Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

ديانة السامريين…

$
0
0

ديانة السامريين…

مقدمة

” السامريون هم السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل، فهم ينحدرون من مملكة إسرائيل الشمالية، ويمثلون الآن أصغر وأقدم طائفة في العالم، ويملكون أقدم نسخة خطية للتوراة، ويتكلمون العبرية القديمة، ويؤمنون بقدسية جبل جرزيم في نابلس، ويعتبرون اتخاذ الملك سليمان القدس مكاناً مقدساً مسألة سياسية أكثر منها دينية”.

“كلمة سامري محرفة من الكلمة العبرية شامري، والتي تعني المحافظ على الديانة العبرية القديمة”

هذا ملخص  مايقوله السامريون عن ديانتهم بلسان كهنتهم

يرجع تاريخ السامريين إلى ما قبل 36 قرناً من الزمن، حين قام يشوع بن نون قائد العبرانيين الذي خلف موسى  بقيادة الشعب العبراني لدخول ارض كنعان الفلسطينية عند أريحا، وما إن وصل إلى مدينة شكيم (نابلس)، حتى صعد إلى جبلها الجنوبي جرزيم يرافقه العازار بن أهارون الكاهن الأعظم، وقاما بنصب خيمة الاجتماع على قمة هذا الجبل المقدس…

السامريون

بالرغم من وجود الطائفة السامرية منذ آلاف السنين، فإنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي. فمَن هم السامريون؟ ومتى ظهرت هذه الطائفة؟ وكم يبلغ عدد أعضائها؟ وما هي أركان ديانتها؟ وهل هناك فرق بينها وبين اليهودية؟ وما هي نظرة اليهود إليهم؟ 

في التسمية

تعني كلمة سامري “المحافظ”، وتقول الطائفة السامرية إنها تملك  التوراة الحقيقية لبني إسرائيل وليست المحرفة، ومنها يستقون تاريخهم، ويرفض السامريون نعتهم باليهود، ويصرون على أنهم سلالة النبي موسى الحقيقية…

في الأصل ووفق معتقد الطائفة السامرية هم شعب دولة إسرائيل التي تكونت في الشمال من دولة يهوذا، وذلك بعد سليمان  وقد استمر وجود السامريين إلى عصرنا الحاضر، إلا أنهم يشكلون مجموعة صغيرة تسكن في فلسطين بجوار مدينة نابلس.

خروج العبرانيين من مصر بقيادة موسى
خروج العبرانيين من مصر بقيادة موسى

إستقر السامريون في الأراضي التي كانت في السابق ملكاً لسبط أفرايم ونصف سبط منسى. كانت العاصمة هي السامرة، التي كانت سابقاً مدينة متسعة وباهرة. عندما قام سرجون الآشوري بفتح فلسطين سبى اسباط اليهود العشرة الى عاصمته آشور في بلاد الرافدين ومنهم سكان السامرة وبقيت قلة فيها…، ثم  أرسل سرجون أناساً من كوث وعوا وحماة وسفروايم ليسكنوا في السامرة (ملوك الثاني 17: 24؛ عزرا 4: 2-11). جاء هؤلاء الأغراب وتزاوجوا مع من بقي من شعب إسرائيل في السامرة أو ما حولها. عندما غزا سرجون السامرة عام 722 ق.م. سبي من سكانها 27280 شخصاً. وترك بعض السكان الأصليين، وإذ وجد أنهم متمردون دبّر خطة يقتل بها وطنتيهم الثائرة، فنقل شعباً من بابل وحماة والعربية إلى السامرة (2 ملوك 17: 24) وصار هؤلاء هم السامريين، وظلوا يمارسون عباداتهم التي اعتادوها قبل المجيء إلى السامرة. وعندما كثرت الوحوش بالأرض بسبب قلة الناس نتيجة للحروب، أرسلوا يستغيثون بملك آشور، الذي أرسل إليهم أحد الكهنة ليعلمهم فرائض الدين اليهودي، وجاء الكاهن وسكن في بيت إيل. على أن الكاهن لم يقدر أن يجعلهم يتركون عبادات أصنامهم، فظلوا يمارسون عبادة الله كما في أسفار موسى الخمسة، كما يمارسون عبادة الأصنام (2 ملوك 17: 25 – 33)، إلى أن ثار اليهود على عبادة الأصنام (2 أخبار 34: 6 و7) فتناقصت تلك العبادة. وتطورالى عداء بين السامريين واليهود، وذلك عندما نجَس أنطيوخس أبيفانيس هيكل أورشليم بتقديم خنزيرة على مذبحه، فيما أعلن السامريون أنهم لا ينتمون إلى الأصل اليهودي أبدًا، وكرسوا هيكلهم على جبل جرزيم هيكلًا للإله زفس حامي الغرباء.

طقس العبادة في القرن 19
طقس العبادة في القرن 19

في عام 6 ق.م ألقى بعض السامريين عظامًا نجسة في هيكل أورشليم، فصار اليهودي يستنكف من أن ينجس شفتيه بنطق كلمة “سامري”، وكان يحسب طعام السامري نجساً كلحم الخنزير. وهكذا كان العداء مستحكماً بين اليهود والسامريين، ولم يكن اليهود يسمحون بأي علاقة اجتماعية أو دينية مع السامريين.

اذن قام هؤلاء “السامريون” في البداية بعبادة الاله الحي،  ولكنهم أيضاً إحتفظوا بالكثير من عاداتهم الوثنية. وهكذا تبنوا  ديانة هي خليط من اليهودية والوثنية (ملوك الثاني 17: 26-28). وبسبب تزاوج الساكنين منهم في السامرة مع الأغراب وتبنيهم لديانتهم الوثنية فقد إعتبر  اليهود السامريين بصورة عامة “مختلطي الجنس” وكانوا مكروهين منهم بصفة عامة.

ويتميز السامريون عن بقية اليهود بأنهم 
– لا يؤمنون بنبوة أحد من أنبياء بني إسرائيل سوى هارون وموسى ويشوع بن نون. 
– لا يقدسون من كتب اليهود سوى الأسفار الخمسة التي تسمَّى التوراة، ويضيفون إليها سفر يشوع بن نون فقط، وما عدا ذلك فلا يؤمنون به، ونسخة التوراة التي لديهم تختلف عن النسخة العبرية في ستة آلاف موضع، كما أنهم لا يؤمنون بسائر الكتب الأخرى في العهد القديم ولا بالتلمود ولا غيره من كتب اليهود. 

من الأسباب الأخرى للعداوة بين اليهود والسامريين ما يلي

1. بدأ اليهود بعد عودتهم من بابل في إعادة بناء الهيكل. وفي حين إنشغل نحميا ببناء أسوار أورشليم، حاول السامريون إيقاف هذه المجهودات بالقوة (نحميا 6: 1-14).

2. بنى السامريون لأنفسهم هيكلاً على “جبل جرزيم” مصرين أن موسى حدده كمكان للعبادة. وقد قام سنبلط، قائد السامريين بتعيين زوج إبنته كرئيس للكهنة. وهكذا تم إنتشار ديانة السامريين الوثنية.

رقع اسفار التوراة السامرية فوق جبل جرزيم
رقع اسفار التوراة السامرية فوق جبل جرزيم

3. وفق اليهود أصبحت السامرة ملجأ للخارجين عن القانون من اليهودية (يشوع 20: 7؛ 21: 21). وقد رحب السامريون بالمجرمين اليهود والفارين من العدالة. حيث وجد منتهكو القوانين اليهودية  مكاناً آمناً لأنفسهم في السامرة مما ساهم في زيادة العداوة بين اليهود والسامريين.

4. قبل السامريون أسفار موسى الخمسة فقط ورفضوا كتب الأنبياء وكل التقاليد اليهودية.

نتيجة هذه الأسباب وجدت خلافات لا حل لها بين الفريقين، حتى أن اليهود إعتبروا السامريين أسوأ ما في الجنس البشري (يوحنا 8: 48) ولم يكن لهم أي تعامل معهم (يوحنا 4: 9). ولكن بالرغم من الكراهية بين اليهود والسامريين، فإن المسيح  له المجد كسر الحواجز بينهما وكرز بالإنجيل للسامريين (يوحنا 4: 6-26) وتبع الرسل مثاله بعد ذلك (أعمال الرسل 8: 25).

جبل جرزيم
المكان المقدس لديهم هو جبل (جرزيم) الذي يقع في منطقة نابلس،واليه يحجون وينكرون جبل صهيون واورشليم، و اليهود يكفرونهم لذلك . 

في الواقع

هناك سبعة آلاف خلاف بين التوراة السامرية ونظيرتها اليهودية، أبرزها أن اليهود غيروا القدسية من جبل جرزيم إلى اورشليم، ولا يقوم الدين السامري على التبشير والدعوة… 
ويملك السامريون طريقة مميزة في الحسابات الفلكية، ويؤكدون أن قمة جبل جرزيم تتوسط العالم، ومنها يقدمون حسابات دقيقة.

الأفراد
يبلغ عدد السامريين 785 نسمة، يسكن 385 منهم في جبل جرزيم، بينما يسكن أربعمائة في منطقة حولون داخل فلسطين المحتلة التي انتقلوا إليها قبل أكثر من قرن طمعا في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

حول أعداد هذه الطائفة وأماكن وجودها، قال كاهنهم  يعقوب عبد الله

 “عند انقسام الدولة العبرية إلى مملكتين، كان عدد سكان المملكة الشمالية (المملكة السامرية) بالملايين، ولكن بسبب القمع الذي تعرضوا له على مر السنين والأوضاع الاقتصادية السيئة تقلص عددهم إلى حد كبير”. يبلغ عدد المنتسبين إلى هذه الطائفة حالياً 730 نسمة، نصفهم يسكن جبل جرزيم جنوب نابلس والقسم الآخر يسكن في مدينة حولون قرب تل أبيب ويحملون الجنسيتين الفلسطينية والإسرائيلية. ويعمل أغلبهم بالتجارة. يصف اليهود السامريين بالكفرة والكوتيين نسبة إلى كوت (مدينة سومرية أكادية قديمة تعرف اليوم بتل ابراهيم) في العراق، وكذلك أطلق عليهم التلمود البابلي لقب “المعارضين والكفار”، بحسب عبدالله. أما في ما يتعلق بموقفهم من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فقال عبدالله: “السامريون جسر سلام في الصراع العربي الإسرائيلي، فعلاقاتهم طيبة بالطرفين، كما أن على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي أن يتخذوا من السامريين عبرة، فبعد أن كان المجتمع السامري بالملايين في الماضي، أصبح أصغر مجتمع في العالم، بسبب كثرة الحروب التي خاضها عبر آلاف السنين”.

في اعيادهم
في اعيادهم

ويتابع القول:”ترتبط الطائفة السامرية بعلاقة وثيقة مع أهالي نابلس ولهجتهم نابلسية بامتياز، وتجمعهم أواصر وعادات اجتماعية متشابهة مع بقية السكان والاديان إضافة للتعاون الاقتصادي الكبير.”

لا يفضل السامريون الانخراط بالعمل السياسي، وينأون بأنفسهم عن العداء الحاصل بين اليهود والعرب الفلسطينيين، ويقولون إنهم يؤمنون بالسلام، ويرون أنه من دون إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية لن يكون هناك سلام، مؤكدين أن من حق الشعب الفلسطيني أن يحصل على حريته أسوة ببقية شعوب العالم.

يعتبر السامريون أنفسهم جزءا أصيلا من الشعب الفلسطيني، ويرفضون تسميتهم يهودا، وقد منحهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مقعدا في البرلمان الفلسطيني عام 1996.

كونهم طائفة أقلية فقد منحوا الهوية الإسرائيلية من دون أن يتنازلوا عن هويتهم أو جنسيتهم الفلسطينية، وهو ما اشترطه عليهم الاحتلال في البداية لكنهم رفضوا ذلك، كما يحملون الجنسية الأردنية أيضا.

لم يسلم السامريون من مضايقات الاحتلال الإسرائيلي لهم، فهو يقسم منطقة سكناهم (جبل جرزيم) حسب اتفاقية اوسلو، كما تغلق سلطات السياحة الإسرائيلية المنطقة المرتفعة من جبل جرزيم “قلعة العالم” والتي يحجون إليها ويؤدون طقوسهم وشعائرهم الدينية، وتقوم سلطات الاحتلال بالتنقيب عن الآثار هناك منذ عشرات السنين سعيا منها لمحو ما يؤكد قدسية جبل جرزيم التي يؤكدها السامريون.

المقر
يعتبر السامريون جبل جرزيم بمدينة نابلس قبلة أفئدتهم، وقبل أن يسكنوه نهاية ثمانينيات القرن العشرين كانوا يسكنون في البلدة القديمة وسط نابلس، وانتقلوا إلى حي مجاور لها عرف بـ”حارة السمرة”، ثم انتقلوا للعيش لاحقا في جبل جرزيم، وبني أول بيت للسامريين على جبل جرزيم عام 1961.

العبادات

الحج على جبل جرزيم
الحج على جبل جرزيم

للسامريين صلوات يؤدونها طوال الأسبوع، لكن يوم السبت هو اليوم المقدس لديهم، وتؤدى الصلاة فيه بدءا من مساء يوم الجمعة لمساء يوم السبت، وتؤدى الصلاة بوضوء يشابه إلى حد كبير وضوء المسلمين وبحركات فيها ركوع وسجود، ويرتدي السامريون زيا أبيض خلال الصلاة يعرف بـ”القمباز”. 

ويخصص السامريون يوما كاملا في السنة يصومون فيه 24 ساعة عن كل شيء حتى الحديث، ويقع هذا اليوم في آخر تشرين الأول من كل عام.

وللسامريين سبعة أعياد في العام وأولها عيد الفسح “بالسين” لأنهم يعتقدون أن الله عز وجل فسح عليهم عقب خروجهم من مصر وتيههم في صحراء سيناء.

وإضافة إلى ذلك فإن لدى السامريين عيد العرش والفطير والحصاد وعيد رأس السنة وعيد الغفران وعيد الأسابيع، ويحجون إلى قمة جبل جرزيم ويذبحون القرابين المخصصة هناك وتشوى في تنانير مخصصة لذلك.

الزواج
يتزوج السامريون فيما بينهم فقط، ويرفضون أن يتزوج السامري من غير سامرية، وحين شح وجود الفتيات أجيز لهم الزواج من خارج الطائفة شريطة أن تدين بالدين السامري.

أما المرأة السامرية فلا يحق لها الزواج بغير سامري أبدا، وإذا فعلت فإنها تخرج من الطائفة، ولا يحق للسامري الزواج بأكثر من واحدة ما لم يكن هناك سبب مقنع للزواج كعدم إنجاب الأولى أو المرض.
التعليم والعمل
للسامريين مدرسة يتعلمون فيها بجبل جرزيم، وفيها سبعة صفوف يتعلمون بها أركان الدين السامري ولغتهم العبرية القديمة ثم يستكملون بمدارس مدينة نابلس، وأكثر من 90% منهم من حملة الشهادات الجامعية، ويعدون أنفسهم منفتحين على العالم حضارياً وتقنياً.
يعمل السامريون في العموم بالتجارة، خاصة الوساطة التجارية بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم لديهم عملهم الخاص، وينخرط جزء كبير منهم بالوظائف الحكومية الفلسطينية.

شهادات من كهنة الطائفة

صلاة السامريين
صلاة السامريين
اولا الفرق بين السامريين واليهود
يتساءل الكثيرون اليوم حول الفرق بين السامريين واليهود. بحسب كاهنهم يعقوب عبد الله: “إن الجذور واحدة، ولكن أدى الخلاف حول منصب الكهنوت الأعظم إلى الانقسام، فقد كانت رئاسة الكهنوت الأعظم منوطة وراثياً فقط في نسل فينحاس بن هارون، وعندما آلت خلافة الكاهن الأكبر بعد “بقي” إلى ولده “عزي”، الذي كان يبلغ من العمر عند موت أبيه 23 عاماً أي كان قاصراً من الناحية الشرعية لأنه دون سن الثلاثين، طمع في المنصب “عالي”، الكاهن من نسل ايتامر أخي فينحاس بن هارون، نظراً لتقدمه في السن وصغر عزي، انقسم بنو إسرائيل شطرين من الناحية الدينية”. وتابع: “واستبدل عالي وجماعته الجبل المقدس جرزيم بسيلو (شيلو)، التي تبعد 25 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة نابلس وبنى هيكله فيها، وعمل صندوقاً غشاه بالذهب كتابوت العهد، وادعى أنه التابوت الحقيقي فغضب رب العالمين على بني إسرائيل فأخفى عنهم خيمة الاجتماع (الهيكل)، الذي كان موجوداً على جبل جرزيم”. أثناء حكم الملك الإسرائيلي شمشون الجبار بدأ الإسرائيليون يختلطون بالأمم المجاورة ووصل الأمر إلى الكهنة ففسدوا أيضاً وخرج كثيرون من بني إسرائيل عن ديانتهم، وكفوا عن استقبال جرزيم في صلواتهم وعبدوا الأصنام، ولم يبق ملتزماً بالديانة العبرية القديمة سوى الساكنين على جبل جرزيم وما حوله من المدن والقرى.
يقول الكاهن الأكبر للطائفة السامرية عبدالله: “بالرغم من الانقسام الديني للدولة العبرية، فقد بقيت موحدة سياسياً إلى عهد الملك سليمان الذي بنى هيكله في القدس مخالفاً لتعاليم التوراة ومن أجل دوافع سياسية، لأن الدين الإسرائيلي يحرم إقامة الهيكل خارج نطاق جبل جرزيم المقدس، سواء كان في القدس أو خارجها. وبعد وفاة الملك سليمان تولى الحكم ولده رحبعام الملك، ولما رفض الملك رحبعام رفع الضرائب أو حتى تخفيضها على السكان الشماليين من الدولة العبرية انقسمت إلى مملكتين، المملكة الجنوبية، وهي مملكة يهودا التي اتخذت من القدس عاصمة لها، والمملكة الشمالية وهي مملكة اسرائيل “السامرة” وعاصمتها سبسطية، وأصبحت المملكتان متنافستين وأحياناً متعاديتين، وكان لكل منهما أيام ازدهار وانحطاط”.
تشمل الفروق بين السامريين واليهود اللغة أيضاً، فاللغة السامرية تختلف عن اليهودية. السامرية هي اللغة العبرية القديمة، وكل حرف منها يشبه أحد أعضاء جسم الإنسان، لهذا تعتبر أقدم لغات العالم أجمع، وتتألف من 22 حرفاً، وتقرأ من اليمين إلى اليسار، أما اليهودية فهي لغة أشورية.
وقال  الكاهن عبدالله إن هناك خلافاً آخر يتعلق بالتقويم إذ يمتلك السامريون حساباً فلكياً يعرف بحساب الحق، وهو حساب فلكي قمري منقول عن آدم حتى يومنا هذا، وهو حالياً متوارث مع عائلة الكهنة. يستهلون الشهر مع ولادة القمر، خلافاً لليهود الذين يعتمدون على الرؤيا، اذا حجب القمر الشمس فهذا يعني بأن الشهر 29 يوماً “قمرياً”. ويبدأ التاريخ السامري منذ دخول بني إسرائيل الأراضي المقدسة أي قبل 3645 سنة. وختم: “كان الخلاف الأخير بين السامريين واليهود، عندما دمر يوحنان هركانوس المكابي هيكل السامريين مرتين على قمة جبل جرزيم في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد في سنة 128 ق.م. وفي عام 107 ق.م. وينتسب السامريون الآن إلى ثلاثة أسباط من الأسباط الاثني عشر، أولاد سيدنا يعقوب، هم سبط لاوي الذي تنتمي إليه عائلة الكهنة، وسبطا أبناء سيدنا يوسف افرايم ومنشي”.
أركان الديانة السامرية 
يقول الكاهن حسني واصف مدير المتحف السامري:
“إن الديانة السامرية ترتكز على خمسة أركان أساسية هي: وحدانية الله الواحد الأحد، ونبوءة موسى بن عمران كليم الله ورسوله، والتوراة (أسفار موسى الخمسة وهي التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية)، وقدسية جبل جرزيم قبلة السامريين، واليوم الآخر وهو يوم الحساب والعقاب. وكل سامري لا يؤمن بالأركان الخمسة هذه، لا يعتبر سامرياً”. وأضاف: “إن الصلاة عند السامريين هي بمثابة التقرب من الله، وهي تأمل وابتهال وتضرع، وتقوم مقام القرابين التي كانت تقدم في الهيكل. والسامريون يصلون يومياً صباحاً عند الفجر ومساء عند الغروب، وكل منها سبع ركعات، (صلوات السامريين ركوع وسجود)”. وتابع: “ولقدسية يوم السبت هناك سبع صلوات، يؤديها السامريون في الكنيس السامري، بإمامية أحد الكهنة، ولا يجوز للسامري أن يزاول أي عمل يوم السبت مهما كان نوعه، سوى تحضير طعام بارد”. 
تؤكد الديانة السامرية على طهارة الجسم، فهي ركن الدين وأساسه، لذا يسبق الصلاة الوضوء بغسل الأعضاء المكشوفة، مع قراءة آيات مخصصة من التوراة على كل عضو تدل على نوعية حركته. ولا يجوز للرجل  أن يخرج من البيت إلا إذا كان طاهر البدن، وعليه الاغتسال فور عملية الجماع وإذا أحدث خلال نومه، وكذلك اذا لمس من الحيوانات المحرم أكلها أو لمس ميت. ويحافط السامريون على الختان، معتبرين أنه  عهد قطعه الله مع النبي ابراهيم. يختن المولود الجديد من الذكور في اليوم الثامن لميلاده، ولا يجوز تأخير ذلك لأي سبب من الاسباب. أما الأعياد، فهي أعياد التوراة فقط وهي موسمية، وعددها سبعة: عيد الفسح، عيد الفطير (العجين غير المختمر)، عيد الحصاد، عيد رأس السنة العبرية، عيد الغفران، عيد العرش المظال، العيد الثامن او فرحة التوراة. ومن خلال هذه الأعياد يحج السامريون إلى جبلهم المقدس جبل جرزيم ثلاث مرات سنوياً في عيد الفسح وعيد الحصاد وعيد العرش. وعن الطعام، قال الكاهن حسني واصف: “لا يجمع السامريون في طعامهم روحين على مائدة واحدة كاللحم واللبن، كما لا يجوز أكل اللحوم المذبوحة على غير طريقتهم لان للذبيحة عندهم شروطاً دينية، أهمها أن يكون الجزار سامرياً يعرف المحللات والمحرمات، وأن يستعمل سكيناً حاداً حتى يستطيع الذبح بنحرة واحدة، ويتوجه أثناء الذبح إلى وجهة جبل جرزيم. ويأكل السامريون من الطير ذوات الحوصلة وغير مشبكة الاصابع، ومن الحيوانات البحرية ما كان له زعانف وحراشف، ومن الحيوانات البرية ما كانت مجترّة ومشقوقة الظلف، ويحرم ذبح الحبالى من إناث الحيوان”.
الحياة الاجتماعية والدينية
الزواج رباط مقدس عند السامريين، فالانسان السامري لا يكتمل دينه إلا بالزواج الذي يتم باحتفال يترأسه الكاهن الأكبر وبحضور جميع أفراد الطائفة في كل من نابلس وحولون. ولا يحق للسامري أن يجمع بين اثنتين على ذمته من أجل المتعة. ولكن حالات الطلاق نادرة وتكون تحت شروط: “عدم القادرة على القيام بأعمال البيت وتربية أطفالها، والجنون، والمرض العضال، والعقم والخيانة الزوجية” بحسب واصف. وأضاف الكاهن: “لا يجوز للسامرية ان تلمس شيئاً في البيت أثناء العادة الشهرية والتي تستمر سبعة أيام تكون فيها منزوية في فراشها الخاص، ويلي أيام طمثها هذا الاستحمام بالماء، أما اذا ولدت ابناً ذكراً فإنها تبتعد 41 يوماً، لكن إذا ولدت أنثى فإنها تبتعد 80 يوماً، ويحق لها فقط الاعتناء بولدها الرضيع، وتستطيع مزاولة وظيفتها وتعليمها خارج البيت فقط”. وفي ما يتعلق بالحياة الدينية للسامريين، قال: “يترأس الطائفة السامرية الكاهن الأكبر، وهو من سبط لاوي، أي من عائلة الكهنة ويساعده مجلس كهنوتي مكون من 12 كاهناً، وهو الذي يقرر كل ما يتعلق بالشؤون الدينية. أما الشؤون الدنيوية فتديرها لجنتان منتخبتان في كل من جبل جرزيم وحولون لإدارة شؤون الطائفة ويترأس كل منهما سكرتير، وتنتخب اللجان مرة كل سنتين وبطرق ديموقراطية”.
يعتبر السامريون أن الإسلام هو أقرب الديانات إلى السامرية من حيث الوحدانية والطهارة. أما القاسم المشترك بين الديانتين السامرية والمسيحية، فهو بحسب واصف “المحبة والسلام”.
في الانجيل المقدس
لفهم وضعية السامريين المكروهين بين اليهود  علينا ان نعود الى زمن الرب يسوع وفق ماورد في الانجيل المقدس
مثل السامري الصالح
مثل السامري الصالح
  في زمن المسيح له المجد  لم تكن عقائد السامريين اللاهوتية تختلف كثيرا عن عقائد اليهود وخصوصاً عقائد الصدوقيين منهم، وكانوا مثلهم ينتظرون “المسيا” على أنهم لم يقبلوا من العهد القديم إلا أسفار موسى. قد قبل السامريون رسالة المسيح بعد أن رأوا الآيات العظيمة على يد فيلبس، كما أن المسيحية اتسعت لقبولهم، بخلاف الديانة اليهودية الضيقة، لكن إقبالهم كان ضعيفاً.
 في تأمل ودراسة مختصرة للآيات المذكورة عن السامريين في “قاموس الكتاب المقدس” بهدف المساهمة في فهم أفضل لاختيار الرّبّ يسوع لشخصية “السامري الصالح” كشخصية مركزية إيجابية في حدث أليم وبإطار مجتمع أنانيّ. حيث يذكر العهد الجديد كلمة سامري ومشتقاتها تسع مرات، فقد أرسل الرّبّ يسوع الاثني عشر أولًا لبيت اسرائيل وطلب منهم التركيز على المهمة وعدم دخول مدن الأمم والسامريين “هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ” (متى 10: 5-6).
ثمّ في المرحلة التالية افتقد السامريين ولكنهم رفضوه بسبب اتجاهه للصعود إلى أورشليم “وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟» فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ فالنَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ» (لوقا 9: 51-56). ومباشرة مع رفض أهل قرية السامريين المذكور في لوقا 9
– السامري الصالح
نجد الرّبّ يسوع يستخدم ويوضح فكرة القريب لمعلم يهودي من خلال عمل إنسان سامريّ “وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ…” (لوقا 10: 33-35).
– شفاء السامري الأبرص
ثم في لوقا 17 يمدح الرّبّ السامري الذي شُفِيَ من بَرَصه، فمع أن اليهود اعتبروه غريب الجنس، إلا أنه كان الوحيد من بين عشرة البُرص الذي رجع شاكرًا للرّبّ لأجل الشفاء وساجدًا معترفًا بفضل عمله عليه “فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا” (لوقا 17: 15-16).
– المرأة السامرية
المرأة السامرية
المرأة السامرية
ثم يخصص الرّبّ يسوع لقاء مع المرأة السامرية التي أتعبتها خطاياها، فيقول الكتاب “وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ” (يوحنا 4: 4)، فليست الطريق هي التي اضطرته إذ كان بإمكانه اتباع طريق أخرى، إنما هذه النفس هي التي استوقفته إذ رآها بروح لاهوته فطلب خيرها وخلاصنا بالبحث عنها ومقابلتها بناسوته ״فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ״. (يوحنا 4: 9)، وبعد حوارها مع يسوع عرفت أنه هو بذاته ماء الحياة وربّها، فصارت أول مُبشّرة سامرية، فحملت البشارة لك أهل القرية السامريين واتت بهم للمسيح “فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ” (يوحنا 4: 39-41). ونجد أن اليهود حين واجههم ووبخ سطحية بل عدم إيمانهم، وتحداهم بنقاوته وطهره وبرّه، قاموا بشتمه واهانته، وقد لقبوه سامريًا كوصف يعبّر عن كبريائهم واحتقارهم للسامريين “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ». فَأَجَاب الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنَا لَيْسَ بِي شَيْطَانٌ، لكِنِّي أُكْرِمُ أَبِي وَأَنْتُمْ تُهِينُونَنِي. أَنَا لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُ وَيَدِينُ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 8: 42-51). لقد نقض الرّبّ شتمهم واتهامهم له بـ “شيطان” لعجز موقفهم، وفي المُقابل لم يعلّق على شتمهم له بـ “سامري”، وذلك لأن الجميع يعرفون أصله اليهوديّ كما أنه لم يعتبر كلمة سامريّ بالنسبة له “شتيمة” وإن اعتاد اليهود استخدامها لتحقير الأخرين، إذ أحبّ الجميع. وبعد صعود الرّبّ تابع الرسل والتلاميذ تبشير السامريين، فنجد الشماس فيليبس يبشر أهل السامرة “فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيح” (أعمال 8: 5)، ثم يهتم الرسّل بإرسال بطرس ويوحنا للسامرة ليبشرا قرى كثيرة للسامريين “ثُمَّ إِنَّهُمَا بَعْدَ مَا شَهِدَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ” (أعمال 8: 25). تؤكد هذه الآيات الكتابية محبة الرّبّ يسوع المسيح للجميع، وأن البشارة السارة ليست حصرًا على مجموعة ما، وأن الرّبّ لا يُميز بين الشعوب والنفوس، أنما جاء لخلاص كل من يؤمن به “لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، والى معرفة الحق يقبلون. لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الانسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع…” (1 تيموثاوس 2: 3- 7).

تقاليد وعادات عيد الفصح في امسها البعيد…

$
0
0

تقاليد وعادات عيد الفصح في امسها البعيد…

كان يوم ولاكعك  لم تكن فيه بهجة العيد، بل حنين الى العيد. وكان يوم لم يكن فيه بيض مسلوق ولامعمول ولاكعك ولا اشكال من الشوكولا والسكر توزع على الاطفال.

فزلكة…

في العالم الفارسي القديم كانت آلهة النور تصارع قوى الظلام. في مغاور الشرق القديم وفي كهوفه حيث كان الهاربون المضطهدون يحلمون بالحرية في العالم الروماني المترامي الاطراف حيث كان الأرقاء والبائسون يحنون الى الخلاص، في العالم العبري البعيد في التاريخ ، كيف كان الناس يقيمون الوليمة الفصحية . وليمة العبور من عبودية فرعون هناك في ذاك الامس البعيد كانت نواة العيد في تقاليده. من تلك العوالم القديمة. انسابت مجار عكرة تجمعت في المسيحية الى جدول ماء هادىء بهج هو.. العيد…

– الكعك والمعمول

ان العشاء الذي كان يسبق فصح اليهود كان عادة مؤلفاً من مزيج يدعى “الشاروشيت” وهو عجينة من التفاح والبلح والرمان والجوز ترمز الى الِلبْنِ الذي كان بنو اسرائيل يصنعون منه حجارة بناء في ارض مصر اذ كانوا بعد تحت عبودية فرعون. ثم هنالك أيضاً طبق من الأعشاب  البرية على شيء من المرارة كالهندباء، مسلوقة وممزوجة بخل. وهذه ترمز الى مرارة العبودية، تؤكل بخبز الفطير بعد أن تُغمس بالشاروشيت. هذه هي هي اللقمة التي غمسها يسوع وأعطاها ليهوذا (يوحنا 266:3)

من هنا أساس الكعك والمعمول التي نتناولها في عيد الفصح.

البيض الملون
البيض الملون

الفصح عيد مصالحة وفرح: وهذا الكعك الذي اشرنا اليه بالشاروشيت كان يقدم ويؤكل رمزاً للمصالحة أيام ” الفرح في اسرائيل” ( انظر في ذلك صموئيل الأول 18:65 وأخبار الأيام الأول 40:12).  

ويذكر سفر صموئيل قصة رجل مصري صادفه الملك داود في الحقل اذ كانوا في احدى حروبهم في جنوبي يهوذا. ويقول لنا النص الكتابي أن الرجال” أخذوه الى داود وأعطوه خبزاً فأكل وسقوه ماء وأعطوه قرصاً من الشيروشيت وعنقودين من الزبيب فأكل ورجعت روحه اليه لأنه لم يأكل خبزاً ولا شرب ماء في ثلاثة أيام وثلاث ليال”. (صموئيل الأول 30-13:12).الكعك  يصنع على شكل التاج: والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيدله المجد، ويرمز النقش على الكعك والمعمول الى الشوك…

المعمول
المعمول

المعمول وهو يرمز إلى الإسفنجة التي سقوا بواسطتها المسيح المصلوب على الصليب ماء ممزوجا بالخل. (وهناك من يقول بأنه يرمز إلى الصخرة التي وضع عليها الصليب).

وقبيل القرن الثلث المسيحي نجد الكعك والمعمول شائعين في الأوساط المسيحية ختماً لفترة الصوم التي كانت تسبق عيد الفصح. لعل في هذا صدى لما ورد في سفر صموئيل. ولابد أن هذه الحلوى اكتسبت شكلها النهائي والذي نعرفه اليوم آنذاك، ونحن حتى اليوم نستخدم في صنعها التمر(العجوة) والجوز والسميد والسمن ونخبزها خبز فطير من دون ان نستخدم الخميرة فيها، ونضيف اليها ماء الزهر وماء الورد رمزاً الى الطيوب التي اتت بها النساء فجر القيامة ليطيبن جسد المخلص فيه.

– البيض المسلوق والحلويات

أما البيض المسلوق والملون فمن اين أتينا به؟  البيض المسلوق الملوّن وهو يرمز إلى القيامة… والأصل ان يكون باللون الأحمر فقط وقصة ذلك كمايلي

يذكر التقليد أن القديسة مريم المجدلية ذهبت إلى  طيباريوس قيصر في روما احتجاجا على صلب المسيح، وقامت بشرح قصة محاكمة المسيح وصلبه وقيامته، إلا أن القيصر لم يصدقها و طلب برهاناً قائلاً: لو تحول لون البيض إلى أحمر سأصدق أن المسيح قام من الأموات، عندها أمسكت مريم بيضة وقالت: المسيح قام، فتحول لون البيض إلى أحمر. ليصبح هذا التقليد بصبغ البيض على الفصح تأكيداً على قيامة المسيح. لم يكن اختيار هذا الرمز عبثياً لما تحمله البيضة من رموز بعث الحياة والولادة.

نماذج بيض  الفصح الملون في العالم الارثوذكسي عموما وروسيا خصوصا
نماذج بيض الفصح الملون في العالم الارثوذكسي عموما وروسيا خصوصا

 

كما أن الفصح يأتي بعدالصوم الكبير في المسيحية، وبما أن الدجاج يتابع وضع البيض أثناء الصيام، كان من الواجب أن يتمّ حفظ ذلك البيض لأطول مدّة ممكنة، عن طريق سَلقه ثم تلوينه وتبادله وقت العيد.

يعرف عيد الفصح في التراث الشعبي في بلادنا بـ “عيد فقاس البيض”- كلمة “فقاس” معناها التفقيس أي خروج الصوص من البيضة.

من هنا، هذا العيد في التراث والتقاليد الشعبية، هو عيد خروج الصيصان من البيض. ترمز البيضة إلى القبر (هناك من يرى وجود شبه بين قبر السيد له المجد والبيضة التي تكون جمادا بلا حياة ويخرج منها الفرخ). وتكسير البيضة يرمز إلى قيامة الرب يسوع له المجد من القبر.

لا تعتبر عادة صبغ البيض و إهدائه في عيد الفصح من التقاليد المسيحية فقط، بل هي عادة موغلة في القدم و ربما يرجع تاريخها إلى الفينيقيين الذين كانوا يعبدون الخالق الذي كانت البيضة رمزا له، إذ كانوا يعتقدون أن الليل هو أول الكائنات و قد تمخض مرة فولد بيضة ومن هذه البيضة انبثقت سائر الكائنات. وساد هذا الاعتقاد كثيراً بين الأمم والشعوب القديمة.

نجد هذه العادة منتشرة في العالم الروماني القديم اذ كان الناس يتبادلون البيض المسلوق والملون في عيد كان يدعى باسبوع الزحليات.

المعمول بالجوز والفستق الحلبي...
المعمول بالجوز والفستق الحلبي…

كانت الزحليات أعياداً متتالية تقام احتفاء بذكرى العصر الذهبي لحكم الاله زحل على الأرض. وكان زحل اله الزمن. وكان اله الزرع والخصب يحتفل الفلاح بعيده عند الانتهاء من اعماله الزراعية في الخريف والربيع. والبيض عند عدد من الشعوب القديمة وفي رأس السنة السورية كان يرمز الى اله الخصب. وأما اتباع مترا في الاديان الفارسية القديمة الذي نقلته جحافل جيوش روما معها من الشرق، فكانوا يقولون بأن الكرة الأرضية ولدت من بيضة كبيرة أخصبتها حرارة نور الاله مترا وهو اله النور والحق والعدل.

ولم يكن اسبوع الزحليات عيداً واحداً بل كان اعياداً متتالية. وقبيل آخر الأسبوع ، كان الرومان يحتفون  بيوم أصبح يعرف فيما بعد بعيد الدمى أو سيجلاريا “، وهي لفظة لاتينية معناها “الختم” (ومنها اللفظة العربية سجل) ، ثم أصبحوا يطلقونها على الدمى الخزفية التي كانوا يطبعون عليها مختلف الهيئات واللوان. وكان صناع الدمى يقيمون معرضاً يبيعون فيه الدمى هدايا للأولاد.

يقول لنا بعض علماء الاجتماع أن هذه الدمى بديل عن الذبائح البشرية في الديانات القديمة. ولكن قبيل نشوء المسيحية أصبحت هذه الدمى رمز المحبة والإخاء والمصالحة، وابدلت المادة الخزفية التي كانت تصنع منها بالسكر فأصبحت قطعاً من الحلوى تباع للأولاد.

 وأما المسيحيون الأوائل فكانوا ينظرون إلى بيضة عيد الفصح كرمز لقيامة المسيح حيا ًمن القبر كما يخرج كائن حي من البيضة المغلقة. و قد أخذ المسيحيون يحملون معهم البيض إلى الكنائس ليباركها الكهنة ثم يوزعونها على أفراد أسرتهم. ولا تزال عادة مباركة البيض هذه قائمة في بعض الكنائس الشرقية حتى الآن و كذلك تبادل المعايدة و التهنئة بمناسبة عيد الفصح و إعداد البيض و نقش البيض المسلوق عادة لا تزال متبعة فى جميع البلاد المسيحية تقريبا. ففي بلجيكا على سبيل المثال يفقسون البيض أثناء معايدة بعضهم البعض صباح يوم السبت المقدس الذي يعرف بسبت النور.وفي قرى الالزاس و اللورين في فرنسا ما زالت عادة إهداء الخبز و الحليب و البيض المسلوق متبعة في عيد الفصح. وقد جرت العادة على أن يخفي الأهل عن أولادهم هذه الهدايا صباح يوم العيد ثم يقولون لهم بلهجة جدية “الأرنب جاء ليلاً و سرقها فما عليكم سوى اكتشافها.”

البيض رمز الفصح
البيض رمز الفصح

 أما في روسيا فكان عيد الفصح يعد في عهد القياصرة عيداً وطنياً، فكنت ترى الناس يحملون البيض في الشوارع و يحيون بعضهم بعضاً قائلين (المسيح قام) فيجاب عليهم بعبارة (حقاً قام). وهذا تقليد لا يزال يتبع في سورية ولبنان والمشرق العربي.

وفي بولونيا هناك عادة عجيبة تقضي بأن يقدموا لكل غريب يدخل منازلهم بيضة مسلوقة شريطة أن يقوموا بأكل نصفها وإعطاء النصف الآخر للضيف في إشارة إلى توثيق العلاقة الأخوية بينهم وبين ضيفهم!

وفي الولايات المتحدة، فإن الناس على اختلاف أجناسهم يعايدون بعضهم بعضاً بفقس البيض.

أما البيضة المصنوعة من الشوكولاته التي نراها اليوم فقد بدأ الغربيون باستعمالها في فجر القرن التاسع عشر. وفي أماكن كثيرة من فرنسا تقوم جوقة من الشباب المغنين والمغنيات حاملة الآلات الموسيقية المختلفة بجولات إلى المنازل والقرى ليلة عيد الفصح وينشدون أناشيد الآلام ويمن الشعب على مثل هذه الجوقات ببعض الهدايا على سبيل المعايدة.

موقف الكنيسة الرسمي

موقف الكنيسة الرسمي من هذه العادات الوثنية لم يكن موقف تذبذب أو اقتباس كما خيل لبعض أبنائها ولجميع خصومها. لدينا من الأدلة التاريخية مايثبت نقيضه. فانها حرصت أن يكون هناك تباين ظاهر واختلاف واضح بين أعيادها وأعياد الوثنيين. 

في رسائل بولس مثلاً نقرأ  مرة تلو الأخرى:”انتم تعلمون أنكم كنتم أمماً منقادين الى الاوثان اليكم…أية موافقة لهيكل الله مع الأوثان … رجعتم الى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي”(كورنثوس الأولى 2:12، والثانية 16:6، وتسالونيكي الأولى 9:1).

معمول بالتمر
معمول بالتمر

كلمة ختام

كان لا بد للمسيحية في بعدها التاريخي الاجتماعي من تماس واليهودية والوثنية. والعادات الاجتماعية عوالم انسانية لم تلغِها المسيحية بل عمدتها ونقتها (جعلتها نقية).

هاجس المسيحية الأساس كان أن تغلف كل شيءٍ بالمسيح فيصبح به كل شيء جديداً.

كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس  ودير مار الياس بطينا في بيروت

$
0
0

 

كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس  ودير مار الياس بطينا في بيروت

كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس

مقدمة

كنيسة جميلة جدا ولم تصر بهذا الجمال الا بعد مرور تاريخ طويل من التعب والالم و…

كاتدرائية (الكاتدرائية هي كنيسة مطران الابرشية)  القديس جاورجيوس، ليست  مجرد معلم سياحي جميل مستجد يقع في وسط بيروت وقلبها النابض بالحياة، بل هي متجذرة هناك منذ مئات السنين وربما اكثر وتؤرخ وتوثق للحضور الارثوذكسي في بيروت، والتاريخ المدني والكنسي والوجدان البيروتي يشهدون لها. ولا يخفى أن بعض المؤرخين يعيدون وجودها إلى القرن الثاني المسيحي حين شيد أول بناء تحت الكنيسة الحالية المبنية على أنقاض ثلاث كنائس متعاقبة كما اثبتت الحفريات في الموقع الأهم  وكان هوموقع مدرسة بيروت الحقوقية التي عدت من  اول معالم الحضارة في الامبراطورية الرومانية التي اشتهرت بيروت بوجودها وتغنت وقدمت لهذه الامبراطورية الرومانية التي شملت كل جغرافية البحر المتوسط  خيرة فقهاء القانون…

كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية 

من أجمل وأقدم كنائس بيروت للروم الأرثوذكس ان لم تكن أقدمها ومن اهم المعالم المسيحية عامة في بيروت وكل لبنان. يرجح تشييدها على أنقاض كنيسة القيامة (القرون الأولى) قرب مدرسة الحقوق الرومانية الشهيرة. بناء الكنيسة الحالي يعود الى القرن السابع عشر (لوجود وثيقة عثمانية فيها مؤرخة سنة 1080ه) كما ندرجها ادناه، وكانت آنذاك كنيسة متواضعة هي الوحيدة في المدينة. 

موقعها…

كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثودكس في بيروت من الداخل
كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثودكس في بيروت من الداخل

تقع في رأس بيروت بين شارع المكحول وشارع بلس (مقابل الجامعة الأميركية) بالقرب من ساحة النجمة في العاصمة  اللبنانية بيروت. وهذه الكنيسة بُنيت على أنقاض كنيسة أنستسي الرومانية القديمة. بناها عام 1860ارثوذكس بيروت على عهد مطرانها اليوناني ايروثيوس.

حالياً في حرمها مدرسة من خمسة طوابق تسهر على تعليم 1300 طالب وطالبة من جميع الطوائف، ومعها بناية من طابقين. وفي الحرم أيضا ً مدافن يرجع تاريخها الى زمن بناء الكنيسة.
هي كاتدرائية  ابرشية بيروت ومطرانها في بيروت وبلدة سوق الغرب التابعة لها. وهي أقدم كنيسة موجودة بالمدينة، 

تاريخها

بنيت هذه الكنيسة على أنقاض كنيسة “أنستسي” بقرار من الإمبراطور الرومي ثيوذوسيوس الثاني، ونفذ العمل أسقف بيروت أستاثيوس سنة 450مسيحية، وكانت قد بنيت بالقرب من مدرسة الحقوق والتي أسسها جوستنيان الاول. دمرت بواسطة زلزال سنة 551 مسيحية…

أعيد بناؤها خلال القرن الثاني عشر.  وفي سنة 1759 دمرت بزلزال  مدمر آخر ضرب سورية كلها تدمرت فيه الكاتدرائية المريمية بدمشق، وجانب من الجامع الاموي ومئذنة عيسى…واوابد اخرى في انطاكية واللاذقية…

أعيد بناؤها من جديد بمذبح واحد مخصص للقديس جاورجيوس، لكنها انهارت بعد 3 سنوات.  ثم أعيد بناؤها على شكلها الحالي سنة 1772 وأصبحت بثلاثة مذابح مقدسة كما سنرى ادناه.

عرفت هذه الكنيسة  في القرون الماضية ب”دير مار جرجس” وقد ضمت مايلي

مقر متروبوليت بيروت “قلاية مطران بيروت”، قلايات الاكليروس والرهبان، مركز المجلس الملي، مدرسة، مكتبة، مستشفى، مطبعة (كانت أول مطبعة عربية في بيروت).

 جرى توسيع الكنيسة على مراحل

سنة 1715على عهد المتروبوليت نيوفيطوس جرى توسيعها وتجديدها بطريقة شبه عشوائية. وحين تضررت الكنيسة سنة 1759 بالهزة الارضية، تم جمع الأموال لتوسيعها وترميمها فامتدت الأشغال من 1764 الى 1767، وفي السنة نفسها سقط سقف الكاتدرائية أثناء القداس على رؤوس المؤمنين فتوفي تسعون رجلا ً. وأعيد ترميمها سنة 1772 على عهد  المتروبوليت يواكيم وضمت ثلاثة هياكل: في الوسط هيكل القديس جاورجيوس، ويمينا ً هيكل القديس نيقولاوس، ويسارا ً هيكل مار الياس. وزينت بأيقونسطاس من خشب الجوز المغشى بالذهب (1783) وجمل بأيقونات تعود غالبيتها الى القرن الثامن عشر. عام 1904 جرى توسيعها مجددا ًفي عهد المتروبوليت جراسيموس مسرة وزينت بجداريات غطت جدرانها وسقفها، وتم تصوين ساحتها وحرمها.

الكارثة الكبرى

كانت الكارثة الكبرى التي ضربت هذه الكاتدرائية في الحرب الاهلية في لبنان (1975-1990) تضررت الكاتدرائية وسرقت معظم أيقوناتها وأوانيها وحُرق جزء من الأيقونسطاس والباقي سرق، وتهشمت الجداريات، وما تبقى منها ساءت حالته بأحوال الطقس لأن سقفها تضرر.

التجديد والترميم الأخير

في 16/10/ 1995 أعلن راعي ابرشية بيروت وتوابعها الحالي سيادة المتروبوليت الياس عوده عزمه على ترميم  هذه الكاتدرائية فبوشرت الأعمال بازالة الركام وتدعيم السقف واجراء الحفريات الأثرية ودراسة وضع المبنى. وأدت الحفريات الأثرية الى اكتشاف آثار ثلاث كنائس، أقدمها كنيسة القيامة (على الأرجح) وكانت تعود الى سنة 551 مسيحية وقد تهدمت بالهزة الأرضية التي دمرت مدينة بيروت، وقد عُمِرَتْ فوقها  كنيسة تعود الى القرن الوسطى بقيت آثارها، وفوقها آثار كنيسة من القرن الثامن عشر، اضافة الى اكتشاف مقبرة وقطع موزاييك وأوان كنسية مختلفة. والعمل جار على تحويل الحفريات الى متحف جوفي.

وتوزعت أعمال الترميم على الشكل التالي

1- الأيقونسطاس: تم العثور على أجزاء منه فجرى ترميمها وأعيدت صناعة الأقسام المسروقة منه وضم القديم الى الجديد.

2- الأرضية: أصلحت وزينت بالموزاييك، واحدى قطع الموزاييك نسخة عما وجد تحت الكاتدرائية. 3

3- الجداريات: رمم فريق روسي ما كان صالحا ً منها ونزع عن الحائط ما كان مشوها وألصقه على قماش ووضع في صالون الكنيسة. ويعمل حاليا ً فريق من الرسامين اليونانيين على رسم ما تبقى من جداريات.

الحجج الشرعية(1)

وبين أوراق شيخ كنيسة بيروت المرحوم السيد فريد فتح الله عرمان مرسوم صادر عن محمد باشا والي ايالة صيدا في الرابع والعشرين من ربيع الول سنة 1184هجرية ( 17 تموز 1770) هذا نصه:

” صدر المرسوم المطاع الواجب القبول والاتباع لقدرة النواب المشترعين نايب مدينة بيروت وقدوة العلماء المدرسين نعني أفندي زيد علمهما يحيطون علماً أنه وصل لطرفنا عرضحالكم وصار معلومنا ما أعرضتوه لدينا بخصوص كنيسة طايفة النصاره الروم الذميون القاطنين في بلدتكم أنه من مدة ثلاثة سنوات تسقط بناها وانهدم منها جانب وانها كنيسة قديمة وان الطايفة المذكورة لا يمكنهم الاقامة بدون ترميم كنيستهم واصلاحها وانهم تحت الجزية ومنتفعة منهم الاقلام الميرية.

فبناء على ذلك اصدرنا لكم بيدهم هذا البيورلدي واذناهم ان يباشروا ترميم كنيستهم ويصلحوا بناها كما كانت اولا. المراد حال وقوفكم على مضمونه تعرفوا ان طايفة النصارى المذكورين مأذونين من طرفنابذلك فلا يعارضهم معارض ولاينازعهم منازع بوجه من الوجوه. فاعتمدوا على بيورلدينا هذا واعملوا بموجبه والحذر من الخلاف في 24 ربيع الاول سنة 1184ه”.

والاشارة هنا هي الى تجديد بناء الكاتدرائية في عهد الطيب الذكر يوانيكيوس متروبوليت بيروت وتوابعها فانه عندما الروم الكاثوليكيون في بناء كنيسة مار الياس والامطوش التابع لها رغب الارثوذكسيون في اعادة بناء الكاتدرائية لأنها كانت “قديمة وضيقة” فلم يوافقهم يوانيكيوس على ذلك. فلما أنفذه المثلث الرحمات البطريرك سلبسترس بالميرون الى قبرص في السنة 1764. ولما بدأوا بتركيب الايكونسطاس والأمبون وجاء الاحد الثاني من الصوم الكبير وبدأ المتروبوليت بالقداس في هيكل السيدة سقطت قبة الكنيسة فقتل من الشعب سبعاً وثمانين شخصاًفكان لابد من اعادة العمل ومن هنا هذا المرسوم المؤرخ في السنة 1770.

دير النبي الياس بطينا 

بطاقة لدير مار الياس بطينا تعود الى عام 1920
بطاقة لدير مار الياس بطينا تعود الى عام 1920

يعود تاريخ بنائه الى ما قبل القرن التاسع عشر.

يقع في محلة اليونسكو في بيروت وتشغل مبانيه حاليا ً مدرسة مار الياس بطينا الثانوية للروم الأرثوذكس.

كنيسته

 كانت  كنيسته مزارا ً داخل مغارة محفورة في الصخر، في سقفها فتحات لتهويتها، ومذابح الكنيسة الحالية في التجاويف الصخرية. تم توسيع هذا المقام من مزار الى الكنيسة الكبيرة الحالية، والقسم القديم المحفور في الصخر هيكل الكنيسة الحالية.

أيقونسطاس كنيسة النبي الياس خشبي، جميل الزخارف، روسي الصنع، تزينه أيقونات روسية قديمة. وفي الكنيسة أيقونة قديمة عجائبية للنبي الياس، يقصدها الزوار من كافة الطوائف الى الكنيسة للتبرك وطلب شفاعة النبي الياس الذي سميت المنطقة المحيطة بالكنيسة على اسمه، وأهلها يذكرون العديد من عجائبه.

وفي خزانة (2)شيخ كنيسة بيروت الطيب الذكر فريد عرمان بياناً صادراً عن السيداحمد افندي العز نايب بيروت ومفتيها في الرابع من ربيع الثاني سنة 1244 هجرية(15 تشرين الاول 1828) هذانصه:

واجهة دير مار الياس بطينا
واجهة دير مار الياس بطينا

” الحمد لله تعالى. سبب تحريره هو انه حضر كل من السيد سليم  الرحمن ابن السيد عبد القادر النحاس والسيد علي ابن السيد ابراهيم المناصفي وعلي بن مصطفى فخر الدين العانوتي ويحي ابن الشيخ…وسعيد بن محمد سراج وعمر بن علي ابن الحاج ابراهيم الغول وحسين بن عبد الله البعلبكي عبد الساتر واخبروا وقرروا جمعا وفرادى غب الاستخبار الشرعي ان الكنيسة المعروفة بكنيسة مار الياس بطينا الكاينة في ارض وطا بطينا الشهيرة خارج مدينة بيروت المحروسة هي مختصة بطايفة الروم وواضعون ايديهم عليها مدة مديدة لايعلم اولها وانهم كذلك كانوا يسمعون من آبائهم واجدادهم ان الكنيسة المذكورة مختصة بالطائفة المذكورة وواضعون ايديهم عليها من قديم الزمان الى الآن ولا يعرفونها الا كذلك من غير منازع للطائفة المذكورة في الكنيسة المذكورة من احد طوائف النصارى غير الطائفة المرقومة وان كلا منهم يشهد بذلك اذا استشهد شرعا اخباراً وتقريراً واستخباراً صحيحات شرعيات صادرات بطواعية ورضى واختيار من غير اكراه ولا اجبار. والتمس مني هذا الرقيم الشرعي ليكون اعلاماً ناطق بذلك فسطرته حسب اخيارهم غب الطلب والسؤال تحريرا في اليوم الرابع من شهر ربيع الثاني سنة اربع واربعين ومايتين والف. نمقه الفقير اليه سبحانه وتعالى السيد احمد العز نايب ومفتي مدينة بيروت عفي عنه”

والداعي لهذا البيان كان فيما يظهر قول الموارنة بأن لهم في الدير حصة.

ومما يؤيد هذا القول مانقل عن السلف بأن الروم ابتاعوا للموارنة الأرض التي نشأت عليها فيما بعد كنيسة مار الياس رأس بيروت والله اعلم.”

حواشي البحث

(1)الدكتور اسد رستم مؤرخ الكرسي الانطاكي مجلة النور/ العددان 7 و8 1960

(2) المصدر ذاته

عيد الصعود الإلهي 

$
0
0

عيد الصعود الإلهي 
توطئة
تعيد الكنيسة يوم الخميس الواقع بين أحد الأعمى وأحد الآباء لعيد الصعود الإلهي ويذكره القديس لوقا الإنجيلي في الإصحاح الأخير من إنجيله وفي بداية كتابه أعمال الرسل (لو44:24-53) و (أع1:1-14)، مشكّلاً الحدث الأخير لحياة المسيح على الأرض والظهور الأخير للسيد القائم من بين الأموات، وبه تنتهي مسيرة المسيح الجسدية على الأرض، وتبدأ بعدها مسيرة أخرى للتلاميذ متابعين ما بدأه السيد لتأسيس الكنيسة، وكأنه حلقة الوصل بين عمل السيد الخلاصي وبين بشارة التلاميذ للعالم. فبعد أن عشنا ولمدة أربعين يوما مع التلاميذ، بعد قيامة السيد، نمجد قيامته الخلاصية ببهجة وفرح نوجّه الآن معهم أنظارنا نحو جبل الزيتون (أع12:1) مودّعين وساجدين للمسيح الصاعد إلى السموات.
الصعود الالهي وتأسيس الكنيسة
يسبق الصعود عيد استعلان الرب لكنيسته في العنصرة التالية لما ارسل لتلاميذه المعزي محققاً وعده بأنه لن يتركهم يتامى.
يرافق حدث الصعود أجواء الفرح والتمجيد للانتصار الذي تم. فالمسيح أنهى عمله الخلاصي منتصراً على الموت وهو يصعد من الأرض إلى السماء كمنتصر وغالب، أما التلاميذ فيمجّدون المخلّص المنتصر والآب يستقبله مع الملائكة.
هذه الأجواء الفرحة لصعود السيد المجيدة تعبّر عنها القطعة الأولى لصلاة الغروب من خدمة هذا العيد
“إن الرب قد صعد إلى السموات لكيما يرسل المعزّي إلى العالم. (وهذا ماتم يوم العنصرة)
فالسموات هيّأت عرشه والغمام هيّأ ركوبه.
الملائكة يتعجبون إذ يلاحظون إنساناً أعلى منهم. الآب يقتبل في أحضانه من كان معه أزلياً.
الروح القدس يأمر جميع ملائكته ارفعوا يا رؤساء أبوابكم.
فياجميع الأمم صفقوا بالايادي لأن المسيح صعد إلى حيث كان أولاً”
فرح هذا العيد ليس فقط لتمجيد السيد الصاعد بل أيضاً لتحقق خلاص البشرية، لأن المسيح صعد إلى السماء حاملاً الطبيعة البشرية وأجلسها عن يمين مجد الآب. وهكذا وكما بقيامته من بين الأموات أصبح بكر القائمين أيضاً بصعوده أصبح بجسده بكر الطبيعة البشرية التي جلست عن يمين الآب.
وتعبّر ذكصا أبوستيخن صلاة الغروب عن انتصار الطبيعة البشرية بصعود السيد
“صعد الله بتهليلٍ الرب بصوت البوق
ليرفع صورة آدم الساقطة
ويبعث الروح المعزي ليقدّس نفوسنا”
هذا الفرح لصعود المسيح يقترن مع الحزن لفراقه، ويصف كاتب التسابيح، في القطعة الرابعة في صلاة الغروب، حزن التلاميذ عند مشاهدتهم السيد صاعداً إلى السماء:
“أيها المسيح الواهب الحياة إن الرسل لمّا عاينوك متعالياً في السحاب
فامتلأوا عبوسةً وناحوا بعبراتٍ ونحيبً قائلين:
أيها السيد لا تغادرنا يتامى نحن عبيدك الذين احببتنا برآفتك بما أنك المتحنن
لكن أرسل لنا روحك الكلي قدسه كما وعدت لينير نفوسنا”
فرح لإمكانية نيل الخلاص وحزن لفراق السيد، لكن كلّها برجاء أن السيد لن يتركنا يتامى بل سيرسل لنا الروح القدس المعزي الذي سيبقى معنا دائماًً، فسيتبع صعود السيد إلى السماء انحدار روحه القدوس إلى العالم وهذا ما تعبّر عنه القطعة الأولى من الليتين
“يارب لقد صعدت إلى السموات من حيث انحدرت
فلا تتركنا يتامى لكن فليأت روحك حامل سلامه للعالم
وأعلن لبني الناس أفعال قدرتك أيها الرب المحب البشر“
عيد الصعود
هو سر كبير تعيشه الكنيسة ليس فقط في يوم الاحتفال بالعيد بل بكل لحظة يتوجه فيه المؤمن في صلاته نحو المخلص الذي صعد إلى السماء وجلس عن يمين عرش مجد الآب، كما شاهده القديس استفانوس يوم استشهاده: “وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ” (أع55:7-56).
المؤمن الذي يعيش في الكنيسة يشعر بيد الله تباركه ويسمع كلامه عن إرسال الروح القدس بأنه سيأتي ليبقى معنا دوماً، فيتأكد الإنسان عندها أنه ليس وحيداً فيتقوّى ويجابه الخطيئة بنعمة الروح القدس، هو يعيش على الأرض ولكن فكره يجب أن يكون موجّه دوماً نحو السماء وليس فكره فقط بل ونظره وهذا ما يدعونا إليه بولس الرسول: “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ” (كو1:3-3).
لكن الشرط الأساسي لكي نراه هو أن نقوم معه، فالذين يعرفون القيامة ويعيشونها في حياتهم سيعرفون كيف صعد المسيح وأين جلس، والشرط الآخر لكي نقوم معه هو أن نمتلئ من نعمة الروح القدس كما حدث مع القديس استفانوس يوم استشهاده. فهل نحن ممتلئون من الروح القدس لنعيش هذا العيد حقيقة أم بعد نحن غرباء نريد كل شيء إلا الذي يربطنا بالسماء لأنه مُتعب وصعب. لكن مع ذلك أرسل الآبُ الروحَ القدس الذي ينتظر المجاهدين الظافرين لكي يسكن فيهم ويقدّسهم فيكونوا من أهل القيامة يرون ويسبّحون ويمجّدون الساكن في السماء عن يمين الآب.
خاتمة
لنصعد انفسنا مع السيد له المجد في صعوده كما فعل التلاميذ بحزنهم للفراق وفرحهم لأن السيد لن يتركهم كماسبق ووعدهم ونحن معهم…
المسيح صعد الى السماء… حقاً صعد…

 

هل اخرج المسيح الجميع من الجحيم ؟

$
0
0

هل اخرج المسيح الجميع من الجحيم؟

على الإيقونات البيزنطية والروسية القديمة لقيامة المسيح لا نجد أبداً تصويراً للحظة القيامة بالذات. ما نراه هو نزول المسيح إلى الجحيم أو بالأحرى إخراج آدم وحواء وغيرهما من شخصيات الكتاب المقدس منه. وتحت قدميْ المخلّص هاوية الجحيم السوداء على خلفيتها أقفال ومفاتيح وحطام الأبواب التي كانت واقفة في وجه الأموات في طريقهم إلى الفردوس.

إن هذا النمط من رسم الإيقونة هو الذي يعتبر قانونياً لأنه يعكس التعليم التقليدي حول نزول المسيح إلى الجحيم وانتصاره على الموت وإقامته الأموات وإخراجهم من الجحيم الذي كانوا محبوسين فيه قبل قيامته. إلا أنه في القرون الأخيرة كثيراً ما التجأ الرسّامون عند إبداعهم صورة القيامة إلى صور أخرى مقتبسة من التقليد الغربي وهي صورة المسيح القائم الخارج من القبر ماسكاً في يده راية النصر. ولكن هذه الصورة لا تعتبر تقليدية بالنسبة للأرثوذكسية.

ايقونة القيامة
ايقونة القيامة

إنّ كل صورة من صور الإيقونات الأرثوذكسية ترجع إلى نقطة معيّنة تتعلق بالقدّاس. فليس ثمة إيقونات أو رسوم جدارية لا ترتبط قصّتها بأحد أيام التقويم الكنسي بشكل أو بآخر. وأما إيقونة النزول إلى الحجيم فتتعلق بيوميْ سبت النور والفصح اللذين يتمّ ذكرهما في القداس. ويعتمد التعليم عن النزول إلى الجحيم على عدّة نصوص من الكتاب المقدس أوّلها رسالة بطرس الرسول: ” فإنّ المسيح أيضاً تألم مرّة واحدة من أجل الخطايا، البارّ من أجل الأثمة، لكي يقرّبنا إلى الله، مماتاً في الجسد، ولكن محيى في الروح، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن” (1بط 3: 18-19). ولكن موضوع نزول المسيح إلى الجحيم الذي نجد تصويره في تقليد كتابة هذه الإيقونة تتناوله النصوص الأبوكريفية المبكرة بشيء من التفصيل.

فهناك إيقونة أخرى تصوّر المسيح وهو لا يطأ أبواب الجحيم فقط، بل الجحيم نفسه مصوراً في شكل شيخ مقيّد بالقيود والربّ واقف فوقه منتصراً. في “إنجيل نيكوديموس” وهو النص الأبوكريفي الذي وصل إلينا من القرن الخامس ولا يتناقض مع التعليم الأرثوذكسي بشكل عام، رغم أنه لم يُدرج في قانون العهد الجديد، نجد حواراً بين الشيطان والجحيم. فيحاول الجحيم مقاومة مجيء المسيح ويأمر الشياطين “بإغلاق الأبواب والأقفال الحديدية بإحكام”. ولكن يُسمع صوت يقول: “ارتفعن أيتها الأبواب”، فيسأل الجحيم إثر ذلك: “من هو ملك المجد هذا؟” فيردّ الملائكة: “الربّ القدير الجبّار، الربّ الجبار في القتال”. ففي الحال تتحطم الأبواب النحاسية وتنكسر الأقفال الحديدية وتسقط القيود من على جميع الموتى. ويقيّد ملك المجد الشيطان ويسلّمه إلى الجحيم قائلاً: “امسكه بإحكام حتى مجيئي الثاني”. وعند قبول الشيطان يقول الجحيم له: “انظر، لم يعد لديّ ولا ميت واحد”. وفيما بعد نجد وصفاً لإخراج الموتى من الجحيم من قبل المسيح المتجسّد: “بسط ملك المجد يمينه وأمسك بها آدم وأخرجه، والتفت إلى الآخرين قائلاً: تعالوا يا جميع الذين ماتوا بسبب لمسه الخشبة، ها أنا أقيمكم ثانيةً بخشبة الصليب… فأخرج الجميع وأصبح الآباء وهم يسيرون وراءه يرتلون: مبارك الآتي باسم الرب، هلليلويا، له مجد جميع القديسين”.

المسيح قام...حقا قام
المسيح قام…حقا قام

إن “إنجيل نيكوديموس” هذا يتضمّن كل الأفكار والصور التي استعان بها الأدب المسيحي في القرون التالية لتصوير ما يسمّيه علماء اللاهوت الأوروبيون المعاصرون بـHöllensturm “اقتحام الجحيم”، لأن المسيح لم يقم بمجرّد النزول إلى هاوية الجحيم، بل اقتحمها متغلباً على مقاومة الشيطان ومحطماً الأبواب وخالعاً أقفالها كمنتصر تنهار أمامه قوى الشر.

لننتبهْ إلى عبارة واحدة من “إنجيل نيكوديموس” وهي قول الجحيم أنه “لم يعدْ لديّ ولا ميت واحد”. في إيقونة النزول إلى الجحيم كثيراً ما يُصوّر المسيح ماداً يديه إلى آدم وحواء لإخراجهما، وأحياناً نجد بجانبهما غيرهما من الناس خارجين لابسين ملابس بيضاء ذوي الهالة أو بدونها. فمن هم؟ هل حقاً خلا الجحيم حسب قول الأبوكريفا؟ هل أخرج المسيح جميع الناس الذين كانوا في الجحيم قبل قيامته؟

قد تناولت إيقونة القيامة هذه المسألة أكثر من مرة. فيصوّر الرسم الجداري المشهور في دير “خورا” في القسطنطينية (القرن الرابع عشر) موضوع نزول المسيح إلى الجحيم بشكل درامي خاصّ. في وسط الصورة نجد المسيح لابساً ملابس بيضاء وهو يمسك بيده اليمنى يد آدم وبيده اليسرى يد حواء. نرى آدم يكاد يركض نحو المسيح بينما حواء تصعد بصعوبة من أعماق الجحيم. عن يمين المسيح نجد يوحنا المعمدان وأنبياء وأبرار العهد القديم ذوي الهالة وعن يساره خطاة العهد القديم على رأسهم قايين واقفين في حيرة. هل تخصّهم كرازة المسيح أيضاً؟ هل يتبعه قايين، هل يخلص؟ وماذا عن باقي الخطاة؟ كأنّ الإيقونة تعني أنّ الحكم على مسألة الخلاص النهائي ليس بأيدينا وأنّ حكم الله غير حكم الناس.

إنّ عقيدة نزول المسيح إلى الجحيم هي جزء من التعليم الأرثوذكسي عن الخلاص، إلا أنّ تفسيره لهذه المسألة يتعلق بطريقة فهمنا لكرازة المسيح في الجحيم وعملها الخلاصي في الناس. إذا لم نأخذ في الاعتبار سوى كون الكرازة هي للأبرار المختارين للعهد القديم نكون حصرنا بذلك المعنى الخلاصي للعقيدة في إطار محدود، أمّا إذا افترضنا أن الكرازة وُجّهت إلى جميع الموجودين في الجحيم تزداد أهمّيتها ازدياداً كبيراً. يمكننا أن نوافق رأي عالم اللاهوت اليوناني “إ. كارميريس” في أنه “حسب تعليم الأغلبية الساحقة من الآباء الشرقيين كانت كرازة المسيح في الجحيم تشمل الجميع بلا استثناء وأصبحت لجميع الموتى الراقدين منذ الدهر سواء أكانوا من اليهود أو اليونانيين أو من الأبرار أو الأشرار الحرّية في اختيار خلاصهم”. ونجد نفس الفكرة عند بروفسور اللاهوت اليوناني “ن. فاسيلياذيس” حيث يقول “إن الربّ نزل إلى الجحيم طوعاً منتصراً، فكرز لجميع الأرواح المتواجدة هناك من الخطاة والأبرار واليهود والوثنيين. وكما أنّ شمس العدل أشرقت للساكنين في الأرض، هكذا أضاء نوره للمحبوسين تحت الأرض في الظلمة وظلال الموت”. وكما جاء إلى الأرض بالسلام وإلى الخطاة بالمغفرة وإلى العمي بالبصر، هكذا أتى بنفس الإعلان إلى المتواجدين في الجحيم “لكي تجثو أمامه باتضاع كل ركبة ممّن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض” (في 10:2).

أي أنّ الإله الإنسان بنزوله إلى الأرض، بل إلى تحت الأرض، فتح الطريق إلى الله الحقيقي للجميع وكرز ببشارة الخلاص ليملأ الله الكلّ وليسود الربّ على الأحياء والأموات (رو 14: 9). وبالتالي، جاءت كرازة المسيح في الجحيم كبشارة خلاص وفرح ليس للأبرار فقط، بل لغيرهم أيضاً ولم تكن مجرّد توبيخ على عدم الإيمان والحقد حسب اعتقاد توما الأكويني. إنّ رسالة بطرس الأولى التي تتناول موضوع كرازة المسيح في الجحيم تكشف لنا خطأ فهم هذه الكرازة من باب التوبيخ والإدانة.

ولكن هل استجاب جميع المتواجدين في الجحيم لدعوة المسيح فأُخرجوا منه؟ لا تزال جدالات كثيرة تدور حول هذه المسألة. فيقول أصحاب الرأي الأول إنّ المسيح لم يخرج إلا أبرار العهد القديم، بينما يعتقد أصحاب الرأي الآخر بأن كل من أراد أن يتبع المسيح بعد أن خلع أبواب الجحيم وحطم أقفاله فعل ذلك. ويرد في النصوص الليتورجية كثير من الإشارات إلى أن جميع المحبوسين في الجحيم قد نالوا الخلاص على يديْ المسيح. ولكن نظراً لأن الله لا يتدخل في حرّية إرادة البشر فقد بقي في الجحيم من لم يرغب في أن يتبع المسيح بمن فيهم إبليس والشياطين.

إذا وافقنا على رأي علماء اللاهوت الذين يعتقدون أن المسيح لم يخرج من الجحيم سوى الأبرار، فيتلخص عمل الخلاص في مجرّد تحقيق العدل لا غير. ولكن في هذه الحالة نتجاهل المعجزة التي يرتجف أمامها الملائكة وترتل لها الكنيسة في أناشيدها وننسى رحمة الله. إنه من وجهة نظر الأرثوذكسية، بخلاف المسيحية الغربية، يجوز خلاص ليس أولئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم الأرضية فحسب، بل الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة وإن لم يتأهلوا بأن يصلوا إلى الإيمان السليم. هذه الفكرة نجدها في أحد الأناشيد الذي ألـّفه القديس يوحنا الدمشقي. فحسب رأيه يمكن للذين لم ينالوا التعليم عن الإيمان الصحيح في حياتهم الأرضية أن يؤمنوا وهم في الجحيم، لأنهم بأعمالهم الصالحة وحياة التقوى والابتعاد عن الخطيئة قد أعدّوا أنفسهم للقاء المسيح. هنا يجري الحديث عن أولئك الذين قال عنهم بولس الرسول إنهم “فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس” وليس عندهم الناموس و”أظهروا عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم” (رو 2: 14-15). المقصود هو أن الذين يعيشون وفقاً لناموس الأخلاق الطبيعية دون أن يعرفوا الإيمان الحق، هناك أمل في أنهم سيتعرّفون على الله عندما يرونه وجهاً لوجه، أيْ يعرفون “الذي يتـّقونه وهم يجهلونه” (أع 23:17).

وحسب التعليم الأرثوذكسي جميع الموتى المؤمنين وغير المؤمنين على حدّ سواء سوف يتمثلون أمام الله. وبالتالي هناك أمل في أنّ حتى الذين لم يؤمنوا في حياتهم على الأرض سيعترفون بأنّ الرب هو مخلـّصهم وفاديهم، بشرط إذا كانوا قد ساروا في حياتهم الأرضية نحو هذا الاعتراف مفتـّشين عن الله الحقيقي.

إذاً، لا نعرف إذا كان الجميع قد تبعوا المسيح حين اقتحم أبواب الجحبم أولاً، كما يصعب علينا الافتراض بأن الجميع سيتبعونه في ملكوته بعد يوم الدين. ولكن ما نعرفه بالضبط هو أنه منذ لحظة نزول المسيح إلى الجحيم أصبح الطريق إلى القيامة مفتوحاً لكل مخلوق والخلاص موهوباً لكل إنسان وأبواب الفردوس مفتوحة لكل الراغبين في دخوله. وهذا هو سرّ السبت العظيم الذي تشكف الليتورجيا الأرثوذكسية لنا جزءاً منه، وهذا هو التفسير اللاهوتي لإيقونة القيامة.

المطران إيلاريون (ألفييف)، رئيس قسم العلاقات الكنسية الخارجية لبطريركية موسكو

عن “التراث السلافي الاورثوذكسي”

ايماننا الأرثوذكسي القويم

سبت الاموات ودلالات القمح المسلوق

$
0
0

سبت الاموات ودلالات القمح المسلوق
هل تعلم ماهو سبت الاموات؟ ولم نعيده مرتين في السنة؟ والدلالات التي للقمح المسلوق…

تُقيم كنيستنا الأرثوذكسية الجامعة بكل تلاوينها وقومياتها الانطاكية واليونانية ( القسطنطينية والاسكندرية والاورشليمية واليونان وقبرص) والروسية  والصربية والبلغارية والرومانية والجورجية واوربة الشرقية كافة… تذكاراً عامّاً لجميع الراقدين على رجاء القيامة والحياة الأبدية مرّتين خلال السنة الطقسيّة، ويُعرفان ب “سبت الراقدين”.
التذكار الأول: يُقام في يوم السبت السابق لأحد مرفع اللحم (أحد الدينونة).اي قبل الصوم الكبير المقدس باسبوع…
التذكار الثاني: يُقام في يوم السبت الذي يسبق مباشرةً أحد العنصرة.
في “سبت الراقدين” الذي قبل “أحد الدينونة” (أحد مرفع اللحم) اي قبل الصوم الكبير المقدس باسبوع، نذكر جميع أمواتنا الذين رقدوا بالربّ ونُصلّي من أجل راحة نفوسهم، طالبين من المسيح الاله الديّان العادل، والكلّي المراحم أن يكتنفهم برحمته الغنيّة، فالمجيئ الثاني للرب والدينونة العامة لجميع البشر في مُنتهى الأزمنة لم تَحِن بعد، كما نُذكّر في الوقت ذاته أنفُسنا بالتوبة وبُطلان العالم.
وفي “سبت الراقدين” السابق لأحد العنصرة، نعود ونذكُرهم ونصلّي من أجلهم مُجدداً عشيّة عيد حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة المقدسة، وذلك للتأكيد على حقيقة كوننا نحنُ الأحياء الباقين ههنا على الأرض، نؤلّف مع أولئك الذين سبقونا فرقدوا على رجاء القيامة، كنيسة واحدة رأسُها المسيح، وأعضاؤها مترابطين مع بعضهم البعض برباط الروحُ القدس والمحبة، فنصلّي من أجلهم ويُصلّون من أجلنا، وتتجلّى شركتنا الروحية معهم وشركتهم معنا بأسمى صورة عبر سرّ الشكر الالهيّ، أي عندما تُقام خدمة الذبيحة الإلهية من أجلهم، والتي تُقوّي ترابطنا الروحيّ معهم، وترابطهم معنا في الجسد السريّ الواحد، فتبلغُ اليهم صلواتنا ويتعزّون بها وينتفعون منها. لأن الروح القدّس هو علّة الحياة والنعمة والقداسة، فتخصّص الكنيسة هذا اليوم للراقدين وتطلب نعمة الروح القدس لتعزيتهم وراحتهم.
والجدير بالملاحظة أن كلّ سبت في الليتورجيا الأرثوذكسيّة هو مُخصّص للراقدين، كذلك في كلّ قدّاس إلهي يُذكر فيه الراقدون، وتحضر لائحة بأسماء البعض منهم يُقدّمها أقرباؤهم للكاهن..

القمح المسلوق
لماذا القمح المسلوق في تذكارات الراقدين؟
جرى في التقليد الروميّ الأرثوذكسيّ أن يحمل المؤمنون الى الكنيسة في “سبت الراقدين” وفي التذكارات الخصوصيّة للراقدين (جناز الثالث، والتاسع، والأربعين والسنة..) صواني من القمح المسلوق الذي يُعدّونه في المنازل مُزيّناً بالسكّر المطحون وبعض المُطيّبات الأخرى، ويُقدّمونه للكاهن لكيما يُقيم عليه “صلاة النياحة” أو المعروفة باليونانية بصلاة “التريصاجيون”، وذلك في نهاية القداس الإلهي، ذاكراً أسماء الراقدين المقدّمة عنهم.
القمح في المسيحية هو رمزُ القيامة، واشارةٌ للحياة الأبدية التي تعقُب الموت، لنحيا مع المسيح القائم من بين الأموات.
وهذا القمح المسلوق يُسمّى koliva (باليونانية: κόλλυβα)، وفي بعض الأوساط يدعونه “قِلبَة”، وهي لفظٌ مُعرَّب للكلمة اليونانية المذكورة “كوليفا”، وفي أوساطٍ أخرى يُسمّى “رحمة”… وكلّها ترتبط بعلاقة القمح المسلوق بذكرى الراقدين، حيث أن حبّة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلةٍ خضراءَ يانعة إلّا إذا ماتت، حيث يقول السيّد المسيح له المجد: ” إن لم تمُت حبّةُ الحنطة فإنّها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير” (يوحنا 24:12).
وهكذا هم المسيحيون المؤمنون الذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية، يموتون مع المسيح، ليشتركوا معه بمجد قيامته أيضاً (رومية 4:6).
كما أن حبّة القمح التي تنحلّ في الأرض، وينبُتُ منها سُنبلة خضراء جديدة، تُشيرُ الى فساد الجسد التُرابيّ الماديّ وانحلاله بالتراب، واستعادته من جديد جسداً نورانياً ومُمجَّداً على شبه جسد المسيح القائم من الأموات في القيامة العامّة عند مجيئ الرب الثاني “كذلك أيضاً قيامة الأموات، يُزرعُ (الجسد) في فسادٍ ويُقامُ في عدمِ فساد، يُزرعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مجدٍ، يُزرعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قوّة” (1 كورنثوس 43،42:15).
معَ القدّيسين أرِح أيُّها المسيح الاله نفوسَ عبيدِكَ. حيثُ لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا تنهُّد. بل حياةٌ لا تفنى. ولأن ارغفة القربان من القمح وتقام عليها الذبيحة غير الدموية كمافعل الرب يسوع في العشاء الأخير فصار المؤمنون يقدمون القربان لتذكارات الراقدين كما هو جار عندنا…

ليكن ذكر الراقدين مؤبداً.

 

النصرانية والمسيحية

$
0
0

النصرانية والمسيحية

تختلف النصرانية عن المسيحية اختلافا كبيرا عن بعضهما  فاختلافهما كما تختلف السماء عن الارض. 
فالمسيحييون هم من يتبعون يسوع المسيح، ويعتبرونه هو صورة الله على الارض، وجاء لكي يخلصهم من خطاياهم بموته على الصليب، وبقيامته من بين الاموات قد ابطل الموت. 
– اما النصرانية فهي بدعة  هرطوقية مسيحية يهودية قديمة، نشأت في فلسطين، كان اتباعها من اليهود المتعصبين الذين مزجوا بين اليهودية والمسيحية، وكانوا يقيمون شعائرهم اليهودية خفية، فهم مسيحيون بالظاهر، ويهود بالباطن.
ويتميز النصارى عن  اليهود بإيمانهم بالمسيح باعتباره احد الانبياء العاديين فقط، مثل موسى ودانيال وبقية انبياء العهد القديم، وانه ولد من مريم العذراء بمعجزة، ولكنه ليس ابن الله حقيقة بل مجازاً، لأن الله لم يلد ولم يولد، وليس المسيح سوى مخلوق كبقية البشر، وليس رباً معبوداً، وانه غير ازلي، وليس إلها من روح الله ولا كلمة الله المتجسد فادي البشر على الصليب، ولا يعترفون بالثالوث الأقدس.
ويتميزون عن المسيحية بإقامة الشريعة التوراتية والتلمودية، والحفاظ على تقديس السبت، والختان الاجباري للذكور، واقامة الطقوس اليهودية بكل دقائقها، والالتزام بكل انواع الطعام.
وكانوا متزمتين ومتعصبين جداً من حيث الالتزام بالناموس اليهودي التلمودي، والتقشف الغذائي، والوضوء قبل الصلاة. 

في بعض تاريخها
هاجرت طائفة من النصارى المهرطقين من فلسطين الى شمال الجزيرة العربية، وسكنوا في مكة ويثرب (المدينة المنورة)، ومن أتباع النصارى في الجزيرة العربية طائفة (الاحناف، الآريوسيين، الابيونيين، الكسائيين، والمريميين)، وأشهرهم الراهب بحيرا والقس ورقة بن نوفل اسقف مكة، وابن عم خديجة ومحمد وهو أزوجهما زيجة نصرانية…
هذا موجز بسيط عن المسيحيين والنصارى، ومن أراد معرفة المزيد عنهم فليقرأ كتاب “تاريخ الكنيسة المسيحية.”.

خلاصة القول

النصرانية هي يهودية مستترة ولا تمت للمسيحية بصلة وما ورودها في القرآن وفي المفردات الاسلامية الا بسبب انتشارها في مجتمع مكة ويثرب وتقاربها من اليهود هناك قبيل الاسلام.

العنصرة عيد الكنيسة، هو ذكرى ميلادها…

$
0
0

العنصرة عيد الكنيسة، هو ذكرى ميلادها…

اولا في معنى العنصرة

اصل(1) الكلمة ومعناها

كلمة العنصرة كلمة عبرية، وليست آرامية ولا سريانية،(1) وهي تستعمل في العبرية الحديثة فيما كانت تستعمل فيه في العبرية القديمة تماماً. وأصل الكلمة “عسار” ومنها كلمة “عسريت” التي جاءت منها كلمة العنصرة. والكلمة “عسار” معناه اجتمع أو جمع، حيث كانوا يجتمعون ويعيدون في هذا العيد. وهي تأتي أيضاً بمعنى منع أو امتنع لأنه يمنع فيه العمل لأنه يوم مقدس.

وعيد العنصرة عند اليهود هو “عيد الاسابيع” أو”عيد الحصاد” أو”عيد الخمسين”. وعيد الاسابيع ترجمته العبرية “هجشبعوت”. حيث حاج بمعنى عيد وشبعوت= السبوعات اي الاسابيع.

ويسميه العلماء وبالأخص علماء التلمود “عَسَريت”، أما عيد الحصاد فترجمته العبرية”حاج هقصير” حيث هفصير” هو الحصاد وأطلق على هذا العيد في الترجمة اليونانية للتوراة كلمة “بنديكستي” اي الخمسين.

والكنيسة استعارت هذه الكلمة “العنصرة” كما هي واطلقتها على عيد حلول الروح القدس. ولأنه يقع في اليوم الخمسين من قيامة الرب فهي تسميه أيضاً ب “عيد البنديكستي” اي “عيد الخمسين”.

وكلمة العنصرة تشير في أصل اشتقاقها اللغوي الى الجمع أو الحفل لذلك فالكنيسة محقة ايضاً  في جعل اسم العنصرة وقفاً على هذا العيد بالذات، لأن في هذا اليوم تقدس محفل التلاميذ بحضور الروح القدس تقديساً مستمراً، فصار ذلك المحفل المقدس كنيسة مقدسة، لم يفارقها الروح القدسمنذ ذلك اليوم الى وقتنا هذا…

اذن لاعجب ان تعيد الكنيسة لعيد العنصرة فهو عيدها.

وهي لاتغفل  في عيدها هذا أن تصلي مع الكنيسة المنتصرة اختها التي في السماء، فترفع في هذا اليوم بخوراً كثيراً جداً مع صلوات متواترة مع ارواح المنتقلين كنوع من الشركة المتصلة وتبادل الشفاعة، لأنها ترى في ذلك كمال التعييد!.

شرح ايقونة العنصرة
شرح ايقونة العنصرة

في سفر التكوبن نقرأ كيف خلق الله الانسانَ من تراب الأرض، خلقه وأعطاه نسمة  صاركل بني آدم حياة على صورته ومثاله. وقصة سقوط الانسان في المعصية  وانغلابه للشر والخطيئة، وسريان حكم الموت في كيانه الانساني  قصة تحوي من الاسرار العميقة شيئاً لايستهان به.

نود لو نعود اليها  بالشرح والتوضيح في مناسبة أخرى لو يشاء الله ذلك…

ولكننا نعلم على كل حال ان الانسان الاول أنسل نسلاً بعد قبوله الموت في كيانه نتيجة لخطيئته، وبذلك صار كل بني آدم في الخطيئة يولدون وبالخطيئة يموتون…

كان هذا الى ان جاء المسيح الرب منقذ جنسنا من الخطيئة والموت…

لأنه ” هو نفسه حمل خطايانا في جسده على الخشبة لكي يموت عن الخطايا لنحيا للبر”

ولما مات المسيح رفع عنا حكم الموت”لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطيئة”(3) وبذلك صارت طبيعتنا البشرية حرة مرة أخرى، ولكن ظلت في حاجة الى قوة جديدة تحفظها، والى عمل الهي جديد يرفعها الى مستوى القداسة اللائقة بحياة الشركة مع الله…

في سفر التكوين

نقرأ كيف خلق الله الانسان من تراب الأرض، خلقه وأعطاه نسمة حياة على صورته ومثاله، وقصة سقوط الانسان في المعصية وانغلابه للشر والخطيئة، وسَّرَيان حكم الموت في كيانه الإنساني قصة تحوي من الأسرار العميقة شيئاً لايستهان به، ونعلم ان الانسان الأول أنسل نسلاً بعد قبوله الموت في كيانه نتيجة لخطيئته، وبذلك صارت ذرية آدم في الخطيئة تولد وتموت فيها…

كان هذا الى ان جاء المسيح الرب منقذ نفوسنامن الخطيئة والموت…

لأنه “هو نفسه حمل خطايانا في جسده على الخشبة لكي يموت عن الخطايا لنحيا للبر”…

ولما مات المسيح رفع عنا حكم الموت” لأنه الموت الذي أماته قد أماته للخطيئة”(4) وبذلك صارت طبيعتنا البشرية حرة مرة أخرى، ولكن ظلت في حاجة الى قوة جديدة تحفظها، والى عمل الهي جديد يرفعها الى مستوى القداسة اللائقة بحياة الشركة مع الله…

“لكي لايعيش الانسان ايضاً الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لارادة الله”

في يوم الخمسين من موت الرب وقيامته تقبلت الطبيعة البشرية هذه القوة الروحية الجديدة، تقبلتها بصورة ظاهرة، فحل الروح القدس على التلاميذ جهاراً بصوت مسموع ومنظر أخاذ، ودخل وملأ  الطبيعة البشرية فجدد خلقتها وقواها ورفع من مستواها الروحي بشكل عملي اعجازي فائق، أدهش الذين عاينوا حوادث ذلك اليوم العظيم الخالد.

في يوم الخمسين حدث فعل خلقي جديد في طبيعة الانسان، ظهرت مفاعيله في سلوك التلاميذ وفي امكانياتهم وفي لغتهم وفي مفهوماتهم وفي علمهم الأمر الذي حير رؤساء الكهنة والحكام، ولكن لم يقتصر هذا التغيير المفاجىء الشديد على التلاميذ، بل المدهش حقاً أنه انتقل الى كل من آمن واعتمد وقبل وضع اليد، حتى فهم جيداً أن حاول الروح القدس على التلاميذ كان عملاً تكميلياً لأعمال الخليقة الاولى…لذلك نرى ان يوم الخمسين أصبح مرتبطاً باليوم السادس من سفر التكوين ارتباطاً جوهرياً من حيث خلقة الانسان…

فالعنصرة من هذا الوجه ميلاد جديد للتلاميذ في طبيعة جديدة خلقها المسيح في جسده بموته وقيامته وعمل الروح القدس…

وحينما نتأمل في الوضع الذي كمل فيه هذا العمل الخلقي الجديد نندهش اذ نجد أنه لم يتم بصورة فردية كخلقة آدم الأولى، بل كان التلاميذ مجتمعين معاً” مع النساء ومريم ام يسوع”(5) في حالة خشوع وصلاة، اذن فطبيعة الانسان استقبلت خلقتها الروحية الجديدة على صورة كنيسة!!!

هذا معناه أن ميلاد الانسان الجديد محصور في ميلاد الكنيسة، وطبيعة الانسان الجديدة لابد وأن تشمل في صميم جوهرها ارتباطاً حياً وصلة وثيقة بالكنيسة… لاتوجد فردية في الخليقة الجديدة!!!

نحن نأخذ طبيعة الانسان الجديد من الكنيسة، وليس يمكن لأحد أن يولد من الماء والروح ويصير خليقة جديدة في المسيح يسوع خارج الكنيسة.

العنصرة عيد الكنيسة، هو ذكرى ميلادها...
العنصرة عيد الكنيسة، هو ذكرى ميلادها…

العنصرة اذن عيد الكنيسة، هو ذكرى ميلادها…

ميلاد الكنيسة ليس قصة، هو حياة متحدة بطبيعة الروح القدس.

نحن نحيا في ميلاد كنيستنا، نحيا في طبيعتها الجديدة المتحدة بالمسيح والروح.

العنصرة عيد الحياة بالروح للذين يعيشون حقاً في المسيح…

ثانيا- في مظهر العنصرة

استعلن الروح القدس في يوم الحمسين في مظهرين، مظهر ريح عاصفة ومظهر ألسنة كأنها من نار…

” ولماحضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة، وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصف وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم السنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم”(6)

أ) معنى الريح في المفهوم اللاهوتي

مما يلفت النظر في اللغتين العبرية واليونانية أن الريح والروح لهما كلمة واحدة تعبر عنهما، ولكن لاتقتصر الصلة بين الريح والروح في الاشتراك اللفظي فقط، بل نكتشف من حديث المسيح مع نيقوديموس في الاصحاح الثالث من انجيل يوحنا ان هناك تشابهاً بين طبيعة عمل الريح وعمل الروح من وجهة الميلاد الجديد من الماء والروح:

” الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لاتعلم من اين تأتي ولا اين تذهب هكذا كل من ولد من الروح”.

وأكثر من ذلك نلاحظ أن حضور الله كثيراً مايكون مقروناً بهبوب رياح عاصفة فمثلاً في سفر أيوب نقرأ هكذا ” فأجاب الرب ايوب من العاصفة”(7)

وفي المزمور الخمسين نقرأ ” يأتي الهنا ولا يصمت، نار قدامه وحوله عاصف جداً”(8)

وناحوم النبي يتكلم من جهة ذلك ” الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه”(9)

وموسى مع الشعب ارتعبوا لما خاطبهم الرب” من وسط النار والعاصف”(10) وايليا ايضاً لم يواجه الله الا بعد عبوره في الريح العاصف ” واذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أما الرب.”(11)اما سفر حزقيال فنعثر على عمل الريح  والروح معاً في اصطلاح واحد يعبر تعبيراً عن وحدة سرية في المفهوم اللاهوتي بينهما اذ يقول النبي:” فقال لي تنبأ للروح تنبأ ياابن آدم وقل للروح هكذا قال السيد الرب هلم ياروح من الرياح الاربع وهب على هؤلاء القتلى ليحيوا”(12) فمع ان الهبوب هو من طبيعة الريح الا اننا نجده هنا من عمل الروح ايضاً…

من ذلك نستطيع أن نكون فكرة من وجهة لاهوتية عن الريح العاصف الذي اقترن به الروح القدس وقت حلوله يوم الخمسين، فهو في الواقع تعبير عن حضور الله، هو اشارة واضحة عن لاهوت الروح القدس، وبالأخص قول الكتاب عنه:

” صار بغتة من السماء صوت كما من ريح عاصفة…”

فالريح هو روح سماوي نقرا عنه فيما بعد أنه ملأ البيت، ثم ملأ جميع الحاضرين في البيت…اذن فهو روح مالىء للمكان والزمان والكيان، الله وحده هو الذي يملأ المكان والزمان والكيان…

لذلك نجد في هذا الروح السماوي (الريح السماوية) الحاضر في كل مكان والمالىء الكل رمز الصالحات والرازق الحياة بحضور الهي وانما على نمط جديد، ففي العهد القديم نجد بعض امثلة فردية حل فيها الروح القدس ولكنه كان حلولاً مؤقتاً ومغلقاً، مغلقاً لأنه لم يكن يستطيع أن يؤثر في الطبيعة البشرية ىنذاك تأثيراً مولداً كما حدث يوم الخمسينوصار ينتقل الى كل من يعمده التلاميذ ويضعون عليه اليد…

الروح الالهي استطاع يوم الخمسين أن يدخل التلاميذ ويملأهم، كما يملأ الريح العاصف المكان، لأن حجاب الخطيئة التي كان يفصل الطبيعة البشرية عن عمل الروح رفعه الرب يسوع الى الأبد.

ب) معنى النار في المفهوم اللاهوتي

لو رجعنا للآيات والأمثلة التي تكلمنا فيها عن حضور الله في الرياح العاصفة نجد ان الريح فيها مقترنة بالنار دائماً… لذلك فمعنى اقتران الريح بألسنة النار في يوم الخمسين أمر ذو بال من حيث المعنى اللاهوتي…

ولكننا نجد في النار تعبيرا اقوى عن شيء ما في طبيعة الله، حتى قيل مرة: ان “الهنا نار آكلة”(13)، بل ورأينا النار المشتعلة في العليقة تعبيراً مباشراً عن حضور الله، والتقليد يحثنا عن نار العليقة انها تعبير واقعي عن طبيعة اللاهوت…

واذا اضفنا الى ذلك حضور الله في عمود النار ليلاً في محلة اليهود واستجلبة، الرب من السماء بنار على ذبائحه المقبولة، وحضور الله في هيكل سليمان يوم تدشينه على هيئة نار، كل هذا يوجه فكرنا الى معنى ألسنة النار المنقسمة التي ظهرت يوم الخمسين، فهو تعبير عن عمل طبيعة الله يوم الخمسين واشارة ضمنية الى طبيعة الروح القدس الناري.

وكان التلاميذ المجتمعون في حالة خشوع وصلاة يقدمون ذبائح شكر من شفاه معترفة بفضل الرب يسوع، فكانت استجابة الرب من السماء كما هو العادة بنار استقرت على كل واحد منهم…

كانت النار الالهية قديماً تأكل الذبيحة كلها، لأن الذبيحة كانت تحمل خطايا مقدمها، ولكن نار الخمسين لم تحرق التلاميذ لأن خطايا التلاميذ حملها الرب يسوع في جسده على الخشبة…

نار يوم الخمسين كانت للنارة والتطهير…، وجدت تلاميذ مجتمعين باسم الرب بأذهان مستعدة لقبول الحق لذلك استقرت النار على رأس كل منهم بشكل السنة نارية متقسمة…

هذا اللسان الناري يشير الى معرفة الحق والنطق به: “متى جاء روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق”.(14)

نحن وجدنا الريح يملأ المكان كله وجميع الحاضرين، وكان هذا توضيحاً لعمل الله المتساوي في طبيعة الانسان الواحدة…

أما النار الالهية فنجدها تنقسم وتتوزع على كل واحد منكم بمفرده توضيحا لتقسيم المواهب حسب قياس قامة كل واحد في الادراك والايمان…

اذن فالطبيعة البشرية تتجدد بالتساوي، أما المواهب فتُمنح بتقسيم وامتياز وتفاوت…

ولكن لانستطيع ان نقف عند حد الاستنارة في معنى المظهر الناري للروح الكلي قدسه، فنحن لا زلنا نرى في ألسنة الروح النارية التي استقرت على التلاميذ تعبيراً الهياً عن معنى انسكاب محبة الله الملتهبة في قلوب التلاميذ، وتقبل روح الغيرة المتأججة نحو الله “غيرة بيتك أكلتني” (15) وتعبيراً عن سريان النار الالهية في طبيعة الانسان العقلية واشتعالها لتكون ذبيحة حية دائمة الاحتراق ” من أجلك نُمات كل النهار حسبنا كغنم للذبح” (16).

نار يوم الخمسين كانت نار الله، أنارت فكر الكنيسة بالحق وألهبت قلب الانسان الجديد بالحب الالهي والغيرة والبذل.

لقد تشاركت طبيعة الكنيسة البشرية في طبيعة الله النارية يوم الخمسين، ومن هذه الطبيعة وُلدَ الانسان الجديد.

الكنيسة استوعبت يوم الخمسين نار الله فأخصبتها هذه النار وقدستها وهي تعطي أثرها الآن لكل المولودين منها…لسنا في حاجة من جديد الى ألسنة نارية كيوم الخمسين، لأننا لسنا أمّاً بل نحن أولاد، لسنا طبيعة والدة بل طبيعة مولودة، الكنيسة هي الم ذات الطبيعة الوالدة.

الكنيسة هي ام روحانية خلقا الرب يسوع وأظهرها في العالم حديثاً بتجسده وأخصبها بالروح القدس يوم الخمسين، وهي الآن تلد بنين مقدسين من طبيعتها المقدسة المخصبة بنار الله، نار يوم الخمسين هي من قدرة الله، هي قوة فائقة من عند الله جاءت فقدست الانسان…

التقديس هو اشتراك في طبيعة الله “صرنا شركاء الطبيعة الالهية” “كونوا قديسين لأني أنا قدوس”

التقديس من وجهة طبيعة الله نراه فعلاً نارياً، وبالنسبة لأقانيم الله وجدناه من اختصاص الروح القدس!!!

الروح القدس روح الله المعزي والمقدس …سبق فحل في البشارة على العذراء فقدس بطنها ليتصور المسيح الاله فيها ويولد.

وفي يوم الخمسين قدس طبيعتنا البشرية فنشأت الكنيسة وانطلقت كنيسة يتصور فيها انساننا الجديد حسب يسوع الاله ويولد بالقداسة…نحن نولد من بطن كنيسة تقدست بنار الله بالروح القدس.

اليس هو ما  وعد التلاميذ الابرار به سابقاً “هو سيعمدكم بالروح القدس ونار”(17)

حينما نُعَّمَد الآن في كنيستنا نولد مقدسين لأن كنيستنا “مقدسة”

أليس هذا هو لقبها الأول:” كنيسة جامعة مقدسة – ارثوذكسية رسولية.

الكنيسة اعتمدت بالروح القدس ونار واما نحن فنولد من معموديتها بالماء والروح

النار تحرق كل حياتنا الارضية وتبيدها، لذلك اذا هي اقترنت بالروح القدس “روح القدس ونار” تعني حتماً حياة العية محضة خالية من كل ماهو ارضي…هذه هي طبيعة الكنيسة الهية في كل شيء وبكل معنى خالدة.

اما الماء فهو يُحيِّ كل ماهو على الارض، ولا شيء يمكن أن يحيا على الارض بدون ماء!!! لذلك حينما يقترن الماء بالروح القدس فهو يعني حياة بشرية على الارض ولكن حسب الله… وهذه هي طبيعة كل من يولد من الكنيسة: يحيا على الارض ولكن ” ليس على حسب الجسد بل حسب الروح.” (18)

حواشي البحث

(1) Dictionnaire de Maleh

(2) الاب متى المسكين من الكنيسة القبطية الارثوذكسية

(3) رومية10:6

(4)رومية10:6

(5) أع14:1

(6)  أع2:1و2و3)

(7) اي 1:28

(8)مز3:50

(9) نا3 :1

(10) تث5 :22 و23

(11)1مل11:19

(12)حز7:37

(13) عبر 29:2

(14) يو13:16

(15) مز9:69

(16)رومية 36:8

(17) متى11:3

(18) رو1:8

 

 


قصة…المجنون والعاقل

$
0
0

المجنون والعاقل
في يومٍ من الأيام وكان نهاره في طريقه إلى النوم بعد أن أنهكه البشر، التقى عاقلٌ بمجنون. كان العاقل جالساً على رصيف مقهى يرتشف قهوة مرّةً بطعم الحياة متأمّلاً بالموتى الحزانى المارّين أمامه، يبتسمون ويضحكون ويتكلمون بمواضيع لا موضوع لها. وعلى الجهة الأخرى من الرصيف كان يجلس مجنونٌ- معروفٌ في المحلّة- يحدّق في العاقل ويكلّم نفسه ويضحك مِمّا أثار حشرية العاقل فذهب إليه وجلس إلى جانبه على الرصيف وبدأ يحادثه. 
لماذا تنظر إلي وتضحك ؟
أجاب المجنون: رز بحليب ….وهو يضحك
العاقل: لماذا تضحك؟ 
ألمجنون: أضحك عليك فأنا أفرح في مراقبة المجانين
العاقل: ماذا؟ أنا المجنون ؟ من قال لك ذلك؟ أنا مثقف وأحمل شهادات وزنها من وزنك. 
ألمجنون: نعم أنت مجنون، فهل سمعت عن مجنون يقرّ بجنونه؟ وتحمل شهادات؟ أنا أيضاً أحمل شهادات. الفرق بيني وبينك أن شهاداتك صارت ثقلاً على عقلك وكتفيك تعذّبك لأنها بنت داخلك عالماً لا وجود له في الحقيقة فصرت معذّباً، أما أنا فرميت شهاداتي تحت أقدامي فتحررت وارتفعت قامةً، وصرت أرى أفقاً أبعد، مما أعطاني بصيرة الفهم لذا أضحك. أضحك على نفسي وعليك وعلى ثقافتك وعلى الناس والعالم والماضي والآتي. أضحك لأني تحررت من لعنة العقل ،أنا صرت حراً أما أنت فما زلت عبداً؛ عبداً لما يجب أن تفعل أو لا تفعل، تقول أو لا تقول ،ما يجوز أو لا يجوز. 
ما يقوله الناس أو لا يقولونه ….
هنا شعر العاقل أنه أمام سرٍ كبير وأمام إنسانٍ هاربٍ من جنون الحياة. فقال له : أخبرني قصتك. 
أجاب المجنون ضاحكاً: رز بحليب ….
أرجوك أخبرني قصتك، أنا أبحث كل يومٍ عن نافذة نور، عن جواب، عن حكمة، عن تعزية أشحذها من الناس. أخبرني قصتك أيها السيد.
المجنون: تريد حكمة من مجنون؟ وضحك ثم ضحك وهمّ أن يقف مردداً رز بحلييييب. …… لكن عطش العاقل لجوابٍ جعله يُمسك بيده ويُجلسه قائلا لن أدعك تذهب قبل أن تُخبرني قصتك. 
هنا دّمعت عينا المجنون ونظر إلى الأرض محاولاً إخفاء حقيقته وكرامته وكرامة الله فيه؛ غلبت العاطفة على “اللاعقل” وغلبت روح الإنسان على روح “الجن” فتنهد عميقاً ثم قال : لن تريحك قصتي يا بُني، دعني أذهب إلى لَيْلي. 
هنا دمّع العاقل وقال له : أتوسّل إليك أن تُخبرني. أنا أبحث عن جواب وأنا متأكد أنك تملك الجواب. 
حسناً، سأخبرك قصتي قال الرجل. 
كنت أباً لعائلة من ثلاثة أولاد. أحِمل دكتوراه في الإقتصاد ودكتوراه في الفلسفة وزوجتي كانت طبيبة. عملنا ليلاً نهاراً وحرمنا أنفسنا من كل شيء لنعطي أولادنا كل شيء. هكذا فعل آباؤنا ولكن ما لم أدركه أنا وزوجتي أن جيل أولادنا ليس كجيلنا، لا بل طَرد النعمةَ من حياته بعد أن طرد الله وَعَبَد ذاته. توفيّت زوجتي منذ ست سنوات وهنا اكتشفت أني يتيم. صرت عبئاً على ذاتي لأن ذاتي انكسرت. صرت عبئاً على أولادي مع أني أعيش في بيتي وهم متزوجون وكنت قد بنيت لكل واحد منهم شقة كبيرة بعد أن علّمتهم وزوّجتهم ودفعت تكاليف أعراسهم وسياراتهم.
بعد ستة أشهرٍ على وفاة زوجتي قلّت زياراتهم وإن زاروني كنت أعلم مُسبقاً سبب الزيارة وهو الكلام عن الميراث. لست أملك كلاماً أصف فيه آلامي عندما بدأت أرى أولادي غرباء وأرى زوجاتهم سيدات على حياتهم وحياتي وبيتي. قلت لهم يا أبنائي أنا لا أزال حياً، بعد أن أموت كل ما هو لي سيكون لكم ولأولادكم….. قلّت زياراتهم أكثر – كي لا أقول صارت شبه معدومة -وصاروا يضغطون عليّ بأن يحرموني من رؤية أولادهم الصغار. قلت في نفسي علّي إن أعطيتهم الميراث يستفيق ضميرهم ويجعلوني جزءاً من حياتهم وحياة أولادهم ففعلت ذلك فصاروا في فرحٍ عظيم دام ثلاثة أشهر ثم نبذوني مجدداً. 
بعد أربعة أشهر أتوا لزيارتي ففرحت جداً ولكن ليتهم لم يأتوا. سبب الزيارة كان أن بيتي كبير عليّ وليس من سبب أن أشغله وحدي وثمة صعوبة أن يهتموا بي فكان قرارهم إرسالي إلى مأوى عجزة وبيع البيت لدفع المصاريف. هنا وقعت في صمتٍ وعمقِ ألمٍ وشعرت أن قلبي سيتوقف، إلا أن زوجتي لم تسمح بذلك فحضرت بطيفها وغمرتني وضغطت على عينيَّ بقوة لتحبس دموعي قائلةً : إياك أن تبكي، يقول لك الله: إياك أن تبكي؛ من أجل كرامته وكرامة صورته فيك ومن أجل كرامة شيبتك وأيضاً من أجل كرامتي. هنا صرت في تعزيةٍ وغربةٍ وصمتٍ وابتسامة.

بعد أسبوع أخذوني طفلاً إلى عائلةً جديدة- مأوى عجزة- يخدمني فيها أبناء الناس. لم أستطع البقاء أكثر من أسبوع من أجل كرامتي وكرامة زوجتي وكرامة الله وصورته. تظاهرت بالجنون ثم هربت وجئت إلى هذه المدينة لأعيش حراً من ماضيّ، وحاضري، وها أنا منذ سنتين مدّعياً الجنون، أتنعّم بأجود الفضلات، أنام في أفخم الزواريب، إجلس كل يومٍ بالقرب من هذه المحطة منتظراً قطار الرحمة ليأخذني إلى حيث ينتمي البشر وحيث ينتظرني وَالديّ وزوجتي وينتظرني الله. 
يا بُني ، أرجِعوا الله لحياتكم. 
هنا أطبق العاقل على يد العجوز يقبّل أثر المسامير، وبكى، َبكى على شيبة الرجل وعلى كرامة الإنسان وعلى كرامة الله أيضاً. ثم قال له:أنت لست بمجنون ، فلماذا تتظاهر بالجنون؟ أجاب العجوز: أخاف أن يسألني الناس عن قصتي فأحرج أبنائي وأبناءهم في المستقبل. ثم سأله مجدداً: وما قصة الرز بحليب؟ لماذا تكرر هذه الكلمات؟ فابتسم العجوز وقال: لقد كان الرز بحليب الطعام المفضّل لأطفالي….
يا عمّ: لقد علمّتني ما لم تعلّمه لي كتب الأرض، هلّا شرّفتني بأن نأكل العشاء معاً؟ فضحك العجوز وأجاب : طعامي ليس بعد من طَعَامِكم يا بني، ثم وقف وركض مردداً : أسمع صوت القطار….. ثم اختفى بين المجانين. 
هنا عاد المجنون إلى المقهى بعينين محمرّتين يكتب الحادثة، أما العاقل فاختفى في وسط زحام الموت يفتٰش عن قطار الرحمة ليقلّه من آخر محطة في عالم الموتى إلى أول محطة في بلدة الأحياء.

الاصح  ان يقال عنها انها جحود الابناء بوالديهم…

القائد الكشفي جورج يوسف نعمة 1926-2019

$
0
0

 

القائد الكشفي جورج يوسف نعمة 1926-2019

يعرفه كل أهل القصاع و ما اكثر عارفيه وخاصة أعضاء الفوج الثاني الكشفي / جاورجيوس وأعضاء الجمعيات الخيرية… وحتى عامة الناس في حي القصاع بجورج عبيد اكثر مما يعرفونه بكنيته الاساس “جورج نعمة”

الكل كان يعرفه، وكان يراه الجميع منذ سبعينات القرن الماضي رجلاً متنقلاً  بحماس  مع جولات الفوج الثاني من اول العرض الى آخره  مرافقاً لهذا الفوج ينتبه على الجميع… وهو بعمرمتقدم ببدلة رسمية وقد وضع شارة الفوج من الذهب على ياقة معطفه…لايخجل من القيام بدور الانضباطي ليمنع المشاكسين… كما يندفع لمساعدة اطفال الفوج ان تعثروا في مشيتهم…

عمره الكشفي يشكل جزءاً مهماً من تاريخ وعمر هذا الفوج الكشغي العريق، الذي اسميناه بعد ان عرفنا تاريخ تأسيسه الحقيقي “شيخ الوحدات الكشفية الدمشقية والسورية و كان هو أول الافواج الكشفية الدمشقية الدمشقية… المؤسَسْ  في عام 1912 واستمر بمسيرته المتميزة الى حين توقيف الحركة الكشفية السورية ومنها الفوج الثاني عام 1985بقرار اقل مايوصف بأنه جائر…

في مخيم الفوج الكشفي في منطقة دير القديس جاورجيوس الحميراء مع رئيس الدير منتصف الستينات
في مخيم الفوج الكشفي في منطقة دير القديس جاورجيوس الحميراء مع رئيس الدير منتصف الستينات

تنقل في عمره الكشفي منذ اول 1940 من كشاف وجوال الى قائد للفوج في العروض والاستعراضات الكشفية فنائب لعميد للفوج الرمز الاستاذ جورج درزي ثم بعد وفاة الأخير تولى عمادة الفوج وبقي أمينا على ذكرى هذه المؤسسة الشبابية الى النفس الأخير من عمره.

ولما كان المقر الكشفي قد اصبح من ممتلكات منظمة شبيبة الثورة البديلة للكشفية السورية فان امانة سر الفوج  اضابير الاعضاء وسجلاتهم… بقيت في المقر جين وضع اليد عليه.

لاعادة توثيق هذا التاريخ، وكما فعلنا سابقاً في تسليط الضوء على بعض القادة، الذين خدموا في الحركة الكشفية السورية من خلال فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي الدمشقي، وقتها توجهنا نحو عائلاتهم واولادهم حيث ساهموا معنا في تدوين نبذ صغيرة عن تاريخ كل من هؤلاء الاحبة الذين نعتز بهم توسعنا بها وفق مانعرفه شخصياً ومن خلال شهادات معاصريهم، وقد كتبنا بداية عن المرحومين عميد الفوج الرمز جورج درزي، ثم القائد انطون بيطار، والقائد موسى (مويز) زيات واليوم من خلال القائد جورج نعمة الملقب ب”جورج عبيد”، نتابع بمن تركوا بصمات في تاريخ هذا الفوج  الكشفي السوري العظيم، وتوجهنا الى اسرته مع ابنته الكبرى رفيقتنا في الفوج الثاني الكشفي فمدتنا بنبذة عنه مع الصور التي نوردها هنا فالشكر لها…  ونتابع في نبش تراث فوجنا العريق ممن قدموا له اعمارهم  باذن الله وهم تركوا بصمة في عمرنا الكشفي، وهو واجب علينا لم يتصدى لتوثيقه سوانا ونشرناه مع سيرة تاريخ الفوج في موقعنا هنا، لعل احدٌ ما، بعد انتقالنا من هذه الحياة يكتب بقلمه سيرة جهادنا في سبيل الكشفية السورية عامة وخاصة في سيرتنا المخلصة لهذا الفوج… الفوج الثاني /جاورجيوس،  والفرق اللاحقة التي اسسناها (فرقة مراسم البطريركية 1985 ( المريمية اليوم) وفرقة كشافة مدارس الآسية 1994، وفوج الصليب المقدس الكشفي… عامئذ وعضوية اللجنة التأسيسة لكشاف سورية منذ عام 1992 وعضوية اللجنة التنفيذية العليا لكشاف سورية ثم عضوية اللجنة المركزية لمفوضية دمشق بمنصب قائد تدريب… الى حين استعفائنا عن المتابعة.

 بعض من سيرته الذاتية

قائدا عاماً للفوج منتصف الخمسينات
قائدا عاماً للفوج منتصف الخمسينات

السيد جورج بن يوسف نعمة من بلدة عربين الجميلة الوادعة التي تقع في الغوطة الشرقية على بعد ثمانية كيلومترات عن دمشق/ القصاع، ابن بيئة وأسرة مشهود لها انتماءها الكنسي الارثوذكسي بالرغم من الواقع المنغلق الذي تعيشه فيه رعيتها اضافة الى رعية بلدة حرستا المجاورة…

ولد السيد جورج في دمشق في عام 1926 في عائلة متجذرة في انتمائها للبلدة الاساس، ولكنيستها، وتم الامر ذاته لها في موطنها الثاني في دمشق، و ممارسة لطقوسها متمسكة بايمانها الارثوذكسي في الكاتدرائية المريمية  ثم في كنيسة الصليب المقدس، وعلى هذا النهج تلقى جورج منذ طفولته الى صبوته تعليمه الابتدائي في مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية الكائنة في دخلة كنيسة الصليب، وفي صبوته وفتوته انتقل للدراسة في مدرسة الآسية الأرثوذكسية ومنذ طفولته انتمى للتعليم الديني فنشأ محباً لكنيسته، وفي فتوته انتسب للحركة الكشفية في فوج القديس جاورجيوس وكان ذلك عام 1940 قبيل قيام الدولة السورية بتنظيم الحركة الكشفية السورية عام 1944( وتم وقتها استبدال اسماء الافواج والفرق الكشفية المعاصرة بأرقام ونال فوجنا رقم الفوج الثاني بينما نال فوج مدرسة التجهيز لمؤسسه القائد الاستاذ المرحوم الياس الترك وهو ابن فوج القديس جاورجيوس وقد اسسه في عام 1944، ونال فوج التجهيز ترتيب (الفوج الاول) لكونه فوج مدرسي رسمي وكان هذا هدراً للريادة الكشفية المستمرة من 1912-1985 بحق شيخ الوحدات الكشفية السورية واولها ، فوجنا العريق فوج القديس جاورجيوس وانتقاصاً من اسهامه في تاريخ الكشفية السورية).

نائب العميد السيد جورج نعمة في موكب استقبال احد رؤساء  الكنائس مع البطريرك ثيوذوسيوس
نائب العميد السيد جورج نعمة في موكب استقبال احد رؤساء الكنائس مع البطريرك ثيوذوسيوس

اتذكرمن سيرته التي قالها امامي انه درس في التعليم الليلي ليعمل نهارا ويساعد اهله ككل ابناء العائلات المستورة ومنهم المرحوم والدي جورج وكانت مدارسنا الارثوذكسية تعتمد اسلوبي الدراسة النهاري والليلي في النصف الاول من القرن العشرين. لذلك نشأوا محبين للدراسة والعمل ومنهم المرحوم جورج نعمة

الذي ترك الدراسة لينصرف بكليته للعمل في نجارة الموزاييك وهي المهنة التراثية الفنية الدمشقية، وهي كمهنة الصاغة، والنجارة كانت مقصداً لأبناء المسيحيين كبقية الحرف والمهن وان كانت مهنة الصاغة اكثرها تشويقاً واقبالاً.

وبعد ان اتقن العمل في مهنة النجارة، انتقل للعمل في مهنة الصياغة، وهذه المعلومة هو من اعلمني بها رحمه الله وهو من صنع شارة الفوج الذهبية التي بقي يلبسها وهي اليوم من متروكاته التي كان يعتز بها، لكنها لم ترد في النبذة التي كتبتها ابنته الآنسة سلوى عنه بناء على طلبي.

استقر ً في تعهدات البناء، وكان من الابنية التي بناها البناية التي يقطنها حالياً والواقعة في مدخل حارة كنيسة الصليب والتي شغل الفوج الثاني قبوها منذ 1969 وحتى 1985 والتي حلت محل فرن الرومي الشهير لمالكه المحسن الكبير خالد الذكر بندليمون كوتستوذونتوس (من يونان كيليكيا اللاجئين الى دمشق عام 1920 خلال مجازر الاتراك بحق ابناء ابرشية كيليكيا الانطاكية من الروم الارثوذكس السوريين واليونان والتي انتهت باحتلال كيليكيا وضمها الى تركيا بمعونة الافرنسيين والحلفاء).

في صحن البطريركية بجولة اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية مع الفوج يؤدي تحية العلم مع النشيد السوري
في صحن البطريركية بجولة اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية مع الفوج يؤدي تحية العلم مع النشيد السوري

واخيراً افتتح محل الورود المعروف وهو في البناية التي كانت تشكل مدخل حارة الصليب الثانية مكان مقر الفوج الثاني الاساس ونادي النهضة، وجدير ذكره انه قد تم شق امتداد شارع بغداد مكان هذه الحارة ليصل الى الكورنيش، سوق الهال.

رزقه الله بخمسة اولاد (ذكران وثلاث بنات الكبرى سلوى التي زودتنا ببعض سيرته كما اسلفنا) اضافة الى مانعرفه نحن عنه خلال حياتنا الكشفية ووجودنا معاً في اللجنة الادارية كقائد للكشافين ثم قائد عام للفوج الثاني في الفترة مابين 1972الى حين توقف الحركة الكشفية عام 1985.

بقي السيد جورج حاضراً على رأس عمله  كبائع ورد الى فترة قريبة حيث حالت ظروف تقدمه في السن وتدهور صحته ان يتابع العمل الى حين وفاته مؤخرا في هذا العام 2019.

اهتماماته

اولاً العمل الخيري

منذ صبوته انتمى الى الجمعيات الخيرية وعمل في هذا الحقل باخلاص

فوج القديس جاورجيوس عائداً من المريمية الى الصليب عام 1954 يوبيل البطريرك لكسندروس على جسر باب توما
فوج القديس جاورجيوس عائداً من المريمية الى الصليب عام 1954 يوبيل البطريرك لكسندروس على جسر باب توما

– جمعية القديس جاورجيوس الارثوذكسية الخيرية لأهل عربين في دمشق

انتمى لعضوية لهذه الجمعية وصار نائباً لرئيسها ومن اهدافها للاهتمام بأبناء البلدة المقيمين في دمشق، وتنسق مع شقيقتها الجمعية ذاتها في عربين والتي تهتم بدورها بكنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في عربين ورعية البلدة. فكنا نراه يتنقل بكل غيرة وحماس من دمشق الى عربين للاهتمام بالكنيسة والرعية في عربين ودمشق وبقي على ما اعلم بذات الاهتمام حتى وفاته.

– جمعية القديس جاورجيوس الارثوذكسية لدفن الموتى في دمشق

وهذه الجمعية التي كانت تهتم بهذه الخدمة الجليلة دفن الموتى، وتدير مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في باب شرقي فأخلص لها…

ثانياً الكشفية

في صحن البطريركية بجولة اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية مع الفوج
في صحن البطريركية بجولة اثنين الباعوث في الكاتدرائية المريمية مع الفوج

شكلت الكشفية الاهتمام الاول في حياته وغرق فيها من خلال انتمائه الى فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي  الدمشقي منذ اول صبوته وبقائه في ذات الاهتمام حتى الرمق الأخير وكثيراً ماحدثنا وكنا فتية عن رحلات الخلاء والمغامرات الكشفية التي عاشها والمباريات الرياضية بكرة القدم التي لعبها ومارافقها من طرائف.

وفي معرفتنا به واعتمادا على شهادة ابنته انه كثيرا ماكان يقوم بالاهتمام بأبناء وبنات العائلات المستورة التي كانت ترغب بالانتماء للفوج، ولكن ليس في  مقدورها شراء الثياب الكشفية، وسداد الاشتراكات الشهرية، فكان يقوم بذلك بمساعيه حتى بدون معرفة اعضاء اللجنة الادارية للفوج الثاني.

وكان يسعى لتنسيب البنات الى الفوج في وقت كانت فيه الكثير من العائلات المحافظة تحجم عن ذلك فكان يزورها مع زوجته التي كانت وقتئذ قائدة للمرشدات، ويقنعهم بتنسيب بناتهم الى الفوج، وان الفوج هو الحاضن الاساس والشريف لابنائه  من الجنسين جميعاً متعهداً وزوجته برعاية البنات كبناته…

كما انه كان يسعى لتشجيع المهارات الشخصية وابتكار المشاهد في الجولات التي كان يفاجئنا بها وكان منها درب الآلام التي كان لها الصدى الاكبر وقام بتمثيلها الكشاف نبيل صنيج رحمه الله وابنته سلوى نعمة وعدد من الكشافين والمرشدات وكانت مفاجئة حتى لاعضاء اللجنة الادارية.

درب الآلام ...مع المرحوم نبيل صنيج والاخت سلوى نعمة ابنته...
درب الآلام …مع المرحوم نبيل صنيج والاخت سلوى نعمة ابنته…

عندما توقفت الحركة الكشفية وحل الفوج الثاني وبقية الافواج والفرق في عام 1985 بقي مع فرقة مراسم البطريركية لفترة ثم لبى دعوة رعيتي معلولا وجديدة بتأسيس فرقتي المراسم الكنسية فيهما، واسهم بتقديم ما امكنه من المساعدة بتوفير المدربين…

في حفلات الفوج الكشفية والسمر والرياضية بمقره القديم كان يشرف على فقرات الاكروبات الرياضية التي كان قد اتقنها فيقوم بتعليمها لبعض الاعضاء الصغار.

ثالثاً الرياضة

في مقر الفوج في استقبال وفد من الكنيسة الروسية زائر للبطريركية
في مقر الفوج في استقبال وفد من الكنيسة الروسية زائر للبطريركية

عندما نشأ نادي النهضة الرياضي في مقر الفوج الكشفي وضم خيرة أبناء القصاع كان هو من الكوادر التأسيسية فيه، وأسهم في انشاء فرق العاب الكرات، وكان  هو من اللاعبين في فريق كرة القدم فيها، اضافة الى فرق الملاكمة والمصارعة الحرة التي كانت حلقاتها تقام في الدار الداخلية الجميلة لمقر الفوج.

ولما صار الانقسام المؤسف بين الفرعين الرياضي ممثلاً بنادي النهضة واستقلال الفرع الرياضي في ملعب النادي بجانب متنزه الصعبية بالقرب من ساحة التحرير، والكشفي ممثلاً بالفوج الثاني ومقره التاريخي الجميل في مدخل حارة الصليب الثانية مطلاً على سكة القصاع، وبالرغم من عشقه للرياضة الا انه بقي هو منتمياً الى الفرع الكشفي وقائداً للفوج ثم نائباً للعميد

كتاب تهنئة من قائد الكشافين  بتوليته عميدا للفوج
كتاب تهنئة من قائد الكشافين بتوليته عميدا للفوج

 وعميداً للفوج لفترة مؤقتة عام 1963 كما في كتاب التهنئة الموجه باسم طلائع الفوج من قبل قائد الكشافين اليه.

ثم تولى منصب العميد بعد وفاة العميد الرمز جورج درزي عام 1980.

الانتماء للبطريركية

كما اسلفنا انتمى منذ صبوته الى الكنيسة في أبرشية دمشق وكان من رجالات البطريركية بدمشق وجمعياته الخيرية والشبابية، كان له حضوره الفاعل في البطريركية زمن البطاركة الكسندروس الثالث وثيوذوسيوس السادس والياس الرابع واغناطيوس الرابع…

في مقر الفوج في استقبال وفد من الكنيسة الروسية زائر للبطريركية
في مقر الفوج في استقبال وفد من الكنيسة الروسية زائر للبطريركية

كلمة أخيرة

مما لاشك فيه ان من سبقنا في خدمة الكنيسة والوطن وخاصة في الحقول التي اهتموا بها كما كان المرحوم جورج نعمة يوجب علينا ان نسلط عليه الضوء…

رحمة الله عليه فقد تحقق فيه المقولة الكشفية للسير بادن باول مؤسس الكشفية ” كشاف يوم كشاف الى الأبد… 

 

بعد جولة الجمعة العظيمة ودرب الآلام  صورة في مقر الفوج تجمع قائد الاشبال وقتها الصيدلي المرحوم منير جمال  بين اشباله  وبعض الاعضاء من كشافين ومرشدات ومنهم قائد الفرقة الموسيقية  نبيل داوود وخلفه المرحوم  نبيل صنيج ...
بعد جولة الجمعة العظيمة ودرب الآلام صورة في مقر الفوج تجمع قائد الاشبال وقتها الصيدلي المرحوم منير جمال بين اشباله وبعض الاعضاء من كشافين ومرشدات ونائب عميد الفوج السيد جورج نعمة ويساره قائد الفرقة الموسيقية نبيل داوود  والمرحوم نبيل صنيج …
 من العاب الاكروبات
من العاب الاكروبات التي كان يقوم بتدريب الكشافين الصغار عليها في حفلات السمر

الفنان ميشيل كرشة  1900  –  1973

$
0
0

 

 الفنان ميشيل كرشة  1900  –  1973

علم من اعلام سورية في القرن العشرين عرفه المختصون بالفن ولكنه بالتالي ابن اسرة دمشقية ارثوذكسية ممارسة لايمانها كان منها ارملة الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي…

تميزت هذه الاسرة ولاتزال بشدة انتمائها للمقر البطريركي ولمؤسساته ولكنيستها الاساس الكاتدرائية المريمية واساساً في تجاور منازلها للمريمية ومنهم اسرة علمنا التي كانت تسكن في محلة الخمارات الممتلئة بالاضافة الى الكاتدرائية المريمية ومدرسة مار نقولا البطريركية الابتدائية ومدارس الآسية وتروي الوثائق التاريخية البطريركية الدمشقية عن وجود عدد من الشخصيات من آل كرشة وقد شغلوا مواقع مهمة في المجلس الملي البطريركي الارثوذكسي وجمعية نور الاحسان الارثوذكسية المنحلة وجمعية المستوصف الخيري وجمعية مستشفى القديس بندلايمون وهي بالتالي التي اصبحت جمعية ميتم القديس بندلايمون الارثوذكسية لتربية اليتيمات…

في هذا الجو الروحي الارثوذكسي الصرف ولد علمنا وترعرع تربية وعلما وممارسة روحية في مريمية الشام وآسية دمشق…

لذلك يحق له ويتوجب علينا ان نعتبره من اعلام دمشق الارثوذكس، وان كنا اعتبرناه من اعلام الفن التشكيلي السوري الحديث، ومن باعثي نهضته وربما كان الاميز بين الرواد وفق شهادت تلاميذه والنقاد الفنيين وقد ترك اكبر البصمات من خلال لوحاته التي ملأت المتحف الوطني والقصور الرئاسية والمراكز الثقافية والعلمية في دمشق…

السيرة الذاتية

ولد ميشيل  كرشة  في  حيّ  القيمريّة في  دمشق  عام  1900،  وهو  من  أسرة  كانت  تعمل  بتجارة  العقارات، تعلم  في  المدرسةالآسية البطريركية  في  دمشق  وبدأت  بوادر  التصوير  لدى  “ميشيل”  بفترة  مبكرة  من  عمره،  حيث  كان  يأخذ  بعض  الرسوم ويقلدها  وفي  فترة  تعليمه  الابتدائي نسخ  صورة  السياسي «وانكاريه»  من  معجم  «لاروس»  في  مكتبة  المدرسة، وقد  قال  عن  تلك  الفترة من  حياته:  ” نشأت  في  بيت  متواضع  في  حي  الخمارات وأزيد  عليها،  وأحذف  منها  كل  ما  لا  يعجبني،  كنت  فناناً  بالفطرة طليقاً  من  كل  قيد،  أكره  التقيد  بالقواعد والعادات،  وكل  شيء  في  نظري  ممكن.”   واستمر  على  ذلك  حتى  بدأت  الخدمة  العسكرية في  العهد  العثماني، فشارك  في  الحرب  العالمية  الأولى، وهناك  تبلورت  موهبة  التصوير  لديه،  حيث  أعفاه  ذلك  من  بعض  الواجبات العسكرية. 

دراسة الرسم في باريس

دير سيدة صيدنايا البطريركي والبلدة
دير سيدة صيدنايا البطريركي والبلدة

انتقل عام  1919 إلى  باريس، حيث  تقدم  إلى  مسابقة  العمارة، لكن  الحظ  لم  يحالفه  في  ذلك،  ثم  تقدم  إلى  مسابقة  التصوير فدخل  “المدرسة  الوطنية للفنون”،  وتنقل  بين  مراسم  “مون بارناس”  و”مونمارتر”.  وبقي  مخلصاّ  لتعاليم أستاذه  “لوسيان  سيمون” التي  لخصها  بدعوة  طلّابه  إلى  الاقتباس  من  كلّ  المدارس الفنيّة،  دون  التأثّر بإحداها،  وأن  يجهد  الفنّان  أن  يكون  شخصيّاً في  ابتكاراته،  كما  تأثر  بالمدرسة الانطباعيّة  فأصبح  فنّاناً انطباعيّاً  وتأثّر  بـ  “مانيه”  و”رونو”  كما  أعجب  بألوان “ماتيس”  وكان  يقول  عن  تجربته الفنية: “كنت  دوماً  أفضل  الانطباعية التي هي أقرب ما يكون إلى ذوق شعبنا  ورهافة حسه”. 

في عام  1925 في معرض  الفنّانين الفرنسيين  في  باريس  شارك  «كرشة» في  لوحتين: “نوفرة دمشق”  و”منظر  بلودان”…

العودة الى دمشق

عاد  إلى  دمشق  في  نهاية  عام  1925  متخرجاً  ومحترفاً بالتصوير، حاملاً  طريقة  جديدة  بالتصوير إلى  جمهور”دمشق”  الذي  كان  معتاداً على  رسم  الفنان “توفيق  طارق”  للوحة  خلال  عام أو اثنين، لكن  الأخير  يعطي  لوحة  ذات  طابع  كلاسيكي مهم،  فحمل “كرشة” أسلوباً جديداً بالتصوير،  حيث  كان  ينجز  اللوحة  بدقائق معدودة، مستخدماً  ألواناً مائية أو زيتية، مثل منازل للبدو أو  غروب الشمس، دخل كرشة  بعدها  سلك  التعليم في  دمشق، وأصبح  أحد  المعلمين في  التصوير بمدرسة “مكتب عنبر”.  ومارس  التعليم حتى عام 1949. 

 وفي  عام  1926  وبمناسبة  أول  معرض  نظم  في  دمشق،  فاز بالجائزة الأولى  على  الفنّانين المبدعين  “توفيق  طارق” و”فايز  العظم  “. وفي  عام  1930  شارك  في  معرض “آرت  ديكوراتيف” الفرنسي  بلوحتين:  “مأذنة عيسى” و”مناظرألف ليلة وليلة”، ابتاعتهما مجلّة “إيللوستراسيون ” وكتب  عنهما  الناقد الفنّي “بول  بوشيه” قائلاً: “لوحتا كرشة أضاءتا المعرض.”

مئذنة عيسى والجامع الاموي
مئذنة عيسى والجامع الاموي

اسرته

عام 1943  ارتبط  بالسيدة “أولغا  جورجيادس”،  وله أبناء منها  وهم  “ديمتري” و”فؤاد” و”فادي”  و”سامي” الذي  أصبح  حالياً فناناً  معروفاً  بباريس، ويعمل  بأسلوب  فني  معاصر،  إضافة  إلى  “فريدي”  وهو  فنان  تشكيلي أيضاً. 

يعتبر ” ميشيل كرشة ” أول  من  طرق  أبواب  الحداثة الفنية في حركتنا التشكيلية السورية المعاصرة التي  أسس  لها  مع  كوكبة من  الرواد منهم  توفيق  طارق، عبد  الوهاب أبو السعود، سعيد تحسين، صبحي  شعيب، خالد  معاذ، محمود  جلال، أنورعلي الأرناؤوط، رشاد  قصيباتي، رشاد  مصطفى،عبد  العزيز  النشواتي، زهيرالصبان… وغيرهم. 

 رسم  ميشيل  كرشة  الأحياء  الدمشقية والكنائس التراثية والمساجد والقصور والبيوت الدمشقية وكل ماهو تراثي، وكانت  لوحاته الزيتية  تتبع  للمدرسة الانطباعية  التي  ركز  فيها  على  اللحظة  الزمنية التي  يشاهد  فيه  المشهد  فكانت  الإضاءة  وسقوط  بقع  الضوء  الساطع  على  اللوحة  لها  تأثيرها  الساحر، ولم  يؤكد  على  إظهار  التفاصيل بعكس  المدرسة  الكلاسيكية والتسجيلية  والواقعية، ولذا  كان  يغلب على  أعماله الألوان  الساطعة  الباردة، والتأكيد  على  الكتلة واثر  سقوط  الضوء  عليها،  وهو  من  رواد  المدرسة  الانطباعية في  سورية. 

أعماله  مقتناة من  قبل  وزارة  الثقافة  السورية / وقد ملأت المتحف  الوطني بدمشق والقصر  الجمهوري في  دمشق/ وقصر  الضيافة / والمجمع  العلمي العربي بدمشق ضمن  مجموعات  خاصة.  وقد  تجاوزت لوحاته  الألف  لوحة  موزعة  في  سورية،  لبنان، فرنسا، أمريكا، إنكلترا، تشيكوسلوفاكيا،  بلغاريا، رومانيا، روسيا،  ومن  أشهر  أعماله  لوحة  “وقت  الانصراف” وهي  مقتنيات المتحف الوطني بدمشق،  وكذلك  لوحة “باحة المسجد الأموي”  “ولوحة  معلولا” و”قهوة الصباح” وأعمال أخرى لا تقل جودة  وروعة. 

من لوحاته ايوان لبيت دمشقي...
من لوحاته ايوان لبيت دمشقي…

قالوا في فنه

تحدث الكثيرون عنه وعن خصاله  الشخصية ورهافته التي فرضت ذاتها على فنه منهم…

الناقد “عبد العزيز علون” رأى خلال مقابلته بتاريخ 3/11/2011: «أن “ظهور الفنان “ميشيل كرشة” مرتبط بتاريخ الحركة الفنية في “دمشق” التي نشأت على يد “توفيق طارق” الفنان الذي جاء إلى “دمشق” عام /1900/، حيث كان الأخير رساماً ومعماراً، فاستمر بالرسم في “سورية” حتى عام /1929/، ثم بدأت الأسماء السورية في التصوير تتتابع، ومن ضمنها الفنان “ميشيل كرشة” الذي دخل العمل الفني فجأة، وهو من أسرة كانت تعمل بتجارة العقارات، وبدأت بوادر التصوير لدى “ميشيل” بفترة مبكرة من عمره، حيث يأخذ بعض الرسوم ويقلدها، واستمر على ذلك حتى بدأت الخدمة العسكرية في العهد العثماني، فشارك في الحرب العالمية الأولى، وهناك ظهرت موهبة التصوير لديه، حيث أعفاه ذلك من بعض الواجبات العسكرية، حتى وصل الأمر للسماح له بالهرب من الخدمة».

أما حول دراسته الفنية فقال “علون”: “كرشة” الذي ولد بدمشق عام /1900/ انتقل عام /1919/ إلى باريس، حيث تقدم إلى مسابقة العمارة في باريس، لكن الحظ لم يحالفه في ذلك، ثم تقدم إلى مسابقة التصوير فدخل المدرسة الوطنية للفنون هناك، ليعود إلى دمشق في نهاية عام /1925/ متخرجاً ومحترفاً بالتصوير، حيث حمل معه كل المزايا الجميلة لرسم الطبيعة في فرنسا، وبصورة خاصة المدرسة الانطباعية بالفن التي تؤمن بعدم وجود لون منفرد بالطبيعة، إذ تمر الألوان عبر انعكاس الضوء بالموشور وتتحلل وتتفاعل مع بعضها بعضاً، فجاء حاملاً طريقة جديدة بالتصوير إلى جمهور “دمشق” الذي كان معتاداً على رسم الفنان “توفيق طارق” للوحة خلال عام أو اثنين، لكن الأخير يعطي لوحة ذات طابع كلاسيكي مهم، فحمل “كرشة” أسلوباً جديداً بالتصوير، حيث ينجز اللوحة بدقائق معدودة، مستخدماً ألواناً مائية أو زيتية، مثل منازل للبدو أو غروب الشمس، لهذا السبب احتفلت “دمشق” كثيراً بميشيل كرشة، حتى فضلته على “توفيق طارق” وهذا ما أغضب الأخير كفنان كبير في العمر، وصاحب مدرسة رصينة، إذ رفض أن يأتي فنان شاب ينجز اللوحة بدقائق معدودة، ويكون له حظوة أعلى منه”.
وأضاف: “كرشة” دخل سلك التعليم في دمشق، وأصبح أحد المعلمين في التصوير بمدرسة عنبر، فله فضل كبير بتدريس الأطفال والعديد من الفنانين في مرسمه بالشارع المستقيم، فجميع لوحاته تخضع لنفس الأسلوب الفني، حيث استمر عليه طوال حياته، إلى أن حدث بعض التحول بالسنوات العشرين الأخيرة من حياته، عندما ترك “دمشق” وسافر إلى “الولايات المتحدة الأميركية”، فمال إلى نوع من التأثيرية التي تختلف قليلاً عن الانطباعية، إذ تعتمد على أخذ منظر من الطبيعة، ورسمه بسرعة عبر تفاعل الألوان مع بعضها بعضاً، أما التأثيرية فتدخل بعداً نفسياً للمنظر الطبيعي، وتؤكد هذا العنصر، حتى لو اضطرت هذه المدرسة لاستخدام الخط الذي يكون قائماً من بداية اللوحة إلى نهايتها».

مشاهد سورية
مشاهد سورية

وتابع “علون”: «تأخر بالزواج حتى /1943/ حيث ارتبط بالسيدة “أولغا جورجيادس”، وله أبناء منها وهم “ديمتري” و”فؤاد” و”فادي” و”سامي” الذي أصبح حالياً فناناً معروفاً بباريس، ويعمل بأسلوب فني معاصر، إضافة إلى “فريدي” وهو فنان جيد، فالفنان “كرشة” ترك مجموعة من الأبناء والأحفاد الفنانين، كما يزخر المتحف الوطني بعشرات اللوحات المهمة لكرشة تركها لنا وتقدر بالآلاف، فجعلته من أهم الفنانين في الحركة الفنية السورية عموماً و”دمشق” على وجه الخصوص، إذ أرسى فيها دعائم الانطباعية في التصوير، ليكون أستاذاً كبيراً للكثير من الفنانين”، وظل يرسم حتى وفاته عام /1973/».

وعن تجربة “كرشة” الفنية وتأثيره في الحركة التشكيلية آنذاك اعتبر “علون” «أن لكرشة أثراً بارزاً على الحركة التشكيلية الفنية، حيث يمكننا القول: إن توجه هذه الحركة إلى الانطباعية كان يقف وراءه الفنان “ميشيل كرشة”، إضافة إلى الفنانين الذين ذهبوا إلى “مصر” مثل “ناظم الجعفري” و”نصير شورى”، كما أن لوحاته تتميز بأنها أصيلة، حيث لم ينسخ أي لوحات في حياته باستثناء التي نسخها أثناء التدريب والتعلم، ومن الأثر المهم الذي تركه لنا أنه أرخ للعديد من المناظر 

مشهد انطباعي لحي دمشقي حديث
مشهد انطباعي لحي دمشقي حديث

الطبيعية بشكل جميل، مثل بيوت البدو في الغوطة، ومجموعة مهمة للآثار في “تدمر” و”بعلبك”، مصوراً فيها مئات اللوحات، وأيضاً صوراً لحماه ونهر العاصي والمناظر الطبيعية فيها، فضلاً عن صور الأماكن الأثرية بدمشق، دون تمييز بين المساجد والكنائس، فصوَّر الجامع الأموي وجانباً من سور دمشق، فضلاً عن تطور أسلوبه الذي بدأ انطباعياً بشكل كامل، ثم تحول إلى التأثيرية أي مرحلة ما بعد الانطباعية، فعندما يرسم لا تجده يفكر بأي شيء سوى عمله، فيرسم من القلب مباشرة، إذ تجده يصور الغروب بزمن قليل جداً، فيستطيع رسم ثلاث لوحات للغروب بدقائق معدودة، وبذلك تميزت لوحاته بالأداء السريع، إضافة إلى أنها تحوي تعبيراً مباشراً عن العاطفة أكثر من أي جانب آخر، فالعمل الفني لدى “كرشة” حتى لو كان مجرد لمسة سريعة يأتي كاملاً».
الناقد الفني “أديب مخزوم” رأى خلال مقابلته بتاريخ 10/11/2011: «أن رحلة الفنان الراحل “كرشة” مع إيقاعات الرسم الانطباعي بدأت حينما كان يحمل لوحاته وألوانه للرسم في الهواء الطلق على طريقة كبار أساتذة الرسم الانطباعي، وحاول “كرشة” بعد دراسته الأكاديمية البارسية استيعاب تجربة الفن الانطباعي، حيث بات يبحث عن لغة فنية يتجاوز بها لغة المحترف، فكان همه الوحيد التركيز على إشراق الضوء ولمسات النور على عناصر الأشكال من خلال خروجه للرسم في الهواء الطلق، والبحث عن لونية خاصة تتمز بالعفوية والغنائية والفطرية والطفولية أحيانا، ومن الخصائص الجمالية التي نجدها لديه تجانس العناصر والأشكال والمشاهد الطبيعية والإنسانية في إيقاعات لونية غابت عنها الخطوط وأظهرت اللمسات العفوية والبقع الضوئية، وركز “كرشة” على حشد لوحة المنظر أو القرية بالعناصر الإنسانية، ووجود كرشة في باريس سرعان ما حوله من رسام وجوه إلى رسام لون وضوء وعناصر مشبعة على الإشراق الشمسي في الهواء الطلق».
وتابع: «برز كأستاذ تشريح، فتمكن منه ومن النسب قبل انطلاقته في رحاب التشكيل العفوي الباحث عن الانسجام بين الأداء العقلاني والعاطفي والتلقائي، 

أو بين السكون والحركة، لتجاوز حدود الشكل الايضاحي والتعبير العقلاني، والوصول إلى التشكيل الانطباعي والتعبيري الحديث الذي يحرك الظلال والألوان الخافتة، ويمنح الأشكال المرسومة المزيد من الحيوية ويوجه الفنان لإضفاء الألوان المتوهجة القادمة من ناقلات المشهد في النهار أو لحظات معينة، أي إنه يرسم ضمن قيود ويذهب نحو تحسس نشوة النور والإيقاع اللوني الغنائي المتتابع في فراغ السطح التصويري، والقائم قبل أي شيء على طريقة نقاط التبدلات الضوئية على الأشكال، مع إعطاء أهمية لدفق الحالة العاطفية التي لابد أن تترك أثرها على سطح اللوحة، ففي لوحاته تظهر اللمسات الضوئية الانطباعية بوضوح، لذا يمكن اعتباره من أوائل الفنانين السوريين الانطباعيين».

الفن الانطباعي
الفن الانطباعي

قال عنه  الناقد “عبد الله أبو راشد”: ” إنه  لافته  حضاريّة  كريمة  ونقلة  نوعية  في  مساحة  الوفاء  والوجدان لعائلته التي حفظت هذه الثروة الوطنيّة والقوميّة من الضياع  وقدّمتها في  صورة  جماليّة راقية  تليق  بمقامه ودوره  التاريخي  في  ولادة  الفن  التشكيل  السوري.. أما  من  تخرّجوا من  واحة  فنّه  وخبرته  ورعايته، وهم  كثر،  فقد  شكّلوا  نخبة  مميّزة  من  الفنّانين  التشكيليين السوريين  الذين  حملوا  لواء  الحداثة التعبيريّة  في  مدارسها الفنّية  المختلفة».  ومما  قال  أيضا  عن  كرشة:” إننا  أمام  فنّان  تشكيلي عملاق  يمتلك  كل  مقوّمات  إنتاج  الفن  التشكيلي الخالد، ولا  يقل  موهبة  وخبرة  ومكانة  عن  سائر  الفنّانين العظام  في  العالم، في  عصر  النهضة الإيطالية  وما  أعقبها من  مدارس  فنيّة  واتجاهات  وتيّارات”. 

كما قال  تلميذه “الفنان الياس  زيّات  والرائد في تصوير الايقونات” كان  لطيفاً وصاحب  ظرف، أما  ريشته  فمرجوحة للضوء…عرفته  وتتلمذت على  يده  منذ  عام  1952…ورافقته  في  بلودان وفي  دمشق…كان  ثوريّاً  بالنسبة لما  سبقه  في  دمشق  كتوفيق طارق”.

وسار  الزيّات في  تحليل  إنتاج  معلّمه  بدءاً  بالموضوعات ويقول:”عالج  كرشة  المناظر الطبيعية بنوعيها  المعماري والخلوي، كما  عالج  اللقطات الاجتماعيّة  بين  الصور  الشخصيّة  والمشاهد داخل  المنزل، إلى  المقهى والمتنزه والريف.  كما  عالج  الموضوعات  الاجتماعية والسياسيّة: “ثلاثية  ميسلون” ولوحة “حرب  السويس”. واهتم  كرشة  في  الوضع  الاجتماعي والسياسي  في  زمنه. 

حصل ميشيل  كرشة  على  الجوائز  التالية

– الجائزة  الأولى  في  معرض  الفنانين “توفيق  طارق”  و”عبد الوهاب  أبو  السعود” و”سعيد  تحسين”  عام  1962. 

– الجائزة  الأولى  في  معرض  فلوريدا الدولي  في  مسابقة الطوابع  عام  1933. 

– وسام  الاستحقاق  السوري عام  1933. 

– جائزة  التصوير  الزيتي الثانية  عام  1955. 

– ميدالية  في  البينالي الأول  بالإسكندرية  لدول  البحر  المتوسط 1957. 

– ميدالية  في  البينالي الثالث  بالإسكندرية  لدول  البحر  المتوسط عام  1959. 

– وسام  الثقافة  بالإقليم السوري  عام  1960. 

– وسام  من  باريس  عام  1964. 

باحة الجامع الاموي
باحة الجامع الاموي

بقي كرشة  مخلصاً  لريشته واستمر  بالرسم  حتى  وافته  المنية عام  1973. 

وهو القائل:”لا  يمكنني أن  أرسم  أو  أصوّر  الجوع  من  دون  أن  أعانيه…”، “ما  يخرج  من  القلب  ينفذ لا محالة  إلى  القلب…”. “أحاسيس  الفنّان ومشاعره  تنعكس  على  إنتاجه… فيكون  انطباعياً”

رجل المبرات السيد فريد فتح الله عرمان البيروتي

$
0
0

 

رجل المبرات السيد فريد فتح الله عرمان البيروتي

مقدمة بسيطة

عائلة فتح الله عرمان  من كرام العائلات البيروتية الارثوذكسية من الأب المرحوم فتح الله عرمان الى اولاده وبالذات ولديه العلمين الارثوذكسيين رزق الله وفتح الله عرمان التي تضج باسميهما الوثائق البطريركية / وهي الرسائل الواردة من ابرشية بيروت في اربعينات وخمسينات القرن العشرين الى البطريرك الكسندروس الثالث  وهما من الغيورين الارثوذكسيين المنتمين بشدة الى الكنيسة ورئاستها مع حب عظيم للبطريرك المذكور وشدة اخلاص له…كاما من الذين لعبوا دوراً عظيم الأثر في مسيرة الحفاظ على الكنيسة واوقافها بكل ورع من خلال الرسائل المتواترة التي كانا يرسلانها الى غبطته لجهة طباعة بعض الكتب الطقسية في مطابع بيروت وخاصة كتاب المزامير، ورعايتهما لأوقاف دير سيدة صيدنايا البطريركي في بيروت بكل غيرة وسعي لتنمية هذه الاوقاف وتعزيز مواردها والحفاظ عليها، وشؤون تهم الكنيسة والكرسي الانطاكي المقدس…

بعد البحث عن سيرتهما الطيبة… بكل اسف لم أجد الا هذا النص التالي المنشور في “مجلة النور” لسان حركة الشبيبة الارثوذكسية  عدد آب 1960  المعلن عن وفاة  علمنا فريد وفيه نبذة بسيطة عنه لا تفيه حقه، وقد قمنا ببعض الاضافات البسيطة التي استخلصناها من تلك الوثائق بشكل بسيط وليس موسوعي مع التبويب، ومع ذلك يبقى منشورنا هذامجرد بصيص ضوء سلطناه على شخصية ارثوذكسية مجاهدة في العصر الحديث في ابرشة بيروت وسواها… فلربما أجد مستقبلا مايضيء أكثر:

الولادة والنشأة

ابصر فقيدنا النور في بيروت سنة 1885 وهو سادس اولاد المرحوم فتح الله عرمان وزوجته المرحومة كاتبة جرجس الفاخوري. رضعوا من الام لبان الايمان الارثوذكسي القويم وتعلموا من الاب الجهاد في سبيل الكرسي الانطاكي عامة وابرشية بيروت خاصة

تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة المرسلين الاسكوتلنديين سابقاً، المدرسة الأهلية حالياً في بيروت.

صفاته

امتهن التجارة كمعظم ارثوذكس بيروت التقليديين وكان طيلة ربع قرن من التجار المعتبرين.

اما صفاته فكانت انه اتصف بالرقة والشفافية، وجسد ذلك في شعره اذ كان  شاعراً رقيقاً لم يترك مناسبة دينية الا ونظم فيها قصيدة رفيعة تنم عما يجيش في قلبه من الايمان والمحبة.

جهاده الارثوذكسي

ائتمنه مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث على اوقاف دير سيدة صيدنايا في بيروت فرعاها بأمانة طوال 27 سنة مصدراً بيانات دقيقة لحساباتها مشجعاً على الاحسان حتى يومه الأخير.

خدم كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت مدة عشر سنوات تقريباً كوكيل لها  فقام كعادته بالمهمة خير قيام بكل اخلاص.

اهتم بالفقراء وبالاحسان اليهم، فساهم في إحياء الجمعية الخيرية الارثوذكسية وإنعاش مدارسها  وتنسيب اولاد الفقراء اليها، وساهم في انتشارها في جميع احياء العاصمة  اللبنانية بيروت، وكان انه في الفترة التي اعقبت قيام الثورة الشيوعية في روسيا وخروج اكثر من مليون روسي خارج الحدود ولجوء بعضهم الى دائرة الكرسي الانطاكي وتحديداً الى دمشق ةكانا برعاية مباشرة من مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع ابي الفقراء رداً للدين الروسي على انطاكية من خلال الجمعية الامبراطورية الفلسطينية والروسية وقد تم ايواء الكثيرين في الاديرة البطريركية والابرشية وايجاد فرص عمل لهم فيها وفي المدارس الارثوذكسية وتخصيص صواني اللم في كنائس الكرسي لمعونتهم…لذلك لقي من اتجه منهم الى بيروت ولبنان الرعاية من مطارنة الابرشيات استجابة لتوجيه غبطته والمساعدات من قبل الاغنياء وخاصة تجار بيروت الارثوذكس  وكان محور هذه العاطفة علمنا المرحوم فريد واخوته  عضوا في لجنة إغاثة المهاجرين الروس بعد الحرب العالمية الاولى والحال ذاته بعضويته في لجنة إغاثة اللاجئين اليونانيين من كيليكيا وارضروم السليبتين من الاحتلال التركي الكمالي وما مورس بحقهم وبحق السوريين الارثوذكس ابناء الكرسي الانطاكي في اعقاب الحرب العالمية الاولى وكذلك عند سلخ لواء الاسكندرون والممارسات الشنيعة المماثلة من الاتراك وكذلك اليونانيين من دولة اليونان اثناء الحرب العالمية الثانية الكارثية عليهم.

انتقاله الى الأخدار السماوية

افتقد الرب ابنه التقي فريد فتح الله عرمان يوم الاثنين في 11تموز1960

اذ نقله الى اخداره السماوية عن عمر مملوء بالميراث والأعمال الصالحة.

جرى له مأتم مهيب اشترك فيه محبوه الكثر وقد رثاه المعاون البطريركي سيادة الاسقف سرجيوس سمنة باسم غبطة البطريرك ثيوذوسيوس السادس فعدد مزاياه وحسناته وابنه الاستاذ توفيق الخوري جرجس الحداد بكلمة بليغة رقيقة.

الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

$
0
0

 

الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

عندما نتكلّم عن الأب الروحي، نَصِفُه بشيئين أساسيين: فمن ناحيةٍ، نميّز بين الأب الروحي والأب الجسدي، والفرق بين الإثنين كبير جداً بمقدار ما تختلف الولادة الروحية عن الولادة الجسدية. يقول أرسطو أن الفضل يعود إلى أهله الذين أنجبوه في الحياة الطبيعية، بينما يعود الفضل في فضيلته إلى معلّميه. وهذا الإختلاف ينطبق علينا أكثر فأكثر لأن الولادة الجسدية تمهّد للولادة بالروح..
يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أنّ العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة تكوّن أشخاصاً جدداً في الحياة. إلاّ أنهم، وإن كانوا جدداً، سيموتون.

 إنها فعلاً مشكلة: خلق جديد لكنه سيموت!

بينما في الولادة الروحية يحصل خلق جديد يتجاوز الموت. من هذا المنطلق لا تكون الولادة الجسدية بالمرتبة نفسها بالمقارنة مع الولادة بالروح. هذا ما يعبّر عنه التقليد الرهباني القائل: “إنه أمر رهيب ومخيف أن ينجِب الأهلُ أولادَهم فقط للهلاك”. هذا يعني أنّ الولادة بالروح تُدخِلنا إلى عالم جديد، وتقودنا إلى الإتحاد بالمسيح والشركة معه، وتهيئنا لاكتساب مواهب الروح القدس.

 الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

نقول في اللاهوت الأرثوذكسي أنّ الحياة في المسيح هي لاهوتٌ تطبيقي. هناك وقائع معيّنة نعيشها. وبهذه الوقائع تحصل شركةٌ جديدة وفعلية بين الإنسان والمسيح. فكلّ ما حصل للمسيح يحصل للإنسان. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي في إحدى عظاته عن الفصح المقدس: “إنّ المسيح وُلِد بحسب الجسد ونحن ينبغي أن نُولَد بالروح. ومثلما اعتمد المسيح يجب أن نعتمد. وكما صُلب المسيح يجب أن نُصلَب. وكما قام المسيح وصعد إلى السماء يجب أن نقوم نحن ونصعد إلى حياة جديدة…”. ويقول القديس مكسيموس المعترف: “ثمّة إمكانيتان يقدر الإنسان أن يتممهما، فإما أن يُصلب مع المسيح أو أن يَصلُب المسيح”. فإننا نصلُب المسيح لأهوائنا ونُصلب مع المسيح عندما نسمّر أهواءنا. وفي هذا المجال يساعدنا ويقودنا الأب الروحي. ولهذا نشدّد في اللاهوت الأرثوذكسي على أنّ اللاهوت حيّ معيوش ولا نظري مجرد. والحاجة إلى أب روحي تظهر جلياً وتتوضح من خلال الأمثلة التي سأوردها. إن القديسين مكسيموس المعترف ويوحنا السلمي يعطياننا مثالاً على ذلك: موسى النبي في قيادته للشعب في سيناء. فموسى كان ينقل رغباتِ شعبه إلى الله من ناحية ومن ناحية أخرى ينقل مشيئةَ الله إلى شعبه. وبهذه الطريقة حرّر شعبَه من العبودية في مصر وقادَه إلى أرض الميعاد. هذا هو العمل الأساسي للأب الروحي والأب الروحي يشبه موسى الذي قاد شعبه من عبودية مصر إلى أرض الميعاد. فمصر بالنسبة إلينا هي أرض الأهواء. وأرض الميعاد هي اللاهوى والشركة والوحدة مع الله. بين أرض العبودية وأرض الميعاد هناك صحراء. وهذه الصحراء في غالبية الأحيان تكون صعبة وقاسية. فكما تألّم موسى كثيراً في قيادة شعبه كذلك كلّ أب روحي سَيتعَب ليساعد أبناءه الروحيين ويقودهم إلى اللاهوى.
يطابق القديس سمعان اللاهوتي الجديد، في أحد أشعاره، بين حياته الشخصية وعلاقة موسى بشعبه فيقول أنه فيما مضى كان عبداً لأهوائه، إلى أن وجد موسى الخاص به، أي أباه الروحي الذي كان إسمه سمعان وقاده إلى أرض الميعاد. ويقول أيضاً، في هذه القصيدة، إن المصريين كانوا يلاحقونه ويركضون خلفه ليعيدوه إلى أرض العبودية. ويحدد أكثر بأن الشيطان كان يحاربه محاولاً أن يعيق مسيرتَه ليعيده إلى أرض العبودية. ويقول إنه في هذه المسيرة خَلُص بواسطة أبيه الروحي وشفاعاته وعبر الصحراء والبحر الأحمر. ويقول أنه في فترة من حياته، عندما كان صغيراً، وبالرغم من أنه كان يحيا خارج الكنيسة كليّاً، كانت له علاقة مع أبيه الروحي، يتردّد إليه ويراه رغم أنه كان يطيعه. ويقول أيضاً أن تعلّقه بأبيه الروحي ومحبته له الأمر الوحيد الذي حفظه في تلك الفترة في حياته، إلى أن ثَبَت في النهاية ودخل في الحياة بحسب المسيح.
لكي نعرف مقدار إفادته بشكل أوضح أورد مثلاً من حياة القديس الشخصية. يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد أنه رأى أباه الروحي عدّة مرات منخطفاً بالروح. فأراد التوصّل إلى هذه الحالة، فقام بصيام قاسٍ جداً وصار يصلّي بشكل متواصل وأمضى الليالي ساهراً. ولكن بالرغم من كل هذا لم يستطع تحقيقَ شيء من هذا فبكى أخيراً وذهب إلى أبيه الروحي وقال له بعبرات: “لماذا لم أستطع الوصول إلى هذه الخبرة مع أنني أصوم وأصلّي وأسهر الليل؟” فابتسم الأب وقال: “يا بنيّ، حتى تصل إلى اللاهوى مطلوب منك التواضع أكثر من هذه الأفعال النسكية. فاذهبْ اليوم إلى قلاّيتك ولا تصلِّ أيّ شيء سوى التريصاجيون أي قدّوس الله…ثم تنام”.
يقول القديس سمعان أنه ما إن بدأ بقول “قدوس الله…” حتى شعر بالنعمة وبالنور الإلهي ينسكبان عليه. هذا يعني أن طاعتنا لأبينا الروحي تقوم على قاعدة أساسية هي التواضع. إذاً، عمل الأب الروحي هو إعادة الولادة أي تجديد الإنسان. الأمر الذي يظهر جلياً في الرسالة إلى أهل كورنثوس حين يخاطبهم الرسول قائلاً: “إن كان لكم ربوات من المعلّمين الاّ أن لكم أباً واحداً لأني ولدتكم بالمسيح في الإنجيل”. يسلّط هذا المقطع الضوء على معاني الأبوة الروحية. فمن الممكن أن نصادف معلمين كثرَ في حياتنا ويمكن أن نسمع تعاليم كثيرة ونظريات الكثير من الأشخاص والمعلمين المختلفين، ولكن أبانا الذي يلدنا هو واحد، بالنسبة لأهل كورنثوس كان هذا الأب بولس الرسول رغم أن أشخاصاً آخرين عملوا في كورنثوس مثل أبّولوس وأكيلا وبرسكيلا.

القديس يوحنا الدمشقي
القديس يوحنا الدمشقي

يقول الرسول: “أنا ولدتكم في المسيح بالإنجيل”. نفهم من هذا أن الأب الروحي هو أبٌّ وأمّ في نفس الوقت. يظهر هذا في المقطع الآخر حين يقول الرسول بولس أنه يظهر ألمه تجاه المسيحيين مثلما تتألّم الأم على أولادها ليصبحوا على قامة المسيح. تجدر الإشارة إلى أن الرسول يستعمل صورة الأم في تمخّضها لتلد لأن الأب الروحي يتألّم لسقطات أولاده، لأنه إن كان الأب لا يتألّم مع أولاده الروحيين لا يكون أباً روحياً حقيقياً.
إلتقاني شخص وقال لي: “إلتقيتُ فلاناً الذي هو ابنك الروحي”، فأجبته أنه ليس من داعٍ لتقول لي أنه ابني الروحي لأني أعلم من هم أبنائي الروحيون، ومن هم الأشخاص الذين يعترفون عندي ليسَ أكثر، فأكون بالنسبة إليهم أباً معرّفاً فقط. بينما هناك أشخاص يطلبون أكثر من ذلك، يطلبون علاقة روحية وأبوّة روحية ويتحسّسون معي وأنا أتحسّس معهم. كما أن الولادة التي نتكلّم عليها والتي ذكرها الرسول بولس، مرتبطة بالنمو على شاكلة المسيح، حتى يتشكّل ويتصوّر المسيح فينا، إذ أن حضور المسيح فينا هو التألّه والشركة مع الرب وليس الأمر عبارة عن تصرفات خارجية شكلية يمكن أن نقوم بها.
حدّّثني الأب صفرونيوس، قال: “قبل أن رقد القديس سلوان قال لي مرة، بعد بضع سنوات سأجعلك أباً روحياً ولكن يجب ألاّ تنسى هذه الوصية المهمة: عليك أن تكون أمّاً أكثر منك أباً…”.
ومثلما يقول الرسول بولس، إن هذه الولادة تتمّ في المسيح بالإنجيل، وعندما نقول “بالإنجيل” فهذا يعني أنها ليست ولادة فلسفية عقلانية إنما هي ولادة في المسيح، وبنعمته غير المخلوقة.
“إني ألِدُكم في المسيح بواسطة الإنجيل”.

ما هو هذا الإنجيل؟ هل هو الكتاب المقدّس؟

عندما كتب الرسول بولس هذه الرسالة لم يكن هناك أناجيل مكتوبة بعد. ولكن عندما يقول “بالإنجيل” يعني بالحياة الجديدة والبشارة الجديدة التي جاء بها المسيح. وكلمة إنجيل في اليونانية تعني البشرى السارة. في الرسالة إلى أهل غلاطية يتكلّم الرسول على هذا الإنجيل ويقول “إني أعرف بشكل جيد الإنجيل الذي أعطيتكم إياه الذي ليس بشرياً ولم أستلمْه من بشر ولكن بإعلان الربّ يسوع المسيح”. وهكذا نفهم أن كلمة إنجيل تتماهى مع الإعلان والكشف الإلهيين. لأن الكشف الإلهي الذي في الداخل هو بالضبط نوع من العنصرة. فالرسول بولس لم يكن موجودًا مع الرسل في العنصرة لكن نلاحظ أن الرسّامين الكنسيين يرسمونه مع التلاميذ في أيقونة العنصرة. هذا يعني أن هذه الولادة الروحية ليست عبارة عن تعليم بسيط أو أن نقول للإبن الروحي أجلس واسمع ما أقوله لك وما أعطيك إياه من الملاحظات والدروس. الولادة الروحية والأبوة الروحية هما علاقة وشركة بين الأب والابن. هذا الأمر سرّ كبير في الكنيسة الأرثوذكسية، إذ أن الطاعة ليست أن ينفّذ الابن ما يقوله الأب الروحي بشكل ظاهري. بل بالأحرى هي تداخل أو تفاعل بين الشخصين. هذا يعني أني أعترف لأبي الروحي وأحاول أن أنسى ما أريده أنا بالضبط وأسأل عمّا يهمّني في حياتي. وأحاول أن أنسى ذاتي وأدخل فيه هو وأعرف ما يريده هو وليس أن أجعله يتوصّل إلى ما أريده أنا!

 الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

هذا يعني، في لاهوتنا، أنّ الكنيسة هي شركة أشخاص. هذا الأمر هو حقيقة، لكن إن لم أستطع أن أعيش هذه الشركة مع أبي الروحي لن أستطيع أن أعيشها مع أي إنسان آخر. بهذا المعنى يلد الأب الروحي إبنه الروحي في المسيح ويعلّمنا أن الحياة المسيحية ليست انغلاقاً على الذات، إذ أن الإنغلاق على الذات هو الجحيم. هكذا (حين لا ننغلق على ذواتنا) يعطينا الأب الروحي الفردوس. أخذ القديس بولس الرسول النعيم وأعطاه للآخرين، وهكذا كل مؤمن يحيا في الكنيسة عليه أن يأخذ كي يتسنى له أن يعطي. والفردوس الذي نتكلّم عنه ليس عبارة عن مجموعة من التعاليم وحسب، بل هو الحياة التي نحياها في المسيح. يفترض هذا أن يكون الأب الروحي عائشاً في التقليد الأرثوذكسي. وبمقدار إرتباطه بالمسيح يستطيع أن يربطنا به.
ثمّة صورة لها علاقة بما نقوله. فالمسيح هو أبونا وهو ابن الله ويطيعه حتى الموت. فبمقدار ما يكون الأب الروحي بالنعمة ابناً لله، بهذا المقدار يمكنه أن يكون أباً يلدنا في المسيح. هذه الصورة نصادفها أيضاً في الحياة الجسدية. فلكي يقدرَ شخص أن ينجب أولاداً من المفروض أن يصل إلى نضج معيّن وعمر معيّن. الأمر ذاته يحصل في الحياة الروحية أي أنّ الكاهن يجب أن يصل إلى نضج روحي معين حتى يستطيع أن يلد أولاداً في الروح. إنه لأمر رهيب أن يوجد كهنة عقماء لا ينجبون أولاداً روحيين، لأن هذا يعني أنهم لم يذوقوا حلاوة الحياة مع المسيح.
يقول الآباء إن لم يكن فيك خوف الله ولا تتشبث به فأضعف الإيمان أن تتعلّق بشخص يخاف الله. يكفي الإنسان أن يلتقي في حياته مرة واحدة بشخص قديس حقيقة، ولو للحظات، وهذا اللقاء سيؤثر فيه لسنين طويلة. فهذه اللقاءات تجدّده داخلياً بإستمرار. نحن نلتقي حقيقة بأشخاص قديسين لكننا لا نشعر بهم لأننا خطأة.
لكي يتم الخلق الذي نتحدّث عنه أو الحياة التي نتكلّم عنها هناك فرضيتان

الأولى: أن يوجد الأب الروحي الذي يستطيع أن ينجب أولاداً في المسيح.

ا الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

الثانية: أن يكون هناك أولاد يريدون أن يولَدوا في المسيح.

إن هدف الأب الروحي أن يلدنا في هذه الحياة الروحية الجديدة لنرى الامور بنظرة أخرى، وليس أن نُستعبَد لأهوائنا، وعلى الأخصّ هو لا يريد أن يجعلنا أولاده الروحيين الخاصّين. فالشخص الذي يريد أن يخلق أولاداً روحيين له يعمل بطريقة بشرية، أما الأب الروحي الصحيح فهو الذي يعمل على إيجاد أولاد روحيين لله بالمسيح. لذا فالأب الروحي يعتبر أولاده كهدية قيّمة من المسيح وينظر الإبن الروحي، بالمقابل، إلى أبيه الروحي كعطية له من الله. وكما تعلمون لا تُستبدل العطية بالمُعطي ولا يُستغنى بالعطية عن المُعطي. وعندما نرى عطيةً ما فإننا نذهب باذهاننا فوراً إلى الشخص الذي أعطانا إياها. لذا فهدف وجود الأب الروحي أن يحرّرنا من أهوائنا، وبالتالي أن يقودنا إلى الاستنارة والوحدة مع الرب. ليس هدفه أن يستعبد أولاده الروحيين بل أن يحرّرهم. والحرية، عملياً، هي كما في الكتاب المقدس أن يصل الإنسان إلى استنارة الذهن (Nous) .
يتساءل الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثس قائلاً: “ألست حرًّا؟ ألم أعاين المسيح؟” يُخيَّل إلينا أن الحرية هي أن نختار بين الصالح والطالح. إلاّ أن هذا التفسير هو بالحقيقة التفسير الفلسفي لمعنى الحرية. للحرية طابع أنطولوجي (كليّ، كياني…) بكلّ ما للكلمة من معنى. فمَن يملك الحرية هو الشخص الذي يستطيع أن يسيّر حياته بذاته. وبهذا المعنى، الحرُّ هو الله. أمّا نحن البشر فليس لنا الحرية الكاملة المطلقة ولكن لدينا حرية نسبية، لأننا قبل أن نولد وندخل إلى العالم لم نكن موجودين ولم يسألنا أحد إن كنا نريد المجيء إلى هذا العالم. هذا السؤال يطرحه الكثير من الشباب: “إني ولدت دون أن يسألني أحد، دخلنا العالم من دون حرية!”
نحن نعرف أنه قبل أن يُولَد الإنسان لا يكون موجوداً ليسأله أحد عن رغبته لكن يمكننا الوصول إلى هذه الحرية الكاملة عندما ندخل بملء إرادتنا الحياة الجديدة التي نتحدث عنها ونحدّد إتجاهنا نحو ملكوت الله. لذلك ينظر الأب الروحي إلى مشكلة ابنه الروحي ويساعده على التخلص من العبودية المهيمنة عليه، وبعد ذلك يتركه بحرية ليتّجه نحو الاستنارة والتألّه.

 الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

لذا يقول بستان الرهبان: “إنّ الأب الروحي لا يقف من ابنه موقف المشرّع بل هو كأب ومرشد نحو الخلاص”. بالإضافة إلى هذا، يهتمّ أيضاً بأمور أخرى بسيطة وعملية تخصّ أولاده الروحيين، لأن الإنسان لا يتكوّن من نفس فقط، بل من جسد أيضاً.
يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد أن رئيس الدير، وبالتالي الأب الروحي، يُضطر إلى الاهتمام بالحاجات الجسدية والمادية المتعلقة بأولاده الروحيين، ولكن من ضمن هذا المنظار تُسخّر هذه الحاجات في خدمة هذا الإبن ليصل إلى الاستنارة.

عمل الإبن الروحي في علاقته مع أبيه الروحي

أولاً: عليه أن يقتنع أنه بحاجة إلى مرشد وأب في حياته إذ لا يستطيع أيّ شخص اكتساب المعرفة الجسدية ما لم يكن هناك أساتذة يعلّمونه. الألعاب الرياضية أيضاً بحاجة إلى مدرّب مختبِر من دونه لا تنجح. فالمسيح في ظهوره لبولس الرسول على طريق دمشق أرسله إلى حنانيا، وكذلك أرسل الملاك العذراء مريم إلى اليصابات بعد البشارة. ينصح الآباء الإبن الروحي بأن يفتح قلبه لأبيه الروحي وأن يقول له كلّ شيء كي يساعده على تمييز الأمور التي من الله وتلك التي من الشرير.

 الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

يقول البعض “أستطيع التعلم بواسطة الإنجيل وكتب الآباء”. هذا الأمر ليس سيئاً بحد ذاته أو مرفوضاً، بل هو ضروري لكنه غير كافٍ إذ هو بحاجة إلى لاهوت حيّ. لا يستطيع الطبيب أن يصبح جرّاحاً لمجرد أنه قرأ كتباً في الجراحة فقط، بل عليه أن يتّصل بالذين كتبوا هذه الكتب ويتتلمذ على أيديهم بشكل عمليّ كي يصبح طبيباً جراحاً. وفي ما يختص بالكتاب المقدس والكتب الروحية الآبائية، يجب أن تُدرس في جو التقليد الكنسي، لذا نرى أن الكنيسة تقرأ في الخدم الليتورجية مقاطع كتابية مناسبة.

ثانياً: يجب أن يبحث الشخص عن الأب الروحي المناسب له، وإذا كان يصلي من أجل هذا الموضوع فإن الله يساعده حتماً لإيجاد هذا الشخص.

ثالثاً: في البداية، على الأقل، من الأفضل ان يسأل الإبن عن كلّ شيء وفي كلّ الأمور، لأن البعض يُخفون أشياء ويسألون عن أشياء أخرى، وهذا خطأ كبير. يذهب المريض إلى الطبيب ليأخذ العلاج المناسب، فإن أخفى عليه أمراً لن يشفى بالطبع.

رابعاً: يجب أن يحترم الابن أباه الروحي ولو أظهر الأب الروحي وداعة في تصرفاته، لأن بعض الآباء يعاملون أبناءهم بودّ ولطافة ليساعدوهم، فيستغلّ بعض الأبناء هذه البساطة والوداعة ويقابلونهما بعدم الإحترام.

خامساً: يجب أن يصبر الابن الروحي في الحالات الصعبة لأنه في أوقات صعبة يلجأ الأب إلى إجراء “عملية جراحية”، وعادة يخاف الابن من مثل هذه الحالات فيهرب مبدّلاً أباه الروحي.

سادساً: لا يغيّر الابن أباه إلاّ لسببين تسمح بهما القوانين الكنسية:
1 – إذا سقط الأب في هرطقة ما.
2 – إذا طلب الأب من ابنه أمرًا يتناقض مع إرادة الله.

سابعاً: أن يعترف الابن اعترافاً حقيقياً صادقاً وليس شكلياً. يعاني الكثير في أيامنا من إنفصام في الشخصية لأنهم يعيشون حالة إنغلاق على ذواتهم. من هنا نلاحظ أهمية وجود شخص في حياة المرء يستطيع أن يفتح له قلبه وأن يقول له كلّ شيء. يعاني الشخص المتقوقع على ذاته من مشاكل نفسية عديدة، لذلك من المستحسن، عندما يعترف، أن يقول خطاياه وليس قصصاً عنها!

 الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي

أخيراً، أودّ أن أتلو عليكم مقطعاً من كتاب “السلّم” للقديس يوحنا السلمي؛ يقول القديس: “من الأفضل للإنسان المسيحي أن يتخاصم مع الله من أن يتخاصم مع أبيه الروحي… لأننا إذا خاصمنا الله يستطيع الأب الروحي أن يعيدنا ويصالحنا معه. لكن إذا خاصمت أباك الروحي فمن سيعيدك إلى الشركة مع الله؟”

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس(اليونان)

نبذة من تاريخ المسيحية الارثوذكسية في لبنان

$
0
0

 

نبذة من تاريخ المسيحية الارثوذكسية في لبنان

مدخل

كان لبنان وهو جزء من سورية الكبرى و مازال فخراً للمسيحية الشرقية وللحضارة العالمية. منذ فجر التاريخ و لبنان يعني البياض والسمو والحضارة. و قد ورد اسمه سبعين مرة في الكتب المقدسة، فكان مثالاً للجمال بجباله العالية البيضاء وسهوله و وديانه الخضراء وزهوره و ثماره اليانعة. فورد في نشيد الأناشيد أن الحبيب” جميل كلبنان و ثابت كالأرز” و أن العروس آتية “من لبنان” وأن الملك سليمان أعطاه الله حكمة فتكلم في جميع النباتات والأشجار “من أرز لبنان إلى الزوفى النابت على الجدران” و هذا دليل على أن أرز لبنان هو أجمل الأشجار و أنبلها. أما المزامير فشبّهت الصدّيق بالأرز النابت في لبنان. وفي فترة القحط سكن نبي الله إيليا في لبنان في مدينة صرفة (بين صوروصيدا) وأعان هناك أرملة لبنانية على العيش ثلاث سنوات.يبدوأن النبيذ اللبناني الشهير كان معروفاً من يومها” يعود الساكنون في ظله يحيون حنطة ويزهرون كجفنة.يكون ذكرهم كخمر لبنان”، حتى أن “مجد لبنان” قد أعطي للمسيح.
تشرفت أرض لبنان بالمسيح الإله،  فقد بشر بنفسه في صوروصيدا ونواحيهما، ويذكر التقليد – اعتماداً على بعض دلائل الكتب المقدسة – أن يسوع زار أيضاً ضواحي بيروت، و قام بأول معجزاته العلنية في قانا بجنوب لبنان، و تجلّى على أحد قمم جبل حرمون(الشيخ) الواقع في سلسلة جبل لبنان الشرقية، لهذا يُعتبر لبنان أرضاً مقدسة مثل فلسطين و الأردن و سورية و مصر، و هي البلاد التي عاش فيها- أو زارها-  الرب يسوع المسيح في كرازته الأرضية.
عبر تاريخه وإلى يومنا الحاضر يستمر لبنان بإعطاء المسيحية قديسين وشهداء ونساكاً، و كيف يستطيع من يعيش في جبل لبنان وتحت كل هذا الجمال أن لا يسبح الله و يمجده ؟؟؟

بيروت صورة تخيلية لفينيقيا
بيروت صورة تخيلية لفينيقيا

هذه نبذه و فهرس زمني لبعض القديسين اللبنانيين أو من أصل لبناني، و هو نقطة من بحر لأن الروح يهب حيث يشاء ولا نستطيع حصر القداسة لا في صفحة ولا في ملايين الصفحات!

1-كوارتس(+القرن الأول): رسول من السبعين رسولاً، أول أسقف لبيروت، يُروى أن بطرس الرسول أقامه أسقفاً عليها، و قد ذكره بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة (16/23) “يسلّم عليكم… كوارتوس الأخ” .

2-بربارة(+القرن الثالث): شهيدة عظيمة بين الشهداء، تتنازع بلدان كثيرة شرف انتساب القديسة بربارة إليها، إلا أنه من المتعارف عليه في المشرق أنها من مدينة بعلبك الشهيرة في البقاع، كانت مؤمنة بالمسيح بينما كان والدها من الوثنيين المتنفذين في المدينة، رغم هذا جاهرت بإيمانها وهربت إلا أن جنود أبيها لاحقوها، فاختبأت و تنكرت لتفلت منهم في قصة شهيرة ماتزال أدبياتنا الشعبية ترويها للأطفال و الكبار و تتمثل بها في عيدها. استطاعوا القبض عليها وطلبوا منها نكران المسيح فرفضت، عندئذ قاموا بقتلها فاستشهدت لأجل اسم يسوع المسيح كلي المجد.
القديسة بربارة ذات شهرة واسعة جداً في الشرق و الغرب، و تمتلىء الحكايات الشعبية بذكراها وأخبار عجائبها وقصصها.

3-أكويلينا(+293): شهيدة، ولدت في جبيل عام 281، اعتمدت وهي يافعة على يد إفثاليوس أسقف المدينة، و بدأت بالتبشير والكرازة، أمسكها الحاكم وطلب منها نكران المسيح فرفضت، عندئذ أمر بأن تسجن ويقطع رأسها، و وجدت في اليوم الثاني ميتة في زنزانتها، أخذ جسدها مسيحيو جبيل ودفنوها خارج المدينة حيث صار قبرها مزاراً للتبرك والأشفية، لاحقاً نقلت رفاتها المكرمة إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة بنيت خصيصاً على اسمها.

القديس كوارتس
القديس كوارتس

4-بمفيلوس(+309): كاهن شهيد، ولد في بيروت عام 250 من أسرة فينيقية عريقة ونبيلة، درس في معهد بيروت الحقوقي الروماني الشهير وامتلأ علماً بالقانون واللغات اللاتينية واليونانية والسورية، ثم تعرف في قيصرية فلسطين على العلاّمة و المؤرخ أوسابيوس القيصري فكان له نعم الصديق. وقام بمفيلوس بمساعدته في نسخ مكتبته الكبيرة وتنقيح الترجمة السبعينية للكتاب المقدس. وعند اضطهاد مكسيمانوس دايا العنيف قام والي قيصرية بسجنه مع تسعة من رفاقه و طلب منهم نكران المسيح فرفضوا، قُطع رأسه مع رفاقه فمات شهيد إيمانه.

5-فرومنتيوس الصوري(+380): أسقف معادل للرسل، رسول أثيوبيا(الحبشة). فينيقي الأصل من مدينة صور الشهيرة، أكبر مدن فينيقية، كان مع أخيه أداسيوس في رحلة في البحر الأحمر لغرض تجاري أو استكشافي عندما رمتهم عاصفة على شاطىء الحبشة (أثيوبيا)، حيثُ نُقلوا إلى أكسوم العاصمة وتمتعوا بحظوة لدى الملك كمستشارين ( كان للرومان والهيلينستيين وقتها نفوذ كبير في أثيوبيا)، وبعد وفاة الملك تسلمت المُلك زوجته وابنه الصغير فسمحا للقديس بإقامة كنائس في البلاد، عندها بدأ الأخوان بنشر الإنجيل وهداية الأثيوبيين إلى الرب الإله. صار أداسيوس كاهناً، أما فرومنتيوس فسافر إلى الإسكندرية حيث عرض على بطريركها القديس أثناسيوس الكبير أن يرسم اسقفاً لأثيوبيا ويبعث إليها بمبشرين، فوافق القديس الكبير على كل هذا ورسم فرومنتيوس نفسه أسقفاً. و يبدو أن يسوع الإله منح فرومنتيوس آيات على مثال الرسل، فاستطاع بقداسته أن يهدي أغلبية الأثيوبيين إلى المسيح.

استمر قديسنا بالتبشير بحماسة و غيرة إلى أن رقد بالرب عام 380 مسيحية ممتلئاً بالبركات.
لقديسنا إكرام كبير في أثيوبيا ومناطق شرق أفريقيا، و هو من القديسين العجائبيين الذين ملأوا صفحة الزمان بمجد المسيح.

6-ماليتون البيروتي(+537) : راهب، من بيروت في الأصل، خلف القديس سابا في رئاسة دير اللافرا قرب المدينة المقدسة، و قد ساس ماليتون قطيع الأب سابا بكل قداسة خمس سنوات قبل أن يمضي إلى ربه.

القديس ميليتون
القديس ميليتون

7-زوسيماس الفينيقي(+القرن السادس): أصله من قرية قريبة من مدينة صور الفينيقية اللبنانية, ترهّب في دير في تلك النواحي أوائل القرن السادس, ثم انتقل إلى دير القديس جيراسيموس قرب الأردن. و أسس أخيراً ديراً قرب قيصرية فلسطين. نما في الفضيلة حتى أعطاه الرب الإله نعمة التنبؤ و التبصر. تنبأ مرة و هو يبكي بزلزال فظيع سيحدث في أنطاكية عام 528 مسيحية وهذا ما حدث. و مرة عند ذهابه إلى قيصرية قام أسد بافتراس حمارهِ، فطلب زوسيماس- الذي لم يخف – من الأسد بكل وداعة أن يحمل أمتعته لأنه هو رجل شيخ و لا يستطيع حملها لوحده، فما كان من الأسد إلا أن حمل الأمتعة بكل وداعة حتى أبواب سور المدينة!! هناك أنزل عنه الحمل ثم عاد إلى البرية. يا عجائب الرب في قديسيه!

8-إيليا البعلبكي(+779): شهيد، من مدينة بعلبك اللبنانية، ترك مسقط رأسه مع أمه الأرملة وقصد دمشق حيث عمل هناك، استشهد لأنه رفض نكران المسيح أمام رب عمله، و بقي جسده معلقاً بعد استشهاده أربعة عشر يوماً كان خلالها ينضح برائحة طيب عجيبة زكية، جرت برفاته عجائب جمّة.

القديسة بربارة
القديسة بربارة

9-مارينا(+ القرن الخامس أو الثامن): قديسة راهبة، يقال أنها ولدت في قرية القلمون القريبة من طرابلس، و ترهبت في وادي قاديشا( الوادي المقدس) في شمال لبنان. سيرتها ناقصة ولا يعرف عنها إلا النزر اليسير، لكن الأساطير حولها كثيرة، منها أنها تنكرت بزي رجل وترهبت في أحد الأديرة الرجالية باسم مارينوس، توفيت القديسة و دفنت في وادي قاديشا في شمال لبنان، و جسدها ما يزال مصدر نعمة وأشفية للجميع.

10-رزق الله بن نبع الدمشقي (+1477):  شهيد،  من مواليد دمشق وقد ترعرع فيها وصار كاتباً لدى حاكم طرابلس، و استشهد لأجل المسيح بعذابات كثيرة لأنه رفض نكرانه، قام المؤمنون بتهريب جسده الطاهر إلى جزيرة قبرص حيث صلّوا عليه و دفنوه هناك بكل إكرام.

القديس الشهيد رزق الله بن نبع الدمشقي
القديس الشهيد رزق الله بن نبع الدمشقي

القديس الشهيد أنطونيوس رَوِّحْ المختار الدمشقي 

$
0
0

القديس الشهيد أنطونيوس رَوِّحْ المختار الدمشقي 

كان اسم هذا القديس “روح” قبل ان يهتدي الى الايمان المسيحي. هو من اشراف مدينة دمشق، وكان يسكن بقرب دير على اسم القديس ثيودوروس قائد الجيش. كان سيء الاخلاق محبا للمجون، سكير.. كان يقلع الصلبان من مواضعها في الكنيسة، ويشق أردية المذبح، ويضايق الكاهن ويزعجه وقت الصلاة ويرمي عليه من كوّة في سقف الكنيسة كرات من طين. 
في احد الايام لفتت نظره في الكنيسة ايقونة القديس ثيودوروس، فتناول روح قوسه وأطلق السهم باتجاه الايقونة، الا ان السهم لما دنا من الايقونة انثنى راجعا ليخرق يده. تعجب روح من ذلك واعتراه الذهول. وفي المساء اخذ يتفكر في الامر، وسهر طوال الليل، ولما غمضت عيناه اتاه في الحلم القديس ثيودوروس وقال له: “لقد آذيتني بفعلك وعبثك بهيكلي… فارجع عن رأيك وآمن بالمسيح، وأقبل إلى الحياة”. استيقظ روح مرتعبا ومتعجبا من الحلم، الذي أشعل في قلبه نار الايمان بالرب يسوع المسيح.

عند طلوع الصباح ركب جواده وخرج الى موضع يقال له “الكسوة” وهي قرية في ريف دمشق الجنوبي على طريق دمشق الى فلسطين وبالقرب من تل كوكب،  حيث التقى اعدادا من المؤمنين في طريقهم الى اورشليم للحج. فسار معهم الى ان وصل الى اورشليم، ودخل على بطريرك اورشليم ايليا، فأخبره بجميع ما أبصر وسمع وبكلام القديس ثيودوروس، وطلب ان يعتمد، فارسله البطريرك الى دير القديس يوحنا المعمدان في نهر الأردن. لما وصل روح الى الدير – في الموضع الذي اعتمد فيه الرب يسوع المسيح – رآه راهبان، فسألهما أن يعمداه، فأجاباه الى ما سأل. فلما صعد من الماء رسما عليه اشارة الصليب وقالا له: “من الآن يكون اسمك انطونيوس”، وألبساه الإسكيم الرهباني، ثم أطلقاه.

عاد انطونيوس الى دمشق، فرآه اهله وبنو قومه وهو في زي راهب، فتعجبوا منه وقالوا له: “ما هذا الذي صنعته بنفسك، وما هذا الثوب الذي نراه عليك؟”. فأجابهم: “قد صرتُ مسيحيا مؤمنا بالرب يسوع المسيح”. فجرّروه في سوق دمشق واخذوه الى قاضيها الذي قال له: “ويحك، لم تركت الدين (الإسلام) الذي وُلدت عليه، وصرت مسيحيا كافرا؟”. فأجابه انطونيوس: “هذا قليل مني لأحظى برضى سيدي يسوع المسيح”. فلما سمع القاضي قوله ضربه وأمر بحبسه. فأقام في السجن سبعة شهور.

بعد ذلك رفع القاضي قضية انطونيوس الى هارون الرشيد، فأمر هذا الاخير بإحضاره الى بغداد ليحاكمه بنفسه. فلما مثل انطونيوس امامه، قال له الخليفة: “ما الذي حملك لأن تصنع بنفسك ما قد صنعت؟ ارجع عن رأيك الوخيم هذا ولا تنخدع”. فأجابه انطونيوس وقال له: “انا ما خُدعت، بل آمنت واهتديت الى الرب يسوع المسيح الذي اتى الى العالم نورا وخلاصا لكل الذين يؤمنون به، وأنا اليوم مسيحي مؤمن بالآب والابن والروح القدس”. فلما سمع الخليفة كلامه أمر بضرب عنقه. وكان تاريخ استشهاده في يوم عيد الميلاد سنة 800 وتم اعدامه في مدينة الرقة كما تقول بعض المصادر…

صارت الكنيسة المقدسة تعيّد له في الرابع والعشرين من كانون الاول.

 


لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟

$
0
0

لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟

كان الوثنيون يقرعون الأجراس في الماضي بهدف إبعاد الأرواح النّجسة ما أعطى هذه العادة طابعًا روحانياً. إلّا أن الكنيسة ترى هذا التّبرير خرافة لا محلّ لها في التّعاليم الكنسية.

تستخدم كل الكنائس بمختلف مذاهبها وجنسياتها الاجراس في الكنائس وهي اداة رنانة تدعو الى الصلاة وفق الثقافة العامة لمفهوم الكنيسة والدعوة الى الصلوات فيها…

في التاريخ المسيحي

تعود عادة قرع أجراس الكنيسة إلى العام 400 بعد الميلاد وتحديداً إلى زمن القديس بولينوس أسقف نولا الذي خلق رابطاً ما بين الأجراس والكنيسة. حيث في نهاية القرن الرابع الميلادي عندما أعلنت الدولة الرومية مع براءة ميلان التي اصدرها الامبراطور قسطنطين بحرية العبادة للمسيحيين في الدولة الرومانية سنة 313 مسيحية وأن “المسيحية” واحدة من الديانات الرسمية في الدولة، وتم استخدام الاجراس للإعلان عن بدء الصلاة في الكنائس التي ظهرت للعلن، بالإضافة إلى استخدامها فيما بعد انتشار المسيحية للإعلان عن الصلوات في الاديرة الرهبانية وكنائس المدن والارياف كلها.

الناقوس

كانت الأجراس في القرن الرابع والخامس الميلادي اي في بداية الاستخدام عبارة عن الناقوس وهو لوح خشبي من الخشب الرنان أو معدني كبير، يحمله الراهب ويدق عليه من أجل إعلان الصلاة، وتختلف باختلاف الصلاة او للاجتماع او… والتي لها صفة التقليد الراسخ في الحياة الرهبانية الارثوذكسية، ومازالت تستخدم حتى الآن في الأديرة الارثوذكسية الرومية والروسية والسلافية والبلغارية والانطاكية في سورية ولبنان… والاورشليمية… وفي كل العالم لإيقاظ الرهبان من أجل الصلاة، مثل دير سيدة البلمند ودير القديس جاورجيوس الجميراء البطريركي ودير سيدة حماطورا ودير “سانت كاثرين” في مصر، وأديرة “جبل أثوس” في اليونان، وأديرة”صيدنايا” السيدة، والقديس جاورجيوس والشيروبيم في سورية واديرة مارسابا و…في فلسطين.

راهب ينقس الناقوس او يدق الناقوس
راهب ينقس الناقوس او يدق الناقوس

ونقول لغوياً “نقس او طرق الناقوس اما في استعمال الاجراس فنقول قرع الجرس…

الناقوس هو هذه اللوحة الخشبية او المعدنية

ما معنى الطرق عليها لدى الرهبان الأرثوذكس ؟؟
اسمه “السيماندرو” Το σήμαντρο أو الناقوس الخشبي، وهو من أهم مميزات الأديار الأرثوذكسية عند الروم الارثوذكس ومن في حكمهم من روس وسلاف وصرب و… هذا الناقوس هو على نوعين، خشبي ومعدني. والناقوس بنوعيه سبقَ “الجرس” إلى كنائسنا الرومية الأرثوذكسية بقرون.
كان استخدام هذه الآلة عوضاً عن الجرس خلال الفترة العثمانية واشتداد الاضطهاد على المسيحيين، حيث كان يُمنع قرع الأجراس في الرعايا والأديار! وأما اليوم فقد انحصَر استعمالها في الأديرة، وذلك من أجل ايقاظ الرهبان للصلاة أو لدى استقبال البطريرك أو في الاحتفالات الكبرى بشكل عام.
“الناقوس المعدني” يرمز إلى “صوت بوق ” الملاك الذي يُعلن بفرحٍ يوم مجيء المسيح الثاني للدينونة وقيامة الأموات (1 كورنثوس 52:15 و 1 تسالونيكي 16:4).
“والناقوس الخشبي” ويُسمّى أيضاً “تالاندو” Talando وهو عبارة عن لوحة معدنية أو خشبية، تحوي في طرفيها ثلاثة ثقوب أو خمسة، الثلاثة ترمز للثالوث القدوس (الآب والابن والروح القدس)، أما الخمسة فترمز لحواس الانسان المتيقظة والمتأهبة دائماً للعمل الروحي. وهو يرمز إلى “سفينة نوح” الخشبية التي نجى بها مع عائلته من الطوفان، وقد دعى الحيوانات ليدخلوا اليها أزواجاً، وقد شُبّهت سفينة نوح في العهد الجديد ب”الكنيسة” التي هي سفينة الخلاص من طوفان الخطيئة والهلاك الأبدي (رسالة بطرس الأولى 20:3).أما الطرق عليها بالمطرقة يرمز إلى “سماع آدم وحواء صوت خُطى الرب ماشياً في الفردوس عند هبوب ريح النهار واختبأا لأنهما كانا عاريين” ( تكوين فصل 3 ، آية 8-10).
“التالاندو” (Talando) هي وحدة قياس الوزن والتقسيم النقدي، وأُستخدمت من قبل الفراعنة المصريين واليهود والرومانيين واليونانيين القدماء، وهي رمزياً (كوحدة قياس الوزن) تُذكّرنا أن الله يقيس ايمان كل واحد منا وأعمالة الصالحة لخلاص النفس وهي معروفة لديه تماماً.

الارثوذكسية
سجدات الرهبان في الاديرة الارثوذكسية

وحتى الآن يقول المسنون في بلادنا عن قرع الجرس  “دق الناقوس” وهو موروث لفظي اصيل اعتادوا عليه… 

في الكنيسة اللاتينية

اجراس الكنائس
اجراس الكنائس

إلّا أن البابا سابينيانوس شرّع رسميّاً استخدام الأجراس في عام 604 م في الكنائس اللاتينية. ثم إنتشرت ظاهرة الأجراس في أوربة الشّمالية أوائل العصور الوسطى تزامناً مع وصول الإرساليات الإيرلندية.

تستخدم الاجراس في كل الكنائس الخلقيدونية اي لارثوذكسية الرومية ومن في حكمها واللاتينية والتابع اليها من كنائس شرقية ، ولا خلقيدونية اي السريانية والقبطية والحبشية والارمنية والآشورية، والبروتستانتية وكلها تؤدي وظيفة الدعوة الى الصلاة…

وبالرغم من الغزو الكهربائي لأجراس الكنائس، إلا معظم الكنائس ما زالت تحتفظ بأجراسها اليدوية والتي تتطلب مجهود من “خادم” الكنيسة لجذبه، وبما أن دقات الجرس متعددة حيث تختلف الدقات باختلاف المناسبة والظرف فكان الجرس اليدوي يتطلب آلية معينة ليُصدر تلك الرنات المختلفة، أما في حال الكنائس متعددة الأجراس الكهربائية، فأن الأمر أصبح أكثر سهولة، واختلاف تلك الرنات يعرفها المسيحي فيدرك فور سماعها ما يدور في الكنيسة.

الهدف

للكنيسة الأرثوذكسية  تاريخ طويل ومعقّد مع رنين الأجراس، هذه العادة تطوّرت بشكل ملحوظ في الكنيسة الأرثوذكسية الرّوسية.

في كل مرّة يسمع خلالها المؤمنون اليوم رنين الأجراس يدركون فوراً أن الوقت قد حان للتوجّه إلى الكنيسة. و الكنائس البروتستانتية

هذا وتقرع  (مثل الكاثوليكية) عدّة كنائس إنجيلية  ولوثيرية الجرس ثلاث مرّات في اليوم (السّادسة صباحاً وعند الظّهيرة وفي السّادسة مساء) لتذكير المؤمنين بتلاوة الصّلاة الرّبانية.

لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟
لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟

يتم قرع الأجراس في الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية لأسباب مختلفة. حيث يتم قرع جرس صغير يُمسك باليد قبيل صلاة الإفخارستيا وعند عرض القربان المقدّس أمام المؤمنين. هنا لا بد من ذكر أنّه لا تتبع كل الكنائس الإنجيلية مراحل تقديس القربان عينها التي تقوم بها الكنائس الكاثوليكيّة.إضافة إلى ما تقدّم، تُقرع الأجراس في عدد من الكنائس ليلة الميلاد إحتفالًا بميلاد يسوع المسيح.

أن قرع الأجراس ليس مذكوراً في الإنجيل بل هو عادة تم توارثها عبر الأجيال لتذكير المؤمنين بوجود الله في العالم بطريقة تبث الفرح.

رنة الموت

لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟
لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟

وتتعدد الرنات في الكنائس، فهناك رنة “الموت” وهي عبارة عن دقات بطيئة متقطعة تفصلها ثوان معدودة، ويتم دقها أيضا في صلوات “الجمعة الحزينة” في أسبوع الآلام، وبالنسبة للمسيحيين يكفي أن نسمع الدقات الحزينة حتى نعرف أن هناك من توفي وربما تربطنا به صلة معرفة ولم يصلنا الخبر بعد وهذه من عادات المسيحيين قبل طباعة اوراق النعوة، ولاتزال في القرى، فيسهل النزول للكنيسة والسؤال عن هوية المتوفي، وهي رنات حزينة تصيب أجسادنا قشعريرة، تُذكرنا بأن النهاية قريبة لكل بني آدم.

رنة الفرح

تطرب أذاننا وتخفق قلوبنا عند سماع رنات “الفرح”، وهي الدقات السريعة المتتالية التي تصدرها الأجراس في الأعياد، وعادة ما يتم استخدام أكثر من جرس، وبدونها لا نشعر بفرحة العيد، فهي ما أن تصدر حتى نتأكد أن الكنيسة تستعد لصلاة قداس العيد، حيث نجتمع نتقاسم الفرحة والبهجة، وربما مررنا بتجارب مريرة على مدار سنوات حيث طغي الحزن والموت على الكنيسة بسبب حوادث الإرهاب، إلا أن هذه الدقات المميزة برغم الحزن لم تتوقف.

رنة القداس الالهي

لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟
لماذا تُقرع أجراس الكنيسة؟ وكيف بدأت هذه العادة؟

وأخيراً رنة “القداس الالهي” وهي الدقة المعتادة في صلاة القداسات، وهي النغمة المربعة فيقال “ربَّعَّها”، وهي تعتبر منبه مجاني للمسيحيين، لينتبهوا أن القداس لن ينتظر أحد، والتأخير لن يفيد، خاصة وأن هذه الرنة تكون في بداية القداس الالهي وتسبقها رنة اخرى قبل بدء صلاة السحر.

تصليح الجرس
تصليح الجرس

مكتب عنبر

$
0
0

مكتب عنبر 

تمهيد

هو معلم اثري دمشقي يقع في حي المنكنة في دمشق القديمة شرق الجامع الاموي، ويبعد مسافة قصيرة عن الشارع المستقيم الذي يشطر دمشق القديمة جنوباً وشمالاً ويصل مابين بابي شرقي والجابية، وهو يعتبر المنزل الأكبر بالمقارنة بمنازل المدينة القديمة.

بُني وصُمم في منتصف القرن التاسع عشر على يد السيد يوسف أفندي عنبر وهو من اعيان واغنياء اليهود الدمشقيين، وهو بناء متميز ومتقن، يعد نموذجاً للبيت الدمشقي المشهور، شكله مستطيل بمساحة 5000 متر مربع وهو مقسم لثلاثة أقسام، كل قسم له باحته الخاصة التي تحيط بها الغرف، ويبلغ مجموعها 40 غرفة موزعة على طابقين.

صادرته الدولة العثمانية لتحوله إلى مدرسة للأولاد أو كما سُمي “مكتب”

والمكتب هو يعني مدرسة رشدية او اعدادية مابعد منتصف القرن 19.

احدى باحاته
احدى باحاته

يعد مكتب عنبر من أجمل البيوت الدمشقية القديمة التي لم يطرأ عليها أي تغيير نتيجة العوامل الطبيعية والبشرية، وهو يعد صرحاً حضارياً هاماً، ومركزاً تعليمياً رائداً كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في دمشق، وقد تخرج منه أبرز وأهم من تقلدوا المناصب في  دمشق وبيروت وهو الآن مقر لجنة حماية مدينة  دمشق القديمة وفيه مركز البوابة الالكترونية لخدمة الاحوال المدنية، وسُمِّيت المنطقة التي يقع فيها باسمه نظرًا لأهميته. كما صدر فيلم مكتب عنبر ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية «بصمة مكان» التي قدّمت بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية. 

موقعه

يقع مكتب عنبر شرقي الجامع الأموي، وهو في الأصل منزل وبيت من بيوت دمشق القديمة شيده صاحبه على الطراز الدمشقي الشهير، وهو مستطيل الشكل بمساحة خمسة آلاف متر مربع، قُسم إلى أربعة أقسام، كل قسم له باحة خاصة به (الديار)، والتي تحيط به الغرف بلغ عددها 40 غرفة على طابقين.

واجهة من واجهاته البديعة وباحة خضراء
واجهة من واجهاته البديعة وباحة خضراء

المالك الاصلي والبناء

 يوسف عنبر ثري يهودي من اعيان واثرياء اليهود الدمشقيين بناه منزلاً له  على الطراز الدمشقي الشهير  سنة 1872 م ويرى باحثون أخرون إلى أن تاريخ تشييده يعود لعام  1867، وقد أنفق على إنشائه 43 ألف ليرة سورية وقد كان هذا المبلغ ذو قيمة كبيرة جداً حينها، اكتمل بناء قسمين منه بمبلغ ضخم جداً، وبسبب ارتفاع التكاليف قام عنبر بالتخلي عن المشروع في عام  1887.

موقعه الجغرافي
موقعه الجغرافي

ثم قامت الدولة العثمانية بمصادرته منه لقاء دين لها عليه حيث كان بمثابة “المكتب السلطاني” حتى العام وأكملت بناءه وأضافت له جناحين، وحولته إلى مدرسة لتعليم الأولاد، وقد حُفر على اللوحة الخارجية التي تعلوها الطغراء السلطانية: (مكتب إعدادية ملكية)، وبعد طرد العثمانيين من سورية عام 1918  قامت الحكومة العربية بتحويل المبنى إلى مدرسة للبنات (معهد التجهيز والفنون النسوية) برعاية ديوان المعارف ومن بعدها هُجر. وبذلك أصبح مكتب عنبر من أقدم المدراس في سورية.

 يصفه المؤرخ محمد كرد علي في كتابه الشهير (خطط الشام): 

“مكتب عنبر من أهم مدارس الحكومة، وصفوفها تنتهي إلى صف التاسع فقط، وأكثر طلابها عرباً من أبناء دمشق، ثم أكملت صفوفها حتى الصف الحادي عشر فأصبح ثانوية كاملة، وسمي عندها: (سلطان مكتب) أي المدرسة السلطانية، ولكن اللوحة على الواجهة لم تبدل، وبعد فترة أصبحت الصف الثاني عشر الثانوي هو أعلى الصفوف” اي صف البكالوريا في وقتنا الحالي.

باحة من باحاته
باحة من باحاته

في العهد التركي مع الاتحاديين الاتراك:

منذ 1908 بدأت سياسة التتريك، وغدت اللغة التركية هي الرسمية، وجُعل جهاز الإدارة والتدريس بأجمعه أتراكاً.
وقال  عنه الزعيم الوطني فخري البارودي في مذكراته:

“كان مكتب عنبر المدرسة الإعدادية الوحيدة في دمشق، يتراوح عدد طلابها مابين الخمسمائة والستمائة، الطلاب النهاريون يتعلمون مجاناً، بينما الليليون أو الداخليون يدفعون أجرة الطعام والنوم.
وكانت المواد التي تُدرس فيه هي: القرآن الكريم، العلوم الدينية، الفقه، اللغة العربية، ترجمة اللغة التركية، الفارسية، علم الاقتصاد، علم الجغرافية والفلك، وجغرافية الدولة العثمانية، تاريخ الدولة العثمانية، الحساب الجبر، الزراعة، الرسم، حسن الخط، الكيمياء والفيزياء والميكانيك، علم طبقات الأرض، النباتات الحيوانات”.
وييتابع  البارودي بقوله 

الطغراء العثمانية
الطغراء العثمانية

“تخرج منه أمثال: شكري القوتلي، سعيد الغزي، سعيد حيدر، فوزي الغزي ومظهر رسلان ووصفي رسلان والدكتور صلاح قنبار وأسعد خورشيد وفؤاد الساطي ونسيب البكري وغيرهم”.

في العهد العربي “عهد الملك فيصل”

“كان مكتب عنبر من أول المؤسسات التي عادت إلى اللغة العربية، ودرس فيه نخبة مختارة من علماء البلد، أمثال : حسن يحيى الصبان، أبو الخير القواس، شكري الشربجي، كامل نصري، محمد البزم، رشيد البقدونس، مسلم عناية، جودة الهاشمي، محمد الداودي، سليم الجندي، وغيرهم، وأُطلق على المكتب اسم “مدرسة التجهيز ودار المعلمين” بدلا من سلطاني مكتبي، وكان أول مدير عربي بعد الحرب العالمية الأولى هو الضابط المتقاعد : شريف رمو، ثم مصطفى تمر، فجودة الهاشمي، وغيرهم.

قوس  الليوان
قوس الليوان

 عهدالاستعمار الفرنسي

صار مكتب عنبرمركزا للجهاد ضد الفرنسيين بعد دخولهم دمشق عقب معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920 وأحد نقاط المشاركة في الثورة السورية الكبرى 1925م، ومنه تنطلق المظاهرات ضد الفرنسيين ويلتقي بهم على الفور طلاب مدارس الآسية الارثوذكسية ويخرجون معا حيث تنضم اليهما بقية المدارس.

بعد جلاء الاستعمار الفرنسي

اتخذت الحكومة من المبنى مقراً لمعهد التجهيز والفنون النسوية ومن ثم هُجر، وكان المبنى المهجور متضرر جداً وعلى وشك الإنهيار الكامل، وقامت وزارة الثقافة بشراء المبنى بهدف الحفاظ عليه من الإنهيار فقط، ومن بعدها قامت بتحويله إلى مقر للثقافة العربية في عام 1976، فقامت الوزارة بإجراء الإصلاحات وأعادت للبناء رونقه و بهاءه، وتم إلغاء المطبخ ومطعم الطلاب الليلي، وتحوت قاعة الكيمياء والفيزياء الكبيرة إلى قاعة محاضرات، وصار مدخلها من الباحة الأولى، وتم إنشاء عريشة في الباحة الأولى وزرع بها أشجار الكرمة كبقية البيوت الدمشقية التي لايخلو بيت منها من دالية عنب، وأشجار الزينة، وأُعيد ترميم الحمام وفتحه

من باحاته
من باحاته

للزائرين، وفصلت الدار التي ألحقت بالمكتب والتي كانت معدة للطلاب ودار المعلمين وصالة المرسم وملعب الرياضة حيث سُلمت لجمعيات خيرية في عام 1980م، واكتملت أعمال الترميم وافتتح بمسمى (قصر الثقافة العربية) ويحتوي على متحف و قاعة عرض ومكتبة.

منذ عام 1988م أصبح مقراً “لمديرية دمشق القديمة” التي تُعنى بكل ما يتعلق بالمدينة القديمة داخل  السور. وبه الآن قاعة للمكتبة  ومتحف وورش للعمل اليدوي.

في عام 2012م افتتحت محافظة دمشق مركز لخدمة المواطن في مكتب عنبر اسمته (البوابة الالكترونية)، ويتضمن عمل المركز معاملات ترخيص، خدمات وشكاوى، وإخراج قيود وتراخيص وسجلات إدارية، وتقديم معاملات واقعة ضمن المدينة القديمة داخل السور وخارجه وشرائح والمباني الأثرية.

باحات الورود
باحات الورود

كان الهدف من إطلاق برنامج إعادة الترميم هو إعادة شكله كما كان آنفاً بقدر المستطاع، وتمت أعمال إعادة الزخارف التي ببدأها يوسف عنبر  بناءاً على أبحاث ومعلومات تاريخية، ولكن لم تتم علمية ترميم الجناحين المضافين من قبل الدولة العثمانية حسب وثائق تاريخية، وبعد ما ابتدأت الترميم، تم تغيير الخطة ليدخل ضمن برنامج  اعادة استخدام تلاؤمية، ليصبح مكتبة، و متحف، ومركز معارض، و ورش عمل حرفية.

الخاتمة

باختصار يعد مكتب عنبر من اجمل القصور التراثية الدمشقية على غرار شقيقه قصر العظم “متحف التقاليد الشعبية” و”متحف دمشق التاريخي” فقد كان “مكتب عنبر” صرح حضاري هام، ومركز تعليمي رائد كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في عهود مظلمة شهدتها البلاد.

 قيل فيه

  ظافر القاسمي 

باحة بديعة
باحة بديعة

“لقد عاش مكتب عنبر من أواخر القرن الذي مضى، إلى أوائل الحرب الثانية، وهو يضم جمهرة المتعلمين في هذا البلد، كان هو الثانوية الرسمية المفردة في دمشق، فكان يمر عليه كل شاب في دمشق”.

 الشيخ علي الطنطاوي

“لقد كان عهد مكتب عنبر، جنتي التي خرجت منها ثم لم أعد إليها، فرجعتني إليها يا أخي ظافر بكتابك، أطير من فوق أسوارها العالية، وأبوابها الموصدة، بجناحين من ذكرى وخيال، حتى أدخلها مرة ثانية، فأعيش فيها، في حلم ممتع فتان”.

وقال عنه أيضاً

“أين أنت يا عهود الصبا، ويا مرتع الأحلام؟ تعالي أنظري ماذا صنعت الأيام بتلك الأحلام … ولقد زادني شجناً على شجن، لقد انتزعت قلبي من صدري، فعادت به إلى بيوت دمشق، إلى ذلك الفن الشامي الأصيل، الذي قفز من فوق البحر، فوصل الشاطئ الغربي في إسبانيا، بالشاطئ الشرقي في الشام، وحمل عبقرية العمران، إلى بلاد المغرب والإسبان، فامتلأ بسحرها كل مكان، وبقيت فيه إلى الآن”.

قاعة من قاعاته
قاعة من قاعاته

صفحة مضيئة من تاريخ دير النبي الياس شويا

$
0
0

صفحة مضيئة من تاريخ دير النبي الياس شويا

توطئة

نحن في ربيع السنة 1749 في مطرانية بيروت ارثوذكسية في مجلس ضم الطيب الذكر يوانيكيوس متروبوليت بيروت وتوابعها وعدداً من أعيان الرعية للنظر في مصير دير النبي الياس القريب من قرية الشوير الذي أمسى موضوع جدل ساخن بين الروم الارثوذكس والروم الكاثوليك منذ انقلابهم واتضاح سياسة روما عبر مبشريها ورهبانها وسياستهم الاستلابية عام 1724 وتبطرك كيرلس طاناس في مريمية الشام بالرسامة غير الشرعية على الكرسي الانطاكي والمقاطعة الشاملة من مطارنة الابرشيات وأراخنة الدمشقيين، وبدا للعيان ان رومة كانت تخطط منذ دخل مبشروها دائرة الكرسي الانطاكي المقدس مطلع القرن 17 وماقبل انها كانت تسعى الى ادخال انطاكية في طاعتها وادخالها في تبعيتها بطريركية كاثوليكية خاضعة لكرسي رومية…

التمهيد لذلك

كان بعض الرهبان الحلبيين وفي مقدمهم الشماس عبد الله زاخر في دير البلمند قد أبطنوا الكثلكة منذ اوائل القرن السابع عشر مع اظهار افتيموس الصيفي مطران صور وصيدا خضوعه لروما وقيام البابا بتعيينه اول اسقف على الروم  الذين تبعوا رومة عام 1700(1)

وكان بعض هؤلاء الرهبان الحلبيين قد خرجوا من دير البلمند الارثوذكسي مكان رهبنتهم وأموا الشوير وابتاعوا في السنة 1710 بعض الأراضي المتاخمة لمزار يوحنا الصابغ في خراج الشوير، وأسسوا ديراً جديداً حول هذا المزار جاعلين  منه نقطة انطلاق لبث دعوتهم. وفي السنة 1716 شاق للشاب الحلبي نقولا الصايغ أن يترهب في هذا الدير الجديد فأغناه بأدبه وبلاغته وفصاحته وماله اذ كان من اسرة حلبية وجيهة وغنية.

كنيسة الدير
كنيسة الدير

واتصل الرهبان الحلبيون الشويريون برهبان دير النبي الياس القريب في الشوير، ورهبان دير مار شعيا بين بحنس وبرمانا ورهبان دير السيدة في قرية رأس العين في بلاد بعلبك، فقبل هؤلاء دعوتهم لأنها كانت لاتزال ارثوذكسية في ظاهرها.

واجتمعوا مع الحلبيين في دير ماريوحنا في اجتماع عام في السنة 1720. ثم كان ماكان في امر الانفصال سنة 1724(2).

فتمسك الحناويون بدير النبي الياس ونشأت مشادة عنيفة لم تنته قبل السنة 1749م.

تبعية أديرة جبل لبنان

كانت اديار جبل لبنان لاتزال داخلة الى حد ما في نظام الاقطاع، فكان الامراء الاقطاعيون اصحاب الكلمة في تحديد مصير هذه الأديار.

وكانت ابرشية بيروت تشتمل على جبل لبنان “ابرشية بيروت ولبنان” (3) وكان وقتها الشيخ يونس نقولا الجبيلي الشهير بأبي عسكر هو عين من أعيان الكنيسة الارثوذكسية في هذه الابرشية، واحد بل الاقوى في وجهاء بيروت الارثوذكس، وكان ابو عسكر عاقلاً وديعاً محمود السيرة مقرباً الى السلطات نافذ الكلمة لدى الأمير ملحم الشهابي. فرأى أعيان الأبرشية في مجلسهم ان يوكلوا حل مشكلة دير النبي الياس الشوير الى حكمة ابي عسكر ودرايته ولباقته، فارتأى هو بدوره، فيما يظهر، أن يستغل دخول الاديرة في نظام الاقطاع لرفع يد الرهبان الكاثوليكيين عن دير النبي الياس الشوير، مطرح التنازع، وإعادته الى حضن الكنيسة الارثوذكسية.

دير النبي الياس شويا / الشوير
دير النبي الياس شويا / الشوير

فنجح في مسعاه ونظم ضبطاً بذلك وقعه الأميران الإقطاعيان اسماعيل وحسن اللمعيان، ووافق عليه وأمر بتنفيذه الأمير ملحم الشهابي، ومرت السنون وضاع الصك.

وبقي ضائعاً حتى عثر عليه الوجيه والطيب الذكرالمرحوم فريد عرمان وشقيقه شيخ كنيسة بيروت الجليل السيد رزق الله عرمان (4)، فحفظاه وقدماه هدية الى مثلث الرحمات البطريرك الأنطاكي الكسندروس الثالث وذلك في ايلول السنة 1946، والتالي نصه:

” وجه تحريره وموجب تسطيره

هو اننا سلمنا الى حضرة عزيزنا الشيخ يونس نقولا دير مار الياس الروم الذي كان بيد الخوري بطرس الحلبي سابقاً وأخذنا من حضرة عزيزنا المذكور الف وخمسمائة غرش نصفها سبعمائة وخمسمائة غرش نظير تسليم الذير المذكور وصار الشرط أننا نسلمه الدير المذكور وصار الشرط اننا نسلمه الدير المذكور بكلما يعرف فيه من الرزق وغيره ويوقف فيه رهبان من رهبانهم ويتصرفوا في الدير وأرزاقه وجميع مداخيله تصرف الرهبان في اديرتهم ما لنا معهم معارضة بوجه من الوجوه وان احد تعرض لهم في الدير المذكور بوجه نحن نمانع عنهم وان قبلنا عليهم زود أم برطيل أم اردنا أن نطالعهم في الزمان من الدير يكون عندنا الى حضرة الجناب العالي الأمير ملحم سبب نذر شرعي الف غرش الذي أخذناها من حضرة عزيزنا الشيخ يونس مع ربحها نظير تسليم الدير ويعطيها الى حضرة عزيزنا الشيخ يونس ولا نقبل عليهم زود من كبير ولا من صغير والشيخ يونس المذكور أشرط على نفسه أن الرهبان الذين يوقفهم في الدير المذكور يلزم يكونوا مجدين مجتهدين في قيام رزق الدير وحانوته وتجديده كما كانوا سلفاؤهم ولايبيعوا من رزق الدير وسحوته شيء يسوي قرش واحد والرهبان المذكورين الذين يوقفهم عزيزنا الشيخ يكونوا عندنا معززين مكرومين مسموعين الكلمة منقامين الحرمة بسوية جيرانهم رهبان الموارنةوأي من عدى عليهم نقاصره مقاصرة ظاهرة وان غيرنا عما هو مذكور بحرف واحد تكون تحت الشرط الذي أشرطناه على أنفسنا وعلى ذلك قول الله ورأي الله وشعيب نبي الله(5) لاتغيير ولاتبديل تحريراً في اوايل شهر رجب المبارك سنة اثنتين  وستين ومئة والف (17 حزيران 1749).

صح صح صح.

الأمير حسن                                             الأمير اسماعيل

(الختم)                                                     (الختم)

(مقال للدكتور اسد رستم مؤرخ الكرسي الانطاكي منشور في “مجلة النور” لسان “حركة الشبيبة الارثوذكسية” العدد 6- حزيران 1962 – السنة 18، وكان بعنوان: “مار يوحنا ومار الياس والكثلكة في الشوير” ونحن تصرفنا فيه بما لم يمس جوهره فقد  غيرنا عنوانه وبوبناه واضفنا عليه زيادات تفيد التوضيح اكثر مع الحواشي، وقد ورد في خاتمة المقال الأساس الفقرة الأخيرة التالية لكاتبه المؤرخ العظيم معلمنا الدكتور اسد رستم:

” وقد يكون لدى اخواننا في المسيح الشويريين الكاثوليكيين مايعاون على فهم الظرف الذي حُرر فيه هذا الصك فإذا ماصح هذا الافتراض فاننا نرجوهم أن يوافونا بما لديهم من النصوص للوصول الى الحقيقة كاملة غير ناقصة.

فالماضي مضى ونحن على عتبة دور من التفاهم والتعاون والصلاة الحارة لوحدة الكنيسة جسد الرب المنظور.”

ونحن تتبعنا بدورنا اصدارات تلك المرحلة ولم نجد التعقيب المرجو لننشره تابعاً لهذا المقال عظيم الأهمية.( اقتضى التنويه).

الحواشي

1-  وهو خريج مدرسة انتشار الايمان في رومة وقد تبناه الرهبان اللاتين، وتم تعيينه بضغط من الرهبان الكاثوليكيين حال تخرجه وعودته على البطريرك كيرلس ابن الزعيم. وتم ذلك بسبب من صفاء نية البطريرك المذكور الطاعن في السن وتمهيدا لصيرورته بطريركا كما هو مخططهم…

2- في البطريركية بدمشق بجلوس كيرلس طاناس على كاتدرا المريمية بتنصيبه بشكل غير شرعي ومخالف، ثم هروبه مع اتباعه عندما قرب وصول البطريرك الشرعي سلبسترس القبرصي و أخذ معه كل ماكان في المريمية والبطريركية من ذخائر مقدسة والبسة وتيجان للبطاركة السابقين، وأدوات مقدسة… الى دير المخلص في صيدا  التابع لخاله مطران الابرشية افتيموس الصيفي، ثم بدأ وقتها ينشىء  هيكلية بطريركية للروم الكاثوليك مع الابرشيات والرهبنات ويقيم اساقفة وآباء عامين للرهبنات… كما في تاريخ الكرسي الانطاكي للطيب الذكر الدكتور اسد رستم، مؤرخ الكرسي.

3-تم فصل الجبل عن بيروت عام 1902  واحداث ابرشيته باسم ابرشية جبيل والبترون وتوابعها وكان اول رعاته هو المتروبوليت بولس ابو عضل وذلك بقرار المجمع الانطاكي تنفيذا لرغبة رعاياه وذلك لكبر ابرشية بيروت والجبل وضعف رعايتها، حيث ورد في عرائضهم المتلاحقة من كل رعايا الجبل الى البطريرك ملاتيوس الدوماني شكواهم من ان المطران ربما كان يتسنى له زيارتهم مرة كل 4 او 5 سنوات، اضافة الى غنى جبل لبنان بالأديرة والحاجة الى رعايتها اكثر والاشراف عليها وتنمية مواردها، وناشدوه والمجمع المقدس احداث ابرشية خاصة بهم، وتم ذلك.

(4) في موقعنا هنا/ اعلام ارثوذكسيون

(5) شعيب نبي الدروز كون الاقطاعيان اسماعيل وحسن اللمعيان منظما الصك والأمير ملحم الشهابي دروز.

من نكبات دمشق/ زلزال 1759

$
0
0
من نكبات دمشق
حوادث دمشق اليومية

أحمد بن بدير الشهير بالبديري الحلاق

“ثم دخلت سنة اثنين وسبعين ومئة وألف، 1759 م

وكان قاضي الشام رجلاً صالحاً، فعمل محتسباً وصار يدور بنفسه على السوقة ويعير الموازين والأرطال والأواق، فالذي يجد أواقه ناقصاً يضربه علقة على رجليه، والذي يجد أواقه تامة يعطيه مصرية من فضة.

وفي ليلة الثلاثاء من ربيع الأول (تشرين الثاني) من هذه السنة في الثلث الأخير من الليل والمؤذنون في المآذن صارت زلزلة خفيفة، وتبعتها ثانية ثم ثالثة زُلزلت منها دمشق زلزالاً شديداً، حسب أهل دمشق أن القيامة قد قامت، فتهدّمت رؤوس غالب مآذن الشام ودور كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر التي بأعلى جبل قاسيون زلزلتها وأرمت نصفها، وأما قرى الشام فكان فيها الهدم الكثير، والقتلى التي وجدت تحت الهدم لا تحصى عدداً.

وفي الليلة الثانية زلزلت أيضاً في الوقت الذي زلزلت فيه الأولى، ثم حصلت في وقت صلاة الصبح وبالنهار أيضاً، ولا زالت تتكرر مراراً لكنها أخف من الأولين، وقد زاد الخوف والبلاء، وهجر الناس بيوتهم، وناموا في الأزقة والبساتين وفي المقابر والمرجة، وفي صحن الجامع الأموي، وفي هذه الزلزلة وقع خان القنيطرة على كل من كان فيه، فلم يسلم من الدواب والناس إلا القليل، وكذلك خان سعسع، وقد وردت الأخبار إلى دمشق الشام أن بعض البلاد والقرايا انهدمت على أهلها، فلم يسلم منها ولا من دوابها أحد.

نهر بردى
نهر بردى

وفي الزلزلة الأولى وقعت صخرة عظيمة في نهر القنوات فسدّت النهر، وانقطع الماء عن البلد أحد عشر يوماً، وبقي قُطّاع الأحجار يقطعون فيها أحد عشر يوماً، فصارت الناس في غمَّين : غمّ الزلزلة وغمّ قلة الماء.

وفي ليلة الاثنين في ربيع الثاني في الساعة الخامسة صارت زلزلة عظيمة أعظم من الأولى بدرجات، وقد صارت معها رجّة مهولة أسقطت غالب بقية المآذن، وأرمت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه مع مدرسة الكلاسة وباب البريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق، والذي سلم من الوقوع تناثر من بعضه البعض وقُتل خلق كثير خصوصاً في القرايا، ورحلت الخلائق للبساتين وللجبال والتُّرب وإلى المرجة، ونصبوا بها وبالبراري الخيام وناموا بعيالهم وأولادهم، ومع ذلك فلم تبطل الزلزلة والرجفان لا ليلاً ولا نهاراً.

ثم أمر والي الشام منادياً ينادي بالناس أن يصوموا ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع إلى جامع المصلّى، فإنه مشهور بإجابة الدعاء فيه، فخرج الناس وخرج الوزير معهم وجميع الأعيان والمفتي والقاضي، والعلماء وأهل الطرق والصوفية والنساء والأولاد، ولازموا الدعاء في المصلّى ثلاثة أيام بضجيج وبكاء وخشوع كيوم عرفات، بل كموقف القيامة، فرحمهم أرحم الراحمين، وعاملهم باللطف والتخفيف، فصارت الأرض تختلج اختلاجاً خفيفاً، ولم تزل الناس في البساتين والبراري خائفة حتى نزل عليهم الثلج المطر وصار الجليد إلى أن خفّت الزلزلة ورجعت الناس خائفين.”

من حارات دمشق القديمة
من حارات دمشق القديمة

 

خطيئة “أصليّة”أم “جَدِّيّة”؟

$
0
0

خطيئة “أصليّة” أم “جَدِّيّة”؟

رافقت مؤخراً كتاباً يسرد فيه المؤلِّف رحلة اهتدائه من اليهوديّة إلى المسيحيّة الأرثوذكسيّة مروراً بالمسيحيّة الغربيّة، البروتستانتيّة منها بخاصّة. لفتني عرضه لمسألة سقوط الإنسان الأوّل، آدم وحوّاء، وتبعاته، وتالياً مفهوم الخلاص الذي أتمّه الربّ يسوع المسيح.
فيما يستعرض المؤلِّف النظريّات اللاهوتيّة الغربيّة بهذا الشأن، يقول إنّ ثمّة تشابهاً شديداً لفته في طريقة تعاطي الله مع الجدَّين الأوَّلَين، بخصوص خطيئتهما، ومجتمع الفروسيّة الذي كان سائداً في أوربة القرون الوسطى. 
تصوِّر هذه النظريّات اللهَ بالساخط والناقم على الإنسان، والمحتاج إلى من يدفع ثمن خطيئة الجدَّين الأوَّليَن لكي “يبرد غضبه”. كما تعتبر أنّ كلّ الجنس البشري مشمول، وراثيّاً، بذَنْب خطيئةِ جَدَّيه. لا يمكنك إلا أن ترى في هذا المفهوم انعكاساً لمفهوم الثأر وغسل الذنب بالدم، وهو ما كان عُرفاً سائداً في الغرب آنذاك. 
أخذتني هذه القراءة إلى انعكاس ثقافة البشر وعقليتهم على مفهومهم لله. فالتاريخ البشري مليء بمحاولات فهم الإله وإدراك سبله وطرقه وسلوكه مع البشر. كم يُسقِط الإنسانُ صورتَه على الله فيقزِّم الصورة الإلهيّة ويمسخها!! حتّى المسيحيّة سقطت بشريّاً في هذا الفخّ على الرغم من أنّ لاهوتها قائم على كشف الله عن ذاته في يسوع المسيح، وتالياً هي بعيدة، من حيث المبدأ، كلّ البعد عن التنظير البشري في الله!!
محاولة الإنسان فهم الله أمرٌ مغروسٌ في كيانه. فصورة الله التي في الإنسان لا تزال تنشَدّ إلى أصلها الذي لم تعد تعرفه بعد السقوط من الفردوس. 
من هنا ترى مفاهيم كثيرة مغلوطة لكنّها منتشرة بين المؤمنين، ما يستدعي الكنيسة إلى تصحيحها وتقويمها على الدوام. ويعتبر مفهوم “الخطيئة الأصليّة” من بين أهمّ هذه المفاهيم المغلوطة. فالمفهوم السائد عند معظم المؤمنين هو المفهوم الغربي الذي بدأ الغرب المسيحي، بعد اكتشافه آباء الكنيسة الشرقيّة، يبتعد عنه، بتفاوتٍ بالطبع.
ثمّة اختلاف كبير بين تعبيرَي “الخطيئة الأصليّة” و “الخطيئة الجَديّة”. 
يستعمل الغرب تعبير “الخطيئة الأصليّة” الذي يُعتبر “المغبوط أُغسطين” أوَّل من أوجده. [نلفت هنا إلى أنّ أُغسطين قدّيسٌ في الكنيسة الكاثوليكيّة، بينما ثمّة جدالٌ بشأنه عند الأرثوذكس. فمعظمهم يعتبره مغبوطاً فقط].
يُعتبر أُغسطين من أبرز الوجوه الكنسيّة. ولكون اللاتينيّة لغته، فقد ترك أثره على الفكر المسيحي الغربي بشقيّه الكاثوليكي والبروتستانتي بشكل كبير، حتّى دُعي أبو اللاهوت الغربي.
يدلّ تعبير “الخطيئة الأصليّة” على خطيئة آدم وحوّاء التي تصوّرها الرواية البيبلية بالأكل من شجرة معرفة الخير والشرّ. هذه الخطيئة، بحسب المفهوم السائد، خطيئة أصليّة لأنّها الخطيئة الأولى وقد تأصلت في الجنس البشري وانتقلت إليه مع عواقبها وعقوباتها. فحمل جميع البشر وِزرها وذنبها وصار لزاماً عليهم التكفير عنها. لكنّهم بسبب سقوطهم من الفردوس لم يعودوا قادرين على القيام بالتكفير المطلوب، ما استدعى الله إلى أن يقوم بالتكفير لنفسه نيابة عنهم.
تطوّر هذا التعليم في الغرب وتشعّب وقال في الخلاص الذي تمّمه المسيح ما يختلف عمّا يقوله الشرق المسيحي. كان الأب الماروني ميشيل الحايك يعتبر أنّ الجمعة العظيمة تطبع المسيحيّة الغربيّة، بينما أحد الفصح يطبع المسيحيّة الشرقيّة. 
ساهم تفسير وراثة “الخطيئة الأصليّة”هذا في توسيع الخلاف الإيماني بين الشرق والغرب في ما بعد، والدخول في هذا المجال يخرج عن نطاق مقالة قصيرة، لأنّه يحتاج إلى صفحات. 
ساد التفكير القانوني في الغرب بعد القرن الحادي عشر، ما أدخل منطقاً قانونيّاً قضائيّاً في تفسير اللاهوت المسيحي وخلاص المسيح بخاصّة. فاستناداً إلى مفهوم الذَنْب الموروث من الجَدْيَّن الأوَّلَين دخل منطق المديونيّة، فاعتُبر الإنسان مديوناً لله ويحتاج، من أجل الحصول على الغفران، إلى تسديد هذا الدَين، وبما أنّه عاجزعن القيام بذلك، بسبب سقوطه من الفردوس، أتى المسيح ليسدّده نيابة عن البشر كلّهم. 
أمّا الشرق المسيحي، فيستعمل تعبير “الخطيئة الجديّة” للدلالة على الخطيئة التي ارتكبها الجَدّان الأوَّلان لا أكثر. جوهر هذه الخطيئة، بحسب اللاهوت الأرثوذكسي، هو رفض العيش مع الله والرغبة في أن يصير الإنسان إلهاً من دون الله، وإصراره على موقفه. وهي ذاتها لا تزال خطيئة البشر حتّى اليوم. 
ولأنّ الله مصدر الحياة ومنشؤها، خسر الإنسان الحياة عندما ابتعد عن الله ودخل الموت إلى كيانه. تشوَّهت صورة الله في الإنسان نتيجة إظلامها بالبعد عن خالقها، ما أنتج صراعاً بين الخير والشرّ في داخله. يختبر الإنسان الساقط هذا الصراع على الصعيد الشخصي، في داخله، وعلى الصعيد الخارجي، في علاقته مع البشر والخليقة بعامّة. 
أدّت خطيئة الجَدَّين إلى إعطاب طبيعة الإنسان المخلوق لكي ينمو ويكبر في كنف الله ويصير إلهاً بالنعمة. فنقل الجَدَّان إلى أولادهما، وتالياً إلى الجنس البشري، هذه الطبيعة المعطوبة. لا يرث الإنسان بولادته ذَنْباً ارتكبه جَدّاه، بل يأتي إلى هذا العالم حاملاً طبيعة معطوبة، أي قابلة للخطيئة، كطبيعة والديه. 
هذا ما يقصده المزمور الخمسون في قوله: “هاأنذا بالآثام حُبل بي وبالخطيئة ولدتني أمّي”. ليست العلاقة الجسديّة بين الوالدين هي المقصودة ولا وراثة ذَنب آدم وحوّاء. 
لا يقول اللاهوت الشرقي بأنّ المعموديّة “تخلًّصنا من الخطيئة الأصليّة” لأنّه، ببساطة، ما من “خطيئة أصليّة” أساساً. بل يقول إنّ المعتمد يولد، بالمعموديّة، ولادةً جديدة روحيّة تجعله ابن الله وتزوّده بالنعمة الإلهيّة التي تمكّنه، إذا أراد، من مقارعة الشرّ والشرّير والعودة إلى الحالة الأولى التي خلقه الله عليها. 
بهذا المعنى يفهم اللاهوت الأرثوذكسي فداء المسيح. فلا يستعمل لفظة “الكفّارة” إلا نادراً. فالمسيح أتى ومنح البشرَ، بالخلاص الذي تمّمه، القدرةَ على النهوض من طبيعتهم المعطوبة والعودة إلى طبيعة ما قبل السقوط.
لا يرى الشرق المسيحي في الأمر دَيْناً وَجَب تسديده أو عقاباً وَجَب إنزاله بالإنسان ولا غضباً إلهيّاً وَجَبت تهدئته. وقد بدأ بعض الفكر اللاهوتي الغربي المعاصر بالميل إلى هذا الاتجاه، بعد اكتشافه آباء الكنيسة الشرقيّة. 
الله سرّ لا يُدرك إلا عندما يكشف عن ذاته بالقدر الذي يستوعبه الإنسان المتقبّل كشفه. لذلك فاللاهوت الحقّ (علم الإلهيّات) وليد الاستنارة الإلهيّة التي تنير ذهن الإنسان المتطهر، وليس وليد كليّات اللاهوت. 
إن كنتَ ذا قدرات عقليّة تستطيع استخدامها في صياغة خبرة الكشف الإلهي هذه والتعبير عنها. أمّا من دونها، فستقع في فخ صياغة إله على قياسك، وتكون على شفا الوقوع في الانحراف والهرطقة. طهّر نفسك باستمرار لينيرك الله بقَبَس منه، فتدرك ما لا يمكن إدراكه من دونه.

(المتروبوليت سابا اسبر راعي ابرشية بصرى حوران وجبل العرب)

 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>