Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

 دمشق ملهمة الشعراء

$
0
0
 دمشق ملهمة الشعراء
كلمة لابد منها
دمشق ربما كانت المدينة الأكثر التي تفنن الشعراء والكتاب واصحاب الفنون في الاطناب بحسنها فالشعراء اعطوها من عيون الشعر والنثر…
والكتاب دبجوا المقالات الفخيمة…
وفيروز التي لم تغني يوماً لحاكم وحصرت ابداعها في الغناء للبلدان وحظيت دمشق بالحصة الاكبر من قصائد الشعراء منهم الشاعر الفحل سعيد عقل و… 
 لذا سنبدأ هنا بقصيدة رائعة جداً للشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل وندرج فيها أبيات نعتقد أنها من أجمل ما قيل في دمشق حيث قال فيها  وقد غنتها فيروز الصوت الرباني
“أن حتى الحجر يطرب في دمشق”
شام يا ذا السيف فيروز و معرض دمشق الدولي1963 مشام يا ذا السيف فيروز و معرض دمشق الدولي1963
شام يا ذا السيف فيروز و معرض دمشق الدولي1963


طالَتْ نَوَىً وَ بَكَى مِن شَـوْقِهِ الوَتَرُ
خُذنِي بِعَينَيكَ وَاهْـرُبْ أيُّها القَمَرُ
لم يَبقَ في الليلِ إلا الصّوتُ مُرتَعِشاً
إلا الحَمَائِمُ، إلا الضَائِـعُ الزَّهَـرُ
لي فيكَ يا بَرَدَى عَهـدٌ أعِيـشُ بِهِ
عُمري، وَيَسـرِقُني مِن حُبّهِ العُمرُ
عَهدٌ كآخرِ يومٍ في الخـريفِ بكى
وصاحِباكَ عليهِ الريـحُ والمَطَـرُ
هنا التّرَاباتُ مِن طِيبٍ و مِن طَرَبٍ
وَأينَ في غَيرِ شامٍ يُطرَبُ الحَجَرُ؟
شـآمُ أهلوكِ أحبابي، وَمَـوعِـدُنا
أواخِرُ الصَّيفِ ، آنَ الكَرْمُ يُعتَصَرُ
نُعَتِّـقُ النغَمَاتِ البيـضَ نَرشُـفُها
يومَ الأمَاسِي ، لا خَمرٌ ولا سَـهَرُ
قد غِبتُ عَنهمْ وما لي بالغيابِ يَـدٌ
أنا الجَنَاحُ الذي يَلهـو به السَّـفَرُ
يا طيِّبَ القَلـبِ، يا قَلبي تُحَـمِّلُني
هَمَّ الأحِبَّةِ إنْ غَابوا وإنْ حَضِروا
شَـآمُ يا ابنةَ ماضٍ حاضِـرٍ أبداً
كأنّكِ السَّـيفُ مجدَ القولِ يَخْتَصِرُ
حَمَلـتِ دُنيا عـلى كفَّيكِ فالتَفَتَتْ
إليكِ دُنيا ، وأغضَـى دُونَك القَدَرُ
وقال ايضا سعيد عقل 

ياشام عاد الصيف...
ياشام عاد الصيف…


يا شَـامُ عَادَ الصّـيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ
صَـرَخَ الحَنينُ إليكِ بِي: أقلِعْ، وَنَادَتْني الرّياحُ
أصـواتُ أصحابي وعَينَاها وَوَعـدُ غَـدٌ يُتَاحُ
كلُّ الذينَ أحبِّهُـمْ نَهَبُـوا رُقَادِيَ وَ اسـتَرَاحوا
فأنا هُنَا جُرحُ الهَوَى، وَهُنَاكَ في وَطَني جراحُ
وعليكِ عَينِي يا دِمَشـقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ
يا حُـبُّ تَمْنَعُني وتَسـألُني متى الزمَنُ المُباحُ
وأنا إليكَ الدربُ والطيـرُ المُشَـرَّدُ والأقَـاحُ
في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ و رَاحُ
أهـلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّـدَتْنا وَالسَّـمَاحُ
وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا
يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ
قصيدة للشاعر أحمد شوقي 
سلام من صبا بردى أرّق … و دمع لا يُكَفكَف يا دمشقُ
و ذكرى عن خواطرها لقلبي … إليكِ تلفّتٌ أبدا و خفقُ
لحاها اللهُ أنباءً توالَت … على سمعِ الوليِّ بما يشقُّ
و قيلَ معالمُ التاريخِ دُكَّت … و قيلَ أصابها تلفٌ و حرقُ
دمُ الثوّار تعرفه فرنسا … و تعلم أنه نورٌ و حقُّ
نصحتُ و نحن مختلفون داراً … و لكن كلّنا في الهم شرقُ
وقفتم بين موتٍ أو حياةٍ … فإن رُمتم نعيم الدهر فاشقوا
و للأوطان في دم كل حرٍ … يدٌ سَلَفت و دينٌ مُستحّقُ
و لا يبني الممالك كالضحايا … و لا يُدني الحقوقَ و لا يُحِقُّ
و للحرية الحمراء بابٌ … بكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ
جزاكم ذو الجلال بني دمشق … وعزُّ الشرق أوله دمشق
قصيدة إلى دمشق الشاعر مظفر النواب 

دمشق ملهمة الشعراء
دمشق ملهمة الشعراء


دمشقُ عدتُ بلا حُزني ولا فرَحي يقودني شَبحٌ مضنى إلى شبحِ
ضَيّعتُ منكِ طريقاً كنتُ أعرفه سكرانَ مغمضة عيني من الطفحِ
أصابحُ الليلَ مصلوباً على جسدٍ وأين كان غريبٌ غير ذي قرح
هذي الحقيبة عادت وحدها وطني ورحلة العمر عادت وحدها قدحي
أصابح الليل مطلوباً على أملٍ أن لا أموت غريباً ميتة الشبح
يا جنة مر فيها الله ذات ضحى لعل فيها نواسياً على قدح
فحار زيتونها ما بين خضرته وخضرة الليل والكاسات والملح
لقد سكرت من الدنيا ويوقظني ما كان من عنبٍ فيها ومن بلح
تهرُّ خلفي كلاب الحيّ ناهشة أطراف ثوبي على عظمٍ من المنح
ضحكت منها ومني فهي يقتلها سعارها وأنا يغتالني فرحي
نزه الطرف في دمشق ففيها … كل ما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمل …. كيف تجري من تحتها الانهار
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها …. فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلا استخفني …. إلى بردى والنيربين حنين 
أبو المطاع بن حمدان
أما دمشق فقد أبدت محاسنها …. وقد وفى لك مطربها بما وعدا 
إذا أردت ملأت العين من بلد …. مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا …. ويصبح النبت في صحرائها بددا
كأنما القيظ ولى بعد جيئته …. أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري

 دمشق… ياجبهة المجد
شَمَمْتُ تُرْبَكِ لا زُلْفى ولا مَلَقا
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا خِبّاً، ولا مَذِقا
وما وَجَدْتُ إلى لُقْياكِ مُنْعَطَفاً
إلاّ إليكِ،ولا أَلْفَيْتُ مُفْتَرَقا
كنتِ الطَّريقَ إلى هاوٍ تُنازِعُهُ
نفسٌ تَسُدُّ عليهِ دونَها الطُّرُقا
وكان قلبي إلى رُؤياكِ باصِرَتي
حتى اتَّهَمْتُ عليكِ العينَ والحَدَقا
شَمَمْتُ تُرْبَكِ أَسْتافُ الصِّبا مَرِحاً
والشَّمْلُ مُؤْتَلِفاً، والعِقْدُ مُؤْتَلِقا
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا كالمُشْتَهي بَلَداً
لكنْ كَمَنْ يَتَشَهّى وَجْهَ مَن عَشِقا
قالوا (دِمَشْقُ) و(بَغْدادٌ) فقلتُ هما 
فَجْرٌ على الغَدِ مِن أَمْسَيْهِما انْبَثَقا
ما تَعْجَبونَ؟ أَمِنْ مَهْدَيْنِ قد جُمِعا
أَم تَوْأَمَيْنِ على عَهْدَيْهِما اتَّفَقا
أَم صامِدَيْنِ يَرُبَّانِ المَصيرَ مَعاً
حُبَّاً ويَقْتَسِمانِ الأَمْنَ والفَرَقا
يُهَدْهِدانِ لِساناً واحِداً ودَماً
صِنْواً، ومُعْتَقِداً حُرَّا،ً ومُنْطَلَقا
أَقْسَمْتُ بالاُمَّةِ اسْتَوْصى بها قَدَرٌ
خَيراً، ولاءَمَ منها الخَلْقَ والخُلُقا
مَن قالَ أنْ ليسَ مِن معْنىً للفْظَتِها
بلا دِمَشْقَ وبَغدادٍ فقد صَدَقا
فلا رَعى اللهُ يوماً دسَّ بينهما
وَقيعَةً، ورَعى يَوْمَيْهِما ووَقى
يا جِلَّقَ الشَّامِ والأَعْوامُ تَجْمَعُ لي
سَبْعاً وسَبْعينَ ما الْتاما ولا افْتَرَقا
ما كانَ لي منهما يومانِ عِشْتُهُما
إلاّ وبالسُّؤْرِ مِن كَأْسَيْهِما شَرِقا
يُعاوِدانِ نِفاراً كلّما اصْطَحَبا
ويَنْسَيانِ هوىً كانا قدِ اغْتَبَقا
ورُحْتُ أَطْفو على مَوْجَيْهِما قَلِقاً
أَكادُ أَحْسُدُ مَرْءًا فيهما غَرِقا
يا لَلشَّبابِ يَغارُ الحِلْمُ مِن شِرَةٍ
بهِ، وتَحْسُدُ فيهِ الحِنْكَةُ النَّزَقا
ولَلبَساطَةِ ما أَغْلى كَنائِزَها
(قارونُ) يُرْخِصُ فيها التِّبْرَ والوَرِقا
تَلُمّ كأْسي ومَن أهْوى، وخاطِرَتي
وما تَجيشُ، وبَيْتَ الشِّعْرِ والوَرَقا
أَيَّامَ نَعْكِفُ بالحُسْنى على سَمَرٍ
نُساقِطُ اللَّغوَ فيه كَيْفما اتَّفَقا
إذْ مسْكَةُ الرَّبَواتِ الخُضْرِ توسِعُنا
بما تَفَتَّقَ مِن أنْسامِها عَبَقا
إذْ تُسْقِطُ (الهامَةُ) الإصْباحُ يُرْقِصُنا
و(قاسيُونُ) علينا يَنْشُرُ الشَّفَقا
نَرْعى الأَصيلَ لِداجي اللّيلِ يُسْلِمُنا
ومِن كُوىً خَفِراتٍ نَرقُبُ الغَسَقا
ومِن كُوىً خَفِراتٍ نَسْتَجِدُّ رُؤىً
نَشْوانَةً عَن رُؤىً مَمْلولَةٍ نَسَقا
آهٍ على الحُلْوِ في مرٍّ نَغَصُّ بهِ
تَقَطَّرَا عَسَلاً في السُّمِّ واصْطَفَقا
يا جِلَّقَ الشَّامِ إنّا خِلْقَةٌ عَجَبٌ 
لم يَدْرِ ما سِرُّها إلاّ الذي خَلَقا
إنّا لَنَخْنُقُ في الأَضْلاعِ غُرْبَتَنا
وإنْ تَنَزَّتْ على أَحْداقِنا حُرَقا
مُعَذَّبونَ وجَنَّاتُ النَّعيمِ بنا
وعاطِشونَ ونَمْري الجَوْنَةَ الغَدَقا
وزَاحِفونَ بِأَجْسامٍ نَوابِضُها
تَسْتَامُ ذِرْوَةَ (عِلِّيِّنَ) مُرْتَفَقا
نُغْني الحَياةَ ونَسْتَغْني كأنَّ لنا
رَأْدَ الضُّحى غَلَّةً والصُّبْحَ والفَلَقا
يا جِلَّقَ الشَّامِ كم مِن مَطْمَحٍ خَلَسٍ
للمَرءِ في غَفْلَةٍ مِن دَهْرِهِ سُرِقا
وآخَرٍ سُلَّ مِن أنْيابِ مُفْتَرِسٍ
وآخَرٍ تَحْتَ أَقْدامٍ لهُ سُحِقا
دامٍ صِراعُ أخي شَجوٍ وما خَلَقا
مِنَ الهُمومِ تُعَنِّيهِ، وما اخْتَلقَا
يَسْعى إلى مَطْمَحٍ حانَتْ وِلادَتُهُ
في حينِ يَحْمِلُ شِلْواً مَطْمَحاً شُنِقا
حَرَّانَ حَيْرانَ أَقْوى في مُصامَدَةٍ
على السُّكوتِ، وخَيْرٌ مِنهُ إنْ نَطَقا
كَذاكَ كُلُّ الذينَ اسْتُودِعوا مُثُلاً
كَذاكَ كلُّ الذينَ اسْتُرْهِنوا غَلَقا
كَذاكَ كانَ وما يَنْفَكُّ ذو كَلَفٍ
بِمَنْ تُعبِّدَ في الدُّنْيا أو انْعَتَقا
دِمَشْقُ عِشْتُكِ رَيْعاناً، وخافِقَةً 
ولِمَّةً، والعُيونَ السُّودَ، والأَرَقا
وها أَنا، ويَدي جِلْدٌ، وسالِفَتي
ثَلْجٌ، ووَجْهيَ عَظْمٌ كادَ أو عُرِقا
وأنتِ لم تَبْرَحي في النَّفْسِ عالِقَةً
دَمي ولَحْمِيَ والأنْفاسَ، والرَّمَقا
تُمَوِّجينَ ظِلالَ الذِّكْرَياتِ هَوىً
وتُسْعِدينَ الأَسى، والهَمَّ والقَلََقا
فَخْراً دِمَشْقُ تَقاسَمْنا مُراهَقَةً
واليومَ نَقْتَسِمُ الآلامَ والرَّهَقا
دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ
سَبائِكُ الذّهَبِ الغالي فما احْتَرَقا
على المَدى والعُروقُ الطُّهْرُ يَرْفُدُها
نَسْغُ الحياةِ بَديلاً عن دَمٍ هُرِقا
وعندَ أَعْوادِكِ الخَضْراءِ بَهْجَتُها
كالسِّنْدِيانَةِ مهما اسَّاقَطَتْ ورَقا
و(غابُ خَفَّانَ) زَئَّارٌ بهِ (أسَدٌ)
غَضْبانَ يَدْفَعُ عن أَشْبالِهِ حَنِقا
يا (حافِظَ) العَهْدِ، يا طَلاّعَ أَلْوِيَةٍ
تَناهَبَتْ حَلَباتِ العِزِّ مُسْتَبَقا
يا رابِطَ الجَأَشِ، يا ثَبْتاً بِمُسْتَعِرٍ
تَآخَيا في شَبوبٍ مِنه، والتَصَقا
تَزَلْزَلَتْ تَحْتَهُ أرضٌ فما صُعِقا
وازَّخْرَفَتْ حولَهُ دُنيا فما انْزَلَقا
أَلْقى بِزَقُّومِها المُوبي لِمُرْتَخِضٍ
وعافَ للمُتَهاوي وِرْدَها الطَّرَقا
يا حاضِنَ الفِكْرِ خَلاّقاً كأنَّ بِهِ
مِن نَسْجِ زَهْرِ الرُّبى مَوشِيَّةً أَنَقا
لكَ القَوافي، وما وَشَّتْ مَطارِفُها
تُهْدى، وما اسْتَنَّ مُهْدِيها، وما اعْتَلَقا
مِنَ (العِراقِ) مِنَ الأرضِ التي ائْتَلَفَتْ
و(الشَّامِ) ألْفاً فما مَلاَّ و لا افْتَرَقا
يا (جَبْهَةَ المَجْدِ) أَلْقَتْ كَرْبةٌ ظُلَلاً
مِنَ الشُّحوبِ عليها زِدْنَها أَلَقا
مَرَّتْ يَدٌ بَرَّةٌ فوقَ العُروقِ بها
تُميطُ عنها الأسى، والجُهْدَ، والعَرَقا
كَمِثْلِ أَرْضِكِ تَمْتَدُّ السَّماءُ بها
مَهْمومَةً تَرْقُبُ الفَجْرَ الذي انْطَلَقا
أَسْيانَةً كَم تَلَقَّتْ بينَ أَذْرُعِها
نَجْماً هَوى إثْرَ نَجْمٍِ صاعِدٍ خَفَقا
مَصارِعٌ تَسْتَقي الفادينَ تُرْبَتَها
في كلِّ شَهْرٍ مَشى (فادٍ) بها وسَقى
يا بِنْتَ أُمِّ البَلايا عانَقَتْ نَسَباً
أَغْلى وأَكْرَمَ في الأَنْسابِ مُعْتَنَقا
راحَتْ تُمَزِّقُ كُلّ الهازِئينَ بها
وحَوْلَكِ اسَّاقَطَتْ مَهْزوزَةً مِزَقا
كُنْتِ الكفُوءَ لها إذ كنتِ مُعْتَرَكاً
لِسوحِها، فِرَقاً جَرَّارَةً فِرَقا
(تَيْمورُ) خَفَّ و(هُولاكو) وقد سَحَقا
كلَّ الدُّنى وعلى أَسْوارِكِ انْسَحَقا
ما كنتِ أَعْتى، ولا أَقْوى سِوى دُفَعٍ
مِنَ الرُّجولاتِ، كانتْ عندها لُعقا
هنا جِوارَكِ ذو زَمْزَامَةٍ لَجِبٌ
أمْسِ اسْتَشاطَ فصَبَّتْ نارُهُ صَعَقا
على اليَهودِ، وعادَ اليومَ مِن خَوَرٍ
يَمُدُّ طَوْعاً إلى جَزَّارِهِ العُنُقا
حُبُّ الحَياةِ تَغْشاهُ فَكانَ لَهُ
صَدَاقُها الذُلَّ، والإسْفافَ، والخَرَقا
تَخالَفَ الحُكْمُ فَرْداً لا ضَميرَ لهُ
إذا اسْتَدارَ، ولا ناهٍ إذا مَرَقا
ومُجْمِعينَ تَواصَوا بَينَهُمْ شَرَعاً
على الحفَاظِ، وساوَوْا أمرَهُم طَبَقا
دِمَشْقُ كم في حَنايا الصَّدْرِ مِن غُصَصٍ
لو لَم نَدُفْها بِمُرِّ الصَّبْرِ لاخْتَنَقا
صُبَّتْ (ثَلاثونَ) لم تَدْرِ الصَّباحَ بها
سودُ اللَّيالي، ولم تَكْشِفْ بها أُفُقا
هُنَّا عليها فَشَدَّتْنا بِسِلْسِلَةٍ
مِنَ الكَوارِثِ لم تَسْتَكْمِلِ الحَلَقا
جاعَتْ لِقَحْطِ (مُفاداةٍ) بها وَعَدَتْ
واسْتَنْجَدَتْ صاعَها والمِئْزَرَ الخَلَقا
ونحنُ نُطْعِمُها حُلْوَ البَيانِ رُؤىً
والفَخْرَ مُتَّشِحاً، والوَعْدَ مُرْتَزَقا
شَمَمْتُ تُرْبَكِ لا زُلْفى ولا مَلَقا
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا خِبّاً، ولا مَذِقا

شام


جسر فيكتوريا

$
0
0

 جسر فيكتوريا 

يعتبر من أقدم جسور دمشق وأخذ اسمه من أقدم فنادقها الذي أعد لاستقبال ملكة بريطانيا الملكة فيكتوريا

 يقع جسر فيكتوريا (والذي يعد أول جسر يبنى في وسط المدينة) بجانب نهر بردى، ليربط بين أحياء وأسواق أسست في بدايات القرن العشرين، مثل ساحة المرجة وهي من أقدم ميادين دمشق العامة، وسوق البحصة الذي تخصص حاليا في تجارة الحواسيب وإكسسواراتها، ومحطة الحجاز، وشارعي سعد الله الجابري وبورسعيد (وكان يسمى سابقا شارع الملك فؤاد الأول نسبة لملك مصر قبل أن يتغير الاسم عام 1956 تخليدا لصمود مدينة بورسعيد المصرية في وجه العدوان الثلاثي على مصر.

ويضم الشارعان الأخيران أقدم وأشهر مقاهي دمشق مثل «الهافانا» و«البرازيل». كما يوصل الجسر إلى شارع بيروت حيث مدينة معرض دمشق القديمة ومجموعة من المباني التاريخية.

و ينطلق شرقا من الشارع الفاصل بين ساحة المرجة ومنطقة ساروجة القديمة وينتهي غرباً بجوار فندق «الفورسيزونز» وحديقة المنشية (الجلاء) التي شهدت أول احتفال رسمي سوري بجلاء الفرنسيين عن سورية قبل أكثر من نصف قرن.

نهر بردى وجسر فكتوريا اواخر القرن 19 ويبدو فندق فكتوريا
نهر بردى وجسر فكتوريا اواخر القرن 19 ويبدو فندق فكتوريا

ولقد ذكره المؤرخون الدمشقيون، ومنهم عز الدين عربي كاتبي في كتابه «الروضة البهية» المنشور عام 1911م، ووصفه بـ«الجسر العظيم تجاه محطة العجلات والمصنوع من الحديد المحكم». ولكن أعيد بناء الجسر من جديد عام 1925 من قبل الفرنسيين، فأعيد تثبيت ركائزه من الحجر ونقل الجسر الحديدي القديم إلى منطقة باب توما حيث أقيم هناك، كما يذكر المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي. ولكن هذا الجسر الحديدي اي جسر باب توما الحديدي الذي وضع عام 1925 المحكي عنه، تم استبداله بالحالي على ركائز واعمدة حجرية وبالاسمنت المسلح من قبل قيادة القوات البريطانية التي دخلت دمشق بأمر من تشرشل عام 1945 لاخراج الفرنسيين من سورية، وبتمويل منها ليلاحظ السوريون ان الانكليز محبين لهم بعكس الفرنسيين الذين قاموا بعدوانهم المدمر في 29 ايار 1945 وتم فيه تدمير مبنى البرلمان السوري واستشهاد حاميته…

ومن مذكرات عائلتنا ماأرويه حيث عمل في بناء الجسر الجديد شباب عائلتنا المرحومين أبي جورج وعمي نقولا وعمي جوزيف … ورجال منطقتي باب توما والقصاع نظرا لحالة تعطل الاعمال ووقف الحال والفقر المتفشية نتيجة المقاومة الضارية والمقاطعة الشعبية  للانتداب الفرنسي في سورية والاضرابات المستمرة لتنفيذ الاستقلال، وخاصة بعد العدوان الفرنسي الهمجي المدمر ولقد خلد امير الشعراء احمد شوقي مأساة دمشق هذه بقصيدته الشهيرة.

فندق فكتوريا في العقد الثاني من القرن 20
فندق فكتوريا في العقد الثاني من القرن 20

وكانت الغاية من تجديد جسر فكتوريا أن يكون أقوى وأوسع لكي يتلاءم مع تطور آلة الحرب الفرنسية الثقيلة كالدبابات وغيرها. وأيضا شهد الجسر عملية إعادة بناء أخرى في ستينات القرن المنصرم بعدما اختفت معالمه تقريبا أثناء تغطية نهر بردى من ساحة المرجة وحتى جوار سينما دمشق الحالية.

أما عن أصل تسمية الجسر، فإنها جاءت من بنائه بجوار «فندق فيكتوريا» وهو أول فندق شيد في دمشق في أواخر القرن التاسع عشر على الطراز الأوروبي في العمارة، وذلك بعدما كانت الخانات القديمة تلعب دور الفنادق في القرون السابقة. وكان «فندق فيكتوريا» يعتبر من أجمل الأبنية المشيدة في دمشق في تلك الحقبة. وكان يحوي أجنحة فرشت على النسق الشرقي وأخرى على النسق الغربي، ويميز بواجهته الأنيقة من جهة الجنوب. وقد أعد الفندق لاستقبال الملكة البريطانية فيكتوريا لكن الزيارة لم تتم بسبب وفاة الملكة عام 1901، غير أن الفندق احتفظ لبعض الوقت بشرف حمل اسمها، قبل أن يأخذ لاحقا اسما آخر هو «فندق قصر الرشيد» بعد انتقال ملكيته من صاحبه الخواجة بترو إلى شخص آخر. وأزيل الفندق نهائيا عام 1955، حين شيد في

جسر فكتوريا في اخمسينيات من القرن 20 ويبدو الترامواي اتيا من المرجة فوق جسر فكتوريا الى منطقة الفردوس
جسر فكتوريا في اخمسينيات من القرن 20 ويبدو الترامواي اتيا من المرجة فوق جسر فكتوريا الى منطقة الفردوس

مكانه (بناء الحايك) و هو مبنى تجاري إسمنتي يضم مكاتب ومحلات كثيرة. مع هذا، بقي الفندق حاضرا في ذاكرة المؤرخين والمسنين السوريين الذين عاصروه وعاصروا الأحداث التي شهدها والشخصيات الهامة التي نزلت فيه، ومنهم الحاكم العسكري التركي السفاح احمد جمال باشا بطل المشانق في 6 ايار 1916 ومذابح الارمن والروم والسريان وبقية المكونات المسيحية في آسية الصغرى اعوام الحرب العالمية الاولىالذي نزل فيه عام 1916، وبقي مقيما فيه طوال إقامته في دمشق. وكذلك جمال باشا المرسيني الملقب بـ«الصغير» الذي خلف أحمد جمال باشا وبقي فيه حتى أيلول عام 1918. وممن أقاموا في الفندق أيضا الجنرال البريطاني إدموند اللنبي عام 1918، كما أقامت فيه القيادة العسكرية العثمانية طيلة فترة الحرب العالمية الأولى، و«لجنة كراين» الأميركية التي حضرت إلى دمشق للاستفتاء حول الانتداب عام 1919، واللورد بلفور عام 1925 وخرجت المظاهرات الصاخبة الطلابية وشارك بها طلاب تجهيزية مكتب عنبر والتجهيزية الارثوذكسية المعروفة ب(الآسية) والشعبية  في دمشق أمام الفندق احتجاجا على هذه الزيارةالعارمة تنديداً به وبوعده فاضطر الى الخروج من دمشق هرباً.

شارع الفردوس نزولا الى جسر فكتوريا وصعودا الى بوابة الصالحية الصورة في السبعينيات من القرن 20
شارع الفردوس نزولا الى جسر فكتوريا وصعودا الى بوابة الصالحية الصورة في السبعينيات من القرن 20

وأيضا أقامت فيه القيادة البريطانية مع دخول الديغوليين عام 1941. وبعيداً عن الساسة، كان من أشهر من نزل فيه الممثل الهزلي الشهير تشارلي تشابلن في زيارته لدمشق لحضور عرض أحد أفلامه.

أما عن المباني التاريخية والهامة المجاورة لجسر فيكتوريا، فأبرزها مبنى فندق «خوّام» أو «المشرق»، الذي أنشئ على الطراز الشرقي وكانت فيه ساحة سماوية تتوسطها بركة ماء تحيط بها أشجار الليمون والياسمين، وصار في ما بعد مقهى «الصفا» ومطعم «سقراط». كذلك فندق «قصر عدن». وفي زاوية شارع بيروت بجوار الجسر من جهة الجنوب أنشئ فندق آخر أخذ اسم فيكتوريا أيضا ولكنه هدم في ما بعد، وأقيم مكانه في خمسينات القرن العشرين فندق «سميراميس» الذي ما زال قائما ويتميز بطرازه المعماري الجميل وشكله المميز وديكوراته الخارجية التي جددت قبل سنوات بشكل فني جميل.

صورة ملتقطة من الجس للنهر الى ساحة المرجة قبل تغطيته في مطلع القرن 20
صورة ملتقطة من الجس للنهر الى ساحة المرجة قبل تغطيته في مطلع القرن 20

ويجاور الجسر جامع الطاووسية (الخانقاه اليونسية)، الذي بني في العهد المملوكي عام 1382، وجدد البناء عام 1931، بجانب كثير من المباني التي سميت بـ«مباني الطاووسية» وأسست قبل أكثر من نصف قرن، والتي تحيط بالجسر، ويمكن مشاهدته من شرفاتها. كما يمكن مشاهدة كثير من مناطق دمشق وأسواقها القديمة من أعلى الجسر الذي تعبره يوميا آلاف السيارات وحافلات النقل العام التي تربط مناطق دمشق الشرقية بحارات وضواحي مناطق دمشق الغربية والجنوبية.

من فوق جسر باب توما الى الغرب والنهر القادم من باب السلام
من فوق جسر باب توما الى الغرب والنهر القادم من باب السلام
اول جسر باب توما الى القصاع في منتصف الخمسينيات  بعد اعادة بنائه عام 1945 ويبدو الترامواي المتجه الى برج الروس وفي صدر الصورة جامع الثقفي
اول جسر باب توما الى القصاع في منتصف الخمسينيات بعد اعادة بنائه عام 1945 ويبدو الترامواي المتجه الى برج الروس وفي صدر الصورة جامع الثقفي

 من التاريخ الدمشقي الحديث …قصة أول طائرة تهبط في دمشق

$
0
0

 من التاريخ الدمشقي الحديث … قصة أول طائرة تهبط في دمشق 

بدأت رحلات الطيران تنتشر في العالم في بداية القرن، وأرادت الدولة العثمانية أن تدخل مجال الطيران فقامت بشراء طائرتين مستعملتين من الإمبراطورية الألمانية، وحدد موعد الرحلة التجريبية الأولى لإحدى الطائرتين في شهر كانون الثاني من عام 1914م، وقد اختير لقيادة الطائرة الملازم أول صادق بك ومعاونه اليوزباشي فتحي بك بعد أن تلقيا تدريبات عديدة على قيادة الطائرة.

كان مخطط الرحلة الانطلاق من اسطنبول والهبوط في حلب، ومن ثم تكمل طريقها إلى دمشق، ومن ثم الانطلاق إلى مصر والعودة.

انطلقت الرحلة من اسطنبول (الأستانة) وكان السلطان وكبار أركان الدولة على رأس المودعين، وفي دمشق احتشد الناس في المكان المقرر لهبوط الطائرة غير مصدقين أن ما سمعوه من أن كتلة من الحديد تطير، والبعض اعتبر ذلك نوعاً من الكفر، وما أن ظهرت الطائرة في الجو حتى ارتفعت أصوات الهتاف والزغاريد. 

الطائرة والطيارين والاعيان في دمشق / المرج الاخضر
الطائرة والطيارين والاعيان في دمشق / المرج الاخضر

احتشدت جموع غفيرة في المرج الأخضر(معرض دمشق الدولي القديم) وهبطت الطائرة هناك وكان في استقبال الطيارين كبار أعيان دمشق والوالي وكبار قادة الجيش وجموع المواطنين، وحاول بعض الناس خلع جزء من هيكل الطائرة للذكرى ولولا إحاطة الطائرة بالحراسة لما بقي منها شيء، حُمل الطياران على الأكتاف وأقيمت لهما الولائم والأفراح وطافوا بهم أنحاء دمشق على أنهم أبطال.

وفي اليوم الثالث من وصولها زحفت الجماهير لتشاهد سفر الطائرة المتجه إلى القاهرة، وغادرت الطائرة وسط توديع الناس للطيارين البطلين، لكن الطائرة سقطت قرب بحيرة طبريا ومات الطياران، وأحضرت جثّتاهما بالقطار إلى دمشق، وسارت الجنازة في أنحاء دمشق وسط الحشود الحزينة، وكانت ولولة النساء تعلو على أصوات المؤذنين، ودفنا إلى جوار قبر صلاح الدين الأيوبي، وعم الحزن أنحاء الشام وفرغت الشوارع كأنها بحداد رسمي، وفتحت بيوت العزاء في كل حي وحارة من أحياء دمشق عند المسلمين والمسيحيين.

اضرحة الطيارين الثلاثة القتلى في الجامع الاموي بجوار قبر صلاح الدين الايوبي
اضرحة الطيارين الثلاثة القتلى في الجامع الاموي بجوار قبر صلاح الدين الايوبي

بعد أسبوع انطلقت الطائرة الثانية في رحلة رد الاعتبار وصلت الطائرة دمشق حيث هبطت في سهل المزة، ولم يكن في استقبالها ذلك الحشد الشعبي نظراً لأن الناس كانوا ما يزالون في فترة حزن على الطيارين، ومن دمشق أقلعت باتجاه مصر إلا أن حظّها وحظّ قائديها لم يكن أحسن مما سبق فوقعت في البحر أمام مدينة يافا ونجا معاون قائد الطائرة، واستشهد قائد الطائرة الملازم نوري بك ودفن إلى جوار رفيقيه الأولين.

الحركة الكشفية

$
0
0

الحركة الكشفية

تعرف الحركة الكشفية بأنها حركة تربوية تعنى بالذكور والإناث على حد سواء ودون تفرقة في السن، أو اللون، أو الدين، وهي ذات طابع تطوعي بعيد عن السياسة والأحزاب، وقد كانت في أول نشأتها عام 1907م تعني بالذكور من عمر 11-17 سنة، فيما شملت الإناث عام 1909، وتجدر الإشارة إلى أن ظهور الحركة الكشفية في البلاد العربية بدأ في بيروت  عام 1912 ( لم يكن لبنان قد تم تشكيله بعد بفصله عن سورية الطبيعية بمؤامرة سايكس بيكو وتم تشكيل لبنان عام 1920 من قبل الجنرال غورو قائد الغزو الفرنسي) على يد الاخوين الهنديين الدارسين في بريطانيا عبد الستار و عبد الجبار الخيري وبتشجيع من الشيخ محمد توفيق الهبري باسم الكشاف العثماني.

في الوقت ذاته تأسست في مدرسة الأقمار الثلاثة الارثوذكسية في الاشرفية فرقة كشفية مع الموسيقى…وتبعت لمطرانية بيروت الارثوذكسية…

مؤسس الحركة الكشفية
مؤسس الحركة الكشفية

قامت كل من الفرقتين برحلة كشفية سيراً على الاقدام الى دمشق بنفس الوقت تقريبا فزارت الاولى مدرسة مكتب عنبر التجهيزية، فيما خيمت الارثوذكسية في دار البطريركية الارثوذكسية في منطقة الشارع المستقيم/ الخراب واحتفلت بالعزف في عيد البطريرك غريغوريوس الرابع في 29 كانون الثاني 1912 عندها امر البطريرك بتأسيس فرقة كشفية دمشقية في البطريركية وانشاء فرقة موسيقية نحاسية لتحتفل بالأعياد وتشكلت اول فرقة  ارثوذكسية باسم فريق الكشاف الارثوذكسي الدمشقي / جاورجيوس تزامنت مع فرقة مدرسة التطبيقات بدمشق وبقيت الفرقة الارثوذكسية التي حملت عام 1944 تسمية الفوج الثاني استمرت حتى عام 1985 حين توقيف الحركة الكشفية السورية اجبارياً بقرار غير مسؤول.وكان الفوج الثاني اكبر قوة كشفية ضاربة على مستوى كل سورية وضم 1500 عضو من مختلف الاعمار ومن الجنسين. 

فريق الكشاف الارثوذكسي الدمشقي (جاورجيوس) المؤسس عام 1912 وهو في رحلة مسير كشفية من دمشق الى بيروت عام 1935 في جبل لبنان
فريق الكشاف الارثوذكسي الدمشقي (جاورجيوس) المؤسس عام 1912 وهو في رحلة مسير كشفية من دمشق الى بيروت عام 1935 في جبل لبنان

مؤسس الحركة الكشفية

مُؤسس الحركة الكشفية هو الجنرال اللورد روبرت بادن باول ، وهو كاتب وقائدٌ عسكريٌ في الجيشِ البريطانيّ، مواليد 22 شباط عام 1857 في لندن، وتوفي والده وهو صغير فقامت والدته بتدريسه المهارات اللّغوية الأولى في المنزلِ، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة روز هيل في تونبريدج في ويلز، وكان طالبًا مميزًا آنذاك، فحصلَ على منحةٍ دراسيةٍ ليُكمل دراسته الثانوية في لندن، ثم انتقل إلى غود المينغ في مقاطعة سوري من الريف الإنجليزي ليكون بذلك قريبًا من الطبيعة التي تركت أثرًا في حياته لاحقًا. 

قرر باول الالتحاق بالكلية العسكرية، ثم أجرى الامتحان دون علم أهله؛ فنجح بتفوق وعُيّن على إثر ذلك برتبة ضابط، ثم حصل على ترقيات عديدة لكونه لامعًا في مجال عمله. خاض حروبا ضارية في كل مكان في الامبراطورية البريطانية التي لاتغرب عنها الشمس من الهند الى الخليج العربي الى القارة الافريقية ولكن لعل الاصعب فيها كانت قبيل تقاعده في جنوب افريقيا ضد المستعمرين الهولنديين ( البوير) الذين اذاقوا السكان المحليين الامرين بسياسة التمييز العنصري.

من تعليمات المؤسس
من تعليمات المؤسس

في جنوب افريقيا

حوصر فرقته العسكرية البريطانية من قبل عصابات البوير وهي من المستعمرين الهولنديين وكادوا ان يحققوا الانتصار عليه بعد حصار دام لأشهر طويلة  واخيراً لاحظ خفة الفتيان الزنوج وتنقلهم بين خطوط قواته وعصابات البوير فاستفاد منهم في فك الحصار ( لاسيما وهم يكرهون المستعمرين البوير في سياسة التمييز والفصل العنصري) و في نقل المؤون والعتاد وحتى نقل الجرحى واخيرا استطاع كسر طوق الحصار وانتصر عليهم.

و كان  قد أسس فرقة استطلاعية سماها الكشافة مهمتها استكشاف خطوط العدو؛ وأعد لجنود الفرقة كتيبًا بعنوان مساعدات في النواحي الكشفية، فلاقى الكتاب نجاحًا وصدى واسعًا إذ استخدم كمرجع للتدريب من قبل قادة الشباب والمدرسين في أنحاء البلاد، وقد اندهش من إقبال الفتية على شراء كتابه أيضًا، بل وأطلقوا على أنفسهم اسم فتيان الكشافة ثم شكلوا جماعات لممارسة الكشفية، الأمر الذي دفع بادن باول إلى تعديل الكتيّب وجعله أكثر ملاءمة للشباب، ثم أقام مخيمًا كشفيًا في جزيرة براونسي بيول ماربر دورست عام 1907م، وقد تخلل المخيم آنذاك عددًا من الأنشطة كالسباحة، والتعقب خفية، وإشعال النار ليلًا والتجمهر حولها للإصغاء إلى بادن باول وهو يقص مغامراته.

فكرة الكشفية للفتيان

في عام 1905 تم تسريحه من الخدمة العسكرية وشكل اول فرقة من الفتيان سماها كشافة كما فعل مع فرقته في جنوب افريقيا والتي اسماها ايضاً الكشافة مستفيداً من خبراته القتالية ومعونة الفتيان وخصائصهم ولما كان انكليكانياً مؤمنا فقد وضع قانون الحركة الكشفية ضمنه الاخلاص لله والوطن وضم الفضائل الانجيلية من المحبة والمساعدة للغير وحب الحيوان والنبات….والابتسام في وجه الصعاب…في العام ذاته شاركت كشافة لندن بأول عرض كشفي في التاريخ بمناسبة ذكرى جلوس الملك جورج السادس على العرش البريطاني، وشارك في العرض 30000 كشاف وحضره الكثير من الوفود من كل البلاد وكان منهم شقيقان هنديان كانا يدرسان في لندن هما عبد الجبار وعبد الستار خيري وحملا الفكرة معهما الى بيروت واسسا فيها الفرقة التي تعتبر الاولى في بلاد الشام ( انظر اعلاه)

بادن باول المؤسس
بادن باول المؤسس

ولكن فكرة الحركة الكشفية كانت تعود لديه  إلى عام 1903م عندما قام  بتأليف كتابٍ حول المعسكرات، وكيفية إعدادها، وتجهيزها في الغابات، والأماكن المتنوّعة، وقد انتشر هذا الكتاب بشكلٍ كبيرٍ، وخصوصاً في المنظمات الشبابيّة التي بدأت تبحثُ عن باول لمعرفةِ المزيد من خبرتهِ حول موضوع المعسكرات الكشفية. في عام 1907م قرر بادن باول اختيار مجموعةٍ من الشباب الذين اهتموا بقراءة كتابه لمشاركتهِ في تطبيقِ أفكاره واقعياً، وأطلقَ عليهم باول مسمّى فتيان الكشافة، لتظهر أول حركةٍ كشفيةٍ في العالم والتي تم تأسيس معسكرها في جزيرةِ براونسي في إنجلترا، وقام باول بتوزيع الفتيان على مجموعاتٍ من أجل تطبيق العديد من النشاطات الكشفية في الجزيرة، وقد نجحَ باول نجاحاً مهمّاً في تجربةِ إعداد، وتنظيمِ الحركة الكشفية. في عام 1908م حرص باول على توثيقِ كافّة الأفكار الجديدة التي استنتجها من رحلته الكشفية الأولى، فأصدر كتاباً بعنوان الكشافة الفتيان، والذي طُبعت منه العديد من النسخ، وتُرجمَ إلى ما يقاربُ 36 لغةً عالميةً، وساهمت أفكار باول في انتشار الحركات الكشفية في العديد من الدول الأوروبية، ثمّ في كافّةِ أنحاء العالم.

مبادئ الحركة الكشفية

الواجب نحو الله

وهو واجب ديني وروحاني يجسد ارتباط الفرد مع خالقه، من خلال ممارسة شعائر الدين لذلك انتشرت الفرق الكشفية في المعابد المسيحية والاسلامية في كل انحاء العالم اضافة الى الكشافة المدرسية…

الواجب نحو الوطن

التحية الكشفية الكاملة
التحية الكشفية الكاملة

وهو واجب يقضي بالدفاع عن الوطن وحمايته ولنا في دور الفتيان الزنوج العبرة في توفير مقومات الانتصار على عصابات البوير، ومن هذا فان التدريب الكشفي ودورات الترفيع والمراسم تتشابه الى حد كبير مع الجندية واساساً العيش بالبراري والحراسة والمسير والقوة البدنية…

الالتزام بالوعد الكشفي ( الوعد والقانون)

الاخلاص لله والوطن ومساعدة الناس في كل حين والعمل بقانون الكشاف.

الواجب نحو الآخرين

أي نحو المجتمع الذي يعيش فيه، وهو ما يسمى بالولاء للوطن والمشاركة في خدمته وتنميته، ويتحقق ذلك من خلال الرحلات، والمعسكرات، والمسابقات الثقافية، والندوات. الواجب نحو الذات: أي تنمية الذات من خلال اكتساب المعارف والحقائق والمهارات من أجل الوصول إلى ذات واعية. الوعد الكشفي هو نص معين يشبه قسم المهنة يردده كل من يرغب في الالتحاق بالحركة الكشفية العالمية، وصيغته في دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال: “أعد أن أبذل جهدي في أن أقوم بما يجب علي نحو الله ثم (المليك، الأمير، الشيخ، السلطان)، والوطن، وأن أساعد الناس في جميع الظروف، وأن أعمل بقانون الكشافة”، والقانون ينص على عشرة بنود تلخص صفات الكشاف وهي: الصدق، والإخلاص، والود، والأدب، والطاعة، والرفق، والنظافة، والاقتصاد، وأن يكون نافعًا بشوشًا.


جميع أعضاء الحركة الكشفية تعهدو بالالتزام بوعد وقانون الكشافة. وقد تختلف صياغة وعد وقانون الكشافة في الجمعيات الكشفية الوطنية المختلفة بما يتناسب مع الثقافة المحلية، ولكن كل الصياغات تستند على الوعد والقانون كما عبر عنهما مؤسس الحركة الكشفية اللورد بادن باول .

وعد الكشاف

تعهد الشخص بأن يبذل غاية جهده للعمل بمقتضى القواعد السلوكية حينما يختار الانضمام إلى الحركة الكشفية. نص الوعد : أعد بأن أبذل جهدي لأقوم بواجبي نحو الله والوطن وأساعد الغير وأعمل بقانون الكشاف.
قانون الكشاف
الكشاف الشهيد مروان زيتون في حفل الوعد
الكشاف الشهيد مروان زيتون في حفل الوعد
مجموعة قواعد سلوكية تحكم حياة الكشافة وأعضاء الوحدة ويقوم على أساس المبادىء الكشفية :
1 . الكشاف يؤمن بالله ويخلص لوطنه.
2 . الكشاف شهم ظريف ووفي بوعده.
3 . الكشاف أصيل ومواكب لعصره.
4 . الكشاف منضبط يحب النظام.
5 . الكشاف يقظ ومتفطن.
6 . الكشاف يعتني بالبيئة.
7 . الكشاف يحسن التصرف ويتقن أعماله.
8 . الكشفية أمين يحترم متاع غيره.
9 . الكشاف نافع يقاوم الآفات.
10 . الكشاف نظيف الفكر والقول والعمل.
الشارة الكشفية
الشارة الكشفية

يستند الوعد والقانون على مبادئ الحركة الكشفية

“الواجب نحو الله” – علاقة الشخص بالقيم الروحية للحياة، والإيمان الراسخ بوجود قوة تعلو على قوة البشر.
“الواجب نحو الآخرين” – علاقة الشخص مع المجتمع، ومسئولية الشخص داخل المجتمع؛ بالمعنى الواسع للمصطلح والذي يشمل: أسرته والمجتمع المحلي والوطن والعالم بأسره، وكذلك احترام الآخرين والمحافظة على البيئة التي تمثل عالم الطبيعة.
“الواجب نحو الذات” – مسئولية الشخص عن تطوير إمكاناته ومهاراته، من خلال استغلال قدراته بأفضل طريقة.
هل تريد أن تعرف كيف يتم التعبير عن وعد وقانون الكشافة في مدينتك أو قريتك؟ عليك الاتصال بأقرب فوج كشفي في الحي الذي تقطن فيه وهناك تحصل على مزيد من المعلومات 

مهام الحركة الكشفية

قبول الأعضاء الجُدد في الحركة الكشفية، والتأكّد من مدى قابليتهم، وقدرتهم على تحمّل طبيعة الرحلات الكشفية. إعداد المشاركين في الرحلات الكشفية ليكونوا أفراداً قادرين على الاعتماد على أنفسهم، من خلال التأقلم مع كافّة الظروف المحيطة بهم. تدريب المشاركين في الحركة الكشفية بالاعتماد على التجارب العمليّة التي تهدف إلى استغلال كافّة الموارد البيئية المتاحة. تعليم المشاركين في الحركة الكشفية المهارات الأساسيّة التي تضمنُ لهم المحافظة على حياتهم أثناء الرحلة الكشفية، مثل: طريقة الحصول على الطعام، وإشعال النار، والحصول على المياه الصالحة للاستخدام، وإجراء الإسعافات الأولية للمصابين، وغيرها من المهارات الأخرى.

مدلولات التحية الكشفية
مدلولات التحية الكشفية

مُؤتمرات ومخيمات الحركة الكشفية العالمية

هوفعالية خاصٌة بجمعيةِ الحركةِ الكشفية وهي احدى منظمات الامم المتحدة، وتشاركُ فيه 155 دولةً حول العالم، وفي كلّ دولةٍ من هذه الدول مكتبٌ خاصٌّ في جمعية الحركة الكشفية، كما عُقدَ أول اجتماعٍ للمؤتمر في مدينة لندن في بريطانيا عام 1920، وشاركت فيه الدُول الأعضاء في الجمعيةِ وكان عددها 33 دولةً، وترأس اجتماع المؤتمر الأول الجنرال باول، وصدرَ قرارٌ بعقدِ مؤتمر الكشافة في كُلِّ ثلاث سنوات.

وعلى المستوى العربي ترتبط الدول العربية بالمكتب الكشفي العربي التابع لجامعة الدول العربية.

الحركة الكشفية تكامل وتعاضد في اطار الوعد والقانون
الحركة الكشفية تكامل وتعاضد في اطار الوعد والقانون

 عيد الشهداء 6 آيار 1916 

$
0
0

 عيد الشهداء 6 آيار 1916 

 كلمة منفعة…

الشهداء منارات في سماء الوطن والشهيد هو رمز الإيثار، فكيف يمكن لنا أن لا نخصص شيئاً لهذا العظيم، فأيام الدنيا كلها تنادي بأسماء الشهداء وتلهج بذكر وصاياهم، فأنّا لنا أن لا نصغي لها.

الشهادة هي آخرطريق نضال سار به من ارتقى شهيداً، ولذلك قامت الدول بتخصيص يوم معين، عيداً للشهيد  وبإقامة نُصب للشهداء وللجندي المجهول تخليداً للشهداء المجهولين…

في السادس من أيار كان تنفيذ حكم الإعدام بالزعماء الوطنيين حين بدأ جمال باشا بسياسة القتل حتى لُقّب بالسفاح لما سفك من دماء وكان أول الشهداء جوزيف هاني شنق في 5 نيسان 1916، وأصدر حكم الإعدام بعد شهر واحد بتهمة الخيانة العظمى بحق واحد وعشرين من الزعماء الوطنيين شنق سبعة منهم في ساحة المرجة بدمشق وأربعة عشر في ساحة البرج ببيروت.

وفي الساعة السادسة من صباح اليوم السادس من أيار كانت المجزرة البشرية التي ارتكبها السفاح قد انتهت. وكانوا ينشدون:‏

نحن أبناء الألى شادوا مجداً وعلا‏

نسل قحطان الأبي جدّ كلّ العرب‏.

وحين وصلوا إلى المشانق كانوا يردّدون:‏

– مرحبا بأرجوحة الشرف مرحبا بأرجوحة الابطال‏.

– إن الاستقلال يبنى على الجماجم 

وإن جاجمنا ستكون أساسا لاستقلال بلادنا‏.

– نموت لتحيا بلادنا حرة عزيزة‏.

عيد الشهداء هو مناسبة وطنية يُحتفل بها في السادس من أيار من كل عام في كل من سورية ولبنان، وسبب اختيار التاريخ هو أحكام الإعدام التي نفذتها السلطات العثمانية بحق عدد من الوطنيين السوريين في كل من بيروت ودمشق في 6 أيار 1916كونهم نادوا باستقلال سورية الكبرى عن الاحتلال التركي. بعد اتهامهم بالخيانة والاتصال بجهات أجنبية والعمل على فصل البلاد العربية عن الدولة العثمانية، أصدر جمال السفاح أحكام

بعض شهداء 6 ايار 1916
بعض شهداء 6 ايار 1916

الإعدام على 11 وطنياً أعدموا في بيروت في 21 آب 1915 ثم نفذت أحكام مماثلة بدفعة أخرى من الوطنيين في 6 أيار 1916 حيث أعدم 14 في ساحة البرج في بيروت و 7 في ساحة المرجة في دمشق.

ولماكانت سورية قلعة وطنية واستمر شلال دم الشهداء ضد الاستعمار الفرنسي خلال اكثر من ربع قرن، وفي معارك تحرير فلسطين والحروب اللاحقة ثم مجازر الاخوان المسلمين في الثمانينات والتسعينات في سورية، والمجازر الارهابية التكفيرية والعدوان العالمي على سورية منذ منصف آذار 2011 ولانزال واستمرار سقوط الشهداء والجرحى والمخطوفين حتى قارب عدد الشهداء في هذه السنوات الثمان العجاف حوالي المليون

شهداء بقاء سورية موحدة في العدوان التكفيري الهمجي والعالمي من 2011...
شهداء بقاء سورية موحدة في العدوان التكفيري الهمجي والعالمي من 2011…

واضعافهم من الجرحى والمخطوفين المغيبين لذلك عد عيد الشهداء في 6 أيار في كل عام للاحتفال بذكرى من ارتقى شهيداً لأجل سورية والقضايا القومية وسقى بدمه الطاهر ترابها كي يبقى موحداً.

ونظرة بسيطة الى شخصيات هؤلاء المناضلين الذين علقوا على اعواد المشانق في 6 ايار1916 نرى ان الوطنية في تراب سورية وهوائها وهي عنصر أساس لكل من ولد وعاش ويعيش على هذه الأرض ويتنشق هوائها وخير دليل هو الخارطة الجغرافية والمذهبية المتنوعة للشهداء فهم من كل الوطن والى الوطن وهبوا نفسهم رمزاً لوحدة شعبنا السوري(سورية الواحدة) وكرامته.

وقد انتشرت في دمشق اهزوجة “زينوا المرجة والمرجة لينا شامنا فرجة وهي مزينة” والمقصود بالزينة هي اعمدة المشانق التي تدلى منها الابطال الشهداء…

حرب السفر برلك

في عام  1915 قاد  السفاح جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال  مصر وهو ما سمي بحرب السفر برلك او حملة ترعة السويس الاولى ، وفي ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء  سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلا ذريعا ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.

ساحة المرجة في دمشق وقت مجزرة الشنق
ساحة المرجة في دمشق وقت مجزرة الشنق

كان للفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية السفاح جمال المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على  سورية، أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، حاد الطباع، وصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حملها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات.

قام  بإعدام نخبة من المثقفين العرب من مختلف مدن سورية الكبرى فقد ساق السفاح لهم مختلف التهم التي تتراوح بين التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية للتخلص من الحكم العثماني، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وهو ما يقال أنه ما كان يسعى هو بنفسه إليه.

أحال ملفاتهم إلى محكمة عرفية في عالية بجبل لبنان، حيث أديرت المحاكمة بقسوة وظلم شديدين، وبدون أن تحقق أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية، صامّاً أذنيه عن جميع المناشدات والتدخلات التي سعت لإطلاق سراحهم, وخصوصاً تلك التي أطلقها الشريف حسين بن علي امير مكة، الذي أرسل البرقيات إلى السفاح وإلى السلطان وإلى الصدر الأعظم، وأوفد ابنه الأميرفبصل بن الحسين الى دمشق، وقابل السفاح ثلاث مرات في مسعى لإيقاف حكم الإعدام دون جدوى، إذ أن السفاح كان قد عقد النية على تنفيذ مخططه الرهيب.

التاريخ؟ فليتحطم على رأسك!تنقل كتب التاريخ عن الجنرال علي فؤاد رئيس الأركان التركي في دمشق قوله: إن شكري بك رئيس ديوان الحرب بعاليه جاء إلى مقر أركان الجيش الذي كان في فندق فكتوريا بدمشق لعرض نتائج المحاكمات التي قام بها مع رجاله لرجالات العروبة، وقال: إن عدد الذين يمكن الحكم عليهم بالإعدام لا يتجاوز الثلاثة أو الأربعة، وأراد عرض النتائج على جمال باشا قبل إصدار الحكم النهائي.

لكنه عندما دخل إليه راح جمال باشا يستعرض الأسماء ويكتب مقابل كل واحد منها : إعدام..إعدام… هنا استعطف شكري بك جمال باشا قائلاً له: “يا باشا، أرجوك، فكر بالتاريخ”! فرد جمال باشا بعصبية: “التاريخ؟ فليتحطم على رأسك”!

دعم جمال باشا أحكامه بفتوى ادعى فيها أن محدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني قد قالها، وذكر أنه سأل الشيخ بدر: “ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً، ويلقون الفتنة بين المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً؟ فأجابه الشيخ الحسني: “إنما جزاؤهم أن يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض”.

وإذا نظرنا إلى هذا الجواب على فرض صحة وقوعه فسنرى أنه لا يتطرق لرجال النهضة، ولا إلى إعدامهم، وتذكر المصادر التاريخية أن جمال باشا رفض واسطات كثيرة لمنع إعدامهم منها واسطة من الشريف حسين الذي قاد الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك بعد ذلك بسنتين.

المرجة والشهداء
المرجة والشهداء

دروس من 6 أيار1916يرى الباحثون ونحن منهم أن في حادثة إعدام شهداء أيار  1916 وكل شهداء سورية في نضالها الوطني والقومي دروساً يجب علينا كسوريين أن نعيها جيداً. يجب أن نكون جميعاً يداً واحدة في مواجهة الظلم والإمبريالية الاميركية والغربية و الصهيونية التي تحكم العالم وتلعب على غبائنا من حيث لا ندري.

 علينا أن نراجع السياسات الدولية القديمة ونحاول استشفاف ما كانت تريده الدول الاستعمارية منا سابقاً، مستخفة بعقولنا، حيث وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من ضعف وتبعية بسبب اتباعنا قواعد سياسية رسموها لنا.

لذلك يجب أن نعود  الى دراسة فترة محمد علي التاريخية  بما فيها حملته التنويرية على بلاد الشام وطرد العثمانيين منها وتشكيل اول وحدة بين وادي النيل وبلاد الشام بشكل دقيق وسليم ونسبر من خلالها ما وراء السطور لاكتشاف ما كان يحاك لنا منذ ذلك الحين مع الأخذ بعين الاعتبار اتساع الساحة الدولية وزيادة عدد اللاعبين الدوليين وضيق أفق أنظمتنا الوظيفية التي تعمل لصالح السياسات الأجنبية الكبرى. وتتشابك المصالح الدولية وتتعقد في ظل ما نعيشه من حالة متردية للغاية في ظل الدناءة التي أخذت تُغرق بلادنا العربية، وبخاصة سورية الحبيبة التي أنستنا بمأساتها الإنسانية شهداء أيار الشرارة الأساسية لشهداء العصر الحديث والمعاصر، ومع ذلك فنحن في سورية دولة وامة النضال الوطني والقومي نعتبر مجزرة 6 ايار 1916 هي الاساس في عيد الشهداء مع تزايد اعدادهم بما لايوصف خلال القرن الماضي والحاضر.

 تفاصيل عملية الاعدام في 6 أيار 1916

 غادر قطار خاص “عاليه” في ولاية “بيروت” المنطقة التي اقيمت فيها المحاكم الميدانية الصورية للشهداء، في الخامس من شهر أيار سنة 1916 وكان يقل كل من شفيق المؤيد العظم، عبد الحميد الزهراوي، الأمير عمر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الانكليزي، رفيق رزق سلوم ورشدي الشمعة.

حيث حمل القطار أولئك الشهداء الأبطال تحت حراسة شديدة من الجند ولما وصلوا إلى منطقة (رياق) التقوا بالقطار الذي ينقل عائلاتهم إلى المنافي في الأناضول وكما جاء في كثير من كتب التاريخ والسير الذاتية والمذكرات وصف لهذا المشهد المؤثر عندما خاطبت عائلات الشهداء ذويهم و”الدموع تنهمر من العيون وحسرات القلب تتأجج وتختلج في الصدور وكان مشهد اللقاء و الوداع مؤلما مريرا يفتت الأكباد..” ، افترق القطاران، بحسب الرواية، من “رياق” إلى حلب و دمشق.

وبحسب كتاب “شهداء الحرب العالمية الكبرى” لأدهم الجندي فقد كان جمال باشا يشاهد في شرفة بناية احمد عزة العابد التي صادرتها السلطات العسكرية التركية تنفيذ أحكام الإعدام و”حشرجة أرواح فريق من رجالات العرب الذين قضوا مضاجع الاتحاديين في البرلمان التركي بمواقفهم المشهورة”.

وفي الوقت الذي لبست به دمشق والبلاد العربية أثواب الحداد أسى ولوعة على أبنائها انطلق “السفاح جمال في ذلك اليوم المشؤوم الى قرية (لخيارة) في غوطة دمشق فنقلت ثلاث عربات بعض النساء إلى هذه القرية حيث قضين النهار في نشوة خمر وغناء ورقص .. ثم عاد الجميع في المساء يجولون في الأسواق حاملين باقات من الزهر رمزا لذلك الانتصار المشين بإعدام أحرار العرب”.

نصب الشهداء في ساحة البرج ببيروت
نصب الشهداء في ساحة البرج ببيروت

ولم يكتف السفاح بأعمال الاغتيال والاعدام التي بدأها منذ العام 1915، وإنما تم ايضا تنفيذ أحكام النفي بزهاء ثلاثمائة أسرة من خيرة الأسر العربية في سورية ولبنان وقد بدأ ترحيل المنفيين في شهر نيسان سنة 1916 إلى الأناضول حيث وزعوا في مدنه وقراه بين قونيه وانقره وديار بكر وبروسه واضنه وسيواس.

كما ذكرنا بان هذه الاعدامات لم تكن سوى جزء من السوء الذي عاشه اهلنا في تلك الحقبة السوداء من الزمن من مجاعة اودت بحياة 80000 لبناني على ارصفة دمشق جوعا عدا الدمشقيين اضعافهم كان يتم نقلهم بطنابر القمامة الى المدافن الجماعية وابادة بالقتل… وهتك اعراض.

تعبير سفر برلك

لم يأتي تعبير “سفر برلك” إلا لوصف ما كان يجري في تلك الأيام من مجاعة قضت على مئات الآلاف، وقصص مروعة عن أطفال ماتت في الشوارع ونهشتها الكلاب، ومصادرات جمال باشا لكل المواد الغذائية وسحب الرجال الى الخدمة العسكرية، إضافة الى الكوليرا والأمراض التي ذهبت بحياة الآلاف.

واليوم في الذكرى الـ96 لعيد الشهداء، نتذكر هؤلاء الشهداء برؤوس مرفوعة ونحيي ذكراهم، لكننا نتذكر أيضاً أن ذكرى شهداء 6 أيار يبقى إرث جمال باشا السفاح.

نفذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: واحدة في21 آب 1915 وأخرى في6 ايار 1916 في كل من ساحة البرج في بيروت فسميت ساحة الشهداء، وساحة المرجة في دمشق وسميت ساحة الشهداء ايضاً..

بقي السفاح ممعنا في غيه، إلى أن شعرت الدولة العثمانية بنتائج سياسته الفظيعة فنقلته من سورية وعينت بدلاً منه  جمال باشا المرسيني الملقب بالصغير الذي بقي في دمشق الى حين تحريرها وطرد الاتراك منها 1918 على يد قوات الثورة العربية الكبرى بقيادة الامير حسين شريف مكة.

قـُتل جمال السفاح في مدينة تبليسي عاصمة جورجيا عام 1921 على يد  فدائي أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، يروى انه شق صدره بعد قتله واكل قلبه نيئاً وقال وقتها والقلب بين يديه والدم في فمه: “الآن وفيت بوعدي لأهلي الشهداء فقد قتل ابي واخوتي وامي واغتصب اخواتي… وقتل كل شعبي الارمني وقد عاهدتهم اني سأقتله بيدي الاثنتين وآكل قلبه…” وقد روي عن طلعت بك زميل جمال باشا السفاح في جرائمه أنه خاطب زميله هذا بقوله: “لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا”. وهي شهادة من شريكه في الاستبداد وسفك دماء الابرياء.

ساحة البرج واعدام الشهداء
ساحة البرج واعدام الشهداء

ومن هؤلاء الشهداء

 اولاً شهداء الحادي والعشرين من آب 1915

شهداء الحادي والعشرين من آب 1915 وهم:

عبد الكريم محمود الخليل: من مواليد الشياح في بيروت 1886، مؤسس المنتدى الأدبي، خريج مدرسة الحقوق.

عبد القادر الخرسا: ولد في حي القيمرية بدمشق عام 1885، كان يؤمن بالقومية العربية، وقد هتف بها ساعة تنفيذ إعدامه.

نور الدين بن الحاج زين القاضي: ولد في بيروت 1884، وقد استولت السلطات على مراسلات ورد فيها اسمه، فسيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه، ونال تعذيباً وتنكيلاً في السجن قبل إعدامه.

سليم أحمد عبد الهادي: ولد في نابلس 1870، انخدع بوعود جمال باشا فاستسلم له، وأخذ من جنين، وسيق إلى عاليه، وكان نصيبه الشنق في اليوم التالي.

محمود محمد نجاعجم: ولد في بيروت 1879، واستقبل موته باسماً هادئاً، وكانت آخر كلمات قالها بتحد: “روحي فداء لعروبة بلادي، واستقلالها، عشت شريفاً وأموت شريفاً”.

مسلم عابدين: ولد في حي سوق ساروجة بدمشق 1898، أصدر جريدة دمشق التي استمرت سبعة أشهر وكانت منبراً للأدباء، صحفي لامع، كتب في وصيته المؤثرة أن يدفن في دمشق وقد سامح من وشى به والذي كان سبب إعدامه.

نايف تللو: ولد في دمشق 1885، عمل صحفياً مراسلاً لجريدة المقتبس، كتب العديد من المقالات الوطنية والحماسية، وكان صابراً متجلداً، رغم ما لقيه من عذاب وتنكيل.

صالح أسعد حيدر: ولد في بعلبك 1884، سلمه عمه إلى جمال باشا، فكان نصيبه الإعدام، وكانت آخر كلماته: “نموت ولتكن جماجمنا أساس الاستقلال العربي”، وقد أمر جمال باشا بنفي أسرته الى الأناضول.

علي محمد الأرمنازي: ولد في حماة عام 1894، أصدر جريدة نهر العاصي 1912، والتي امتلأت بمقالات تطالب بالاستقلال والحرية.

محمد المحمصاني: ولد في بيروت 1888، دكتوراه في الحقوق من جامعات فرنسا، ألف كتاباً بعنوان “الفكرة الصهيونية”.

محمود المحمصاني: ولد في بيروت عام 1884 وتخرج في مدرسة بيروت، وكان يتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية، عمل موظفاً في مصلحة البرق 

وكان أول الشهداء  الشهيد البيروتي جوزيف هاني شنق في 5 نيسان 1916 اعدم في ساحة البرج في بيروت وقد تسمت لاحقا بساحة الشهداء بعد الاستقلال.

ثانياً شهداء 6 أيار 1916

 1- دمشق ساحة الشهداء ( المرجة)

ضريح الشهداء/ نصب الجندي المجهول في قاسيون بدمشق
ضريح الشهداء/ نصب الجندي المجهول في قاسيون بدمشق
– شفيق مؤيد العظم من دمشق، ساهم في تأسيس عدد من الأحزاب والجمعيات السياسية القومية منها: حزب الإخاء العربي العثماني، الحزب الحر المعتدل، حزب الحرية، حزب الائتلاف، كما ساهم فينشر أفكار القومية العربية وفي السعي لاستقلال العرب.
– عبد الحميد الزهراوي من حمص. تابع تحصيله العلمي في الآستانة والقاهرة، وعمل في الصحافة، وأصدر جريدة المنير في حمص. وعمل في صحيفة معلومات في الآستانة؛ انتخب سنة 1908 في مجلس “المبعوثان”، وترأس المؤتمر العربي في باريس سنة 1913.
– الأمير عمر الجزائري وهوحفيد الأمير عبد القادر الجزائري من دمشق، كانت تهمته بأنه واسطة التعارف بين شكري العسلي وعبد الوهاب الإنكليزي وقنصل فرنسا. صادر السفاح باشا أملاكه ومنها قصره في دمّر، وجعله مستوصفاً للضباط.
– شكري العسلي من دمشق. أتمّ دراسته العليا في المدرسة الملكية في الآستانة، وعمل إدارياً في حكومة دمشق. انتخب عضواً في مجلس “المبعوثان”، وعرف بخطاباته دفاعاً عن الأمة العربية ومعارضة التتريك، ولا سيما معارضته لبيع الأراضي العربية في فلسطين لليهود. كان أديباً وروائياً وصحافياً.
– عبد الوهاب الانكليزي من غوطة دمشق،درس الحقوق في الآستانة، وتمّ تعيينه قائمقاماً في إحدى مناطق ولاية حلب، ومفتشاً للإدارة الملكية في بيروت، كما عمل في المحاماة؛ له العديد من المقالات في السياسة والاجتماع والتاريخ.
– رفيق رزق سلوم من حمص. درس في حمص وبيروت والآستانة، ألّف كتاب “حياة البلاد في علم الاقتصاد”، وكتاب “حقوق الدولة”، كما ألّف رواية”أمراض العصر الجديد”، كان حقوقياً ومارس الصحافة وتدريس اللغات الأجنبية (الروسية- اليونانية- التركية)، كان عضواً في الجمعية القحطانية، كما ساهم في تأسيس جمعية العهد.
–  رشدي الشمعة من دمشق. درس في إسطنبول الأدب والقانون، وانتخب نائباً عن دمشق في مجلس “المبعوثان”، وهناك دعا لمكافحة سياسة التتريك وللدفاع عن الثقافة العربية، وهو كاتب وشاعر معروف.
قالت الدكتورة ناديا خوست:”غمر الضوء الساحة منذ المساء. فرض جمال باشا حتى إضاءة مسرح زهرة دمشق. نُصِبَت أعمدة الموت مقابل “المنزل”. (…). لمح جمال باشا في “المنزل” يتفرّج على إعدام الرجال. وهنا تقصد المنزل بناء العابد في دمشق المطل على ساحة المرجة حيث تفرج على اعدام الشهداء الابرار من النافذة ولم يرف له جفن..
وتتابع الدكتورة ناديا خوست في روايتها، فتقول: “… هذه مجموعة من رجال درسوا في أفضل المعاهد التركية والأوروبية، يمكنها أن تقود البلاد في أزمنة قادمة”
كتب جمال باشا، حول أحكام الإعدام تلك، قائلاً: “حافظتُ على سلطة الحكومة وسطوتها في بلاد سمّمتْها الدعاية الإنكليزية والفرنسية”

 شهداء 6 أيار 1916

2- بيروت ساحة البرج (الشهداء)

أصدر جمال باشا السفاح أوامره بتنفيذ حكم الإعدام بشهداء بيروت فجر يوم السبت 6 أيار، في ساحة البرج التي أصبحت تعرف لاحقاً بساحة الشهداء، وهم حسب تسلسل الإعدام:

بترو باولي: ولد في بيروت 1886، أصدر مع رفاقه جريدة الوطن، ثم حرر جريدة المراقب، وفي تشرين الثاني 1914 اعتقل وسجن في دمشق، ولم يفلح توسط القنصل اليوناني في إطلاق سراحه بادئ الأمر، إلا أنه تم إطلاق سراحه بعد دفع البدل النقدي عن خدمته العسكرية، ثم أفرج عنه، وفي شهر آذار 1916 سيق الى عاليه وجرت محاكمته أمام الديوان العرفي الحربي.

جرجي موسى الحداد: ولد في بيروت 1880، كان أديباً وثائراً بليغاً، وقد امتهن الصحافة وأقام في دمشق، وقد نشر بعض المقالات الوطنية في جريدة العصر الجديد يطالب فيها باستقلال بلاده.

سعيد فاضل بشارة عقل: ولد في الدامور 1888، اشتد ولعه بنظم قوافي الشعر، وأصدر في بلاد الغربة جريدة صدى المكسيك وتولى تحرير عدة جرائد بالوطن، وترأس تحرير جريدة النصير، كان لولب الحركة السياسية بما يحظى من دعم الرأي العالمي، وفي 10 شباط 1916 قبض عليه وأبدى شجاعة وصبراً وجرأة نادرة حتى في لحظة موته.

عمر مصطفى حمد: ولد عام 1893، وهو مصري الأصل، لبناني الولادة، درس اللغة العربية على يد أعلامها، وترك بعد استشهاده قصائد جمعت بديوان من مائة صفحة، حاول الفرار مع رفاقه الثلاثة إلى البادية، لكن السلطات التركية ألقت القبض عليهم في مدائن صالح، وسيق إلى السجن ثم المحاكمة فالموت على أعواد المشانق.

عبد الغني بن محمد العريسي: ولد في بيروت 1890، أصدر جريدة المفيد وكانت لسان العرب في دعوتهم إلى استقلالهم، وقد أوقفتها الحكومة التركية عدة مرات، وفي عام 1914 انتقل مع جريدته إلى دمشق، ثم اختفى عن الأنظار مع إخوانه الشهداء وقبض عليهم في مدائن صالح، قال قبل إعدامه: “إن مجد الأمم لا يبنى إلا على جماجم الأبطال، فلتكن جماجمنا حجر الزاوية في بناء مجد الأمة”.

الأمير عارف بن سعيد الشهابي: ولد في حاصبيا 1889، وكان محرراً في جريدة المفيد، ومن المحامين اللامعين، هرب مع رفاقه الثلاثة إلى البادية وقبض عليهم في مدائن صالح، ويعد من رواد القومية العربية.

الشهيد أحمد طبارة: ولد في بيروت 1870، دخل معترك الصحافة وكان من البارزين فيها، أصدر جريدة الاتحاد العثماني وجريدة الإصلاح، وامتاز بقلمه البليغ في نصرة القومية العربية، مؤسس أول مطبعة إسلامية في بيروت.

توفيق أحمد البساط: ولد في صيدا بلبنان 1888، خدم بالجيش ضابط احتياط، ألقى قصيدة وطنية أنشدها الضباط أمام السفاح جمال باشا، على أثرها أمر السفاح بسوقهم إلى جبهة جناق قلعة، وقد ألقي القبض عليه مع رفاقه في مدائن صالح، كان هادئاً وصابراً عند محاكمته رغم ما لقيه من تعذيب وتنكيل، وهتف على المشنقة: “مرحباً  بأرجوحة الشرف، مرحباً بأرجوحة الأبطال، مرحباً بالموت في سبيل الوطن”، ووضع الحبل بنفسه وركل الكرسي.

سيف الدين الخطيب: ولد في دمشق 1888، مؤسس المنتدى الأدبي، وينتمي إلى أسرة مثقفة، تلقى العلوم على أعلام عصره وكان شاعراً كاتباً أديباً، واستشهد في سبيل المبادىء الوطنية والقومية التي كان يطالب بها.

علي بن محمد بن حاجي عمر النشاشيبي: ولد في دمشق 1883، ويعود أصله إلى القدس، كان مثقفاً ومتعلماً، وفي 1 آذار 1916 ألقي القبض عليه وسيق إلى الديوان العرفي في عاليه، تعرض للتعذيب والإهانات وأعدم شنقاًً.

العقيد سليم بن محمد سعيد الجزائري: ولد في دمشق 1879، كان من الضباط العرب بالجيش التركي وخاض حرب البلقان، صرخ بالجلاد: “قل لجمال أن روحي ستظل حية، وستعلم أبناء الوطن من وراء القبر دروس الوطنية”، واستشهد ببزته العسكرية بعدما رفض نزع شاراته ورتبته العسكرية.

العقيد أمين بن لطفي الحافظ: ولد في دمشق 1879، من الضباط العرب، عندما وقف على كرسي الإعدام، تناول الحبل ووضعه بنفسه حول عنقه، ولكن الجلاد عاجله بركلة الكرسي قبل إحكام ربطها، تعذب كثيراً حتى قضى نحبه.

محمد جلال الدين بن سليم البخاري: ولد في دمشق 1894، كان حقوقياً وعضواً في إحدى المحاكم الكبرى، وضابطاً كبيراً في الجيش التركي، سيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه لمطالبته بالإصلاحات.

محمد الشنطي: وهو مناضل عروبي من يافا.

وهناك العديد من الشهداء الأخرين منهم:

الخوري يوسف الحايك، من سن الفيل في بيروت، أُعدم في دمشق يوم 22 آذار سنة 1915م.
نخلة باشا المطران، من أهالي بعلبك أغتيل قرب أُورفه بالأناضول في 17 تشرين الأول سنة 1915م.
الشقيقان فيليب وفريد الخازن من جونية بلبنان أُعدما ببيروت يوم الثاني من أيار سنة 1916م.
عبد الله الظاهر، من عكار، أُعدم ببيروت يوم الأول من آذار سنة 1916م.

يوسف سعيد بيضون، من بيروت، أُعدم بعاليه بلبنان يوم العاشر من شهر آذار سنة 1916م.
يوسف الهاني، من بيروت، أُعدم ببيروت في نيسان سنة 1916م.
محمد الملحم، شيخ عشيرة الحسنة، أُعدم بدمشق في أوائل سنة 1917م.
فجر المحمود، من عشيرة الموالي، أُعدم بدمشق أوائل سنة 1917م.
شاهر بن رحيل العلي، من عشيرة التركي، أُعدم بدمشق على أثر إعلان الثورة العربية.
الشيخ أحمد عارف، مفتي غزة، وولده، من مدينة غزة أُعدما في القدس الشريف سنة 1917م.
الشقيقان أنطوان وتوفيق زريق، من طرابلس، أُعدما بدمشق سنة 1916م.

خاتمة

نختم بالدعاء لشهداء الحق في سورية كلها والمشرق عبر التاريخ الاحتلالي الهمجي لمنطقة سورية الكبرى ( الهلال الخصيب) من سوريين روم ويونان اتباع الكرسي الانطاكي بملايينهم الاربعة بيد الحقد التركي السلجوقي والعثماني وافراغ آسية الصغرى منهم بعد ابادة ثلاث ابرشيات انطاكية روم ارثوذكس هي كيليكيا وارضروم وديار بكر  في المجازر بحقهم والتي استمرت من 1914 الى حين سلخ كيليكيا عام 1923 ، والشهداء عام 1915 الارمن المليون ونصف من منطقة ارمينيا الغربية والشهداء السريان، و الآشوريين الكلدان وكل منهم سبعمائة الف… ومن سبقهم من الشهداء الموارنة في جبل لبنان المائتي الف، والشهداء العلويين حوالي اربعمائة الف

الرحمة لشهداء 6 أيار 1916 فإعدامهم كان الشرارة التي جعلت المغفور له الامير فيصل بن الحسين ان يطلق صرخته الشهيرة” طاب الموت ياعرب” من قصر آل البكري في مزرعتهم بالقابون/ دمشق ايذاناً ببدء الثورة العربية الكبرى التي حررتنا من هذا العدو الهمجي بعد أربعة قرون بغيضة.

ان ذكرى شهداء 1916  هي تذكار دائم لشعلة شهداء سورية وسائر المشرق ماقبل ومابعد ونقول بحق شهدائنا الابرار:” إن القلم يخجل وتنحني الهامات لشهداء الحق في سورية الذين لم يذكرهم التاريخ العاري بأقلام من كتبوه كما يريدون له أن يكون لا كما كان بالفعل”.

ويكفي ان حكومة لبنان السنيورية الغت  عطلة عيد الشهداء في 6 ايار، وماذلك الا رضوخا للتريك الحالي الاردوغاني الاخونجي وفق عقيدة حزب العدالة والتنمية التركية وتأثيرها  في النفوس… وكما سبق لدولة الكويت ان اوقفت عرض ملحمة “اخوة التراب” من العرض في تلفزيونها اواخر القرن الماضي بسبب احتجاج السفارة التركية ولارضاء الاتراك الذين في رقابهم كل هذا السيل من دماء شعبنا في سورية وسائر المشرق…

رحم الله جميع شهداء سورية وسائر المشرق بكافة اطيافهم، والخلود لنضالنا.

الصليب…سر الحب الالهي

$
0
0
الصليب… سر الحب الالهي

لمّا تجلّى الرّبّ بأبهى جماله على الصّليب، ولمّا بلغ حبّه ذروته وهو معلّق عليه، هتف: “اغفر لهم يا أبتِ لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون.”(لوقا 23/34).
بهذه الرّحمة اللّامتناهية، والمحبّة الفائقة القداسة، أعطى السّيّد الصّليب بعداً جديداً مسيحانيّاً، وحوّله من صليب العار إلى صليب الحبّ. فكلّ ما تلامسه يد يسوع يتحوّل إلى أداة للحبّ، وكلّ من لامسه يسوع تحوّل إلى حبّ متنقّل في هذا العالم.
وننظر إليه معلّقاً على الصّليب، فاتحاً يديه المسمّرتين، رافعاً عينيه إلى السّماء فنظنّ أنّ الألم أنهكه، والحزن ملأ قلبه، وإنّما لو تأمّلنا صرخته : “أنا عطشان”، وأصغينا جيّداً، لسمعنا صوت الحبّ ينادينا إليه : “تعالوا إليّ، أنا مشتاق إلى أن أضمّكم حتّى الموت، موت الصّليب”.

الصليب...سر الحب الالهي
الصليب…سر الحب الالهي

إنّ ما نستشعره من وجع وتعب في ملامح يسوع، لهي عناء اللّحم والدّم والّتي تخضّعها إرادة الحبّ. وأمّا الجسد أيّ الإنسان بكلّيّته، الأنا، تخضع للحبّ فقط، فتسير ببطولة درباً طويلة من الألم، بفرح عظيم لمعانقة صليب المجد، صليب الحبّ.
من هنا، وحين نتكلّم عن آلام المسيح المخلّصة، لا يمكننا حصرها في أوجاع اللّحم والدّمّ، بل يجب أن يتخطّاها فكرنا إلى عظمة الألم الّذي هو ألم الحبّ.
والفرق شاسع بين الوجع والألم، إذ إنّ الوجع حالة آنيّة، يمكن تخديرها أو تسكينها، كما يمكن التّخلّص منها نسبيّاً، وقد نتعرّض لها أو لا.
أمّا الألم فهو مسيرة حجّ طويل بين أشواك هذا العالم إلى بيت الله، أي قلبه. وإن لم نخضّع الجسد للحبّ الإلهيّ، وننسحق أمامه انسحاقاً تامّاً، نعود أدراجنا لأنّ الوجع الصّادر عن لسعات الأشواك لا تطاق. وإن انصهرنا والتحمنا بهذا الحبّ، حيينا في هذا العالم غرباء عنه، منقادين بكل أشواقنا إلى أرض ميعاد السّيّد، أرض الحبّ.
ولا يكون الالتحام بهذا الحبّ إلّا بالحوار المستمرّ، مع يسوع، الحبّ المطلق. فيكون هو الحبيب الأوحد الّذي منه ينبثق كلّ حبّ.

الصليب ...سر الحب الالهي
الصليب …سر الحب الالهي

هذا الحوار الّذي نعبّر عنه بالصّلاة، هو مناجاة الحبيب في كلّ حين قولاً وفعلاً. نناجيه قولاً، في تأمّلات القلب والتّفاعل مع كلمته المحيية، ونناجيه فعلاً ببذل الذّات جسداً وروحاً. ولا بدّ للجسد أن يبذل ذاته، ليثبت الحبّ، لا للرّبّ بل للإنسان نفسه. لأنّه يمكننا أن نهتف حبّنا للرّبّ ليلاً نهاراً، وهذا سهل، أمّا بذل الجسد فهو المعبّر الأفضل لأنّ به نتخلّى عن العالم في سبيل ربح المسيح. فالرّوح نشيط كما يقول السّيّد وأمّا الجسد فضعيف.
لذلك بذل الرّبّ ذاته جسداً وروحاً، لقد كان بإمكانه أنّ يخلّص الكون بكلمة كما خلقه بكلمة، ولكنّ الحبّ يفترض البذل، والاجتهاد، والعمل. ولذلك أيضاً نلقاه ابداً في سرّ القربان حيث نتّحد به ابداً، ويصبح هو نحن ونحن هو.
“من أراد أن يتبعني، فليحمل صليبه ويتبعني”، أي من أراد أن يكون لي، فليحمل الحبّ ويتبعني.
فليس الصّليب الحزن واليأس الّذي نحملهما، بل هو الحبّ الكبير الّذي نستقيه من السّيّد لنروي عطش العالم المسكين.وليس الصّليب صعوباتنا اليوميّة ومشاكلنا التّقليديّة وإنّما هو الجرأة والشّجاعة على تحدّيها بحبّ.
يسوع حمل الصّليب من اللّحظة الأولى لبدء رسالة المحبّة، وواجه بشجاعة وحبّ كلّ شرور العالم، وسار ثابت الخطوات بين الأشواك لأنّه عشق الإنسان. ولكي يبلغ الحبّ عظمة القداسة، فلا بدّ أن يكون بذلاً للذّات وشهادة حقيقية في سبيل المحبوب.

الصليب ...سر الحب الالهي
الصليب …سر الحب الالهي

أحبّنا فخلقنا، ثمّ أتى بنفسه يضمّنا إليه فرداً فرداً، ومن شدّة عشقه لنا، مات حبّاً على صليب المجد، ووهبنا الحياة.
والسلام عليَّ يوم ولدت بالجسد ويوم أموت على الصليب بالجسد ويوم أُبعث حياً في اليوم الثالث بجسد الانسان المتأله…لأجلس عن يمين الآب في الملكوت.

الصليب ...سر الحب الالهي
الصليب …سر الحب الالهي

 

زمن التريودي

$
0
0

 زمن التريودي

أَيُّها الرّبُّ وسيّدُ حياتي، أَعْتِقني مِنْ روحِ البَطالةِ والفضولِ وحُبِّ الرّئاسةِ والكلامِ البطَّالِ. وأَنْعمْ عليَّ أَنا عَبدُكَ الخاطِئ بروحِ العفَّةِ واتّضاعِ الفكرِ والصّبرِ والمحبَّةِ. نَعَمْ يا مَلِِكي وإلهي هَبْ لي أَنْ أَعْرِفَ ذنوبي وعيوبي وألاّ أدينَ إخْوتي، فإنَّكَ مباركٌ إلى دهرِ الدّاهرينَ. آمينْ. (صلاة القدّيس إفرام السرياني)

تعريف 
يبدأ زمن التريودي مع أحد الفرّيسي والعشّار ويستمّر حتّى يوم السبت العظيم. 

هو زمن خشوعيٍ بامتياز يرجع فيه الإنسان إلى نفسه وإلى الله ليقوم خليقةً جديدةً إن تاب توبةً صادقة.

إنّه زمن تطّهير الذّات وصرخة «يا الله ارحمني أنا الخاطىء».

هذا ما نقرأه حقيقةً في مطلع سنكسار اليوم الأوّل:”يا مبدع كلّ شيء سماويًّا كان أم أرضيًّا اقبل أمّا من الملائكة فتسبيحاً ثالوثياً، وأمّا من البشر فتريودياً شريفاً خشوعياً”.

السماء والأرض تؤلّفان جوقًا واحدًا، الملائكة والبشر تتآلفان في تسبيح “مبدع كلّ شيء”، الملائكة تنشد تسبيحًا ثالوثيًّا (تريصاجيون) قدّوس قدّوس قدّوس…..، والبشر تجيب بأودية تسبيح ثالوثية (تريوديون) شريفة خشوعية.

يقول كاتب سنكسار التريودي نيكيفوروس كالستوس أن أوّل ناظمي الأوديات الثلاث هو قزما المنشئ الذي رتبها كي تكون رسماً للثالوث الأقدس عنصر الحياة، وهذه الأوديات ترتل في الأسبوع العظيم. ثم تلاه مؤلفون عديدون منهم ثاودوروس ويوسيف من دير ستوديون في القسطنطينية، وقد ألفا قوانين لأسابيع االصوم الأربعيني.

يتميّز التريودي بثلاث طروباريات ترتّل في صلاة السحر كلّ آحاد الصوم بعد تلاوة المزمور الخمسين بعد إنجيل السحر. هذه الطروباريات تشكّل وحدة  ليتورجيّة مترابطة نستوّحي معناها من المزمور الخمسين وهي:

1-  “افتح لي أبواب التوبة….”،

2-  “سهلي لي مناهج الخلاص….”،

3-  “إذا تصورت كثرة أفعالي الرديئة…”.

كلمة تريودي هي كلمة يونانيّة تعني ثلاث أوديات أي ثلاث تسابيح، فكلمة أودية ωδή تعني تسبيح، وهي من فعل αείδώ «أغنّي».

تسمّى هذه الفترة هكذا لأنّه يتمّ فيها استعمال كتاب التريودي الطقسيّ.  (أنظر الشرح في الأسفل في مقطع الأودية).

في هذا الزمن ثلاث مراحل أساسيّة: أ- فترة التهيئة  ب- الصوم الأريعيني  ث- الأسبوع العظيم.

أ- المرحلة الأولى فترة التهيئة للصوم: هي فترة تمتد لشهر وتتضمّن أربعة آحاد هي: الفرّيسي والعشّار – الابن الشاطر – الدينونة (مرفع اللحم) – الغفران (مرفع الجبن).
ملاحظة:
– يتخلّل هذه المرحلة سبت الراقدين الذي يأتي قبل أحد الدينونة مباشرةً.

– سبت لعازر وأحد الشعانين يٌحسَبان فترة تهيّة لدخول الأسبوع العظيم المقدّس، بحيث نشاهد يسوع يقيم لعازر من القبر كحدث استباقي للقيامة.
100
1- أحد الفرّيسيّ والعشّار (لوقا ٩:١٨-١٤)

في هذا الأحد يٌتلى المثَل الّذي ساقه الربّ عن فضيلتَي التوبة والتواضع، مبيّنًا كم هما محبوبتان لدى الله، أكثر من الذبائح والعبادة الظاهريّة المرفقة بروح الكبرياء والتعالي على الآخرين.

بالتالي تنبّهنا الكنيسة أنّ حجر الأساس لفترة الصوم هو التواضع القرون بالتوبة.
المغزى من هذا الأحد الأوّل – الافتتاحيّ – هو التواضع.
لما سُئل القدّيس مقاريوس ” أيّ الفضائل أعظم؟ ” أجاب ” كما أن التكّبر أسقط ملاكًا من علوّه وأسقط الإنسان الأوّل، كذلك الاتّضاع يرفع صاحبه من الأعماق”.
ويقول القدّيس إسحق السرياني عن التواضع:
 الذي يتنّهد كلّ يوم على نفسه بسبب خطاياه، خيرٌ من أن يقيم الموتى. والذي استحق أن يبصر خطاياه، خير له من أن يبصر ملائكة.

قنداق الفريسي والعشار على اللحن الرابع

لنهربنَّ من كلام الفرّيسي المتشامخ، ونتعلّم  بالتنهدات تواضع العشار هاتفين إلى المخلّص: ارحمنا أيها الحسن المصالحة وحدك.

1022- أحد الابن الشاطر(لوقا 11:15-32)

في هذا الأحد يٌتلى المثل الّذي ساقه الربّ عن الابن الضال الذي بدّد ثروة أبيه ثمّ تاب وعاد إليه. يُدعى “الشاطر” لأنّه “شطر” ميراث أبيه وأخذ قسمه على حياة والده.

المغزى من هذا المثل محبّة الله اللامتناهية وهو الذي ينتظر عودتنا إليّه.
نحن جميعنا أبناء الله بالتبنّي والتوبة الصادقة الحقيقيّة هي قيامةٌ وحياة.
ومن أجمل ما في هذا المثل ” فرجع إلى نفسه ” الرجوع هو نقطة تحوّل وتصويب. فحينما يهدأ الإنسان من الداخل يبدأ يفكّر في حاله ويكتشف أن لا سلام ولا خلاص ولا طمأنينة إلاّ في العودة إلى البيت الأبوّي الحاضن، وخاصة بعد أن يدرك مرارة التغرّب عن الله وحلاوة العودة إليه.

لمَّا عصيتُ مجدِكَ الأبويّ بجهل وغباوة، بدّدتُ في المساوي الغنى الذي اعطيته أيّها الآب الرأُوف، لأجل هذا أصرخُ إليك صوت الابن الشاطر هاتفًا، أخطأتُ قدَّافك فاقبَلني تائبًا واجعلني كأحد أُجَرَائك.

1033- أحد الدينونة (مرفع اللحم):(متى 31:25-46)

في هذا الأحد يُتلى إنجيل الدينونة، كما يصف السيّد المسيح نفسه مجئيه الثاني في إنجيل متّى. يشبّه البشر الّذين خلقهم بالماشية، لأنّ صورة الراعي صورة شائعة عن الله في العهد القديم، كما أنّها صورة شائعة عن الكهنة.

وفي العهد الجديد يشبّه المسيح نفسه بالراعي، علمًا بأنّه أيضًا الحمل الّذي يرفع خطيئة العالم.

ولأنّه تألّم من أجلنا وحدها محبّته نستطيع أن تدين جحود العالم.المغزى من هذا الأحد أن يدرك المرء أهميّة المحبّة الصادقة تجاه الآخرين لأنّ الآخر هو يسوع نفسه وها نحن نقف أمامه.

الإنسان يدين نفسه بنفسه، فكلّ أعماله تُكشف كما هي أمام حكم الله العادل.

يقول القدّيس جاراسيموس (القرن الرابع): كلّ مرّة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح. الهيكل الحقيقي للمسيح هو نفس المؤمن فلنزيِّنه ونقدّم له ثيابًا، لنقدِّم له هبات، ولنرحِّب بالمسيح الذي فيه! ما نفع الحوائط المرصَّعة بالجواهر إن كان المسيح في الفقير في خطر الهلاك بسبب الجوع.

كذلك يشرح القدّيس كبريانوس (القرن الثالث) عن أهميّة الالتصاق بالمسيح في مسيرة حياتنا كلّها: المسيح نفسه أيها الإخوة الأحيًاء هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي. مجيئه هو شهوةٌ لنا نودّ أن يُعلن لنا سريعًا. مادام هو نفسه قيامتنا ففيه نقوم، لنفهم ملكوت الله أنه هو بنفسه إذ فيه نملك.
نتوقّف مع هذا الأحد  عن أكل اللحوم (أكل بلا دم) لندخل رويدًا رويدًا في حالة ملكوتيّة سلاميّة كالإنسان الأول. 

1044- الغفران (مرفع الجبن)(متى 14:6-21)

في هذا الأحد قبل بدء الصوم الكبير، تتلو الكنيسة إنجيل من العظة على الجبل، وتشدّد على أهمّيّة الرحمة والمصالحة مع الناس قبل تقريب ذبيحة الصوم.

المغزى من هذا الأحد إدراك أهميّة الغفران. فنحن نطلب من الله أن يغفر لنا خطايانا بعد أن قمنا بمسامحة الآحرين، وهذا شرط أساسي لا مفرّ منه. لا يمكننا أن نصوم ونحقد!

ولا يقبل الله صلاة الحقود!

إنّ الصوم هو رحلة المصالحة مع الله. ولكنّ الربّ يساوينا بنفسه: لا بل يساوي قريبنا بنفسه، ويقول: إن لم تصالح قريبك لا تستطيع أن تصالحني، والعكس صحيح.

من يخال نفسه أنّه بلا خطيئة يضل نفسه ويكون متكبرًا (ايو 8:1). نحن في احتياج دائم ومستمرّ أن نصرخ لله مع العشار ” اللهم ارحمني أنا الخاطئ (لو 13:18).
فلنذكر دائمًا أننا خطأة ونطلب الرحمة والغفران.
لم يعلّق الرّب يسوع على أيّ طلبة في الصلاة الربانية سوى طلبة طلب الغفران: ” فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم. (متى 14:6-15) .
إبتداءً من هذا الأحد يبدأ الصوم الكامل بالنقطاع عن الزفرين.

ب- المرحلة الثانية الصوم الأربعيني

 تتضمّن هذه المرحلة  خمس آحاد: أحد الأرثوذكسيّة – أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس – أحد السجود للصليب المقدّس – أحد القدّيس يوحنّا السلّمي – أحد القدّيسة مريم المصرية.
تقام في هذه المرحلة

– صلاة النوم الكبرى (من الإثنين إلى الخميس)
– صلاة المديح لوالدة الإله الّذي لا يُجلس فيه (في مساء كل يوم جمعة من الأسابيع الخمسة الأولى وهي كناية عن خمسة مدائح بشكل أن المديح الخامس هو مجموع المدائح الأربعة الأولى)

ملاحظة: يقام مساء يوم الجمعة في الأسبوع السادس صلاة النوم الصغرى مع قانون لعازر. 

1051-  أحد الأرثوذكسيّة     

هو الأحد الأول من الصوم نعيّد فيه تذكار تعليق الأيقونات المقدّسة ورفعها بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي.

استمرت حرب الأيقونات 120عاماً, حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء كثيرين من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد. أسباب شتّى ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها عوامل خارجيّة محيطة ومعتقدات اخرى مختلفة ومضادة، ولكنهّا كلّها لها جوهر واحد: رفض تجسّد المسيح وبالتالي ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط. وهذا طبعًا شيطاني.

1062- أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس

حددّ آباؤنا القدّيسون في الأحد الثاني من الصوم من كلّ عام، أن نقيم تذكاراً  لأحد كبار آباء الكنيسة ، القدّيس غريغوريوس بالاماس وذلك لأهميّة سيرة الآباء القدّيسين وتعاليمهم.
القدّيس غريغوريوس بالاماس، كان راهباً وناسكاً في الجبل المقدّس في بلاد اليونان، مِن ثَمَّ أصبح رئيساً لأساقفة مدينة تسالونيك. هذا الأب عُرِفَ بِحُبِّهِ وعِشقِهِ لله، وترك كتابات كثيرة. من أهمِّ الموضوعات التي تحدّثَ عنها القدّيس غريغوريوس بالاماس موضوع النعمة، نعمة الله، مجدِهِ ونُورِه. أراد أن يُخبرَنا أن الذين يتبعون الربَّ ويُحِبُّونَه ويسعون ليكونوا معه، يكافؤون بنور مجده الإلهيّ. كما يُذكِّرُنا بما حدث مع التلاميذ يوم التجلّي، عندما ظهر الربُّ أمامَهُم وكشفَ لهم مجدَهُ، وتحوّلَتْ ثيابُه إلى بيضاء ناصعة، أكثر بياضاً من الثلج، ونورُه أقوى من الشمس. هذا هو مجد الله ونوره الذي غمرنا به، نحن أحبّاءَه والذين نُرضِيه في حياتِنا على هذه الأرض.
 

 1073-  أحد السجود للصليب المقدّس

كان الصليب في السابق اسمًا للقصاص والعقاب، أما الآن فهو اسم للفخر والاحترام، كان الصليب في السابق موضع عار وعذاب، أما الآن فأصبح سبب مجد وشرف. عليّه تمجّد الإله طوعًا وقدّم نفسه فديّةً وذبيحةً لأجل كلّ واحدٍ منّا. 

يُنصَب الصليب في وسط الصوم لتشديد المؤمنين كما يوضع الهدف والإكليل أمام المجاهد في وسط السباق لزيادته حماسةً.

وبما أنّ الصليب هو مجد يؤكدّه قول المسيح ” أيها الآب مجدّني بالمجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم” (يو5:17).

فالصليب هو قمة خلاصنا، الصليب هو مصدر عشرات الآلاف من الخيرات، بواسطته صار المنبوذون الساقطون  مقبولين في عداد الأبناء. 

1084- أحد القدّيس يوحنّا السلّمي

في الأحدين الأوّلين من الصوم، تشدّد الكنيسة على  استقامة الرأي وسلامة العقيدة، وفي الأحدين الأخيرَين، تنصب إزاءنا جمال الفضائل من خلال قدّيسَين عظيمَين: القدّيس يوحنّا السلّمي معلّم الرهبان، والقدّيسة مريم المصريّة المثال الأعلى للنساك ولكلّ تائب.

تستدعي الكنيسة انتباهنا في هذا الأحد إألى أهميّة الحياة الروحيّة والجهاد الروحي.  

 يحمل هذا الأحد إسمَ أب قدّيس من القرن السابع ميلادي عاش في سيناء وكان مثالًا للتوبة ومعلّمًا للفضيلة وكتب بطلب شديد من أحد رؤساء الأديار كتاب ” السلّم إلى الله “.

هو كتاب مهم جدًا عن الفضائل وارتقائها كتبه بعد جهادٍ نسكيّ مشهود له دام حوالي الأربعين سنة. 

كتابه من أهم الكتب الروحيّة والرهبانيّة، ولم يزل مصدرًا كبيرًا لكثير من الأباء القدّيسين.

 5- أحد القدّيسة مريم المصرية 

109

قبل دخولنا الأسبوع العظيم أرادت الكنيسة أن تضع أمام قلوبنا صورة هذه التائبة علّنا نعود الى يسوع قبل الفصح لنلتقط الضياء المشع من وجهه على الصليب. فالكنيسة تقول لنا اذا عرفنا سيرة هذه القديسة ان خطايانا نحن قادرون ان نغسلها بالدموع واننا قبل ان نفعل هذا تكون اعمالنا ظاهرية ليس إلاّ.

مريم هذه كانت تتعاطى الفسق منذ اول بلوغها في الاسكندرية في القرن الرابع. ولكن أثناء عبورها عتبة الكنيسة في أورشليم منعها الله فوقفت منذهلةً وأجهشت بالبكاء. لم تكن تعلم بوقتها أن هذه الدموع كانت لمعمودية جديدة وقيامة جديدة وحياة جديدة. فخلعت عنها ثياب الخطيئة قاصدةً الصحراء لتتنسّك لحوالي سبع وأريعين سنة أضحت بعد هذه الفترة النسكية الطويلة كائنًا ملائكيًّا تناول القدسات لمرّةٍ ورقد ليكون كتابًا مفتوحًا تتعلّم منه الأجيال الإيمان والصبر والجهد والتوبة.

110* سبت لعازر

– هو سبت استباقي للقيامة المجيدة. وتتميّز الصوات فيه بأنّها الصلوات المعادة في أيام الأحد. وهو من الأعياد السيّديّة.

– فيه يعلن يسوع الانتصار على الموت إذ لعازر كان قد أنتن في القبر وقد مضى على موته أربعة أيّام.

111

* أحد الشعانين (أحد دخول الرّب يسوع إلى أورشليم)

بعد إقامة يسوع لعازر من الموت والمعروف بسبت لعازر تحتفل الكنيسة بدخول يسوع إلى أورشليم. ” أوصنّا ”  في الأعالي. ” خلّصنا” أيّها الملك الآتي. تتميّز الخدمة الطقسيّة بأنّها ليس كسائر الآحاد، بل خدمة عيد سيّديّ، فلا تقال تبريكات القيامة، مثلاً.

 والحق إنّ يسوع يدخل أورشليم كملكٍ ليعتلي الصليب عرشًا.

ما أعظم هذا اليوم! فملك المجد، الله المتجسّد، الله الذي أصبح إنسانًا يأتي بمشيئته إلى أورشليم ليصلب.

دخل الرّب أورشليم فوجد الإنسان مسمّرًا بخطاياه، فأنزله بيديه وحمل خطايا البشر جمعيهم وفرد يديه على الصليب طوعًا ليقيمنا معه إلى حياة أبديّة.

ث- المرحلة الثالثة الأسبوع العظيم المقدّس
تبدأ هذه المرحلة من عشيّة أحد الشعانين حيث تقام صلاة الختن الأولى إلى سبت العظيم المقدّس.

 شرح ليتورجي

– القوانين

prostration2في خدمة صلاة السحر التي تقام يوميًّا، نتلو ما يسمَى ب «القوانين». وهي مجموعات من الصلوات المرتّلة. وكلّ قانون يتألّف من تسع أوديات (تسبيحات)، على أساس التسابيح التسع الّتي في العهد القديم.

يبدأ استخدام كتاب التريودي كل مساء سبت وكل يوم أحد ابتداء من أحد الفريسي والعشار  في صلاة الغروب.

أما في أحد مرفع اللحم، نبدأ باستخدامه يوميًّا حتى سبت النور.

وتكون الصلوات في أسبوع مرفع الجبن مزيجًا من التريودي والمعزّي، ما عدا يومي الأربعاء والجمعة حيث تكون الصلوات مثل الصوم تمامًا.

أما الأوديات الثلاث، فيبدأ استعمالها مع بدء الصوم الكبير إذ تُتلى كلّ يوم الأودية الثامنة والأودية التاسعة، مع أودية أخرى بحسب الأيّام. فالإثنين مثلاً، تتلى الأوديات الأولى، والثامنة والتاسعة، والثلاثاء، الأوديات الثانية، والثامنة والتاسعة، إلخ. 

الأوديّة 

الأودية في الليتورجيا الأرثوذكسيّة هي قطعة مرتلّة من القانون الذي يتلى في صلاة السحر، عدد الأوديات في كلّ قانون تسع. إلاّ أن الأودية الثانية حذفت في كلّ أيام السنة عدا في أيام الصوم الأربعيني.

الأوديات التسع مرتكزة معنى ومبنى على التسابيح المأخوذة من الكتاب المقدّس والموجودة في كتاب السواعي الكبير وهي بالتتالي:

– التسبحة الأولى لموسى (خروج 1:15-19)،

– التسبحة الثانية أيضاً لموسى (تثنية الاشتراع 1:32-42)،

– التسبحة الثالثة لأم صموئيل (صموئيل 1:2-10)،

– التسبحة الرابعة لحبقوق النبي (2:3-19)،

– التسحبة الخامسة لأشعياء النبي (أشعيا 9:26-20)،

– التسبحة السادسة ليونان النبي (1:2-9)،

– التسبحة السابعة للفتيان الثلاثة (دانيال 26:3-56)،

– التسبحة الثامنة للفتيان الثلاثة (دانيال56:3-88)،

– التسبحة التاسعة لوالدة الإله ولزخريا والد يوحنا المعمدان (لوقا 46:1-55 و68:1-79) 

 خلاصة

كاتب الأودية يستوحي من الكتاب المقدّس ولكنّه يعيد صياغة الأفكار الكتابية بشكل ينم عن عمق روحي وفهم عميق لسر التوبة، يتذكّر ويعترف بخطاياه الكثيرة ويتحسّس يوم الدينونة ويرهبها، لكنّه يؤمن إيماناً عميقاً بالله، ويترك ذاته لعظم مراحمه.

هذا الإيمان وهذا الرجاء إذا ما تحرّكا بالتوبة يخلّصان الإنسان كما خلُص داود حين صرخ: «ارحمني يا الله كعظيم رحمتك». هذه هي القيامة الحقيقيّة. المسيح قام حقًل قام.

القديس ثيودوروس التيروني

$
0
0

 

القديس ثيودوروس التيروني

القديس العظيم في الشهداء ثيودوروس الأوخاييطي المجند ‏‏(القرن3-4م)‏: هو المعروف في التراث الرومي بالقديس ثيودوروس التيروني أي المجند أو المجند حديثاً، أو، وفق بعض التفاسير، المنتمي إلى الفيلق الترياني الذي كان فريقاً عسكرياً نخبويًا عُرف المجندون فيه بالاستقامة والجرأة. ونحن آثرنا إضافة صفة “الأوخاييطي” عليه نسبة إلى أوخاييطا البنطية التي ضمت رفاته، أقله إلى القرن الحادي عشر. أما خبره فاستمددناه، بصورة أساسية، من عظة للقديس غريغوريوس النيصصي (330 – 394) ألقاها يوم زار ضريحه متبركاً في ناحية من نواحي البنطس لعلها أوخاييطا.
⁜ ليس موطن الشهيد معروفاً

نعرف فقط أنه كان مجنداً في الجيش الروماني وأن الفرقة التي انتمى إليها جاءت إلى أماسيا، في البنطس، لقضاء فصل الشتاء فيها. من أين جاء تماماً؟ لا نعرف. أماسيا، في ذلك الزمان، كانت من أبرز مدن البنطس. أما أوخاييطا، التي ارتبط اسم القديس بها، فتبعد عن أماسيا سفر يوم واحد، ولعلها أفخاط الحالية، شرقي البلدة التركية المسماة اليوم خورم. نقول هذا لأن أوخاييطا التاريخية التي في البنطس زالت ولم يعد هناك من دليل قاطع على مكانها، إلى الآن. القديس ثيودوروس لم يأت لا من أوخاييطا ولا من أماسيا. بعض الدارسين يظن أنه جاء من سورية أو أرمينية.
⁜ زمانه

زمان القديس، أيضاً، غير محدد تماماً. شهادة القديس غريغوريوس النيصصي، في شأنه، تفيد بأنه استشهد منذ ما يقرب من المائة عام من زمانه هو. وهذا ما يتراوح، في تقديرنا، بين العامين 275 وأوائل القرن الرابع الميلادي باعتبار أنه ليس واضحاً متى ألقى القديس غريغوريوس عظته. بعض المولعين بلغة الأرقام يجعل التاريخ الأول من آذار سنة 306م.
⁜ خبره

ترافق ورود ثيودوروس إلى أماسيا و “حرب دموية اندلعت، فجاة، في الأمبراطورية” على المسيحيين. فقد صدر مرسوم آثم هاجم به الشيطان الله مباشرة، عبر الحكام، مخيراً المسيحيين بين نكران الله الحي والموت. لهذه المواجهة انبرى “جندينا الجديد”. كان قد نشأ على التقوى وامتلأ من الرب يسوع المسيح، وكان دستور إيمانه مطبوعاً على جبينه” رغم قلة خبرته في فن الحرب”، فبان رجلاً “كاملاً في علم القديسين وممارسة الفضائل”. لم يستسلم للخوف ولا شحُب لونه من مرأى المخاطر، ولا صمت جبناً ولا حيطة وحذراً. وكما اجتمع هيرودوس وبيلاطس على الرب يسوع، اجتمع حاكم أماسيا والمحكمة العسكرية على ثيودوروس. فلما أوقفوه أمامهم سألوه: ” من أين أتتك هذه الجسارة….لتجرؤ على رفض الإنصياع لأوامر الأمبراطور، فيما كان عليك أن تقبلها بمخافة ووقار وأنت على ركبتيك! لم لا تُكرم الآلهة التي سُرّ الأباطرة أن يكرمها خدامهم؟ ” فأجاب ثيودوروس بصوت واثق من دون أن تتغير مسحة وجهه: لست أعرف البتة آلهة كثراً، ولم يكن هناك أبداً غير إله واحد. فأنتم في الضلال إذ تطلقون على الشياطين اسم الله، وهي أرواح خبيثة محتالة. أما أنا فإلهي يسوع المسيح، ابن الله الوحيد. فمن رغب في الضغط علىّ لحملي على هجر إيماني، فليعلم إنه إن سعى إلى إجباري على ذلك بالسياط فله، بالأكثر، أن يمزقني. بمخالب من حديد وأن يزيد على أدواته جمر النار، فلن ينتفع شيئاً. وإذا ما نفر من كلامي فله لساني، ليقطعه، لأن جسدي سوف ينعم بالغبطة إن توجع، في كل أعضائه، من أجل من خلقه. على هذا المنوال أبطلت أقوال جندينا فخر الطغاة إذ رأوا شاباً يشتاق إلى الشهادة وهو مستعد لاقتبال العذاب بممنونية، ناظراً إلىالموت كعصير طيب من أجل يسوع. ثم إذ وجد أحد الضباط الحاضرين في كلام ثيودوروس مادة للتهكم، طرح عليه سؤالاً وهو يبتسم بخباثة: “ماذا يا ثيودوروس، ألله ولد؟ كيف ذلك؟ أله أولاد كالناس؟ أله شهوات كشهوات الناس ويعرف مثلهم توترات الجسد؟” “كلا!”، أجاب ثيودوروس بنبرة قاطعة. “ليس الإله الذي أعبد عرضة للضعفات ولا لتوترات البشر النابية. صحيح أنه أولد ابناً لكنه أولده على نحو إلهي، وإيلاده العجيب لابنه هو إلهي بالكلية. أما أنت، يا أيها المتهكم الخبيث، فكيف تجعل من امرأة إلهة؟ أما تخجل من عبادة إلهة تعاني آلام الطلق وتنجب آلهة أطفالاً كما الأرنبة خرانقها والخنزيرة البرية خنانيصها؟” بهذا الجواب الفوري اللاذع أخرس القديس سخرية الضابط الوثني. غير أن المستبدين كظموا غيظهم وتكلفوا الظهور بمظهر التسامح. وإذ تصنعوا الطيبة قالوا: خير لنا أن نعطي هذا الأحمق وقتاً ليفكر عساه إذا ما أمعن النظر في ما هو فيه من ضلال يعود إلى جادة الصواب. على هذا الرأي ترك القضاة ثيودوروس حراً لبعض الوقت وانصرفوا. وكان في أماسيا هيكل لأم الآلهة أقامه الوثنيون على ضفة النهر. هذا دخل القديس إليه وأشعل فيه ناراً، فأتت النار على المكان برمته، في ساعات قليلة، واستحال رماداً. وضجت المدينة! ماذا جرى؟ من الفاعل؟! كان هذا جواب القديس لمحاكميه! رفع ثيودوروس صوته عالياً: “أنا أحرقته!” لم يخطر بباله أن يتوارى، بل تباهى بعمل يديه كمن يستأهل عليه مجداً مخلداً. وإذ اعترف بفعلته ولم ينكر أخذ يسخر من الوثنيين علناً مستهزئاً بما كانوا يبدونه من أسف على خسارة هيكلهم وإلهتهم. ثم أن القضاة أرسلوا فقبضوا عليه وأوقفوه أمامهم، فخاطبهم بثقة كاملة وحرية ضمير ملفتة. بدا كأنه لا في موقع المجرم بل من له سلطان فأفحمهم بكلامه. وإذ رأى القضاة أن ثيودوروس لم يفقد شيئاً من صلابته ولا بانت عليه علامات الخوف من التعذيب، بل استمر في الكلام بالثقة عينها التي أبداها أول أمره، عدلوا من لهجتهم وحاولوا استمالته بالوعود والإطراء، عارضين عليه رتبة رئيس كهنة لديهم. فسخر منهم وقبح عرضهم معتبراً كهنة الآلهة أشقى من في الأرض، ورؤساءهم مدعاة لا للشفقة بل للتقزز. لذا نصحهم بألا يتعبوا عبثاً بتقديم عروض تمجّها نفسه. وأردف أنه خير لمن يريد أن يحيا في التقوى والبراءة أن يقضي زمانه مجهولاً وأن يكون صعلوكاً في بيت إلهه من أن يقيم في قصور الخطأة. كذلك أبدى القديس شفقة على الأباطرة لأنهم عميان إذ يظنون أنهم يزيدون تيجانهم بهاء ولباسهم الأرجواني رونقاً إن تزيّوا بالزي الكئيب الذي يتزيّي به مقربوا الذبائح. إنهم لا يعرفون أن مثل هذه الوظيفة تحط من قدرهم وأنهم متى قاموا بها كانوا في موقع الطهاة، وهم الأباطرة، يقتلون الطيور ويطهونها، ويجوفون الحيوانات الميتة مستدعين من الناس الإحتقار والإزدراء، وهم كالجزارين ملطخة بالدم أيديهم وأثوابهم. وأثارت أقوال القديس سخط القضاة فأمطروه شتماً واتهموه بالكفر والتمرد، وأمروا به الجند فمددوه للتعذيب. وإذ أمعن جلادوه في تعذيبه لم يبدِ أية علامة من علامات الضعف بل أخذ يردد القول المزموري: “أبارك الرب في كل حين. تسبحته في فمي في كل آن”، حاسباً التعذيب واقعاً على غيره لا عليه. بعد جولة التعذيب ألقاه الجلادون في السجن. هناك انبعثت من السجن الأناشيد السماوية ليالي بطولها ومشاعلٍ لا عد لها أضاءت المكان . ولما أسرع الحراس إلى الداخل وجدوا الشهيد مرتاحاً وبقية المساجين يغطون في نوم عميق. أخيراُ ساد صمت عميق وحلت الظلمة دامسة. بعد ذلك لما رأى القضاة أن جهودهم لاستعادة ثيودوروس ذهبت هباء وأن الوقت يزيده صلابة وثباتاً ويزيدهم بإزائه إحباطاً حكموا عليه بالموت حرقاً”. وإذ تمت شهادته ترك لنا حياته مثالاً وموته إكراماً”. وقد ورد في بعض المصادر القديمة كعظة خريسيبوس الكاهن الأورشليمي (479م) أن سيدة غنية اسمها أفسافيا أخذت رفاته وابتنت لها ضريحاً. ولعل موضع هذا الضريح كان، مذ ذاك، أوخاييطا.
⁜ الشهيد والقمح المسلوق

هذا ويحكى أنه في العام 361م لما سعى الأمبراطور يوليانوس الجاحد إلى رد البلاد إلى الوثنية عمد، وقد لاحظ أن المؤمنين يقدسون الأسبوع الأول من الصوم الكبير بالصلاة والصوم، إلى إعطاء الأوامر لحاكم مدينة القسطنطينية أن ينضح عماله المنتجات الغذائية في السوق بدم الذبائح المقدمة للأوثان. قصده كان أن ينجس المؤمنين في مأكلهم رغماً عنهم ويثير في صفوفهم البلبال. لكن الله الذي لا يُشمخ عليه أوفد خادمه ثيودوروس الشهيد إلى أسقف القسطنطينية أفدوكسيوس فتراءى له وكشف لعينيه ما أضمره الطاغية في حق المسيحيين، ثم أمره بأن يرعز إلى كل مسيحي بالامتناع عن شراء أي من المأكول المعروض في السوق وأن يستعيض عنه بالقمح المسلوق. وهكذا كان. لذلك اعتادت الكنيسة، مذ ذاك، أن تحفظ ذكرى هذه الأعجوبة في السبت الأول من الصوم الكبير كل عام ليتعلم المؤمنون من خلالها ملازمة الصوم والإمساك فيتنقوا من أدران الخطيئة وأدناسها.
⁜ شفاعة القديس

عندما تلفظ القديس غريغوريوس النيصصي بعظته على الشهيد الكبير، بدا كأن المكان، حول ضريحه، كان مكتظاً بالناس الذين أتوا من المدن والمناطق النائية مكابدين مشاق سفر بعيد مضن، واجتمعوا إليه في عمق فصل الشتاء والوقت ثلوج وصقيع. كان صيت الشهيد قد ذاع في كل مكان. ففي السنة التي سبقت هذا المحفل رد، كمحام عن المسيحيين، هجمة البرابرة السكيثيين لما تراءى لهم وفي يده الصليب المقدس ونشر الذعر في صفوفهم فارتدوا على أعقابهم. وقد اعتاد الناس أن يجتمعوا حول ضريحه منذ استشهاده. وهو يعلم الكنيسة – على حد تعبير القديس النيصصي – ويطرد الشياطين ويستدعي ملائكة السلام ويشفع بالمؤمنين ويسأل من أجلهم ويحظى من الله بمطلبه لهم. كان ضريحه دواء لكل الأمراض وميناء للمضنوكين ومستودعاً لا ينضب لقضاء حاجات المساكين ومضافة آمنة وخزانة للمسافرين الذين يأتون إليه بقوة التقوى، وبقعة يتواصل فيها الفرح والأعياد. هذا وقد أضحت أوخاييطا، حيث استقرت رفات القديس لقرون، محجة يتوافد إليها المؤمنون من الشرق والغرب حتى دعيت باسمه، مدينة ثيودوروس أو ثيودوروبوليس.
⁜ عجائبه

عجائب القديس الشهيد عبر العصور عديدة، نتوقف ههنا عند اثنتين منها لقيمتهما التاريخية:
أولاها أنه كانت للقديس ثيودوروس، في القرن الخامس للميلاد، كنيسة صغيرة في مدينة القسطنطينية. وقد شب فيها حريق هدد قصراً مجاوراً للقنصل سفوراكيوس. ثم فجأة، بقدرة إلهية، اختنق الحريق. ولما كان القنصل مكرماً حاراً للقديس الشهيد، فقد عمد إلى بناء كنيسة كبيرة جميلة عوض الصغيرة القديمة كان هذا سنة 452م. والثانية أن الإمبراطور البيزنطي يوحنا الأول، المدعو الشمشيق، بعدما استجار بالقديس في حربه ضد العرب سنة 970م، وتمكن منهم، عمد، تعبيراً عن شكره وامتنانه، إلى إعادة بناء كنيسة أوخاييطا على أفخم وأبدع ما يكون.
⁜ ثيودوروس 

واحد أم اثنان؟ ثمة التباس بين قديسين باسم ثيودوروس يمتان بصلة إلى أوخاييطا، المجند (التيروني) وآخر يعرف ب “قائد الجيش”. لا ذكر لوجود اثنين قبل القرن العاشر، وسيرتهما قريبة إحداها من الأخرى، الأمر الذي يحمل الدارسين على اعتبارهما واحداً. من هنا نزعة رسامي الإيقونات إلى تصويرهما معاً في بعض الأعياد.

+عيده

تعيد كنيستنا الارثوذكسية له في 17 شباط من كل عام.


الأديب الحمصي المهجري عبد المسيح حداد

$
0
0

الأديب الحمصي المهجري عبد المسيح حداد

مدخل بسيط

من أعلام حمص…الشاعر و الناقد السوري المبدع والصحفي البارز ..وهو من أدباء المهجر.. كان من مؤسسي الرابطة القلمية في نيويورك

هو شاعر و ناقد وأديب سوري مبدع وصحافي بارز وسوري وطني أصيل من أدباء المهجر،

كان من مؤسسي الرابطة القلمية في نيويورك وهو شقيق الاديب ندرة حداد

مولده ونشأته
ولد عبد المسيح بن رشيد حداد في حمص سنة 1888 وتلقّى علومـه الابتدائية في المدرسة الأرثوذكسية الغسانية في حمص القديمة بحي الحميدية ، ثم انتقل إلى دار المعلّمين الروسية في الناصرة  في فلسطين عام 1904 التي كانت قد انشأتها ادارة مدارس الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية لتخريج معلمين وطنيين للتدريس في مدارسها وتخرّج منها ثم عاد إلى حمص وتابع دراسته في المدرسة الإنجيلية على يد الاستاذ خليل الخوري شقيق فارس الخوري ودرس اللغة الإنجليزية ثم عمل في تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس حمص.

المدرسة الارثوذكسية الحمصية الغسانية الشهيرة وتسمى الكلية الارثوذكسية
المدرسة الارثوذكسية الحمصية الغسانية الشهيرة وتسمى الكلية الارثوذكسية

في المغترب الاميركي

هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1907 والتحق بشقيقه  ندرة حداد. وفي عام 1912 أصدر  جريدة السائح باللغة العربية التي أصبحت لسان الرابطة القلمية التي أسّســها عام 1920 مع الشاعر  جبران خليل جبران في  نيويورك استمرّ في إصدار جريدة السائح حتى عام 1959 مــع زملائه أعضاء الرابطة القلمية وهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا ابو ماضي ونسيب عريضة ورشيد ايوب وندرة حداد ووليم كاتسليف ووديع باموط والياس عبد الله.

وتبارت أقلام هؤلاء الأدباء على صفحات جريدته السّائح وبرز كل واحد منهم فــي ناحية من نواحي العبقرية: عبد المسيح حداد في حكاياته المهجرية، جبران في روحانيّاتــه، عريضة في حنينه وعاطفيّاته، نعيمة في فلسفيّاته وأبو ماضي في شعره التأمّلي.

الكلية الارثوذكسية الغسانية الحمصية في بستان الديوان
الكلية الارثوذكسية الغسانية الحمصية في بستان الديوان

وكانت الجريدة في كل عام تُصدر عدداً أدبياً خاصاً يحمل إنتاج المهجريين.

زار البرازيل والارجنتين  وتشيلي في أواسط عام 1948 ألقى خلالها سلسلة من المحاضرات في محافلها ونواديها.

عاش عبــد المسيح حداد في ديار الغربة أكثر من نصف قرن لم ترَ عيناه أرض الوطن حتى عام 1960 حيث دعته الحكومة السورية لزيارة وطنه الحبيب، وحلّ في مهبط رأسه حمص عزيزاً مكرَّماً، عاد بعدها لأميركا وقلبه فرح بما رأى في وطنه من نهضة وتطور في المجالات كافة… فأصدر كتاباً أسماه “انطباعات مغترب” استعرض فيه تفاصيل رحلته إلى الوطن. وكان قد وطّد العزم على نشر ما انطوى من آثار الرابطة القلمية وأن يكتب ذكرياته عن زملائه فيها.

الرابطة القلمية
الرابطة القلمية

وفاته

 لم تتحقّق أمنياته فتوفي مساء الخميس في 17 كانون الثاني سنة 1963 ودفن فـــي نيويورك وأقامت له الجالية العربية هناك في 20/1/1963 حفلة تأبين حضرها الدكتور جورج طعمة القنصل العام لسورية في الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته كان المندوب السوري الدائم في الامم المتحدة، اضافة الى ممثل الجامعة العربية في الامم المتحدة بنيويورك، وأدباء المهجـــر…

أعماله الأدبية

لعبد المسيح حداد مؤلفات أدبية واجتماعية متعدّدة منها: (حكايات المهجر) وكــتاب (انطباعات مغترب) بالإضافة إلى افتتاحيّاته الرائعة لجريدة السائح طيلة 47 عاماً في مختلف شؤون الأدب والنقد والسياسـة والاجتماع. و45 مجلّداً من جريدة السائح التي تمثِّل هرماً أدبياً بناه عبد المسيح بالإضافة إلى افتتاحيّاته لجريدة السائح في مختلف شؤون الأدب والنقد والسياسـة والاجتماع.
مات «العم» جورج عبدالمسيح، كما كان يحلو له ان يناديه الناس.
وبرحيل عبدالمسيح تنقضي حقبة من تاريخ فكري وثقافي وسط قوى التحرر العربي مما جعله رجلاً تجتمع فيه الثقافة والصرامة وقصر القامة والمظهر القروي، لتؤلف جاذبية طريفة.
كان كلامه «سحراً» كما يقول البعض، إذ كان في تلك الندوات يستوي في مقعده ويضع رجلاً على رجل، ثم يركّز فنجان القهوة على ركبته ويتركه ويبدأ الكلام بلغة خطابية متماسكة، فينشدّ المستمعون الى فنجان القهوة وإلى ما يقول فينساب الكلام الى عقولهم ويعجبون به.
ونقل عنه الأديب سعيد تقي الدين، القومي هو الآخر، أنه حارب في فلسطين عامي 1936 و1938 في «فرقة الزوبعة». وقال فيه «ما هو بالشخص الذي شاع عنه انه بطّاش، ولقد وجدته، بعد أن عاشرته وعاملته على كل السويات الشخصية و الاجتماعية، انه طفل له جسد جبار وعقله، وله ثقافة الجبابرة».
له مؤلفات عدة تتناول القومية ومئات المقالات والدراسات.

عندما عاد إلى أميركا كان فرحاً بما رأى في وطنه من نهضة وتطور، وكان قد عمل على نشر ما انطوى من آثار الرابطة القلمية وكتب ذكرياته عن زملائه فيها في كافة المجالات، فأصدر كتاباً سمّاه “انطباعات مغترب” استعرض فيه تفاصيل رحلته إلى الوطن، كما قام بكتابة ذكرياته في مدينته “حمص” ونشرها في أميركا وتحدث فيها عن علاقاته مع جيرانه وأقربائه، كما وصفه جيرانه بأن همه كان الحفاظ على اللغة العربية والعمل على خدمتها وإقالتها من الجمود.

شعراء الرابطة القلمية
شعراء الرابطة القلمية



احد جيرانه وصفه بأنه كان قامة من قامات الحي المعروفة، وقد تم اقتراح اسمه من قبل كبار الحي، لاطلاق اسمه على احد شوارع الحي، لكونه من الذين ساهموا في بناء تاريخ “حمص” مساهمة كبيرة وفعّالة وخصوصاً في المجالات الأدبية في المهجر، ولكونه هاجر في الفترة التي شهدت هجرة كبيرة للعقول السورية إلى دول أميركا الشمالية والجنوبية حينها، حيث كانت مكتشفة حديثاً، ساعد ذلك أيضاً على بناء المدينة فكرياً وعمرانياً.
الكاتب والموثّق التاريخي “جورج رباحية” يتحدث عن السيد “حداد” في مقال له على موقع “حي الحميدية” بالقول: «هو حقاً شاعر وناقد وأديب مبدع وصحفي بارز ووطني عربي أصيل، له مؤلفات أدبية واجتماعية متعدّدة، إضافة إلى افتتاحيّاته الرائعة لصحيفة “السائح” طوال 47 عاماً في مختلف شؤون الأدب والنقد والسياسة والاجتماع، و45 مجلّداً من الصحيفة ذاتها التي تمثِّل هرماً أدبياً بناه “حداد”». 

الاديب الحمصي المهجري عبد المسيح حداد
الاديب الحمصي المهجري عبد المسيح حداد

لعبد المسيح حداد مؤلفات أدبية واجتماعية متعدّدة منها
“حكايات المهجر” و”انطباعات مغترب” و مجلّداً من جريدة السائح. بالإضافة إلى افتتاحيّاته لجريدة السائح في مختلف شؤون الأدب والنقد والسياسـة والاجتماع.




المصادر القانونية للقديس باسيليوس الكبير

$
0
0

المصادر القانونية للقديس باسيليوس الكبير

بين ال16 وال21 من ايلول سنة 1963 عقد المؤتمر الرابع للدراسات الآبائية في او كسفورد. اشترك فيه 630 شخصاً من الكنائس المختلفة وجلهم من المنصرفين الى البحوث الابائية.

في هذا المؤتمر القى الارشمندريت بول لويليه الحديث الذي ننشر له ادناه نص محاضرته، وهو كاهن ارثوذكسي في باريس مجاز في الآداب ويهتم بالتاريخ والقانون الكنسي.

قام سيادة الاسقف ( البطريرك) اغناطيوس هزيم بتعريبها ونشرتها مجلة النعمة لسان حال حركة الشبيبة الارثوذكسية بعددها5 السنة 20 بتاريخ 15 آذار سنة 1964والمقال ادناه حرفياً عن مقال النعمة…(المحكي عنه) نحن نستعيد نشره هنا في موقعنا لاهميته بخصوص مجمع نيقية والمصادر القانونية التي استند اليها القديس باسيليوس الكبير.

نص المقال

القديس باسيليوس الكبير في نظر الكنيسة الشرقية ليس فقط مدافعاً عظيماً ونا وناطقاً كبيراً بلسان الايمان الارثوذكسي، ولكنه ايضاً مشروع لايزال تاثيره في حقل القانون عظيماً. وفي الواقع ان اسقف قيصرية قد كتب مؤلفات واسعة في القانون وفيها اثنان وتسعون قانوناً عدا مايجد المنقب من الملحقات في بعض مجموعات القوانين. وهي تتطرق لموضوعات اساسية أمثال: طبيعة التقليد ، ولاهوت الأسرار وما الى ذلك. وقبل مجمع تروللو بكثير كانت القوانين التي كتبها باسيليوس تحتل مركزها في المجموعات القانونية الشرقية مع العلم انها لم تتخذ طابعاً تشريعياً مسكونياًالا بعد قرار ذلك المجمع في قانونه الثاني.

ولتحديد المصادر القانونية التي استخدمها القديس باسيليوس أهمية خاصة، لأن أسقفية القديس حصلت في فترة كانت اوضاع الكنيسة فيها في تطور، وفيها بدات عملية تكوين حق قانوني عام ينطبق على كل المسكونة، ومايفسر بعض صفات تشريع باسيليوس وبشكل خاص استعماله الحر لبعض مصادر القانون السابقة، وهو بالضبط أن ذلك التطور كان في بدئه.

مجمع نيقية المسكوني الاول
مجمع نيقية المسكوني الاول

فلنقم الآن بجردة نوضح فيها المستندات القانونية التي رجع اليها القديس باسيليوس بدون أي شك والتي لاريب في أنه أخذها بعين الاعتبار في تشريعاته. ويجب بادىء ذي بدء ذكر قوانين المجمعين اللذين انعقدا في ابرشية البنطس في اوائل القرن الرابع اعني مجمع انقيرة”313-314 ومجمع قيسارية الجديدة 315.

اننا نجد آثار  اكيدة لتشريعات مجمع انقيرة ولانشك في أن اسقف قيصرية كان ينظر الى هذه التشريعات. لأن قانونه الثلاثة والثمانين المأخوذة عن رسالته 217 الى أثفيلوكيوس يكرر تقريبا حرفياً القانون 24 من اامجمع المذكور.

اما قانونه الثاني فيفرض فترة توبة مدتها عشر سنين على مرتكب  جريمة الاجهاض ويستعمل في هذا المضمار عبارة التدبير.

هذا التدبير هو بالضبط ذلك الذي حدده القانون 21 من مجمع انقيرة. اما القانون 23 من القديس باسيليوس فيتبنى التدبير الذي اتخذه ذلك المجمع في القانون 11 في موضوع الخطف ويرجح ان العبارة التالية التي يستعملها القديس باسيليوس بشأن بعض المرتدين حيث يقول :” فيقاصص حسب منطوق القوانين التي سنها آباؤنا” تضم القواعد التي وضعها مجمع انقيرة. غير ان مدة القصاص عند القديس باسيليوس ليست دائماً ذاتها كما وردت لدى آباء انقيرة، وهذا مما يدل على أن قرارات  هؤلاء لم تتخذ في نظر أسقف قيصرية قوة الالزام المطلق. فهو عامة أشد قساوة منهم. وهكذا بينما كانوا هم قد قرروا أن الجريمة غير المقصودة تجلب على مرتكبها قصاصاً طيلة خمس سنوات، فرض، هو قصاصاً لمدة عشر سنوات.

وفيما يخص العذارى الساقطات يلاحظ القديس باسيليوس ملاحظة ملآى بالسخرية فيقول عن تسامح مجمع انقيرة:”لقد قرر آباؤنا، وكانوا منعطفين بالرحمة على ضعف الذين يسقطون في الشر، انه يمكن أن يقبل ثانية بعد سنة واحدة، ذلك لأن آباءنا كانوا يعتبرون وضعهم كوضع الذين يتزوجون مرتين”. وفي هذا اشارة مباشرة الى قانون انقيرة التاسع عشر.

وليس في قوانين القديس باسيليوس ملامح تأثير مباشر لتشريع مجمع قيسارية الجديدة، ماعدا القانون الرابع الذي يشير الى القانون الثالث من المجمع. ولكن اذا كان هذا التأثير المباشر لايظن بالوضوح الذي رأينا بالنسبة الى مجمع انقرة، فذلك فقط وليد الصدفة، ولايجب علينا ان ننسى كون القرارات المجمعية وقوانين القديس باسيليوس كانت تبحث في حالات خاصة ولم تكن تؤلف مجموعات منظمة. وقد كان القديس باسيليوس في الشرق أحد كبار المدافعين عن التعاليم التي أصدرها مجمع نيقيا وشرحها فقد وصفه القديس بأنه الكاروز  الأعظم للايمان. ولكن ماذا كان موقفه من القوانين التنظيمية التي سنها ذلك المجمع؟

انه يرجع اليها بكل وضوح. وقد كتب الى أحد كهنته الذي كان يخالف أحد هذه القوانين قائلاً:”ياغريغوريوس انا لست الاول ولا الوحيد الذي قرر بألا تسكن النساء مع الرجال، اقرأ القانون الذي سنه آباؤنا في مجمع نيقيا فهو يمنع ادخال النساء الى البيوت” ثم يزيد فيقول :” ولهذا امرتك اعتمادا على وصايا الآباء القديسين بأن تبتعد عن هذه المرأة.

القديس باسيليوس الكبير
القديس باسيليوس الكبير

-لدى قراءة هذه الرسالة التي توجد في مجموعات القوانين تحت اسم القانون الثامن والثمانين للقديس باسيليوس، يمكن التصور بأن التشريع التنظيمي في نيقية كان ذا قيمة شرعية مطلقة في نظر اسقف قيصرية. لكن ذلك بالفعل مغالاة فهو يرجع الى هذه القوانين لاشك ويأخذها بعين الاعتبار. ولكنه لايعتقد بأن لها طابعاً قانونياً يشمل كل الحالات ففي نظره ان اي تقليد محلي ذي قواعد عقائدية قوية يمكنه الصمود حتى تجاه المجمع الذي ذكرنا. ويظهر موقفه هذا من القانونين 1 و 47 المأخوذين من رسالتيه 188 و 189 وكلاهما يتحدثان عن اعادة معمودية الهراطقة.

ففي القانون رقم 1 يقول: ” ان لك الحق بتذكيري بان علينا ان نتبع العادات  في كل بلد على حدة” فإذا كان القديس باسيليوس لاينقض قرار مجمع نيقيا فيما يخص النوفاتيين فلا شك بأن نقاشه اللاهوتي يبرر العادة الخاصة في كبادوك، أعني اعادة المعمودية، ويحس القديس باسيليوس بأنه حر في ان لايقبل بدون شرط قانون نيقيا الثامن الذي يخص النوفاتيين اما قانونه ال47 فلا يخلو من الغموض، ويبدو لي ان كلمة قانون المستخدمة فيه لاتعني قانون مجمع نيقية عكس ماظن مترجم رسائل القديس باسيليوس في مجموعة غليوم وديه. اقول ان المقصود بذلك القانون هو القاعدة التي تفرض اعادة المعمودية، ويبدو لي واضحا وجليا ان هناك بعدا اكيدا بين القديس باسيليوس وقرار نيقيا في هذا الموضوع ولكي يخفف الشارح بلسام من البعد بين القرارين ومن فاعلية قانون القديس باسيليوس يؤكد ان هذا الاخير يعطي رأياً شخصياً.

ولكن مهما كان الأمر ، يُستدل مماسبق أنه في عهد القديس باسيليوس لم يسد الاعتقاد بان الكنائس المحلية كان عليها ان تنسجم آلياً في تنظيماتها المحلية مع القرارات المجمعية حتى ولوكانت تلك المجامع نيقية بالذاتن وهذا ممايفسر لنا سبب الاختلاف في التفاصيل بين قواعد القصاص عند القديس باسيليوس وبين تلك التي اقرها مجمع أنقيرة كماسبق.

القديس باسيليوس الكبير
القديس باسيليوس الكبير

نعم ان توحيد  التنظيمات المكانية بدا يتكون ابتداء من القرن الرابع ولكنه لن يصبح مفروضاً على الجميع الا على اثر عناصر لها حق الفصل اعني بذلك تشكيل الرئاسات التي تشمل عدداً من الأبرشيات  والتي تكون مرجعاً استئنافيا  أعلى ومن ثم الاهمية  التي اعطيت للاجتهادات في المجمع الدائم في القسطنطينية . واخيراً في نشر  مجموعات القانون. وكانت آخر حقبة في هذا التطور قرار يوستنيانوس الذي اعطى للقرارات التنظيمية المجمعية قوة القانون.

وهناك مجامع اخرى عقدت قبل عهد القديس باسيليوس وأثناء ولايته ودرجت قوانينها في المجموعات القانونية ولكن ليس من برهان على انها أحدثت أي أثر لدى اسقفية قيصرية. واذا كان هناك نوع من التقارب يمكن ملاحظته سطحياً، فذلك لايعني الا ان الكنائس المحلية كانت تتفق على عدد مننقاط التنظيم اعتمادا على قواعد اساسية متينة، وتمكن الملاحظة العابرة الآن بأن آباء مجمع ميقية في قبول النوفاتيين ولم يأخذوا برأي القديس باسيليوس.

ولكني أميل الى الاعتقاد أن اسقف قيصرية كان يعرف قوانين الرسل القديسين ولم تكن بعد قد اتخذت الشكل الذي نجده اليوم في الدساتير الرسولية وليس في امكاني تبرير الأسباب التي تمنعني من قبول النظرية المقبولة اجمالاً، بأن هذه القوانين اتت متأخرة. ولكني اريد أن أقول  الآن أن أفترض  كون القوانين الرسولية قد أتت متأخرة وانها تعتمد على غيرها تجاه سلسلة من القواعد المجمعية التي لم تكن بعد قد نظمت هذا الافتراض تبدو قواعد القديس باسيليوس وكأنها مرتبطة بها.اسبقية القوانين الرسولية على غيرها اذن فلا عجب ان تبدو قواعد القديس باسيليوس وكأنها مرتبطة بها. لكنه من قبيل المغامرة ان نريد احداث علاقة اصلية كلما وجدنا تشابها. غير ان هنالك تقاربا اكيدا يكفي لأن نأخذه بعين الاعتبار. ففي القانون الثالث للقديس باسيليوس نقرأ:”اذا زنى الشماس بعد شموسيته يُطرح خارج الشموسية. ولكن عندما يصبح من عداد العلمانيين لايبعد عن المناولة، وان هناك قانوناً قديماً يذهب الى ان الساقطين من كرامة الاكليريكية يجب ان لايخضعوا الا لهذا النوع من القصاص وذلك في اعتقادي لأن الأقدمين اتبعوا هذا القانون:”لن نقاصص مرتين بسبب الخطيئة” ناحوم9:1″. والقانون 32 عند القديس باسيليوس يقول:” ان الكهنة الذين يرتكبون الخطيئة المميتة تنزع منهم درجاتهم ولكنهم لايفصلون عن شركة العلمانيين لأنه لن يقاصص مرتين بسبب الخطيئة الواحدة، وهاكم الآن القانون الرسولي رقم 25″ا1ا ضبط الاسقف والكاهن والشماس في حالة الزنى او السرقة فيجب ان يجرد ولكن يجب ان لايفرز لأن الكتاب المقدس يقول:”لن تقاصص مرتين بسبب الخطيئة الواحدة.”

قد يعترض احدهم بأن اللقديس باسيليوس لايشير الى رسولية القانون ولكن وجود القوانين لايفترض انها كانت دائما تدعي ذلك الاصل. وهذا العنوان مع بعض التعديلات فيه تبدو لي وكأنها من صنع احد المصلحين الذين اساؤوا التصليح.

على كل حال لايمنع القديس باسيليوس من اعتبار القاعدة التي ذكرنا انها رسولية لأنه لايصفها فقط بأنها قديمة ولكن أنها كانت منذ البدء. وهذا يعني بالضبط في لغة اسقف قيصرية بانها رسولية كما ورد في القانون 92 حيث يثصد الرسل عندما يذكر” المنظمين منذ البدء”

القانون 12 من باسيليوس الكبير يقول:” الذين تزوجوا مرتين القانون يقصيهم عن الكهنوت وهذا بالذات مانجده في القانون الرسولي رقم 17.

لاشك بأنه في الامكان ايجاد امثلة متعددة للتشابه بين القديس باسيليوس وبين تلك المدعوة قوانين الرسل ولن اتوقف عندها بعد ان اخترت مثلين صادقين. ولكني اريد الاشارة الى التشابه في المواقف فيما يخص عدم صحة الاسرار التي يقوم بها الهراطقة.

من المرجح ان يكون القديس باسيليوس قد عرف مستندات آبائية أخرى استخرجت منها القوانين في حقبات تالية، ولكن لاشك في أن اسقف قيصرية لماعرفها كانت تعكس فقط صورة عن التنظيمات التقليدية ولم تكن بعد شرائع ملزمة.

والآن فيما يخص استعمال القديس باسيليوس للمصادر القانونية يمكن الاعتراض على بعض ماقلته بأني استعملت كلمة قانون عند القديس باسيليوس بالمعنى التكتيكي المحدود وبذلك أكون قد اعطيتها معنى لم يكن لها في ذلك الحين خصوصاً وانها آنئذ لم تدل الا على مبدأ ما أو شريعة مبنية فقط على العرف. والواقع ان هذه الكلمة تأخذ أحياناً هذا المعنى لدى القديس باسيليوس ولكنه يستعملها قليلاًجداً بهذا المعنى لدى القديس باسيليوس ولكنه يستعملها قليلاً جداً بهذا المعنى  لأنه يفضل لمثل هذه الاحوال استعمال كلمة اخرى وهي “تيبوس”. على العكس نرى ان عبارة قانون وفكرة قانون متميزتان تماما عن العرف والعادة فقد كتب القديس باسيليوس:”اولئك الذين يتزوجون ثلاث مرات يُفرزون خمس سنوات حسب العرف ونحن لانأخذ هنا العقاب من القوانين ولكن من الذين سبقونا ونحن نتبعهم” ” القانون4″ وكذلك يشدد على التمييز عندما يكتب: “يجب ان نعرف ماهو من قبيل القانون وماهو من قبيل العرف والعادة” القانون الثالث”. ومن ناحية اخرى بالنسبة الى عبارة والقانون وفكرة القانون يستعمل القديس باسيليوس افعالاً تفترض السن والتشريع بكل اشكالهما. وتجدر الاشارة العابرة الى ان اسقف قيصرية يستعمل في بعض الاحيان بدلا من كلمة قانون كلمة ناموس وهي معادلة لها.

عندما يعطي القديس باسيليوس رأيه الشخصي في حالة لاتقع تحت القوانين ولا العرف والعادة او عندما يعتقد بأن القوانين غير ممكنة التطبيق فيها يذكر ذلك كما في القانون التاسع حيث يقول:”ليس لدينا اي شيء في هذا الموضوع في العرف الكهنوتي.” وفي القانون الثلاثين:”ليس لدينا والحق يقال من قانون قديم ولكننا ابدينا رأياً خاصاً”.انا اعتقد ان القديس باسيليوس كان يملك بالتأكيد في ملفاته الاسقفية نصوصاً قانونية وهذا نجده عنده بين القانون والناموس والعرف والعادة والرأي الشخصي ولكن بشهادات اخرى ملموسة: اولا لأنه يذكر نص قانون مجمع انقيره وبعدئذ لأنه يكتب الى احد كهنته:”اقرأ القانون الذي سنه آباؤنا القديسون في مجمع نيقية” ومما لاريب ان القديس ما كان كتب للكاهن:”اقرأ” لو لم يكن لديه نص القرارات في مجمع نيقية. وصحيح ان القديس في مقدمة الرسالة 188 عن القوانين يكتب:”كان علينا ان نفحصها بكل دقة وان نتذكر  ماكنا سمعناه من الاقدمين وان نجد بتفكيرنا الخاص ماينسجم مع ما تعلمناه.” وهذا يفسر ان مراسل القديس طرح عليه اسئلة دقيقة في شؤون خاصة. والقديس باسيليوس في جوابه يوضح اذا كانت الحالة الخاصة تقع تحت طائلة قرار قانوني او اذا كان العرف والعادة قد تحسبا، والا فإن القديس يعرض حلاً على اساس فكره الخاص.

ويجب ان نستبعد تماما انه كان عند اسقف قيصرية مجموعة للقوانين المنظمة لأن مجموعات كهذه لم تأت الا متأخرة. وقد رأينا ان في بعض النقاط كان القديس باسيليوس يعتمد العرف المحلي عندما كان يبدو له مؤسسا على قاعدة صحيحة وكان يعطيه قيمة تضاهي قيمة المجمع ولو كان ذاك المجمع نيقية بالذات.

هنا يجدر القول بأن في هذه النقطة يظهر قلق عند القديس باسيليوس لا بل مشكلة وجدانية كلما كان الموضوع قراراً نيقاوياً مسلكياً. وهذا مايبرر في نظري الغموض في تعابير القانونين 1 و47.

وهكذا نرى ان المصادر القانونية لأسقف قيصرية مختلفة الأولى من طبقة قديمة تتألف من القواعد التقليدية المعمول بها في الكنيسة المسكونية ولكنها ذات طابع محلي وهذه القواعد شفوية تعتبر في جوهرها رسولية مما هو مشكوك فيه الآن ولكنه لم يكن موضوع شك في العصور  القديمة التي كانت حسب قول الأب كونغار أقل تطلباً منا فيما يخص  الوساطة التاريخية. ومن ناحية أخرى أن قيمة العرف الكنسي المتبع في مكان ما، وهذا مهم جداً يضمنها التسلسل الرسولي ولذلك رجع القديس باسيليوس فيما يخص اعادة معمودية الهراطقة لا الى كبريانوس ولكن الى فرميليانوس الذي وصفه بأنه يشغل الكرسي الرسولي شرعا ومن ضمن التقليد الرسولي.

هذه التنظيمات حسب العرف والعادة ترتبت في مجموعات وصلنا بعضها في شكلها الاصيل او صورتها الموسعة، من هذه المجموعات قوانين الرسل القديسين ويرجع اليها القديس ليس فقط كحق عادي ولكن كقوانين.

أخيراً هنالك قواعد مجمعية كانت مصادر قانونية للقديس باسيليوس هي: اولا قواعد المجامع المكانية التي تتمثل فيها كنيسة قيصرية، هذه القواعد يعرفهاالقديس  ويأخذها بعين الاعتبار ولكنه لايعطيها قيمة حتمية وملزمة.

اما بشأن  قواعد مجمع نيقية فمن الطبيعي ان القديس كان يأخذها بعين الاعتبار بسبب الاحترام الذي كان يكنه لهذا المجمع وبالنظر الى قيمتها الداخلية ولكنه لايصل الى حد اعتبارها تشريعاً ذا طابع اجباري فعلى الاقل في حالة واحدة هو لايخفي تفضيله للتقليد الكبادوكي المحلي.

ان القول بأن القوانين التنظيمية في المجامع المسكونية تتخذ آلياً قوة القانون في كل الكنيسة هذه الفكرة لاحقة ولم تعط صيغتها الواضحة الا في مجمع خلقيدونية (القانون الاول). وعندما نأتي الى تشريع يوستنيانوس تصبح تلك الفكرة اساساً رئيساً للحق الكنسي.

دمشق الشامة الشامية…وهل اجمل من الشامة الشامية؟!

$
0
0

دمشق الشامة الشامية… وهل اجمل من الشامة الشامية؟!

نقول عن الشام انها شامة الديار الشامية او سورية الطبيعية، ونسأل او هل اجمل من الشامة على وجه الحسناء؟ وهي تزيد هذا الوجه جمالاً وبهاءً…

وهذا يجيب عن سؤالنا بسؤال وهل اجمل من الشامة الشامية درة مدن وحواض بلاد الشام، والعاصمة الاقدم في الكون…

حيكت الاساطير عن قدسيتها  ولنا ولغيرنا الكثير من الكتابة عن قدسيتها وعراقتها…

حيكت الاساطير عن صمودها وعلى عتباتها تكسرت كل الغزوات…

تتحدث دمشق عن نفسها بدمشقتها اي السريعة والجميلة البناء والدمشقة كلمة من دَمْشَقْ…!

توسعت دمشق بالحضارات التي تعاقبت عليها ووصلت إلى نظام معماري متكامل عبر العصور.  من الشارع المستقيم كنظام بابلي روماني رومي الى استانبول الصغيرة…في ساروجة…

الشارع المستقيم في اواخر القرن 19
الشارع المستقيم في اواخر القرن 19

فغدت مدينة تعتمد على نفسها بحماية قلعتها وهي الفريدة في العالم لكونها على سوية ارض دمشق وليست على مرتفع.. الى سورها الحامي وابوابها الرئيسة السبعة والفرعية وسويقات خلف هذه الابواب لتخديمها… الى سبعة فروع بردى والفيجة يزرعان الحياة فيها فكانت واحة غناء في صحراء مجدبة…

غدت دمشق تعتمد على نفسها بمرافقها ونشأت هندسة معمارية جمعت أفضل ما عند دول مجاورة وفاقتهم.

 البيت الدمشقي حكاية الاسطورة والجمال…هو المشتى والمصيف

شكلت البيوت في دمشق القديمة حصونا صغيرة وإحياؤها رباطا متشابكا وملتحما… ارتفعت قيمتها في التصاميم والزخارف الهندسية. وتسابق النبلاء في بناء القصور والبيوت الكبيرة التي ظلت مرجعا للمكانة الاجتماعية المرموقة. أما البيت كما يقول الدكتور عفيف بهنسي في مؤلفه «عمران الفيحاء» فليس إلا محطة هادئة يعيش فيها الإنسان ضمن أسرته وهي الخلية الأساسية للمجتمع، يوجد فيها مع الله، فكأنما البيت المنفتح على صحن واسع يتجه بجميع غرفه نحو الملأ الأعلى الذي ترمز إليه قبة السماء الصافية. فإذا كانت المدينة متراصة مندمجة تأكيدا لوحدة الأمة، فان البيت منفتح نحو السماء لتحقيق اتصال الإنسان بخالقه اتصالا مستمرا. وبمعنى آخر إذا كان الوجود الخارجي للإنسان موحدا فيما بينه، وهو موحد أيضا في نطاق المدينة العفوية، فان الوجود الداخلي للإنسان مرتبط بذكر الله والتسبيح له عن طريق الفسحات المفتوحة للفضاء.

كل يوم شيء جديد.. وكل جديد يمر عليه الدهر يصبح قديما، لكن ليس كل قديم يصبح تراثاً…

الشارع المستقيم حاليا
الشارع المستقيم حاليا

وليس كل تراث يلفت نظر التاريخ ويلفت نظر الحضارة الحديثة. ودمشق العاصمة المأهولة منذ فجر التاريخ.. مدينة الأسرار العتيقة مازالت تتنسم عبق الماضي وتضج بالذكريات والحنين من خلال حاراتها الشعبية ومقاهيها وأسواقها العتيقة.. المتجددة أخيرا.

استحوذت العمارة الدمشقية القديمة على اهتمام العديد من الباحثين. وتعتبر البيوت الدمشقية من الأشياء المستحبة التي يأتي إليها السياح الأجانب للرؤية والتمتع بجمالها الأخاذ فقط…وفي نهاية زيارتهم يقدمون لنا اكبر نصيحة: «أن نحتفظ بالأشياء التي يفتقدون الجمال فيها.. يطلبون إلينا بأن لا نهجر ونبتعد ونهدم ما عمره الأجداد، بل نلجأ إلى ترميمه لان المحافظة على المعمار القديم هو الذي يعطي الصورة الحقيقية لماضينا.. وهو الذي يترك بصمة واضحة لكل العيون التي ترى وتشرد في قديمنا المعماري والتراثي.

يمتاز البيت الدمشقي بجماله وبهائه وأصالته، الذي يعتبر مثالا صادقا لجمال البيت العربي ذو الطابع الأصيل، والعمارة الإسلامية التي بلغت القمة في الإبداع والتوزيع الوظيفي، وسحر كتّاب وشعراء الغرب. ورحل إلى الأندلس ليصبح بها تحفة أثرية خالدة، ومن الأندلس رحل بعمارته ووروده إلى أميركا ولا يزال الحديث عن سر الجمال فيه.

بيت دمشقي متواضع ولكنه يتعانق مع الورد في محلة سفل التلة
بيت دمشقي متواضع ولكنه يتعانق مع الورد في محلة سفل التلة

فهو «يعتبر من ارفع نماذج الفن الانساني بفضل الذكاء الدمشقي الذي وضع في مخططه وجمال المواد المستخدمة في تنفيذه» بحسب وصف «ايكوشار» له في المقتطفات 1930، ونزعة الإنسان الدمشقي الفطرية إلى الجمال وحب الجمال…. قد يرى البعض في البيوت الدمشقية جماليات خاصة كثيرة ومتنوعة.. لا يراها كل الناس..

ولا غرابة في ذلك.. ففي كل ركن من أركانه لغة تجمع بأحرف متميزة بين أصالة الماضي واعين الناظرين. القاعات فيه واسعة وذات أسقف عالية يتراوح بين الأربعة والستة أمتار، وهي عادة ما تكون خشبية مرصعة بقطع الصدف والفضة والمرايا… أما جدران تلك القاعات فمزخرفة من الداخل، وغالبا ما تكون مغلفة بطبقة خشبية مزركشة برسوم ونقوش شرقية مخطوط عليها أبيات شعرية ودينية.

لها نصف نوافذ «المندلونات» تكون في أعلى الغرفة أو القاعة بهدف الإنارة الكاملة تفتح لنفوذ النور ودخول الشمس وتجديد الهواء، فقد عرف الدمشقيون منذ القدم كيف يتعاملون مع حر الصيف داخل منازلهم، وبالرغم من بساطتهم آنذاك، فقد انتخبوا مواد طبيعية لإنشاء بيوتهم معروفة بعزلها للحرارة كمادة أساسية في بناء منازلهم: سهلة البناء.. قليلة التكاليف.. رديئة النقل للحرارة والبرودة..

قادرة على حماية الإنسان من العوارض الجوية وتقلبات الطقس قوامها: «الطين والخشب والحجر والقش المكسر».. وجعلوا في كل قاعة بحرة مستديرة الشكل أو بيضاوية. بهدف تكييف وتلطيف جو الغرفة.. وهي مختلفة باختلاف القاعة..

البيت الدمشقي يوحي الى كل سامع بدمشق انها مدينة الاحلام  أن يعيش حلما دمشقيا عريقا ويتجول بين بيوت دمشق وأزقتها ويتماهى مع سكانها وشخوصها… مكشوف من داخله.. مغلق من خارجه يوحي بالبساطة وعدم التكلف ولكن بداخله قصر منيف…

لا يعكس المظهر الخارجي للبيت الدمشقي المتقشف حقيقة الجواني من الداخل. فمجرد الدخول إلى البيت وبعد تجاوز باب الدهليز الخشبي تظهر أرض الديار الواسعة، مفتوحة للسماء.. تتوسطها بحرة ماء رخامية وحولها أحواض شجر، وأزهار تصطف على مدرجات خشبية: أصص الورد الجوري الأحمر والفل الأبيض، ونباتات ذات تسميات بالغة الجمال من «استعارات وكنايات وصور بحسب ما يشاهدها ساكن المنزل وما يتخيل وجودها «الوردة الشامية…الياسمين الدمشقي… شوك المسيح…الباغونيا…العطرة…الخبيزة…الشب الظريف… المليسة… السمكة…الساعة…التلفون.. أصابع العروس.. حلقات الست.. خَدْ بنت الملك».

من جماليات البيت الدمشقي
من جماليات البيت الدمشقي

العين نافذة الجسد… والنافذة مطل العين ومنفذ الإدراك الحسي للعالم الخارجي… والنوافذ منافذ على الآخر….. تتخاصر شبابيك دمشق المدينة التي خاصرت التاريخ طويلا، شأنها شأن نوافذ الحارات في المدن العواصم العربية القديمة التي لا تنفتح على مدى ضوئي مديد، ولا تدعوك إلى السباحة في ألوان الطبيعة.

بل تتقدم نحو بعضها.. يحمل كل شباك رسالة يصر على تسليمها باليد للشباك الآخر.. كأنه يبحث عن وجه الآخر باستمرار. لشبابيك الدمشقية تطل على فناء البيت ليبقى كل ما في البيت ضمن جدرانه ولا يتعداه بعيدا، ولا تفتح على الطرق.أما الخص، فهو شباك من أصابع الخشب المتقاطعة يحجب النساء في البيوت عن الأنظار.

ومنذ نهايات العهد العثماني شهدت دمشق تغيرا في أساليب العمارة والتخطيط واستخدام مواد جديدة في البناء فتغير طابع العمارة المحلية من الانفتاح نحو صحن الدار إلى نوافذ مفتوحة على الشوارع الحديثة ذات التخطيط المستقيم والشطرنجي بدلا عن الأزقة والحارات المتعرجة.

الشاعر نزار قباني ابن دمشق البار وأحلى حمائمها استحوذ بيته العتيق في مئذنة الشحم على كل مشاعره وافقده شهية الخروج إلى الزقاق كما يفعل الصبيان في حارته.. وكان نهاية حدود العالم عنده… والصديق والواحة، والمشتى، والمصيف…

لاحظ أن شبابيك دمشق…التي نثر الحب منها ومن نوافيرها وأزقتها وحاراتها قامت على أساس وجداني وليس على أساس معماري.

الدمشقيون مولعون بالقطط يربونها لحماية مؤونة المنزل من القوارض والحشرات… أما حمامة الستيتية فهي الصديقة المباركة التي وقعت في هوى دمشق.تآلفت مع أهلها وآلفوها.عشقت أسطح البيوت الدمشقية… عششت تحت سقوف شرفاتها… وفي نتوءات جدرانها الحجرية…تهدل على مندالوتهم (نوافذهم)..

وفي أحايين كثيرة تقرع زجاجها الملون بمنقارها…. طلبا للطعام أو لوضع بيوضها وفراخها الصغار فيما بعد لحين عودتها.. دون خوف أو وجل عليهم… لأنها تجد الطمأنينة والسكينة في قلوبهم وعلى أكتافهم… الستيتية» ذلك الطير الرمادي الصغير الذي يشبه الحمام تقريبا.المدللة لديهم… يمنحونها السلام وتروي الجدات الحكايات لاحفداهن.. تحذرهم بعدم المساس بها أو التعرض بأذى إليها لأنها تربت معهم وأحبتهم كما أحبوها.. فضّلوها عن الجميع.. فهي. تشكر الله.. تبقبق بقولها ما معناه «وحدوا واذكروا ربكم»..

الحارة الدمشقي الوادعة

حارة من حارات محلة باب توما القديمة / حارة مدرسة اللعازرية
حارة من حارات محلة باب توما القديمة / حارة مدرسة اللعازرية

تقترب النوافذ من بعضها البعض حتى لتشعر أن البيوت لتكاد تتهامس أو تتعانق كما بيوت الحارات في المدن الإسلامية تصطف كتفا إلى كتف، وتتواصل في خط يقابله آخر.. يتقدم نحوه، بحيث تبدو البيوت التي لا تعلو عن قامات الرجال، وكأنها تؤدي رقصة شعبية بلا انتهاء.

وتبدو الحارة وكأنها بيت كبير بمنازل عديدة… تكرس الحارات القديمة مبدأ التجانس والتماثل.. وتؤكد مفهوم «العروة الوثقى» والتعاضد والتكاتف… فإذا ما قال جار لجاره «آه» تجد كل أهل الحارة يسألون عنه.. انه الحب والتعاون بين أهالي الحي..هو صفة يتوارثها الأجيال:

جيل بعد جيل…. لم تتأثر بموجة التحديث والعمران ولم تمتد إليها يد العبث التجاري وموضة استبدال الماضي الزاهي الذي ارتحل عنا دون أن يودعنا بآخر حديث متعدد الطوابق ـ منعزل ـ مفتقر لجمال وملامح ومزايا القديم المتفرد في تراث دمشق.. حيث لم تعد النافذة على النافذة والسطح واحد، ولم نعد ندرك ماذا يقول البيت لأخيه البيت.

وهو يشد أزره، وقد صار الكتف على الكتف والجدار على الجدار… وحل السيراميك مكان الحجر الأسود..واستبدلت البحرة بالمكيفات وشجرة الليمون بمعرشات مستحدثة داخل الصالون وابيدت زريعة ورق الصالون الخضراء الانيقة  بدلا من حديقة المنزل والإيوان.

خاتمة الكلام

بقيت  الحارات الشامية أصيلة…متداخلة الحدود تزداد شبابا وحيوية.. يتمازج فيها القديم بالحديث دون أن يؤثر على طابعها الجميل…فيها يتجاور الناس ويعرف الجميع.. الجميع.. وحميمية العلاقات هي العنوان!!!

يكفي ان تزور افقرها وتزور اغناها…الحارات الصامتة والحارات الضاجة بالحياة كالقيمرية لتدرك كم التاريخ ودمشق تؤامان سياميان لايمكن فصلهما…وكم الالفة والمحبة متعانقة وقلوب وتصرفات الشوام…

فالغريب لايشعر فيها انه غريب بل انه ابنها المولود في رحمها هذا ان لم يذق ماءها وزادها عندها يتمنى لو يبقى فيها ابد الدهر…

او هل ادركتم سر الشامةالشامية…

زوروها لتتأكدوا… 

 

 

الانسحاب الأميركي…ومصير الاكراد

$
0
0
الانسحاب الأميركي…ومصير الاكراد
انتهت مسرحية داعش عملياً او كادت الا من الجيب الصغير قرية الباغوز في دير الزور…
اميركا ستترك من 200-400 جندي اميركي بعد الانسحاب…حسب الناطقة باسم البيت الابيض اليوم
الجدل يهز الادارة الاميركية من صدقية قراراتها…
هل تفعل واشنطن ذلك تنفيذا للهاتف الذي جرى بين ترامب واردوغان بغزل مؤقت…
او هل هو وسيلة للضغط على الحلفاء الاوربيين لابقاء قواتها في شرق الفرات وهل هو لحماية الاكراد من داعش الذي يشهرونه كسلاح او ضد الوصول السوري الى كامل الحدود السورية مع تركيا…
هل هي لايقاف مفاوضات الاكراد مع الحكومة السورية؟
في الحقيقة مع تباين المواقف في السياسة الاميركية فالغموض يلفها وتتناقض في كل دقيقة،التهديد الأميركي بالتخلي عن التنظيمات الكردية في سورية، يضع هذه التنظيمات أمام ضرورة إعادة تقويم مراهناتها على دعم واشنطن والدول الغربية في انشاء الفدرالية في سورية.

لكنه يضعها أمام إعادة تقويم عمق الأزمة الفكرية والسياسية، في المراهنة على مقولات الديمقراطية الليبرالية الجديدة الداعية إلى تفتيت الدولة في إنشاء كيانات عرقية واثنية وطائفية.
التخلّي عن التنظيمات الكردية هو في سياق مستجدات السياسة الأميركية التي تسميها “الانتهاء من محاربة داعش.
تهديد قائد قوات التحالف الجنرال بول لاكاميرا بوقف مساعدة التنظيمات الكردية، إذا تحالفت مع روسيا والدولة السورية، هو تحصيل حاصل لما كان متوقعاً منذ زمن بعيد نظراً لما تشتهر به واشنطن في التخلّي عن حلفائها ما أن تتغيّر سياساتها. ففي أميركا يشيع القول المعروف بأنه لا يوجد تحالفات دائمة بل توجد مصالح دائمة.
التخلّي عن التنظيمات الكردية هو في سياق مستجدات السياسة الأميركية التي تسميها “الانتهاء من محاربة داعش”. فقد وفّرت التنظيمات الكردية لأميركا الادعاء بمحاربة “داعش” إلى حين انتهاء دورها في جيب قرية “الباغوز”، ووفرت لها الاستناد إلى حلفائها في طموحات تفتيت الدولة السورية في سبيل “السلام في الشرق الأوسط” مع “إسرائيل” فضلا عن المشاركة في توزيع الغنائم السورية بدعوى الاستقرار والازدهار.
اضطرار ترامب إلى الانسحاب من سورية، بسبب هزيمة المشاريع الغربية والخليجية، تدفعه إلى البحث عن التكيّف مع المستجدات من دون الحاجة إلى التنظيمات الكردية بل على حسابها بالصلة مع الحليف التركي الأكثر رسوخاً على أمل ما يتفق عليه ترامب والدول الغربية بما يسمى منع إعادة الإعمار والعملية السياسية بما يُطلق عليه الإصلاحات الدستورية ومحاربة النفوذ الإيراني في سورية.
في هذا السياق يذهب أشد المعارضين للانسحاب من سوريا، رئيس القيادة المركزية للقوات الأميركية جوزيف فوتيل، لإبلاغ قوات سوريا الديمقراطية ما سماه ” اليوم التالي للانسحاب” وهو اليوم الذي بات معروفاً في شهر نيسان وعد انسحاب القوات إلى الأراضي العراقية. وعندما طالبه مظلوم كوباني بإبقاء 1000أو 1500 ونشر قوات دولية لحماية الأكراد من التهديدات التركية، جاء الرد أوضح من عين الشمس في قول فوتيل ” ليس هذا المسار الذي نمضي فيه في الوقت الحالي”.
قيادة التنظيمات الكردية لا تريد أن تصدّق نهاية مراهناتها على واشنطن والدول الغربية، بعد أن تشبّعت بأوهام الفدرالية وتشبّعت أكثر من ذلك بأساطير الديمقراطية الغربية كما عبّر القيادي ألدار خليل بالقول: “تلك الدول لديها التزامات سياسية وأخلاقية” ونتيجة هذه الأساطير يحلم بأن تقوم الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا في “نشر قوات دولية أو حماية أجوائنا” أو سنكون مجبرين للتفاهم مع دمشق لإرسال قواتها إلى الحدود. والمشكلة في هذا التعبير أن التنظيمات الكردية ستذهب للحوار مجبرة وليس نتيجة إعادة تقويم تجربتها ومراهناتها. وفي هذا السياق تدعو رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام محمد في صحيفة الغارديان البريطانية، إلى نشر قوات دولية.
بسبب الاضطرار وتغيّر موازين القوى الصادمة للتنظيمات الكردية، يرى المجلس العسكري لقوات سوريا الديمقراطية أن مستقبل التنظيمات هو في العلاقة مع الحكومة السورية كما أوضح الرئيس الأسد وأن الحل هو الحوار ضمن إطار سوريا الموحّدة. وما يضطر التنظيمات الكردية إلى هذا السبيل هو التوجّه الأميركي للتخلّي عنها لمصلحة إعادة توطيد تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، ولا سيما إذا فشلت مساعي توسّع النفوذ الأميركي في العراق بحسب ما تتطرّق إليه بعض التوقعات الأميركية والغربية. وقد تكون إشارة الرئيس الأسد إلى ما وصفه “بعميل صغير” هي في هذا السياق.
المراهنات الكردية على واشنطن والدول الأوروبية، هي أضغاث أحلام وصلت إلى خواتيمها. وهو أمر يستدعي حواراً داخلياً معمقاً في الأسباب والنتائج. لكنه يستدعي البحث عن رؤية فكرية وسياسية بديلة لأساطير الليبرالية الجديدة بشأن ديمقراطية الأعراق والطوائف لتفتيت الدول وتسهيل السيطرة على السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية ــ الاجتماعية.
( قاسم عز الدين بتصرف واضافات)

تفسير مَثل ”الابن الشاطر” – 1 لابن المكين ـ الجزء الأول –الحلقة الاولى

$
0
0
تفسير مَثل ”الابن الشاطر” – 1
لابن المكين ـ الجزء الأول – الحلقة الاولى  ـ  [1]
(من التراث العربى المسيحى للاقباط) 
عن الكاتب [2]
الكاتب هو جرجس ابن العميد، ويعرف بابن المكين، عاش في القرن 13م [3]
عن النص
يَردْ هذا التفسير في كتابه “مختصر البيان في تحقيق الإيمان، المعروف بالحاوي والذى تَّم نشره تحت عنوان “الموسوعة اللاهوتية الشهيرة بالحاوي لابن المكين” في أربعة أجزاء [4] .
ونص هذا التفسير جاء في الجزء الرابع والباب الخامس والفصل الأول ويقع ما بين صفحتى  93ـ121. 
عن المَثََلْ
جاء هذا المَثَلْ من ضمن أمثال المسيح له المجد والتى سجلَّها لنا القديس لوقا في الأصحاح الخامس عشر(لو11:15ـ31). 
ولقد اهتم آباء الكنيسة بتفسير هذا المثل نذكر منهم [5] : 
1ـ القديس كيرلس الأسكندري (ق4).  2ـ القديس خريسولوغوس (ق5). 
3ـ القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو.  4ـ القديس فيلوكسينوس منبج. 
5ـ مار افرام السرياني.    6ـ القديس أثناسيوس الرسولي. 
7ـ القديس أوغسطينوس.  8ـ ذهبي الفم (عظة منحولة). 
اهتمام بن المكين بالمثل
يذكر الكاتب في بداية هذا النص أن سبب انشغاله بتفسير هذا المثل إنه قصد “ استكمال البحث والتحري في الغوص على معاني هذا الفصل (المثل) دون غيره من النصوص الأنجيلية” [6] وذلك لأن المثل يحتوى ” علي معان جليلية وفوائد جزيلة” لذا ” كان مستحق التعمق في بواطنه واستخراج جواهر من كنوز معانيه” وهذا ليس معناه أن باقي نصوص الإنجيل تقل عظمة عن هذا النص لأن ” الأقوال الإنجيلية كلها عظيمة الفوائد، شريفة المناهل والموارد”. ولكنه هو ينظر إلى هذه النصوص من حيث إن “بعضها يتميز على بعض في قرب مفهومة وسهولة معلومة”. 
وأخيرًا يوجز ما يهدف إليه من هذا التفسير بقوله ” لذلك أردت أن اذكر في هذا الفصل ما هو المراد باطنًا من ظاهر نصه”. 
لقد كان ابن المكين ـ فيما أَقَدم عليه من تفسير لهذا المثل، واعيًا بأنه لم يكن بالتأكيد هو أول من قام بهذا العمل، إن هناك ” بعض الأراء التى قيلت فيه” وأن هذه الاراء لم تكن متفقة ” فالتفاسير والشروح تختلف فيما يقدمه وتتروي فيه” وأن هذه التفاسير تتطلَّب جهدًا ومقدرة بحتة لذا ” فالناس فيها كل واحد يأتي بجهد ويُظهر ما عنده”. 
ومن الملاحظ إنه لم يِكتف بقراءة ما كان قد كتبه من سبقوه من تفاسير وممن ينتمون إلى كتَّاب التراث العربي المسيحي مثل “الشيخ أبي القرح بن الطيب” [7] بل وأيضًا كان قد بحث في تراث الكنيسة القديم وقرأ شروح “الأب القديس ذهبي الفم”: الذى يلقبه “بمعلم المسكونة”.
والجدير بالذكر هنا أن ابن المكين لم يقف عند القراءة السطحَّية لتفاسير الشيخ ابن الطيب ومعلّم المسكونة ذهبي الفم، بل أنه سجَّل لنا أراؤه فيها فيقول: ” لأني لم اقف من كلام الشيخ ابي الفرج بن الطيب على ما يروق الناظر فيه ويبلج الصدور، ولم يستكمل النظر في بواطن معانيه” ويتابع فيقول: ” والمعلوم من شروح الأب القديس ذهبي الفم المعلم المسكوني ميله فيها إلي مواعظ الكثيرة” والواضح هنا اختلاف رؤية ابن المكين لمعان هذا النص. 
أما تعليمه الخاص لهذا المثل فهو كالأتي: ” وهذا الفصل إذ كان محتويًا على معانٍ جليلة وفوائد جزيلة كان مستحق التعمق في بواطنه واستخراج جواهر من كنوز معانيه”. 
مفهومه عن الأمثال
يبدأ ابن المكين تفسير بهذا المثل بإيضاح مفهومه عن الأمثال التى علّم بها الرب يسوع والتى أسماها ابن المكين “الأمثال السيَّدية ” نسبه للسيد المسيح، فيقول ” نريد أن تعلم أولاً أن الأمثال السيدية كلها ليست كلامًا فقط ليُعلّم” وهو يرى أنه بجانب ما فيها من تعليم إلاَّ أنها تمثل أيضًا واقعًا معاشًا لهذا يستكمل توصيفه لها بقوله ” لكن مع أن الغرض العلم والتعليم بها، فمنه ما وقع فعلاً ومنه أقرب ممكن إلي الوقوع” وهذه الأمثال لا تتعارض مع الواقع المعاش إذ ” تراها في جملة معجزها مطابقتها علي ممثلولها لا تنافيه بوجه البته”
وُيرجع ابن المكين السبب في هذا إلي النصوص الكتابية التى وردت بها هذه الأمثال هى موحي بها الله أوبحسب تعبيره ” هذه دلائل الأنفاس الألهية” [8]
شرح المثل
إنسان كان له ابنان فقال أصغرهما لأبيه يا أبي أعطني القسم الذى يصيبي من المال، فقسّم لهما معشته” [9]
يستهل ابن المكين شرحه لهذا المثل بفرضيه [10] أن هناك مَنْ يتسآل لمعرفة المقصود بعبارة “إنسان” التى بدأ بها السيد المسيح كلامه. فيقول “وقد يُسأل مَنْ هو الإنسان الذى أشار إليه الرب”.
وجواب ابن المكين على هذا السؤال الأفتراضي أعطته فرصة لمزيد من الشرح والإيضاح فيقول ” فأما الإنسان الذى أشار إليه فهو الإله الكلمة” ولذلك يستطرد فيقول ” ” وسُمى إنسانًا لتجسَّده وظهوره بشبه البشر، ولذلك سمى نفسه بعد ظهوره ابن الإنسان وابن البشر”. 
وبدون أن يتابع أسئلته الأفتراضية عن باقي الأشخاص الوارد ذكرهم في المثل، نجده يستطرد قائلاً: ” والابنان اللذان أشار إليهما” هما نوعين من البشر.
ويوضَّح كلامه بقوله ” إعلم أن الإله الأزلي لما خلق العوالم ومن جملتها الإنسان، أفاض عليه قسطًا من النور لينير به عن سائر المخلوقات السفلية بوجه واشترك به مع العالم الأعلى والعالم الأسفل بوجه آخر وهو النفس العاقلة”. 
ويري ابن المكين إن الله قد شرّف الإنسان بأن منحه موهبة العقل وخصه بأحد أسماؤه فيقول: ” ومن شرف هذا الجوهر نسبه إلي العقل وهو من أسماء الباري تعالى ولما خصص هذا النوع الإنساني بهذه الموهبة”. 
ولقد كان للبشر موقفًا تجاه هذه الموهبة جعل منهم فريقين، الأمر الذى رصده ابن المكين بقوله ” فمن الناس مَنْ استعمل هذه الموهبة قبل ظهور الشرائع النقلية في واجبها، وإستضاء بأبنوارها واهتدي بها فأتى بأنواع الفضائل وأكثرها كل واحد على ما نهض له تصوره وفكرته” وهذا يمثل الفريق الأول أو الإبن الأكبر كما سنرى. 
” ومن الناس من شاب مع شهوات الطبيعه البدنية الأرضيّة وأطفأ ضوء الموهبة التى أنعم عليه بها وأضاع فوائدها وخالف قوانينها”، وهذا يمثل الفريق الثاني أو الإبن الأصغر حسب المثل إذًا ” فالابنين المشار إليهما هما هذان الفريقان”. 
ويلفت ابن المكين انتباهنا إلي أنه بالرغم من اختلاف رد الفعل لهذين الفريقين تجاه هذه الموهبة والتى جعلت من الأول حكيمًا والثاني جاهلاً إلاَّ أن السيد له المجد قد دعاهما ابنين ” وإنما سماها ابنين أعني الحكيم والجاهل لأن نسبتهما في الخلق إلي آب واحد فهما من حيث النسبة الأبوية في الخلقة لا يختلفان في الأبوة والبنوّة الوضعية، ومن حيث الأعمال ظاهرين في الأختلاف”. 
الإبن الأصغر والإبن الكبير
يفسر ابن المكين وصف المسيح للإبنين بأن أحدهما هو الصغير والآخر الكبير، أن هذا الوصف له معنى يتعدى حاجز السن فيقول ” سمىَّ الواحد صغيرًا لأنه على الحقيقة في مرتبته كذلك إذ كان ضيَّع رأس ماله وانحط إلي الأسافل”.
وفَقْد وإضاعة رأس المال ليس المقصود بها إضاعة الأموال والنقود كما سيأتي الشرح، بل فقدانه لحياة الفضيلة والتعقل والدليل على ذلك قوله ” فهو لانحطاطه عن مرتبة الفضل سُمىّ صغيرًا وعلى عكس ذلك سمى الآخر كبيرًا”. 
أعطيني نصيب من مالك
يشير ابن المكين إلى أن طلب الإبن الأصغر لنصيبه من مال أبيه يمثل في حد ذاته إدانة له، ولقد حرص الكتاب على ذكر ذلك ” وأراد به قيام الحجة عليه لأنه طلب رأس مال” وكان الأجدر به أن يتاجر حسنًا برأس المال هذا وإن لم يفعل لن يكون له “عذر عن تحصيل الفائدة إذا سعى فيه واجتهد على ما ينبغى، فإن تهاون ونام وتكاسل وضيعه في غير وجه فهو لا يأتي بفائدة”. 
فقسَّم لهما معيشته
يري ابن المكين أن ما فعله الآب هنا يرفع عنه كل لوم أو تقصير فيقول : ” ومما يدل على أن إباه لم يبق عليه لوم ولا حجة قوله فقسم بينهما”، وليس هذا فقط بل أن الأب كان عادلاً وغير مميّز لأحدهما عن الآخر فيما يخص هذا المال ” وهو يدل بهذه القسمة أنه لم يخص الأكبر بالتمييز عن الأصغر في المال”. 
ما المقصود بالمال؟ 
هنا نأتي أن النقطة الرئيسية في تفسير ابن المكين لهذا المثل فهو يرى أن المال الذى أعطاه الآب لابنه لم يكن هو النقود أو الأملاك المتعارف عليها بل ” هذا المال الذى كان للأب وأعطاه لابنيه إنما هو المواهب العقلية المشار إليها بالنفس الناطق العاقلة”. 
ولقد تجلى عدل الله في أنه وهب للبشر هذه النفس العاقلة بدون تمييز بينهم ” لأنه تعالى جاد على النوع الآدمي بالنفس العاقلة من حيث هى نفس عاقلة في حقيقة جوهرها على نسبة واحدة لأن الكثرة والقِلة لا تصح في الجواهر الروحانية”. 
وإن كان الله قد أعطى البشر هذه الموهبة أو كما يسيمها هنا “المال” بالتساوي فأين يكمن الفرق بينهم؟ 
يقول ابن المكين إن “هذا المال يوجد في الناس مَنْ يتاجر فيه متاجرة حسنة ومنهم من يفعل ضد ذلك”. 
الكورة البعيدة
“الكورة البعيدة هي بعده عن طريق الحق، وسكنه في كورة الشهوات الحيوانية والأستغراق في بلدتها والتهافت على لذاتها”. ويرى ابن المكين أنها سميت “بعيدة كبعد الظلمة من النور” وأيضًا بعد السمائيات من الأرضيات” إذا أنه لا شركة للنور مع الظلمة [11]
غير أن ابن المكين يأتي بمعاني أخري لكلمة “شاطر” فيذكر أنها ” تقال في العرف على مَنْ ظهر عنه سفك الدماء والعشرة لاصحاب المحارم والدخول في المناهى العقلية والشرعية فيقال شاطرًا”. 
ويدرك ابن المكين تمامًا أن كلمة “شاطر” لم ترد في النص الإنجيلي، ومع هذا لم يجزم بحقيقة مصدرها، ويورد ما اتفق عليه علماء البيعة بشأنها فيقول:
” وأعلم أن الرسول (لوقا) لم يسم الإبن الأصغر الإبن الشاطر لكن يحتمل أن يكون هذا الأسم صار من قبل علماء البيعة لما ظهر عنه في نهاية أَمره من الشجاعة وصواب الفكر في عودته لابيه واعترافه بجهله وحصوله على الظفر بخلاص نفسه وحياتها بعد موتها”. 
حدث جوع في تلك الكورة
يري ابن المكين أن ” هذا الجوع يرمز إلى فقر الابن الضال من جميع الفضائل” ويرصد النتائج الوخيمة لهذه الحالة فيقول:
 ” وحينما تنفذ الفضائل يذهب لرئيس الكورة ليخدم عنده متذللاً، فلما ظهرلرئيس الكورة (الشيطان رئيس كورة الظلمة) خضوعه وضرورته وتذلله وفقرة استعمله عند ذلك استعمال عبد رق وكان يظن في نفسه أنه أجير فلم يدرى إلاَّ وقد صار له أسيرًا، حينئذ بالغ في نكايته وإهانته حتى استعمله في أفسد الأعمال وهي رعى الجنازير”. 
لماذا رعاية الخنازير؟ 
يقول ابن المكين: ” إن صاحب الأرض أرسله لرعاية الخنازير دون غيرها من الأشغال لأن في طباعها ما يناسب طباعه وملكاته” غير أن هذه الطباع وتلك الملكات لم تكن أصيلة فيه بل ” صارت له بالتكسب الرديء” أي بالإستثمار السيء لماله أي بسوء استخدام موهبة العقل التى منحها الله له كما سبق القول، ويؤكد ابن المكين أن هذه الطباع قد تمكنَّت منه حتى أنها “ملكته فاسكنته تلك الكورة”. 
وفي تعليقه على قول لوقا البشير في هذا المثل ” كان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد”. (لو16:15)
يقول: ” إن صاحب الرذيلة لا يقف عند حد ولا ينتهي إلي رتبة منها ، بل كل ما بلغ عُرضًا من أعراض الرذيلة فتحت له شياطين الطبيعة بابًا آخر وأعمته به وخليت له لذاته، فهو لا يزال أخذًا في الأنحطاط إلي رتبة وبعد رتبة ولو عمَّر من العمر الآف السنين”.
 وهنا يستشهد بما جاء فى رسالة بولس الرسول إلي أهل رومية (26:1ـ28) ليدَّلل على ما يمكن أن يصل إليه المرء حين تتملكه الشهوة مريدًا أن يملأ بطنه منها تاركًا عنه إعمال العقل، حيث يصف بولس الرسول ما كان يفعله أهل رومية من رذائل الأعمال الشاذة بخلاف ما هو طبيعي. 
وهنا يُميَّز ابن المكين بين أهل الفضيلة منهم “مترقبين دائمًا ناظرين إلي الأعالي” إذ هم “الناظرين دائمًا إلى عالم العقل والذين ” لا يقفون عند غاية إذ لا غاية لمطلوبهم”، نعم يميَّز بين هؤلاء وبين أهل الرذيلة الذين ” لا يقفون عند حد في الأنحطاط” والذين يمثلهم “ساكن تلك الكورة البعيدة الذي استخدمه عظميها في رعاية الخنازير حتى بلغ إلي أن صار يشتهي أن يملأ بطنه من غذاء الخنازير فلا يعطى ذلك”. 
بين الخطيَّة والخنزير البري
يقول ابن المكين ” شبهت الخطية بالخنزير لا سيما البري لأنه كثير ما يموت بالخنق وهو يري أن هذا ما يحدث بالنفس عندما تتملكها الخطية” ” وإذا استولى الخنق على الطبيعة أظلم عينها وكذلك فعل الخطايا مع النفس”. 
معنى قول الكتاب: فلا يعطي ذلك
تتجلي هنا براعة ابن المكين في معرفته بدروب النفس البشرية وما تتعرَّض له من تجارب. وفي حكمة وفهم يصف لنا ما يحدث عندما تدمن النفس علي فعل الخطية فتطلبها بشدة فلا تعطي، فيكون عدم اتمامها لشهواتها ليس فضلاً وجهادًا منها بل لأنها لم تعطى الفرصة لذلك فيقول:
 ” وقوله فلا يعطي ذلك معناه إنه لم يبقَ عنده مانع يمنع ما يرد عليه من قبول أفكار شياطين تلك الكورة البعيدة، ولم يبق له مانع في بلوغ شهواته إلاّ عجزه عنها إذ لم يجد مادة يبلغ بها غرضه، لأنه لم يَصيرْ إلى رعية الخنازير إلاّ لما صار إليه من ضروب الفقر والفاقة”، أى انعدام الفضيلة، وهذا هو معنى” فلا يعطي ذلك”. 
وكطبيب ماهر يصف الحالة التى أمامه بقوله ” المانع من حصوله على رذيلة ليس منه” ويضع أمامنا خبرة روحية عميقة:” هذا هو الألم الأليم أن الشهوة تضطر صاحب الرذيلة وهو يجاهد على بلوغها فلا يجد إلي بلوغها سبيلاً”.
ويُرجع السبب في ذلك إلي أن ” نار الشهوة تضطرم دائمًا في باطنه وهو يُرْيد نارها دائمًا مادة فهي دائمًا لا تخمد ثورتها”. وبئس هذا الإنسان فهو كما يصفه ابن المكين “في الاحتراق الباطن قبل الأحتراق الظاهر”، بل ويرى أن هذه نتيجة طبيعية لكِّل من بَعُد عن طريق الحق وعاش في تلك الكورة البعيدة مفتقرًا إلي حياة الفضيلة مستسلمًا لرئيس هذا العالم “فهذا حال مَنْ قطن في تلك الكورة البعيدة وافتقر إلي أن استخدمه عظيمها في أغراضه كلها”. 
فكرَّ في نفسه (رجع إلي نفسه) 
يعود ابن المكين إلي ما سبق أن أوضحه بأن المال الذي منحه الأب لابنه يرمز إلي “النفس العاقلة” وأن هذه المنحة لا تُفقد حتى وإن تعطلّت إلي حين، ويستدل على صحه ما قد ذهب إليه بما جاء في النص من أن الإبن الأصغر قد رجع إلي نفسه فيقول ” في هذا المكان (الآية) يظهر تحقيق ما ذكرتُه أولاً وهو أن رأس المال الذى أنعم به أبوه عليه لا يُعدم أصلاً البته وإن عَدمت فائدته في وقت من الأوقات لغرض من الأغراض وهو موهبة النفس العاقلة، إلاَّ أنه لا يضمحل ولا ينفذ”. 
ويرى ابن المكين أن احتياج الإبن لهذه الموهبة قد اتضح بشكل كبير عندما قرر العودة إلي أبيه وما كان أن يتحقق له هذا لو أن هذه الموهبة كانت قد تلاشت بالمرَّة ” لأنه لو اضمحل لامتنع عليه وجوده وقت الاحتياج إليه وهو وقت الإنعطاف إلي أبيه. لأن قوله ففكر في نفسه وتتممته، يُعلَم منه أن هذه القوَّة المفكرّة لا تُعدم”. 
الإنسان يدان حسب فكره
يُعلّم ابن المكين أن هذه القوَّة المفكّرة التى وُهبت للإنسان ستكون هى الأساس التى سيدان على أساسها وذلك لأن الإنسان، إذ له نفسًا عاقلة، فإنه الوحيد الذى يتمتع بهذه القوَّة المفكَّره، بينما يشترك الحيوان البسيط مع الإنسان في قوتين، آخرتين هما الخيال والذاكرة ” هذه القوة المفكرة…. بها يدان الإنسان وهى التى تبين الحق من الباطل، وهو أى الله أخص القوة بالنفس العاقلة الناطقة، لأن القوتين الآخرتين وهى المتخيَّلة والذاكرة يشترك الحيوان البسيط مع الإنسان فيهما”. 
كما يرى أنه طالما أن هذه القوَّة المفكَّرة هى التى سيدان بها الإنسان، فهى التى تفحص تصرفات الإنسان وتجعله يقف على حقيقة أعماله ” فما دام الفكر يؤنب ويبكت على فعل ما فيعلم أنه خلاف الصواب وعكس ذلك” بل أنه يعتقد أنها هى “التى أشار إليها الرسول بقوله: ” لأنه أن لامتنا قلوبنا فالله أعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء” (1يو20:3). 
الله يشتاق إلي رجوع الخاطيء ويعضَّده في توتبه
ويتابع ابن المكين ما ذهب إليه في أن للفكر دور في توبة الإنسان وتأنبيه على أفعاله بقوله إن ” هذا جعله الله عناية بالإنسان لأنه يشتاق إلي خلاص سائر الطبيعة الآدمية” ويشدَّد على أن هذا يعكس ” جوده ورحمته”
ويذكر أن كل ما يريده الله منَّا ” سببًا يسيرًا وفكرًا قليلاُ في الأبتداء بالشوق إلي الرجوع، وقد عضد بعنايته وساعد بملائكته”. 
وبعد أن أرسى ابن المكين رأيه في دور “الفكر” في تأنيب الإنسان ثم توبته ورجوعه، يعود مرَّة آخرى ليوصف حالة الإبن الأصغر ورجوعه إلي أبيه فيقول ” ففكر في نفسه لما اضطره الألم، نخسه الفكر فأدركته العناية الإلهية للوقت عندما علمت منه الشوق لأبيه، فميزّ له الفكر أن حاله قد آلت إلي أشر الحالات، حتى إلي بلوغ شهوة من أخس شهواته، التى تغرّب عن موطن أبيه ليبلغها قد عجز عن بلوغها، ومع ذلك تغرَّب عن ديار أبيه وقاطعة وهجرة وهو غير راضٍ عنه مما يلزمه من الطاعة له لأنه ولده وتربيته ثم بعد ذلك وصل من الفقر إلي أبعد غاية فلا حصل على عمل صالح ولا على رضى أبيه، ثم أنه صار أجير وهو على التحقيق أسير في أخس الأشغال عند مَنْ لا يرحمه ولا يشفق عليه ولا يعتني بمصلحته بل قد طرحه طرحًا”. 
ويوضَّح ابن المكين النتيجة التى وصل إليها الإبن الأصغر والتى دفعته إلي الرجوع إلى أبيه فيقول: ” فعلى كل تقدير ظهر له سوء طريقه من سائر الوجوه فلم يبق له وجه يلتجيء إليه ولا سبب يرجوه غير التوجه إلي أبيه والخضوع بين يديه، إذ كان قد خضع لمن كان غريبًا منه، فالأولى به أن يخضع بين يدي من أنشأه وأعطاه مالاً جزيلاً لمتجره وليتصرف فيه ويجتلب به فوائد كثيرة ومنافع عظيمة يحيا بها دائمًا”. 
وإذ كان الإبن قد وصل إلي هذه النتيجة ” فعند ذلك أخذ في المسير إلي أبيه بعد أن قرر في نفسه الأخلاص والرجعة والعودة، وكان لما ظهر له فساد رأيه في بُعده عن أبيه قال عندما فكر كم من أجراء عند أبي يفضل عنهم الخبز وأنا ههنا أهلك جوعًا، وكان هذا الكلام منه زيادة في الآمه وليحقق ما وقع من فساد رأيه الأول”. 
مَنْ هم الأُجراء؟ 
يقول ابن المكين إن الكتاب المقدس ” أراد بإجراء أبيه. الذين كانوا عاملين بناموس العقل وأظهروا الفضائل المأمور بها عقلاً قبل ظهور الشريعة المسيحية منهاج الكمال” ويعضد رأيه بما جاء في رسالة رومية فيقول إن ” الرسول قد أشار إلي هؤلاء الذين عملوا بالناموس العقلي وبكت بهم الشعب اليهودي”. 
ويدرك ابن المكين أن قبل تجسَّد الإبن الوحيد، لم يستطيع ” ناموس العقل” أن يبرر الإنسان أو أن يخلّصه، ” لأن نهايات الكمال الممكن للبشر كان متوقفًا على ظهور مَنْ له الكمال كما قال له المجد وأما أنا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل”. (يو10:10). 
خبز الأًجراء هل يُشبع؟ 
يشرح ابن المكين معني قول الإبن الأصغر إنه يوجد أجراء يَفْضل عنهم الخبز، ويعقد مقارنة بين هؤلاء الأجراء الذين كانوا ـ قبل مجيء المسيح ـ يستخدمون الناموس العقلي، وبين رسل المسيح الذين شبعوا العالم بما فَضُلَ عنهم من تعاليم فيقول: ” فقوله كم من أجراء لأبي بفضل عنهم الخبز، فهم أعني العاملين بالناموس العقلي وإن كانوا اقتاتوا بالناموس العقلي زمانًا لكن الفضلة التى فضلت عنهم ليست فضلة كافية في أشباع العوالم كما أشبعها خبز الرسل القديسين الذى أشبع وأمتع وأوسع فكان منه الفضلات ما عمت أهل الفاقات والحاجات في سائر الأرض”. 
الحاجة إلي خبز لا ينفذ
يشدد ابن المكين على البعد الخلاصي في هذا المثل وهى حاجة النفس البشرية إلي الفداء الروحي فيقول: ” كان الناس محتاجين إلي ظهور مَن له الغنى الأكبر الذى لا ينفذ”. 
فضلة خبز الأُجراء خير من الهلاك في الغربة
يرى ابن المكين في هذا المثل أن قرار الإبن الضال في العودة إلي أبيه وتفكيره في مجرد مشاركة أجراء أبيه فيما يفضلُ عنهم من الخبز هو أفضل من هلاكه في الغربة فيقول ” الفضلة التى فضلت عن أُجراء أبيه كانت تقوت قوتًا قليلاً إلى زمن ما، فلم تستطعْ هذه الفضلة إشباع الكثير، ولهذا كان المتخلصون بتعاليم الحكماء والأفاضل الموجودين يومئذ قليلاً، ولكن على كل حال إذا شارك أُجراء أبيه في قوت من الأقوات وتتماسك به قواه كان ذلك خيرًا له من أن يهلك جوعًا في بلاد الغرباء”. 
ذِلة العبودية ودالة البنوة
يرى ابن المكين فيما فكر فيه الإبن عندما قرر أن يعود لأبيه، وأنه سيقول له ” يا أبت أخطأت إلي السماء، وقدامك ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا لكن اجعلني كأحد أجرائك”، أن هذا القول يعكس ظن الإبن” أنه بقوله هذا يرقق قلب أبيه عليه لعلمه بعظم ذنبه وهَمَّا منه أن أباه مُصرَّ على طرده عنه ونفيه منه لعظيم الجريره”. 
ويُرجع ابن المكين قول الإبن هذا، إلي طول فترة غربته عن أبيه ووقوعه في عبودية مرَّة لآخر، الأمر الذى أنساه علاقة البنوة ورسّخ في نفسه مذَّلة العبودية فيقول عن الإبن: ” إنه تعبد لغير أبيه زمانًا طويلاً فصار في نفسه ذِله العبودية ونسى دالة البنَّوة ثم ارتضى أن يكون أجيرًا لأبيه وليس ولدًا”. 
الآب الحنون
إتضح حنو قلب الآب تجاه ” الولد العاق الشارد” فيما فعله عندما نظره من بعيد إذ ” تحنن عليه وأسرع واعتنقه وقبَّله” ولقد فعل الأب الحنون هذا ” قبل أن يبدوا له الولد العاق الشارد عنه، لفظة من ألفاظ الترفق وإظهاره لخطاياه الذى بدأ منه” وهكذا ” لم يحوجه إلي ظهور شيء منه”. 
والملاحظ هنا أن ابن المكين يعود ليؤكد أن شخص الأب في هذا المثل يرمز للمسيح الإله المتجسد والذى عبرّ عنه نص الإنجيل بقوله ” كان لإنسان ابنان” وهو قد أشار إلي هذا في بداية تفسيره للمثل عندما قال” فأما الإنسان الذى أشار إليه فهو الإله الكلمة وسمى إنسانًا لتجسده وظهوره يشبه ابن الإنسان وابن البشر”. 
وهنا يُعبَّر عن ما ذهب إليه في أن الشخص المراد الإشارة إليه في المثل هو الإبن المتجسد، مشددًا على موقف الإبن تجاه كل مَنْ يخطيء فيذكر أن هذا الأب المتعطف للراجع إليه ” قد قال قبل ظهوره لخليقته بتجسده وبعد ظهوره إنه وملائكته يُسر بخاطيء واحد يتوب”
ويستشهد ابن المكين بما قاله المسيح له المجد في سياق حديثه عن مَثْل الدرهم المفقود وهو المثل الذى يسبق مباشرة مَثْل الإبن الضال وتأكيد الإبن على أن أنه “يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطيء واحد يتوب” (لو10:15). 
الإبن ”كان لم يزل بعيدًا”
جاء في المثل إنه عندما كان الإبن “لم يزل بعيدًا رآه أبوة فتحنن عليه وركض ووقع على عنقه وقبله” (لو30:15).
ويدعونا ابن المكين أن ” نميَّز ما ذكره الكتاب عن أبيه قبل اجتماع الإبن به” وهو يرى أن ما ذكر عن الإبن أنه ” لم يزل بعيدًا” لا تحمل فقط بعيدًا مكانيًا بل أيضًا تعبرّ عن عدم وعى الإبن بطبيعة الأب الرحوم فيقول ” الإبن كان بعيدًا عما يجب اعتقاده في مراحم أبيه، لأنه كان في نفسه أن أباه يقسو عليه لما ظهر عنه من فساد التدبير”. وعدم الوعى هذا أو البعد عن فهم حقيقة قلب الأب وما فيه من حنو وعطف جعل الإبن يأخذ موقفًا آخرًا فيقول بن المكين “فلذلك أضمر في نفسه أنه سيقول له عند اجتماعه لست مستحقًا أن ادعى لك أبنًا لكن اجعلني كأحد اجرائك”. 
وما ورد في خاطر الأبن عن أبيه وما أضمر أن يقوله في لقاءه معه، كل هذا يعكس الفجوة بين طبيعة الأثنين ” وهذا الذى كان في نفس الإبن بعيدًا مما كان عند الآب وفي ذخائره مما يليق به غزير جوده ومراحمه، فكان بين وهم الإبن وفعل الآب بعدًا كثيرًا” 
والجدير بالملاحظة هنا وصف ابن المكين لتصوَّر الإبن تجاه أبيه، وكيف أنه تَصوَّر خاطيء لا يعكس حقيقة الآب لذا هو ” وهَمْ” على حد تعبيره. 
ولقد رأى الأب ابنه وهو بعيد ، ليس فقط مكانياً بل في بعده عن ادراكه لمراحمه، لذا كان تصرَّف الأب منه سببًا ليتخَّطي الإبن هذه الفجوة وهذا ما عبرّ عنه ابن المكين بقوله: ” رآه من بعيد فتداركه بسرعة القبول ليزيل ما كان عنده من بعد التحقيق فيما يليق باعتقاده في أبيه”، وكانت نتيجة هذا الفعل إيجابية، لأنه لم يكتف بهذا ” بل أعاده إلى مرتبة الإبن وخاطبه باسم البنَّوة ولم يذكر له مما جرى حرفًا واحدًا”. 
ولمرَّة أخرى يشدد ابن المكين على أن شخصية الأب في هذا المثل ترمز إلي شخص الإبن المتجسَّد، إذ يعلَّق على موقف الأب هذا بقوله: ” وهذا الذي ذكره على لسان نبيه قبل ظهوره متجسدًا قال: عند رجوع الشرير عن شره وعند عمله بالعدل والحق فأنه يحيا بهما” (حز19:23). 
الأب يُغدق عطاياه على الإبن
يرى ابن المكين في موقف الأب تجاه إبنه، أمرًا مثيرًا للتعجب الشديد ويرصد السبب في هذا عندما يقارن بين أقصى طموحات الإبن في مقابل ما فعله الأب الرحوم فيقول: ” ومما يكثر التعجب من هذا الأب جدًا جدًا كونه لم يقتصر على صفحة عن شر الإبن الذى كان عاقًا له فقط، بالرغم إن الإبن كان راضيًا بالصفح عنه فقط، وأن ينزل منزلة اُلأجراء ليجد ما يتقوت به، فلم تقتصر به مراحم أبيه على ذلك، بل استقبله بإحضان أوسع القبول ونزله في منزلة بنوته وليس هذا فقط بل وأعظم منه أضعافًا كثيرة وهو أنه أفرغ عليه من ذخائر خزائنه أشرف العطايا، فظفر بما يفوق ويعلو على ما كان في نفسه من أمل “. 
ويصل كرم وجود الأب الحنون إلي أنه قال لعبيده ” قدموا الحلة وألبسوه وأعطوه خاتمًا في يده وحذاء في رجليه، واتوا بالعجل المثمن واذبحوه لنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش وضالاً فبدأوا يفرحون”. 
حُلَل الأنوار
يتدرج ابن المكين في شرحه لهذا المثل فيبدأ في تفسيره معني الأحداث متتبعًا ترتبها الذى ورد في الإنجيل. وقبل أن يشرح المعنى الروحي المقصود بإعطاء الإبن الحلة الأولى، فإنه يبين أولاُ السبب في عدم التحاف نفس هذا الإبن العاق، مع غيره من البشر، بمثل هذه الحلل والتى يدعوها “حلل الأنوار” فيقول:
 ” أعلم أن سائر النوع الإنساني كان قد تعرى من حلل الأنوار التى كانت معطاة من الله على نفوسهم قبل معصية الأب الأول”. 
ويتابع ما حدث منذ بداية خلقه الإنسان وما صار إليه الحال عندما خالف الوصية أو حسب تعبيره عندما ” وقع الخلاف” ولم يعد ذهنه مستنيرًا بل إستولت عليه “سلاطين طبيعة الظلام” فيقول ابن المكين: ” لأنه تعالى خلق الأب الأول وهو على أحسن الصفات كاملاً في الطهارة خلقه وخلقته، فلما وقع الخلاف تغيرت أحواله عما كانت عليه قبل معصيته واستولت عليه عليه سلاطين طبيعة الظلام”. ويرصد لنا ابن المكين ما أتمه الله عندما ” رحم خليقته” إذ أنه ” بظهوره متجسدًا جدَّد ما كان أفسده خلاف الوصية” وهكذا ” أعاد الخليقة كلها إلي ما كانت عليه في مبدأ الخلق وطهرها وعتقها من استيلاء سلاطين الظلمة عليها وجددها مرة أخرى”. 
وهنا تجدر الملاحظة أن ابن المكين قد دعى عطيَّة الله للإنسان قبل السقوط بــ”حلل الأنوار” وفي المقابل وصف حالة الإنسان الساقط بأنها صارت تحت سيطرة “سلاطين الظلمة”.
 وعندنا يفسر معنى حلة الأولي التى أمر بها الأب كي يلبسها الإبن الذى عاد إلي حضنه على أنها هي المعمودية المقدسة، يقول ” إن هذه العطية الروحانية هي التي تولد النفس المؤمنة مرَّة ثانية من تلك الظلمة الأولي” ومن المعروف أن أحد أسماء المعمودية هو “الإستنارة”. 
معنى الحلَّة الأولى
يورد القديس لوقا ما ذكره المسيح في هذا المثل عن ما حدث للإبن الضال بعد عودته لمنزل أبيه الحنون وأن الأب أمر العبيد قائلاً: ” اخرجوا الحلة الأولي وألبسوه واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه واتوا بالعجل المثمن واذبحوه لنأكل ونفرح”. 
ويذهب ابن المكين إلي أن ” الحلة الأولي” ترمز إلي المعمودية والتى عن طريقها ” يلبس المؤمن بيسوع المسيح الحلة الأولي” ويؤكد على ذلك بما جاء في رسالة ق. بولس إلي تيطس وقول الرسول ” لا بأعمال في برَّ عملناها نحن بل بمقتضي رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (2تي5:3).
ويُكمل ابن المكين كلامه معلقًا على هذه الآية بقوله ” يعني أن هذه العطية الروحانية هى التى تولد النفس المؤمنة مرّة ثانية من تلك الظلمة الأولي وتعتقها من سلاطينها وتعديها وتهيئها لقبول الحالة الأولي، وهذه الحلة الأولي بواسطتها يحل الروح القدس على النفس المؤمنة، وهذه الحلة هى التى قدمت للإبن العائد من سبيه”. 
(يتبع) 
د/ جوزيف موريس فلتس 
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية 
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدراسات الآبائية 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] يقع هذا البحث في جزأين: الجزء الأول ـ والذى ننشر الحلقة الأولى منه في هذا العدد ـ ونستعرض فيه تفسير ابن المكين لهذا المثل كما جاء في موسوعته المشار إليها ثم يليه الجزء الثاني وسوف نستعرض فيه ما ذهب إليه ابن المكين في تفسيره لهذا المثل وعلاقته بما سبق أن علّم به آباء الكنيسة عن خلق وسقوط وفداء الإنسان. 
[2] انظر الموسوعة اللاهوتية الشهيرة بالحاوي لابن المكين: اعداد راهب من دير المحرق. الطبعة الأولى1999. الجزء الأول صـ13 ـ صـ24. 
[3] يــــري الأخ وديـــــع الفرنسيكانــــــي أنـــه شخـــص آخــــــر عــــاش في أواخــــر قــ14. انظـــــر Studia Orientalia Collectanea 99-30, cairo,1998.P: 458.(68). 
[4] الموسوعة اللاهوتية: المرجع السابق. 
[5] التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس، إنجيل لوقا، منشورات جامعة البلمند. صـ388ـ 398. 
[6] وضعنا نص ابن المكين بخط مائل بين قوسين. 
[7] توفى عام 1043م 
[8] والجدير أن هذا التعبير هو الترجمة الدقيقة للتعبير اليوناني θεοπνεὐστά. 
[9] (لو11:15ـ12). 
[10] افتراضي أن هناك من يتساءل هو أسلوب قديم استخدم في الكتابة لاعطاء الفرصة للكاتب أن يضع أفكاره في شكل سؤال، وجواب يعطيه الحرَّية في التعبير عن فكره وتعاليمه. 
[11] (2كو14:6).

 

التأمّل في أيقونة الابن الضال

$
0
0

التأمّل في أيقونة الابن الضال

مَثَلُ الابن الضال من الأمثال المشهورة لدى المسيحيّين في الشرق والغرب. إنّها قصّة ابنٍ أصغر طالب أباه بحصّته من الميراث، وذهب وبدّد أمواله في حياة البذخ والخلاعة. وحين عانى العوز، وصار يشتهي أن يأكل من طعام الخنازير، عاد إلى أبيه تائبًا، فاستقبله أبوه بمحبّةٍ وترحاب. فغضب الابن الأكبر المطيع لهذا الاستقبال، فلاطفه أبوه ودعاه إلى قبول توبة أخيه الضال.
ملاحظات فنّيّة 
تصوّر أيقونات الابن الضالّ عادةً مشهد استقبال الأب لابنه، ويُصوَّر يسوع المسيح عادةً على أنّه الأب الذي لا يريد أن يدين الخطأة بل أن يخلّصهم. 
أقدم أيقونة وصلتنا عن هذا الموضوع تعود إلى القرن الثالث عشر، وهي روسيّة. ويوحي لنا تطوّر تصميمها بأنّ هذا التصميم يعود إلى ما قبل هذه الفترة، ولكنّ الأعمال السابقة لهذا التاريخ فُقِدَت ولم تترك أثراً. 
الأيقونة التي نعرضها حديثة، وفرادتها تكمن في أنّها تصوّر المَثَلَ بكامله. لذلك يمكننا تصنيفها ضمن فئةالأيقونات الروائيّة. تظهر علامات الحداثة (في التصميم لا في إنجاز الأيقونة) من خلال بعض الأمور أهمّها وجود البُعد الثالث، خصوصًا في القسم العلويّ من الأيقونة، وتصوير الأب شيخاً عجوزاً سيماؤه تذكّر بالأيقونات اليونانيّة المتأثّرة باللوحات الغربيّة، حيث يُصوَّر الله الآب بهذا الشكل إشارةً إلى العبارة الإيمانيّة: “موجود قبل الدهور”. 
إذا كان التأثير الغربيّ في الكنيسة الأرثوذكسيّة اليونانيّة واضحًا في هاتين النقطتَين، فإنّ تأثير الثقافة اليونانيّة الهلّينيّة يظهر أيضاً من خلال أشكال الملابس وآلات الطرب كالقيثارة والعود وأشياء أخرى سنأتي على ذكرها.
البنية الهندسيّة 
لا ندري هل هي مصادفة أم أمر مقصود. يبدو أنّ الفنّان يستعمل في هذه الأيقونة بنيةً يندر استعمالها وهي الشكل البيضويّ. شكلان بيضويّان يحويان جميع العناصر المرسومة.
الشكل البيضويّ الأوّل يحوي قصّة الابن الضالّ وعودته…
الشكل الثاني يروي قصّة الابن الأكبر وغضبه. لقاء الأب بابنه الضالّ يشغل وسط اللوحة. إنّه الحدث الأهم، وبيت قصيد المَثَل. 
ينطلق الشكل البيضويّ الأوّل من الشخص الذي وراء الأب. فتى يحمل عصا بيده ويلوّح مودّعًا. وتتابع رواية القصّة مشاهدها بالنزول إلى تحت، والانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ثمّ الصعود إلى فوق حتّى أعلى اللوحة، والعودة بقوسٍ حفيف التحدّب إلى نقطة البداية. 
الشكل البيضويّ الثاني ينطلق من الابن الأكبر خارج القصر مع أحد الخدم، ويشمل مشهد الاحتفال بالوليمة. 
شرح الأيقونة 
سنتبع في شرح الأيقونة العناصر الروائيّة بحسب الشكلين البيضويَّين. 
في وسط اللوحة أقصى اليسار، الابن الأصغر يقف خارج الدار، يلبس ثيابًا فاخرة، ويلوّح بيده مودّعًا. إنّه يمسك عصا السفر الفاخرة ويهمّ بالرحيل، والباب موصد وراءه إشارةً إلى أنّه رحل على غير آملٍ بالعودة. 
تحت، في أقصى اليسار، الابن الأصغر يبدّد ماله في الترف. الشكل مستوحى من الفنّ اليونانيّ القديم: راقصاتٍ وساقيات خمر، والابن الأصغر متّكئ نصف عارٍ، يشرب ويتمتّع، وعلى رأسه إكليل غار إشارةً إلى غناه. 
تحت، في الوسط، الابن الأصغر وحيدًا يعاني العوز. لقد نفدت أمواله وتركه الأصدقاء والخلاّن، وها هو يمسك عصاً خشنة قليلة القيمة تعكس حالته وهو مفلس. 
تحت، في أقصى اليمين، الابن الأصغر يرعى الخنازير. لقد وجد عملاً هو أحقر ما يمكن الإنسان أن يعمله: راعي خنازير. تظهر في الأيقونة حظيرة خنازير، والابن الأصغر يمدّ يده ليأكل من الخرنوب الذي تتناوله الخنازير ليسدّ به رمقه ويهدّئ جوعه. 
في الوسط أقصى اليمين، الابن الأصغر يراجع ضميره. إنّه يقول في نفسه: «كم لأبي أجراء يفضل عنهم الخبز وأنا هنا أتضوّر جوعًا! أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: قد خطئتُ إلى السماء وإليك، ولا أستحقّ أن أكون ابنك، فاجعلني كأحد أجرائك». وقد حرص الرسّام على جعل جبلٍ صحراويٍّ خلفه، وهو رمز التأمّل والتفكير والعزلة، وإلى جانبه هوّة ترمز إلى الحضيض الذي وصل إليه. 
فوق، على اليمين، الابن الضال يعود، والأب ينتظر عودته. ويظهر واضحًا حال البؤس الذي وصل إليه هذا الابن، والأب ساهر كحارس الليل ينتظر عودة ابنه. 
وسط الأيقونة: الابن يجثو معتذراً، والأب يُنهضه. نجد هذه الحركة في أيقونات النزول إلى الجحيم، حيث يُنهض المسيح آدم وحوّاء من ظلام القبر. والشكل يبيّن اندفاع الأب نحو ابنه الجاثي لينهضه. 
وخلف الاثنَين يقف خَدَمٌ يلبّون أمر الأب: الأقرب يحمل خاتماً. والذي في الوسط يحمل ثوباً، والأبعد يحمل حذاءً. وينظر الأب إلى ابنه ويشير إلى ما يحمله الخدم ويقول: خذ هذه واستعد كرامتك المفقودة، فأنت ابني وأنا أسامحك. 
فوق، على اليسار، وليمة داخل القصر (الأقمشة على المباني تشير إلى أنّ المشهد يتمّ في الداخل). الأب يترأس الوليمة، والابن الضال بجانبه. ويجلس أمام الأب في طرف المائدة الثاني لوقا الإنجيليّ الذي روى لنا هذا المثل الذي ضربه يسوع. 
الخدم يقدّمون الطعام والعازفات يعزفن. وفي الخارج يسأل الابن الأكبر، الذي عاد من الحقل، أحد الخدم ما الذي يجرى؟ فيخبره. ولم يصوّر الفنّان مشهد إقناع الأب لابنه الأكبر الغاضب كي يدخل ويفرح معهم بعودة أخيه الضال. 
من الناحية الروحيّة، مَثَل الابن الضال يصوّر لنا موقف الله من الخاطئ. إنّه ينتظر توبته، ويرحمه حين يعود، ويفرح به فرحًا شديداً، ويريدنا أن نسعى إلى هداية الخاطئين لا إلى إدانتهم ومعاقبتهم.  
قنداق الابن الضال:” لما عصيتُ مجدك الأبوي بجهلٍ وغباوة. بدّدت في المعاصي الغنى الذي أعطيتني. فلذلك أصرخ إليك بصوت الابن الضال هاتفاً: أخطأتُ أمامك أيّها الأب الرؤوف، فاقبلني تائبًا، واجعلني كأحد أجرائك”. 
(الاب سامي حلاق اليسوعى/ الايقونة الأرثوذكسية)

 

الفن البيزنطي او الفن الرومي

$
0
0
الفن البيزنطي او الفن الرومي
مقدمتنا
بداية يعتبر مصطلح البيزنطي نسبة الى مدينة بيزنطة الاغريقية التي بنى قسطنطين الكبير مدينته وعاصمة امبراطوريته اي القسطنطينية…ودشنها عام 320 ومنع بناء اي معبد وثني فيها وحظر اقامة اي طقس وثنية فيها وجعلها  “مدينة الله القسطنطينية العظمى” ولاحقاً اعتبرت المجامع المسكونية انها رومة الثانية وبطريركها هو بطريرك المسكونة وهو وبابا روما الاولان بين البطاركة المتساويين ( رومة القديمة، رومة الجديدة ( القسطنطينية) الاسكندرية، انطاكية، اورشليم)واستمر هذا حتى الانشقاق الكنسي الكبير عام 1053 وفصل الكنيسة الغربية بقيادة البابا عن الكنيسة الارثوذكسية بقيادة البطاركة الاربعة اللمحكي عنهم…

والكثير من كتَّاب التاريخ الرومي والانطاكي /ونحن منهم/ نميل الى استخدام وصف الرومية كمرادف للبيزنطية او كبديل عنها والسبب ان الامبراطورية الرومانية الشرقية والتي اسسها الامبراطور قسطنطين الكبير شملت شرق اوربة وآسية الصغرى وسورية الطبيعية وشمال افريقيا اكتسبت الصبغة الهلينية وضمت تحت لوائها الاقوام في كل تلك الرقعة وكلها استخدمت اللغة اليونانية (الرومية) كلغة رئيسة كونها لغة الحكم والادارة اضافة الى كونها لغة الكتاب المقدس وانتشارالكنيسة والمجامع المسكونية السبعة الاولى مع استخدام الأقوام للغاتها المحلية كالديموطيقية في مصر والآرامية في سورية ودخلتها فنون تلك الاقوام من رسم وتماثيل وانشاد وموسيقى دينية كلها شكلت مانسميه الفنون الرومية ولذلك من جهتنا نستخدم مصطلح الترتيل الرومي والايقونة الرومية والبناء الرومي… وهذا بالطبع لايعني اننا روم الجنسية بل سوريين نعتقد بالعقيدة الرومية ورموزها واختصت كلمة الرومية او البيزنطية اصلاً بالأرثوذكسية، ولو ان انشقاق فئة عام 1724 من ابناء الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية بتأثير التبشير اللاتيني ةانتقالهم الى تحت الرئاسة البابوية سموا انفسهم الروم الكاثوليك واستخدموا مصطلح البيزنطي مع تبعيتهم للفاتيكان” بطريركية انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم للروم الملكيين الكاثوليك واعترفت بهم الدولة العثمانية ككنيسة مستقلة عن بطريركية انطاكية الام وكان ذلك عام 1835 وحافظوا على شكل الكنائس والايقونسطاس والايقونات واللغة اليونانية كلغة طقسية مع استخدام مصطلح الارثوذكسية في نفس كتب الليتورجيا الارثوذكسية بداية ثم الغي هذا المصطلح مع بعض رموز الارثوذكسية كالمعمودية بالتغطيس ثلاثاً ومناولة الاطفال.

القسطنطينية عاصمة الامبراطورية الرومية من 320-1453 وقت استشهادها بيد الغزاة العثمانيين
القسطنطينية عاصمة الامبراطورية الرومية من 320-1453 وقت استشهادها بيد الغزاة العثمانيين
لذلك فان عبارة بيزنطي او بيزنطية اينما وردت في هذا المقال هي عبارة رومي او رومية…
الفن البيزنطي
هو مصطلح يشيع استخدامه لوصف النتاج الفني من الامبراطورية (الرومية)البيزنطية من نحو القرن الرابع من عام 320 عند تدشين القسطنطينية عاصمة الامبراطورية الرومية حتى غزو الاتراك لهذه العاصمة القسطنطينية في 1453. 
الانتقال من الوثنية الى المسيحية
كانت أعظم مآثر الحضارة البيزنطية هي الإدارة الحكومية وفن الزخرفة .
فقد أقاموا دولة دامت أحد عشر قرناً من الزمان، وأنشأوا كاتدرائية الحكمة الالهية اي آجيا صوفيا او آيا صوفيا القائمة في هذه الأيام. وكان الفن الوثني قد لفظ أنفاسه الأخيرة قبيل عهد  الامبراطور (جوستنيان)، وكان نصف ما خلفه من الآثار قد شُوَه أو هدم.
فقد بدأ تخريب البرابرة، وانتهاء الأباطرة، وتدمير الأتقياء ورجال الدين، بدأ عمل هؤلاء وهؤلاء عهداً من الإتلاف المتعمد والإهمال دام حتى قام بترارك في القرن الرابع عشر يدافع عما بقى منه في أيامه. وكان من العوامل التي زادت أعمال التخريب اعتقاد الجماهير أن الآلهة الوثنية شياطين، وأن الهياكل مأواها.
وأياً كانت عقيدة ذلك الوقت فقد كانوا يشعرون أن مواد هذه الآثار الفنية يمكن أن ينتفع بها على خير وجه في تشييد الكنائس المسيحية أو أسوار المنازل، وكثيراً ما كان الوثنيون أنفسهم يشاركون المسيحيين في أعمال التدمير.
 مقال الفن البيزنطي الرومي من ايقونات كاتدرائية آجيا صوفيا
مقال الفن البيزنطي الرومي من ايقونات كاتدرائية آجيا صوفيا
وقد بذل بعض الأباطرة، وخاصة هونوريوس وثيودوسيوس الثاني، كل ما في وسعهم لحماية المنشآت القديمة ، وأبقى المستنيرون من رجال الدين على البارثينون، وهيكلثسيوس، والبارثينون، وغيرها من الصروح بأن أعادوا تدشينها بوصفها أضرحة مسيحية. 

وكانت المسيحية في بادئ الأمر ترتاب في الفن وتراه عماداً للوثنية، وعبادة الأصنام، وفساد الأخلاق، وترى أن هذه التماثيل العارية لا تتفق مع ما يجب أن تحاط به البكورة والعزوبة من إجلال. ولما خيل إلى الناس أن الجسم أداة الشيطان، وأصبح الراهب مثل الرجولة الأعلى بدل الرجل الرياضي،اختفت من الفن دراسة التشريح، ولم يبق في فني النحت والتصوير إلا وجوه كئيبة وثياب لا شكل لها. 

فلما انتصرت المسيحية على الوثنية واحتاجت إلى صروح ضخمة تأوي عبادها المتزايدين، أخذت تقاليد الفن المحلية والقومية تثبت وجودها مرة أخرى، وارتفع فن البناء فوق الأنقاض. يضاف إلى هذا أن تلك الصروح الرحبة كانت تلح في طلب الزخرفة والزينة، وكان العابدون في حاجة إلى تماثيل للمسيح ومريم يقوى بها خيالهم، وإلى صور تحدث السذج الأميين……. وهكذا ولدت فنون النحت والفسيفساء والتصوير من جديد. 
ولم يكن الفن الجديد في روما إلا اختلافاً قليلاً عن الفن القديم. فقد انتقلت من الوثني إلى المسيحية متانة البناء، وبساطة الشكل، وطرز الباسلقا المعمدة.
ومثال ذلك أن مهندسي قسطنطين خططوا كنيسة القديس بطرس الأولى بالقرب من ساحة الألعاب الحيوانية التي أنشأها نيرون على تل الفاتيكان، وجعلوا طولها380 قدماً وعرضها 212. وقد ظلت هذه الكنيسة مدى اثني عشر قرناً أعظم كنائس المسيحية اللاتينية حتى هدمها برامنتي ليقيم في مكانها كنيسة أكبر منها هي كنيسة القديس بطرس الحالية. وأعاد فلنتيان الثاني وثيودوسيوس الأول بناء الكنيسة التي أقامها قسطنطين “للقديس بولس خارج الأسوار San Paolo fuori le mura ” في المكان الذي قيل إن الرسول استشهد فيه.
وهذه الكنيسة أقل أتساعاً من كنيسة القديس بطرس، فقد كان طولها أربعمائة قدم وعرضها مائتين . 
لا تزال كنيسة القديس قنسطنزا Santa Constanza التي أقامها قسطنطين ضريحاً لأخته قنسطنطيا في معظم أجزائها بالصورة التي كانت عليها وقت بنائها في 326-330، وأعيد بناء كنائس سان جيوفني San Geovanni في لترانا Latrana وسانتا ماريا في ثرستفيري Trastevre “وسان لورنزو خارج الأسوار” في خلال قرن بعد أن بدأها قسطنطين، وأعيد بناؤها مراراً كثيرة من ذلك الحين. وأنشئت كنيسة سانتا ماريا مجيوري Santa Maria Maggiore في عام 432 على غرار أحد الهياكل الوثنية. ولا يزال صحنها في جوهره كما كان منذ إنشائها إذا استثنينا ما حلى به من النقوش في أيام النهضة. 
ولا يزال طراز الباسلقا ( البازيلكا )  من ذلك الوقت حيى الآن الطراز المحبب في الكنائس المسيحية؛ ذلك بأن اعتدال نفقاته وجلال بساطته، وتناسق بنائه، وعظيم متانته قد جعلته محبباً إلى الناس في جميع الأجيال. وتناسق لم يتقبل في يسر إدخاله عليه من التطور والتغيير، ولهذا بدأ البناءون الأوربيون يتلفتون حولهم ليبحثوا عن آراء هندسية جديدة حتى وجدوها في بلاد الشرق، بل وجدوها أيضاً في اسبالاتو Spalato المركز الأدرباوي الأمامي لبلاد الشرق.
ففي هذا المكان القائم على ساحل دلماشيا أطلق ديوقليديانوس كامل الحرية لفنانيه، وعهد إليهم أن يجربوا كافة الوسائل التي تمكنهم من أن يقيموا له قصراً يلجأ إليه إذا أراد الاستجمام من عناء الحكم؛ وفيه أحدث أولئك الفنانون انقلاباً كبيراً في العمارة الأوربية. ففيه كانت الأقواس ترفع مباشرة من تيجان الأعمدة، وليس بينها وبين تلك التيجان عوارض؛ وهكذا مهدت السبيل بخطوة إلى الطرز البيزنطية، والرومانية، والقوطية. وفي هذا القصر أيضاً استبدلت بالأفاريز ذات الصور والتماثيل زخرفة عجيبة من الخطوط المتعرجة، التي تنفر منها عيون الأقدمين والتي ألفها الشرق من زمن بعيد. وبذلك كانت اسبلاتو هي النذير الأول بأن أوربا لم يغلبها على أمرها دين شرقي فحسب، بل سيغلبها كذلك فن شرقي إن لم يكن في جميع أنحائها ففي العالم البيزنطي على الأقل. 
الفن البيزنطي الرومي ايقونة تنزيل المصلوب
الفن البيزنطي الرومي ايقونة تنزيل المصلوب
الفنانون البيزنطيون الروميون
نرى من أين جاء إلى القسطنطينية ذلك الفن ذو اللون الفذ، البراق المقبض الذي نسميه الفن البيزنطي الرومي؟ ذلك السؤال ثار فيه الجدل بين علماء الآثار بقوة لا تكاد تنقص عن قوة الجنود المسيحيين في حروبهم، وكان النصر النهائي في هذه المعركة الكبرى لبلاد الشرق.
وتفصيل ذلك أنه حين قويت سورية وآسية الصغرى بفضل ما حدث فيهما من تقدم صناعي، وحين ضعفت روما بسبب الغزو البربري الجرماني، ارتد التيار الهلنستي الذي اندفع نحو الشرق إثر فتوح الإسكندر من آسية إلى أوربة، وتلاقت في بيزنطية مؤثرات الفن الشرقي المنصبة من فارس الساسانية، وسورية النسطورية، ومصر القبطيةـ ووصلت هذه المؤثرات إلى إيطاليا، بل تعدتها إلى غالة، وتخلى الفن اليوناني الممثل للطبيعة عن مكانه إلى الفن الشرقي ذو الزخارف الرمزية.
وكان الشرق يفضل الألوان عن الخطوط، والأقواس والقباب عن السقف الخشبي. والزينة الكثيرة عن البساطة الصارمة، والأثواب الحريرية الفخمة عن الجبة التي لا شكل لها. وكما أن دقلديانوس وقسطنطين قد اتخذا في نظم الحكم أشكال الملكية الفارسية، فكذلك شرع فن القسطنطينية يغض النظر شيئاً فشيئاً عن الغرب الذي ألقى الآن بنفسه في أحضان البربرية الجرمانية، وأخذ يرنو ببصره إلى آسية الصغرى وأرمينية، وفارس، وسورية، ومصر.
ولعل انتصار جيوش الفرس في عهد شابور الثاني وكسرى أنوشروان قد عجل خطوات البواعث والأساليب الشرقية. وكانت الرها ونصيبين في ذلك الوقت مركزين مزدهرين من مراكز ثقافة ما بين النهرين، وهي الثقافة التي مزجت العناصر الإيرانية، والأرمنية، والكبادوكية والسورية ، ونقلها التجار، والرهبان، والفنانون إلى إنطاكية، والإسكندرية، وإفسس، والقسطنطينية، ثم نقلوها أخيراً إلى رافنا وروما، فكادت النظم اليونانية والرومانية القديمة تفقد قيمتها في هذا العالم المعماري الجديد، عالم العقود والأقواس، والقباب. 
ولما اتخذ الفن البيزنطي هذه الصورة الجديدة عمل على نشر العقائد المسيحية وإظهار مجد الدولة. فأخذ يقص على الثياب والقماش المزركش، وفي نقوش الفسيفساء ورسوم الجدران، حياة المسيح وأحزان مريم، وأعمال الرسل والشهداء الذين تضم الكنائس عظامهم او بنيت عليها بصفتها “ذخائر مقدسة”، أو دخل بلاط الأباطرة، وزين قصر الإمبراطور، وغطى ملابس الموظفين بصورة رمزية أو رسوم تاريخية وخطف أبصار رعاياه بالملابس الزاهية الكثيرة الألوان، وانتهى أمره بأن صورة المسيح ومريم في بعض الايقونات صورتي المسيح الملك ومريم امه الملكة.
ذلك أن الفن البيزنطي لم يكن له كثير من المؤيدين يختار من بينهم من يناصره، ولهذا لم يكن له مجال واسع يختار منه موضوعاته وطرازه، فكان الإمبراطور أو البطريرك هو الذي يحدد له ما يعمل ويبين له طريق العمل، وكان الفنانون يعملون جماعات، ولهذا قلما يذكر التاريخ أسماء فنانين أفراداً، ولكنهم أتوا بالمعجزات في بهاء الألوان، وكان الفنان يرفع من شأن الناس أو يحط من قدرهم بمستحدثاته الرائعة؛ ولكن هذه المنزلة اقتضته استمساكاً بالأشكال والأنماط المتبعة، وضيقاً في المجال، وجموداً في خدمة ملك مطلق التصرف ودين لا يقبل التغيير. 
وكان تحت تصرفه مواد كثيرة يستخدمها في عمله، كانت لديه محاجر الرخام في بروكنسوس Procnnesus، وأتكا، وإيطاليا؛ وكانت لديه عمد وتيجان ينتهبها من كل هيكل وثني قائم، وكان لديه الآجر يكاد ينمو كالنبات في الأرض التي تجففها الشمس. وكان أكثر ما يعمل فيه الآجر المثبت بالملاط، ذلك أنه كان يسهل استخدامه في الأشكال المنحنية التي فرضتها عليه الأنماط الشرقية. وكثيراً ما كان يقنع بالشكل القوطي الفرنجي – شكل الباسلقا ذات الجناحين التي تستطيع حتى تنتهي بقباء. 
وكان في بعض الأحيان يقطع الباسلقا فيجعلها مثمنة الجوانب كما فعل في كنيستي القديسين سرجيوس وباخوس في القسطنطينية، أو في كنيسة فينالي في رافانا. 
ولكن الطراز الذي برع فيه وبز فيه جميع الفنانين الذين سبقوه أو جاءوا بعده هو القبة المستديرة المقامة على هيكل كثير الأضلاع. وكانت الطريقة التي اتبعها للوصول إلى هذه الغاية هي إنشاء قوس أو نصف دائرة من الآجر فوق كل ضلع من أضلاع السطح المتعدد الزوايا والأضلاع، ثم إقامة مثلث دائري من الآجر متجه إلى أعلى وإلى الداخل بين كل نصف دائرة، ثم بناء قبة فوق الحلقة المستديرة الناشئة من هذا كله. وكانت المثلثات الدائرية تبدو متدلية من حافة القبة إلى قمة المضلع، وبهذا ربعت الدائرة من الوجهة المعمارية، وبعد هذا كاد طراز الباسلقا أن يختفي من الشرق. 
وقد أفاء البَنّاء  الرومي البيزنطي على هذا البناء من الداخل ما أسعفته به عشرات الفنون المختلفة. وقلما كان يستخدم التماثيل لهذا الغرض، ذلك أنه لم يكن يريد أن يصور رجالاً ونساء،بل كان يعمل لخلق جمال مجرد من الصور الرمزية.
ولكن المثالين البيزنطيين كانوا رغم هذا القيد عمالاً يمتازون بالكفاية والصبر وسعة الحيلة. وقد نحتوا التاج “الثيودوسي” للعمد بأن جمعوا بين “آذان” النمط الأيوني، وأوراق النمط الكورنثي؛ وكأنهم أرادوا أن يجعلوا هذه الوفرة من الطرز أشمل وأعم، فحفروا على هذا التاج المركب أجمة من النبات والحيوان.
وإذ كانت نتيجة هذا لا تتناسب مع الجدران أو الأقواس فقد وضعوا بينها وبين التاج عصابة مربعة وعريضة من أعلاها، ومستطيلة وضيقة نوعاً عند قاعدتها، ثم حفروا على توالي الأيام أزهاراً على هذه العصابات نفسها. وهنا أيضاً كانت الغلبة للفرس غلى اليونان، كما للأولين في مربع القمة. ثم طلب إلى المصورين أن يزينوا الجدران بصور نثبت عقيدة الناس أو ترهبهم؛ ووضع عمال الفسيفساء مكعباتهم المتخذة من الحجر أو الزجاج الملون البراق فوق أرضية زرقاء أو ذهبية، وزينت الأرض والجدران، أو مذابح الكنائس، أو ما بين العقود، أو أي جزء من البناء لا تطيق عين الشرقي أن تراه خالياً من الزخرف.
وكان الصناع يزينون الملابس، والمذابح، والعمد، والجدران بالجواهر والأحجار الكريمة؛ وصناع المعادن يضعون فيها صفائح الذهب والفضة؛ وصناع الخشب ينقشون المنابر وأسوار المحاريب، والنساجون يعلقون الأنسجة المزخرفة على الجدران ويفرشون الأرض بالطنافس، ويغطون المذابح والمنابر بالأقمشة المطرزة وبالحرير. ولم يذكر التاريخ قبل ذلك العهد فناً أوتي ما أوتيه الفن البيزنطي من وفرة الألوان، ودقة الرموز، وغزاة الزينة، وقدرة على تهدئة الذهن وتنبيه الروح. 

كاتدرائية آجيا صوفيا رمز المجد الرومي

كاتدرائية آجيا صوفيا الشهيدة رمز المجد الرومي الارثوذكسي من 320مسيحية الى 1453مسيحية وقت استشهادها بيد الغزاة العثمانيين
كاتدرائية آجيا صوفيا الشهيدة رمز المجد الرومي الارثوذكسي من 320مسيحية الى 1453مسيحية وقت استشهادها بيد الغزاة العثمانيين
ولم تكن العناصر اليونانية والرومانية، والشرقية، والمسيحية قد أتمت امتزاجها ليكون منها الفن البيزنطي قبل عهد يوستنيانوس جستنيان. فلقد أتاحت له فتنة نيقا Nika، كما أتاح حريق روما لنيرون من قبل، فرصة بناء عاصمته من جديد. ذلك أن الغوغاء في لحظة من لحظات نشوة الحرية أحرقوا دار مجلس الشيوخ، وحمامات زيوكسبوس Zeuxippus وأروقة الأوغسطيوم، وجناحين من أجنحة القصر الإمبراطوري، وآجيا صوفيا  الكاتدرائية(1) اي كنيسة البطريرك الكبرى، وكان في وسع يوستنيان أن يعي بناء هذه كلها حسب تخطيطها القديم فلا يتطلب هذا منه أكثر من عام أو عامين. لكنه لم يفعل هذا وصمم على أن في بنائها مزيداً من الوقت والمال وأن يستخدم في هذا البناء عدداً كبيراً من الرجال، وأن يجعل عاصمة دولته الرومية أجمل من روما عاصمة الامبراطورية الرومانية المتداعية، وأن يقيم فيها كنيسة لا يدانيها صرح آخر في العالم كله. وكانت بداية عمله أن وضع في ذلك الوقت منهجاً للأبنية أوسع وأعظم من أي منهج آخر وضع لها في التاريخ.
وكان هذا المنهج يَشمل حصوناً، وقصوراً وأديرة، وكنائس، وأروقة معمدة، وأبواباً أقيمت في جميع أنحاء الإمبراطورية. ففي القسطنطينية أعاد بناء مجلس الشيوخ من الرخام الأبيض، وشاد حمامات زيوكسبوس من الرخام المتعدد الألوان، وبنى رواقاً معمداً من الرخام، ومتنزهاً في الأوغسطيوم، ونقل الماء العذب إلى المدينة في قناة مبنية جديدة تضارع أحسن ما وجد من القنوات في إيطاليا. أما قصره فلم يكن يعلو عليه قصر آخر في البهاء والترف. فقد كانت أرضه وجدرانه من الرخام، وسُقُفه تقض بالفسيفساء البراقة ما ناله من النصر في أيام حكمه، وتصور الشيوخ في حفلاتهم يقدمون للإمبراطور مظاهر الإجلال والتعظيم التي “لا تكاد تقل عما يقدم منه لله”، وبني على الجانب الآخر من البوسفور، بالقرب من خلقيدونية مسكناً صيفياً لثيودورا وحاشيتها هو قصر هريون الذي كان له مرفأه، وسوقه، وكنيسته وحماماته الخاصة به. 
الفن البيزنطي الرومي الكاتدرائية الشهيدة آجيا صوفيا في  القسطنطينية
الفن البيزنطي الرومي الكاتدرائية الشهيدة آجيا صوفيا في القسطنطينية
وبعد أربعين يوماً من خمود نار الفتنة نيقا بدأ يبني كنيسة آجيا صوفيا الجديدة. ولم يقمها إلى قديسة تحمل ذلك الاسم، بل أقامها إلى المقدسة صوفيا Hagia Sophia أو الحكمة المقدسة، أو العقل الخلاق، أو إلى الله نفسه.
وأستدعى لهذا الغرض من ترالبوس في آسية الصغرى، ومن ميليتوس الأيونية، أنثميوس وأزدور أعظم المهندسين الأحياء، ليضعا رسوم البناء ويشرفا على تشييده. ولم يتبع المهندسان شكل الباسلقا التي جرت عليه التقاليد، بل وضعا للبناء تصميماً تكون صرته قبة واسعة لا ترتكز على جدران بل على أكتاف ضخمة، وتسندها نصفا قبتين من كلا الجانبين. واستخدم في العمل عشرة آلاف عامل، وأنفق عليه 320.000 رطل من الذهب (134.000.000 دولار أمريكي)وهو كل ما كان في خزانة الدولة، وأمر حكام الولايات بأن يبعثوا إلى الكنيسة المخلفات القديمة، وجئ بعشرات الأنواع والألوان من الرخام من مختلف الأقطار وصبت في النقوش والزينات مقادير هائلة من الذهب، والفضة، والعاج، والأحجار الكريمة. واشترك جستنيان نفسه اشتراكاً عملياً في تخطيط البناء وإقامته، وكان له نصيب غير قليل (كما يقول المؤرخ المداهن الساخر) في حل ما يعترض العمل من المشاكل الفنية.
فكان يتردد عليه في كل يوم وعليه ثياب بيض، وفي يده عصا طويلة، وعلى رأسه منديل، يشجع العمال ويحثهم على العمل ويتموه في موعده المقرر. وتم بناء الصرح العظيم في خمس سنين وعشرة أشهر؛ وفي اليوم السادس والعشرين من شهر ديسمبر من عام 537 أقبل الإمبراطور والبطريركالقسطنطيني ميناس يتقدمان موكباً مهيباً لافتتاح الكنيسة المتلألئة الفخمة. وسار جستنيان بمفرده إلى المنبر ورفع يديه إلى السماء ونادى قائلاً: “المجد لله الذي رآني خليقاً بأن أتم هذا العمل! الجليل! أي سليمان! لقد انتصرت عليك!”. 

وقد خط البناء على شكل صليب يوناني طوله 250 قدماً وعرضه 225، وغطى كل طرف من أطرافه بقبة صغرى، وقامت القبة الوسطى على المربع (البالغ 100 قدم × 100) والمكون من الضلعين المتقاطعين، وكانت ذروة القبة تعلو عن الأرض مائة قدم وثمانين قدماً. وقطرها مائة قدم -أي أقل من قطر قبة البنثيون في روما باثنتين وثلاثين قدماً. وكانت هذه القبة الثانية قد صبت من الأسمنت المسلح قطعة واحدة مصمتة، أما قبة أياصوفيا فقد بنيت من الآجر في ثلاثين سطحاً تلتقي كلها في نقطة واحدة- وهو طراز أضعف من الطراز الأول .

القسطنطينية من 320ميحية الى 1453 حين استشهادها بيد العثمانيين ودمارها
القسطنطينية من 320ميحية الى 1453 حين استشهادها بيد العثمانيين ودمارها
وليست ميزة هذه القبة في حجمها بل في دعائمها: فهي لا تقوم على بناء دائري كما تقوم قبة البانثيون بل على أربطة من أعلاها، وعلى عقود بين حافاتها المستديرة وقاعدتها المربعة. ولم تحلّ هذه المشكلة المعمارية قبل ذلك الوقت حلاً أكثر توفيقاً من هذا. وقد وصف بروكبيوس القبة بأنها “عمل مجيد يبعث الروعة في النفوس… وهي لا تبدو قائمة على ما تحتها من البناء بل تبدو كأنها معلقة بسلسة من الذهب في أبراج السماء”. 
وأما من الداخل فكانت الكنيسة صورة رائعة من الزخارف البراقة. فقد كانت أرضها وجدرانها من المرمر المتعدد الألوان: أبيض، وأخضر، وأحمر، وأصفر، وأرجواني، وذهبي. وأقيم منه كذلك طابقان من العميد يخيل إلى إليها أنها حديقة من الأزهار. وكانت تيجان العمد، والعقود وما بينهما، والأفاريز، والطنف مغطاة بنقوش على الحجارة مكونة من أوراق الأكنثوس والكرم. وكان يطل من الجدران والقباب فسيفساء لا مثيل لها في روعتها وسعتها. وكانت تضيئها أربعون ماثلة من الفضة معلقة من حافة القبة تضاف إلى ما فيها من النوافذ الكثيرة.
وإن ما يحس به الناظر إلى هذه الكنيسة من سعة تبعثها في نفسه أجنحتها الطويلة، وبنائها الرئيس، والفضاء الخالي من العمد تحت القبة الوسطى، وما في حظارها الفضي المواجه للقباء من زخارف معدنية، والحظار المعدني الجميل الذي في الإيوان الأعلى، والمنبر المرصع بالعاج والفضة والحجارة الكريمة، وعرش البطريرك المصنوع من الفضة المصمتة، والسجف المنسوجة من خيوط الحرير والفضة، والتي ترتفع فوق المذبح وعليها صورتا الإمبراطور والإمبراطورة تتلقيان بركات المسيح ومريم؛ والمذبح الذهبي اللون المصنوع من الرخام النادر الوجود وعليه الأواني المقدسة من الفضة والذهب -وهو بعض ما في الكنيسة من زخرف وزينة- ليجل عن الوصف، ولو أن جستنيان قد تباهى به أباطرة المغول من بعده، وهو أنهم كانوا يبنون كما يبني الجبابرة، ويزينون مبانيهم كما يزينها الصباغ، لكان على حق في مباهاته. 
وكانت آجيا صوفيا بداية الطراز المعماري الرومي البيزنطي وخاتمته في آن واحد. وكان الناس في كل مكان يسمونها “الكنيسة الكبرى” وحتى بروكوبيوس المتشكك نفسه تحدّث عنها حديث الرجل المرتاع فقال: “إذا دخل الإنسان هذه الكنيسة للصلاة، أحس بأنها ليست من أعمال القوى البشرية… ذلك أن الروح ترقى إلى السماء تدرك أن الله هنا قريب منها، وأنه يبتهج بهذا اليوم، بيته المختار” . 
من القسطنطينية إلى رافنا 
كانتآجيا صوفيا أجلّ ما قام به جستنيان من الأعمال، وكانت أبقى على الدهر من فتوحه أو قوانينه، ولكن بروكبيوس يصف أربعاً وعشرين كنيسة أخرى بناها جستنيان أو أعاد بناءها في عاصمة ملكه. ويقول:
 “لو رأيت كنيسة منها بمفردها لحسبت أن الإمبراطور لم يبْن كنيسة سواها بل قضى سني حكمه جميعها في بنائها وحده”.
وظلت حمى البناء منتشرة في جميع أنحاء الإمبراطورية طوال حياة جستنيان، حتى كان القرن السادس وهو بداية العصور المظلمة في الغرب من أكثر العصور ازدهاراً في تاريخ العمارة في الشرق الرومي. فكانت ألف كنيسة في إفسس، وإنطاكية، وغزة، وبيت المقدس، والإسكندرية، وسلانيك، ورافنا، والرامة، والبلاد الممتدة من كرش في بلاد القرم إلى الصفاقس في شمالي أفريقية، تحتفل بانتصار المسيحية على الوثنية، وبالطراز الشرقي-البيزنطي اي الرومي على الطراز اليوناني-الروماني. وحلّت العقود والقباب محل الأعمدة الخارجية، والعوارض، والقواصر، والطنف. 
وازدهرت في سورية نهضة حقه في القرن الرابع، والخامس، والسادس، فكانت مدارسها القائمة في إنطاكية، وبيروت، ونصيبين، تخرج العدد الجم من الخطباء، والمحامين، والمؤرخين، والخارجين على الدين. وبرع صنّاعها في أعمال الفسيفساء، والنسيج، وجميع الفنون الزخرفية، وشاد مهندسوها مائة كنيسة زينها مثّالوها بما لا حصر له من النقوش البارزة. 
وكانت الإسكندرية المدينة الوحيدة في الإمبراطورية التي كان ازدهارها متصلاً لم ينقطع أبداً. ذلك أن مؤسسها قد اختار لها مكاناً يكاد يرغم عالم البحر المتوسط على استعمال مرافئها وزيادة تجارتها. ولم تبق الأيام على شيء مما أقيم فيها من عمائر في تاريخها القديم أو في أوائل العصور الوسطى، ولكن ما بقى من أعمالها في المعادن، والعاج، والخشب، والتصوير، متفرقاً في أماكن مختلفة يوحي بأن أهلها قد بزوا غيرهم في الشهوانية، والحمية الدينية. وكان الطراز الشرقي في عهد جستنيان هو الطراز الغالب في فن العمارة القبطي الذي بدأ بالباسلقا الرومانية. 
وبدأ مجد رافنا المعماري بعد أن اتخذها هونريوس عاصمة الإمبراطورية الغربية في عام 404 بزمن قليل. وعم الرخاء المدينة في الفترة الطويلة التي كانت فيها جلا بلاسيديا Galla Placidia نائبة عن الإمبراطور، وكانت صلتها الوثيقة بالقسطنطينية سبباً في قدوم الصنّاع الشرقيين، واختلاطهم بالمهندسين الإيطاليين وفي دخول الأنماط الشرقية وامتزاجها بالأشكال الإيطالية. وظهر فيها الطراز الهندسي الشرقي المؤلف من قبة مقامة على قاعدة ذات شكل صليب منذ عام 450 في الضريح الذي لقيت فيه بلاسيديا ربها، ولا يزال في وسعنا أن نرى فيه النقش الفسيفسائي الذائع الصيت الذي يمثل المسيح في صورة الراعي الصالح. 
وفي عام 458 أضاف الأسقف نيون Neon إلى مكان التعميد المقبب في باسلقا أرسيانا Basilica Ursiana سلسلة من قطع الفسيفساء من بينها صورة مفردة للرسل. وشاد ثيودريك حوالي عام 500 كنيسة كبرى سماها باسم القديس ابلينارس الذي يقال إنه مؤسس العشيرة المسيحية في رافنا. وهنا يظهر على الفسيفساء التي طبقت شهرتها آفاق العالم للقديسين ذوو الثياب البيض في وقارهم الشديد الذي ينبئ ببداية الطراز البيزنطي. 
الفن البيزنطي الرومي الفن الرومي رسوم الفريسك السقفية والجدارية في آجيا صوفيا وكل الكنائس الارثوذكسية
الفن البيزنطي الرومي الفن الرومي رسوم الفريسك السقفية والجدارية في آجيا صوفيا وكل الكنائس الارثوذكسية
وكان استيلاء بليساريوس على ارفنا من الأسباب التي عجلت بانتصار الفن البيزنطي في إيطاليا. وسرعان ما تمت كنيسة سان فينالي (San Vitale  547) في عهد جستنيان وثيودورا، اللذين وهباها المال اللازم لتزيينها، كما وهباها أيضاً وجهيهما غير الجذابين لينقشا على جدرانها. وما من شك في أن الإمبراطور قد أوتي حظاً كبيراً من الشجاعة إذ أجازا أن تنقل صورتهما إلى الخلف. 
ومواقف أولئك الحكام، والاكليروس، والخصيان تنبئ كلها عن صلابة وحدة في الطباع، وفي مظهرهما الأمامي الجامد ليعد انقلاباً في الصور التي كنا نشهدها قبل عصور اليونان والرومان الأقدمين. وأثواب النساء كثيرة الزركشة تعلن انتصار نقوش الفسيفساء، ولكننا لا نجد هنا رشاقة مواكب البارثنون للمرحة والسعادة، أو نصب السلام لأغسطس أو ما نشاهده في الصور المنقوشة على أبواب شارترز وريمز من نبل ورقة. 
وبعد عامين من افتتاح كنيسة القديس فيتال افتتح أسقف رافنا كنيسة القديسة ابلناري في كلاس Class وهي ثاني كنيسة أقيمت لهذا القديس راعي المدينة، وكان موضعها في ضاحيتها التي على شاطئ البحر، والتي كانت في وقت ما قاعدة الأسطول الروماني على البحر الأدرياوي. ونشاهد فيها التصميم الباسلقي الروماني القديم، ولكن تيجان الأعمدة المختلطة الأشكال تظهر عليها مسحة بيزنطية تنم عنها أوراق الأقنتا الملفوفة الملتوية على خلاف ما كان يظهر في الأنماط اليونانية والرومانية القديمة، كأنما هبت عليها ريح شرقية. وإن ما في هذه الكنيسة من صفوف الأعمدة الكاملة الطويلة، وفي حليات العقود والمثلثات المحصورة بينها من فسيفساء زاهية (من القرن السابع)، وما في موضع المرنمين من لوحات جميلة من المصيص، وما في الصليب القائم في القبا من الجواهر مرصعة بها أرضية من النجوم في الفسيفساء، إن في هذا كله ما يجعل هذه الكنيسة من أشهر كنائس شبه الجزيرة التي تكون كلها معرضاً عظيماً الفنون الجميلة. 
الفنون البيزنطية 
لقد كان فن العمارة أروع ما خلفه الفنان البيزنطي، ولكنه كان في ثناياه أو من حوله فنون أخرى كثيرة نبغ فيها نبوغاً خليقاً بالتنويه. نعم إنه لم يكن يعنى بالنحت المجسم، وأن مزاج العصر كان يفضل الألوان على الخطوط، ولكن بروكبيوس يثني على المثالين ( النحاتين) في ذلك العصر، وأكبر الظن أنه يعني بهم أصحاب النقش البارز، ويقول إنهم لا يقولون مهارة عن فدياس وبركستليز، وإنا لنجد على بعض التوابيت الحجرية المصنوعة في القرن الرابع والخامس والسادس صوراً آدمية منحوتة تكاد تضارع الرشاقة الهلينية، مختلطة بها كثير من نقوش الزينة الآسيوية. 
وكان النقش على العاج من الفنون المحببة إلى الروم البيزنطيين، وكانوا يصنعون منه ألواحاً ذات طيتين أو ثلاث طيات، ويجَّلدون به الكتب، ويصنعون منه العلب، وصناديق العطور، والتماثيل الصغيرة، ويطعمون به التحف ويزينون به ما لا يحصى من الأشياء. وقد بقيت الفنون الهلنستية في هذه الصناعة لم يمسها سوء، وكل ما حدث فيها أنها استبدلت المسيح والقديسين بالآلهة والأبطال. وإن الكرسي العاجي الذي كان يجلس عليه الأسقف مكسميان في الباسلقا أرسيا Basilica Ursiana (حوالي 550) ليعد تحفة عظيمة في فن من الفنون الصغرى. 
وبينا كان الشرق يجري التجارب على الرسم بألوان الزيت ، كان التصوير البيزنطي لا يزال مستمسكاً بالأساليب اليونانية التقليدية كتثبيت ألوان الرسوم بالحرارة -بحرق الألوان في سطوح الخشب، والخيش ونسيج التل، وكالمظلمات يصنعونها بخلط الألوان بالجير ووضعها على سطوح من الجبس المبلل، ومزج اللون بمحلول الماء والصمغ أو الغراء وبزلال البيض ثم وضعها على المربعات الخشبية أو على الجبس بعد أن يجف.
وقد عرف الرسام  الرومي البيزنطي كيف يمثل البعد والعمق، ولكنه كان يهرب عادة من صعاب المنظور بأن يملأ خلفية الصورة بالمباني والسجف. وقد أخرج عدداً كبيراً من اللوحات المصورة، ولكنها لم يبق منها إلا القليل. وكانت جدران الكنائس تزدان بالرسوم، وتدل القطع الباقية منها على الواقعية غير المتقنة كالأيدي العديمة الشكل، والأجسام الصغيرة، والوجوه الشاحبة. والشعر المصفف تصفيفاً غير معقول. 
وقد برع الفنان البيزنطي في الأشياء الدقيقة وأظهر فيها مرحه وظرفه. وليست روائع التصوير الباقية إلى هذا اليوم من أعماله هي رسوم الجدران أو اللوحات الكثيرة، بل هي الرسوم الصغرى ذات الألوان البراقة التي كان يزين بها ما ينشر من الكتب في عصره. ذلك أن الكتب كانت كثيرة النفقات في ذلك العصر، ولهذا كانت تحلى كما تحلى غيرها من الأشياء النفيسة.
وكان الفنان يبدأ عمله هذا برسم ما يريده من الحليات على البردي أو الرق أو الجلد بفرشاة دقيقة أو قلم، ثم يضع أرضية تكون عادة ذات لون ذهبي أو أزرق، ثم يضع ما يريده من الألوان، ثم يزين الأرضية والحواشي بأشكال رشيقة دقيقة. وكان في بادئ الأمر يقتصر على تحسين الحرف الأول من كل فصل أو صفحة؛ وكان يحاول في بعض الأحيان أن يرسم صورة للمؤلف، ثم انتقل بعدئذ إلى توضيح النصوص بالصور؛ فلما تقدم فنه آخر الأمر كاد ينسى النص ويملأ الكتاب بالزخارف ويبينها على أساس هندسي أو رمزي ديني يكرر بأشكال مختلفة بخطئها الحصر، حتى تصبح الصفحة كلها وكأنها صورة واحدة بديعة من الألوان والخطوط كأن النص دخيل عليها من عالم أكثر منها خشونة. 
وكانت زخرفة المخطوطات مألوفة في مصر أيام الفراعنة والبطالمة، ثم انتقلت منها إلى بلاد اليونان الهلنستية وروما. وتحتفظ الفاتيكان بإلياذة، والمكتبة الأمبروزية في ميلان بإلياذة؛ تعزى كلتاهما إلى القرن الرابع؛ وهما مزدانتان زينة يونانية ورومانية قديمة، ويبدو الانتقال من الزخرفة الوثنية إلى المسيحية واضحاً في الطبوغرافية المسيحية لصاحبها كزماس انديكبلوستيز Cosmas Indicoplenstes (حوالي 547).
وقد نال لقبه هذا “إنديكلبوستير” لأنه سافر إلى الهند بحراً، كما نال شهرته لأنه حاول أن يثبت أن الأرض مستوية. وأقدم كتاب ديني مزخرف باق إلى هذا اليوم هو سفر التكوين المكتوب في القرن الخامس والمحفوظ الآن في مكتبة فينا. والنص مكتوب بحروف من الفضة والذهب على أربع وعشرين “ورقة” من الجلد الأرجواني الرقيق. ويحتوي على أربعة وعشرين زخرفاً بيضاء وخضراء، وبنفسجية، وحمراء، وسوداء، تصور قصة الإنسان من سقوط آدم حتى موت يعقوب. ولا يقل عنه جمالاً الملف الصغير لكتاب يوشع المحفوظ في الفاتيكان وكتاب الأناجيل الذي زخرفه الراهب رابولا Rabula في أرض الجزيرة في عام 586.
 ومن أرض الجزيرة وسورية جاءت الصور والرموز التي كانت لها الغلبة في الكتابة التصويرية التي ذاعت في العالم البيزنطي. وقد تكررت هذه الكتابة في الفنون الصغرى واتخذت لها ألف شكل وشكل حتى ثبتت وأصبحت تقليداّ وعرفاً متبعاً، وكان لها نصيب موفور في جمود الفن البيزنطي. 
وإذا كان المصور البيزنطي مولعاً بالتصوير البراق الدائم فقد اتخذ الفسيفساء وسيلته إلى هذين الفرضين. ومن أجل هذا اختار الأرض حجراته مربعات من الرخام الملون كما يفعل المصريون واليونان والرومان من قبله أما السطوح الأخرى فكان يستخدم فيها مكعبات من الزجاج أو الميناء من جميع الألوان ومختلف الحجوم، ولكن سطحها في العادة كان يبلغ 1/8 بوصة مربعة.
وكانت الحجارة الثمينة تختلط أحياناً بالمكعبات، وكثيراً ما كانت الفسيفساء تستخدم في صنع الصور الصغيرة والنصمات التي توضع في الكنائس أو البيوت. أو تحمل في الأسفار عوناً لأصحابها على الزمن ودليلاً على التقي والخشوع. غير أن صانع الفسيفساء كان يفضل على هذه الصور الصغرى مجالاً أوسع هو جدران الكنائس والقصور. فكان في مرسمه يجرب وضع المكعبات على قطعة من الخيش عليها رسم ملون. وهنا كان يجهد عبقريته الفنية ليضع تحت يده الألوان المدرجة الذائبة بعضها في بعض كما يجب أن يراها الناظر من بعيد. وفي هذه الأثناء كانت طبقة من الأسمنت الغليظ، ثم طبقة أخرى من الأسمنت الرقيق توضعان على السطح المراد تغطيته. ثم يأتي صانع الفسيفساء ويضغط مكعباته في هذا القالب على غرار النموذج الذي وضعه لنفسه فوق الخيش، وقد جرت عادته على أن يضع حافاتها المقطوعة إلى الأمام لكي يقع عليها الضوء. وكان يفضل السطوح المنحنية كسطوح القباب، وأنصاف القباب الشبيهة بالأصداف لأنها تمتص في أوقات مختلفة بزواياها المختلفة أنواعاً عدة من الأضواء المطلة. ومن هذا الفن الشاق الذي يتطلب المهارة والجلد ألهم الفن القوطي في مستقبل الأيام غير قليل من فن تلوين الزجاج. 
وقد ورد ذكر هذا الزجاج الملون في النصوص الباقية من القرن الخامس ولكن شيئاً منه لم يبق حتى الآن، ويبدو أن صبغته كانت من خارجه لم تمزج فيه مزجاً(41). وكان صنع الزجاج بالنفخ وتقطيعه قد مضى عليهما الآن ألف عام وكانت سورية، أقدم مواطن الصناعيين، لا تزال مركزاً من مراكزهما.
وكان فن الحفر على المعادن الثمينة والحجارة الكريمة قد انحط بعد أيام أورليوس، ولهذا نرى الجواهر، والنقود، والأختام البيزنطية غير دقيقة الشكل والصناعة. لكن الصناع مع هذا كانوا يبيعون منتجاتهم لكل طبقة من الطبقات تقريباً، لأن البيزنطيين كانوا مولعين أشد الولع بالحلي. وكانت محال صنع التحف الذهبية والفضية كثيرة العدد في العاصمة، كما كانت الحقائق (جمع حق المختص بالنبيذ) والأقداح، وعلب المخلفات المصنوعة كلها من الذهب تزدان بها كثير من مذابح الكنائس، وكانت الصحاف الفضية تغطي موائد ذوي اليسار. 
وكان في كل بيت، بل يكاد يكون لدى كل شخص، شيء من النسيج الرقيق. 
وكانت لمصر الزعامة في هذا الميدان بما كان فيها من منسوجات رقيقة، متعددة الألوان، مزدانة بالصور، تصنع منها الثياب، والستر، وأغطية الفراش، وكان قبط مصر سادة هذه الميادين. وتكاد بعض الأقمشة المصرية التي كانت تزدان بها الجدران في تلك الأيام تضارع من الناحية الفنية أقمشة الجوبلين Goblins كان النساجون البيزنطيون الروم ينسجون الحرير المطرز، والثياب المطرزة، بل والأكفان المطرزة أيضاً -فقد كانت المنسوجات التيلية تصور عليها بالفعل ملامح الموتى. وكان الناس في القسطنطينية يعرفون ما يلبسون من الثياب، ذلك أن كل طبقة من أهلها كانت تعتز بنوع خاص من الثياب يميزها من غيرها وتدافع عنه أقوى دفاع، وما من شك في أن أية جماعة بيزنطية كانت تبدو برَّاقة كذيل الطاووس. 
وكانت الموسيقى محببة لجميع الطبقات منتشرة بينها، وكان ذا شأن متزايد في طقوس الكنيسة، وقد أعانت على مزج العاطفة بالعقيدة. وقد كتب ألبيوس Alypius في القرن الرابع مقدمة موسيقية بقيت منها حتى الآن أجزاء هي أهم ما نسترشد به في قراءة العلامات الموسيقية اليونانية. وقد استبدلت في ذلك القرن بالحروف الهجائية التي كانت بها الأنغام علامات رمزية، ويبدو أن أمبروز هو الذي جاء بهذه العلامات إلى ميلان، وأن هيلاري Hilary هو الذي أدخلها في غالة، وجيروم في روما.
وألف رومانس الحمصي Romanus، الشماس الارثوذكسي الرومي الحمصي واليروتي لاحقاً  في أواخر القرن الخامس ألفاظ الترانيم التي لا تزال حتى الآن جزءاً من الطقوس الدينية الارثوذكسية ولحنها، وليس ثمة ما يضارع هذه الترانيم في عمق الشعور وقوة التعبير. وكتب بؤيتيوس مقالاً في الموسيقى لخص فيه نظريات فيثاغورس وارستكسنوس Aristoxenus وبطليموس. وقد ظلت هذه الرسالة تدرس في جامعتي أكسفورد، وكمبردج يوم كنا نحن طلاباً. ولكن النهضة الموسيقية في الموسيقا الرومية هي للقديس يوحنا الدمشقي في القرن الثامن الذي وهو راهب في دير القديس سابا في فلسطين  ضبط الموسيقا ووضع لها الابجدية الموسيقية وعلاماتها وواءمها مع احرف الهجاء ووضع الالحان الثمانية وادخل اليها المقامات الموسيقية الشرقية فجاءت الموسيقى الرومية من ابدع مايكون في الموسيقا الكنسية وبدون استخدام اي آلة موسيقية.
وبعد، فإن من واجب الإنسان أن يكون شرقياً إذا شاء أن يفهم الفن الشرقي على حقيقته. 
وإن المعنى الجوهري الذي يدركه العقل الغربي من النزعة البيزنطية  الروميةهو أن الشرق قد سرى في قلوب اليونان وتغلغل في أفئدتهم  في الحكومة الأتوقراطية، وفي الطبقات المتدرجة الثابتة، وفي ركود العلم والفلسفة، وفي الكنيسة الخاضعة لسلطان الدولة، والشعب الخاضع لسلطان الدين، وفي الثياب الفخمة والحفلات العظيمة، والطقوس الدينية ذات الألفاظ الطنانة الرنانة والمناظر الرائعة، والنغمات الموسيقية الساحرة المتكررة التي تستحوذ على النفوس، وتغمر الحواس بفيض من الألوان البراقة، وأخضع الطبيعة للخيال، والفن التمثيلي للفن الزخرفي.
ولقد كان من شأن الروح الهلنستية القديمة أن تجد هذا كله غريباً عنها لا تطيقه، ولكن بلاد اليونان نفسها  كانت وقتئذ جزءاً من الشرق لذلك قلنا ونؤكد ماقلنه في مقدمتناعن الامبراطورية الرومية الشرقية والكنيسة الرومية. 
( عن الايقونة الارثوذكسية عن قصة الحضارة لول ديورانت  بتصرف واضافات د.جوزيف زيتون)
حاشية (1) الكاتدرائية هي كنيسة البطريرك او مطران الابرشية وهي الكنيسة الكبرى كالكاتدرائية المريمية بدمشق وكاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت وكاتدرائية القديسين الاربعين في حمص…

 


العلويون هل كانوا مسيحيين ؟

$
0
0

العلويون هل كانوا مسيحيين ؟

دراسة موثقة 

لقد دفعت أوجه الشبه بين العلويين والروم المسيحيين ، المستشرق والعالم هنري لامنس(1862-1937) الى كتابة بحث له بعنوان “العلويون : هل كانوا مسيحيين”؟ … نشره في مجلة “الشرق المسيحي” عام 1901 و كتبه بالفرنسية في بيروت في 22 كانون الأول عام 1900 . (1)
ويخلص إلى نتيجة مفادها “أن العلويين كانوا سابقاً من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وادعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني”.(2)

ويبني الأب لامنس نظريته على عادات وتقاليد مسيحية كثيرة بقيت لدى العلويين منها: أنهم لا يحرمون الخمر ، ويخبر أنه زار “مريمين” في 4 أيلول 1899 ، حيث وجد أن شيخ الدين العلوي هناك قام “بمسح طفل أمامه بالزيت على صدره” ولاحظ أنه يدهن الزيت عليه “بشكل صليب”. وأفهمه الشيخ أن هذه العادة كانت عامة في البلدة فكانوا يدهنون كل الأطفال بالزيت بعد أشهر قليلة من ولادتهم . ويعتبر الأب لامنس أن هذه العادة بقيت لدى العلويين من إرثهم المسيحي إذ إن مسيحيي الشرق كانوا “يدهنون الطفل بالميرون بعد المعمودية”. (3)
ويخبر أن الشيخ العلوي في “بلقسه ” بارك الزيت أمامه بصلاة استعمل فيها عبارة :”المسيح الذي أحيا الموتى” مما أدهش الأب لامنس . ويقول إن لدى العلويين نظاماً لتعليم الدين يقوم على علاقة بين المعلم والمبتدئ ، تشبه العلاقة بين “العرّاب” و”المعمّد ” في المسيحية .
ويقول إنهم يعيّدون عيد الميلاد كالمسيحيين في ليلة 24 – 25 كانون الأول كما يستدل من كتاب “مجموع الأعياد” لديهم ، حيث ورد فيه :”في هذه الليلة يولد السيد المسيح من سيدتنا مريم العذراء”. 4)
كما يعيدون عيد “البربارة” ويكرمون القديس يوحنا الذهبي الفم (ويعتبر العلامة الأب لامنس أن إكرام هذا القديس بقي عند العلويين كونه هو الذي هداهم سابقا إلى المسيحية . ويقول إنهم يكرمون القديس جاورجيوس (الخضر) و”سمعان العامودي” (الذي تحور معهم الى شيخ سماعين) … كما يقول : ” ومن يدري فإن بعض الإشارات من فتات أوراق قديمة تدل على إكرامهم السابق للقديسين ديمتريوس ونيقولاوس…” . (5)

ويبني الأب لامنس نظريته أيضاً “على الآثار المسيحية الرومية البيزنطية الكثيرة المتبقية في القرى ذات الطابع العلوي والتي لا يزال العلويون كالمسيحيين يزورونها للتبرك حتى اليوم” . (6)
ويزور الأب لامنس تلك القرى ، وسائر البلدات التي تشير الوثائق التاريخية إلى أنها كانت مأهولة بالعلويين ، ويعددها ( قرى جبل برجيلوس ، غرب بحيرة حمص ، الوعر ، منطقة الحولة شمال شرق الوعر ، تل الدهب والسهول الواقعة إلى الغرب من خط حمص – حماه ….)
ثم يقول : “إليكم هنا تعداداً للأماكن التي وجدنا فيها آثاراً يونانية مسيحية (رومية) ” (7)
– بهلونية ( أعتاب بيوت عليها صلبان ، وخرائب بكتابات يونانية تبدأ بكلمة “ايتوس” … و كنيسة قديمة مع عتبة باب محفور عليها صليب بيزنطي جميل…
– تل سارين ( كتابة يونانية مع صليب واسم الكاهن زخريا)
– بيت قارون ( آثار كنيستين قديمتين حيث يذهب العلويون للصلاة
– خربة حزور – عين الشمس- سنون( مقبرة مع صلبان) (كتبات يونانية وصلبان) … ويعدد الكثير الكثير ويقول إنها كانت مليئة بالآثار الرومية المسيحية وبحرفي الفا واوميغا اليونانيين ( Α – ω ) المشيرين للسيد المسيح . ويقول ان اشارات الصليب والكتابات اليونانية في بلداتهم أكثر من أن تعد وتحصى .

ويخلص الأب لامنس في نهاية دراسته إلى أن المنطقة المسكونة بالعلويين (جبل برجيلوس) و”مدن وادي العاصي والساحل” منذ القرن الثامن قد تعرضت للغزو من قبل الإسلاميين وسكنتها قبائل “لم تكن معتدلة ” إطلاقا، فاضطر أولئك المسيحيون أن يخفوا دينهم المسيحي، وأن يكيفوا عاداتهم المسيحية مع بعض المظاهر الإسلامية كي يصبحوا مقبولين من “الحاكم الإسلامي” … فكانت “الطائفة العلوية”. ( 8) .
ويستدل من الآثار التي يعددها الأب لامنس أن لغة أولئك المسيحيين كانت “الرومية – اليونانية” ويفهم من إشاراته العديدة أنهم كانوا على ما يبدو من “الروم الأرثوذكسيين” الذين اضطروا لإخفاء دينهم.
***
تعددت النظريات حول اصول العلويين كشعب ، فالبعض نسبهم الى قبائل عربية أتت وسكنت الى جانب الروم من السكان وتأثرت بهم، والبعض الاخر كالعالم دوسو نسبهم للفينيقيين …(والبعض قال انهم من الفرنجة الذين بقوا بعد اندحار حملات الفرنجة في القرن 13 فسكنوا في جبال الساحل السوري المنيعة ومنها ماكان شبيهاً بمناطقهم الاصل وخاصة الالمان منهم)

ونحن مع عدم تبنينا بالضرورة لنظرية معينة من هذه النظريات ، لا بد لنا من الاعتراف بان هذا المشرق كله كان مسيحيا بامتياز قبل الاسلام: ففي كل بقعة منه ما يشهد على عظمة أجدادنا وانتشارهم الكبير وإنجازاتهم الضخمة، وفي كل بقعة ايضا ما يشهد على الاضطهاد الفظيع الذي عانوا منه على مر الزمن .
————————-

المراجع:

 منشور في صفجة نسور الروم للكاتب السيد رعد موسيس

(بتصرف واضافة بسيطة منا مابين قوسين)
1- ( Revue de l’orient chrétien , recueil trimestriel, 6ème année , 6eme volume n. 1 , 1901 , paris , librairie A.Picard et fils , 82, rue Bonaparte , 82, page 33-51 , les nosairis furent-ils chrétiens? ,à propos d’un livre récent , par le R.P . LAMMENS , S.J.)
2- ص 47 ، المرجع السابق .
3- ص 44 ، المرجع السابق .
4- ص 46 ، المرجع السابق .
5- ص 46 ، المرجع السابق .
6- ص 34 ، المرجع السابق .
7- ص 35 ، المرجع السابق.
8- ص 47 ، المرجع السابق .

بعد أكثر من 100 عام .. “كنز أبكر الأرمني” يُكتَشَف في حلب

$
0
0

بعد أكثر من 100 عام .. “كنز أبكر الأرمني” يُكتَشَف في حلب

مقدمة

عرف عن مدينة حلب التي صنفت كأقدم مدينة مأهولة في التاريخ بكثرة وتنوع آثارها، التي تفاجأ المؤرخون وكتّاب التاريخ، وحتى علماء الآثار، بظهورها بعد مئات السنين، حتى أن هذه المدينة غيرت مسيرة كتابات تاريخية عدة مرات.

وعلى الرغم من الاعتد اءات المقصودة التي تعــرضت لها حضارة ومعالم تاريخ الشهباء خلال الحرب التي طالتها، وما نتج عن تلك الاعتد اءات من تد مير تلك المعالم، ما زالت حلب تفاجئ القاصي والداني بما تحمله في جعبتها.

 

ويقول بعض المؤرخين وعلماء الآثار أيضاً: إنه “في أسفل مدينة حلب يوجد مدينة أو مدينتين حتى، الأمر الذي يتم اكتشاف أجزاء منه بين الحين والآخر (اكتشاف جدران أقبية قديمة أثناء أعمال تأهيل الصرف الصحي في طلعة السبع بحرات)”.

 قصة “كنز أبكر الأرمني”

المقدمة كان لابد منها لسرد قصة “صندوق ابكر الارمني” و هو عبارة عن صندوق خشبي عتيق بقي قابعاً منتظراً لأكثر من 100 عام، لا أحد يعلم ما بداخله سوى القلة القليلة من أفراد العائلة التي توارثته، حتى لحظة اكتشافه.

هذا الصندوق الذي تركه صاحبه “أبكر كناجيان” وحيداً دون عودة، حضر الحروب العالمية بجزأيها، مع جملة أخرى من الحروب والآلاف من القذ ائف التي لم تخترقه، فهو ذاكرة مدينة.. وذاكرة مدينة لا تمـوت.

قصة صندوق أبكر، يرويها الباحث التاريخي علاء السيد لتلفزيون الخبر عائداً لعام 1915، ليقول: “حين حمل الشاب الأرمني “أبكر كناجيان” (مواليد 1895) صندوقه الخشبي ها رباً من المذ ابح  التركية – الكردية التي كادت تصل إلى مدينته الارمنية أورفا حالماً بإنقــاذ موجودات صندوقه، بالقدر الذي يتمنى إنقـاذ زوجته وأطفاله من الموت ذ بحاً”.

وأضاف السيد “غيره حمل مصاغاً ذهبياً ليساعده على المعيشة بعدما فقد كل ما يملك، أما أبكر فحمل صندوقه الخشبي فقط حيث كان كنزه الوحيد”.

وتابع السيد سرد القصة قائلاً: “حينها كان الملجأ لسكان أورفا هو مدينة حلب، التي احتضنت الهاربين من المذ بحة التركية، وكانت بوصلة العائلة مع صندوقها إلى هناك”.

عند وصول العائلة لحلب ونجاتهم من المذ ابح التي طالت الأرمن من قبل الأتراك، “حافظت أسرة “أبكر” على الصندوق مغلقاً في مكان أمين، وتم توارثه أباً عن جد”.

ويبين السيد أنه “عندما تو في أبكر حوالي عام 1940 كان الصندوق أمانة في عنق ابنه آرتين، وعندما أنجب آرتين أكبر أبنائه بيدروس انتقلت الأمانة له”.

بيدروس هو بكل بساطة “أبو أرتين”، وهذا الاسم الذي يعرفه معظم السوريين هو ذاته “أبو آرتين” صاحب مطعم وفندق “أبو آرتين” الموجود في جبل أريحا، (المطعم المشهور، ليس محلياً فقط بل عالمياً حتى، بتقديمه وجبه “اللحمة بكرز” الفريدة من نوعها”.

وبعد وفاة أبو أرتين، حمل ابنه الأكبر “أرتين الابن” أمانة المطعم ومعها أمانة صندوق جده الأكبر “أبكر”، إلا أن المطعم والفندق دُ مِرَا في أريحا بسبب الحرب، التي أجبرت العائلة على السفر خارج سورية، ليبقى الصندوق وحيداً وتنتقل الأمانة لحجارة المدينة التي حمته منتظرةً أصحابه.

ويستمر الباحث التاريخي علاء السيد بإكمال القصة، نقلاً عن حديث حفيدة أبكر، الذي أصبح الصندوق أمانتها، وهي “سونا تاتويان”، التي عادت بعد اغتراب طويل لتبحث عن صندوق جدها.

كركوز وعيواظ من التراث السوري الانساني

وتقول سونا أنه “عندما طرحت “الأمانة السورية للتنمية” مشروع اعتبار كراكوز وعيواظ جزءاً من التراث السوري الإنساني واستطاعت البدء بمشروع إدراجه على لائحة “اليونسكو” للتراث العالمي، تواصلت مع الأمانة التي قدمت لها كل التسهيلات”.

وتابعت: “فور وصولي إلى حلب توجهت إلى حارة عائلتي القديمة، وأشعـلت شمعة في مقام”مارجرجس الخضر” في باب النصر، لتبدأ عملية البحث عن الصندوق”.

وتكلل بحث سونا بالنجاح بعد عثورها على الصندوق القابع في حي الأرمن بحلب، سليماً وصامداً، لتظهر محتوياته للمرة الأولى للعالم، وهو “أكثر من 150 قطعة سليمة من الدمى الخاصة بمسرح “كراكوز وعيواظ” التي لا تقدر بثمن، وعمرها يتخطى الـ 104 أعوام”.

دموع سونا ( التي تحمل جنسيات عالمية: أرمنية وأميركية) كانت سيدة الدقائق الأولى لاكتشاف محتويات الكنز، رأتها الحفيدة ساعات طويلة لم ترغب أن تنتهي.

أما جوابها عن السؤال الذي طرح عليها حول “هل تعتبرين تراث “كراكوز وعيواظ الذي حفظه جدك أبكر أرمنياً؟” فكان بكل ببساطة “نحن سوريون وأول ما فعلته عند وصولي إلى سورية هو تقديم طلب لاستلام هويتي الشخصية السورية”.

ويشرح الباحث علاء السيد هنا أن “الجد “أبكر” كان من أهم صانعي دمى مسرح “كراكوز وعيواظ” في المنطقة”.

وأضاف “الدمى المكتشفة مصنوعة من جلد الجمل الذي يعـالج حتى يصل لمرحلة الشفافية للضوء ثم يقـ ـص على شكل رجال ونساء وحيوانات و يلون بألوان طبيعية يدوياً”.

وذكر السيد أن “هذه الدمى تتميز بوجود مفاصل حركة لها، تجعلها تتحرك بسهولة بعد تعليقها بعـصي خشبية لتقدم عروضاً مسرحية شعبية، كانت حينها البديل الوحيد عن السينما، ولاحقاً التلفزيون، اللذين لم يكونا اخترعا بعد”.

ولفت السيد إلى أنه “لا يوجد في العالم أجمع مجموعات كبيرة باقية من هذه الدمى، قبل اكتشاف صندوق أبكر، وما كان موجوداً من الد مى هو ما يعد على الأصابع”.

وأشار السيد إلى أن “مجموعة الدمى المتنوعة التي تم اكتـشافها تعتبر دليلاً دامغاً على سوريّة مسرح كراكوز وعيواظ، وعلى تنوع شخصيات هذا المسرح وقصصه”.

وفكرة مسرح “كراكوز وعيواظ”، الذي يسمى أيضاً “مسرح خيال الظل”، كانت قديماً في حلب بوجود أربع أو خمس شخصيات فقط، بعدد مسرحيات محدود، عبر 12 نص مسرحي شعبي فقط.

أما كراكوز وعيواظ فهما شخصيتان في مسارح خيال الظل، ويعود أصلهما إلى العصر العثماني، والموضوع الرئيسي للمسرحية هو التفاعل المتناقض بين الشخصيتين، حيثُ يُمثل كراكوز الشخصية الأُمّيّة لكنه صريح، أما عيواظ فيمثل الشخصية المثقفة التي تستخدم الشعر والأدب.

القصة الاصل لكراكوز وعيواظ

ويقول البعض إن “شخصيتي المسرح الذي سمي بهما، أي كراكوز وعيواظ، هما رجلان حقيقيان، تبدأ قصتهما عندما أتى الحاج عوض (مهرج السلطان) بـ “قرة گ‍وز” من الآستانة إلى بورصة بعدما طلب من السلطان أن يأتي بشخص آخر يساعده.

وفي مرة تكلما بكلام بذيء أمام حرم السلطان العثماني، فأمر السلطان بقطع رأسيهما، وبالفعل تم ذلك، وبعد فترة تذكر السُلطان الشخصين فأمر أن يحضرا لمهرجان كان يقام، فقال له “بكجي باشي” بأنهما أُعدما، فأخبر السلطان باشي بأن من يقطع رأسيهما ألحقت رأ سه بهما، اذهب وائتني بهما.

وخرج الرجل وأخبر عبد الله الششتري بالقصة، فأمر عبد الله بإحضار جلود وقصها على هيئتهما، وأخبره بطريقة تحريك الجلود وتقليد أصواتهم، وعُرِض العرض على السلطان، وبعدها أخبر الششتري السلطان بالقصة، ليطلب منه أن تُخرَج إلى العامة في الأسواق فسمح بذلك.

يذكر أن التسجيلات الوحيدة الحية الباقية في العالم لمسرحيات “كراكوز وعيواظ” موجودة في مدينة حلب عبر الأرشيف الخاص بها للباحث التاريخي علاء السيد، والتي تعتبر متوارثة أيضاً أباً عن جد، والبالغ عددها 12 تسجيلاً صوتياً.

المصدر

(وفا اميري -تلفزيون الخبر)

هل نحن البشر لوحدنا في الكون؟

$
0
0

هل نحن البشر لوحدنا في الكون؟

مدخل…

من الغريب انشغال البشر بالتواصل مع مخلوقات الكون الأخري مع فشلهم في التواصل مع بني جنسهم 
البشر منذ فجر التاريخ يشغلهم العدوان الدائم والغزو واحتلال الأوطان والإخضاع والأسر والسبي لغيرهم 
وحتى بعد انتهاء هذه العصور الظلامية واعلانهم وصولهم لمرحلة الرشد الإنساني مازالوا يحيكون المؤمرات الخبيثة لبعضهم بات غزو الأرض للفضاء واحتمالية غزو الفضائيين كوكبنا قضية جدلية في الاوساط العلمية، خصوصا مع تزايد الاكتشافات المذهلة على هذا الصعيد وكان اخرها، ما كشفه خبراء حول كيف يمكن الدخول في اتصال مع القادمين من الكواكب الأخرى، وأفادت “غازيتاديلي” إحدى الجرائد الإلكترونية الروسية بأن الخبراء ينصحون باللجوء إلى استعمال الإشارات اللاسلكية أو شعاع الليزر للدخول في اتصال مع القادمين من الكواكب الأخرى، فيما تنوي ناسا إطلاق “كبسولة الزمن” قريبا إلى الفضاء، حاملة أفضل تعليقات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في جمع تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بغرض إرسالها إلى مسبار الفضاء “فوياجر”، التي يحتفل في سبتمبر بالذكرى الأربعين لانطلاقه إلى الفضاء والتحامه بالمحطة الفضائية الدولية.

فرضيات…

على صعيد ذي صلة، يتساءل المهتمون بشؤون الفضاء، هل تنجح ناسا في استخراج الأكسجين من الغلاف الجوي للمريخ؟، الإجابة تكمن بالنتيجة بعدما سيرسل العلماء مواد حية، مثل الطحالب والبكتيريا في مهمة «روفر» 2020 إلى المريخ، في محاولة لخلق هواء صالح للاستهلاك البشري، وتهدف العملية إلى تغذية الكائنات الحية الدقيقة في تربة المريخ على أمل أنها سوف تضخ الأكسجين كمنتج ثانوي. ويمكن بعد ذلك أن يكون متاحًا للتنفس أو استخدامه كوقود للصواريخ لعودة الرحلات إلى الأرض.

من جانب اخر، أعلنت الوكالة الأمريكية للفضاء “ناسا” عن نيتها إطلاق المركبة فضائية “نيو هوريزن” للقيام برحلة إلى ما يسمى بالمنطقة الثالثة، وبحسب الخبر الذي نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية وترجمته “عربي21″، ستنطلق المركبة في أيلول القادم إلى واحدة من أعمق المناطق وأكثرها غموضا في النظام الشمسي، وشحنت ناسا المركبة في نيسان للحفاظ على طاقتها أثناء سفرها خلال حزام “كايبر”، وهو منطقة واسعة من الحطام الجليدي المحيط بالشمس والكواكب ويسمى أيضا بالمنطقة الثالثة.

من جهة مختلفة، أولريش فالتر رجل الفضاء الألماني وأستاذ في الفيزياء وواحد من 11 ألمانيا كانوا في الفضاء حتى الآن. يشرح في كتابه “الشيطان يكمن في تفاصيل الثقب الأسود”، رؤيته لبعض الأمور الكونية بشكل مفهوم، ولكنه يُطعِّم بعض مواضع كتابه بالكثير من المعلومات التمهيدية.

يسارع الأستاذ الألماني، في الفصل الأول من كتابه، للتنبؤ بأن الإنسان سيضع قدمه على المريخ لأول مرة في الثاني من أغسطس عام 2048 داعيا لتذكر هذا التاريخ جيدا، كان فالتر في أبريل عام 1993 على متن مكوك فضاء كولومبيا، ويحاضر ويبحث منذ عام 2003 في مجال التقنية الفضائية وتقنية الأنظمة.

أعلن علماء من الولايات المتحدة عن تصادم محتمل لمذنب “سويفت تتل” مع كوكب المشتري، الذي بدوره يمكن أن يقضي على البشرية في سنة 4479، وبسبب هذا المذنب، يحدث وابل من الشهب كل عام على كوكب الأرض. ووفقا لأحد علماء الفضاء وموظف في وكالة “ناسا”، أنه خلال فترة ليست بالبعيدة، سيقترب المذنب من الأرض، ويشير الخبراء إلى أن الاصطدام بالأرض غير محتمل، ولكن هناك نسبة عالية بأن يصطدم مع كوكب المشتري.

وعليه، نرجع الى صلب الموضوع، قديم هو حلم الإنسان باستيطان القمر والمريخ وكواكب الفضاء الأخرى، وعندما يصبح هذا الحلم ممكناً، سوف يحتاجون إلى تصنيع كل احتياجاتهم بدءا من الأدوات الخفيفة حتى المنشآت الضخمة من الموارد المحدودة المتاحة لديهم هناك.

نصف البشر يعتقدون في وجود حياة خارج الكوكب

أظهر مسح أجري في 24 بلدا أن ما يقرب من نصف البشر يعتقدون في وجود حياة خارج كوكب الأرض ويرغبون في التواصل معها، وقال باحثون إن المسح يساعد على توضيح مدى استمرار شعبية سلسلة أفلام (ستار وورز) بعد 40 عاما من عرض أول أفلامها. بحسب رويترز.

ومع اقتراب إطلاق أحدث أفلام السلسلة والذي يحمل عنوان (ذا لاست جيدي)، نشر الباحثون نتائج المسح التي خلصت إلى أن 47 بالمئة من المشاركين الذين تخطى عددهم 26 ألفا يعتقدون ”في وجود حضارات رشيدة في الكون خارج كوكب الأرض“.

بل والأكثر من ذلك أن 61 بالمئة قالوا ”نعم“ عندما سئلوا إن كانوا يعتقدون في ”شكل من أشكال الحياة على كواكب أخرى“. وقال الباحثون بمؤسسة جلوكاليتيز إن ما يقرب من الربع قالوا إنهم لا يعتقدون في وجود حياة خارج كوكب الأرض.

ووجد المسح أنه من بين أولئك الذين يعتقدون أننا لسنا وحدنا في الكون، قال 60 بالمئة إنه يجب علينا أن نحاول التواصل مع الحضارات خارج الأرض، ولم يكن هذا أول مسح يجمع آراء عن كائنات غير أرضية، فقد سبق وأن خلصت استبيانات في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى نسب مشابهة، لكن الباحثين يقولون إنه أضخم استطلاع رأي من نوعه بمثل هذا التنوع من البلدان، وقال مارتن لامبرت الذي قاد البحث ”النسبة المرتفعة في الاعتقاد في وجود حضارات رشيدة خارج كوكب الأرض والتفاصيل المميزة عن هؤلاء الأشخاص يوضحان إلى حد ما الشعبية الهائلة لأفلام الفضاء مثل ستار وورز“.

وقال ”الأشخاص الذين يعتقدون في وجود حضارات رشيدة خارج كوكب الأرض ليسوا أقلية على الهامش“، ووجد المسح أن أكبر نسبة من المعتقدين في وجود حياة عاقلة خارج كوكب الأرض في روسيا تلتها كل من المكسيك والصين بفارق ضئيل، فيما تذيل الهولنديون الواقعيون القائمة بنسبة 28 بالمئة.

وأجريت المقابلات بخمس عشرة لغة في الفترة بين ديسمبر كانون الأول 2015 وفبراير شباط 2016 في دول تمثل 62 بالمئة من إجمالي سكان العالم و80 بالمئة من الاقتصاد العالمي، ويبدأ عرض (ذا لاست جيدي)، ثامن أفلام سلسلة (ستار وورز) الرائجة، الأسبوع المقبل.

كوكب قد يكون صالحا للحياة قريب من الأرض

اكتشف عدد من علماء الفضاء كوكبا يدور حول نجم صغير في كوكبة العذراء، يمكن أن يكون صالحا للحياة. والكوكب الجديد الذي أعطي اسم “روس 128 بي” يقع على مسافة 11 سنة ضوئية من الأرض، وهي مسافة قريبة جدا بالمقاييس الكونية. والكوكب المكتشف ذو كتلة قريبة من كتلة الأرض، ويتوقع العلماء أن تكون حرارة سطحه قريبة من حرارة الأرض ما يعزز احتمال وجود الماء السائل عليه، ويزيد فرص احتوائه للحياة.

أعلن المرصد الأوروبي الجنوبي أن علماء فضاء تمكنوا من اكتشاف كوكب جديد يحتمل أن يكون مناسبا للحياة، على مسافة قريبة جدا من الأرض نسبيا ما يتيح مراقبته بواسطة التلسكوبات.

وأطلق على هذا الكوكب الصغير اسم “روس 128 بي”، وهو يدور حول نجم في كوكبة العذراء على بعد 11 سنة ضوئية من الأرض، وهي مسافة ضئيلة جدا في المقاييس الفلكية وإن كانت هائلة بالمقاييس البشرية، إذ إن السنة الضوئية الواحدة هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة وتساوي عشرة آلاف مليار كيلومتر تقريبا.

وتم رصد هذا الكوكب بفضل جهاز “هاربس” لقياس الطيف الضوئي التابع للمرصد الأوروبي في تشيلي، وتبين للعلماء أن المدة التي يستغرقها الكوكب لإتمام دورة واحدة حول نجمه القزم هي تسعة أيام وتسعة أعشار من اليوم.

ويرجح العلماء أن يكون الكوكب مناسبا للحياة، وهو بالتالي أحد أبرز الكواكب المرشحة للبحث عن آثار للحياة على سطحها، وهو ذو كتلة قريبة من كتلة الأرض، وقد تكون حرارة سطحه قريبة أيضا من حرارة الأرض، الأمر الذي يعزز إمكانية وجود المياه سائلة هناك، إضافة إلى ذلك، يدور الكوكب حول نجم “هادئ”، ما يعني أن غلافه الجوي قد يكون كافيا لحمايته من العواصف الشمسية، ويتوق العلماء لبدء عمليات المراقبة بالتلسكوب الأوروبي الضخم “إي إي أل تي” الموجود في المرصد الأوروبي في تشيلي لدراسة ما إن كان الكوكب يتمتع بغلاف جوي كاف لحماية سطحه من أشعة إكس. بحسب فرانس برس.

وسيبحث العلماء أيضا في تركيبة الغلاف الجوي ومعرفة ما إن كان يحتوي على بقايا من الأكسجين أو المياه أو غاز الميثان، وهي عناصر متصلة بالحياة بشكل وثيق، وهذا الكوكب “روس 128 بي” هو أقرب الكواكب المماثلة للأرض بعد الكوكب “بروكسيما” الذي أثار الإعلان عن اكتشافه في آب/أغسطس من العام 2016 ضجة كبيرة، ويبعد “بروكسيما بي” عن الأرض 4,2 سنة ضوئية، ومن بين آلاف الكواكب الصخرية المرصودة خارج المجموعة الشمسية، يعتقد العلماء أن خمسين منها فقط مرشحة لتكون مناسبة للحياة.

اكتشاف نظام نجمي يشبه نظامنا الشمسي

عثرت وكالة ناسا الأمريكية للفضاء على نظام نجمي بعيد يشبه نظامنا الشمسي، يتشكل من ثمانية كواكب تدور حول نجم يسمى كيبلر-90، مثل عدد الكواكب في مجموعتنا الشمسية، ويعد هذا أكبر عدد من العوالم يتم اكتشافه على الإطلاق في نظام كوكبي خارج نظامنا المعروف، ونجم كيبلر-90 هو أكبر وأكثر سخونة قليلا من شمسنا. وكان علماء الفلك يعرفون بالفعل وجود سبعة كواكب تدور حوله.

وأكد العلماء أن العالم المكتشف حديثا صغير بما يكفي ليكون صخريا، وقال كريستوفر شالو، مهندس البرمجيات في شركة غوغل، الذي ساهم في هذا الاكتشاف: “هذا الاكتشاف يجعل كيبلر-90 النجم الأول الذي يستضيف أكبر عدد من الكواكب مثل نظامنا الشمسي”، استخدم المهندسون من غوغل نوعا من الذكاء الاصطناعي يسمى تعلم الآلة، للعثور على الكواكب التي لم تصل إليها عمليات البحث السابقة، واستند هذا الاكتشاف على معلومات رصدها تلسكوب الفضاء كيبلر، التابع لوكالة ناسا، ويقع النجم على مسافة 2545 سنة ضوئية، لكن النظام الكوكبي الذي يدور حوله يشبة نظامنا الشمسي المعروف.

وقال أندرو فانديربورغ، وهو باحث مشارك في جامعة تكساس في أوستن: “إن نظام النجم كيبلر-90 يشبه نسخة مصغرة من نظامنا الشمسي، فهناك كواكب صغيرة في الداخل وكواكب كبيرة خارجها، لكنها تجري معا بإحكام”، ولمعرفة حجم الشبة بين النظام الجديد ونظامنا، فإن الكوكب الخارجي يدور على نفس المسافة التي تدور فيها الأرض حول الشمس، ويكمل العالم الجديد، الذي يطلق عليه اسم كيبلر- 90 آى، دورة كاملة حول النجم في 14.4 يوما، وتقدر درجة الحرارة السطح الساخن المواجه للنجم بحوالي 425 درجة، كما تم استخدام تقنية تعلم الآلة للعثور على كوكب جديد بحجم الأرض، يدعى كيبلر 80جي، حول نجم مختلف، وقد تم توثيق ما يقرب من 3500 كوكب خارج المجموعة الشمسية، عوالم تدور حول نجوم أخرى، في العقود الأخيرة.

دراسة الاطباق الطائرة

اعترفت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) بوجود برنامج غامض مكلف التحقيق في حوادث رصد اطباق طائرة مجهولة، وتؤكد الوزارة ان البرنامج توقف في 2012 لكن صحيفة نيويورك تايمز تشير الى استمرار تحقيقات في حوادث رصد اطباق طائرة من قبل عسكريين، وبين 2007 و2012، قام البرنامج الذي يحمل اسم “برنامج تحديد التهديدات الفضائية الجوية المتقدمة” (ادفانست ايروسبيس ثريت ايدنتيفيكشن بروغرام)، بتوثيق اشياء طائرة غريبة تتحرك بسرعة كبيرة بدون قوة دفع ظاهرة او في موقع ثابت بدون اي حامل مرئي لها، وتظهر في احد تسجيلات الفيديو التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز طائرتان حربيتان اميركيتان تلاحقان طبقا بيضاوي الشكل يعادل في حجمه طائرة ركاب، قبالة سواحل كاليفورنيا في 2004، وقال البنتاغون في بيان ان البرنامج انتهى في 2012.

والبرنامج الذي بلغت ميزانيته 22 مليون دولار والمعروف من مجموعة صغيرة من المسؤولين فقط، بدأ بدفع من السناتور الديموقراطي السابق عن نيفادا هاري ريد الذي كان زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ ويولي اهتماما خاصا للظواهر الغامضة.

وقالت “نيويورك تايمز” ان الجزء الاكبر من الاموال المخصصة للبرنامج ذهب الى شركة لابحاث الفضاء يديرها روبرت بيغلو، وهو رجل اعمال ثري جدا وصديق هاري ريد منذ فترة طويلة، وكتب هاري ريد في تغريدة على حسابه على تويتر بعد نشر التحقيق في “نيويورك تايمز” انه “ليست لدينا اجوبة لكن لدينا الكثير من العناصر التي تبرر طرح تساؤلات”، واضاف “انها قضية علمية ومرتبطة بالامن القومي”، مشيرا الى انه “اذا لم تتصد اميركا لهذه التساؤلات فان آخرين سيقومون بذلك”.

رصد أول كويكب قادم من خارج النظام الشمسي

يقول علماء فضاء أمريكيون إن كويكباً صغيراً أو مذنباً تم رصده عبر النظام الشمسي ربما جاء من مكان آخر في المجرة، وربما كان أول زائر بين النجوم يتم ملاحظته من الأرض، وتم اكتشاف هذا الجسم الغامض والذي يعرف حتى الآن فقط باسم ”إيه/2017 يو1“ في وقت سابق من هذا الشهر من قبل باحث باستخدام نظام تلسكوب متطور في جامعة هاواي يمسح الكون باستمرار من أجل مثل هذه الظاهرة.

وقال بول تشوداس مدير مركز دراسات الأهداف القريبة من الأرض التابع لإدارة الطيران والفضاء (ناسا) في مختبر الدفع النفاث في باسادينا بولاية كاليفورنيا ”لقد انتظرنا هذا اليوم لعقود“، وقال تشوداس ”من المعتقد منذ فترة طويلة أن مثل هذه الأجسام موجودة- كويكبات أو مذنبات تتحرك بين النجوم وتمر أحيانا عبر نظامنا الشمسي- ولكن هذا هو أول كشف من هذا القبيل“، وسرعان ما برز هذا الجسم البالغ قطره 400 متر أمام العلماء بسبب مداره حيث جاء من اتجاه مجموعة كواكب ليرا التي تقع مباشرة فوق المجرة البيضاوية حيث تدور الكواكب وغيرها من الكويكبات حول الشمس.

وعبر هذا الجسم أسفا تلك المجرة خارج مدار عطارد مباشرة في الثاني من سبتمبر أيلول قبل أن يتدلى بسبب الجاذبية الضخمة للشمس إلى منعطف حاد تحت النظام الشمسي. وكان أقرب جسم يأتي إلى الأرض على بعد نحو 15 مليون ميل في 14 أكتوبر تشرين الأول، وقال ديفيد فارنوشيا من ناسا ”يسير بسرعة كبيرة وعلى مسار يمكننا القول بثقة إن هذا الجسم في طريقه للخروج من النظام الشمسي وعدم العودة“.

وتتبع علماء الفلك على وجه السرعة إيه/2017 يو 1 بالتلسكوبات خلال رحلته من خلال النظام الشمسي، وقال علماء ناسا إنه إذا تم تحديد هذا الجسم رسميا باعتباره الأول من نوعه الذي تم رصده من الأرض فإن قواعد تسميته يجب أن يحددها الاتحاد الفلكي الدولي.

رواسب جليدية قد تسمح بإقامة بؤر للبشر على سطح المريخ

قال علماء إن منحدرات حادة ظهرت في صور التقطتها مركبة فضائية تابعة لإدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) كشفت عن ثمانية مواقع توجد فيها رواسب جليدية ضخمة قرب سطح كوكب المريخ مما يمثل مصدرا محتملا للمياه قد يبشر بإقامة بؤر بشرية على سطح الكوكب الأحمر في المستقبل.

ويعرف العلماء بالفعل أن حوالي ثلث سطح المريخ يكتسي بطبقة خفيفة من الجليد وأن قطبيه يحتويان على رواسب جليدية كبيرة لكن بحثا نشر يوم الخميس كشف عن صفائح جليدية سميكة تحت سطح منحدرات بارتفاع يصل إلى مئة متر عند خطوط العرض الوسطى للكوكب، وقال كولين دانداس عالم الجيولوجيا في مركز علم جيولوجيا الكواكب بولاية أريزونا، وهو مركز يتبع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، والذي قاد الدراسة ”إنه لمن المفاجئ أن تجد على السطح ما يكشف عن جليد في هذه المناطق… ففي منطقة خطوط العرض الوسطى من الطبيعي أن يكتسي السطح بغطاء من الغبار“.

واستخدم الباحثون صورا التقطتها المركبة (مارس ريكونيسانس أوربيتر) التي تدرس الغلاف الجوي للمريخ وتضاريسه منذ عام 2006 وكذلك تاريخ تدفقات الماء الظاهرة على سطحه أو بالقرب منه.

وتظهر النتائج أن الجليد قد يكون متاحا بشكل أكبر مما كان متصورا للاستخدام كمصدر للمياه لدعم بعثات استكشاف بالروبوت أو بعثات استكشافية بشرية في المستقبل أو ربما إقامة قاعدة دائمة على سطح المريخ.

وقد تستخدم المياه للشرب أو تحويلها بشكل محتمل إلى أكسجين للتنفس، وقالت شين بايرن وهي عالمة متخصصة في دراسة الكواكب في مختبر القمر والكواكب التابع لجامعة أريزونا وشاركت في كتابة الدراسة المنشورة في دورية (ساينس) ”يحتاج البشر للماء أينما ذهبوا وهو ثقيل بشدة كي تحمله معك… الأفكار السابقة لاستخراج ماء صالح للشرب من المريخ كانت تتلخص في استخلاصه من طقس شديد الرطوبة أو عبر كسر الصخور المحتوية على الماء“، وأضافت ”لدينا ما نعتقد أنها مياه نقية مدفونة بالكاد تحت السطح… لست في حاجة إلى حل عالي التقنية… بوسعك أن تذهب بدلو وجاروف وتجمع ما يكفيك من الماء“، واكتشفت الرواسب في سبعة تكوينات جيولوجية كالمنحدرات في النصف الجنوبي من المريخ وآخر في النصف الشمالي منه.

ظاهرة ال “ستيجماتا”تحت المجهر

$
0
0

ظاهرة ال “ستيجماتا” تحت المجهر

هي من أكثر الظواهرالغريبة والنادرة في عالم ما وراء الطبيعة، وتتمثل بحدوث متكرّر لآثار جروح ونزيف دم يخرج من أنحاء مختلفة من جسم الانسان، وتحديداً في المواضع الناتجة عن آثار صلب السيد المسيح (اليدين، الرجلين، الجنب، الرأس) ولكن بدون أي إشارة لوجود ضَرر مرئيّ على الجسد، على الرغم من أنه يُسبّب معاناة قوية !
ارتبطت تلك الظاهرة بما يؤمن به الكثيرون من أتباع الكثلكة البابوية، حيث يرون أنها معجزة، وتجسيدٌ حيّ لآلام وصلب السيد المسيح، وبأنها نعمةٌ من الله، وتجعل من الشخص الذي تحدث له إنساناً يختبر آلام المسيح، إلى درجةٍ يُمكن معها أن يُصبح قديساً في اعتقادهم، عندما تقوم الدوائر المختصة في الفاتيكان بتطويبه !
والستيجماتا στίγματα هي كلمة يونانية وردت في العهد الجديد على لسان القديس بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة غلاطية 6: 17 حيث يسألهم الرسول ألّا يُضايقه أحد، لأنه يحمل في جسده “سِمَات” (στίγματα) ربنا يسوع المسيح. فقد حمل القديس بولس في جسده علامات عبودية ربنا يسوع المسيح، حيث لاقى بسبب ايمانه بالمسيح والتبشير به، الكثير من الاضطهادات والسجن والجَلد والضرب بالعِصيّ والرَجم بالحجارة (راجع 2 كورنثوس، فصل 11). لذلك فهو يقول أنه يحمل في جسده من الآلام ما يُشبه ما حمله السيد المسيح نفسه، وبولس الرسول يُشبه إنسانًا يعتزّ برايات النصر الملوكية، بهذه “السِمَات المَلَكية” وكأني به من خلالها يقول لكنيسة غلاطية ” إنني خاصّتُه وأنتمي إليه”، لأنّ الكلمة اليونانية المستخدمة Stigma في معناها الأصيل تعني وَسمًا أو علامة خاصّة بالعبيد أو الجنود، والتي تتمثّل بحرقٍ في الوجه أو في الجسد أو على الذراع لتدلّ على انتمائهم وتَبَعيّتهم، فهو يُشير هنا بوضوح إلى علامات آلامه الرسولية من الاضطهادات التي كابدها في سبيل الانجيل (2 كو 6: 4- 10؛ 11: 23-29).
وبناءً على ذلك من الخطأ أن يُفسّر أتباع البابوية أن بولس الرسول هو أول شخص حدثت له هذه الظاهرة، لأن التقليد الرسوليّ المقدس لا يُخبرنا ولا يُفيدنا بأيّ شيئ عن هذه الظاهرة أو أن بولس قد اختبر تفتّح جروح نازفة من يديه ورجليه وجنبه أو رأسه!! ولا أحد من كبار مفسّري الكتاب المقدس، أمثال: القديس يوحنا الذهبي الفم أو القديس ايرونيموس أو المغبوط أوغسطينوس أو اوريجينيس وغيرهم… لا أحد مُطلقاً في معرض تفسيره لهذا النص، قال بأن ظاهرة جروح نازفة قد ظهرت في يديّ بولس ورجليه وجنبه ورأسه! كما أنه لا أحد من الآباء القديسين، ولا أحد من عمالقة الرهبنة والنُسك العظماء في الشرق والغرب (قبل العام 1054 انشقاق الغربيين!)، ولا أحد من الآباء القديسين المعاصرين، أو من آباء الجبل المقدس آثوس، لا أحد مُطلقاً اختبر هذه الظاهرة أو ذكر أيّ شيء عنها، مما يعني أنها غريبة كليّاً عن التقليد الأرثوذكسيّ.

أين ومتى بدأت الظاهرة؟

أول تسجيل تاريخي لحالة إستجماتا كان في إنجلترا سنة 1222م لرجل أسمه ستيفن لانجتون Stephen Langton ويذكر المؤرّخون الغربيون أن “سانت كاترين سيينا” St. Catherine of Siena (القرن الرابع عشر) هي من أشهر النساء التي كانت الدماء تنضح من جسدها ولا يظهر منها أي أثر لجروح، بالإضافة الى الراهب الايطالي فرنسيس الأسيزي، والراهب الكبوشي الايطالي بادري بيو، والألمانية تيريز نيومان وآخرون…. وقد تمّ حصر أعداد من الناس الذين تُصيبهم هذه الحالة، ووصل عددهم إلى حوالي 345 حالة من جميع أنحاء العالم. ومما يدعو الى الاستغراب أن جميع الحالات التي تمّ تسجيلها حصلت مع أشخاص هم من أتباع البابوية !! وفي عصرنا الحديث وفي المشرق تحديداً، اختبر الظاهرة عدّة أشخاص كانت أشهرهم على الاطلاق السيدة السورية ميرنا الأخرس (دمشق – حيّ الصوفانية ).

ماذا يقول الطبّ وعلم النفس؟

أشارت الأبحاث الحديثة ان هذه الندبات التي يُسميها الغربيون بظاهرة “ستيجماتا” لا تعدوا أن تكون في غالب الاحيان ذات أصلٍ مرضيّ ينجُم عن التجويع الذاتي، أو حالات كثيرة تُعرف في علم النفس بحالات الفِصام المرضيّ التشويهي (هالات تشويه الجسد) أو تشويه الذات الارادي أو غير الارادي، وكذلك أمراض الوسواس القهري. وقد سُجّلت عبر التاريخ كثير من الحالات بين الاسرى خلال الحرب العالمية الثانية، تُفيد بالعلاقة القوية بين الجوع وتشويه الجسد، وكذلك خلال المجاعات الكبرى.
وقد أشارت سجلّات الطب النفسي للمدعوّة (تريزا نيومان) من ألمانيا، التي ادّعت أنها تعاني من هذه الندوب والجروح، أن تلك الجروح والندبات ناتجة عن أعراض ما بعد الصدمة لمرض تشويه الذات المرضيّ، من خلال ما يُعرف بالايحاء الذاتي غير الطبيعي.
ويقول الدكتور أدوار هارتونغ Dr. Edward Hartung “ان من مضاعفات مرض الملاريا الذي يُصيب الكبد والطّحال والمعدة، هي أنه تظهر على جسد المريض نُزوفات دموية أرجوانية مشابهة لتلك التي تظهر على أجساد من يدّعون أن ظاهرة ستيغماتا الاعجازية قد حلّت بهم”. واذا أمعنّا البحث حول هذه الظاهرة سنلاحظ أن (ستيغماتا) ليست محصورة بالعقيدة البابوية الغربية، بل انها تتخطّاها، فقد أُبلغَ عن جروحٍ جسدية لأشخاص في كثيرٍ من المجتمعات الوثنية القديمة مثل العقيدة البوذية.
أُعطيت عدة تفسيرات لحدوث ظاهرة ستيغماتا وهي تتراوح بين الخداع إلى تلك الناتجة عن تأثيرات الأمراض النفسية. وما يثير في تلك الظاهرة أنها على الأغلب مخصّصة لأتباع الكثلكة كما أسلفنا، ولكنها حدثت أيضاً لرجل هندوسيّ اسمه تشايتانيا ماهابرابو (1486 – 1534) حيث قيل أنه ينزف دماً بشكل ذاتيّ من أنحاء مختلفة في جسمه، ممّا يؤكد أن هذه الظاهرة لا علاقة لها بعقيدة الكثلكة حصرياً. كما لوحظ أن ظاهرة ستيغماتا تترافق مع ظاهرة أخرى تُدعى أنيديا (Inedia) وهي الامتناع عن تناول الطعام والشراب ما عدا الزاد اليوميّ من الخمر والخبز ( وهو ما يُسمى ب “البُرشانة” لدى الغربيين) لمدة طويلة من الزمن، كما حدث مع بادري بيو الذي امتنع عن تناول الطعام والشراب وكذلك النوم لفترة من الوقت. أيضاً حدثت ظاهرة ستيغماتا لـ تيريزا نيومان التي تقدّم ذكرها، حيث قيل أنها لم تكن تأكل شيئاً سوى (برشانة) في كل يوم منذ عام 1922 وحتى وفاتها في عام 1962.

الاستيجماتا في تراث البابويين:

شهد القرن العشرين إحدى أهم حالات الحدوث لتلك الظاهرة وهو الكاهن الإيطالي بادري بيو، الذي تحمّل آثار النزيف لعشرات السنين واعتبرته الكثلكة قديساً ! بدأت تلك الظاهرة تحدث له منذ نعومة أظفاره، حيث اعتقد في ذلك السنّ أنه كان قادراً على رؤية تجلّيات العذراء والمسيح، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما افترض أنّ كل انسان يستطيع رؤيتهم… ويدّعي انه استمرّت عنده الرؤى حتى سنّ البلوغ وإلى أن أصبح راهباً كبوشياً، كانت الرؤى تزداد قوّة وظلاماً، حيث ادّعى أن الشيطان ظهر له في غرفته في إحدى المرّات بشكل كلبٍ ضخمٍ أسود، يُزمجر، بعينين حمراوين متوهّجتين، وكان أول حدوث لظاهرة الاستيغماتا لديه في أوائل عام 1911 حيث كتب في رسالة أنها كانت بشكل علامات حمراء على يديه وقدميه تسبب ألماً مبرّحاً..! وبدأت الجروح تظهر أكثر فأكثر للعيان حيث أن بعضها استمرّ بالنزيف لبقية حياته، وبشكلٍ عام ادّعى أن هذه الظاهرة لم تختفي واستمرّت في الظهور، واستمرت كذلك رؤيته للشيطان بأشكالٍ مختلفة تراوحت بين فتاةٍ راقصة عارية، وبين البابا بيوس العاشر والقديس فرانسيس إلى السيدة العذراء نفسها كما يقول هو نفسه في رسالته. وتوفي بادري بيو في العام 1968.
يقول الغربيون أنه خلال الألفي سنة الماضية لم تُسجّل إلا 345 حالة ستيغماتا، وكان بولس الرسول أول من يزعمون مدّعين حدوثها له كما ذكرنا أعلاه، كما حدث ذلك للراهب الكاثوليكي فرانسيس الأسيزي من إيطاليا في القرن الثالث عشر، وما زالت تلك الأحداث مستمرّة إلى يومنا هذا، بما أصبح شبه تُراثٍ يختصّ به البابويين لظاهرة جروح ودماء نازفة لا تحدث ولم تُسجّل الاّ لأتباع العقيدة البابوية أو بعض البوذيين والهندوس !

ما هي حقيقة الظاهرة وهل هناك خدعة؟

على مدى 50 سنة حمل الإيطاليّ السالف الذكر بادري بيو علامات ستيغماتا بشكل نزيف، والآن يتجمّع عدد غفير من الناس ليحجّ إلى صومعته التي عاش فيها في الجنوب الأقصى لإيطاليا، ويبدو أن شهرته ستستمرّ منذ أن قام يوحنا بولس الثاني في بتطويبه قديساً عام 1999 .لكن تبيّن لاحقاً، وبعد خمس سنوات من تطويبه قديساً من قبل الفاتيكان، أنه قام بخداع الناس بظاهرة الـ ستيغماتا عبر سكب الأسيد (حامض الكاربوليك الحارق Carbolic acid )على راحتيّ يديه، حيث تم الكشف عن وثائق تُبيّن أن ذلك القديس المُلتحي قام بافتعال هذه الجروح في جسده !! كما نشر كتابٌ جديد أثار جدلاً واسعاً يُبين أنه لا يمكن وصف ظاهرة ستيغماتا بـ “المعجزة” على الإطلاق، بل هي حالة تعذيب ذاتيّ. وأظهر رسمٌ على وثيقة من أرشيف الفاتيكان، يقول فيها المؤرخ (سيرجيو لوزاتو) أن الراهب بادري بيو استخدم حمض الكاربوليك النقيّ لافتعال الجروح طيلة حياته، ولكن كثيرين من اللاتين الغربيين اعتبروا ذلك الكتاب متحاملاً على بادري بيو.
علاقة بادري بيو مع الفاتيكان سادها كثيرٌ من الشائعات والروايات حول حقيقة هذا الرجل، وكثيرٌ من هذه الروايات تنتقص من طهارته وعفّته، حيث تمّ الادّعاء عليه بأنه حاول إغواء امرأة عندما كانت معه في كرسيّ الاعتراف، ولكن ما زال له أتباعٌ أوفياء في أوساط الكثلكة. وفيما يخصّ خبرة فرنسيس الأسيزي مع الاستيجماتا والرؤى، فانّ القديس الشيخ باييسوس الآثوسيّ يذكر عنه أنه كان واهماً ومخدوعاً من الشياطين الذين ضلَّلوه وخدعوه وأوقعوه في حبائلهم، كما حصل لكثير من الرهبان الذين سقطوا في فخاخ ابليس، على ما يروي الآباء القديسون في خبراتهم وكتاباتهم وتذكره كتب الأدب الرهباني النُسكيّ الأرثوذكسيّ، مثل كتاب “السُلّم الى الله” وكتاب “بستان الرهبان” وغيرها… مما يضع الاحتمالات القوية جداً أن يكون سبب الظاهرة الى جانب كونها ناتجة عن سيكولوجية مرضيّة، أن تكون أيضاً مصحوبة بتأثيرات شيطانية، تؤدّي الى خداع المؤمنين البُسطاء وتضليلهم.

كلمة أخيرة

نحن ندعو أبناءنا الأرثوذكسيين الى توخّي الحذر لدى تداولهم كُتباً أو صوراً أو فيديوهات حول هذه الظاهرة المشبوهه والغريبة كل الغرابة عن تقليدنا الأرثوذكسي، والتحلّي بروح الحكمة والتمييز الروحيين، فليست كل الظواهر العجيبة الخارقة للطبيعة سببها الله أو مصدرها سماوي! لأن الشيطان يمتلك قدرات روحية خارقة يستخدمها لتضليل المؤمنين وخداعهم، وكثيراً ما يتّخذ الأشكال النورانية، ويستخدم الأُطُر الدينية ليخدع المؤمنين ويضرب الأرثوذكسية، وهذا ما يؤكده القديس بولس الرسول قائلاً: “لا عَجَب أن الشيطان نفسه يُغيّر شكله إلى شبه ملاك نور” (2 كورنثوس 11: 14). كما أن الرب نفسه يُحذّرنا من الانخداع بالظواهر الخارقة المُضلّلة حيث يقول: “لأنه سيقومُ مسحاءُ كذبة وأنبياء كذبة ويُعطون آياتٍ عظيمة وعجائب حتى يُضلُّوا لو أمكن المختارين أيضاً، ها أنا قد سبقتُ وأخبرتكُم” (متى 24:24). والرسول يوحنا اللاهوتيّ يطلب منا تمييز الأرواح وتوخّي الحذر من الأنبياء الكذبة، قائلاً: “أيها الأحبّاء لا تُصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأنّ أنبياءَ كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يوحنا 1:4).

الكتاب المقدس يُعلّمنا أن السيد المسيح جاء لكي يشفي جراحنا ويحمل أوجاعنا وعاهاتنا، لا لكيّ يفتح في أجسادنا جراحاً مؤلمة وسيولاً من الدم! “إنه أخذَ عاهاتنا وحملَ أوجاعنا” (أشعيا 53: 4) وأيضاً “بجراحه شُفينا” (أشعيا 5:53). لذلك فانّ هذه الظاهرة وما يُصاحبها يبقى مُستهجناً وغريباً عن تقليد الرسل والآباء القديسين الذين لم يعرفوها ولم يختبروها ولم يُحدّثونا عنها! لذلك يُنبّهنا الرسول بولس قائلاً: ” لو بشّرناكم نحنُ أو بشّركم ملاكٌ من السماء بخلافِ ما بشّرناكم به فليكن أناثيما (أي ملعوناً) ” (غلاطية 8:1).

الايمان المسيحي القويم

(الأب رومانوس حداد)

المراجع
– التصوّف في الكاثوليكية الرومانية
– العقل والمجتمع – دانيال فيسلر
– موقع ماوراء الطبيعة
– موقع ويكيبيديا الانجليزي
– خوسيه توبياس – تشويه الذات والوسواس القهري ( المجلة الدولية لاضطرابات الطعام 1995) ( مقال )
– هاريسون تيد (1994-1910). الندبات طفرة في العصور الوسطى و في العصر الحديث

”المستقرضات “

$
0
0

” المستقرضات “

“المستقرضات” عبارة عن سبعة أيام باردة جداً. هي آخر ثلاثة أيام من شباط وأول أربعة أيام من آذار، وفي السنة “الكبيسة” تكون آخر أربعة أيام من شباط وأول ثلاثة أيام من آذار. وتسمى “المستقرضات” ، لأن الأسطورة تقول إن “شباط” المعروف بالبرد ، استقرض (استعار) من “آذار” أربعة أيام “باردة” ، كي ينتقم من إحدى العجائز التي تكلمت بالسوء على شهر شباط. كما تعتبر المستقرضات أحد اساليب الرصد الذي اعتمده الشرقيون لمعرفة أحوال الطقس وتقلباته.
ما قصة هذه العجوز؟
تقول الرواية المتناقلة جيلاً عن جيل إن شهر شباط شهر مرعب للعجائز، وكلهم يخافون أن يموتوا خلال هذا الشهر نتيجة البرد، وكانوا عندما يبدأ شباط يرسمون علامة الصليب فوق عتبة الباب الرئيسي لإبعاد شبح عزرائيل عنهم”. وتضيف الرواية: 
“ذات مرة وقد انقضى شهر شباط، راحت إحدى العجائز تغني وترقص وقالت: إجا شباط، وراح شباط، وحطّينا بقفاه مِخباط. ما يعني أنها نجت من الموت، ووصل الربيع ولم تعد تخشى الصقيع”. تتابع الرواية:
“سمع شباط ما قالته العجوز، وأراد أن ينتقم منها وأن يطيل أيامه ليميتها من البرد، فاتصل بابن عمه شهر آذار وقال له: “يا آذار يا بن عمي ٤ منك و٣ مني، تا نخلّي العجوز دولابها يغني”. ما معناه أن لا تترك هذه العجوز شيئاً عندها من دون أن تشعله، حتى دولاب النول، طلباً للدفء واتقاء البرد. ودولاب الحياكة (النول) كان قديماً في كل بيت ومن أهم المقتنيات. وما كان أحد يشعله حتى لو لم يبقَ عنده ما يتدفأ به، لأنه مصدر الرزق الوحيد في تلك الأيام. المهم أن آذار استجاب لطلب ابن عمه شباط وأقرضه الأيام الأربعة، وكانت عاصفة آذار الهوجاء التي قضت على العجوز.
هذه رواية “المستقرضات” المتناقلة من مئات الأعوام، والتي يتخوف الأهالي دائماً من عاصفة شباط القوية ومن فعلة هذا الشهر الأصغر بين كل أشهر السنة. ومن هنا جاء المثل العامي:
“بتعير وبتستعير وبتضلّ ناقص مثل شباط”.
المستقرضات بين الروم والموارنة 
للمستقرضات تقويمان هما التقويم الشرقي والتقويم الغربي، وتسمى شعبياً أيضا بمستقرضات الموارنة ومستقرضات الروم. الفارق بينهما ١٣ يوماً. لأن تقويم الروم أساساً هو التقويم اليولياني اي الشرقي الذي يتأخر ١٣ يوماً عن التقويم الغربي او الغريغوري المعتمد اليوم. فأول آذار عند الروم مثلاً، يوازي ١٤ آذار على التقويم العالمي. فتكون مستقرضات الروم عملياً هي نفس التواريخ السابقة زائداً عليها ١٣ يوماً . اي (١١-١٢-١٣ آذار) و (١٤-١٥-١٦-١٧ آذار) . وتأتي هذه الأيام باردة عملاً بالأسطورة. وتكون المستقرضات ساحة “للتزريك” فإذا كانت مستقرضات إحدى الطائفتين شتاء وبردا عمد الفريق الأخر إلى أكل المثلجات وارتداء الملابس الصيفية تدليلا على أن المستقرضات أتت بمطر قليل.
إشارة إنه عندما تبدأ “مستقرضات الروم” (١١ آذار) أي بعد أيام من انتهاء “مستقرضات الموارنة”. عندها يقول المثل العامي:
“خلصوا “مستقرضات الروم”، صار فيك تنام بين الكروم”. دليل على بدء الدفء وحلول الربيع. وهنا كان للإسلام (*)دور في هذه العملية فتحيزوا مع الروم وقالوا مثلهم الشهير:
” ما في قيامة بتقوم إلا بعد مستقرضات الروم”. إنها تقاليد ولا أروع، ما زالت مستمرة إلى أيامنا هذه في العديد من المناطق والقرى.
ملاحظة:
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأفكار هي من الأساطير الشعبية ، وغير مثبتة لاهوتياً أو علمياً.😉
(*)تعليقي للتوضيح وانارة الاذهان لأن مثل هذا الخبر المبتدع يترك ذيولاً مرفوضة وهو بالاساس بدعة ابتدعها صاحب غاية ووضعها على الفيسبوك لتعم كمن يضع السم بالدسم الجميع كانوا يسيرون على التقويم الرومي المطبق على دورة الارض الزراعية كالتالي ولازالوا في سورية والمشرق ولا علاقة لمستقرضات الموارنة ولا الروم ولا الاسلام…
– الفلاحون في بلادنا ومنذ التقويم اليولياني المعتمد من قبل ميلاد السيد المسيح ومن ثم التقويم اليولياني المصحح المرتبط بالتهيئة للصوم الكبير المقدس وتعييد الفصح وهو التقويم الاقرب للتقويم السوري الذي يعتمده الفلاحون في دورة الارض الزراعية في بلادنا منذ الفي سنة وماقبل، والفلاحون يعتمدونه في زراعة الارض وجني المحصول وضمان التجار له اي على على التقويم الشرقي حصرا بالرغم من تطبيق التقويم الغربي، (ولا دخل للاسلام كحضور وافد الى سورية والمشرق كما ورد بهذا الموضوع المفبرك… ان انحاز الاسلام الى الروم بخصوص المستقرضات وهذا عيب شنيع)
الموارنة بالأساس هم اراميون من منطقة حلب وكانوا ارثوذكس العقيدة اي خلقيدونيون مثل الروم الارثوذكس ثم انشقوا واعتنقوا بماطرحه الامبراطور هرقل لتسوية النزاع الحاصل بعد مجمع خلقيدونية منتصف القرن الخامس (والذي ادى الى انشقاق السريان اليعاقبة والاقباط.. الذين سموا باللاخلقيدونيين لأن المسيح عندهم هو صاحب طبيعة واحدة وهي الالهية ومشيئة الهية واحدة بينما المجمع الخلقيدوني الذي لم يعترفوا على مقرراته واسسوا كنائس مستقلة لهم ) اكد على ان للمسيح طبيعتين الهية وبشرية ومشيئتين الهية وبشرية كما يرد في دستور ايمان النقاوي- القسطنطيني وكان الموارنة بالرغم من انهم اشقاء الاراميين السريان الا انهم كانوا مع الروم في العقيدة الخلقيدونية … وتعرض رهبانهم لضيق شديد من اخوتهم الرهبان السريان اللاخلقيدونيين لاعتناقهم مقررات خلقيدونية (ثم لاعتناقهم مبدأ الامبراطور هرقل…(ادناه)) كما يقول تاريخ الكنيسة الانطاكية….
لتسوية النزاع واعادة اللاخلقيدونيين الى الكنيسة الجامعة طرح الملك الرومي هرقل تصوراً بديلاً وسطياً بين الخلقيدونيين وهم الروم واللاتين، واللاخلقيدونيين وهم السريان و الاقباط والاحباش قال فيه ان للمسيح طبيعتين الهية وبشرية ومشيئة الهية…هذا الطرح البديل رفضه الخلقيدونيون واللاخلقيدونيون لأنه يخالف ثوابتهم العقيدية، بينما تمسك به الموارنة وانشقوا بدورهم عن الخلقيدونيين الروم واللاتين وانشأوا كنيسة مستقلة كان اول بطاركتها يوحنا مارون اواخر القرن السابع حوالي 693م وعلى هذا تسموا موارنة وليس نسبة الى مار مارون (كما يقولون) الذي عاش في القرن الخامس وهو قديس ارثوذكسي بالأساس وبين مار مارون والبطريرك الاول يوحنا مارون حوالي ثلاثة قرون ولم تكن الطائفة المارونية قد تشكلت الا مع يوحنا مارون، ومار مارون راهب من قديسي الكنيسة الارثوذكسية وتعيد له في 14 شباط من كل عام… وعند دخول الاسلام بلاد الشام نزحوا من منطقة حلب وعفرين باتجاه جبال لبنان واستعصوا بأعالي الجبال الحصينة وانشأوا قوة المردة وكانوا مقاتلين اشداء وقاوموا دخول المسلمين الى مناطقهم …
وفي اواخر القرن 12 انتموا الى الكنيسة البابوية مع وجود حملات الفرنجة واعتنقوا الكثلكة اي عادوا للعقيدة الخلقيدونية انما تحت رئاسة البابا والعقيدة كما الروم…
الخلاصة
ان تطبيق التقويم الغريغوري قد تم منذ منتصف القرن 15 لأن من قام به كان البابا غريغوريوس وطبقته الكنيسة الكاثوليكية ومنها الكنيسة المارونية التي كانت اول المتكثلكين من كنائس المشرق ولم تكن اية طائفة كاثوليكية سواها قد انشقت عن امهاتها كنائس الارمن والسريان بدءاً من القرن 16 اما الروم الكاثوليك فهم آخر المنشقين عن امهم الكنيسة الرومية الانطاكية وكان ذلك عام 1724م…ولم تعترف الدولة العثمانية بهم كطائفة مستقلة عن امها الا في عام 1835/م
اذن لاعلاقة للاسلام بالتقويم الكنسي اليولياني الشرقي ولا  الغريغوري الغربي و بالانحياز الى الروم من عدمه  بشأن المستقرضات، فسورية تتبع التقويم الشرقي منذ الفي سنة واكثر… والمستقرضات من هذا التقويم اي منذ الفي سنة وأكثر… اما نشوء المارونية كطائفة كاثوليكية فكان منذ ثمانية قرون 1198 باعتناق الكثلكة واللحاق بروما البابوية والمسلمون دخلوا الى سورية سنة 635 م ولايزال كما اسلفنا حتى اللحظة المزارعون في بلاد الشام ومعظمهم باتوا من المسلمين يسيرون على التقويم اليولياني ومنذ 2000 سنة… وهم من يقول بالتقويم الشرقي ومستقرضات الروم لأنهم كانوا كل السكان قبل الأسلمة… وقبل انتشار الكثلكة …
بكل اسف ان من ابتدع هذه الرواية حاقد على الروم وليس من باب الحقيقة ولا حتى التسلية…

الأمثال الشعبية

لا تغفل الأمثلة الشعبية “اقتراض” آذار من شباط أياماً لوداع فصل الشتاء /كما اسلفنا اعلاه/ يقول المثل: “أيا ابن عمي يا آذار مني ثلاثة ومنك أربعة والشتا بعدنا مودعة”.

وكذلك فإنّ الأمثلة الشعبية التي يرددها الفلاحون عن آذار تصيب في غالب الأحيان، بعدما اختبروها في تجاربهم ومواسمهم. وهي تحمل في جوانب منها بعض الفوارق عن أمثال آذار. ومن هذه الأمثال: “خلي جمراتك الكبار لعمك آذار”، و”إن أقبلت آذار وراها وإن أمحلت آذار وراها”، ما يدل على تعلق المزارعين بأمطار آذار التي تشكل المخزون الحقيقي للأرض من المياه، وتكون تالياً خميرة لموسم الربيع والصيف.

وبالرغم من هذين المثلين هناك مثل آخر لا يشبههما ويقول: “بآذار طلع بقراتك من الدار”، حيث يطمئن الفلاحون إلى بدء دفء الطقس من جهة ويناع المراعي من جهة أخرى.

في الحقيقة

“كل الامثلة بحق آذار وغيره من أشهر السنة دقيقة إلى حد كبير بالرغم من تباينها وتباعدها إذ تجمع البرد القارس والدفء والشمس الساطعة”.وهو بوابة الربيع في 21 آذار غربي المتصادف مع عيد الأم.

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>