يجب أن نقرع هذا الباب “بدون تباطؤ ولكن بلجاجة وبغيرة كبيرة وثبات وصبر، ولا نتوقف عن القرع وهكذا يُفتَح لنا”. يقول كل هذا لكي يعطي تأكيداً على قراءة الكتاب المقدس ذاته، والذي عنه يتكلم باستمرار. يكتب ما يلي: “إذا قرأنا الكتاب مرة ومرتين ولم نفهم ما نقرأه، فلا نفقد شجاعتنا، بل فلنجتهد ونعيد القراءة مرات عديدة، ولنسأل”. هذا يسنده إلى المقطع من سفر تثنية الاشتراع (7:32): “سل أباك يخبرك وشيوخك يحدّثوك” لأن “ليست المعرفة لجميع الناس” (1كور 7:8)

بعد هذه الأقوال يعود أيضاً إلى صورة الفردوس فيقول: “فلنستقي من هذا ينبوع هذا الفردوس مياهاً جارية صافية تنبع إلى الحياة الأبدية ولا نرتو من التنعّم لأن النعمة لا حد ولا نهاية لها”. القديس يوحنا الدمشقي لا يرفض أن نقرأ، بالتوازي مع نصوص الكتاب المقدس، نصوصاً من خارج الكتاب، ولكن بشرط “ألا تكون ممنوعة وأن يكون فيها شيء ما نافع وجيد”. يكتب فيما يتعلق بهذا “إذا استطعنا أن نجني فائدة مما في خارج هذه الكتب فليس ذلك من المحظور. ولنكن في ذلك صيارفة حاذقين نحتفظ لنا بالذهب المعروف والصافي ونرمي منه ما كان مغشوشاً. لنأخذنَّ من الكلام أجوده ونلق إلى الكلاب آلهتهم الهزيلة وخرافاتهم الغريبة. فإننا نستطيع أن نقتني منها قوة ضدهم”

يجب التركيز أن أقوال الدمشقي حول أهمية الكتاب وأهمية دراسته، تستند على القديس يوحنا الذهبي الفم، الذي يشدّد أكثر من جميع الآباء على أهمية ونفع قراءة ودراسة الكتاب المقدس ذاته، وأيضاً الطريقة التي بواسطتها يمكننا أن نعي ونفهم هذه القراءة. الذهبي الفم بدوره يتكلم عن القراءة المستمرة والمنتبهة للكتاب، والذي بدوره يصفه بأنه “فردوس النعيم، الذي لم يغرسه الله في الأرض بل في نفوس كل الذين يؤمنون”، وأيضاً الإرشادات التي يعطيها الدمشقي من أجل فهم الكتاب من قبل القارئين توجد نفسها عند القديس يوحنا الذهبي الفم. هذا الأمر (الاقتباس من الذهبي الفم) يبدو متوافقاً مع المبدأ الذي يتّبعه الدمشقي في كتاباته كلها والذي يلخصه بما يلي: “من نفسي لا أقول شيئاً، وقد جمعت قدر المستطاع ما تيسّر لي من منتخبات المعلّمين، وأجعل كلامي مقتضباً”. ولكن هذا القول لا يعني أن الدمشقي يكتفي بأن يضع باختصار وجهات نظر الآخرين، بل كما يبدو واضحاً من أعماله، أنه يتبع دوماً الخط الآبائي

وجهات النظر حول الكتاب المقدس يوردها القديس الدمشقي أيضاً في عمله “المتوازيات المقدسة”. هذا العمل هو عبارة عن مجموعة من المقاطع الكتابية المرتَّبة حسب المواضيع وبالترتيب الهجائي، ومع هذه المقاطع تندمج مقاطع من آباء الكنيسة الكبار. نحن أمام دراسة للكتاب المقدس في غاية الأهمية والنفع، والتي في مقدمتها يكرّر القديس الدمشقي ما قاله في “العرض الدقيق للإيمان الأرثوذكسي” حول قراءة الكتاب المقدس بذاته. يتكلم حول التمرّن على “الكتاب الموحى من الله” أي حول القراءة المستمرة والمتكررة للكتاب. يقول “هي أهم من الغنى ومن المجد ومن السلطة وتمنحنا الخلاص”.

 

بعد هذا العرض المختصر لوجهة نظر القديس يوحنا الدمشقي حول الكتاب المقدس، سنحاول أن نوضح كيف يستعمله في كتاباته.

قلنا في بداية المقال أن القديس الدمشقي انشغل أيضاً في تفسير الكتاب المقدس. كتب ملاحظات على رسائل الرسول بولس ولكنها أخذت حيّزاً قليلاً في كتاباته، الأمر الذي يضعنا أمام تفسير مختصر جداً لهذه الرسائل، حيث يختار مقاطع محددة ويعرض تفسيره عن القليل منها وعادة ما يوصل هذه المقاطع ببعضها بواسطة عبارات أو جمل مختصرة. تفاسيره قليلة ومختارة وتستند على تفاسير القديس يوحنا الذهبي الفم. لا ينسخ قمة المفسرين هذا (الذهبي الفم)، ولو أن عنوان العمل هو التالي “مقاطع مختارة من التفسير الجامع للذهبي الفم”. يعطي وجهات نظره باختصار، ووجهات النظر هذه هي خاصة به خصوصاً في المواضع العقائدية. مثال لافت للنظر هو المقطع (فيل 6:2-11) “فمع أنه في صورة الله لم يعدّ مساواته لله غنيمة بل تجرّد من ذاته متخّذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله إلى العلى ووهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء كيما تجثو لاسم يسوع كل ركبة مما في السموات وفي الأرض وتحت الأرض ويشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب تمجيداً لله الآب”. الذهبي الفم يتكلم حول هذه الفقرة بتفسير تحليلي مطول. على العكس من ذلك، الدمشقي يضع بسطور قليلة الفقرات التي يراها ضرورية. هكذا بينما الذهبي الفم يتكلم بتطويل، بين مواضيع أخرى، عن تواضع المسيح وعن التواضع بشكل عام، الدمشقي يكتب: “هذا القول كان عن التواضع، ولو أنه يظهر من خلال العقائد”، ويكمل كالتالي “وانتبه كم هي دقة العقيدة”. مباشرةً بعد هذا يعرض النقاط العقائدية في المقطع. هو إذاً يركزّ اهتمامه على تفسير المقطع العقائدي

يستعمل المقطع نفسه ومقاطع أخرى باستمرار في أعماله مشدّداً على أهميتها العقائدية. عادة عندما يفسّر الرسائل البولسية، يختار المقاطع ذات المحتوى العقائدي أو يفضل أن يورد تفسيرها العقائدي.

نجد بشكل متكرر استعمال الكتاب المقدس في أعمال الدمشقي، العقائدية منها وغيرها، ولكن بشكل أساسي نجد استعمال الكتاب المقدس في أعماله الدفاعية والتي هي ذات طابع عقائدي. قديسنا عاش في عصر شدة الصراع بين رافضي ومؤيدي الأيقونات، وإذ شاهد خطر دمار الكنيسة التي يصفها أن “الله أسسها على أساس الرسل والأنبياء والتي حجر الزاوية فيها هو المسيح ابنه”، يرى أنه “واجب عليه أن لا يمنع لسانه عن الكلام أو أن يصمت” كما يقول. هكذا فإن أقواله التي يقولها دون أن يخاف سلطة الأقوياء، يؤسسها على الكتاب المقدس. أحد الأمثلة هو المقطع من النبي حبقوق (4:2) الذي يقول: “النفس غير المستقيمة غير أمينة، أما البار فبالإيمان يحيا” أي أنك إذا تخاذلت فلا تسرُّ بك نفسي. مقطع آخر مرتبط به من النبي حزقيال (6:33) والذي يستعمله الدمشقي والذي يقول:” إذا رأى الرقيب السيف آتياً ولم ينفخ في البوق ولم ينذر الشعب، فأتى السيف وأخذ نفساً منهم، فتلك تكون قد أخذت في إثمها، لكني من يد الرقيب أطلب دمها. ” والمقطع من المزامير “وأنطق بشهاداتك أمام الملوك ولا أخزى” (مز 46:118). المقطع الأخير يستعمله الدمشقي لكي يلمِّح إلى أوامر الإمبراطور التي تساند محاربي الأيقونات ولكي يقول أنه هو نفسه يخالف تصرف الإمبراطور هذا، لأنه يعرف أن الملك الأرضي يُحكّم من الله وأن الشرائع هي أقوى من الملوك

في الصراعات بين مؤيدي الأيقونات ومعارضيها والتي استمرت لفترة طويلة من الزمن، كلا الطرفين حاول أن يدعم وجهة نظره ببراهين من الكتاب المقدس. محاربي الأيقونات مثلاً كانوا يستندون على كثير من المقاطع الكتابية مثل (خروج 4:20): “لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيءٍ مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل… لا تسجد لها ولا تعبدها” وعلى المزمور: “ليخزى جميع عبّاد المنحوت المفتخرين بالأوثان” (مز 7:96) وغيرها. الدمشقي يقابلها ببراهين دامغة يستقيها بدوره من الكتاب المقدس.

يبدأ دفاعه الأول حول الأيقونات المقدسة بالبراهين الكتابية الأساسية لمحاربي الأيقونات. يكتب ما يلي:”عرفت من قال وهو غير كاذب”الرب إلهك إله واحد” و”للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” و” لا تصنع لك منحوتاً لا مما في السماء أعلى ولا مما على الأرض أسفل… لا تسجد لها ولا تعبدها” “ليخزى جميع عابدي المنحوتات المفتخرين بالأوثان” و”الآلهة التي لم تصنع السماء والأرض تزول وتفنى” أي أن يسرد سلسلة من الأقوال الكتابية من العهد القديم، من تثنية الاشتراع، من المزامير ومن النبي أرميا، والتي عليها يستند محاربو الأيقونات في وجهات نظرهم، ويكمل بالمقابل بمقاطع من العهد الجديد قائلاً: “إن الله بعدما كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مرات كثيرة بوجوه كثيرة، كلَّمنا في آخر الأيام هذه بابن جعله وارثاً لكل شيء وبه أنشأ العالمين”، عرفت القائل “الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحقّ وحدك ويعرفوا الذي أرسلته يسوع المسيح”. على أساس هذه المقاطع من الرسالة إلى العبرانيين (1:1-2) ومن إنجيل يوحنا (3:17) وأيضاً المقطعين من الرسالة إلى أهل رومية (25:1) ورسالة الرسول بطرس الثانية (4:1)، يعرض اعترافاً إيمانياً بالشكل التالي: “أؤمن بإله واحد، مبدأ الجميع، لا بداية له، غير مخلوق… غير مائت، أبدي، غير مدرك، غير موصوف، غير متحول، غير جسدي، غير منظور، جوهر واحد فائق الطبيعة، ألوهية فائقة اللاهوت، مثلث الأقانيم، آبٍ وابنٍ وروحٍ قدسٍ وإياه وحده أعبد وله وحده أقدّم السجود العبادي… لا أسجد للخليقة دون الخالق، ولكني أسجد للخالق الذي خلقني كما أنا، والذي انحدر نحو خليقته دونما إذلال أو تقهقر للاهوته لكي يمجد طبيعتي ويجعلها شريكة للطبيعة الإلهية”. في موضع آخر من نفس الدفاع يقول:”لا أسجد للمادة، إنما أسجد لصانع المادة الصائر مادة لأجلي وارتضى أن يعيش في المادة ليصنع خلاصي بواسطة المادة، ولا أكفّ عن احترام المادة التي بواسطتها صُنِعَ خلاصي”.

أحد أهم البراهين وأقواها عند الدمشقي ضد محاربي الأيقونات يستقيه من الرسالة إلى العبرانيين (1:1). يريد أن يشدّد على الواقع أن الله في الأزمنة القديمة تكلم بالأنبياء لآبائنا بطرق مختلفة ومتنوعة. هذا التنوع والاختلاف، يفسره الدمشقي أنه “كما أن الطبيب الحاذق لا يعطي نفس نوع العلاج للجميع، ولكن لكل واحد يمنح ما يلائمه ويقدم الدواء بتمييز حسب المكان والمرض والساعة، وحسب الحالة والسن. للرضّع يقدم شيئاً، وللبالغين غيره، للمريض شيئاً وللصحيح شيئاً غيره… “. بهذا كله يريد القديس أن يقول أن أقوال الله في الكتاب تخاطب “هؤلاء الأولاد المعذَّبين بمرض عبادة الأوثان، والذين اعتبروا الأصنام آلهة وسجدوا لها كما لآلهة رافضين السجود لله ومطابقين مجده بالخليقة”. هكذا، بحسب الدمشقي، فالمقاطع التي يستعملها محاربو الأيقونات ليس لها سيادة عبر الأزمان، ولكنها تشير إلى فترة معينة مرتبطة بها ولها علاقة بما كان باستطاعة أناس تلك الفترة أن يفهموا ويعوا. أي أن هدف الكتاب من هذه المقاطع المذكورة أعلاه هو أن يمنع الإسرائيليين الذي كانوا ينـزلقون بسهولة نحو عبادة الأوثان، لكي لا يعبدوا ما يدعوه العهد الجديد “الخليقة دون الخالق”. الشيء نفسه نستخلصه من المقاطع الأخرى من العهد القديم مثل (تثنية 19:4) وكيلا ترفع عينيك إلى السماء فترى الشمس والقمر والكواكب، جميع قوات السماء، مما جعله الرب إلهك نصيباً لجميع الشعوب التي تحت السماء فتُجتَذَب وتسجد لها وتعبدها”، وأيضاً (تثنية 7:5) “لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي” وغيرها. من خلال هذه كلها يدعو محاربي الأيقونات لكي يفهموا الكتب جيداً وأن لا يلتصقوا بالحرف لأنه حسب الرسول بولس “لأن الحرف يميت والروح يحيي” (2 كور 6:3)

القديس يوحنا الدمشقي يدعم أن الكتاب لا يمنع السجود لمصنوعات الأيدي غير الناطقة. يكتب بهذا الصدد: “إقبل مجموع أدلة الكتاب والآباء، لأنه حتى ولو قال الكتاب “أوثان الأمم فضة وذهب صنع أيدي البشر” (مز 12:133) فهو لا يمنع مع ذلك أن توقّر الأشياء المحسوسة الجامدة والمصنوعات اليدوية، بل صور الشياطين”

الدمشقي يعتبر أن المادة حسنة ويقول: “تجعل المادة شريرة وتدعوها غير مكرَّمة؟ هكذا يفعل المانيون. ولكن الكتاب المقدس يدعوها حسنة ويكرز قائلاً “ونظر الله إلى كل ما صنعه وكان حسناً جداً” (تكوين 31:1). أنا إذاً أعترف أن المادة هي صنع الله وأنها حسنة، أما أنت فتدعوها شريرة، فإما أن تعترف أنها ليست من الله أو أنك تجعل الله سبب الشرور”. يبدو أن محاربي الأيقونات يساندون الرأي المعاكس تماماً لهذا الرأي

بواسطة المقاطع الكتابية يؤسس القديس رسم الأيقونات والسجود لرسم المسيح، لعجائبه ولآلامه، وأيضاً لرسم أيقونات القديسين. يستعمل المقطع (يوحنا 23:5) “فمن لم يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله، لكي يقول أن “من لا يكرّم الأيقونة لا يكرّم المرسوم فيها”. على حجج محاربي الأيقونات أن “تكريم أيقونة المسيح هو شيء مسموح وضروري، ولكن هذا لا يسري على أيقونات القديسين” يجيب القديس بقول الرب يسوع (متى 40:10): “من قبلكم فقد قبلني. هذا يعني أن من لا يكرّم القديسين فإنه لا يكرّم الرب نفسه

في دفاعه الأول عن الأيقونات يشير إلى الموضوع نفسه بطريقة مختلفة، حيث يقول: “ويقال: “إصنع صورة المسيح أصورة والدته والدة الإله واكتف بها”. يا للسخافة! إنك تقرّ تماماً أنك عدو للقديسين. فإذا ما صنعت صورة للمسيح ولم تصنع البتة صورة القديسين، فجليّ أن ما تحرِّمه ليس هو الصورة بل هو الإكرام المؤدى للقديسين، وهذا ما لم يجرؤ أحد منذ الدهور على فعله أو تعهّده بوقاحة مماثلة. إذ إنك تصنع صورة المسيح لأنه ممجّد، أما تصوير القديسين فتنبذه باشمئزاز لأنهم محرومون من المجد بلا ريب حسب رأيك، وتحاول أن تظهر هكذا بأن الحقيقة إنما هي أكذوبة”

السجود للمسيح يقارنه بالسجود لكتاب الناموس أي للكتاب المقدس. يكتب بهذا الخصوص: وكما تفعل أنت ساجداً لكتاب الناموس، لست تسجد بسبب طبيعة الجلد والحبر وإنما لأقوال الله الموجودة فيه، هكذا أنا أيضاً أسجد لأيقونة المسيح ليس بسبب طبيعة الخشب أو الألوان، حاشا، ولكن للمسيح المصور بواسطة الأشياء غير الناطقة، وأؤمن أني ماسكٌ المسيحَ وساجدٌ له

السجود لأيقونة المسيح يؤسسه على القول الموجود في (متى 17:22-21) و(لوقا 21:20-24) والذي فيه يجيب على السؤال حول واجب إعطاء الجزية للإمبراطور. في جواب المسيح مع إظهار العملة: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله الدمشقي يجد برهاناً قوياً على واجب تقديم الإكرام لصورة المسيح

كثيرة هي المقاطع من الكتاب المقدس التي يستعملها القديس يوحنا الدمشقي في أقواله في الدفاع عن الأيقونات المقدسة. هذا العرض الذي قمنا به لكي نبين مدى حجم واتساع استعمال الكتاب في أعمال الدمشقي هو نوع من مثال فقط ولا يعني أننا اخترنا أهم الأمثلة عن استعمال الدمشقي للكتاب، لأنها كلها لها نفس الأهمية. القارئ لأعمال القديس يتحقق أن مخزن أسلحة القديس هو الكتاب المقدس، الذي يستعمل آياته إما لكي يجابه تعاليم الهرطقات أو لكي يفسّر، أو لكي يوسّع ويؤسس حقائق الإيمان الأرثوذكسي القويم. القارئ المتعمّق لهذه الأعمال يتحقّق، ليس فقط من استعمال القديس بغزارة للمقاطع الكتابية ولكن من أن نصوص كتابات القديس نفسها مرتوية ومشبعة من لغة ومن مصطلحات الكتاب المقدس. كمفسّرٍ للكتاب، بالمعنى الواسع للكلمة، يتبع المنهج النقدي – التاريخي والعقائدي. حقاً يعتبر اللاهوتي العقائدي الأول لكنيستنا. كلامه واضح، مفهوم وقاطع. ملاحظاته مصيبة، براهينه تجرّد الآخر من سلاحه. بمقدار ما يدرسه الواحد منا، هكذا يستطيع بالأكثر أن يفهم عظمة الأرثوذكسية.

 

للأستاذ يوحنا غالاني (كلية اللاهوت – جامعة تسالونيك)

عربه عن اليونانية الأرشمندريت دمسكينوس الكعدة

 


 


مديح لأبينا البار المتوشح بالله يوحنا الدمشقي

$
0
0

مديح لأبينا البار المتوشح بالله يوحنا الدمشقي

 

قنداق باللحن الثامن، وزن “إني أنا مدينتك”

نمدحك يا يوحنا العجيب،

يا نهر الروح الإلهي المتدفق بالذهب،

أيها الإناء الذي لا يفرغ، الحافظ اللاهوت

لأنك ظهرت زينةً للمتوحدين

متعبِّداً للعذراء بغيرة إلهية

لهذا نصرخ، إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. ظهرت ملاكاً في برية اليهودية، أيها الحكيم يوحنا الدمشقي (3)، ومع الحياة الملائكية كنت نبعاً للترانيم فائضاً بالعسل. فإذ نستقي منها، نصرخ نحوك من عمق النفس:
    القديس يوحنا الدمشقي راهباً في دير مار سابا في فلسطين

    القديس يوحنا الدمشقي راهباً في دير مار سابا في فلسطين


إفرح يا رئيس الآباء

إفرح يا مسارَّ الملائكة

إفرح يا زعيم المرنّمين الإلهيين

إفرح يا نبعاً للعقائد فائضاً حسناً

إفرح يا رَجُل رغبات الروح الإلهية

إفرح يا كرمة مفعمة بثمر الفضائل النسكية

إفرح يا ذهناً حاد الذكاء في اللاهوت

إفرح يا مرجاً عطراً للاهوى

إفرح يا آلةً للنعمة متلألئة

إفرح يا إناءً للكلمة مذهباً ومبهجاً

إفرح يا محامياً مجيداً عن الأيقونات

إفرح يا غالباً للأعداء لا يحارب

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إذا شاهدت كنيسة المسيح ملوثةً بالذئاب الشرسة المحاربة للأيقونات، امتلأت بوضوح من الغيرة الإلهية، وبأقوالك المقدسة أفحمت الذين لا يعرفون أن يسجدوا لله بالجسد، وأن يرتلوا: هللوييا

     

  2. إذ أحرزت كل المعرفة الإلهية والدنيوية، فضَّلت العيش بالفقر. وكمثل الأيل العطشان طلبت القفر أيها البار، ومنه علَّمت الكثيرين، مَن يمدحونك هكذا:

إفرح يا نحلة الكنيسة

إفرح يا بوق الحقيقة

إفرح يا بلبلاً حسن الصوت للترنيمات الطليّة

إفرح يا شحرور البرية الكلي البهجة

إفرح يا قيثارة محركة من الله، يا جمال المرنمين

إفرح يا نجماً كلي الضياء، يا بهجة الكهنة

إفرح يا عملاً إلهياً مفرحاً للمتوحدين

إفرح يا سنداً عظيماً للمنشدين

إفرح يا تعزية النفوس المحزونة

إفرح يا خشوعاً لجمع المرتلين

إفرح يا بركة من الرب لنا

إفرح يا دالتنا أمام المسيح

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إذ اتخذت قوة العلي أيها العفيف، رذلت مطربات العالم، وعشت مع قوزما المغبوط في لافرا القديس سابا. وإذ امتلأت دهشةً بالكلية، صرخت من عمق القلب: هللوييا

     

  2. إذ اتشحت بالتواضع أيها المتوشح بالله، هربت من حيل المضلّ، وبالطاعة الصبورة، بلغت سموَّ اللاهوى، فصرت لنا نموذجاً، نحن الهاتفين والمادحين لك بتقوى:

إفرح يا وعاء الإمساك

إفرح يا مسكن عدم القنية

إفرح يا نهر الحكمة الدافق عسلاً

إفرح يا وزير الثالوثِ الكثيرَ الحكمةِ

إفرح لأنك شرَّفت جموع الأرثوذكسيين

إفرح لأنك أخزيت جماهير الملحدين

إفرح يا غرسةَ دمشق الكليّ جمالُها

إفرح يا منحة القفر المزينةَ من الله

إفرح يا نجم النجوم الفائقَ الضياء

إفرح يا أب الآباء الفائقَ الشهرة

إفرح يا معاين أجواق الملائكة

إفرح يا مفرِّح قلوبنا

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. لما التهبت بالكلية بحرارة الروح الإلهي، أحرقت محاربي المسيح. إذ بيدك المحرَّكة من الله، أبدت جهالات لاون، وبلسانك المتكلم باللاهوت جمعت الكل لكي يرتلوا: هللوييا

     

  2. فتحت فمك الجميل الصوت أيها المغبوط، فملأت الأرض بالسرور، ورنمت للقيامة برخامة ترانيمك الموسيقية. إذ إنك معلّم الذين يصرخون إليك بشوق:

إفرح يا مسكن عدم الفساد

القديس يوحنا الدمشقي راهباً

القديس يوحنا الدمشقي راهباً


إفرح يا سمو البتولية

إفرح يا شاعر قيامة المسيح

إفرح يا مرنّم رقاد أم الإله

إفرح يا ملاكاً أرضياً، يا ثمرة الطاعة

إفرح يا إنساناً سماوياً، يا عاشق الصلاة

إفرح يا منير المسكونة ومعلمها

إفرح يا راعي ديرك وحاميه

إفرح يا حقلاً للطهارة مزهراً

إفرح يا قانون الفضيلة والحكمة

إفرح يا ذابح الضلالة

إفرح يا هيكل المحبة

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إن لاون ذي الرأي الوحشي، ملكِ الروم، حرَّك المكر ضدك. وإذ افترى عليك بفظاعة، قطع يدك اليمنى (بالحقيقة إنه لمشهد رهيب)، من لا يعرف أن يرتل: هللوييا
  2. عاينت شفاء يدك أيها المحكم من الله، فعظّمت البتول، التي إذ نحمل أيقونتها، نكرِّمها بكل تقوى. لذلك نصرح نحوك بسرور:

إفرح يا نبع الترنيم

إفرح يا نبع اللاهوت

إفرح يا مشابه الآباء الأبرار بالسيرة

إفرح يا معلّم المجمع السابع

إفرح لأنك تكلمت بالعقيدة الحقّة بوضوح

إفرح لأنك نظمتها بلحنٍ فرِح

إفرح يا نسر القفر العاليَ التحليق

إفرح يا خادم العذراء الأمين

إفرح يا رائحة عطر المسيح

إفرح يا وشاح ديرِك، ديرِ اللافرا المقدس

إفرح يا من به نمتلئ بالسرور

إفرح يا من به نتوسل السماوات

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. ظهرت للجميع بالحقيقة فُلكاً للمواهب ونبعاً للأشفية. إذ إن جسدك لم يفسد، بل كان يفوح عطراً لا يوصف. لهذا، يا منجدنا، نسجد أمامك بشوق صارخين: هللوييا

     

  2. إذ زينت كنيسة المسيح بأقوالك الملهمة من الله وبترانيمك الإلهية، وأطنبت أعياد القديسين ووالدةِ الإله، وأما القيامةَ فجمّلتها، منيراً الصارخين:

إفرح يا مزمار الأرثوذكسية

إفرح يا مشعل التمجيد

إفرح يا متقدم المرنمين الملهمين

إفرح يا منظّم الآباء والنساك

إفرح يا فماً ذهبياً ناطقاً بترانيم المسيح

إفرح يا منخساً سرياً دافعاً بتحرّقٍ لعبادة الله

إفرح معايناً جمالَ غيرِ المنظورات

إفرح يا مبدّداً قبح الأهواء

إفرح يا باب السعادة

إفرح يا عمود حسن العبادة

إفرح يا صوت الميعاد

إفرح يا من يقطر منه الشهد والخمر

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. وحيداً في البرية، لله وحده مساكناً، وبالصلاة وحدها عائشاً، كما يليق بالله وبعشق ناري طلبت أن تموت مع معشوقك الختن، أيها القديس، مرنماً، يا يوحنا، بطريقة إلهية: هللوييا

     

  2. تشفي الأمراض وتجرّح الشياطين أيها الحكيم، وتزيل حزن الموت بالحقيقة بترانيمك البهجة. وتسلّح بالفرح غير الموصوف المؤمنين الصارخين:

إفرح يا طيب الإمساك

إفرح يا سوسن الهدوء

إفرح يا تعزيةً سريعةً للحزانى

إفرح يا سنداً سريعاً للطالبين

إفرح يا رئيساً أسطع من قصور السماء

إفرح يا شتلة الروح، يا معايناً لله

إفرح يا داعياً إيانا للعشاء السماوي

إفرح يا مُعِدّاً للغذاء الفائقِ القداسة

إفرح يا صوتاً حلواً متموجاً بالذهب

إفرح يا ترنيماً إلهياً حسن الصوت

إفرح يا من منه ينسكب العشق الإلهي

إفرح يا من به يفتخر ديرُك، ديرُ اللافرا

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. أُرسِلتَ إلى مدينتك دمشق بطريقة غريبة لتبيع عمل اليد كغريب. وطلبت السعر مضاعفاً، ولكن من خادمك عُرفتَ. عندئذٍ أظهرت التواضع بواسطة الطاعة مرنِّماً: هللوييا

     

  2. كائناً بكليتك في العُلا، أهملت كلَّ ما في الدنا، مسلِّماً ذاتك بالكلية للسيد، متدرِّباً على الصمت الكامل، ومتواضعاً بدون خجل، فواضَعْتَ الشيطان وظهرت نموذجاً للصارخين:

إفرح يا مجاهداً للاحتمال لا يتعب

إفرح يا خبيراً بالتغرُّب

إفرح يا رئيساً لقطع المشيئة

إفرح يا مشاركاً جمال الإنسان الجديد

إفرح يا ناظماً عظيماً، يا مرشد اللاهوتيين

إفرح يا مُنعَماً عليه بالحقيقة، يا غارس المحبة

إفرح يا قاطعاً جذور الزروع الغريبة

إفرح يا مدبّر العقائد الأرثوذكسية

إفرح يا بلاطاً بالورود البيضاء مزيناً

إفرح يا مصباحاً بالسرور موقَداً

إفرح يا من به تهدأ النفس

إفرح يا من به يتملّك الرجاء

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إلى كل المسكونة خرج صوت تعاليمك وترنيماتك، أيها الأب. فصرْ على الجميع عطوفاً. وديرُك، ديرُ اللافرا، يبتهج بشوق، وبنقاوة يكرّم عيدك ويرتّل: هللوييا

     

  2. إنَّ اللسان الفصيح لا يستطيع مدح جمال كثرة فضائلك. فإنك كمثل زيتونة كثيرة الثمر، يا يوحنا الذائعَ الصيت، أنعشت وأحييت نفوس الذين يصرخون لك بحسب الواجب:

إفرح يا ربيع التوبة

إفرح يا مستودع البهجة

إفرح يا مصباحاً للنور الساطع

إفرح يا مسكناً فائضاً بالطيب الإلهي

إفرح يا مرآة الجمال غير المدرك

إفرح يا صنجاً يصدح بترانيم أسرار الله

إفرح يا قيثارة متناغمة الصوت تُنْشِدُ حسن الجمال

إفرح يا كنارة حلوة، معزّية للحزانى

إفرح يا خادم المسيح الناري

إفرح يا شفيع المؤمنين الملهَم

إفرح يا من به تُزال الكآبة

إفرح يا من به تُمنح البهجة

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إن جمع اللاهوتيين ومحافل الرهبان، يرتكضون فرحاً في تذكارك أيها الحكيم. فإن حشود المنشدين المتألهيّ اللب والملائكة يجتمعون فرحين، وبدون كلل ينشدون معك للإله الفادي: هللوييا

     

  2. خالفت وصية شيخك الموقّر، مغلوباً من محبة الأخ، ناظماً تسبيحاً عجيباً “كل الأشياء التي لا توجد بعد الموت هي باطلة”. والآن تسمع هكذا:

إفرح يا زهرة الفردوس

إفرح يا فم المعزّي

إفرح يا مصنع الصلاة الذهنية

إفرح يا بيت السيرة النسكية

إفرح يا شاعراً عالمياً، يا تاج اللاهوتيين

إفرح يا عابداً ساهراً، يا قلم المعزّي

إفرح يا عرّاب الكنيسة المجيد

إفرح يا مرشد تلاميذك المتوشح بالله

يا أغنية المسيح المثمَّنة الألحان

إفرح يا مزمار الألوهة الحسن اللحن

إفرح يا من به يُطرَدُ العدو

إفرح يا من به تُسبَّح العذراء

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. إن الترانيم والألحان والمدائح الإلهية لا تستطيع أن تمدحك كما يليق. مع ذلك، واجب علينا أن نقدّم لك الطاعة والتشبّه بحياتك المتواضعة، لكي بدالة نرتل: هللوييا

     

  2. إنك بالحقيقة كوكبٌ مضيء تُظهِر المسيح الشمس، وتفتن روحياً نفوسَ الجميع بتسابيحك، وكمثل معمدان جديد تقودها كعرائس نحو المحبة الإلهية، سامعاً هكذا:

إفرح يا وعاء العطور

إفرح يا كنز المواهب

إفرح يا مصطفى اللاهوتيين الموقر

إفرح يا ملجأ المرنمين الساطع النور

إفرح يا معزفة صامتة للحلاوة غيرِ الموصوفة

إفرح يا غذاء الروح الإلهي الكليِّ القدرة

إفرح يا لمعان النور الذي لا يغرب

إفرح يا نهوض النفوس الفاترة

إفرح يا مرشداً لعبادة المسيح

إفرح يا محرّر أيقونات القديسين

إفرح يا زرع الخلود

إفرح يا وحي شعر الكنيسة

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. باتفاق الأصوات نصرخ نحوك بالتسبيح مقدمينه كهدية في رقادك المجيد. إنه لحقٌ وواجب أن نشكر الربَّ على كل شيء، إذ قد منحنا إياك حامياً حاراً، قائلين: هللوييا

     

  2. نمدحك جميعنا كإناء مختار، أيها المتوشح بالله، مرتلين لك التسابيح. إذ بالحقيقة قد سكن في قلبك ملءُ النعمة، وملأ عطراً جميع الذين يصرخون نحوك من عمق النفس:

إفرح يا صوت البهجة

إفرح يا مصباح الصلاح

إفرح يا عازفاً ساحراً لقيثارة غير الموصوفات

إفرح يا معلماً خلاصياً للسماويات

إفرح يا نسمة للروح منعشة ، يا صوتاً عذب النطق

إفرح يا نعمة سريعة الاستجابة، يا نبعاً مبهجاً القلب

إفرح يا متقدماً على رؤساء الملائكة مجيداً

إفرح يا صديق العذراء الصدوق

إفرح يا كاهناً وقوراً، للمسيح مماثلاً

إفرح يا شيخاً حكيماً جزيل التحنّن

إفرح يا أيقونة المعزي الجميلة

إفرح يا رجاء الفردوس الأكيد

إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

  1. أيها الأب الذائع الصيت والكلي الغبطة ، تاج اللاهوتيين وصديق المسيح يوحنا (3)، لا تكف عن التشفّع من أجلنا، نحن أبناءك في اللافرا، الذين يرنمون لك بتقوى، وبشكرٍ ينشدون: هللوييا

     

وأيضاً

القنداق باللحن الثامن، وزن إني أنا مدينتك

 

نمدحك يا يوحنا العجيب،

يا نهر الروح الإلهي المتدفق بالذهب،

أيها الإناء الحافظ اللاهوت، الذي لا يفرغ،

لأنك ظهرت زينةً للمتوحدين

متعبِّداً للعذراء بغيرة إلهية.

لهذا نصرخ، إفرح أيها الأبُ المحكَّمُ من الله

 

 

لافرا أبينا البار سابا المتقدِّس، أيلول 2008

 

تعريب الارشمندريت دامسكينوس الكعدة

تسالونيك، اليونان عيد القديس يوحنا الدمشقي، 2010


 

صفحة من المجازر التركية بحق الروم الأرثوذكس يوناً وعرباً من ابناء الكرسيين الانطاكي والقسطنطيني…

$
0
0

تمهبد

الجميع يتجاهل ماجرى…والتاريخ يسكت عن هذه المجازر…!!!!!!!!!!

للتذكير فإن عدد شهداء الروم الارثوذكس بلغ أربعة ملايين ومائتي الف شهيد وهو اكبر عدداً من كل شهداء الكنائس الشقيقة الأخرى مجتمعة…إذ ليس اكبر من العدو عند الأتراك من اليونانيين ابتداء من عهد اسرة سلجوق الطورانية الآتية من تركمانستان لخدمة خلفاء بني العباس الضعفاء كمرتزقة وكيف بدأ قضم الأراضي التي تقطنها الأغلبية المسيحية بكل مكوناتها وبخاصة من حدود ديار بكر والجزيرة العليا نحو الغرب حيث الغالبية العظمى يونانية وهي من التابعية الأنطاكية بأبرشيات ديار بكر وارضروم وكيليكيا بمدنها الرئيسة طرسوس وازمير ومرسين وقد بادت رعايا هذه الابرشيات تدريجيا في العهد السلجوقي والعهد العثماني ابناء عمومته وقد كانت قمة الغبطة لدى الطورانيين الأتراك بأسرهم المختلفة اسقاط الدولة الرومية اي اليونانية بسقوط القسطنطينية بيد محمد الثاني السنة 1453م وماتم بعد ذلك بفتح اليونان الحالية والبلقان…وجميعهم ارثوذكساً مع الروم الانطاكيين على مذهب واحد هو المذهب الأرثوذكسي، لذا انتابت المجازر الجميع ممن يعدون ابناء الكنائس الأرثوذكسية والواضح في هذه المجازروخاصة من اواخر القرن 19 هم يونان البنطس بينما يُسكت عن الروم الأنطاكيين وكتب التاريخ تتحدث بشكل مستور.. لكنه لا يخفي على الباحثين…

صورة عن برقية رئيس اساقفة اثينا الى البطريرك  الأنطاكي الكسندروس

صورة عن برقية رئيس اساقفة اثينا الى البطريرك الأنطاكي الكسندروس


بين ايدينا وثيقة هي عبارة عن برقية صادرة من اثينا من رئيس الاساقفة اسبريدون بتاريخ 14 ايلول 1955 موجهة الى مثلث الرحمات البطريرك الأنطاكي الكسندروس الثالث (1931-1958نقل له فيها ماحصل من اعتداءات صارخة طالت الكنائس الرومية والرعايا الارثوذكسية في القسطنطينية وازمير بمعونة او بسكوت الانكليز، وهذه ليست حادثة فريدة اذ سبق ان ترك الحلفاء ومنهم الانكليز عام 1921- 1922 الجيش اليوناني لمصيره الأسود وهو جيش فتي بمواجهة قوات اتاتورك، وانسحب الجميع من فرنسيين وانكليز وايطاليين والاشد ايلاما ان الايطاليين اعطوا سلاحهم الثقيل ومدفعيتهم ودباباتهم عام 1922 للأتراك وقد كانت الكارثة على الجيش اليوناني الذي غرر به الحلفاء بداية ليقاتل معهم فكانت النتيجة كارثية على الجيش اليوناني الذي ابيد برمته…ودخل الاتراك المدن والقرى اليونانية وابادوا شعبها وهرب البعض منهم الى حلب وبيروت ودمشق وكان منهم الطفل بندلايمون كوتسوذنتوس الشهير بالرومي في دمشق ( انظره في موقعنا اعلام ارثوذكسيون وفيه عن المجازر التي نتحدث عنها هنا)

البرقية التالية:

” الى حضرة صاحب الغبطة بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكسندروس – دمشق – سورية

– إن همجية رجال الشارع الأتراك في استانبول وازمير الذين أضرموا النار وهدموا الكنائس المقدسة وانتهكوا حرمتها عمل لم يسبق له مثيل في العالم. وقد أنزلت هذه الحوادث الحزن والاشمئزاز في نفوس ابناء الكنيسة الأرثوذكسية جمعاء لهذا فقد اجتمع مطارنة الكنيسة اليونانية بصورة مستعجلة وبعد المذاكرة في الاعتداء الأثيم المذكور اعتبر أعضاء المؤتمر ان بريطانيا تشارك تركيا معنوياً في المسؤولية واستنكروا الأساليب السياسية البريطانية واعتبروا ان هذه الأساليب هي خيانة المبادىء المسيحية اذ انها تجرح الشعور الديني العميق.

والمؤتمر يعبر عن أسفه العميق وخيبة أمله ببريطانيا التي أظهرت عجزها عن وضع المصلحة الدولية العامة فوق مصالحها الاستعارية الأمبراطورية خارقة بذلك تعهداتها الدولية وذلك بالاعتداء على العدالة ومبادىء تقرير المصير وحرية الشعوب.

هذه المبادىء التي نالتها الشعوب بعد أن دفعت ثمنها تضحيات بالغة.

– ان المؤتمر الأرثوذكسي يستنكر هذه الأعمال الهمجية أمام العالم المسيحي ويطلب من جميع الكنائس الشقيقة المساعدة والحماية. وتنفيذاً لقرار مؤتمر مطارنة الكنيسة اليونانية.

الرئيس

رئيس اساقفة أثينا

اسبريدون

– وقد اوضحت رئاسة اساقفة أثينا عن هذه الفظائع بالقول:

وضيح رئاسة اساقفة أثينا حول اعتداءات 1955  التركية في القسطنطينية وازمير

توضيح رئاسة اساقفة أثينا حول اعتداءات 1955 التركية في القسطنطينية وازمير


-” ان الفظائع التي تمثلت في استانبول وازمير ضد الكنائس الأرثوذكسية عن طريق حرقها وتدمير معالمها الشريفة ودوس علامة الصليب، وتدنيس الأواني المقدسة بصورة وحشية أمور لم يسبق لها نظير في التاريخ، كان من الطبيعي ان تلقى الروع والاشمئزاز في نفوس الشعوب المتمدنة كافة.

إن هذه الاعتداءات الدالة على وحشية غريبة الشكل، ولا سيما في زمن سلم، قام فيه حليف ضد حليفه على حين غفلة منه، لا تصدر إلا عن شعب تخَّلَّقَّ بالهمجية الجامعة التي تشكل خطراً ظاهراً في كل مجتمع يخلد الى السلام، وعليه نرى من الواجب على حكام العالم المتمدن الذين بأيديهم زمام الأمور العائدة للسلم العام، والمحافظة على قواعد العدالة الاجتماعية، والضمانة المتبادلة، أن يُنزلوا العقوبة الصارمة بالمسببين لهذه المآسي والمحرضين على اقترافها، وان يبادروا الى تعمير الكنائس المدمرة مجدداً، والى إعادة الأواني المقدسة المسلوبة والمعطلة. وبناء على كل ما ذُكِر، نحتج بشدة على ما اقدم عليه الشعب التركي من انتهاك حرمة المقدسات دون أي مبرر، وذلك لتهدئة ضمير الانسانية المضطرب، آملين توزيع الحقوق المشروعة على أربابها في اول فرصة.”

قصر العظم

$
0
0

قصر العظم بدمشق

متحف التقاليد الشعبية

أنشئ القصر سنة 1163هـ / 1749م، ليكون مقراً للوالي أسعد باشا العظم وقد انشأه الوالي المذكور وجعله آية من ايات الفن الدمشقي.

يقع هذا القصر في المكان

الباحة الكبرى

الباحة الكبرى

الذي كان يقع فيه قصر والي دمشق الرومي في العصر الرومي قبل دخول المسلمين الى دمشق، ثم صار قصراً للوالي معاوية بن ابي سفيان في فترة الخلافة الراشدية ثم تحول الى قصر الخضراء الخاص به عندما اقام الخلافة الأموية وكان اول خلفائها، يقع تحديداً في حي الحمراوي بجوار سوق البزورية الشهير، ما بين الجامع الأموي في الشمال وسوق مدحت باشا في الجنوب، وقد أنفق الوالي أسعد باشا المال الهائل إذ أنه أخذ قصر معاوية وما حوله من دكاكين وخانات وبيوت ليقيم القصر، حتى انه استجر الاحجار البازلتية من قصور حوران الأثرية.
وعمارة هذا القصر كما قلنا تقوم على تقاليد بناء البيت الشامي القديم الذي يقتصر جماله على الداخل أما الخارج فهو ليس بنفس الجمال إلا إذا استثنينا البوابة الرائعة
ندخل إلى القصر من البوابة الجميلة التي تؤدي إلى ممر عريض وعلى يمين هذا الممر مصطبة للجلوس أما على اليسار فهناك غرفة صغيرة للحارس، في نهاية الممر هناك أكبر قسم في القصر وهوجناح المعيشة المسمى “حرملك”، ومساحته تمثل ثلثي مساحة القصر بأكمله، يلحق بهذا القسم أي “الحرملك” قسم آخر هو قسم الخدم “الخدملك” وإسطبل الخيل والعربات في الزاوية الشمالية لهذا القصر، وحول الفناء الواسع تقوم القاعات والإيوان الكبير، وتمتد أمامه بركة طويلة. ولقد زينت واجهات الغرف والقاعات بمداميك ملونة “وبالأبلق” الذي يغطي بزخارفه الهندسية الدقيقة أحجار الأقواس حيث الخطوط الهندسية الدائرية والمتعرجة والمستقيمة وأشكال النباتات والزهور. كما وتغطى السقوف بجدران خشبية ملونة بالأسلوب العجمي الذي يأتي على شكلين النباتي والحريري، إضافة إلى الخط العربي ووجود آيات قرآنية وأبيات شعرية وأقوال مأثورة تزدهر بها جدران هذا القصر النموذجي، أما الأرابيسك او حفر الخشب فيعمل من أجل أبواب القاعات، وهناك فن المعشق التقليدي حيث يكون الزجاج معشقاً بالجص.
الباحة الداخلية

الباحة الداخلية


أما جناح “السلملك” فهو أصغر حجماً من القسم السابق ولكنه يحمل نفس الطابع من زخارف معمارية متقنة ودقيقة وفي وسط الفناء بركة مربعة الشكل، أما عن حمّام القصر الذي يشبه عمارة الحمامات الدمشقية القديمة المسماة حالياً بحمامات السوق القديمة، فهو مؤلف من ثلاث أقسام البارد والدافئ والحار، هذا الحمام يقع في قسم المعيشة من القصر وله قبة ذات عيون زجاجية، ويلحق بالحمام مرجل الماء الساخن الذي يغذي الحمام.
وفي العام 1953 تحول هذا القصر إلى متحف للحرف الشعبية والصناعات اليدوية التقليدية ومن أهم أقسام المتحف «قصر العظم»، قاعة التدريس حيث مجسمات لطلاب يتعلمون وشيخ يلقنهم الدروس، وقاعة الموسيقى التي تعرض فيها آلات إيقاعية ونفخية تقليدية مثل الطبل والمزهر والناي. وقاعة الاستقبال فرشت بالسجاد، والقاعة تحوي على العديد من نماذج الصناعات اليدوية الجميلة وهناك أيضاً قاعة العروس والمجسم يحكي عن تلك العروس التي ترتدي فستان الزفاف وترافقها إحدى الفتيات التي تشرف على زينتها. أما جناح المقهى الشعبي وفيه مجسم “الحكواتي” ومجسم للرجال الذي يقفون أمام صندوق الدنيا، وغيرها من القاعات كقاعة النسيج وقاعة النحاس وقاعة الصناعات الجلدية وقاعة الباشا وقاعة السلاح التي ينبهر بها الزائر وبهذا التجسيم الرائع يتبين لنا حياة المدينة القديمة.

قصر العظم او متحف التقاليد الشعبية الدمشقية يعد مفخرة للشام…

جانب من القصر وفسحاته الداخلية

جانب من القصر وفسحاته الداخلية


الشماسات في العصور الأولى

$
0
0

الشماسات في العصور الأولى

تمهيد

قد ينصرف الفكر عند سماع هذا اللقب الى زوجة الشماس، كما ينصرف الى الخورية زوجة الخوري… ولكن مهمة الشماسة كانت غير ذلك وان توجب الكنيسة حالياً على زوجات الشمامسة والكهنة ان يقمن بواجباتهن معينات لرجالهن الشمامسة والكهنة في الرعاية والخدمة.

في الكنيسة الأولى

يظن البعض ان الشماسات في الكنيسة في عصورها الأولى نشأن منذ عهد الرسل، وان القديس بولس يشير اليهن في رسالته الى روميه (16 : 1 )إذ يذكر (فيبي) كأنها شماسة في كنيسة كنكريه،بولس الرسول يخبرنا أيضا عن فيبي في رسالته إلى أهل رومية: “أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا لكي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقدموا لها أي شيء احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أيضاً.”

واجهة الكاتدرائية المريمية بدمشق واسمها كنيسة مريم

واجهة الكاتدرائية المريمية بدمشق واسمها كنيسة مريم


وقد زعم هذا أن الأرامل المشار اليهن في (ا تيمو 5: 9) قد يكن الشماسات المقصودات… وهذا ليس بعيداً عن الاحتمال لأن السن المعين لقبول النساء في الخدمة كان ستين سنة على ما قال (ترتليانوس)، ولكن مجمع (خلقيدونية) خفض السن بعد قرنين الى الاربعين سنة، ويظهر ان الأرامل اللواتي يذكرهم (القديس بولس) كن مع اللواتي نذرن العفة إذ قيل عنهن بصراحة اذا تزوجن: ” فالقضاء عليهن لأنهن نقضن العهد الأول” (ا تيمو5: 12).

ومما يميز الشماسات عن فئة أخرى من النساء المحتاجات، انهن كن ينذرن العفة الدائمة، ف “الدستور الرسولي” يقول: ” ان الشماسة يجب ان تكون عذراء طاهرة أو ارملة…” وقال كاتب المقالة عن الشماسات في (قاموس المسيحية القديمة):” انه من الأمور الواضحة ان سيامة الشماسة كانت تتضمن نذر العزوبة” وقانون (مجمع خلقيدونية(15)) هو صدى لما جاء في اقوال بولس الرسول:” لايجوز ان تنال امرأة وضع اليد لتصير شماسة وهي دون الاربعين من عمرها، وقبل اجراء فحص دقيق، واذا احتقرت نعمة الله بعد وضع اليد عليها، وخدمتها كشماسة، فسلمت نفسها للزواج فلتبسل مع الرجل الذي تزوجها” وقد نصت (الشريعة المدنية) الى أبعد من ذلك فإن شرائع يوستنيانوس تعاقب المخالفين والمخالفات بمصادرة الأموال والاعدام. وفي صلاة الخدمة القديمة، في وضع اليد على الشمامسة طِلبة يسأل فيها العون لها لتتمكن من المحافظة على الامساك والعفة.

وكان أهم اعمال الشماسات مساعدة الاناث المرشحات للمعمودية، ففي الأزمنة الأولى كان سر العماد يتم بالتغطيس للاناث الا في حالة مرض شديد ولا تزال الكنيسة الأرثوذكسية تجري العماد بالتغطيس ثلاثاً.

لذلك كان هناك واجبات كثيرة يمكن ان تقوم الشماسات بها، فانهن كن احياناً يقمن بتعليم الموعوظات التعليم المسيحي المطلوب، وقد انحصر عملهن في هذه الحالة بين النساء في الكنيسة الأولى بسبب الخصوصية، ولم يكن لائقاً او جائزاً ان تقوم امرأة بتعليم رجل او تمريضه…

وواجبات الشماسات ذُكرت في عدة كتابات قديمة نذكر منها هنا (القانون الثاني عشر من مجمع قرطاجة الرابع الذي التأم في السنة 398 مسيحية).

” إن الأرامل والنساء المكرسات اللواتي انتُخبن للمساعدة في معمودية النساء يجب أن يُعتني بتدريبهن في هذه الوظيفة ليقمن بتعليم النساء الساذجات بدقة وحذق الأجوبة على الأسئلة التي تُطرح عليهن في وقت المعمودية وكيف يجب ان يستسرن سيرة صالحة بعد المعمودية.”

وقد كتب في هذا الموضوع بأجلى بيان القديس ابيفانيوس الذي يتكلم عن الشماسات كمجموعة اكليريكية فيؤكد انهن لم يكن إلا نساء متقدمات في السن فلا صفة كهنوتية لهن على الاطلاق ، ولم يكن يُسمح لهن على الاطلاق، ولم يكن يُسمح لهن في تأدية واجباتهن، بأن يشتركن في أي خدمة كهنوتية بل كن يقمن على بسيط الحال ببعض واجبات العناية بالنساء .” فالظاهر من هذا كله ان يخطىء كل الخطأ من يتوهم ان وضع اليد في رسامة الشماسات هو من نوع وضع اليد في رسامة الشماس او القس والأسقف…

فما خدمة الصلاة على رؤسهن الا علامة خارجية لحلول نعمة روحية خاصة عليهن.

– لم يطل العهد على وجود الشماسات في الكنيسة ف (مجمع اللاذقية في القرن الرابع ( 343 – 381مسيحية)) منع تعيين بعض الفئات من الشماسات، والمجمع الأول في اورانج (414 مسيحية) منع في قانونه ال26 تعيين الشماسات على الاطلاق والمجمع الثاني في اورانج ( في قانونه ال 17 و18) يأمر بقطع الشماسة اذا تزوجت ان لم تنقطع عن مساكنة الرجل الذي اتخذته، وأمر أيضاً بوجوب الإمتناع عن رسامة أي امرأة في المستقبل بسبب ضعف الجنس البشري …

ويعتقد توماسينوس ان سلك الشماسات قد أُلغي ولم يبق له أثر في القرن العاشراو القرن الثاني عشر، أما في القسطنطينية فقد بقي مدة أطول ولكنه انحصر في الأديرة.

هل يمكن ان تخدم النساء كشماسات في الكنيسة؟

 إن الكتاب المقدس ليس واضحاً تماماً حول إمكانية أن تكون المرأة شماسة…

والدة الاله

والدة الاله


في الكنيسة الأولى:” إن عبارة أن الشمامسة يجب أن يكونوا “رجال ذوي وقار” (تيموثاوس الأولى 3: 12) والشرط بأن “يكون بعل إمرأة واحدة” قد يبدو أنها تستبعد النساء من الخمة كشماسات. ولكن يفسر البعض تيموثاوس الأولى 3: 11 كإشارة إلى النساء كشماسات لأن الكلمة اليونانية المترجمة “زوجات” في الإنجليزية تعني أيضاً “نساء”. من المرجح أن بولس هنا يشير ليس إلى زوجات الشمامسة ولكن إلى النساء اللواتي يخدمن كشماسات. إن إستخدام كلمة “كذلك” في أول الآية 8 تشير إلى وجود مجموعة ثالثة من القادة في الكنيسة بجانب الشيوخ والشمامسة. أيضاً لم يضع بولس شروط لزوجات الشيوخ عندما حدد شروط خدمة الشيوخ. لماذا إذاً يذكر زوجات الشمامسة؟ إذا كان من المهم أن تسلك زوجات القادة بشكل معين، فمن المنطقي أن نفترض أنه كان ليكون أكثر إهتماماً بزوجات الشيوخ – أو على الأقل بنفس القدر – حيث أن الشيوخ لهم مكانة أكبر في الكنيسة. ولكنه لا يضع أي شروط لزوجات الشيوخ.
تشير رسالة بولس الرسول(رومية 16: 1 ) إلى فيبي بنفس الكلمة التي يستخدمها بولس في (تيمو 1 3: 12). ولكن من غير الواضح ما إذا كان القديس بولس يقول أن فيبي شماسة أم مجرد خادمة بالكنيسة. في الكنيسة الأولى كانت النساء الخادمات يخدمن المرضى والفقراء والغرباء والمساجين. كن يعلمن النساء والأطفال (تيطس 2: 3-5). ربما لم تكن فيبي معينة رسمياً “كشماسة” ولكن بولس إعترف بقدرها حتى أنه سلمها رسالة لتوصيلها إلى الكنيسة في رومه (رومية 16: 1-2). من الواضح أنه لم ينظر إليها على أنها أقل مكانة أو مقدرة، ولكن رآها كعضو جدير بالثقة وله قيمة في جسد المسيح.

لا يقدم الكتاب المقدس الكثير لمساندة فكرة خدمة النساء كشماسات، ولكنه أيضاً لا يستبعدهن. لقد أنشأت بعض الكنائس منصب الشماسات، ولكن أغلب هذه الكنائس تميز بين منصب الشماسة الأنثى، وبين منصب الشماس الرجل. فإذا إعتمدت كنيسة منصب الشماسات فيجب ان يتأكد قادة هذه الكنيسة من أنهن خاضعات للقيود التي وضعها بولس على خدمة النساء في مقاطع أخرى ( مثل تيموثاوس الأولى 2: 11-12) تماماً كما تخضع القيادة كلها لسلطان الكنيسة وبالتالي للمسيح الذي له كل السلطان.

هل هناك أي ذكر لخدمة الشماسة في العهد الجديد؟
دارسوا الكتاب المقدس يولون أهمية كبيرة لنصوص العهد الجديد فيما يتعلق بالمراة وهذا لأن العهد الجديد كان قد كتب في بيئة لا تولي المرأة الكثير من الاهتمام أو الحرية. فهكذا نقرأ في بشارة القديس لوقا:” بعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس وسوسنة وأخر كثيرات كن يخدمنة من أموالهن…”

ان هذا يدل على أن لوقا الانجيلي فهم خدمة المرأة كشيء ضروري لا بل كعنصر أساس لبناء ملكوت الله ونمو الكنيسة المقدسة.
بولس الرسول بدوره يخبرنا أيضا عن فيبي في رسالته إلى أهل رومية: “أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا لي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيئ احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أيضا.”
مايعني أن فيبي كانت خادمة أو شماسة هذا مما يدل على أن نعت النساء اللواتي كن مع السيد المسيح بالشماسات يعود إلى أولى ترجمات العهد الجديد. يبدو أن الشماسة فيبي كانت من الأول اللواتي وفرن عونا وضيافة للرسل في كنخريا منذ الأيام الأولى لآنتشار المسيحية.
في رسائله يخبرنا القديس إغناطيوس الأنطاكي ثالث بطاركة الكرسي الأنطاكي المقدس وأحد أهم آباء الكنيسة الأولى والمعروف برسائله الرسولية وقت استشهاده عن النظام الإداري في الكنيسة، أي الأسقف فالكاهن فالشماس. غير أن رسائله لا تخبرنا عن أي خدمة للنساء. فرسالته إلى أهل سميرنا لا تذكر للأرامل والعذارى أي خدمة تميزهن عن باقي الشعب: سلام أيضا إلى عوائل أخوتي الذين لهم نساء وأطفال وللعذارى المدعوات أرامل.والقديس بوليكاربوس أسقف سميرنا الذي كتب في نفس الحقبة الزمنية لم يتوان عن ذكر ما معنى أن تكون المرأة أرملة، “على الأرامل أن تكن متحفظات حينما يمارسن إيمانهن بالرب. عليهن أن يتشفعن باستمرار للكل وليتجنبن نشر الإشاعات واللغو والاتهامات الباطلة والسعي لامتلاك المال وسوء السلوك أيا كان.”
مع تعليم الرسل أصبحت الشماسات جزءً اساسياً من الكنيسة. إننا نعرف عن هذه منذ عام 1854 غير أن النص الأصلي لما كتب في وقت ما أي قبل النصف الأول من القرن الثالث ويحدثنا أيضا عن الأسقف والشمامسة والشماسة والكهنة والأرامل واليتامى قائلا: “اعتبروا الأسقف لكم في مقام الله العلي, وأما الشماس الذي هو في مقام المسيح فيجب عليكم محبته، والشماسة التي هي في مقام الروح القدس يجب عليكم تقديرها. وليكن الكاهن لكم على مثال الرسل وأما اليتامى والأرامل فليعتبروا على شبه المذبح.” 
في الكنيسة السريانية

أخبر(يوحنا ابن العبري) في كتابه (منارة الأقداس) أن الشماسات كن موجودات في الكنيسة على مثال الأرامل كما كتب كامندس الإسكندري:” أنه في وقت تقديم الذبيحة الإلهية كانت الشماسات تقف في المذبح وراء الأفيذياقونيين (الايبوذياكون)” وقال يعقوب الرهاوي:” أن ليس للشماسات أي عمل قط داخل المذبح، بل أن تكنس المذبح وتنير الشموع خارجه متى ما أُمرت بعمل هذا.وكان لها الحق أيضا أن تأخذ الأسرار من الكوة (المذبح) في حال عدم وجود أي كاهن أو شماس وأن تعطيها للنساء والأطفال…”

في الكنيسة القبطية 
اختفت خدمة الشماسات المكرسات في الكنيسة القبطية منذ القرن ال13 وقد اعادها مرة اخرى البطريرك شنودة الثالث. 
والجدير بالذكر ان الشماسة ليست رتبة كهنوتية لانه معروف ومستقر في كنيستنا الارثوذكسية انه لا كهنوت للمراة فالشماسة لاتوضع عليها الايدي لكنها تقام من الاسقف في القداس فتقف امام الهيكل ويتلو عليها صلاة وردت في قوانين الرسل
ومن اعمال الشماسات
معاونة الكاهن في عماد السيدات
حفظ النظام في امكن جلوس السيدات بالكنيسة
افتقاد الشابات والسيدات
خدمة مدارس الاحد وحضانة الكنيسة

ختاماً 

مهما تعددت الآراء وتنوعت النظريات الا انها في وجه الاجمال اعطت المسيحية المراة في كل شيء مكانة راقية ومميزةفهي معادلة للرجل بكل شيء وذلك من خلال الآيات الكثيرة التي تحفل بها صفحات الانجيل المقدس واعمال الرسل والرسائل الجامعة ثم في عصر الرسل… ولعل خير دليل عملي على ذلك هو تَّمثُّل المرأة المسيحية بالعذراء الطاهرة واحتلالها المكانة المتميزة التي لوالدة الاله العذراء ” فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال…”

.

الكنيسة الرسولية…

$
0
0

الكنيسة الرسولية…

“مبنيين على اساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية”

(أف 2 : 20 )

لقد مرت الكنيسة بعصور متعاقبة وهي:

آ- عصر الرسل

من أهم سمات الكنيسة انها “رسولية” بمعني انها مبنية “على اساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” ( أف 2 : 20 )

لقد كان الآباء الرسل بدءاً بالتلاميذ الاثني عشر وعبوراً بالرسل السبعين وحتى الخمسمائة أخ دفعة واحدة الذين عاينوا القيامة المجيدة، كانوا جميعاً اول الكارزين ببشارة الانجيل، واقربهم الى المعاينة اليومية للسيد له المجد والمعايشة اليومية لأحاديثه ومعجزاته، لهذا فقد غمرهم الحماس الروحي وخاصة بعد العنصرة لينشروا بشارة الانجيل في المسكونة كلها، واستطاعوا ان يغزوا بالحب والكلمة قلوب العالم المعروف آنذاك، حتى قيل عنهم انهم “فتنوا المسكونة” ( أع 17 : 6 ) وان كان أعداء المسيح من اليهود والوثنيين اعتبروها فتنة انقسام، الا أننا نراها فتنة اعجاب بروح المسيح التي كانت فيهم، وروح الكرازة التي أظهروها، وأمانة الشهادة للرب، حتى الى الموت حرقاً أو طعاً للهامة، او قلياً بالزيت الذي يغلي، او ايقاداً لأجسادهم مشاعل في قصور الأباطرة والقياصرة والولاة…او صلباً كالمجرمين…

لقد باع بعض الرسل أنفسهم عبيداً ليتمكنوا من دخول بعض البلاد للكرازة بانجيل المسيح له المجد، احتملوا جميعاً الآلام والأهوال وحتى الاعدام ايماناً برسالتهم السماوية المعطاة لهم يوم العنصرة بحلول الروح الالهي على رؤوسهم في علية صهيون:” إذهبوا وتلمذوا كل الأمم معمدين اياهم باسم الآب والإبن والروح القدس.”

ايقونة العنصرة

ايقونة العنصرة


ب- عصر الآباء الرسوليين

وحينما انتهى عصر الرسل مع نهاية القرن المسيحي الأول باستشهادالاثني عشر باستثناء يوحنا الحبيب الذي حفظه الرب لحكمة هامة، وهي ان يبقى شاهداً أميناً لألوهة الرب، ليدحض كل الهرطقات والانحرافات التي ظهرت آنذاك…

جاء القرن المسيحي الثاني ليقدم لنا “الآباء الرسوليين” مثل أغناطيوس الأنطاكي وبوليكاربوس وغيرهما…الذين ساروا على منوال الرسل الأطهار في الغيرة المقدسة، وروح الكرازة، والاستعداد للاستشهاد من أجل المسيح، فاستشهد اغناطيوس بعد أن مزقت انياب الوحوش جسده، واستشهد بوليكاربوس حرقاً بالنار…

ولا شك ان آباء العصر الرسولي جميعاً، قد استلهموا روح الرسل الأطهار لهذا اطلقت عليهم الكنيسة جمعاء لقب الآباء الرسوليين أي الذين تشبهوا بآباء الكنيسة الرسل الأطهار، لأنهم رأوهم وعاشروهم ولو لفترات قصيرة وتعلموا منهم…فالقديس اكليمنضوس الروماني عاشر الرسولين الهامتين بطرس وبولس في رومة…

والقديس اغناطيوس “المتوشح بالله” الأنطاكي ثالث بطاركة انطاكية بعد بطرس الرسول وافوديوس…

أماالقديس بوليكربوس اسقف أزمير فكان تلميذاً ليوحنا الحبيب، حيث ” صحبه وسمع منه” وصار اسقفاً على هيرابوليس في آسية الصغرى…

وكذلك كان هرماس صاحب كتاب ” الراعي” قريباً من العصر الرسولي…

نطلب شفاعاتهم وصلواتهم عن ضعفاتنا، متشبهين بهم في جهادهم الأمين ومحبتهم حتى الاستشهاد بالفادي له المجد…


 

”عين بني آدم مابتملاها الا حبة التراب “

$
0
0

قصة مثل…

” عين بني آدم مابتملاها الا حبة التراب ”

تمهيد

مما لاشك فيه ان للأدب الشعبي خصوصية وتميز، وانه لايتوانى ان يوظف الخيال والخرافة وصولاً الى الهدف، وكي يكون لكل مثل شعبي قصة خاصة ان لم يكن هذا المثل وليد تجربة، فلا مجال هنا للهروب، ويجب اكمال القناعة بقصة ولو خرافية لتثبيت فحوى وجدوى المثل في ذهن سامعه، والطمع صفة كريهة وغير محببة لدى الناس، والكفاية عين الحكمة، وقد حاول المثل الشعبي اثبات هذه المنطقية بمقولة ان عين الانسان لا يملأها الا التراب، كناية عن الطمع الغريزي. وحب الذات واولوية الأنا في كل نفس، وان هذه الأولوية بحاجة الى رادع وضابط أحكمه حولها المثل الشعبي بحنكة ودراية منطقيتين.

الملك سليمان الحكيم في بلاطه يأمر بقسمة الطفل  بين الامرأتين بشقه من المنتصف واعطاء نصفه لكل واحدة فقبلت المدعية بينما ثارت امه الحقيقية

الملك سليمان الحكيم في بلاطه يأمر بقسمة الطفل بين الامرأتين بشقه من المنتصف واعطاء نصفه لكل واحدة فقبلت المدعية بينما ثارت امه الحقيقية


قصة المثل

كان لأحد الملوك ابنة شابة جميلة جداً وقد حباها الله بحسن الأخلاق والتعامل مع الجميع برقة ونعومة رائعتين. وكان كل الناس يحبونها سواء من في القصر الملكي، وحتى من خارج القصر من عامة الشعب، يحب هذه الأميرة النبيلة ويحترمها.

في يوم من الأيام داهم الأميرة المرض، واخذ يضعف جسدها، فخارت قواها وانهارت طريحة الفراش، وقد اثقل مرضها هذا على والدها الملك ومن معه في القصر.

شاعت أخبار مرضها العضال هذا في كل المملكة فعم الحزن البلاد، وبدأ الأب يحضر خيرة الأطباء من كل انحاء العالم، حتى الحكماء في محاولة انقاذ الأميرة المحبوبة حتى أذن الله فساق لها حكيماً قام على علاجها حتى تم لها الشفاء الكامل، وعمت الفرحة القصر والبلاد، وباتت السعادة على كل الوجوه لشفاء الأميرة.

وهمَّ الحكيم يعد العدة للرحيل، فأحب الملك ان يجزل له العطاء، امتناناً لحسن صنيعه وحكمته، وبلغت الحيرة فيه كل مبلغ… ماذا سيعطي هذا الحكيم الذي انقذ حياة ابنته الأميرة؟ وقرر ان يستشيره ويخيره في اي ملك او تعويض…

استدعاه الى بلاطه فحضر، وقا له الملك:” اطلب ماتشاء ياحكيم، فقد عاهدت نفسي ان انفذ رغبتك مهما كانت…”

ضحك الحكيم واجاب الملك:” اني اشكر لك كرمك يامولاي، ولا اريد الا ان تملأ لي علبتي هذه…”

واخرج من جيبه علبة صغيرة بيضوية الشكل، لايزيد طول بعضها على الأربع سنتيمترات وناولها للملك…!

ضحك الملك مستغرباً زهد الرجل، وأعطى العلبة الصغيرة الى امين المال الملكي وأمره ان يملأها بسرعة ويعود،

اخذ امين المال العلبة ومضى، وطالت غيبته واستهجن الملك ذلك فاستدعاه مجدداً.

دخل الأمين والدهشة والاستغراب باديان على وجهه، وانتحى بالملك جانباً وقال له:” يامولاي، انها علبة سحرية، فقد وضعت فيها خزنة المال كاملة ولم تمتلىء، وانا حائر الآن ماذا افعل؟

لاحت علائم الدهشة والاستغراب على قسمات وجه الملك، وبدت الحيرة واضحة على وجهه فماذا سيفعل؟

وبادر الحكيم قائلاً:” هل تسخر مني ياهذا؟أتعطيني علبة سحرية لتأخذ كل ذهب المملكة، اليس هذا عيباً؟ وهل هذا جزاء كرمي وسخائي؟

ضحك الحكيم واجاب الملك:” معاذ الله يامولاي، واقسم لك انها ليست علبة سحرية، وسأملأها الآن وأمام عيني مولاي وبلحظة واحدة.”

اسرع الحكيم الى حديقة القصر وتناول حفنة من ترابها، وعاد الى بلاط الملك، واستدعى امين المال، وطلب اليه ان يحضر العلبة، احضر الأخيرة العلبة وحضر…

تناول الحكيم العلبة وألقى بها قليلاً من تراب الحديقة وتناول بعدها عدة ليرات ذهبية، والقاها في العلبة، فامتلأت دونما تعب او عناء…!

زادت دهشة الملك وامين المال،من هذا المشهد وسأل الملك الحكيم التبريرفحدثه الحكيم الحديث التالي:

” يامولاي ان هذه العلبة هي عين ابن آدم وقد عُرفت بطمعها وجشعها ولا يملأها الا التراب، وقد خيرتني أ آخذ ما اريد، وما انا الا واحد من عالمة الناس من شعبك يامولاي، فماذا سأطلب وعلى اي شيء أرمي اختياري طالما ان لي عيناً كهذه، وطمعاً لا احتمل اشباعه، لذلك يامولاي سأترك لك مايجود به كرمك على رجل مثلي قانعاً بما تعطي راضياً بما لدي؟

الخاتمة

فكر الملك ملياً بحكمة الرجل وسلامة رأيه وسداد نصحه، وزاد من تقديره واعجابه به، وبصراحته الجلية، فقر له التالي:

اوفر المال، وبمرتبة رفيعة بين مستشاريه وحاشيته يعينه على اقامة العدل وسياسة الملك.

وبات الحكيم في عيش هانيء سعيد وصار يؤثر في سياسة المملكة ككل.

أسماء طريفة لبعض الأحياء الدمشقية

$
0
0

أسماء طريفة لبعض الأحياء الدمشقية

تحفل دمشق العريقة والمتجذرة في التاريخ بصفتها اقدم عاصمة مأهولةفي العالم كله، تحفل بالاضافة الى آثارها وأوابدها بتسميات طريفة لبعض حاراتها وازقتها القديمة الواقعة منها داخل السور او التي في التوسع خارجه قديماً ومنها ماكان في حارات اليوم كانت عبارة عن قرى…وقد اخترنا هنا بعضاً من هذه الأماكن …

مخطط لدمشق بريشة مستشرق ورحالة اوربي تعود الى القرن 15

مخطط لدمشق بريشة مستشرق ورحالة اوربي تعود الى القرن 15


زقاق القرد او “محل ماضيع القرد ابنه”

سمي بذلك كناية عن ضيقه وإذا ما سألنا دمشقياً عن سبب هذه التسمية أجاب إنه: “زقاق مدخلج، فيه فوتات وطلعات وزواريب و زوابيق ” أي أن هذا الشارع كثير التعرجات والتقاطعات الضيقة، بحيث يكاد الإنسان يضيع فيه عن سبيله.

حارة الكلبة

يقع داخل حارة المفتي بسوق ساروجة، وسبب التسمية كما تذكره العامة، لأن كلبة ولدت جرائها فيها.

حارة القط

يقع جنوبي حي الأمين ( شارع اليهود) بمحاذاة السور من الداخل، كانت تسمى قديماً (بستان القط) واستمر وجوده حتى الثلث الأول من القرن العشرين، كما ورد في خريطة شرطة دمشق (1922 ـ 1924)، وهناك من يعتقد أن نسبة البستان تعود إلى أسم العائلة أو لقب شخص، ولا علاقة لها بالقطط.

حارة القرد او محل ماضيع القرد ابنه

حارة القرد او محل ماضيع القرد ابنه


حارة الجردون

قرب جامع الورد في سوق ساروجة (في حارة الجردون) لكن لم يجر تدوين أسباب تسميتها بهذه التسمية، تاريخياً، سوى ما يتبادر إلى الذهن من قصص مبتدعة ترتبط بمواصفات ذلك الجردون الذي يستحق أن يسمى حياً باسمه…!!!

حارة الزط

هذه جاءت تسميتها بناء على تركيبتها الاجتماعية، فهذه الحارة الواقعة في الشاغور الجواني والممتدة من الباب الصغير حتى شارع الأمين ، كانت مسكونة من قبل جماعة ( جات) وهم من الشعوب الهندو أوروبية تدين بالهندوسية ، ومنبعها من الهند شرقي البنجاب بين مدينتي أكرا ومهترا . وقد هاجر بعضهم إلى الشرق الأوسط. وسمعة الزط وضيعة في المجتمعات العربية حتى يضرب المثل بحقارتهم وخستهم، إذ تعتبر كلمة الزطي من الشتائم الفادحة، ومن تهكمات الدمشقيين المثل الشائع (طلع من بيت الزط مؤذن )!. والمفارقة أن هذه الحارة اليوم تدعى (جادة الإصلاح).

حارة الكلبة

حارة الكلبة


سوق قميلة

يظن للوهلة الأولى أنها مشتقة من قمل، تبدو عكس ذلك رغم أن معانيها أيضاً سلبية، وسوق قميلة القريب من سوق النسوان ورد ذكره في عهد المماليك في القرن التاسع للهجرة في رسالة /نزهة الرفاق في شرح حال الأسواق/ لمؤرخ الشام يوسف بن عبد الهادي إذ قال: ” سوق البيمارستان أو سوق برا أو سوق قميلة، الثلاثة أسماء لسوق واحد تحت القلعة تباع فيه الخلقان”.

وفي العصر الحديث حرف أسمه ليصبح (ميله) وتستعمل هذه الكلمة كناية عن البضاعة الرديئة فيقال بالدمشقية الدارجة ” إي شو جايبه من سوق ميله” وتحول هذا الاسم مع الأيام إلى مصطلح يراد به سوق الألبسة المستعملة البالة ليصبح سوق (أبو ميله).

قهوة خبيني

تقع في آخر سوق القباقبية تجاه مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي. وأصل تسمية (خبيني) قديم وسبق أن أطلقت في القرن الثاني الهجري على مقهى غربي التكية المولوية عند ساحة الحجاز اليوم، وشاعت هذه التسمية الشعبية بين الناس في العهد العثماني زمن الاتحاديين الأتراك، حين كان أولئك يعمدون إلى البحث عن الشبان لسوقهم إلى الخدمة العسكرية المعروفة بحرب (السفر برلك) الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وذلك على أساس مبدأ القرعة، وكان ضابط مفرزة السوق أو “الأخذ عسكر”(الشاويش) يعتمر قبعة طويلة من اللباد الملقب أبو لبادة، قد اقترن اسمه بالخوف .. وللدلالة على عبوره السوق يصرخ الناس عباية ..عباية حتى يتمكن الشبان من الهرب، لذا سميت المقهى (خبيني) لأن الشبان يلجأون إليها طالبين الملاذ، قائلين لمن بها: خبيني. وتكاد تتقاطع ظروف قصة تسمية ( قهوة خبيني ) مع قصة (قهوة الله كريم) من حيث الطرافة إلا أن الأخيرة كانت للمتفائلين بغد أفضل من المتقاعدين، بينما خبيني هي مقهى الهاربين من مستقبل مشؤوم، وقهوة الله كريم التي كانت بقرب جامع يلبغا في محلة البحصة، معظم روادها من ضباط الجيش العثماني المتقاعدين و اللذين تم تسريحهم بعد خلع السلطان عبد الحميد، اي في عهد الاتحاديين، وكان هؤلاء كلما مر من أمامهم ضابط شاب بزيه العسكري المهيب وشاراته وأوسمته المذهبة يقولون مع تنهيدة : “إيه ….الله كريم” أملاً بعودتهم إلى الخدمة ورجوع أيام العز السابقة برجوع السلطان.

ولا يزال سارياً مصطلح (عباية) للاستتاروالاختفاء… والسكوت.

قهوة خود عليك

تقع في منطقة الشادروان على طريق بيروت القديم فكانت تحتل ضفة نهر تورا، سميت (خود عليك) كناية عن ازدحامها، حيث يطلب الداخل إليها مكاناً من الجالس بالقول وسع لي مكاناً بجانبك أي (خود عليك). وقد زال أثر هذا المكان بعد أن احتلته المقاصف والمطاعم بشكلها الحديث وتغير ملامح مدخل المدينة.

محلة الشادروان في الربوة

محلة الشادروان في الربوة


مقهى التايبين

تقع عند مفرق المزة من ربوة دمشق، وعدم وجود العاب قمار في صالتها جعل روادها يطلقون عليها اسم التايبين اي (جمع تائب) تأثراً بلقطة سينمائية في فيلم (امرأة تسكن لوحدها) لدريد ونهاد الذي ظهر في السبعينيات. والتصقت هذه التسمية بالمقهى حتى جرى هدمه لإقامة عقدة جسر الربوة عام 1976م.

زقاق الجن

الشهير اليوم كسوق صناعي لبيع قطع تبديل السيارات، تعيد العامة سبب تلك التسمية إلى أن المنطقة كانت مسكونة بالجن قبل أن تعمر، وكان الجن ينشرون في أجواءها العطر والبخور. وربما يكون سبب وجود مثل هكذا اعتقاد إلى كون المنطقة كثيرة الرياح لوقوعها على ممر الريح بين جبلي الربوة والمزة، والرياح التي تحرك أشجارها العالية فتصدر أصوات حفيف تشبه الهمهة والصفير. وكان لبعض الحوادث التي جرت مع المارة أثراً في ترسيخ الاعتقاد بوجود قوى خفية في المنطقة، كسقوط أغصان الأشجار عليهم. وثمة أخبار تفيد بأن الناس كانوا يتجنبون العبور في هذه المنطقة خوفاً من الجن، مما شجع السفهاء والحشاشين للجوء إليها وممارسة حياتهم الليلية فيها،وهذا ثبّت اسم الجن على هذا الزقاق، وشجع على نسج تخاريف تلهب الخيال، وتمنح المكان هالة من الغموض والرهبة،

زقاق حبس الأموات

أحد الأزقة في العمارة الجوانية، وقد أطلقت في البداية على المدرسة الناصرية الجوانية، وشاع لقب حبس الأموات في عصر عبد القادر بدران حيث كان يحبس فيها من يموت وعليه دين حتى يتطوع الناس لسداد دينه.

حارة المزابل

تقع في العمارة الجوانية، وقيل أن تسمية هذه الحارة تعود إلى الفترة التي أقام فيها الأمير عبد القادر الجزائري قصراً في العمارة الجوانية أوائل القرن التاسع عشر، وكان لهذا القصر جسر خشبي على فرع نهر العقباني يصل بين زقاق النقيب حيث القصر وبين حي الشرف الأعلى، وكانت بقرب الجسر أرض خلاء استخدمت لمزابل القصر. لكن أواخر القرن التاسع عشر صارت هذه الأرض حارة وأقيمت فيها المنتزهات على طرفي النهر. واليوم اسمها حارة الشرف الأعلى.

إن حارة المزابل تستدعي التأمل في أصل تسمية (حارة القعاطلة) الواقعة قبالة الباب الشرقي شمالاً، تنسب هذه المحلة إلى موقع بيت (نعمان الآرامي ) رئيس جيش ملك آرام بنحدد الثاني، وقد ورد في الكتاب المقدس بأنه أصيب بالجذام أو البرص، وشفي على يدي النبي اليشاع بعد اغتساله بمياه نهر الأردن، والعديد من الرحالة والمؤرخين العرب والأجانب أشاروا إلى أن مكان هذا المنزل أقيم مصح للجذام ، واليوم لا أثر لذلك المصح، بينما ظلت التسمية التي هي أساساً مشتقة من لفظة عامية (أعطلة) وتعني القذارة ويستخدمها الدمشقيون تفكهاً كناية عن العمل غير المتقن.وهي قريبة من منطقة الاحد عشرية ، ومن المفارقات انها اليوم مكباً للنفايات وروائح القمامة تغزو المنطقة الشرقية من دمشق وخاصة في الصيف، وكأن الأعطلة صفة ملازمة للواقع…

نهر قليط

الفرع الصغير لنهر بانياس المتفرع عن بردى، المار قريباً من الباب الشرقي، ودعي (قليط) لأنه اصبح مصباً لأسيقة دمشق ولما يحمله من الأقذار والنفايات حتى ليضرب المثل بوساخته فيقال (فلان مثل قليط إذا حركته بتطلع ريحته).

زقاق البرص

زقاق متعرج يقع بين سوق الحميدية والبيمارستان النوري، و ذكر في خريطة شرطة دمشق زقاق البوس، البعض يعتقد اصل التسمية من كلمة بورصة سوق الأسهم المالية ومنهم من يقول أنها من البرص جمع أبرص وهو داء البهق، بينما فسرها فريق آخر أنها من البوس بمعنى التقبيل، وكلها تفسيرات لا مستند تاريخي موثق لها.

زقاق الولاويل اوالزعاويط

يعتقد أنه في حي الميدان، وهو كإسمه حَّيَّرَ الباحثين سواء لجهة تحديد مكانه أو لسبب تسميته، كما هو الأمر مع زقاق المعمشة، وزقاق البلطجية، وسوق الشراطيط…

حي الطنابر

في محلة الشيخ محي الدين في الصالحية التي كان أغلب سكانها من الطنبرجية او أصحاب الطنابر”.”

حارة الورد

سميت نسبة إلى حكر الورد الذي كان في موقعها ورغم تبدل اسم هذا المكان في العهد المملوكي عاد اليوم ليثبت على الحارة ويطلق على أهم معالمها كجامع الورد وحمام الورد.

جنينة النعنع

تقع في محلة شرقي التكية السليمانية، والتي قام مكانها مركز لانطلاق السيارات اليوم، كانت معروفة في الثلاثينات من القرن العشرين بثلاثة أسماء تدل على سمات تلك الجنينة فهي جنينة النكلة وهو ثمن تذكرة الدخول إليها، وهي أيضاً جنينة النسوان لان روادها فقط من النساء إلى جانب تسميتها بجنينة النعنع لأنها قامت على أرض بستان اشتهر بزراعة النعنع. وما تزال هذه التسمية شائعة على المنطقة رغم زوال الجنينة.

الجسر الأبيض

كان مبنياً من الحجارة البيضاء على نهر تورا بين محلة الصالحية والعفيف، ومع أن الجسر غير موجود الآن، إلا أن التسمية لا تزال مستخدمة على منطقة تحولت إلى سوق تجاري حديث، و قد عرفت هذه المنطقة ببدايات القرن الماضي كبساتين فاكهة وبالأخص الدراق.

الشادروان

كلمة الشادروان فارسية تعني الميزاب أو المسيل الصغير وسميت بالشادروان لكثرة ميازيب المياه فيها.


 


مختصر تاريخ الكرسي الأنطاكي المقدس/ بطريركية انطاكية وسائر المشرق

$
0
0

 

 

تأسيس الكرسي الأنطاكي المقدس

أقام الرسولان بولس و برنابا كرسي أنطاكية عام 42، إلا أن القديس بطرس الرسول استوى عليه كأول الأساقفة لمدة ثماني سنوات (45-53) ثم انطلق لتأسيس كنائس أخرى، ولكن ثمة آراء تاريخية وكنسية قوية مدعومة بالحجج الثابتة تفيد أن بطرس الرسول هو الذي أقام الكرسي الأنطاكي بمعاونة الرسولين بولس و برنابا وقد خلفه على السدة الأنطاكية أفوديوس وليس بمستغرب أن لقب البطريرك قد لقب به بطرس الرسول، لكون المسيحية في أنطاكية قد انتشرت بين اليهود أولا، و لأن بطرس كان عملياً زعيم هذه العشيرة. وما إطلاق تسمية البطريرك من قبل مجمع “خلقيدونية” عام 451 على أسقف أنطاكية وحده دون سائر الكراسي الأخرى ( رومه والقسطنطينية والإسكندرية وأورشليم ) إلا تكريساً لهذا الأمر الواقع. لذلك جاز لنا يقيناً اعتبار القديس بطرس الرسول أول البطاركة على كرسي أنطاكية

وكما خرج بطرس من أنطاكية عام 53 ليؤسس كرسي رومه ويستشهد فيها أيام نيرون، كذلك خرج بولس و برنابا إضافة إلى مرسلين عديدين خرجوا من أنطاكية إلى كل أقطار المسكونة يبشرون بالدين الجديد. لأن أنطاكية مع دمشق، كانتا بوابتي عبور المسيحية إلى كل العالم المعمور، وخصوصاً باتجاه الشرق حيث زرع مبشروها بذار الدين المسيحي مما جعل لها حقوقاً شرعية على الكنائس الجديدة في تلك الأصقاع. لذلك نرى أسقف (بطريرك) أنطاكية متقدماً منذ عهود المسيحية الأولى على سائر أساقفة الشرق، فهو الذي ترأس المجامع المكانية في الشرق (أنقرة 315 – قيصرية 316) واعترف المجمع المسكوني الأول نيقية (325) للكنيسة الأنطاكية بالرئاسة على سائر أساقفة الشرق. وثبت المجمع المسكوني الثاني (القسطنطينية 383) هذه الرئاسة، في حين قرر المجمع المسكوني الثالث (افسس 431) استقلال كنيسة قبرص عن أنطاكية برئاسة رئيس أساقفة.

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس



في انطاكية دُعي المسيحيون اولاً:

ونالت انطاكية العظمى شرف ان اتباعها حملوا اسم :” مسيحيون” منذ السنة 42 مسيحية وقبل اي مكان آخر في العالم كما يخبرنا سفر أعمال الرسول.
انطاكية والانشقاقات اللاهوتية

ومرت بالكرسي الأنطاكي المقدس حوادث عاصفة عبر تاريخه العريق سلخت من حظيرته أبناء أحباء، وارتبطت في معظمها بصراعات قومية وخلافات لاهوتية متعلقة بتفسير مغلوط للغة الكنسية الرئيسة في ذلك العصر وهي اللغة اليونانية إضافة إلى النزعة الاستقلالية للكنائس الشرقية عن كنيسة الدولة الرسمية وكان أول انفصال في الكرسي أنطاكية عام 498 مسيحية وهو الذي فصل النساطرة (الآشوريون والكلدان) بعدما حرم مجمع افسس (431 مسيحية) هرطقة ” نسطوريوس ” أسقف القسطنطينية وكان الآشوريون والكلدان قد أيدوا بدعة نسطوريوس ورفضوا الحرم الذي لحق به فانفصلوا عن الكنيسة الأنطاكية واتخذوا مقراً لكنيستهم في المدائن (فارس) ثم بابل، وتلا ذلك انفصال “السريان اليعاقبة والأرمن” عن أنطاكية، “والأقباط، والأحباش” عن الإسكندرية، نتيجة رفضهم لمقررات خلقيدونية (المجمع المسكوني الرابع 451 مسيحية) والتي أكدت طبيعتي السيد المسيح الإلهية والبشرية ومشيئتيه، وأنه شخص واحد. في حين قالت العائلة الشرقية بالطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة، وهكذا نشأت الكنيسة السريانية المستقلة عام 513 مسيحية. واتخذت من ماردين مقراً لها وكذلك الحال كان بالنسبة للأرمن.
وفي عام (680-681 مسيحية) عُقد في القسطنطينية المجمع المسكوني السادس وقرررد القول بالمشيئة الواحدة التي اقترحها الإمبراطور هرقل كمحاولة منه لإعادة “اللاخلقيدونيين” إلى الشركة الكنسية. وتتلخص بأن في المسيح طبيعتين إلهية وبشرية ومشيئة واحدة فقط.
وقد تبنى هذا القول “الموارنة” وانفصلوا عن أنطاكية وأقاموا اول البطاركة على الطائفة “يوحنا مارون” بطريركاً عليهم عام 685 وتكنوا بالموارنة نسبة له اما القول بأن قديس الطائفة هو القديس مارون الراهب الناسك فليس من الدقة حصره بالطائفة الكريمة فهو يعود الى القرن الخامس بينما نشأت الطائفة اواخر القرن السابع وهو قديس راهب من رهبان القورشية ( قورش في حلب)

قبلة المحبة بين مؤسسي الكرسي الأنطاكي المقدس الرسولان بطرس وبولس

قبلة المحبة بين مؤسسي الكرسي الأنطاكي المقدس الرسولان بطرس وبولس

الذين دافعوا عن الأرثوذكسية، تعيد له كنيستنا الأرثوذكسيةالأنطاكية وفق السنكسار الأرثوذكسي… وفي الحروب ” حروب الفرنجة (الصليبية) ” أعلنوا خضوعهم لرومه (1138 مسيحية) زمن البطريرك (أرميا العمشيتي) وكانوا بذلك الكنيسة الشرقية الأولى التي تعلن خضوعها لبابا رومه بعد الانشقاق الكبير الذي فصل الغرب عن الشرق السنة 1053مسيحية.
ومنذ منتصف القرن الثامن المسيحي طالبت الكنيسة الكرجية الأرثوذكسية باستقلالها عن الكرسي الأنطاكي وحصلت عليه عام 1050 مسيحية، وأصبحت كنيسة أرثوذكسية مستقلة برئاسة جاثليق او كاثوليكوس ( كلمة يونانية تعني مفوض بصلاحيات البطريرك) ولكنها وفق التاريخ الانطاكي كانت وحتى الى مابعد زيارة البطريرك الانطاكي العظيم مكاريوس بن الزعيم الى روسيا وشرق اوربة منتصف القرن 17 مسيحي ذهابا واياباً مروراً بجورجيا وما اجراه من اصلاحات وتدابير عقابية لايملكها الا البطريرك او رئيس الكهنة بحق المخالفين من الاكليروس الكرجي بما في ذلك التجريد من الكهنوت والسجن، ولو لم تكن لاتزال تابعة بشكل او بآخر للكرسي الأنطاكي لما استطاع ايقاع العقاب.
إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ما لبثت أن ضمتها إليها عام 1811 م حتى أعيد لها استقلالها عام 1917، ونالت بالتالي تسمية بطريركية مستقلة هي بطريركية جيورجية الأرثوذكسية.

غزوة الفرنجة
وفي الفترة الممتدة من الفتح العربي لأنطاكية والمنطقة عام 638 مسيحية وحتى غزو الفرنجة عام 1098 مسيحية، مروراً بالعصر البيزنطي الثاني، حافظ الكرسي الأنطاكي على ألقه وتوهجه في جو من التسامح الديني والنهضة المسيحية، في حين نال على يد الفرنجة نصيباً وافراً من النكبات. فقد عزلوا البطريرك الأرثوذكسي ” يوحنا” وأقاموا مكانه لاتينياً يدعى ” برنارد ” كما أقاموا كهنة ومطارنة من اللاتين، فشقوا الشرق الأرثوذكسي وارتفع عرش بطريركي في وجه عرش بطريركي آخر ومذبح كنسي في وجه مذبح كنسي آخر وكان الحال ذاته بالنسبة للكرسي الأورشليمي إذ أكرهوا البطريرك الأرثوذكسي على التنحي و عيّنوا مكانه بطريركاً لاتينيا.ً

شعار بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس

شعار بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس


تدمير انطاكية وانتقال الكرسي الى دمشق
وحتى اندحار الفرنجة وسقوط أنطاكية ودمارها والفتك بمائة ألف مسيحي أرثوذكسي هم من شعبها كونه بكل أسف اعتبرهم كالفرنجة عام 1268 – على يد الظاهر بيبرس سلطان المماليك – كان البطاركة الأنطاكيون يقيمون في القسطنطينية وفي آسية الصغرى وحتى قبرص، إلا أن الكرسي الأنطاكي هجرها متجولاً في آسية الصغرى حتى عام 1344 (وكان قد تعاقب عليه خمسة بطاركة) حين تقرر نقله إلى دمشق أهم مدينة في بلاد الشام وتالية أنطاكية من حيث مكانة أسقفها. وكان أسقف دمشق آنئذٍ يواكيم وترتيبه 58 بعد حنانيا الرسول أول أساقفتها، فتقرر رسمه بطريركاً على الكرسي بدمشق إلا أن المنية وافته فخلفه البطريرك اغناطيوس الثاني الذي أقام في مقر أسقفية دمشق وهي الدار البطريركية الحالية وصارت كاتدرائية البطريرك هي المريمية وصار انتخاب البطاركة والمطارنة يتم على مذبحها المقدس، ورسامة البطاركة والمطارنة فيها، ودفن الراقدين منهم في مدفن البطاركة بحرمها، فدمشق هي وريثة انطاكية، منها بدأ الانتشار المسيحي مع بولس الرسول وصولاً الى انطاكية، ومنها عاد الى دمشق بعد 13 قرناً…التي صارت عاصمة الكرسي الأنطاكي الى الأبد.
وقدم الحكم العثماني لبلاد الشام التسهيلات للتبشير البابوي المنتظم الذي كان قد فرغ لتوه من وقف المد البروتستانتي اللوثري في الإمبراطورية الجرمانية المقدسة ومن كثلكة أرثوذكس القسم الجنوبي من إيطاليا إضافة إلى فينسيا وألبانيا. وكانت الإرساليات التبشيرية البابوية (اليسوعية – الكرملية . . .) قد جعلت من القسطنطينية عاصمة “ملة الروم ” مركزاً رئيساً لعملها باستقطاب أرثوذكس كراسي أنطاكية والقسطنطينية . . . مع الكنائس الشرقية للكثلكة. وقد أقامت المدارس و المشافي والمياتم ومأوى الغرباء تسهيلاً لعملها الذي ما لبثت أن مدته إلى سائر مناطق الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الشرقية.
وقد استغلت هذه الإرساليات اندفاع أبناء الأرثوذكس لتلقي العلم في أوربة، فتبنت العديد من الأولاد النجباء وأرسلتهم إلى كلية القديس أثناسيوس اللاهوتية في الفاتيكان التي أفتتحها البابا غريغوريوس الثالث عشر عام 1577 (وكان يسوعياً متشدداً) وبنى فيها عام 1581 كنيسة جعل الخدمة الإلهية فيها باليونانية، وكانت النتيجة صيرورة الأرثوذكس الذين درسوا فيها أرثوذكساً بالاسم عدا من اعتنق الكثلكة منهم، وجاهر بها بعد عودته إلى بلاده، وأصبح من أهم دعاتهم وكان أولهم مطران صيدا افتيموس صيفي الذي أعلن إيمانه الكاثوليكي حال رسامته على صيدا، واعترف به البابا كأول أسقف كاثوليكي عام 1700 في الكرسي الأنطاكي.

الكاتدرائية المريمية بدمشق

الكاتدرائية المريمية بدمشق


وكان واقع الكرسي الأنطاكي المقدس آنذاك رديئاً جداً، كواقع أبنائه الذين خضع بعضهم لإغراءات المبشرين المادية، مما حدا بالبطاركة والمطارنة الأرثوذكس إلى التوجه نحو أوربة الشرقية الأرثوذكسية لجمع التبرعات والإعانات للوقوف بوجه هذا التغلغل المنتظم بين أوساط الشعب الأرثوذكسي الفقير، وبالتالي لفتح المدارس والمدارس الكهنوتية ووفاء الديون وفوائدها الباهظة التي ترتبت على الكرسي الأنطاكي. وكان البطريرك ” مكاريوس بن الزعيم ” 1648 قد قام لذلك برحلتين إلى رومانية وروسية والبلقان مع حاشية بطريركية وكانت الأولى من عام 1652 إلى عام 1659 والثانية 1666 – 1669. وقد دوّن ولده ” الأرشيدياكن ” بولس أحداث هاتين الرحلتين. وأستطاع ابن الزعيم وفاء الديون وتطوير المدرسة البطريركية (الآسية التي فتحها سلفه افتيموس كرمة السنة 1653 مسيحية وهي اليوم اقدم مدرسة خاصة مسيحية خصوصاً، وعامةعلى مستوى بلاد الشام عموماً ولا تزال مستمرة بنجاح وتألق)، وتجديد الدار البطريركية وكذلك فعل البطريرك أثناسيوس الدباس الذي أهداه ملك الجبل الأسود مطبعة عربية في أواخر القرن 17 لطباعة الكتب الدينية الأرثوذكسية وكانت أول مطبعة في الشرق.

نشوء الروم الكاثوليك واعتلاء البطاركة اليونان السدة الأنطاكية
ولكن مع إطلالة القرن 18 كان التغلغل اليسوعي قد بلغ حده الأعظمي بين أوساط الرعية الأرثوذكسية بدمشق وحلب وصيدا، بالإضافة إلى الرهبنات وكهنة الرعايا، فظهرت الكثلكة واضحة في انتخابات السدة البطريركية عام 1724 بعد وفاة البطرك اثناسيوس الدباس. وقد ارتأى الشعب والأساقفة الأرثوذكس للحفاظ على أرثوذكسية الكرسي الأنطاكي الطلب إلى البطريركية المسكونية إرسال بطريرك يوناني على اعتبار الامتيازات الممنوحة للبطريرك المسكوني التي منحت له لكونه زعيم (ملة الروم)
وقد انتخب المجمع المسكوني راهباً من جبل أثوس يدعى سلبسترس وأصله من قبرص بطريركاً على أنطاكية وأرسله على جناح السرعة إلى دمشق، في حين أن الفريق المتكثلك انتخب ابن شقيقة – أسقف صيدا افتيموس الصيفي – (وهو ربيب اليسوعيين ومدرسة رومه) بطريركاً وأسماه كيرلس طاناس وجرت رسامته بشكل غير شرعي في الكاتدرائية المريمية إلا أن وصول البطريرك الشرعي سلبسترس إلى دمشق جعله يغادرها إلى دير المخلص في صيدا حيث جعله مقراً لبطريركيته وأقام أساقفة وكهنة وجمعيات رهبانية تبشيرية. وقد اعترفت الدولة العثمانية بهذه الكنيسة الشقيقة عام 1833 تحت اسم (بطريركية أنطاكية و سائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك) واحتفظت بالطقوس الشرقية الأرثوذكسية مع خضوعها في الوقت ذاته لرئاسة البابا.
واستمر الوجود اليوناني على السدة الأنطاكية الأرثوذكسية منذ عام 1724 وحتى عام 1898حيث استعفى البطريرك اسبريدون (من قبرص – من رهبنة القبر المقدس الأورشليمية) نتيجة للضغط الشعبي المتعاظم الذي نادى بإعادة الكرسي الأنطاكي إلى أبنائه، كما كان الوضع.

لقطة لممثلي الكرسي الأنطاكي المقدس في كل العالم في المؤتمر الأنطاكي حزيران 2014 في البلمند

لقطة لممثلي الكرسي الأنطاكي المقدس في كل العالم في المؤتمر الأنطاكي حزيران 2014 في البلمند


التبشير البروتستانتي

وكان التبشير البروتستانتي قد دخل بقوة منذ قبيل منتصف القرن 19 الى دائرة الكرسي الأنطاكي من خلال مبشرين اطباء وعلماء ومستشرقين مع بعثات المانية وانكليزية وايرلندية واميركية مزودين بالمال والامكانيات العلمية والنفوذ واستطاع جذب بعض ابناء انطاكية وخاصة منهم المثقفين وارباب اللغة العربية، اضافة الى الفقراء وخاصة في بعض القرى الجبلية كبلودان وعين الشعراء وحاصبيا وجبل لبنان..

تعريب السدة الأنطاكية والبطاركة العرب

وقد كان البطريرك ملاتيوس الأول (الدوماني) الدمشقي أول بطريرك عربي منذ الدباس عام 1724 م. وكانت باكورة أعماله إعادة فتح مدرسة البلمند الاكليريكية عام 1900. التي كان قد أنشأها الارشمندريت أثناسيوس قيصر عام 1833 في دير سيدة البلمند لتخريج كهنة مثقفين يحافظون على البيعة الأرثوذكسية من الاحتواء الغربي…

الكرسي الأنطاكي في القرن 20

واهتم البطريرك ملاتيوس بالمدارس والجمعيات وزار كل الأبرشيات الأنطاكية بما في ذلك أنطاكية والأسكندرونة وكيليكيا عام 1900 وقد استمرت بطريركيته حتى وفاته عام 1906فخلفه على السدة البطريرك غريغوريوس الرابع (حداد) إلى وفاته عام 1928 وهي فترة طويلة عاصر فيها أحداثاً محلية، إقليمية وعالمية جسيمة كان أهمها إعادة الشركة مع الكنائس الأرثوذكسية 1910 ثم ترؤسه احتفالات آل رومانوف في روسيا عام 1913 بناسبة مرور 300 سنة على تملكهم. ثم مجاعة (سفر برلك) 1914 –1928، وموقفه الوطني ” بدون تمييز ” وقد دعي وقتها ” بطريرك الرحمة ” ثم موقفه المؤيد للحكم الفيصلي ورفضه للانتداب الفرنسي، لذلك كان على عدم وفاق مع السلطات الفرنسية التي استغلت موته عام 1928 فحاولت تفكيك البطريركية إلى قسمين سوري ولبناني وبالتالي نشوء الأزمة البطريركية بين السيد أرسانيوس (حداد) مطران اللاذقية والسيد الكسندروس (طحان) مطران طرابلس. وقد جرى انتخاب السيد أرسانيوس في دير القديس جاروجيوس الحميراء البطريركي عام 1931 بطريركاً من مجموعة من مطارنة الكرسي، وفي الوقت ذاته انتخبت المجموعة الباقية مع ممثلي الشعب الأرثوذكسي في دمشق والميدان وأنطاكية السيد الكسندروس في المقر البطريركي بدمشق بطريركاً. وقد أفتى ممثلو البطريركيات الأرثوذكسية بصحة انتخاب طحان بطريركاً على أنطاكية استناداً لقانون الانتخاب البطريركي الأنطاكي في عام 1931 مع حق السيد أرسانيوس بلقب بطريرك وبقائه في اللاذقية وبعد وفاة أحدهما يؤول المنصب البطريركي كله إلى الثاني، وقد توفي أرسانيوس عام 1933 حيث بقي الكسندروس بطريركاً، واستمرت بطريركيته حتى عام 1958 حيث خلفه البطريرك ثيوذوسيوس ابورجيلي حتى عام 1969 ثم أنتخب خلفاً له البطريرك الياس معوض عام 1970 واستمر على السدة الأنطاكية حتى وفاته عام 1979 وتلاه غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع الذي توفي في 5 كانون الأول 2012 و جنز و دفن في مدفن البطاركة تحت هيكل الكاتدرائية المريمية في دمشق في 10 كانون الأول 2012.

وكانت ولاية الكرسي الأنطاكي المقدس في القرون المسيحية الأولى حتى الانشقاقات السالف ذكرها تشتمل على كل آسيا وبلاد المشرق والهند وكان يمثل البطريرك في كل من الهند وأرمينيا وبلاد الكرج (جورجية) وبلاد فارس وبلاد بابل جاثليق خاص.

ولاية الكرسي الأنطاكي اليوم

تشتمل على الجمهوريتين الشقيقتين سورية ولبنان، إضافة إلى العراق والانتشار الأنطاكي بمعدل 22 ابرشية…و5 معتمديات بطريركية وممثليتان بطريركيتان على النحو التالي ادناه:
ونعتمد التسلسل الأبجدي للأبرشيات وهي على النحو التالي:

1- انطاكية ودمشق وتوابعهما، غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) بطريرك انطاكية وسائر المشرق، ومطران ابرشية دمشق وانطاكية.

غبطة البطريرك الأنطاكي يوحنا العاشر

غبطة البطريرك الأنطاكي يوحنا العاشر


2- ابرشية استراليا، نيوزيلندا والفيليبين، سيادة المتروبوليت بولس (صليبا)

3- ابرشية المانيا واوربة الوسطى، سيادة المتروبوليت اسحق ( بركات)، يساعده سيادة الأسقف يوحنا (هيكل) اسقف بالميرا.

4- ابرشية بصرى حوران وجبل العرب، سيادة المتروبوليت سابا (اسبر).

5- ابرشية بغداد والكويت وتوابعهما وتشمل العراق ، الكويت، السعودية، اليمن، عُمان، سيادة المتروبوليت غطاس (هزيم).

6- بوينس ايرس وسائر الأرجنتين، سيادة المتروبوليت سلوان (موسي)

7- ابرشية بيروت وتوابعها، سيادة المتروبوليت الياس (عودة).

8- ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما (ابرشية جبل لبنان)، سيادة المتروبوليت جاورجيوس (خضر)

9- ابرشية الجزر البريطانية وايرلندة، سيادةالمتروبوليت سلوان (اونر).

10- ابرشية حلب والاسكندرون وتوابعهما، سيادة المتروبوليت بولس (يازجي)

النسر الرومي شعار الكنيسة الارثوذكسية

النسر الرومي شعار الكنيسة الارثوذكسية


11- ابرشية حماة وتوابعها، سيادة المتروبوليت ايليا (صليبا).

12- ابرشية حمص وتوابعها، سيادة المتروبوليت جاورجيوس (ابو زخم).

13- ابرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما، سيادة المتروبوليت انطونيوس (الصوري).

14- ابرشية سانتياغو وتشيلي وتوابعهما، سيادة المتروبوليت سرجيوس (عبد).

15- ابرشية سان باولو وسائر البرازيل وتوابعهما، سيادة المتروبوليت دامسكينوس (منصور).

يساعده سيادة الأسقف رومانوس (داوود) اسقف أديسا.

16- ابرشية صور وصيدا وتوابعهما، سيادة المتروبوليت الياس (كفوري).

17- ابرشية طرابلس والكورة وتوابعهما، سيادة المتروبوليت افرام (كرياكوس).

18- ابرشية عكار وتوابعها، سيادة المتروبوليت باسيليوس (منصور).

يساعده

– في طرطوس: سيادة الأسقف أثناسيوس (فهد) اسقف نينوى.

– في صافيتا: سيادة الاسقف ديمتري (شربك) اسقف بانياس.

– في مرمريتا: سيادة الأسقف ايليا (طعمة) اسقف أرثوسا.

19- ابرشية فرنسا واوربة الغربية والجنوبية وتوابعها، سيادة المتروبوليت اغناطيوس (الحوشي).

20- ابرشية اللاذقية وتوابعها، سيادة المتروبوليت يوحنا (منصور).

كنيسة القديس بطرس في انطاكية وهي اول كنيسة في مدينة انطاكية وتعود الى بدء التبشير

كنيسة القديس بطرس في انطاكية وهي اول كنيسة في مدينة انطاكية وتعود الى بدء التبشير


21- ابرشية المكسيك وفنزويلا واميركا الوسطى وجزر الكاريبي وتوابعها، سيادة المتروبوليت انطونيوس (شدراوي).

يساعده سيادة الأسقف اغناطيوس (سمعان) اسقف قيصرية.

22- ابرشية نيويورك وسائر اميركا الشمالية، سيادة المتروبوليت جوزيف ( الزحلاوي)

يساعده

– سيادة الأسقف انطون (خوري).

– سيادة الأسقف باسيل (عيسى).

– سيادة الأسقف توماس (جوزيف).

– سيادة الأسقف الكسندر (مفرج).

– سيادة الأسقف جان (عبد الله).

– سيادة الأسقف انطوني (مايكل).

– سيادة الأسقف نيقولا (أوزون).

– سيادة الأسقف ديمتري (خوري) – متقاعد.

المعتمديات البطريركية

ترتبط رأساً بغبطة البطريرك الأنطاكي في دمشق من خلال معتمدين بطريركيين.وهي:

-معتمدية الريو دو جانيرو – البرازيل ، المعتد البطريركي قدس الارشمندريت اغناطيوس الصايغ.

– معتمدية السويد والدول الاسكندنافية، المعتمد البطريركي قدس الارشمندريت جان منصور.

– معتمدية دولة الامارات العربية المتحدة، المعتمد البطريركي سيادة الأسقف غريغوريوس (خوري عبد الله) ويرعى رعايا الامارات في مراكز دبي والشارقة وابو ظبي.

– معتمدية مملكة البحرين، المعتمد البطريركي سيادة المتروبوليت غطاس (هزيم) متروبوليت بغداد والكويت وتوابعهما.

– معتمدية دولة قطر، المعتمد البطريركي سيادة المتروبوليت غطاس (هزيم) متروبوليت بغداد والكويت وتوابعهما.

ممثلو صاحب الغبطة

– الأمطوش الأنطاكي في موسكو- روسيا، سيادة المتروبوليت نيفن (صيقلي)

– الأمطوش الأنطاكي في ليماسول – قبرص، قدس المتقدم في الكهنة الأب ميشيل سابا.

د.جوزيف زيتون

امين الوثائق البطريركية في بطريركية انطاكية بدمشق

”يعوزك شيء…بع كل ماتملك ووزعه على الفقراء والمساكين وتعال اتبعني فتدخل ملكوت السموات” (لو 18 : 22)

$
0
0

 

” يعوزك شيء… بع كل ماتملك ووزعه على الفقراء والمساكين وتعال اتبعني فتدخل ملكوت السموات” (لو 18 : 22)

احبتي نعرف جميعنا من النص الانجيلي المقدس قصة الغني الذي أراد أن يدخل ملكوت السموات، وقد زار الرب يسوع له المجد مستوضحاً منه شروط وراثته الحياة الابدية ، والنص الانجيلي المقدس الذي يتحدث عن السامري الصالح كما في انجيل لوقا،

ايقونة السامري الصالح

ايقونة السامري الصالح

وكانت اجابة الرب يسوع على سؤال الغني، وماقام به السامري من اسعاف الجريح هي القاطعة كشرط وراثة الحياة الابدية والملكوت السماوي…

اكيد كل منا يسأل السؤال ذاته انما بطريقته الخاصة…

الرب يسوع يؤكد ان حفظ وصايا الله وحدها لاتضمن له اكتساب الحياة الابدية، عندما قال للغني ان يبيع كل مايملك ويوزعه على الفقراء والمساكين، كان له المجد يشير الى أهمية التعامل مع هذه الشريحة المستضعفة في المجتمع…

وهنا يتبادر لنا السؤال التالي: من هو المسكين ؟

المسكين في انجيلنا المقدس هو الانسان المضطهد والمظلوم الذي يعيش أقسى انواع شظف العيش امام الله، فالرب يبين لنا مشيئته ان نكون مساكين.

لقد أكل وشرب مع الوضعاء المكروهين في زمانه كالعشار متى وجلس في صدر بيته واهتم لأمر المجدلية التي اراد اليهود رجمها بداعي الزنى وهم الزناة بقوله لهم:”من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”

عندها تذكروا جميعهم انهم زناة اذ لابد للزانية من رجل زانٍ يزني بها…وهي كانت تزني معهم ويزنون بها…

المجدلية انقلبت رأساً على عقب لتصبح واحدة من المريميات السبع اللواتي رافقن يسوع حتى صلبه كأخوات للتلاميذ، وواحدة من حاملات الطيب اللواتي اردن تطييب جسد يسوع فجر أحد القيامة فوجدنه قد قام…

ربنا يسوع له المجد بين لنا ان اول خطوة في طريق الحياة الأبدية تكون بفتح قلوبنا ومعانقة المساكين الذين حولنا والاهتمام بقبولهم اخوة لنا بالرب وجميعنا ابناؤه بالتبني وعلينا ن نقبل المساكين لأنهم اولاد الله وورثة الملكوت السماوي…

” طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات.”

فيارب كما تشاركت معنا في حياتنا نحن الخطأة بحياتك وسلمت ذاتك على الصليب باختيارك وقضيت شهيداً عن آثامنا علمنا كيف نشارك كل مسكين آلامه ومتاعبه ونساعده على تخطيها …

آمين…

الخوانق في دمشق الشام

$
0
0

الخوانق في دمشق الشام

توطئة

اذا كانت المذاهب الاسلامية قد تقاسمت الجوامع والمساجد التي تعتبر مدرسة لتعميم المذهب، إضافة الى كونها دوراً للعبادة. فإن المتصوفة بطرقها المتعددة وبنشاطها الهادىء قد أوجدت بدائل… هذه البدائل قد اكتسبت شرعية اجتماعية ودينية مع مرور الزمن وتأثير هذه الطرق على الناس واستقطاب الأنصار والمؤيدين. فكانت الخوانق إحدى ظواهر وأمكنة الصوفية ودعاويها.

منظر عام لدمشق يعود الى القرون الماضية

منظر عام لدمشق يعود الى القرون الماضية


في تسميتها وتاريخيتها وانتشارها

الخانقاه بالقاف والكاف حمعها خوانق، هي كلمة فارسية قيل: أصلها خانكاه أو خونكاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك. و تعني ايضاً وفق اللفظة الفارسية بأنها بيت وهي بناء ديني أقيم على نظام الصحن الذي يحيطه إيوان واحد أو أكثر فبعضها تضم بابا ً واحداً وبعضها أربع ، وهي بلا مئذنة وبلا منبر وتضم مسجداً لا تقام فيه صلاة الجمعة ، ويلحق أحياناً به ضريح أو مدرسة أو سبيل ، تُدرس في مدرسة الخانقاه العلوم الدينية على المذاهب الأربعة ، قامت الخانقاه أحياناً ، بدور أوسع من المدرسة في نشر الوعي الديني الموجه.
يعود تاريخ الخانقاه في مطلع القرن الثاني الهجري حسب بعض الروايات التي تقول إن أول خانقاه أقيمت بمدينة الرملة بفلسطين حيث قيل: ” إن أول خانقاه بنيت في الإسلام للصوفية زاوية برملة بيت المقدس بناها أمير النصارى حين استولى الفرنج على الديار القدسية، وسبب ذلك أنه رأى طائفة من الصوفية وألفتهم في طريقتهم، فسأل عنهم ما هذه الألفة والصحبة والأخوة الخاصة بينكم فقالوا له: الألفة والصحبة لله طريقتنا. فقال لهم: أبني لكم مكاناً لطيفاً تتآلفون فيه وتتعبدون، فبنى لهم تلك الزاوية فكانت كمناسك الرهبان.” ، إلا أن هذه الرّواية لم تُؤكد، وأغلب الظن أنها وجدت في القرن الخامس الهجري وكان أول من أسسها السلاجقة ونالت إهتماما ً خاصا ً في العهد الأيوبي واستمرت تُؤدي دورها في العهد المملوكي، وما أن حل القرن الثامن الهجري/ الرابع عشرالميلادي حتى اَفل نجمها وبدأت تتراجع، اذن الخانقاه هي دار الصوفية ينقطع فيها الناس للعزلة والعبادة ويتلقون فيها العلوم الدينية، وترتبط في دمشق بسلطة شيخ شيوخ العارفين وكان في القرن الثامن الهجري في دمشق حوالي 20 خانقاه، ارتفع الى 30 في القرن التاسع وتلاشى في العهد العثماني.

من هذه الخوانق في الشام

– الخانقاه الأسدية وتعود الى سنة 560 هجرية وكانت تقع داخل باب الجابية بدرب الهاشميين “سوق القطن” انشأها اسد الدين شيركوه، لا أثر لها اليوم.

خانقات الشهابية

خانقات الشهابية


– الخانقاه الاسكافية وتعود الى سنة 650 هجرية، انشأها شرف الدين محمد الاسكاف، على نهر يزيد، بسفح قاسيون، لا أثر لها اليوم.

– الخانقاه الأندلسية وتعود الى سنة 640 هجرية بناها ابو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي كانت تقع بالقرب من الجامع الأموي، لا أثر لهما اليوم.

– الخانقاه الباسطية، وتعود الى سسنة 836 هجرية أنشأها القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل بالجسر البيض غربي مدرسة الأسعردية، لا أثر لها اليوم.

– الخانقاه الحسامية وتعود الى سنة 585 هجرية اوقفتها الخاتون ست الشام اخت صلاح الدين الأيوبي، كانت توجد بالصالحية قرب تربة العفيف ابي الفوارس.

– الخانقاه الخاتونية وتعود الى سنة 575 هجرية انشأتها الخاتون عصمت الدين بنت نعين الدين أنر، وتقع لصق جامع تنكز في منطقة شارع النصر، لا أثر لها اليوم.

– خانقاه دويرة حمد، وتعود الى السنة 400 هجرية وهي أقدم خانقاه في دمشق، وتقع بدرب السلسلة في باب البريد، أما حمد فهو ابن عبد اللهبن علي ابو الفرج الدمشقي.

– خانقاه الرزنهارية، أوقفها الشيخ ابو الحسن الرزنهاري- غير معروفة التاريخ – وتقع لصقباب الفراديس من جهة الشمال على نهر بردى.

– خانقاه السميساطية، وتعود الى السنة 453 هجرية وهي من اشهر الخوانق بدمشق اوقفها ابو القاسم علي بن محمد يحي السلمي السميساطي، كان يقيم فيها شيخ شيوخ العارفين.

– الخانقاه الشبليةن وتعود الى سنة 623 هجرية أنشأها شبل الدولة كافور المعظمي ليس لها أثر اليوم.

– الخانقاه الشريفية وتعود الى السنة 660 هجرية اوقفها شهاب الدين أحمد بن السيد شمس الدين محمد المعروف بابن الفقاعي، وكانت تقع في منطقة سوق الحميدية، ولا أثر لها اليوم.

– الخانقاه الشنباشية وتعود الى سنة 650 هجرية اوقفها ابو عبد الله الشنباشي وتقع في حارة بلاطة، في زقاق المحكمة اليوم.

– الخانقاه الشهابية وتعود الى سنة 670 هجرية اوقفها الأمير ايدكين بن عبد الله الشهابي من أمراء دمشق، وتقع غربي العادلية الكبرى وشمالي المعينية.

من خوانق الشام...

من خوانق الشام…


– الخانقاه الطواويسية، وتعود الى سنة 504 هجرية بنتها صفوت الملك وكان موقعها في مكان مقهى الهافانا اليوم.

– الخانقاه العزية، أوقفها الأمير عز الدين ايدمر الظاهر نائب السلطنة في الشام، وتقع في الجسر الأبيض على نهر تورا.

– الخانقاه القصاعية، تعود الى سنة 539 هجرية تقع في منطقة القصاعين داخل باب الجابية. أوقفتها الخاتون فاطمة بنت كوكجا لا أثر لها اليوم.

– خانقاه القصر، تعود الى سنة 528 هجريةن تقع في منطقة الميدان الأخضر مطلة على التكية السليمانية. أما واقفها فهو غير معروف بسبب تعدد أسماء واقفيها.

– الخانقاه الكججانية، تعود الى سنة 761 هجرية، انشأها الأمير مجاهد الدين ابراهيم الكججاني كانت تقع بين الخانقاه الطواويسية وبين المدرسة العزية في منطقة الشرف الأعلى.

– الخانقاه المجاهدية، وتعود الى سنة 656 هجرية اوقفها مجاهد الدين ابراهيم أحد أمراء الملك الصالح نجم الدين ايوب، وكانت تقع بالشرف القبلي، مكان مشافي الجامعة.

– الخانقاه النجمية، وتعود الى سنة 560 هجرية اوقفها نجم الدين ايوب الكبير كانت تقع بباب البريد، قرب المدرسة المعينية ولا أثر لها اليوم.

– الخانقاه النجيبية، وتعود الى سنة 677هجرية، اوقفها الأمير جمال الدين آقوش النجيبي الصالحي، لا أثر لها اليوم.

– الخانقاه النحاسية، أنشأها الخواجا شمس الدين بن النحاس الدمشقي لصق مقبرة الفراديس من الجنوب.

– الخانقاه النهرية، تاريخها هو 794هجرية وتعرف بخانقاه عمر شاه تقع في منطقة القنوات اول شارع القنوات.

– الخانقاه اليونسية وتعود الى سنة 790 هجرية بناها الأمير يونس وودادار الظاهر برقوق في الشرف الأعلى مقابل خانقاه الطواويسية.

وفي مصر كان اول من بناها من الملوك بمصر كما قال السيوطي السلطان صلاح الدين يوسف ورتب للفقراء الواردين أرزاقاً معلومة. وقال المقريزي:” إن الخوانك حدثت في الإسلام في حدود الأربعمائة من سني الهجرة، وجُعلت ليتخلى الصوفية فيها لعبادة الله تعالى، وإن أول من اتخذ بيتاً للعبادة زيد بن صوحان بن صبرة، وذلك أنه عمد إلى رجال من أهل البصرة قد تفرغوا للعبادة وليس لهم تجارات ولا غلات فبنى دوراً وأسكنهم فيها وجعل لهم ما يقوم بمصالحهم من مطعم ومشرب وملبس وغيره.”
وفي التاج أن معاوية كان يكتب إلى أطرافه وعماله وإلى زياد بالعراق بإطعام السابلة والفقراء وذوي الحاجة في كل يوم أربعون مائدة يتقسمها وجوه جند الشام
ولقد كان بدمشق من هذه الخوانق أو الخانقات ست وعشرون خانقاً على ما في الدارس.
يُعتقد أن أقدم مثال للخانقاه ما يزال قائماً في مصر على مخطط المدرسة هو خانقاه
الجاشنكير التي تأسست عام 606هـ / 1307م ويليها خانقاه الفرافرة بحلب التي عُرفت بالرباط الناصري والتي تأسست عام 635هـ / 1337م في العهد الأيوبي، ولا شك أن هناك أسباباً سياسية وأخرى دينية وراء ظهور الخانقاه وتطورها، وهذه الأسباب مجتمعة تخدم ترسيخ أركان الدولة وشّد أزرها في الجهاد ضد الإفرنج في بلاد الشام الذين هددوا مصروبلاد الشام منذ نهاية القرن الحادي عشرالميلادي.

شغلت الخانقاه أول الأمر دوراً سكنيه كانت قائمة في بلاد الشام ومصرثم اختصت بمبان شُيدت خصيصاً لها تتوفر فيها شروط معينة كوجود قاعات للدرس وأخرى للنوم والإقامة ولأغراض أخرى.

يبدو أن كلمة “الخانقاه” على رأي جمهرة من الباحثين ظهرت لأول مرة عند كتاب القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ، حيث يصفونها بقولهم إنها عمارة خاصة بزمانهم ويجعلون مكانها الأول في خراسان وما وراء النهر، ويزودنا صاحب كتاب “حدود العالم ” الذي كان يكتب في جوزجان سنة 372 هـ / 982م بمعلومات عظيمة القيمة حول هذا الموضوع، وإن لم تؤيدها حتى ذلك الوقت مصادر أخرى
وهناك شاهد آخر سـاقه معاصر للمقدسي تحدث عن الخانقاوات في عهدها الأول إذ قال إن الخانقاوات تنتمي كاملاً (لفرقة الكرامية الكلامية المتقشفة) وكانت تلك الجماعة في أول أمرها تنتشر في خراسان وما وراء النهروجرجان وطبرستان ثم انتشرت في فلسطين إلى الغرب من بيت المقدس حول قبر ابن كرّام هناك المتوفى سنة 225 هـ (869م) ويبدو أن المقدسي أطلق على أتباع أبن كرّام نسبة خانقائي وقد كانت هذه التسمية مقصورة عليهم دون سواهم. طرأ تطور على الخانقاوات على ما يبدو منذ نهاية القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي فقد ظهر قيمون في نيسابور على الخانقاوات فأصبحت عمائر ترتبط بجماعات من الصوفية تخفي أصولهم . تربط بينهم وبين الشافعية والأشعرية أواصر وثيقة في كثير من الأحيان
لقد كان النصف الأول من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي فترة مهمة في تاريخ الخانقاوات فقد قام الصوفي أبوسعيد بن أبي الخير المتوفي عام 440 هـ (1048م) بوضع نظام لأهل الخانقاوات يتكون من عشرة أحكام ، وحسب رأي من جاء بعد أبي سعيد بان أبا سعيد هو أول من نظم الحياة الجماعية في الخانقاوات وفقاً لنظام أبي سعيد. أما النصف الثاني من القرن الخامس الهجري فقد شهد تحالفاً بين أهل الخانقاوات والسلطة السلجوقية الحاكمة في تلك الفترة وبفضل ذلك التحالف انتشرت الخانقاوات خارج خراسان: في العراق وبلاد الشام ، كما استطاع أصحاب المذهب الحنفي التواؤم والتحالف مع هذه الحركة ، وقد كان انتشار الخانقاه في كثير من الأحيان يرتبط مع السياسات الروحية التي يلتزم بها الحكام وقد سار على درب السلاجقة الأمراء والقادة الذين كانوا يتبعونهم في بلاد الشام في الربع الثالث من القرن الخامس الهجري خاصة في حلب ودمشق. يتحدث ابن جبير في رحلته في نهاية القرن السادس الهجري/ الثاني عشرالميلادي عن الشام في العهد الأيوبي قائلا ً:” إن الرباطات وهي تسمى في بلاد الشام بالخانقاوات كثيرة ويؤمها الصوفية، ويضيف بأنها كانت قصوراً فخمة لأن الصوفية كانوا هم الملوك في تلك البلاد، أما في العراق فقد غلب أسم الرباط على اسم الخانقاه وفي مصر أتبعت خطة السلاجقة في إقامة الخانقاوات فبدأ فعلياً في أيام الأيوبيين بعد زوال الدولة الفاطمية في أواخر القرن السادس الهجري. استمرت الخانقاوات تؤدي وظيفتها وتطورها في العهد المملوكي في مصر والشام إلا أن تلك الوظائف وذلك التطور أخذ في التباطؤ بعد النصف الثاني من القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي وأخذت الخانقاوات تتحول شيئاً فشيئاً إلى مؤسسات حكومية وبذلك أصبحت تابعة للحكومة تُشرف وتنفق عليها، ولم تعد للطرق الصوفية أية صلة بها . إلا أن الصوفية لم يستسلموا وإتجهوا إلى العمائر التي تتمتع باستقلال أكثر ، وفي هذا العصر أصبحت الخانقاوات مختلطة تشمل عدداً من المؤسسات كالمسجد والمدرسة والضريح. واختلط الأمر على المؤرخين حيث لم يستطيعوا في العصور الوسطى الاتفاق على إسم هذه المؤسسة أو تلك نظراً لإختلاط الوظائف.

الخانقاه في العصر العثماني

تغير اسم الخانقاه في العهد العثماني ليصبح “التكية” كما تغيرت الوظيفة الأساسية التي أقيمت من أجلها فجُعلت لطائفة أطلق عليها أسم “الدراويش” التي أدخلت بدعا ً لم تكن مألوفة سابقاً ولا تمت للإسلام بصلة على حد تعبير البعض، خُصت التكايا بالعهد العثماني بأوقاف كثيرة مما جعل الكثير من الناس يعيشون في هذه التكايا والتمتع بما تقدمه الأوقاف من أكل ولباس وخيرات أخرى. وهي في هذا شابهت الرهبانيات التي كانت منتشرة في أوربة، وربما تسربت تلك الأساليب إلى الدولة العثمانية عن طريق جنوب أوربة التي إحتلها العثمانيون لينشروها بدورهم في سائر البلاد المحتلة من قبلهم.
استمرت الخانقاه حية في العصر العثماني إلا أنها ظهرت في صورة التكية العثمانية ولا يزال عدد كبير من هذه المؤسسات حتى يومنا هذا، وإن تقدم دورها الاجتماعي والديني في الوطن العربي بعد أن حلت محلها مؤسسات أخرى.

وهنا نخلص للقول بأن الخانقاوات لم تتجاوز مصر وظلت حبيسة الأملاك السلجوقية الأصلية، في حين أن التكايا التركية العثمانية سارت مع الاحتلالات العثمانية إلى أن بلغت المغرب الأقصى.
وفي الشرق انتشرت الخانقاوات فيما وراء الأملاك التركية السلجوقية حيث بلغت حدود إيران الشرقية وأفغانستان في منتصف القرن السـادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي أمـا في مستهل القرن السابع هجري / الثالث عشر الميلادي، عندما فر السلاطين الغوريون إلى الهند بعد أن طردهم أمراء المماليك، وتلا ذلك هجرة الصوفيين وبالتالي تأسست طريقتان من طرق الدراويش هما: (الجشتية) و(السهروردية) وقد اعتمدتا على شبكة واسعة من الخانقاوات ظهرت في السلطة الجديدة، وفي القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي فرض السلطان محمد إصلاحات على الحركة الصوفية بالهند ، اتخذت تلك الإصلاحات صورة العودة إلى الخانقاوات وتوسيع شبكتها في الهند، وهذا النمط من العمائر الذي جُلب من إيران في القرن السابع الهجري ازدهر ازدهاراً كبيراً لم يشهده أي مكان آخر حتى العصر الحديث وهو يُعد من المظاهر الخاصة للإسلام بالهند.

الوظيفة الاجتماعية للخانقاه 

كان للخانقاوات وظيفة اجتماعية إضافة إلى الوظيفة الدينية والعلمية، فهي وإن رَعَت الراغبين في التثقف بالدين الذي كانوا في غالبيتهم من الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل حيث قدمت لهم الزاد الفكري بمفهوم العصر الذي نشأت فيه وقدمت لهم إلى جانب ذلك الغداء والكساء والمأوى، وقد ضمت تلك الخانقاوات جميع أصناف الناس والمحتاجين الذين أقبلوا عليها للتفقه بالدين، كما ضمت أيضاً كثيراً من صغار التجار والفعلة الذين رأوا في اللجوء إلى الخانقاوات الراحة الفكرية والنفسية والجسدية إضافة إلى إبعاد شبح العرى والجوع عنهم وبذلك ساهمت هذه الخوانق في تخفيف وطأة الجوع عن المحتاجين، وفي هذا خدمة للسلطان الذي قد يخطر في باله أن يتفاخر بأنه لا يوجد جائع أو محتاج في سلطنته.
والسؤال الذي يبرز إلى الذهن هو: من أين كانت تنفق تلك الخانقاوات ؟ لقد كانت هناك أوقاف كثيرة من أراضٍ ودور وأشجار أوقفها ذَوو اليسار من أجل بنائها والإنفاق عليها ودفع مرتبات شيوخها والإنفاق على روادها من التلاميذ والمحتاجين وعمل الإضاءة والتدفئة الخ…
لقد شهدت الخوانق في أول عهدها حياة مزدهرة، ساعدت على تثقيف الناس بدينهم، وقضاء حاجاتهم المعيشية، وبث روح الحماس في نفوسهم إبان العهدين النـوري والأيوبي، وكذا العـهد المملوكي للدفاع عن البلاد الإسلامية، جنباً إلى جنب مع المدرسة، نظراً لتعرضها إلى الخطر الخارجي الذي اغتصب البلاد والمقدسات . إلا أن الإهتمام بهذه المنشآت أخـذ في التراجع معا لزمن وسيطر المتولون على أوقافها وعليها فأكلوا وارداتها وعصي البعض في أوقافها، وبالتالي تراجعت خدمات الخوانق فإنفض الناس عنها وتراجعت أعدادهم وكذلك تراجعت الخدمات تدريجيا ً إلى أن تحولت إلى خِرَبْ تؤي اللصوص والحشاشين والخارجين على القانون والمجتمع. 
في نهاية العهد العثماني هُجِرت أكثر الخانقاوات بسبب نقص الموارد المالية التي قلت بسبب الإستيلاء على أوقافها، وتشغل بقايا الخانقاوات الفقراء والمتسولون ومن لا يوجد لهم مأوى، إضافة إلى النازحين من الأرياف إلى المدن طلباً للعيش الكريم إلا أن ذلك كان سبباً في تخريب ما بقي منها وذهاب كثير من الزخارف والكتابات والنقوش.
ا
لوظيفة الدينية والعلمية للخانقاه

تعني الخانقاه أو الخانكاه ،كما اسلفنا، بيت أو دار للتعبد والاستغفارأو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بضعفه وضآلته أمام الخالق، أُطلقت التسمية في باديء الأمر على المنشأت الدينية المخصصة لانقطاع الصوفية بغرض العبادة وممارسة التصوف أي إقامة الصلوات الخمس وقراءة القرآن وإقامة الذكر والتسبيح والاعتكاف والاستغفار حدث تطور في العصر المملوكي في حركة التصوف وأسلوب العمارة فقد تطور مفهوم الخانقاه حيث أصبحت في عصر المماليك مسجداً وبيتاً للصوفية المجاهدين والشيوخ المحاربين أو مسجداً ومدرسة ومساكن للطلبة الذين يمارسون التصوف
تُدرس في الخانقاه العلوم الدينية كالحديث والشريعة والفقه والتفسير حسب المذاهب الأربعة رغبة في نشر الفكر الديني السني.
وفي العهد العثماني وكما قلنا تغير اسم الخانقاه ليصبح التكية مع الحفاظ على الوظيفة مع بعض الاختلافات الطفيفة فقد حافظت التكية على وظائف الخانقاه في إيجاد سكن للصوفية ومدرسة للتعليم وكانت تأوي الفقراء وتُطعم الدراويش وأبناء السبيل . وتتألف التكية من عدة أجنحة إثنان منها أحدهما للمسجد ذي البناء المستقل عن البناء الثاني المتمثل بالمجمع السكني المتكامل المرافق ، وهناك مرافق أخرى قد تُلحق بالتكية وتحتل غرفاً أو قاعات مستقلة وغرفة للضريح الخاص ببعض الأولياء والأمراء … الخ والمدرسة المُعدة لتدريس الأولاد القرآن الكريم والخط والحساب بالإضافة إلى المكتبة.
أما المؤسسة الثالثة التي تداخلت وظيفتها مع مؤسسة الخانقاه ومؤسسة التكية فهي الرباط فقد كان يطلق على الخانقاه اسم الرباط كما بينا في موضعه، فخانقاه الفرافرة بحلب كان يطلق عليها أحياناً أسم الرباط الناصري، وشاع اسم الرباط للدلالة على الخانقاه في العراق، كما شاع استخدامه في المغرب العربي. ورد ذكر الرباط في القرآن: ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عـدو الله وعدوكم ” (الأنفال 1 – 60)، وورد في آية أخرى: “يا أيها الذين آمنوا إصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”(آل عمران آية 200)

ارتبط إسم الرباط بالجهاد ضد “أعداء الله وأعداء الإسلام” فقد كانت الرباطات مركزاً للجهاد إلى جانب كونها مكاناً للمواظبة على الطهارة والصلاة ، فمن رحم الرباطات انطلقت (دولة المرابطين المجاهدين في المغرب) التي وجدت نفسها وجهاً لوجه مع الأسبان فخاضت ضدهم حروباً طاحنة استمرت ردحاً طويلاً من الزمن ، ومع زوال خطر الحروب اصبح الرباط موئلاً للمنصرفين إلى ذكر الله وعلى أبناء السبيل على اعتبار أن الإقامة في الرباط تفرض على المقيم فيه طاعة الله يدفع بدعائه البلاء عن العباد والبلاد وعليه فقد حرص الحكام والسلاطين الأثرياء على إقامة الرباطات وإيواء بعض الصوفية بها لعبادة الله والاستعداد للحرب والدفاع عن بلاد الإسلام فتحولت الرباطات من حصون وأبراج مراقبة وإتصال إلى خانقاوات وتكايا وبذلك غلبت عليها صفة الملجأ. تضم الرباطات في تكويناتها أبراجاً ركنية وضلعية وأسواراً محصنة ومداخل محصنة إلى جانب مصلى يضم محراباً وحجرات وميضأة، كل ذلك متسماً بالرصانة والقوة والتقشف فغلب عليها الطابع العسكري ومن أمثلة تلك الرباطات رباط سوسة في تونس.
الخاتــمة

إطلعنا على نشأة الخانقاه وتطورها وعلى طبيعة الوظائف التي قامت بها وعلى المكانة الرفيعة التي كان يتبوأها القائمون عليها خاصة في العصر الأيوبي، فقد ذكر أبن جبير في رحلته عند الحديث عنهم وعن الدور التي كانت تشغلها الخانقاوات فذكر بأنهم الملوك الحقيقيون. لقد أدت الخانقاوات دوراً هاماً في الحياة الدينية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية حيث كانت مراكز جهاد حقيقية تَخرّج فيها كثير من المجاهدين الذين ابلوا بلاء حسناً في الحروب ضد الإفرنج وضد الأسبان وفي المساهمة ضد الغزو الإفرنجي عن طريق المتطوعين الذين كانوا يفدون إلى بلاد الشام.

أن نجمل الفوائد التي قدمتها منشأ الخانقاه ( الرباط ) إلى الحضارة الإسلامية مما يلي:

– لقد ساعدت هذه المنشأة على تعليم القرآن الكريم والسنة والعلوم الأخرى لروادها وبالتالي تعميق الفكر الديني.
– ساهمت في تشجيع المتصوفة والدراويش والمحتاجين في اللجوء إليها لتعلم الإسلام، ودفع شبح الجوع والعرى عن كثير من طبقات الشعب وهو إسهام في حل المشاكل الاجتماعية.
– كانت الخانقاه مدرسة يتعلم فيها الناس روح الجهاد في سبيل الله والتضحية في سبيل الدين والوطن وقد شارك نزلاء الخانقاوات في الحروب ضد الفرنج في بلاد الشام.
– ساهمت الأوقاف الإسلامية التي كانت توقف على الخانقاوات في إنعاش الحياة الإقتصادية في بلاد المسلمين وحل مشاكل اجتماعية كثيرة. 
– أنعشت حركة التصوف وازداد عدد المتصوفين واغتنت حركة الثقافة الإسلامية عن طريق الندوات والمناقشات والمجادلات التي يعقدها المتصوفة ورجال الدين بالخانقاوات والمدارس.
ساهمت في تطوير الحركة العلمية عن طريق مساهمتها في تأسيس المدارس وتشجيع طلبة العلم على ريادتها، وبما كان يلقيه الشيوخ من دروس على روادها في علوم اللغة والفقه والحساب إلى جانب علوم الدين والكلام والفلسفة
ختاما ً يمكن القول إن الخانقاه لعبت دوراً إيجابياً في حياة المسلمين وبالتالي في الحضارة الإسلامية، إلا أنها تراجعت في نهاية العهد المملوكي وقل شأنها ومما زاد في تراجعها سيطرة الدولة عليها. وما أن جاء العصر العثماني حتى أصبحت تلك المنشـآت مـأوى للفقـراء واللصوص والحشاشين وغيرهم من الآبقين وقطاع الطرق فتحولت إلى تكايا يلجأ إليها العاطلون عن العمل وغيرهم مما ساعد في تلاشيها وإختفائها وحل محلها مؤسسات جديدة.

المراجع

– محمد كرد علي “خطط الشام”
” الخوانق والروابط…” – د. شوقي شعث
– كامل الغزي” نهر الذهب في تاريخ حلب.”-

– اسعد طلس ” المباني الأثرية والتاريخية بحلب”
– ايوب سعدية ” الخوانق في دمشق الشام”

ميلاد الرب يسوع في الكتب الاسلامية

$
0
0

ميلاد الرب يسوع في الكتب الاسلامية

” فأجاءَ (مَريَمَ) المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ” (سورة مريم)

تمهيد

يشكل ميلاد الرب يسوع اهم حادثة على الاطلاق في تاريخ البشرية، لذا يبدأ معه التاريخ والتأريخ…

ميلاد السيد له المجد شكل منعطفاً في مسير الانسانية التي كانت بحاجة ماسة الى اصلاح عام، وهو الذي شق قلب التاريخ الى عصرين متميزين، عصر ماقبل الميلاد، وعصر مابعده.

المسيحية لم تكن ديناً بالمفهوم الفلسفي المعروف، ولم يكن المسيح له المجد منشىء لدين جديد،” انا ماجئت لأنقض، جئت لأكمل…” لذا تعرض ابن الانسان يسوع الذي لم يكن له موضع يسند اليه رأسه، وكان يقيم الموتى ويشفي السقماءويجبر بخاطر الثكالى فيقيم اولادهن…قابله اليهود ابناء الأفاعي بشن حملة افتراءات وتضليل كما في كل ادوارهم… حملةُ تعذيب لا تُوصف انتهت باستشهاده على الصليب… وانتصاره على الموت بقيامته من بين الأموات…وكانت قيامته ليست ضلالة بل حقيقة دامغة غيرت مجرى الحياة الانسانية كلها…

وانتقل العسف والتعذيب والاضطهاد الى تلاميذه ورسله، بعد العنصرة، الذين لقوا من الأهوال ما تضيق بذكره الأسفار وما يخجل من ذكره بنو الانسانية من فظائع واهوال… صلب وقطع هامات وقلي في الزيت وحرق على اكمات… واشعال الاجساد حية مشاعل لتنير قصور روما وحكامها في كل الامبراطورية الرومانية والفارسية وكل مكان وصل اليه هؤلاء الرسل العزل الا من الصليب في قلوبهم… الى تقطيع ودق الرؤوس بالمسامير الكبيرة والسحل…حتى الآباء المتجبرون قتلوا بأيديهم أبناءهم وبناتهم لأنهم جحدوا ايمان الوثن وعباداته ومنها احتفالات الجنس المجنونة الماجنة في معابد الاوثان… والوثنية رمز الدولة الرومانية والدولة الفارسية…

طيلة 313 سنة والمسيحيون يلاقون المصير ذاته الذين لاقاه معلمهم الالهي، وكانوا في تكاثر مابعده من تكاثر، يُقبلون الى الموت والاستشهاد سعداء لأنهم تشبهوا بهذا المعلم الذي اصطفاهم…

ايقونة الميلاد

ايقونة الميلاد


فكانوا كحبة الحنطة التي تنبت سنبلة وسنابل… والبركة تعم منها المسكونة…

بعد 313 سنة عذاب واضطهادات…ارسل الله من بتدبيره جعله معادلاً للرسل الأطهار قسطنطين القيصر وامه هيلانة التي كانت وراء تربيته الانسانية المسيحية الثملة بايمانها بالرب يسوع كبقية المؤمنين وقتها، لكنها لم تتعرض لما تعرضوا له جزاء ايمانهم، فكانت وراء قرار ابنها القيصرفي وقف حمامات الدم المريعة بحق المسيحيين، وكان مرسومه المدعو “براءة ميلان السنة 313 مسيحية” التي اطلقها من ميلانو فأوقف بها كل آلة البطش بحق اتباع السيد الذي صاروا بمئات الألوف…ونموا واصبحوا بذاراً خيراً لما نحن عليه الآن…

قبل المسيح وميلاده…

عندما فشلت حكمة اليونانيين، وفشا الفساد والعهر في معابد الرومان وآلهتهم الوثنية، وغمر اليأس قلوب ابناء الرجاء الذين وعدهم الله بالخلاص من خطيئة الجدين، وكانت بذرة الرجاء قد نبتت في قلوب المتقين من “يونانيين الذين يطلبون الحكمة” ورومانيين و”يهود يطلبون الآية” واذا كوكب الصبح قد لاح وشمس البر قد اشرقت يوم ولد ابن الانسان في بيت لحم، وهي (افراثا الصغيرة) التي قال فيها النبي:”…ولكن منك سوف يخرج ممن يكون متسلطاً على اسرائيل ومخارجه منذ القديم، منذ ايام الأزل.” (ميخا 5 : 2)

ميلاد المسيح في الاسلام

في مقالنا هذا، قصدنا ان نذكر فيه ماورد في الكتب الاسلامية عن ميلاد” عيسى بن مريم” من منظوم ومنثور، بدون تعليل ولا تعليق، تاركين لأولي الالباب فهم المقصد…ليس الا…

السيد المسيح قبل الهجرة

عَرفَ عربُ الجزيرة فيما عُرفَ بالجاهلية (ولنا فيها رأي سيما وانهم كانوا اهل أدب وعلم ومنهم الشعر الملحمي… وفيهم مسيحيون ويهود…) أحداث العهد الجديد واخباره مما رواه الانجيليون الأربعة في بشاراتهم عن السيد المسيح وسيرة حياته وتعليمه وموته وقيامته، يضاف اليها امور ورد ذكرُها في التقليد الراقي الى قرون المسيحية الأولى، ودوَّنَتْ في تآليف عديدة بعضها صحيحة صادقة، كمصنفات آباء الكنيسة القدماء، وبعضها امتزج فيه الغثُ بالسمين والباطل باليقين كبعض الاناجيل المزورة (ابو كريفا) وانتشر قسم منها في بلاد العرب مما يسمى ب (عهد الجاهلية) كإنجيل الايبونيين مع جماعة القس ورقة بن نوفل اسقف مكة وابن عم محمد وخديجة، وسواه ممن سكنوا الصحراء على دروب القوافل التجارية بين الشام والعراق وشبه جزيرة العرب من رهبان النساطرة كالراهب بحيرا…

فمما عرفه اهل ذاك العهد من عرب الجزيرة ان المسيح جاء في آخر الأيام لينشر رسالة السلام على الارض، وان الرهبان يسبحون اسمه في كل هيكل.

قال السمؤل

” في آخر الأيام جاء مسيحنا……..فأهدى بني الدنيا سلام التكامل”

من الشطر الأول يُفهم بأن السمؤل كان مسيحيا بقوله “مسيحنا” وفي رواية أخرى كان يهودياً من يهود قريش.

ولعمرو بن الحق

” وما سبَّحَ الرهبان في كل هيكل……….أبيل الأبيلين المسيح ابن مريم”

وقد روى العرب بتفصيل بشارة الملاك للعذراء مريم بالمسيح وحبلها من الروح القدس وكل ذلك منقول عن كتب غير قانونية مدسوسة (مزورة). منها قصيدة عامرة لأمية بن ابي الصلت التي مطلعها:

“وفي دينكم من رب مريم آية…………..منبئة بالعيد عيسى بن مريم

أثابت لوجه الله ثم تبتلت……………. فسبح عنها لومة المتلوم”

وهاك آخرها

فقال لها: اني من الله آية…………….. وعلمني والله خير معلم

واُرسلت لم اُرسل غويا ولم أكن………..شقياً ولم اُبعث بفحش ومأتم

المسيح في دعوة محمد ومابعد

وقد ورد في القرآن آيات في سور عديدة ذكر منها اسم المسيح عيسى بن مريم: (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، التوبة، مريم، المؤمنون، الأحزاب، الشورى، الزخرف، الحديد، والصف).

وجاء في“سورة مريم” خبر الحبل بالسيد المسيح وولادته كما يلي:

“واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً. قال اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً. قال انما انا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً. قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغياً. فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً. فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً. فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً. وهذي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلي واشربي وقري عينا فأما ترين من البشر احداً فقولي اني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسيا. فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فريا. يا أخت هارون ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً. قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركاً اينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيا”…” (سورة مريم 16 – 33)

المسيح في تقاليد العرب

وقد عرف العرب من التقليد ان مريم العذراء مباركة بين النساء، وتفوق شرفاً نساء العالمين، فطهرها الله منذ حبل بها بالبطن وذلك بنعمة خاصة منه تعالى حتى ان الثعلبي روى في كتاب قصص الأنبياء المسمى بالعرائس ( صفحة 733 من طبعة مصر) واسنده الى ابي هريرة عن الرسول وهو قوله:” وما من مولود الا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان اياه الا مريم وابنها.” ثم يقول ابن هريرة: ” واقرؤوا ان شئتم – واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم”. وعنه ايضاً:” لم يتكلم في المهد الا ثلاثة، عيسى وجريج، وكان رجلاً عابداً في بني اسرائيل، وطفل رضيع ايضاً من بني اسرائيل”.

ايقونة الميلاد

ايقونة الميلاد


وذكر الثعلبي (صفحة 335-338) وروى قبله المقدسي ابن طاهر في كتاب البدء والتاريخ (ج3: 118 – 120) خبر مولد مريم العجيب من حنة العاقر بعد نذر والدتها ثم اعتزالها في هيكل اورشليم لخدمة الكهنة، ثم كفالة زكريا لها في الهيكل الى حين خطبتها على يوسف.

ويعلق صاحب كتاب “قصص الأنبياء” عبد الوهاب النجار على بعض ماجاء في القرآن بشان حبل مريم بما يلي:” انا لايمكنني أن أفهم ان حادث حبل مريم يمر بين اليهود دون أخذ ورد وطلب محاكمة ولا يعقل انهم صدقوها، ان ذلك حصل بفعل الله دون ان يكون لانسان دخل فيه بمجرد قولها. وقد سكتت الأناجيل عن ذلك، وانما ذكره القرآن فقط كما سبق ذكره. والظاهر من عبارة القرآن انهم رموها بالزنا ( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً)”. ( صفحة 385)

هذا في القرآن والحديث، اما في كتب مؤرخي العرب فقد قرأنا الشيء الكثير عن ميلاد السيد له المجد نكتفي هنا بذكر مايلي:

* ذكر ابو الفداء المؤيد ( 1273 – 1332 ) في كتابه” المختصر في اخبار
البشر”( ج1- ط مصر ص 34-35) عن عيسى ابن مريم عليه السلام مايأتي:”اما مريم فاسم امها حنة زوج عمران وكانت حنة لا تلد واشتهت الولد فدعت بذلك ونذرت أن رزقها الله ولداً جعلته من سدنة بيت القدس. فحبلت حنة وهلك زوجها عمران وهي حامل فولدت بنتاً وسمتها مريم ومعناها العابدة ثم حملتها واتت بها الى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت دونكم هذه المنذورة فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران وكان من ائمتهم. فقال زكريا انا أحق بها لأن خالتها زوجتي فأخذها زكريا وضمها الى ايساع خالتها. فلما كبرت مريم أفرد لها زكريا غرفة وارسل الله جبريل فنفخ في مريم فحبلت بعيسى وولدته في بيت لحم وهي قرية قريبة من القدس سنة اربع وثلثماية لغلبة الاسكندر. ولما جاءت مريم بعيسى تحمله قال لها قومها لقد جئت شيئاً فرياً وأخذوا الحجارة ليرجموها. فتكلم عيسى وهو في المهد معلقاً في منكبها. فقال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً اينما كنت. فلما سمعوا كلام ابنها تركوها. ثم ان مريم اخذت عيسى وسارت به الى مصر وسار معها ابن عمها يوسف بن يعقوب بن ماتان النجار وكان يوسف المذكور نجاراً حكيماً ويزعم بعضهم انه كان قد تزوج مريم ولكنه لم يقربها وهو اول من انكر حملها ثم علم وتحقق براءتها وسار معها الى مصر واقاما هناك اثني عشر سنة، ثم عاد عيسى وامه الى الشام ونزلا الناصرة وبها سميت النصارى واقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة فأوحى الله تعالى اليه وارسله الى الناس”.

* ذكر المقريزي ( 1358 – 1441) في كتابه ” القول الأبريزي” في هذا الشأن مافحواه:”… وكان من خبر عيسى عليه السلام ان مريم ابنة عمران بينما هي في محرابها اذ بشرها الله تعالى بعيسى فخرجت من بيت المقدس وقد اغتسلت من المحيض فتمثل لها الملاك بشراً في صورة يوسف بن يعقوب النجار احد خدام القدس فنفخ في جيبها فسرت النفخة الى جوفها فحملت بعيسى كما تحمل النساء بغير ذكر بل حلت نفخة منها محل اللقاح، ثم وضعت بعد تسعة أشهر وقيل بل وضعت في يوم حملها بقرية بيت لحم من عمل مدينة القدس في يوم الأربعاء خامس عشرى كانون الأول وتاسع عشرى كيهك سنة تسع عشرة وثلثماية للاسكندر فقدمت رسل ملك فارس في طلبه ومعهم هدايا لها ذهب ومر ولبان. فطلبه هيرودس ملك اليهود ليقتله وقد انذره به فسارت امه به وعمره سنتان على حمار ومعها يوسف النجار حتى قدموا الى ارض مصر فسكنوها مدة اربع سنين ثم عادوا وعمر عيسى ست سنين فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل فاستوطنتها فنشأ بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة…”

ميلاد السيد في ما يسمى انجيل برنابا المنحول والمزيف…

في هذا الكتاب المزعوم عنه انه انجيل الكاذب والمزيف والمنحول والمتهم بكتابته الرسول ابن الرعد برنابا الغيور…(وكاتب هذه القصة التافهة اما يهودي اندلسي اكره على اعتناق المسيحية بعد طرد المسلمين من اسبانيا لأن اليهود كانوا محميين من مسلمي الاندلس نظاماً ومجتمعاً بخلاف الاسبان نظاماً ومجتمعاً، ويستوي ذلك ايضاً معه انه مسلم اندلسي مطرود من اسبانيا او اكره على اعتناق المسيحية ليبقى في اسبانيا وكان مطلعاً على المسيحية كتبه ويقصد وتدمير المسيحية من الداخل… وتعود فترة كتابته الى فترة طرد المسلمين من اسبانيا…). (انظره في موقعنا هنا)

نقرأ مايلي بشأن ولادة المسيح العجيبة وما تلاها فوراً، نذكره هنا بالحرف ليطلع عليها القراء من باب العلم بما لا يعلمون وليس غير.

* الفصل الثالث:” وكان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً على اليهودية بأمر قيص اوغسطس وكان بيلاطس حاكماً في زمن الرياسة الكهنوتية لحنان وقيافا، فعملا بأمر قيص اكتتب جميع العالم، فذهب اذ ذاك كل الى وطنه، وقدموا نفوسهم بحسب اسباطهم لكي يكتتبوا. فسافريوسف من الناصرة احدى مدن الجليل مع امرأتهوهي حبلى ذاهبا الى بيت لحم ( لأنها كانت مدينتهوهو من عشيرة داود) ليكتتب عملاً بأمر قيصر،ولما بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى إذ كانت المدينة صغيرة وحشد جماهير الغرباء كثيراً، فنزل خارج المدينة في نزل جعل مأوى للرعاة. وبينما كان يوسف مقيماً هناك تمت ايام مريم لتلد، فأحاط بالعذراء نور شديد التألق وولدت ابنها بدون ألم، وأخذته على ذراعيها وبعد ان ربطته بأقمطة وضعته في المذود اذ لم يوجد موضع في النزل. فجاء جوق غفير من الملائكة الى النزل بطرب يسبحون الله ويذيعون بشرى السلام لخائفي الله وحمدت مريم ويوسف الله على ولادة يسوع، وقاما على تربيته بأعظم سرور” (ص 5-6).

* الفصل الرابع: ” كان الرعاة في ذلك الوقت يحرسون قطيعهم على عادتهم، واذا بنور متألق قد أحاط بهم وخرج من خلاله ملاك سبح الله، فارتاع الرعاة بسبب النور الفجائي وظهور الملاك فسكن روعهم ملاك الرب قائلاً:”ها انذا ابشركم بفرح عظيم لأنه قد ولد في مدينة داود طفل نبي للرب الذي سيحرز لبيت اسرائيل خلاصاً عظيماً، وتجدون الطفل في المذود مع امه التي تسبح الله. واذ قال هذا حضر جوق عظيم من الملائكة يسبحون الله ويبشرون الأخيار بسلام.

ولما انصرفت الملائكة تكلم الرعاة فيما بينهم قائلين: لنذهب الى بيت لحم وننظر الكلمة التي كلمنا بها الله بواسطة ملاكه.

وجاء رعاة كثيرون الى بيت لحم يطلبون الطفل المولود مضطجعاً في المذود خارج المدينة حسب كلمة الملاك فسجدوا له وقدموا للأم ماكان معهم واخبروها بما سمعوا وابصروا. فأسرت مريم هذه الأمور في قلبها ويوسف ايضاً شاكرين الله. فعاد الرعاة الى قطيعهم يقولون لكل احد ما اعظم ما رأوا، فارتاعت جبال اليهودية كلها ووضع كل رجل الكلمة في قلبه قائلاً” ما سيكون هذا الطفل يا ترى” (ص6).

ولدينا مجموعة لا بأس بها من كتب المعاصرين الذين عنوا بأمر ميلاد المسيح نذكر منهم اثنين فقط لما لهما من المكانة في الشؤون الدينية الاسلامية وهما: محمد ابوزهرة في كتابه: “محاضرات في النصرانية”طبعة القاهرة سنة 1942. وعبد الوهاب النجار صاحب كتاب: “قصص الأنبياء” طبعة القاهرة سنة 1953.

يقول ابو زهرة فيما يقوله:” ان العذراء مريم حملت بالسيد المسيح عليه السلام، وهو الأمر الذي اجتباها الله له، واختارها لأجله، ولقد فوجئت به، إذ لم تكن به عليمة فبينما هي قد انتبذت من اهلها مكاناً شرقياً، ارسل الله اليها مَلكاً تمثل لها بشراً سوياً…حملت السيدة مريم البتول بعيسى من غير أب، ثم ولدته. ولم تبين الآثار النبوية مدة الحمل. فلم ترد في الصحاح آثارتبين كل تلك المدة، ولو كانت مدة الحمل غريبةلذكرت. فليس لنااذاً الا ان نفرض ان مدة الحمل كانت المدة الغالبة الشائعة بين النساء، وهي مدة تسعة أشهر هلالية. ولما ولدته وخرجت به على القوم كان ذلك مفاجأة لهم، سواء في ذلك من يعرف نسكها وعبادتها، ومن لايعرف. لأنها فاجأتهم بأمر غريب، وهي المعروفة بينهم بأنها عذراء ليس لها بعل. فكانت المفاجأة داعية الاهتمام، لأنه عند المفاجأة تذهب الروية، ولايستطيع المرء ان يقابل مابين الماضي والحاضروخصوصاً ان دليل الاتهام قائم، وقرينته أمر مادي، لامجال للريب فيه. ولكن الله سبحانه وتعالى رحمها في هذه المفاجأة، فجعل دليل البراءة من دليل الاتهام، لينقض الاتهام من أصله ويأتي على قواعده ويفاجئهم بالبراءة وبرهانها الذي لا يأتيه الريب، ليعيد الى ذاكرتهم ما عرفوه في نسكها وعبادتها، ولذلك نطق الغلام وهو قريب عهد بالولادة…نطق السيد المسيح في المهد ليكون كلامه اعلاناً صريحاً ببراءة امه، وانه لم يكن الا عبد الله، ولد من غير أب. ويروي ابن كثير: “عن ابن عباس ان عيسى ابن مريم امسك عن الكلام بعد ان كلمهم طفلاً حتى بلغ مايبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثر اليهود فيه وفي امه من القول، وكانوا يسمونه ابن البغية، وذلك قوله تعالى: “وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً.”

ولم يذكر في الآثار الصحاح حال عيسى عليه السلام في مرباه ونشأته، وكيف كان منه مما يكون ارهاصاً ببنوته، فليس لنا الا ان نقول انه قد تربى بما كان يتربى به أمثاله الذين ينشؤون على التقى والمعرفة في بني اسرائيل ويغلب على الظن ان يكون قد ظهر منه، وهو غلام مايدل على روحانيته، ومايدعو اليه بعد ذلك من حياة روحية وسط قوم سيطرت عليهم المادة وغلبت عليهم نزعتها، والاتجاه اليها…” (ص 11-12).

ويقول النجار في حمل مريم بالمسيح وولادتها اياه انها ” حملت بالمسيح بمجرد نفخ الملاك في جيبها، وطبيعي انها قد مرت بجميع ادوار الحمل الى ان ولدته. والقرآن الكريم لم يذكر عن تلك الأدوار شيئاً. ويقول البيضاوي: وكانت مدة حملها سبعة أشهر وقيل ستة وقيل ثمانية. ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره. وقيل ساعة، كما حملته نبذته اه. والذي أميل اليه – يقول النجار- ان كل هذا تكلف من أصحاب هذه الأقوال. لأن أمره في الحمل لما كان عجيباً أرادوا ان يجعلوه في مدة الحمل ايضاً عجيباً، ونحن ليس في ايدينا مايثبت العجيبة في مدة الحمل! فالأليق ان يحمل على الأمر الطبيعي الذي جرت العادة بمثله…” الى ان يقول: ” ولما حان انفصال جنين مريم الجأها المخاض الى جذع نخلة هناك في الموضع الذي فيه مدينة “بيت لحم” وهي على بضعة من الكيلومترات من بيت المقدس. ويقول البيضاوي: ان الزمن كان زمن شتاء والنخلة يابسة، وانما كان مجيئها اليهالتستتر او لتعتمد عليها (من ص 378 ومابعد).

ميلاد المسيح في بعض قصائد المسلمين

لعل اعظم هذه القصائد في ميلاد السيد المسيح له المجد هي قصيدة امير الشعراء احمد شوقي وما قاله في ازدهاء الكون بميلاده وهاك مطلعها:

ولد الرفق يوم مولد عيسى ……… والمرؤاتُ، والهدى، والحياءُ

وازدهى الكون بالوليد وضاءت……..بسناه من الثرى الأرجاءُ

وسرت آية المسيح كما يسري…… .من الفجر في الوجود الضياءُ

تملأ الأرضَ والعوالمَ نوراً……….. فالثرى مائجٌ بها وضَّاءُ

لا وعيدٌ لا صولةٌ لا انتقامٌ…………لا حسامٌ لا غزوةٌ لا دماءُ

ولأمير الشعراء احمد شوقي كلام بليغ في صليب السيد المسيح قاله في مناسبات شتى، منها قوله مخاطباً اللورد اللنبي القائد الانكليزي حينما ابرز قوة صليب الرب يسوع بقوله له:

” يا فاتح القدس خَّلِّ السيف ناحيةً……….ليس الصليب حديداً كان بل خشباً”

وفي الصليب الأحمر يقول شوقي

سر ياصليب الرفق في ساح الوغى……وانشر عليها رحمة وحناناً

وادخل على الموت الصفوف مواسياً……وأعن على آلامه الانسانا

والمس جراحات البرية شافياً…………..ما كنت الا للمسيح بناناً

قال السيد عمر نجا شقيق المغفور له مفتي بيروت السنة 1924 في قصيدته عن ميلاد السيد له المجد وهي بعنوان

“روح الاخاء”

في بيت لحم بدت أنوارُ طلعته……….ويوم ميلاده شمس الهدى طلعتْ

يا ابنُ البتولِ وروحُ اللهِ طينته………..يا آية الله في التكوين قد ظهرتْ

صلى عليك إله العرش ما تُليت……….آياتُ مدحِكَ في القرآنِ أو ذُكرتْ.

مراجع البحث

– الانجيل المقدس بشارة متى الفصل الأول والثاني، وبشارة لوقا الفصل الثاني عدد 1- 21.

– مجلة النعمة البطريركية الأنطاكية العدد 55 كانون الثاني 1966 د. نجيب ميخائيل ساعاتي ” ميلاد المسيح في الكتب الاسلامية”

– مجلة “الراعي الصالح” البطريركية الاسكندرية 1940 مقال بهذا الخصوص.

المراجع الاسلامية

– القرآن الكريم في سوره ( البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، التوبة، مريم، المؤمنون، الأحزاب، الشورى، الزخرف، الحديد، الصف.)

– الانجيل المزيف برنابا…

 

 

 


 

كاهن صافيتا…المرحوم الخوري ابراهيم…1798-1892

$
0
0

كاهن صافيتا… المرحوم الخوري ابراهيم…1798-1892

توطئة

انطاكية العظمى انجبت عدداً لايقدر ولايحد ولايحصى من القديسين غير المطوبين او الذين نسميهم” قديسون منسيون ” تركوا ذكراً مؤبداً لم تمحوه عاديات الزمان والعواصف اللاايمانية والملحدة التي ضربت بقوة وبطش…فبقي ذكرهم كجذوة النار التي تحت الرماد…حتى يقضي الله ان يعلنهم مجدداً للملأ بفعل بشري كأن تتم كتابة سيرهم ليعرفهم الناس مجدداً، لعل ثمة قرار من الكنيسة مظللاً بالروح القدس يعطيهم الحق بالقداسة…

هنا لدينا سيرة الخوري ابراهيم كاهن صافيتا وقد دفع الروح الكلي قدسه حفيده الخوري ابراهيم ابراهيم كاهن صافيتا في حزيران 1964 لكتابة سيرة جده وطباعتها بكراس وهي بعنوان:

” المرحوم الخوري ابراهيم من المهد الى اللحد 1798-1892″

وانا ادرجها كلها بالحرف حفاظاً على النص وموثوقيته فمهما اوتيت من المعرفة ودقة البحث لن اوازي الحفيد في الكتابة عن جده…

غلاف كراس الكراس الحاوي سيرة خوري صافيتا ابراهيم

غلاف كراس الكراس الحاوي سيرة خوري صافيتا ابراهيم


– ” كلمة”

تحت هذا العنوان الذي هو مقدمة الكاتب ورد

“بعونه تعالى، ونزولاً عند رغبة الكثيرين الذين يريدون الاطلاع على سيرة الطيب الذكر، والخالد الأثر، والطائر الصيت، المرحوم الخوري ابراهيم كاهن ارثوذكس صافيتا من 1835 الى عام 1892 أضع هذا الكراس، والله من وراء القصد. وإني ما كنت أضع هذا الكراس، وما كنت أكتب سيرته للناس، لولا شعوري بواجب يدفعني للقيام به، نحو جد يشرفني حمل اسمه والقيام بالواجب واجب، نحو كاهن كان قلبه عامر بالايمان، نحو كاهن خبا مصباح حياته وما خبا مصباح ذكره بعد مماته.

الخوري ابراهيم…إنه لاشك كبير كبير.! واي اسم احترام الناس له أكبر، وتقديرهم له أعظم، وإجلالهم له اشد من اسمه المستعذب الخالد؟ إنه اسم يبقى على اشعاعه بعد إنقضاء إحدى وسبعين سنة على غيابه، بينما أرخى النسيان ستائره على غيره من أسماء الرؤساء وأصحاب التيجان، عظماء كثيرون طويت أسماؤهم فلا يُذكرونْ، واسمه باق على الزمن مما بقى الزمن، وما بقى في قلوب الناس توله بقداسة، وإجلال لطهر، واحترام لفضيلة لقد طغى اسمه على اسماء من كانوا في فلكهم دائرين فبأية معجزة أتى؟ وبأي عمل قام؟ وإلى أي شيء دعا؟ حتى كان من أمره ماكان، وحتى أصبح حديثاً على كل لسان. علم الناس ألا يعبدو غير الله فكانت تعاليمه تدخل الآذان بلا استئذان فإذا بالناس تغمر قلوبهم محبة باري الكون، ومحبة الناصري الشهيد.

لقد دعا الى التسامح، وبشَّرّ به في أقواله وأفعاله، مؤمناً بأن الله محبة ورحمة وسلام، مردداً قول الناصري وهو على خشبة الصليب” يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون”

وهكذا حثَّ الناس على مقابلة السيئة بالحسنة، والنكران بالعرفان والبغض بالمحبة، والطمع بالتسامح، والأنانية بنكران الذات والتجيف بالغفران. إنها الأقوال وأفعال تبعث الروعة في القلوب.

آمن بالله، ودعا الناس الى الايمان به، مرشداً اياهم الى ماجاء في الانجيل الشريف:” لو كان لكم ايمان ولا تشكون ليس فقط التينة تفعلون بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون.”

آمن بالله، والايمان بالله هو اساس الفضائل المسيحية وأحاط ايمانه بالعناية التامة، فنما وزها وجاء بالثمار الشهية أليس بالايمان الصحيح سد قدماء المسيحيين أفواه الأسود، وهزموا جيوش الأعداء، وردوا هجمات المعاصي؟ آمن بالله وفعل إرادة الأب السماوي فكان ابنا للحياة.

آمن بالله وأسلم له تسليماً بدون قيد ولا شرط فعاش في ظل النعمة الالهية وأرضى نفسه وخالقه، فكان ذلك المسيحي الحقيقي الذي قدم ولاءه للسيد المسيح فأنار السيد المسيح طريقه وكان له مجد الهداية الى مافيه الخير والسعادة.

قصيدة بعنوان القبة والضريح

قصيدة بعنوان القبة والضريح


وكان له شرف الدعوة الى الاستقاء من ينبوع المحبة الذي لاينضب معينه ولا يجف، فماؤه العذب ليسيل في البدان صحة، وفي النفوس راحة، وفي القلوب يتفجر حياة ابدية.

آمن بالله، فمشى في طريق الحق والنور والحياة وسار صعداً الى العلاء.

لقد وعى قول السيد في إنجيله الشريف:

” أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه. من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان”.

لقد أكل من خبز المسيح فحيي حياة أبدية وكان المخلص الأمين للكنيسة طول حياته. عاش في ظل النعمة، وسار في طريق النور استوحى شريعة السيد المسيح، وابتغى رضاه في أفكاره وأقواله وأفعاله. عاهد الله على الاتحاد معه بحضور الصلوات، مسترشداً بقول المعلم الموجه الصالح لبعض تلاميذه الذين أعياهم الأرق وناموا فانتهرهم قائلاً:” مابالكم نياماً ! اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في التجربة”

وهكذا، عاش ماعاش من عمره المديد، هادياً للناس، ومرشداً الى طريق الخير والنور والحياة. ولم يعمل غير الأعمال الصالحة احتراماً لجوهر الله فيه. عاش للرب وفي الرب وسدوه التراب غاب جسماً ولم يغب ذكريات فواحة الأطياب.

في ذمة الله ايها الفقيد العظيم، ثم وحسبنا منك ما أذكيت من شعلة ايمان لغير خمود، وماشيدت من منائر للاخاء والتوحيد. تطفأ النجوم السواطع والأنوار منها وتظل ملء الوجود.

وفي ذمة الله ايها الراقد في جانب الكنيسة التاريخية في الحي الشرقي من أحياء صافيتا البلدة التي أحببتها، بجانب الكنيسة القائمة في وسط المقبرة، في الكنيسة المحاطة برواب يتجلى الجلال في رؤوسها شامخ التيه، ويتهاوى الجمال على أقدامها فذ الفنون.

في ذمة الله ايها الكاهن الذي فعل إرادة الأب السماوي. في ذمة الله ايها الكاهن القديس. ” “صافيتا – حزيران 1964 الخوري ابراهيم ابراهيم.”

– “حياته ونسبه

والده

في عام الف وسبعمائة وتسعة وستين هاجر فتى أبي النفس، عزيز الجانب، وفي عمر الورود والرياحين في عامه الثاني عشر بعد مصاب ألم به بوفاة والده، من قرية بهرين الواقعة بين نهر الاسماعيلية وقرية بملكة الى بلدة صافيتا، وذلك الفتى هو سمعان ابن القسيس سليمان بن القسيس ابراهيم، فلاقى أهلاً بأهل واخواناً بإخوان. وماكان هاجر الى صافيتا لولا صلة القربى التي تربطه بآل حداد فيها، ولولا اعتقاده بأنه يجد فيها ملجأه الأمين.

وفي صافيتا احتضنه أقاربه آل حداد وهم بشور وجبور وحنا واستقبلوه بالترحاب، وعطفوا عليه عطف الأم على الفطيم وقد كان يحن الى ذلك العطف كحنين العطاشى الى ينبوع ماء يتدفق منه الماء الزلال، وكحنين الزهر الى قطرات الندى.

لقد أحبوه وأحبهم ولا غرو، وهو الطيب الخلق الأبي النفس، ورعوه بعنايتهم، فنشأ في كنفهم هانىء البال هادىء الأعصاب قرير العين، يدغدغه الأخضر العذب من الأحلام.

وماكاد يدرج الحداثة الى الشباب، وتظهر عليه علائم الرجولة ويتشح بوشاح الشمم والإباء، حتى تزوج مريم بنت بشور، فعاش وإياها في غبطة وسعادة، متعاونين متحابين هانئين في ظلال النعمة، وكأسعد مايكون زوجان متحابان، جمع الهوى بين قلبيهما فرتلا صلوات القلب في هيكل الحب.

وفي عام الف وسبعمائة وثمانية وتسعين رزق منها ولداً اسماه (ابراهيم) تيمنا باسم جده الأكبر. وفي السنة ذاتها اي سنة 1798 سيم كاهناً لكنيسة رئيس الملائكة مخائيل في صافيتا، وبقي كاهناً لهذه الكنيسة حتى عام 1810 حيث لبى نداء ربه تاركاً ابنه الوحيد (ابراهيم) في عامه الثاني عشر، لرعاية أخواله سعد وابراهيم وسلوم لكن كان عطف خاله ابراهيم عليه أكثر من عطف أخويه، فرباه واعتنى به أشد العناية وهكذا لمس الولد في خاله حنو الوالد وعطفه، فنشأ في كنفه على الخصال الحديثة، ودرج سن الحداثة الى الشباب وكان من أمره ما كان في البلدة التي أحبها وأحبته في حياته وقدست ذكراه بعد وفاته.”

-” مولده

في عام الف وسبعمائة وثمانية وتسعين 1798 كما مر في ترجمة حياة والده، تفتحت على نور الحياة عينا الكاهن القديس ابراهيم ولقد نشا في ظلال عطف الوالد وحنو الأم حتى عامه الثاني عشر أي عام 1810 حيث أُصيب بفقد والده الكاهن سمعان فذاق مرارة اليتم وألم الحرمان ووحشة لفراق. ولكن إن قسا عليه القدر وفقد والده، فلم يفقد خاله ابراهيم ابن بشور الذي أخذه ورعاه ورباه واعتنى بأمره حتى كبر، ودرج الحداثة الى الشباب، فزوجه من مرتا بنت عبود السكاف” جد عائلة عبود في صافيتا” فرزق منها اربعة بنين وابنتين” سليمان، داود، حنا، الياس، كاترين، ورحمة”. وفي عام الف وثمانية وخمسة وثلاثين 1835 وكان في عامه السابع والثلاثين، سيم كاهن بدلاً من ابيه لكنيسة صافيتا الأرثوذكسية، فكان ذلك الكاهن الورع التقي الذي كرس حياته لله، وبدأ يعمل باخلاص، فتجلى نور الله فيه، وبدأت مواهبه تظهر وفضائله تعم، ولا غرو فالايمان بدون أعمال ميت أما قال الرسول يعقوب: ” ما المنفعة ان قال أحد إن له ايمان ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الايمان أن يخلصه؟ وهذا الاستفهام لتأكد أن لا خلاص بالايمان من دون الأعمال.”

وهكذا آمن وعمل، دون خوف أو وجل فكانت له في الصالحات الباقيات يدان لقد أرشد الناس الى طريق النور، وعلَّمَّهم التعاليم المسيحية الصحيحة، فكانت تعاليمه تدخل الآذان بلا استئذان لأن القلوب كانت من ذهب والكأسات والصلبان من خشب. وأما في هذه الأيام فالكاسات والصلبان من ذهب والقلوب من خشب، ويصعب على القلوب من خشب أن يغمرها الايمان الصحيح.

برج صافيتا ( كنيسة مار ميخائيل للروم الأرثوذكس حيث خدم الخوري ابراهيم

برج صافيتا ( كنيسة مار ميخائيل للروم الأرثوذكس حيث خدم الخوري ابراهيم


كان كاهننا الفقيد يعمل لإرشاد الناس طلب ملكوت الله وبره، خادماً الكنيسة بإخلاص وتقوى مردداً في صلواته وأحاديثه قول السيد الفادي الحبيب:” من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر، واذا كانت يدك اليمنى تعثرك فأقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أحد أعضائك ولايلقى جسدك كله في جهنم”. وكان لباسه بسيطاً ليقهر النفس المتكبرة؟ وأبى لمثله أن يكون له نفس متكبرة؟ وعصا كان يحملها من سنديان غير مذهبة أو مفضضة. يحملها ليستند عليها لا للزينة أو البهرجة لم يترك الرب ساعة في حياته، فلم يتركه الرب فغلب باسمه الشيطان وباسمه شفى مرضى كثيرين وأتى بعجائب كثيرة وطوبى للذين يعملون باسم الرب. صلى للرب وطلب فأناله كل ما طلب. وعندما كان يصلي، كان يسمع منه صوت صلاة ترافقها زمزمة كزمزمة النحل عندما يحوم على الزهر،وإذا سئل عن ذلك أجاب سائله: “عندما أصلي تصلي الملائكة معي.” وهل من عجب في ذلك؟ فمن أعطاه الله القدرة على ان يشفي المرضى والمصابين، وينير الطريق للضالين، جدير بأن يتجلى نور الله فيه وهل أدل على ذلك، من أن الناس كانوا يرون ليلا في أعلى خيمته شكلاً كلهيب نار فيظنون أن الخيمة تحترق، وسرعان مايهرعون اليها لإخماد النار، فلا يجدون إلا نوراً يتصاعد نحو السماء، فلا يرعون عن تعظيم الخالق، وتمجيد المخلوق وجدير بالتمجيد من كان ذا اذن سامعة لأقوال السيد الفادي الحبيب فلا يعمل الا بموجبها، وهذا أجمل الصدق في الايمان.وجدير بالتجيد والاحترام من كان ذا عين باصرة تبصر الصراع المتواصل بين قوى الخير وقوى الشر، فيتخذ جهة الخير ولايعمل سوى الأعمال التي ترضي ضميره وترضي الناس. وما كان كذلك إلا لأنه كان يحمل اسم المسيح، وغلا لأنه كان بعيداً عن كل إساءة الى نفسه وإلى الناس. كان حريصاً أن يظل قريباً من الفادي الحبيبن مغتنماً عطفه، مقيما الدليل تلو الدليل على أنه المسيحي الصالح الذي لا يحدث منه ميل إلا الى عمل الخير، ولايرشد الناس الا الى الطريق المستقيم.

كم كان اعتقاده قوياً بقوة السيد المسيح التي تصون اللاجئين اليه، وتعينهم في التغلب على المصاعب، وتنير أمامهم الطريق.

طوبى لك ايها الكاهن العظيم، يامن عشت في الرب وفي الرب وسدوك التراب، طوبى لك يا من عملت في نشر عقيدة الكنيسة المسيحية بالوعظ والارشاد من سيامتك كاهناً لبلدتك، طوبى لك أيها الكاهن قديس، عرفك سكان بلدتك والقرى المجاورة لها رمز طهر في هيكل المعبود، وفيض رحمة وحنان للمستضام والمنكود، فشدوا باسمك الملفوف بالطيب، وطاب لهم الهوى في النشيد. أيقظت الضمائر لمقاومة الشر، ناشراً تعاليم السيد المسيح. فصدق فيك قوله:” أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. أما الأجير الذي ليس براعٍ وليست الخراف له فيرى الذئب مقبلاً فيترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها وانما يهرب الأجير لأنه أجير ولايهمه أمر الخراف.”

” وفاته عام 1892

من عام الف وثمانمائة واثنين وتسعين (1835-1892) أعوام كلها طافحة بجلائل الأعمال والأقوال منذ رسامته كاهناً عام 1835 حتى وفاته عام 1892، كرس حياته للرب وفي الرب مات، وطوبى للذين يموتون في الرب، فإن أعمالهم ترافقهم. كان كاهننا الفقيد في أخريات حياته، يشغل أوقاته كلها في الصلاة ليلا ونهارا لله العلي القدير، وفي ليل اليوم التاسع والعشرين من شهر آب من عام الف وثمانمائة واثنين وتسعين 1892 بعد منتصف الليل، أودع روحه الطاهرة بيد خالقه، وكانت وقتئذ جموع كثيرة تنتظر أن ترى كيف تكون وفاته ففي الدقائق الأخيرة داعب الكرى أجفان الجميع، ومابقي يقظان الا ابنه داود الذي كان محتضناً رأسه؟ فرآه يفتح فاه ويطبقه ثلاث مرات وبذلك أسلم الروح، فانتبه الحضور إذ ذاك، وأيقظهم أجراس ترن في الجو، وقد رأى الذين كانوا على البيادر القريبة من بيته، نوراً صاعداً الى السماء، كأنه يحمل روحه الطاهرة الى باريها، وفي صباح الغد حضر الكهنة والبسوه حلته الكهنوتية وأجلسوه على كرسي.

وماكاد الخبر المؤلم ينتشر حتى توافد الناس الى بيته، وفود، للتبرك بلثم يديه. ولما حان وقت الصلاة عن نفسه في الكنيسة التي كان يخدمها، وضعوا الكرسي على محمل ووقف وراءه وفوق رأسه رجل بيده قمقم يرش به عليه ماء الزهر. وبعد اتمام المراسيم الدينية والصلاة على الجثمان الطاهر حملوه على الرؤوس، ولما خرجوا من باب الكنيسة انبسطت سحابة حجبت وجه الشمس، وصارت تقطر نقطاً من الماء كالتي كانت تخرج من فم القمقم، حتى انتهوا في سيرهم الى المقبرة، ووضعوا الجثمان بجانب المدفن، ونظر الناس اليه فإذا بهم يرون العرق يبلل جبينه ووجنتيه، فأخذوا يمسحون مناديلهم به للبركة، وأخيراً دفن باجلال وتكريم. وبعد أن واروا الجثمان التراب، وعند منتصف الليل، نزل نور من السماء على الضريح، كما رواه الخلف عن السلف، واستقر فوقه ساطعاً نحو ربع ساعة، وعاد صاعداً في الجو حتى اختفى عن الأنظار تاركاً أثراً ظاهراً على القبر، تفوح منه رائحة ذكية تفوق رائحة العطور. وفي الصباح توافد الناس للزيارة، فكانت تفوح تلك الرائحة الزكية في انوفهم، وصار كل واحد منهم يأخذ حفنة من التراب الذي على القبر، حتى أخذوا الكثير منهم.

وهكذا كانت نهاية ذلك الكاهن الطاهر القديس، الذي بكاه كثيرون بالعزيز الغالي من الدموع، وأرخ وفاته كثيرون من شعراء العربية تخليداً له وهو على الزمان مخلد، وفيمايلي بعض ما قيل في تاريخ وفاته”

كنيسة مار ميخائيل الأرثوذكسية من الداخل وهي برج صافيتا حيث خدم الخوري ابراهيم

كنيسة مار ميخائيل الأرثوذكسية من الداخل وهي برج صافيتا حيث خدم الخوري ابراهيم


” بعض ما قيل في تاريخ وفاته

أرخ كثير من شعراء العربية وفاة الفقيد، وها أنا أثبت بعضاً مما قالوه:

قال الشاعر البيروتي السيد الياس حنيكتي مؤرخاً وفاة الفقيد:

لتبك الروم كاهنها الجليلا……..وتشكو بعاده جيلاً فجيلا

مآثر بره ذاعت فكانت……….على إخلاص خدمته دليلا

مضى لله ابراهيم لما……….. دعاه لينعم الأجر الجزيلا

فقال ملاكه لمؤرخيه…………


بحضن
سمية
أضحى
نزيلا

860 116 819 98

1892

وقال الاستاذ الكبير جرجي كنعان رحمه الله

حدث تقيم به الطهارة والتقى……….ويحفه التكريم والتعظيم

حرم القداسة والجلال يؤمه………..من كل صقع مدنف وسقيم

خدم الكنيسة عمره فتلألأت ………أنوارها وتمجد الأقنوم

عجباً يوارى في التراب وإنه……. أبداً بأفئدة العباد مقيم

لما وفى وزنات سيده وقد………..ناداه أسرع فالمقام نعيم

هتف الملاك أرخوا وتعججوا……

في حضن ابراهيم ابراهيم

1892

وقال الاستاذ الياس ميخائيل يازجي رحمه الله

قد جاء صوت صارخ لاتحزنوا…….وضعوا بقبر هيكل الانسان

ذا كاهن خدم المسيح حياته………..انجيله يهدي الى الايمان

قد عاش بالتقوى وصنع عجائب……إذ ماؤه يشفي العليل العاني

وترابه بعد الممات فكم شفى………من مسقم يشقى بطول زمان

فالنفس خالدة تطير الى السما…….والجسم يبقى في الضريح الفاني

ولذا فقد قال الملاك بموته……….لا تحزنوا ابراهيم هذا الثاني

قد ضم ابراهيم أراح خلته……….

ابراهيم لما هل بالأحضان

قبة ضريح الخوري ابراهيم

قبة ضريح الخوري ابراهيم


1892

وكذلك قال يوسف عرنوق مؤرخاً وفاته

تزود بالتقوى والبر كاهن…………الى ضوء وجه الله منذ الصبا صبا

وكان كموسى بالعصا مظهراً لنا……..عجائب منها الخلق طراً تعجبا

وصيره المولى بتاريخ أيه…………..

خليلاً له بعد الخليل مقربا

1892

وقال الاستاذ وديع مرقص

هذل سراج الدين أطفىء نوره………فمنارة الدنيا في ليل بهيم

………………

……………

وكذلك قال المرحوم غانم الياس

ياقبر أكرم فيك ضيفاً كاهنا………..نشر التقى وهو التقي الكامل

……………….

…………….

وقال فيه كثيرون غيرهمن فطوبى لراحل كفاه ان تاريخه تدفق طهراً، وأن الله أناره بشعاع تجلى على جوانب المهد، وصحبه الى اللحد.”

” أعماله بقوة ايمانه

كثيرة هي أعماله التي وضعته في مصاف القديسين، ولا غرو فإيمانه ماوهن يوماً ولا ضعف، بل كان يزداد قوة واشراقاً ماكرّ الجديدان. نظر الى ماجاء في الانجيل الشريف:” لو كان لكم ايمان ولاتشكون، ليس فقط أمر التينة تفعلون، بل ان قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون” فاعتقد بانه قادر على ان يأتي بالمعجزات، مادام مؤمناً بالله، وبما جاء في انجيله الشريف، وهكذا كان وهذه حادثة من حوادث كثيرات، وقد روتها الألسن خلفاً عن سلف، وهي أنه في يوم من الأيام زار سيادة المثلث الرحمات المطران زخريا وهو مطران عكار وتوابعها. في ذلك الوقت. صافيتا متفقداً الطائفة فيها، وما كاد يستقر به المقام حتى وشى اليه البعض من رجال الحسد واللؤم والنفاق قائلين له: “ان الخوري ابراهيم يتعاطى الشعوذة بين الناس، ويعمل لهم الرقوات”، فدعاه للمثول أمام حضرته وأوصاه بأن لايعود الى استعمال الرقوات. وحذره مغبة ذلك العمل وفي اليوم التالي ركب سيادة المطران فرسه قاصداً قرية بدادا مع بعض المرافقين له. وبالقرب من القرية لسعت أفعى فرسه برجلها وفي الحال ورمت رجل الفرس وسال الدم منها، وحينما وصلوا الى القرية تزايد الورم ولم تعد تقوى على النهوض، فحار المطران بأمره وشق عليه موت فرسه، فقال له أحد المرافقين: لن تقوَ الفرس على النهوض والسير ما لم يصلي لها الخوري ابراهيم على ماء ويسقيها منه فاستدعى المطران عندئذ الخوري وطلب اليه ان يفعل ذلك فأجابه: “أنت ياسيدي منعتني عن هذه الأعمال.” فقال له المطران:” أنت حل من ذلك”، فصلى عندها على ماء وسقى الفرس منها فقامت بقدرة الله، وكأن لم يصبها شيء، وأكلت من العلف المقدم لها، فباركه المطران وقال له:” ثابر على ما اعطاك الله”. وهكذا عاد لما كان عليه فكان هبة من الله لشفاء المرضى والملسوعين والمطحولين، وكان يصلي لهم من أجل الشفاء كل حسب مرضه. وكان الله عز وتعالى يستجيب صلاته ويهبهم الشفاء تمجيدا لاسمه الأعظم على لسان أحد خائفيه. وهذه حادثة ثانية من حوادث كثيرات غيرها، تدل على قدسيته وطهارته. ففي عام 1925 حينما توفي حفيده الطيب الذكر المرحوم الخوري عيسى، أرادوا أن يدفنوه في قبر جده، فبدأ العمال يحفرون القبر، وكان قد مضى على وفاته أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، ولما وصل العمال الى البلاط الموضوع فوق الجثمان تشللت أيديهم وقد لمحوا من ثقب نوراً يضيء داخل القبر فحدقوا جيداً وإذا بهم يرون بدلته الكهنوتية فمد واحد منهم وأخذ قطعة صغيرة منها، فإذا هي كما كانت عليه حين دفن الفقيد لم يتغير منها شيء حتى كأنها لم تكن تحت التراب، وصار يأخذ كل واحد منهم خيطاً للبركة ولكن لم يطل الوقت عليهم حتى أصبحوا في حالة ذهول، وكانوا يسمعون شخصاً يقول أعيدوا ما أخذتموه الى محله، فصار كل واحد منهم يعيد للقبر ما أخذه.

وبعد أن حدث هذا الحادث، كفوا عن فتح القبر، ودفنوا الخوري عيسى حفيده بجانب جده في قبر حميه أبي زوجته سعد.

فبعد هذه الحوادث، قام كاتب هذه السطور ابن حفيده، والذي يتشرف بحمل اسم جده الأكبر القديس، في مشروع بناء قبة فوق الضريح، فأقيمت القبة وهي الآن مزار يقصده الناس من جميع الجهات على اختلاف نحلهم يحرقون البخور ويشعلون الشموع، وكثيرون ينذرون تعميد أولادهم فيها فلا تخلو من الزوار.

والى القارىء الكريم حادثة يرويها الخلف عن السلف بإعجاب وتقديس وهي

كان بعض النسوة على عين الحداد القريبة من المقبرة واذا برجل يقبل عليهن صائحاً:” ارجو منكن أن ترشدنني الى قبر الخوري ابراهيم”، فقالت له إحداهن: “وماذا تريد منه؟” قال:” أنا أشعر بألم في بطني واذا مالمست قبره فإنني أشفى بالحال.” فقالت له على سبيل التهكم: “هذا قبر الخوري ابراهيم” ودلته على صخرة قريبة فهرول مسرعاً الى الصخرة وانطرح عليها وصاح بأعلى صوته: “دخيلك ياخوري ابراهيم اشفني من مرضي” وماهي الا هنيهة حتى نهض بقدرة الله وقوة ايمانه سليماً من مرضه لا يشعر بشيء فلما رات النسوة ماحصل له، قالت له تلك المتهكمة عليه: “طالما وانك شفيت فهناك قبره بجانب باب تلك الكنيسة التي تراها امامك فاذهب وزره” فمضى وزار القبر وعاد شاكراً لله على نعمائه. وعادت النسوة يخبرن الناس بماجرى ويمجدن الله.

إحدى وسبعون سنة مضت على وفاته وكانها بضعة اشهر بينما الذين ماتوا من بضعة أشهر لا ذكر لهم البتة.

– ومن متروكاته، عصاه التي كان يتكىء عليها والتي لاتزال كما كانت في ايامه، والمطلق عليها اسم” عصا الخلاص” الآن، فعندما تتعذر أية امرأة في الولادة، يأخذون لها العصا فتضعها على بطنها أو ظهرها فتلد بسهولة تامة، وهذا مايدل على ماله من الكرامة عند الله وهذه حادثة أخرى يذكرها الكثير من أهالي صافيتا وهي

في ذات يوم من ايام سنة 1924 كان المرحومان زخور متى بشور وولده فياض وشخص من طرابلس يدعى علي شحادة عائدين من بيت عزيز بك الهواش قرب منتصف الليل بعد سهرة قضوها عنده، ولما وصلوا الى قرب المقبرة شاهدوا بصيصاً بجانب باب الكنيسة حيث القبر فصعدوا الى المقبرة ليروا ماذا يكون ذلك البصيص، فصاروا يحركونه بأيديهم ولم يشعروا باحتراق، بل كانوا يشمون منه رائحة ذكية تملأ الجو، وفي صباح اليوم التالي أخبروا الناس بذلك، ممجدين الله الذي كرم عبده حياً وميتاً وهل أدل على قدسية ذلك الكاهن الذي يبقى ذكره على الزمن من أن بيوتاً كثيرة في صافيتا وجوارها من بيوت النصارى واخواننا العلويين تحتفظ بماء صلى عليه في حياته، يسقون منه المريض فيشفي بقدرة الله، ويرشون به البيوت فتذهب عنها الحشرات وحوادث كثيرة وكثيرة جداً غير هذه، وكلها تدل على قدسية كاهننا الفقيد وهذه حادثة اخرى

رجل من بيت سلامي التابعة لصافيتا اسمه علي سلامي، مقيم في حمص الآن وملتزم فندقاً فيها، ظهرت في جسمه سنة 1955 حبوب كثيرة وقد راجع الكثير من الأطباء في صافيتا وطرابلس وبيروت ولم يستفد من زياراته لهم شيئاً، وأخيراً نصحه البعض من اصدقائه أن يزور قبة الخوري ابراهيم ويتبرك منها، فنزل عند رغبتهم طالباً للشفاء، وأتى مؤمناً الى القبة، ودخلها وكله ايمان ودهن جسمه بترابها فشفاه الله.

وهذه، إلى ما هنالك من حوادث كثيرات، لو اردنا إثباتها لاحتجنا الى مجلدات، وهذه حادثة أخرى

السيدة جميلة خضر زوجة السيد غانم سليمان غانم من قرية صهيون التابعة لصافيتا، كانت تشكو من وجود حيات وعقارب في البيت الذي تسكنه فأتت زائرة الى قبة الخوري ابراهيم وبرفقتها طنوس جروج موزع البريد في القرى التابعة لمركز صافيتا، فأخذت ماء من الصنبور الموجود فيها، وتراباً من ارضها، وذهبت وبوصولها لبيتها أذابت التراب في الماء الذي أخذته ورشت به البيت وفي صباح اليوم التالي بينما كانت تطبخ القهوة لأقاربها الموجودين عندها في ذلك الصباح سمعوا صوت سقوط شيء في البيت فأسرعوا ودخلوا فوجدوا حيةكبية مكورة على بعضها لا تتحرك، فجروها الى خارج البيت وقتلوها، وبعدها سقط عقرب أيضاً فقتلوها؟ ولم تعد بعده شيئاً في بيتها، طوبى للمؤمنين.

– وبعد هذه كلمة موجزة في سيرة فقيدنا الغالي المرحوم الخوري ابراهيم أكتبها نزولاً عند رغبة الكثيرين من ابناء بلدتنا صافيتا وجوارها والله حسبي ونعم الوكيل.”

صافيتا – حزيران سنة 1964

الخوري ابراهيم ابراهيم

 


 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>