فمن هو المغفل مطرح هذا المثل؟ كيف ولم ضرب هذا المثل؟ او بمعنى ماهي قصته؟ وهل اصله من عندنا؟
نبدأ بداية عن تعريف المغفل
قانونياً ولغوياً المغفل والسفيه
يختلفان عن دارج الكلام…
السفيه هو المبذر لماله أي ان الصفة المميزة للسفه تحمل الإنسان السفيه على تبذير المال…أما المغفل فهو الذي لايقدر الامور والصفة المميزة للغفلة فإنها ترد على حسن الإدراك والتقدير.
وكلاهما يوجبان الحَجْرْ عليهما من القاضي… وفي بلادنا المختص بالحجر هو القاضي الشرعي…
«القانون لا يحمى المغفلين»
هي عبارة عادة ما يرددها الناس على ألسنتهم حيث تُطلق على من تضيع حقوقه، ولا يملك أي وسيله لاسترداد حقه، أو من لا يستطيع الحفاظ علي تلك الحقوق، فقد يكون المغفل قد أقرض شخصاً ولم يُشهد عليه، أو قام شخص بالنصب عليه، أو يُتعاقد معه بلا مقابل… أو استغلَ احد الطيش والغفلة لديه..
توطئة قانونية
الجميع متساوون تحت مظلة القانون، وهويحمي الجميع بدليل وجود أحكام خاصة تُحدد متى يكون العقد باطلا” ومتى يكون قابلا” للإبطال في حال وجود عيب يشوب الإرادة، وأحكام تنظم الوعد بالبيع، والبيع بشرط المذاق والبيع بشرط التجربة وأحكام خاصة بالغبن والكثير من الحالات التي تُعتبر شبه خاصة لكن القانون وقف عليها ونظمها.
لقد قيلت هذه العبارة أو تقال في غير مكانها كما في المثل، فهي عبارة تنطوي على فلسفة قانونية، تعني أن الحماية للمراكز القانونية. والمصالح الخاصة ليست مطلقة، معنى ذلك أنه حتى يسبغ القانون حمايته للمركز والمصالح الخاصة، لا بد من نهج سلوك معين مفترض من قبل الأشخاص، واتخاذ واجب الحيطة والحذر في التصرفات القانونية، وإتباع إجراءات وشكليات معينة حتى تكون الحماية القانونية ممكنة ومتوفرة، ونؤكد أن هناك بعض التصرفات القانونية تتطلب شكلاً معيناً حتى يوفر القانون الحماية لها، فالقانون /كما أسلفنا/ وُضع لحماية الجميع، وإقامة مجتمع معافى من الجريمة والأفعال الشاذة، ولكن الجهل به لا يشكل دفعاً للخروج من طائلة العقوبة، لذلك لايمكن لشخص ما أن يرتكب جريمة قتل أو سرقة ويدعى بأنه لايعرف أن هذه الافعال مُجَّرِّمةْ، وتوقعه تحت طائلة العقاب…ومنها على سبيل المثال شرط التسجيل في الشهر العقاري عند بيع العقارات، والتي رتب القانون بطلانها إذا ما فقدت هذا الركن الشكلي وهو “التسجيل”، وبعض التصرفات تتطلب الكتابة حتى يحميها القانون ك”عقد الشركة” و”هبة المنقول” وك”القرض” أو “الدَين” فكتابة الدَين أو توثيقة بمستند رسمي أو عادي يعطي الدائن السند القانوني لتحصيل حقه من المَدين حتى لو لجأ إلى الإنكار.
كما ان المعرفة بالقانون واجبة، حتى يوفر له القانون الحماية من خلال قواعده، التي يجب على المكلف معرفتها والالتزام بها. كذلك فان الجهل بالقانون لا يعفي من العقوبة سواء كانت جزائية او مدنية، اذ “لاجهل في القانون.”
وبالنسبة لهذا القول “القانون لايحمي المغفلين” ليس المقصود به أن القانون شرع لمصلحة أشخاص دون آخرين، فالقوانين شرعت لخدمة الجميع.
قصة هذا القول الذي انصرف ليصير مثلاً
لكل مقولة شهيرة قصة وقعت خلفها، وهذه المقولة من أشهر الأمثال التي نرددها في وقتنا الحالي، وتقال دائماً عند تعرض الفرد للمكر والخديعة من جانب الآخرين، أو حينما يحتال أحدهم على الأخر، ويغمغم مطالباً بحقه القانوني للثأر ممن خدعه.
وهذه المقولة” القانون لايحمي المغلفين” ليست قديمة قدم العديد كبقية الأمثال العربية الأخرى التي نتداولها عبر الأجيال المتعاقبة، وقد وقعت قصته في أميركا حسب ما وصلت إلينا.
وبالعودة إلى السؤال، فعلى كل شخص يجهل حقيقة قانونية معينة، أن يسأل من كان به خبيراً، حتى يتجنب الوقوع في الخطأ وحتى لا يتعرض بالتالي للمساءلة القانونية، فإن لم يفعل ذلك، حينها فقط يمكننا وصفه بالغبي…
القصة
يحكى أن هذه المقولة سمعت لأول مرّة في أميركا من زمن بعيد، حيث كان مواطناً أميركياً يعاني وعائلته من الفقر المدقع وكان عاطلاً عن العمل ويعيش بحالة اجتماعية يرثى لها. فخطرت على باله بيوم من الأيام فكرة ذكية للتخلص من الفقر الذي يعيشه، فقرر أن ينشر في الصحف المحلية إعلاناً عنوانه “إن أردت أن تكون ثرياً فأرسل دولاراً واحداً فقط على صندوق بريد رقم (رقم بريده) وسوف تصبح ثرياً”. وفور نشر الإعلان انهالت على صندوق بريده ملايين الدولارات ممن قرأوا المنشور في الصحف،آملين بالثراء الذي وعد به الإعلان.
وبالتالي كانت فكرة ذكية منه جعلته يصبح مليونيراً بفضل دولار واحد من المرسلين، وبعد حصوله على مراده أنزل إعلاناً ثانياً تحت عنوان “هكذا تصبح ثرياً” شرح فيه للقارئين الخطة التي اتّبعها لجمع ثروته. وبالطبع، لم يرق هذا الأمر إلى المرسلين الذين احتجوا على خداع هذا الرجل المحنّك لهم، فرفعت ضدّه قضية قانونية وهنا كان رد قاضي المحكمة الشهير: “القانون لا يحمي المغفلين” فاشتهرت هذه العبارة التي تنصف ذكاء القاضي الذي عالج مطلب المحتجين بجملة واحدة.
في النتيجة
.القانون وضع لحمايه الجميع، ولكن لا ينبغى الدفع بالجهل به اذ لاجهل في القانون .حيث أنه يفترض بكل مواطن العلم بقانون بلاده بمجرد اقراره وصدوره ونشره في الجريده الرسميه اصولاً . وذلك ختى لا يتنصل أحد من المسؤوليه أمام القانون أو التمتع بمركز قانونى أفضل فى حال قبول الدفع بالجهل بالقانون…
أبونا الجليل في القديسين غريغوريوس اللاهوتي (+ 329/390م)
هو المعروف أيضاً بلقب النزينزي نسبة إلى مدينة صغيرة اسمها نزينزة قريبة من قيصرية في بلاد الكبّادوك. في هذه المدينة نشأ قدّيسنا وترعرع. ويبدو أن ولادته كانت في مزرعة قريبة من المدينة تدعى أرينزة ملكتها العائلة. تاريخ ولادته غير محدّد تماماّ. يظنّ أنه قريب من السنة 329 / 330م. أبوه هو القدّيس غريغوريوس الشيخ المعيّد له في أول كانون الثاني. انتمى والده منذ الصغر إلى نحلة تعرف بـ “عبّاد العليّ” أو “الهيبسيستاري” جمعت بعض الوثنية إلى بعض اليهودية وأكرمت النور والنار. لكنه كان رجل استقامة بحسب الناموس الطبيعي. اهتدى واعتمد بتأثير زوجته المؤمنة وسلك في الفضيلة. لوحظ لفضله وحكمته وغيرته على الكنيسة فاختير أسقفاً على نزينزة. أحبّ الفقير حباً كبيراً وعاش إلى مئة عام. أما أمّه فهي القديسة نونّة المعيد لها في 5آب. كانت زينة النساء المسيحيات، تقيّة، مصلّية، فاضلة، صلبة، حكيمة، صبورة. أكثر ما في تنشئة غريغوريوس على حب الله والسير في الفضيلة مردّه نونّة. هي نحتت اسم الله في قلبه أولاً. بفضل صلاتها ودموعها ارتدّ غريغوريوس الشيخ عن غيّه. ولمّا يأت قدّيسنا إلى الحياة إلاّ بعد الصلوات الحارّة لنونّة ونذرها إيّاه لله حتى قبل أن يبصر النور. فلما أنجبته جعلت يديه كلتيهما على الإنجيل علامة تكريسها إيّاه لخدمة الله. وإلى غريغوريوس أنجب الزوجان الفاضلان بنتاً وصبياً، وكلاهما قديس: غرغونية، يعيّد لها في 23شباط، وقيصاريوس ويعيد له في 25شباط. وإذ تمتّعت العائلة برفعة الشأن وبحبوحة العيش تسنّى لغريغوريوس، إلى التقوى، أن يحصّل من العلم والثقافة القدر الوافر، مما يسّر له أن يؤدي لربّه شهادة مميّزة وخدمة مباركة من حيث تطويعه علوم عصره وسوق كل فكر إلى طاعة المسيح على حسب قول الرسول المصطفى: “هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح” (2كور5:10). ⁜ حلم الصبا
هذا وقد نقل غريغوريوس في وقت متأخر من حياته إنه حين كان فتى أتاه حلم انطبع في نفسه أن عذراوين جاءتا إليه مجلّلتين بالبياض، اسم إحداهما “طهارة”، واسم الثانية “عفة” وأخبرتاه إنهما ترافقان الرب يسوع على الدوام وكذا الذين يلتمسون الحياة السماوية. كما دعتاه إلى توحيد قلبه وروحه بهما حتى إذا ما امتلأ من بهاء البتولية قدّمتاه إلى نور الثالوث القدّوس. ⁜ تحصيله العلوم
بقي غريغوريوس في نزينزة إلى حدود الثالثة عشرة من العمر حصّل خلالها ما أمكنه من العلم والمعرفة. ثم انتقل إلى قيصرية الكبّادوك حيث التقى القدّيس باسيليوس الكبير الذي أضحى، فيما بعد، ربيب عمره وأليف نفسه. ثم ترك إلى قيصرية فلسطين فإلى الإسكندرية، إلى سن السابعة عشرة تقريباً، ومن هناك ارتحل إلى أثينا ليدرس البلاغة والشعر والأدب والفلسفة على أشهر معلّمي ذاك الزمان. أثينا كانت يومها أبرز مواطن العلوم والآداب قاطبة. هناك التقى غريغوريوس وباسيليوس من جديد ونمت الصداقة بينهما إلى أبعد الحدود. وقد تابعا الدراسة سويّة سنوات. ⁜ حادثة مصيرية
في الطريق من الإسكندرية إلى أثينا، وتحديداً في مياه جزيرة قبرص، تعرّض المركب الذي استقلّه غريغوريوس لمتاعب جمّة. ضربته العواصف واستبدّت به الأهواء وتلهّت به الرياح عشرين يوماً ويزيد. نفذ ماء الشرب ولاح شبح الموت ثقيلاً كل يوم. ارتعب غريغوريوس وارتجّت نفسه حتى العظم. السبب إنه لم يكن، إلى ذلك الوقت، قد اعتمد. المعمودية، يومذاك، كانت، تتأخر، أحياناً كثيرة، إلى سن الثلاثين، وهو العمر الذي اعتمد فيه السيّد في الأردن. وإذ خشي غريغوريوس أن يُقضى عليه من دون أن يعتمد ركع وصلّى بدموع وعاهد ربّه على خدمته ما حيي لو قُيّد له أن ينجو من هذا الخطر الجسيم. للحال استكانت العاصفة فسار المركب إلى رودس ومنها إلى أثينا بسلام. ⁜ الصديقان
جمع الصديقين في أثينا همّ واحد مشترك: محبّة الله ثم محبّة البلاغة والأدب والفلسفة. لذا اجتنبا معاً عشرة المعلّمين ذوي السيرة المتفلّتة واقتصرا على التعاطي مع ذوي الحرص والفضيلة. لم يكن لهما في التسليات البطّالة والمجون نصيب، ولا عرفا في إقامتهما سوى طريقين: ذاك الذي يفضي إلى الكنيسة وذاك الذي يؤدّي إلى المدرسة. نبذا الغنى وحسباه أشواكاً. اكتفيا من مخصّصاتهما بما يسدّ ضرورات الجسد والباقي درجا على توزيعه للفقراء. لم يكن للحسد مكان فيهما. الحب الخالص جعل كلا منهما يحسب كرامة صاحبه ومنفعته ككرامته ومنفعته هو. كل واحد كان لأخيه منخساً للصلاح، وكل واحد اقتدى بأخيه في إتمام الصوم والصلاة وكل فضيلة. ⁜ العودة
بقي غريغرريوس في أثينا إلى سن الثلاثين تقريباً (359م) ثم عاد إلى نزينزة. أول ما فعله أن اقتبل المعمودية من يد أبيه مكرِّساً نفسه بالكلّية لله. قال: “قد أعطيتُ كل ما هو لي ذاك الذي أعطاني إيّاه فأضحى هو لي كلّ ما أملك. كرّست له خيراتي واعتباري وصحّتي ولساني ومواهبي. والثمرة التي جنيتها من كل هذه الامتيازات هي الغبطة التي أشعر بها من جرّا اعتباري لها جميعاً كلا شي، من أجل المسيح”. من تلك اللحظة، وبتصميم لا هوادة فيه، مات غريغوريوس عن الطموحات العالمية والغنى والشهرة ومتع الحياة الدنيا. وحده الله أضحى له الكل ووحده اللاهوت أضحى المتعة. بات طعامه الخبز القاسي مع الملح والماء. أخذ ينام على الأرض ولا يلبس إلاّ الخشن والحقير. صار يعمل النهار بطوله ويصرف سحابة هامة من ليله في تمجيد الله والتأمل في الإلهيات. وإلى الغنى أعرض غريغوريوس عن الآداب العالمية، تلك التي أنفق الكثير من الوقت والجهد في تحصيلها. قدّم نفسه قرباناً لله، فيما هجر المؤلفات الكلاسيكية اليونانية وكُتب الشعر والبلاغة “طعماً للدود والعثّ” على حدّ تعبيره. باتت أعظم الكرامات العالمية لعينيه أحلاماً خاوية ينخدع بها الناس. لم يعد شيء، في نظره، يداني حياة الإنسان الذي مات عن نفسه وعن أمياله الحسيّة وصار يعيش كما لو كان خارج العالم، ولا حديث له يستهويه إلاّ إلى ربّه (الخطبة 29). اهتمّ، لبعض الوقت، بإدارة شؤون بيت أبيه، لكنه مرض مرّات بسبب نسكه المتشدّد وبكائه وقلّة خلوده إلى النوم. وإذ اعتاد في فتوّته القهقهة استعاض عنها الآن بالبكاء. لم يعد للغضب سلطان عليه وخلدت نفسه إلى الهدوء. سخاؤه في العطاء للفقير جعله خلواً من خيرات الأرض كأفقر الناس، فيما استحال بيته وأرضه إلى ما يشبه الميناء للمسافرين في البحر. حبّه للخلوة والصمت كان كبيراً. وكان يرثي للمبالغات المتأتية من إقبال الناس على كثرة الكلام، وللّهف الشقي الذي يستبدّ بالناس لأن يصبحوا معلّمين لغيرهم. ⁜ منسك مشترك
لم تدم إقامة غريغوريوس في نزينزة طويلاً. كان يتوق إلى حياة التوحّد. في تلك الأثناء كانت بين الصديقين، باسيليوس وغريغوريوس، مراسلات. فلما عرض باسيليوس تأسيس منسك لاقى عرضه صدى طيّباً في نفس صديقه. لكن، وببراءة أخّاذة، اختلف الرأي في أي مكان يكون الأوفق. اقترح غريغوريوس أن يكونا في تيبيرينة على نهر أرينزة، وهي من ممتلكات أبيه، فيما تمسّك باسيليوس بإيبوره مقابل مختلى والدته في أنّيسي، وهي أيضاً من ممتلكات عائلته. كل شدّ الحبل إلى صدره. عن تيبيرينة قال باسيليوس إنها موحلة، قذرة ولا شيء فيها يُشتهى. وعن إيبوره التي لم يكن غريغوريوس قد شاهدها بعد ولكن كانت له فكرة عنها، قال إن جبالها شديدة الانحدار والوعورة، مشوكة، ولا زهور فيها. الهواء فيها مقطوع والشمس بالكاد تنفذ إليها لأن الصخور هناك أدنى إلى الستائر الثقيلة، والمرء بحاجة لأن يكون بهلواناً ليصل إلى المكان، فيما النهر يزأر زئيراً وفيه حجارة أكثر مما فيه سمك ويضرب الصخور ضرباً يصمّ الآذان. رغم ذلك كله ربح باسيليوس الجولة. فلما زار غريغوريوس المكان راق له مع إنه لم يشأ أن يقرّ لصديقه بجمالية الموضع. والحق إن الموضوع كان أبعد من موضوع مكان. غريغوريوس كان متعلقاً بباسيليوس. فعن أيام أثينا قال: “في أثينا بحثت عن البلاغة فوجدت السعادة لأني وجدت باسيليوس”! كما كتب إليه مرة يقول له: “أنت نفَسي أكثر من الهواء وعلى قدر ما أكون برفقتك أشعر بالحياة”. في إيبوره، أقام غريغوريوس قرابة السنتين. سهر وصام وصلّى ودرس الكتب المقدّسة ورنّم المزامير وعمل بيديه واشتغل وصديقه في جمع مختارات من كتابات أوريجنيس المعلّم أسمياها الفيلوكاليا وتساعدا في وضع قانون الحياة الرهبانية للشركة الناشئة. ثم قبل ميلاد العام 361م اضطر غريغوريوس للعودة إلى نزينزة. ⁜ كاهناً بالقوة
والد القدّيس غريغوريوس كان قد جاوز الثمانين وكان بحاجة إلى ابنه معيناً له في تدبير شؤون الرعية في نزينزة. لهذا السبب عاد قدّيسنا ليكون بجانب أبيه. لكن الأجواء في نزينزة كانت مشدودة لأن غريغوريوس الشيخ وقّع، من دون انتباه، بياناً توفيقياً لا يخلو من الآراء الآريوسية. نتيجة ذلك تصدّى له العديدون، لاسيما الرهبان، وأرادوا التخلّص منه. فلما وصل قدّيسنا أصلح الحال وهدّأ النفوس، فعاد السلام إلى نزينزة وأكبر المؤمنون عمل غريغوريوس إكباراً عظيماً. ثم في ميلاد العام 361 حدث ما شكّل لغريغوريوس صدمة. فجأة أمسكوه وحملوه إلى الكنيسة حملاً وألزموه أن يصير كاهناً. لم يكن بإمكانه لا أن يرفض ولا أن يهرب فسلّم أمره لله ورضخ للأمر الواقع الذي أسماه، فيما بعد، “عمل استبداد روحي”. لكنه لم يثبت أكثر من اثني عشر يوماً هرب بعدها إلى صديقه في إيبوره، فأقنعه صديقه بضرورة العودة فعاد صاغراً في عيد الفصح من السنة التالية 362م. وقد دافع عن نفسه في خطبة تعتبر من أجلّ ما قيل في الكهنوت ومنها استقى القدّيس يوحنا الذهبي الفم مقالته في الموضوع نفسه. كيف دافع غريغوريوس عن موقفه؟ تحدّث عن رفعة الكهنوت وواجباته ومخاطر الخدمة الكهنوتية. القداسة شرط الدنو من الهيكل والمثول أمام الله، سيّد الطهارة. ليس أقسى من أن يسوس المرء ضمائر الناس ويعالج أدواء النفوس. لا بد من الفضيلة والعلم للقيام بهذه الأعباء المقدّسة وتلبية حاجات المؤمنين ودحض المفاسد. فمن حق غريغوريوس أن يضطرب إزاء جسامة المسؤولية وأن يسعى إلى إعداد نفسه لخدمة الهيكل بالصلاة والنسك والتأمل. “لا بد للمرء أن ينقّي نفسه قبل أن ينقّي غيره، وأن يصبح حكيماً قبل أن يحمل الآخرين إلى الحكمة، وأن يصير نوراً قبل أن يعطي النور، وأن يدنو من الله قبل أن يحملهم إليه وأن يتقدّس قبل أن يقدّس الآخرين، وأن تكون له يدان قبل أن يقود الآخرين باليد وأن تكون له حكمة قبل أن يتكلم بحكمة”. وقد أفصح غريغوريوس أن شعوره بعدم الاستحقاق هو السبب الأول لفراره وإنه إذ يعود ليقبل الكهنوت، لا يعود لشعوره بأنه بات مستحقاً بل لاشتياقه إلى شعب نزينزة ولوالديه المسنّين ولأنه لا يجوز أن يقاوم أحد دعوة الله له. فها قد عاد كيونان راجياً أن تشدّده الطاعة وتزوِّده بالنعمة اللازمة لإتمام خدمته. بقي غريغوريوس في نزينزة ما يقرب من السنوات العشر يعمل بصمت مكتفياً بممارسة نسكه على طريقته. ⁜ أسقفاً رغماً عنه
سنة370م أضحى باسيليوس رئيس أساقفة على قيصرية الكبّادوك. أحد الذين لعبوا دوراً بارزاً في حمله إلى سدّة رئاسة الكهنوت كان غريغوريوس الشيخ. أما قدّيسنا فعمل من بعيد وسعى لأن يبقى خارج صورة الاحتفالات وتحرّكات أنصار باسيليوس. خلوته من ناحية وحرصه على الابتعاد عن الأضواء من ناحية أخرى أبقياه بعيداً عن باسيليوس. عرض عليه صديقه بعد حين أن يكون متقدّماً في كهنة قيصرية فرفض العرض. ومرّت أشهر فإذا بمشكلة كأداء تطرأ. فالنس، الإمبراطور ذو الأميال الآريوسية، أراد إضعاف سلطة باسيليوس وإيهان شأنه، فأصدر مرسوماً قضى بتقسيم ولاية الكبّادوك إلى مقاطعتين، الأولى عاصمتها قيصرية والثانية عاصمتها تيانا. وحيث إن التقسيم الكنسي كان يتبع التقسيم الإداري المدني، فقد خسر باسيليوس أكثر من نصف أبرشيته. وحتى لا تضعف سلطته في مواجهة فالنس ورئيس أساقفة الأبرشية الجديدة أنثيموس، فقد سعى، وبسرعة، إلى تحويل عدد من القرى المغمورة إلى أسقفيات جعل عليها أساقفة من أنصاره. أحد الذين شملتهم التدابير الجديدة كان غريغوريوس. أراده باسيليوس على زاسيما المتاخمة لحدود أبرشية تيانا. زاسيما كانت محطة للخيل على ملتقى ثلاث طرق، وصفها غريغوريوس بأنها مكان صغير كريه لا ماء فيه ولا عشب ولا شيء من معالم الحضارة. وأضاف: لا يوجد هنا غير الغبار والضجيج والصراخ والأنين والموظفين الأشقياء والسلاسل وأدوات التعذيب، والسكان جلّهم من التجار المسافرين والغرباء. لم يشأ غريغوريوس أول الأمر أن يستجيب. شعر بأن صديقه خانه واختار للأسقفية الجديدة أشقى موضع في الأرض. الصداقة بين الرجلين كانت على المحك. أخيراً، وكالعادة، لم يكن أمام غريغوريوس إلاّ الرضوخ فسيم أسقفاً على زاسيما في نزينزة. كان ذلك سنة 372م. في المقابل رأى غريغوريوس نفسه أنه كالعظم يلقى للكلاب. وقد عزم على التوجّه إلى زاسيما والبقاء فيها طالما كان ذلك نافعاً. لكنه لما ذهب إلى هناك، والبعض يقول إنه لم يذهب إليها البتّة، أدرك أنه لا شيء يُرتجى من إقامته فيها فعاد أدراجه إلى نزينزة، مساعداً لأبيه. كانت زاسيما على بعد أربعة وعشرين ميلاً من نزينزة. مذ ذاك أصاب علاقته بباسيليوس الفتور. ⁜ سلسلة نكبات
بقي غريغوريوس في نزينزة إلى حوالي العام 375م، حلّت به خلالها محن قاسية، لاسيما لرهافة حسّه. أبوه وأمه وأخوه وأخته كلّّهم رقدوا في غضون سنوات قليلة، فيما مرض هو وقرب من الموت. كما حلّت النكبات الطبيعية بنزينزة، الطاعون أصاب البقر والبرد خرّب المحاصيل. الفلاّحون تضايقوا وعمّال الضرائب ضغطوا فكانت شبه ثورة أخمدها العسكر وخلّفت مآس وضيقات. انحطّت نزينزة كمدينة وهدّد الحاكم بهدمها بالكامل. أجواء القلق والخوف سيطرت. غريغوريوس وعظ وشدّد كما فعل الذهبي الفم حين ساد الخوف أنطاكية إثر تحطيم التماثيل الملكية. هنا أيضاً لم ينفّذ الحاكم تهديده، لكن النفوس أقامت مشوّشة مضطربة متضايقة سنوات. وكما ضغطت الأحداث على غريغوريوس من الخارج، ضغطت عليه أحزانه من الداخل، فلم يجد لنفسه مهرباً إلاّ الخلوة والهدوء، فغادر إلى سلفكية إيصفرية حيث بقي ما يقرب من السنوات الأربع كما لو كان في مقبرة منعزلاً عن العالم. وكان يمكن لغريغوريوس أن ينهي حياته في سلفكية على هذا المنوال. لكن كان لربه في شأنه تدبير آخر. سنة 378م قُتل الإمبراطور الآريوسي فالنس ولاحت في سماء الكنيسة تباشير فجر جديد. وسنة 379م رقد في الرب عمود الأرثوذكسية، في ذلك الزمان، القديس باسيليوس الكبير. كلا الحدثين حملا غريغوريوس على العودة إلى أرينزة. لما وصله خبر وفاة باسيليوس انصدم ومرض. كتب لصديق له يدعى أفدوكسيوس يقول: “تسأل عن حالي فأخبرك. أنا كأس تفيض مرارة. خسرت باسيليوس. خسرت قيصاريوس الذي كان أخي في الجسد وأخي في الروح. صحتي ضعيفة. الشيخوخة تحوم حولي وتكدّني الهموم. أصدقائي لا أمانة فيهم والكنيسة بلا رعاة. كل الكرامة بادت. الإثم يربض سافراً أمام العيون. نسافر في الظلمة ولا منارة بعد. المسيح راقد! ماذا سيحدث لنا؟ لست أتطلّع إلى النياح من هذه النكبات إلا بالموت. وإذا كان لي أن أحكم باعتبار ما هو قائم هنا فإني أرتعد من الآتي بعد القبر!” ⁜ أسقفاً للقسطنطينية
إثر وفاة فالنس الإمبراطور تلحلح الرضع الكنسي وتنفّس الفريق الأرثوذكسي الصعداء. الأرثوذكس في القسطنطينية كانوا قلّة مبعثرة. مائة كنيسة في المدينة كانت في يد الآريوسيين. ولا واحدة كانت للأرثوذكس. لقد أقامت المدينة في السبي الآريوسي أربعين سنة كاملة. والآن بعد أن أطلّ فجر جديد جالت العيون في من تُرى يجمع شمل الرعية المتبدّدة ويشدّ أزرها. وكان غريغوريوس الخيار فاستجاب بعزم وحميّة لم يعهدهما أحد فيه من قبل. كيف لا والقضية قضية الثالوث القدّوس! الأمانة والغيرة أخرجاه مرارة نفسه إلى حلاوات النور، ومن الانكفاء إلى طليعة خراف المسيح. فجأة وُجد في القسطنطينية. لا نعرف كيف ولا الظروف. كان قد صلع وانحنى وارتسمت على محيّاه معالم النسك واحتفرت في وجهه مجاري الدموع. كان فقير الثوب، فقير الروح، لا هيأة له ولا جمال. لكن روح الرب كان فيه قوياً أخّاذاً والكلمة في فمه خلاّبة. لم يجد غريغوريوس في القسطنطينية كنيسة واحدة يلتقي فيها المؤمنين أحد أقربائه فتح له داره فحوّل أحدى القاعات فيها كنيسة “دعيت “كنيسة القيامة”. في هذا المكان بالذات، فيما يبدو، تفوّه قدّيسنا بخطبه اللاهوتية الخمسة الشهيرة، تلك التي أهّلته للقب اللاهوتي”. لم يكن أحد، إلى ذلك الزمان، قد لُقب بـ “اللاهوتي” إلاّ القدّيس يوحنا كاتب الإنجيل الرابع. وغيّرت مواعظه الموازين. انقلب الشعب إليه وانقلب الهراطقة عليه. الآريوسيون والأبوليناريون سعوا جهدهم للتخلّص منه. ألقوا عليه الحجارة. حاولوا تدنيس مقامه. رهبان هراطقة ونساء مولولات كمنوا له وهاجموه بالعصي وجمر النار. لكنه صمد وثبت. حقّق في أقل من سنتين ما لم يحقّقه في مجمل حياته إلى ذلك الحين. ولما أقام مشبوهون رجلاً يعكّر عليه ويغتصب القسطنطينية من يديه، اسمه مكسيموس الكلبي سيم أسقفاً على المدينة زوراً، ودّ غريغوريوس لو يعود إلى خلوته وهدوئه فطالعه الشعب المؤمن قائلاً: إذا غادرتنا غادرت الثالوث القدّوس فبقي ولم يتزحزح! الثالوث كما قال كان غاية القصد والنيّة والزينة. أخيراً في 24كانون الأول سنة 380م دخل ثيودوسيوس المدينة قيصراً. وإذ كان أرثوذكسياً، طرد الآريوسيين وأسقفهم ديموفيلوس من القسطنطينية في أيام. أخيراً سادت الأرثوذكسية ولم تقم للآريوسية من بعد قائمة. بعد يومين رافق ثيودوسيوس غريغوريوس إلى كنيسة آجيا صوفيا، فيما ارتفعت أصوات المؤمنين، عشرة آلاف، تنادي: غريغوريوس أسقفاً! ثيودوسيوس بارك. لكن الأمر كان بحاجة إلى مجمع قانوني يصدّق. في أيار 381م التأم مجمع عام في القسطنطينية برئاسة ملاتيوس الأنطاكي صادق على التعيين. ولكن في غضون أيام تغيّرت المعطيات من جديد. ⁜ غريغوريوس ينسحب
ما إن جرى افتتاح المجمع المسكوني الثاني حتى رقد رئيسه ملاتيوس بالرب فاختير غريغوريوس رئيساً محلّه. كان على المجمع أن يعالج موضوع خلافة ملاتيوس على أنطا كية. وكان هناك حزبان أنطاكيان: حزب ملاتيوس وحزب بولينوس. غريغوريوس دعا إلى القبول ببولينوس أسقفاً بعدما رقد ملاتيوس.لم يرق العرض للعديدين من أساقفة الشرق. اضطرب حبل الوفاق. وصل أساقفة الإسكندرية ومقدونية بعد أيام. دخلوا في الصراع. لم يتمكّن غريغوريوس من ضبط الأمور. شبّه الأساقفة بسرب من القوق الهاذر وبعاصف من الدبابير اللاسعة. حلّت الخيبة بغريغوريوس كبيرة. لم تعد المشكلة مع الهراطقة بل بين أفراد الأسرة الواحدة. الحسد وحب السلطة بانا أشد خطراً على الكنيسة وإيلاماً من الهرطقات. وارتفعت الأصوات، لاسيما من جماعة الإسكندرية ومقدونية، إن أسقفية غريغوريوس على القسطنطينية مخالفة للقوانين لأنه سيم على زاسيما. غريغوريوس بان مستهدفاً وكأن القوم أرادوه كبش محرقة. لم ترق رفعته لكثيرين، لاسيما لهذا المظهر الفقير الحقير الذي كان عليه. رئيس الأساقفة يعامل في نظرهم كالملوك ويسلُك كالملوك وله عزّ وجاه. لا يليق أن يكون على كرسي العاصمة رجل مريض، أصلع، رثّ الثياب كهذا الرجل لذا تحوّل الموضوع فجأة من موضوع معالجة قضية الكرسي الإنطاكي إلى معالجة قضية الكرسي القسطنطيني. وقد دفع الحسّاد أحد الرجال إلى محاولة قتل غريغوريوس، فلما كان على وشك تنفيذ جريمته انهار واعترف تائباً. لم يدافع غريغوريوس عن نفسه وعن مركزه. نفسه توّاقة، في كل حال، إلى الخلوة والهدوء ولا يجد سلاماً لنفسه في فوهة وكر الدبابير هذا. لذا اعتبر أنها بركة من عند الله أن يُعفى من مهامه ولو استقرت المرارة في نفسه على رتاتة نفوس من استودعوا أمانة رعاية خراف المسيح. فعرض التنحّي والمغادرة واستجيب طلبه. ⁜ خطبة الوادع
ألقى القدّيس غريغرريوس خطبة وداعية طويلة. دونك بعض ما جاء فيها نسوقه تعبيراً عما كان يجول في نفسه وعما كان عليه الواقع آنذاك: “… إن هذا الحقل كان وقتاً ما قليلاً وفقيراً… هذا الشعب أصبح عديدا بعد أن كان زهيداً، ومجموعاً بعد أن كان متبدّداً، ونشيطاً بعد أن كان خاملاً وهو محسود الآن بعد حال يرثى لها… أيها الرعاة الزملاء الأحباء! ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله، بهم أتحفكم… أمام الملائكة والبشر… لتعرفوا أننا فقراء ونغني كثيرين… إذا كان عملي يستحق المديح فشكراً لله… ما طمعت في شيء من هذا الشعب… ولا أحزنت الكنيسة في أمر ما… حفظت الكهنوت نقياً بغير دنس… إن كنت قد شُغِفتُ بالسلطة والمركز، أو بسمو العروش والكراسي… أو غرّني توطّؤ أعتاب الملوك فلأُحرَم من كل مجد في الآخرة… فإذا كانت لي غاية من خدمتي، وإذا كان لي حق في المكافأة على أتعابي فكافئوني مشكورين جداً بإعفائي وإراحتي من تعبي الطويل… أكرموا غربتي ورحيلي. نصِّبوا غيري في مكاني. نصّبوا من عنده الاستعداد لأن يُضطهد من أجلكم ويداه طاهرتان وكلامه متزن… أما أنا فعاينوا جسدي ووفاضي وما أنا فيه من الوهن والضعف والانحلال… أعييت وتعبت مقاوماً كلام الحسّاد الأعداء والأخصّاء. فبعضهم يقرع الصدر ويصرف الأسنان، وهو أقلّ خطراً لأن اتقاء العدو الظاهر غير عسير. وأما العدو غير الظاهر فأضرّ وأفتك… الشرق والغرب انقسما جهتين متعارضتين… محبة الخصام تقذف بنا على التوالي من حال إلى حال… اليوم نتحزّب ونتعصّب لهذه الجهة حسب تلقين زعمائنا، وغداً تهبّ ريح معارضة فتبدّل الأهواء والاتجاهات… كم من مسيء إلينا محسوب علينا؟!… أية مصائب لم نكابد… على يد الآريوسيين… ألم نشهد الإهانات والتهديدات والطرد… وإحراق الكهنة على البحر… ألم نرّ الهياكل ملطّخة بدم القدّيسين، وبعضها تحوّل إلى مقابر… ألم نرى الجمهور يذبح الكهنة والأساقفة… ألم يكن التجوّل ممنوعاً على الأرثوذكسيين وحدهم… ألم نُطرد من الكنائس… ونلاحق حتى في البراري… وماذا كان بعد ذلك؟ صرنا أقوياء والظالمون انهزموا! لكن الحسد ضدّنا ظهر أفظع من هذا وأنفذ والكنيسة تضطرب من الداخل. فإذا كنت أنا يونان المسبّب هيجان البحر والعاصفة والمهدِّد بخطر الغرق فاطرحوني في قلب اليم ونجّوا السفينة من الغرق وأعيدوا السكينة والراحة إلى الكنيسة… ربما أُلام أن ليس عندي مائدة غنيّة بالمآكل ولا ثياب لائقة بالرتبة ولا أبّهة الظهور ولا عظمة الوجاهة والتصرّف. لم أكن أعلم إنه يلزمني أن أعاشر القناصل والولاة… وكل أولئك الذين لا يدرون أين يبذّرون غناهم. لم أعلم إنه كان ينبغي لي أن أعيش الترف من مقتنى المساكين وأتخم معدتي بالمآكل. لم أعلم إنه يجب أن أركب العربات المذهّبة تجرّها الجياد المطهّمة، وأن أُلاقى واُستقبل بخضوع وخنوع… فإذا كنتم قد استثقلتم شيئاً من هذا… فنصّبوا عليكم آخر يرضى الشعب عنه. أما أنا فأعيدوا لي حرّيتي وبرّيتي وربّي… الوداع أيها الشرق والغرب… حبذا لو اقتفى أثري وابتعد ابتعادي ولو قليل من الرؤساء… المبتعدون عن الكراسي لهم الله وما يعد به من عروش عالية أعلى بكثير من عروش العالم وأسلم من الخطر… أيها الأبناء تمسكوا بالعادات الشريفة والتقاليد التي تسلمناها. نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين. ⁜ أيامه الأخيرة
سنوات قدّيسنا الأخيرة من حياته قضاها في أرينزة يكتب الرسائل والشعر ويدافع عن الإيمان من وقت لآخر، ويتابع، بأمانة، الصلاة والممارسات النسكية قدر طاقته. كان أحياناً يغور في أحد الكهوف ينام على المسوح ويصادق الحيوانات. وقد أوصى بكل ما بقي له للفقراء. أما وفاته فكانت في السنة 389 أو 390م عن عمر ناهز الستين. ⁜ كيف كانت هيأته؟
كان حيوياً قصير القامة، أصلع، ذا لحية ورموش حمراء، متجعّداً، يعاني من الأوجاع بصورة شبه متواصلة، مضنى من الأسهار والأصوام، فقيراً، رثّ الثياب. يتكلّم بعفوية. قاطعاً في كلامه. لا يخشى أحداً. ساخراً بشكل غير منضبط. هو الوحيد الذي كان يسخر من باسيليوس أحياناً. وكان حاد الطبع متجهّم الوجه لا تسرّه صحبة أكثر الناس. يميل إلى الابتعاد عن العالم بشكل حاد. وكان شاحب الوجه، له ندب فوق عينه اليمنى. بقي يقرأ ويكتب طيلة أيامه. هو أول شاعر مسيحي بمعنى الكلمة وكان يكتب النثر ملائكياً. أحبّ الله أولاً، ثم البلاغة، ثم الناس، بهذا الترتيب. نُقلت رفاته، بعد قليل من موته، إلى القسطنطينية حيث بقيت إلى زمن الصليبيين الذين سرقوها إلى رومية سنة 1204م. وهي اليوم في الفاتيكان، في كنيسة القديس غريغوريوس التي صمّمها مايكل أنجلو.
” أنا محرر هذه السطور المطران مكاريوس ابن المرحوم عبد الله صدقة قد وجدت تاريخ مولدي بخط المرحوم والدي يوم الأحد في 12 نيسان سنة 1730 مسيحية وقد ترهبت في دير سيدة الناطور بمريسة ( برئاسة) الخوري صفرونيوس نهار الأحد الثاني من الصيام المقدس في 23 من شهر شباط سنة 1757 وأما اليوم السبت الثالث من الصوم بتاريخه تشرطنت شماس انجيلي ويوم الأحد من تاريخه تشرطنت قسيس بوضع يد الجزيل طهره كير برثانيوس مطران طرابلس في الدير المذكور، وأما في آخر شهر آذار سنة 1762 يوم أحد الشعانين بنعمة الله تعالى تشرطنت مطران على صور وصيدا في مدينة دمشق في هيكل سيدتنا والدة الاله بوضع يد الكلي الطوبى كيريوس كير سلبستروس البطريرك الأنطاكي صحبة كير اياروثاوس مطران صيدنايا وكير جراسيموس مطران حمص وفي أحد السامرية في 18 شهر أيار سنة 1774 تنزلت عن ابرشية صور وصيدا وانتقلت لأبرشية بيروت.” ثم أخيراً قد انتقل المطوب الذكر مكاريوس مطران بيروت الى رحمة الله تعالى يوم الخميس في التاسع عشر من شهر آب سنة 1798 وذلك في قرية المحيدثة سنة مجيء الفرنساوية (الفرنسيين) (2) على عكا ودُفن في دير مار الياس المصاقب ( المصادف – الواقع) بقرية المذكورة (بالقرية المذكورة).
دير مار الياس شويا البطريركي حيث دفن المطران صدقة
نيَّح الله نفسه مع الأبرار والصديقين آمين.
(ملاحظة: نشرناه باسمنا في النشرة البطريركية لسان حال بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بدمشق العدد4 نيسان 1993)
الحواشي
1- الوثائق البطريركية: وثيقة تحتوي على ماورد اعلاه بالحرف وقد وردت في كتاب “عظات مخطوط” بمساعي المطران ذاته مترجماً من اللغة اليونانية سنة 1765 مسيحية وقد نقلها بالحرف الواحد جبران بشارة حبيب في 10 آب سنة 1973 مسيحية كما ورد في ختام الوثيقة اضافة الى أنها نسخة طبق الأصل موقعة من مختار المحيدثة طانيوس خليل الحداد في عهد رئاسة الارشمندريت الياس الخوري نجم على الدير في 27 آذار سنة 1960.
2- حملة نابليون بونابرت على مصر وبلاد الشام 1798-1801.
هو احد الاديرة التابعة لغبطة بطريرك انطاكية وسائر المشرق وهي الاديار التالية
في لبنان
1- ديرسيدة البلمند في لبنان الشمالي للرهبان مع جامعة البلمند وكلية اللاهوت باسم القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتية.
2- دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير للرهبان.
في سورية
1- دير سيدة صيدنايا البطريركي في صيدنايا بريف دمشق وهو للراهبات.
2- دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي في وادي النصارى سورية وهو للرهبان.
3- ديرالقديسة تقلا البطريركي في معلولا بريف دمشق وهو للراهبات.
4- دير القديس جاورجيوس البطريركي في صيدنايا وهو للرهبان.
5- دير الشيروبيم في قمة الشيروبيم في صيدنايا الرهباني.
كلا الديرين الاخيرين تخدمهما رهبنة واحدة هي رهبنة القديس جاورجيوس للرهبان.
6- دير القديس خريستوفورس البطريركي في سهل معرة صيدنايا وهو مقر للمؤتمرات.
شعار الكرسي الانطاكي المقدس
7- دير رؤية القديس بولس البطريركي في سهل كوكب بريف دمشق الجنوبي للرهبان.
اضافة الى دير النبي الياس البطريركي في دمشق / الطبالة وهو مخصص نزل للطالبات
دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير
نشوء وتاريخ الدير
تتضارب محاولات التأريخ لبدايات هذا الصرح الديني الهام تبعاً للروايات التي ساقها مؤرخو التاريخ الحديث، فمنهم من جعل تاريخ نشوئه في أواخر القرن السادس عشر، ومنهم من جعله في بدايات القرن السابع عشر، وكل تلك الروايات منقول من الأدب الشعبي أو من تحليل غير مستند إلى شواهد مؤكدة. ولكن في الدير ما يثبت انه يعود إلى القرون المسيحية الأولى وان حركة الترهب والتماس وجه السيد المبارك بقيت تمارس على هذه التلة على الرغم من فقدان الكثير من المخطوطات والشواهد بفعل عوامل الزمن والإهمال والعبث والحروب التي طاولت المنطقة وندرة المراجع الموثقة.
وأقدم لوحة تؤرخ لمرحلةٍ من مراحل وجود الدير هي اللوحة الحجرية البيضاء المثبتة فوق باب الكنيسة الشمالي(وهو المحل القديم للكنيسة)، تحت قبة الجرس، والتي تشير إلى نيسان 1550.
وأقدم مخطوطة تذكر اسم الكاهن الذي خدم في الدير بدايات التاريخ الحديث، هو الخوري بطرس بن الحاج يوحنا بن المعلوف، تعود إلى 23 تشرين الثاني 1524.ش
وأقدم شاهد على الإطلاق يثبت أن الدير كان في البدء ، قبل أن يكون حوله أي بتاء أو قرية وانه ضارب في التاريخ، وهو الكنيسة القديمة في الدير الموجودة في الطابق السفلي الذي استحدث له مدخل في سنة 1992، مع الصوامع الست المعقودة المتصلة بها من جهة الغرب . فالكنيسة ذات رواقين متوازنين متصلين في ما بينها بقنطرتين ، وسقفهما نصف اسطواني، واتجاههما صوب الشرق وهذا الشكل المعماري من الكنائس كان موجودا في هذا الشرق (وفي لبنان خصوصاً) منذ القرنين الخامس والسادس، ثم عاد فازدهر في حوض البحر الأبيض المتوسط خلال غزوات الفرنجة “الغزوات الصليبية” (القرنين الثاني عشر والثالث عشر).
محطات تاريخية من حياة الدير
سنة 1612
أنشأ الراهب الياس مطر الجميّل دير مار الياس للموارنة على قطعة أرض مجاورة للدير الأرثوذكسي، ومع مرور الزمن صار تابعاً للرهبنة الحلبية المارونية.
بين عامي 1724 و1749
بسبب انشقاق الروم الكاثوليك تقلبت ملكية الدير بين الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك إلى أن استرجعه نهائياً أهالي المحيدثة الأرثوذكس في سنة 1749، فتسلمه البطريرك سلفستروس القبرصي وهو اول البطاركة اليونان وتسلم الدفة البطريركية وقت نشوء الروم الكاثوليك وبطريركهم كيرلس طاناس عام 1724 .
في ليل 18 تشرين الأول 1759
ضرب البلاد زلال قوي فهدمت كنيسة الدير وقلاليه العليا. ولم تسلم إلا الأقلية السفلية.
في 4 نيسان 1760
ألقى رئيس الدير الاشمندريت صفرونيوس (صيقلي) إعادة بناء الدير والكنيسة بمساعدة أحد أعيان بيروت، أبو عسكر يونس نقولا الجبيلي ، في عهد المطران يوانيكيوس مطران بيروت ولبنان. واللوحة المثبتة فوق المدخل الغربي للكنيسة (المدخل الجديد الحالي) تؤرخ لعملية إعادة البناء هذه.
في أواخر القرن الثامن عشر، وطوال القرن التاسع عشر
دير النبي الياس شويا البطريركي
ازدهر الدير ازدهارا ملحوظاً، فبات يستقطب الودائع من تجار الروم الأرثوذكس الأثرياء في بيروت والبقاع، ويمنح القروض لملاكي الأراضي في المنطقة ولمتعهديها. فاستطاع أن يوسّع أوقافه من خلال استملاك الكثير من الأراضي في منطقتي أبو ميزان وقنّابة برمانا. وبات أيضا مركزاً معروفاً لإنتاج الحرير.
في 19 آب 1798
رقد المثلث الرحمات مكاريوس (صدقة) مطران بيروت ولبنان في مسقط رأسه المحيدثة، فَحُمِلَ على الأكف إلى الدير حيث دُفن. ولا يزال جثمانه غير متحلل. وهو محفوظ في الصومعة الأولى الملاصقة للكنيسة القديمة في الطابق السفلي.
سنة 1841 اضاف البطريرك سنوديوس الى مبنى الدير صوامع عدّة في عهد رئيس الدير النشيط الاشمندريت اليوناني مكاريوس ، وكان الدير حينها يضم ثمانية رهبان وثمانية خدّام. واستمر بناء الصوامع الجديدة حتى أواخر ذلك القرن.
جثمان مطران بيروت مكاريوس صدقة
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
بينت في الدير على مستوى الطابق السفلي القديم مدرسة لتثقيف الناشئة، علّم فيها معلمين مشهورين. ثم أنشأ الدير لاحقا مدرستين ابتدائيتين في أبو ميزان وقنّابة برمانا لتعليم أطفال متعهدي الأرض في القريتين.
ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر
ظهر في الدير أثر روسي لافت، فقد بات القناصل الروس يقدمون المنح لمدرسة الدير، وأقام فيه لفترات متفاوتة مستشرقون ورحّالة ودبلوماسيون روس، أمثال بارسكي وباسيلي وكريمسكي وكرشكوفسكي.
في بداية القرن العشرين
أُنجز حفر ايقونسطاس الكنيسة من خشب الجوز بيد النحات بتابوت قسطنطين بيرتيس ويتميز هذا الايقونسطاس بالنقوش المحفورة عليه، فمنها مشاهدي تروي إحداثا كتابية كالبشارة والميلاد والمجيء الثاني للمسيح الدّيان. وملائكة يبّوقون ، والنبي إيليا وهو يقتل كهنة البعل، والغراب الذي كان يأتيه بالخبز، وقطع رأس النبي يوحنا المعمدان ، والإنجيليين، وهامتي الرسل بطرس وبولس، ومنها مشاهد من الحياة الكنسية والرهبانية كالنسر الذي له رأسان (شعار إمبراطورية الروم) ورئيس الدير، وكاهن يحمل الكأس المقدسة، وشماس بثياب الخدمة فضلاً عن أشكال زخرفيه ونباتات (كالكرمة والعنب) وحيوانات.
سنة 1910
عند عودة البطريرك غريغوريوس الرابع (حداد) من روسيا، قَدِمَ إلى الدير رهبان روس، ومكثوا فيه خمس سنوات، حتى 1915. وقد تركوا في الدير لمسات بيّنة خصوصاً من خلال تشييدهم المبنى القائم إلى يمين مدخل الدير، والمؤلف من أربعة طوابق، يضمّ كل طابق علوي ثلاث غرف والطابق الأرضي مقسّم إلى إسطبلات وأقبية.
وقد استحدث الرهبان الروس في هذا المبنى مدافىء في جدران غرفة تشتعل بواسطة مواقد صغيرة تعمل على الحطب. كما استحدثوا نظام ريّ يعمل يدوياً: فتدفق المياه إلى الحدائق والبساتين تنظمه شبكة من الحبال يمكن التحكم بها من الدير.
سنة 1996
أنهى رئيس الدير السابق، مثلث الرحمات الأسقف الياس (نجم)، ترميم الدير بعد تضرره من جرّاء الإحداث اللبنانية.
في آب 1996
أفتتح الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى فرعاً له في الجناح الذي كان مدرسة.
كلمة الميتروبوليت كاليستوس وير في مؤتمر اتحاد اللاهوتيين الأرثوذكس العالمي IOTA في ياش، رومانيا، 9-12 كانون الثاني 2019
المجمعية
بالعودة الآن إلى المجمعية نرى للحال أن الطريق التي بحسبها يُرى المجمع الكنسي هي حدث إفخارستي. اهتمت معظم المجامع باستعادة الشركة الإفخارستية، عندما انقطعت، مع السؤال حول من يمكن أو لا يمكن أن يقتبل السر، ومعظمها (إن لم يكن كلها) اختتمت بليتورجيا مشتركة يشارك جميع الأعضاء فيها.
ما هو هدف أي مجمع؟ الحصول على ذهنية مشتركة بممارسة التمييز المشترك. ليس هذا الذهن المشترك مجرد مجموع إجمالي لقناعات المشاركين المتنوعة. عندما نجتمع في مجمع، نحن الخطأة، نصبح شيئا ما أكثر مما نحن إياه عندما نكون أفرادا منفصلين عن بعضنا بعضا. أما هذا “الشيء ما الأكثر” فهو بالضبط حضور المسيح ذاته الفعال في وسطنا بواسطة نعمة الروح القدس. كما وعد ربنا “حيثما يوجد اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم”(مت18/20), هذا التأكيد الرباني هو ما يعطي الشرعية لكل مجمع مستقيم. أليست الدلالة كامنة في أن المعزي (الروح القدس) نزل على التلاميذ الأوائل في أورشليم لا عندما صلى كل منهم منفصلا لوحده، بل عندما اجتمعوا سويا في مكان واحد (أع2/1)؟
قال المسيح اثنان أو ثلاثة. بالطبع يأتي المسيح إلينا عندما نكون لوحدنا، عندما نكون في الصمت اليقظ الذي نستكشفه في هيكل قلوبنا الداخلي ونكتشف هناك حضوره المقيم فينا. بالحقيقة، إن الوحدة (الهدوئية) solitude، لا الوحدة (الفردية) lowliness، وجه مكمل لحياتنا في المسيح. ومع ذلك، وعلى الرغم من القيمة الجوهرية التي تمتلكها الوحدة الهدوئية، إلا أن التضامن والجماعية – بكل ما تعنيه اللفظة الروسية ٍSobornost أكثر قيمة. فالكنيسة ليست خليط وجوه فردية مستقلة بذاتها، بل جسد بأعضاء مختلفة ومتكاتفة عضويا بعضها مع بعض.
لهذا يقول كل منا للآخر، في الكنيسة: “أنا أحتاجك لكي أكون ذاتي”. لهذا فإن أعضاء الكنيسة، في كل مستوى من مستويات الحياة الكنسية، وليس أقله في كل مجمع، لا يقولون “أنا” بل “نحن”، ولا يستخدمون “ياء المتكلم” بل “نون الجماعة”. كتب الرسل في المجمع الرسولي في أورشليم: “لقد حسن للروح القدس ولنا” (أع15/28). “نون الجماعة” هي الكلمة المجمعية الفاصلة (الحاسمة). إن ورود لفظة “نحن” أو “نون الجماعة” ثمان مرات وعدم ورود لفظة “أنا” أو “ياء المتكلم” مرة واحدة في الصلاة الربية التي سلمنا إياها الرب يسوع في (مت6/9-13)، لحقيقة ملفتة.
كذلك الأمر في الإفخارستيا – الفعل الذي يخلق الكنيسة-ففي استدعاء الروح القدس يقول الكاهن مخاطبا الله “نقدم لك هذه الذبيحة غير الدموية ونطلب ونتضرع ونسأل أن ترسل روحك القدوس علينا”. وباللغة ذاتها عندما أتلو صلاة يسوع التي تصاحبني منذ ستين سنة لا أقول :”أيها الرب يسوع المسيح، ابن الله ، ارحمني” بل “ارحمنا”. غني عن القول أن صيغة صلاة يسوع المعتادة “ارحمني” هي الصيغة القانونية لكن بالقول “ارحمنا” نؤكد على أن الخلاص، مع أنه شخصي، إلا إنه غير منفصل عن خلاص الإخوة.
دعونا لا ننسى أن المعنى الحرفي للفظة “سينودس” اليونانية مركبة من “سين” وتعني “سويا” و”أوذوس” وتعني “درب، رحلة”. فالسينودس أو المجمع هو مجموعة أشخاص ـ أساقفة مبدئيا – لكنه يتضمن كهنة وعلمانيين مشاركين ـ مجتمعين في حج مشترك، مسافرين سويا في رحلة على الدرب ذاته. فكرة الرحلة المشتركة تتضمن معنى حركة واكتشاف، تذكرنا بأن السينودس ليس ساكنا بل ديناميكيا، ليس تردادا بل كشفا. هتف المخلص القائم: “انظروا هاءنذا أصنع كل شيء جديدا” (رؤ21/5). في كل مجمع كنسي حق نختبر جدة الإيمان غير المتغير.
عندما نتأمل في المجمعية فلنتصورها بمصطلحات واسعة الأطر. فهي فيما تشير في الصورة الأولى إلى تواصل المجامع الفعلية، أكانت مسكونية أو محلية، إلا أنها تُفهم أيضا بنطاق أوسع باعتبارها خاصية ممتدة عبر الكنيسة على كل مستوى، في الأبرشية، في الرعية، وفي حياتنا الشخصية. اعتاد الأب جورج فلورفسكي على القول بالحاجة إلى امتلاك “ذهن آبائي”؛ على المنوال ذاته يمكننا القول بالحاجة إلى “ذهن مجمعي”.
تتضمن المجمعية ما اصطلح على تسميته “روحانية الزمالة”، “الانفتاح على الآخر” الرغبة بالإصغاء. لا تعني المجمعية لا مناجاة ذاتية (مونولوج) بل حوارا، لا اكتفاء ذاتيا بل تبادلا، لا نظرية الأنا بل نظرية الشركة.
اعتدنا نحن الأرثوذكس على التكلم مع أنفسنا باعتبارنا كنيسة مجمعية، كنيسة المجامع المسكونية السبعة، لكن علينا أن نعترف بتواضع وواقعية، أننا فيما نؤكد على المجمعية على الصعيد النظري غالبا ما نهملها كلنا على الصعيد العملي. علينا ألا ننسى وجود عدد من المجامع، من بعد زمن المجامع المسكونية، كمجمع أجيا صوفيا في 879-880 ومجامع القرن الرابع عشر البالاماسية في القسطنطينية (1341، 1347، 151) ومجامع القرن السابع عشر، ونذكر هنا مجمع “لافي، رومانيا، 1642) ومجمع أورشليم 1672 اللذين أكدا التعليم الأرثوذكسي المستقيم بخصوص الكنيسة والأسرار ومجمع القسطنطينية (1872) الذي أدان العرقية (للأسف لم يؤخذ بتعليمه في الانتشار الأرثوذكسي المعاصر)، ومؤخرا مجمع موسكو الكبير 1917-1918 الذي حضره كهنة وعلمانيون إلى جانب الأساقفة؛ كان هذا المجمع بطرائق كثيرة جذريا ومبتكرا كالمجمع الفاتيكاني الثاني إن لم نقل أكثر.
من دون أن نقلل من أهمية هذه المجامع وغيرها ألا يجب أن نقر بأن جميع الأرثوذكس غالبا ما يجدون، على الصعيد الفردي، صعوبة في السلوك بطريقة مجمعية؟ كم هي سنوات التحضير والتأجيل التي انقضت قبل انعقاد المجمع الكبير المقدس في كريت في العام 2016! في الكنيسة الكاثوليكية، أذاع البابا يوحنا الثالث والعشرون في 25كانون الأول 1959 الدعوة إلى مجمع “مسكوني” على مستوى القمة، واثار دهشة جميع الناس بدعوته هذا، لكن في أقل من أربع سنوات بدأ هذا المجمع أعماله في الحادي عشر من تشرين الأول 1962. أخشى ألا تكون الطريق التي تتم الأمور بحسبها هكذا في الكنيسة الأرثوذكسية… فمنذ زمن بعيد وتحديدا في العام 1902 أرسل البطريرك المسكوني يواكيم الثالث رسالة إلى كل الكنائس الأرثوذكسية يدعوها إلى تواصل وتعاون أكثر. تلقت الكنائس دعوته بإيجابية وقبول. فالكنيسة الروسية على الأخص، أجابت في العام 1903 تؤكد على أهمية “اجتماعات خاصة للأساقفة الأرثوذكسيين” يأتون من كل الكنائس البطريركية والمستقلة، لكي يتحاوروا وجها لوجه و”فما لفم” في قضايا مشتركة تهمهم.
هنا نجد البذار التي قادت مؤخرا إلى المجمع الكبير المقدس (2016) لكن انقضى زمن طويل قبل أن تثمر هذه البذور. في العام 1923 عقد البطريرك المسكوني ملاتيوس ميتاكساكيس الرابع ما أُريد منه أن يكون مؤتمرا أرثوذكسيا جامعا (Pan Orthodox) في القسطنطينية، لكن عددا من الكنائس الأرثوذكسية لم تحضره، أما القرارات التي صدرت عنه فأثبتت أنها تقسيمية بعمق، وبالأخص قرار تبني التقويم الجديد. بعد ذلك في العام 1930 التقت لجنة أرثوذكسية مشتركة في دير فاتوبيدي في جبل آثوس – لم تشترك فيه امرأة ـ وكانت مهمتها تحضير ما اصطلح على تسميته “ما قبل المجمع” الذي كان متوقعا منه أن يقود إلى مجمع أرثوذكسي تام. لكن ما حدث أن “ما قبل المجمع” لم يجتمع قط، وتاليا لم يتحقق المجمع الأرثوذكسي الموعود.
في العام 1965 أحيا البطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول فكرة المجمع الأرثوذكسي الكبير المقدس عندما عقد المؤتمر الأرثوذكسي الجامع الأول في رودس. هنا وضعت لائحة شاملة من المواضيع الممكنة. وتلته اجتماعات تحضيرية أكثر، عقدت كمؤتمرات أرثوذكسية جامعة Pan Orthodox متتالية في كل من رودس وشامبيزي. ومع ذلك فقد انقضى أكثر من نصف قرن حتى التأم المجمع الكبير المقدس أخيرا في كريت في 2016. هذا الإرجاء المتواصل للمجمع ما بين 1940- 1950 يستدعي صورة تشبيهية من واقع السفر جوا. فحالما انتظرنا في المدرج، استعاد المحرك نشاطه، وبدأت العنفات تدور وتدور، لكن بدا كما لو أن الطائرة لن تطير أبدا. نرى ضوء هذه الصورة الدلالة الأهم دلالة بخصوص مجمع كريت 2016، نراها في أن المجمع انعقد أخيرا، بعد زمن طويل.
لكن ما يحزن هو أن نتائج هذا المجمع الذي طال انتظاره تحولت إلى نوع من خيبة. كان أبعد من أن يكون مجمعا جامعا (pan Orthodox) فمن الكنائس الأربع عشر التي تؤلف الشركة الأرثوذكسية على مدى العالم، عشرة فقط الذين حضروا. فكنائس أنطاكية وجورجيا وبلغاريا وروسيا اختارت، لأسباب مختلفة، ألا تأتي. أما كنيسة OCA (الكنيسة الأرثوذكسية في أميركا) فلم تدعى. إن غياب الكنيسة الروسية كان مؤذيا بشكل خاص؛ كما كان مفاجئا لأنه حتى اللحظة الأخيرة كانت بطريركية موسكو طرفا شارك بفعالية وإيجابية في التحضيرات.
قبل لقاء مجمع كريت نظّر بعض المتكلمين الأرثوذكس بخصوص اعتباره مجمعا مسكونيا ثامنا أو لا. بالعودة إلى هذه الأحداث ما من أحد اليوم يأخذ بهذه الرؤية.
في الحقيقة، تبنى مجمع كريت منهجية مختلفة جدا عن منهجية المجامع المسكونية السبعة. ففي المجامع المسكونية ـ من حيث المبدأ ـ ربما ليس على الدوام من حيث التطبيق ـ يُدعى جميع الأساقفة؛ لأنهم كلهم مكرسون بالطريقة عينها، من وجهة النظر الأسرارية، وتاليا فجميعهم يتمتعون بعطايا النعمة عينها. أكثر من هذا، كل أسقف يصوت فرديا في المجامع المسكونية ويصدر القرار بالأغلبية، أما المعارضة فكانت، عادة، أقلية صغيرة جدا. في نيقية (325) انحصرت المعارضة في أسقفين – لكنها كانت موجودة على الأقل.
أما منهجية كريت فكانت مختلفة. لم يكن نَفَسَه الإلهامي أسراريا ومواهبيا بقدر ما كان إداريا وبيروقراطيا. فلم يدعى جميع الأساقفة إلى المجمع بل تم الاكتفاء ب 24 أسقفا من كل بطريركية أو كنيسة مستقلة. ولو أرسلت جميع الكنائس 24 أسقفا من طرفها لكان العدد 336 أسقفا في كريت؛ بينما في الواقع ما حضر أكثر من 150 أسقفا. بالطبع لا يوجد في كنائس قبرص وألبانيا وبولندا والأراضي التشيكية مع سلوفاكيا.
نقطة اختلاف أخرى أيضا بين كريت والمجامع المسكونية كمنت في أن الاتفاق تم مسبقا على أن لا تؤخذ القرارات بتصويت الأغلبية مثل المجامع المسكونية، بل بالإجماع. أنطلق من هذا الأمر لأقول بأن المعارضين قد يوجدوا في الوفود المؤلفة من 24 أسقف، إلا أن كل وفد اعتبر كتلة واحدة، وتاليا، كان جميع أعضائه ملزمون بالموافقة على القرارات بتصويت الإجماع. فمن هنا يمكن لمعارض واحد أن يشل العملية الإجرائية برمتها.
تبعا للقرار المأخوذ في مؤتمر بان أرثوذكس 1976 – أي بعد حوالى أربعين سنة – اختيرت ستة مواضيع للمناقشة في كريت، ومن كل الأوراق التمهيدية التي أُخضعت للمجمع:
رسالة الكنيسة الأرثوذكسية في العالم المعاصر. مساهمة الكنيسة الأرثوذكسية في تأسيس السلام والعدالة والحرية والأخوّة والمحبة بين الشعوب، وإلغاء التمييز الجنسي كافة أشكال التمييز.
الانتشار الأرثوذكسي.
الإدارة الذاتية في الكنيسة الأرثوذكسية وطريقة إعلانها.
سر الزواج وعوائقه.
أهمية الصوم والملاحظات حوله اليوم.
علاقات الكنيسة الأرثوذكسية مع باقي العالم الأرثوذكسي.
تقفز إلى الذهن مباشرة تعليقات عديدة. أولها أن هذه المواضيع كثيرة لتناقش بعمق قياسا بأيام المجمع المحدد والتي تقل عن عدد أيام الأسبوع. دام مجمع ترانت في الكنيسة الكاثوليكية ست عشرة سنة أما المجمع الفاتيكاني الثاني فامتد على مدى أربع سنوات، بدورات بلغ مجموعها سويا تسعة أشهر. كان التركيز ناقصا بشكل واضح في مجمع كريت، بسبب تنوع المواضيع المطروحة للبحث.
كل من المجامع المسكونية السبعة انعقد لمعالجة قضية عقائدية واحدة كانت قد سببت جدالا عنيفا خض العالم المسيحي. أما في حالة مجمع كريت فلم يكن من قضية واحدة للبحث ذات اهتمام متقد. أضرب مثالا، في نهاية قداس الأحد في أكسفورد حيث أسكن لم أجد نفسي محاطا برعية مهتاجة تهتف “لم نستطع أن نغفو يا سيدنا الليلة الماضية. نحن قلقون جدا على طريقة إعلان الإدارة الذاتية”!!
من الواضح أن المواضيع الستة ليست ذات أهمية متساوية. فالأول “في رسالة الكنيسة” موضوع عام إلى درجة مفرطة، ونتيجة لذلك، قال النص الذي تبناه المجمع قليلا مما هو مثار أو غير متوقع. بخصوص الموضوع الثالث، بالتأكيد، إن السؤال حول القضية المطروحة في العالم المعاصر الأرثوذكسي ليس إعلان الإدارة الذاتية بل إعلان الاستقلال. لكن هذا الأمر لم يوجد في البرنامج المقرر ولم يناقش. لا أستذكر شيئا قيل في مجمع كريت بخصوص كنيسة OCA، التي تعتبرها بطريركية موسكو مستقلة بينما لا تعتبرها بطريركية القسطنطينية كذلك، وهو أمر عالق منذ خمسين سنة تقريبا. وعلى قدم المساواة ما من شيء قيل حول الحالة المقلقة السائدة أوكرانيا، وإمكانية إنشاء كنيسة أوكرانية مستقلة. مرة أخرى، أسأل نفسي: أنحتاج، حقا، إلى مجمع كبير لنأخذ قرارات بخصوص الصوم؟ من المؤكد أن الأفضل أن يناقش الصوم محليا وشخصيا على مستوى رعائي، مع كاهن الرعية والأب الروحي.
موضوعان من الستة لهما أهمية رئيسة: الوضع القانوني لما يسمى كنائس الانتشار “diaspora” وعلاقات الكنيسة الأرثوذكسية مع العالم غير الأرثوذكسي. لكن الأوراق التحضيرية لهذين الموضوعين فشلت في الإمساك بقبضة محكمة بالمشاكل الواقعية المتضمنة. فبخصوص الانتشار لاحظت الأوراق التحضيرية فشل الحاصل في العالم الغربي بخصوص القاعدة القائلة بأسقف واحد للمكان الواحد. وهذا أمر ننوح عليه جميعا منذ أكثر من مئة سنة. أُوصي بحق بإنشاء مجالس أسقفية في كل منطقة من مناطق الانتشار، لكن هذا أمر تقرر في اجتماع بان أرثوذكس في 2009. من الناحية الأخرى الورقة التحضيرية والقرار الذي اعتمده مجمع كريت مؤخرا لم يقل شيئا جديدا.
عموما، يجب الإقرار بأن مواضيع الأوراق الست التمهيدية التي نوقشت في كريت كانت ذات روح محافظة نوعا ما، والتنقيح – الذي لم يكن مجهدا – الذي تبناه المجمع كان، في قسمه الأكبر، لصالح تقوية الطابع المحافِظ للوثائق.
أجندة كريت المحملة فوق الحد لم تقل شيئا بخصوص المشاكل المميتة المطروحة في الكنيسة الأرثوذكسية اليوم. وكما لوحظ مؤخرا لم تعتبر مستقلة “أوتوسيفالي”. لم يطرح موضوع التقويم. وهذا أمر حكيم، لأن المحتمل ألا يصير شيء بخصوصه لأن الكنائس التي تعتمد التقويم القديم، كروسيا، لن توافق على إدخال الجديد، وأي محاولة من هذا القبيل قد تقود إلى الانشقاق.
لم يقل المجمع شيئا بخصوص كيفية قبول المهتدين في الكنيسة الأرثوذكسية. ثمة تضارب محيِّر في الممارسة الحالية. فمنذ القرن الثامن عشر قبلت الكنيسة الروسية الكاثوليك بتقديم اعتراف إيمان ومنحهم الحل حتى دونما لزوم لمسحهم بالميرون أو حتى إعادة المعمودية (التي كانت ممارسة قبل القرن العشرين)، ولم تعد تمارس بعد استعادة منصب البطريركية في بدايات القرن العشرين). ومن الناحية الأخرى فإن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية خارج روسيا (ROCOR) والتي هي في شركة كاملة مع بطريركية موسكو منذ العام 2007، غالبا ما تعيد معمودية المهتدين، بمن فيهم الكاثوليك. توجد ممارسة مشابهة في مكان آخر في الكنيسة الأرثوذكسية؛ في الجبل المقدس آثوس. وحيث المعمودية تكون لازمة لم يُقل بأنها “شرطية”.
الآن يتضح أن هذا الأمر ليس قضية ممارسة إدارية بل يطرح نقطة عقائدية. ويتضمن السؤال: هل تملك الكنائس غير الأرثوذكسية السر القانوني الصالح الشرعية؟ ثمة من يقول في الكنيسة الأرثوذكسية، من الكنائس اليونانية والسلافية، بأن لا نعمة إلهية وتاليا لا أسرار شرعية خارج حدود الكنيسة الأرثوذكسية. يستندون في تدعيم رأيهم هذا على قرار اتخذه البطاركة الشرقيون (ما عدا أنطاكية) في العام 1755. وهذا بلا منازع الرأي الساري ضمن الأرثوذكسية. وثمة آخرون كالأب جورج فلورفسكي في مقالته المعروفة “حدود الكنيسة الأرثوذكسية”، المطبوع أولا في العام 1933، يحاجج بأن حدود الكنيسة المواهبية والقانونية ليست متتطابقة بالضبط. من ناحيتي أجد حقا أنه أمر لا يصدق أن يعتبر بابا روما لا مجرد علماني فقط بل وثني غير معمد. بالطبع الكثير يعتمد على ما هو المقصود بكلمة “شرعي أو قانوني”. كنت آمل أن يبطل مجمع كريت قرار 1755ويصدر مرسوما بأن كل المهتدين، المعمدين باسم الثالوث بالماء ، يجب ألا يقبلوا بإعادة معموديتهم ولا ببساطة اعتراف إيمان مع حل، بل بالميرون. بهذه الطريقة نحصل على ممارسة موحدة آمنة في كل الأرثوذكسية. لكن للأسف بقي مندوبو كريت، في هذا الأمر، بحسب كلمات مديح والدة الإله “حيارى كالسمك”. ولم يناقش هذا الأمر.
ثمة قضية أخرى تم تجاهلها في كريت، مع أنها موضوعا جدليا عنيفا في العالم الغربي غير الأرثوذكسي، وهو خدمة المرأة في الكنيسة والممارسة المدعوة “زواج المثليين”..
إذن، كيف نقيّم مجمع كريت؟ ماذا حصلنا فعليا بعد تحضير طويل الأمد؟ ربما من المفيد عدم اعتبار مجمع كريت حدثا منفصلا أو معزولا، أو حدثا تم مرة واحدة، بل بداية مسيرة مؤلفة من سلسلة من هذه اللقاءات. اقترح البطريرك الروماني دانيال، في كريت، أن يتم عقد مجمع كبير مقدس كل سبع سنوات، وعرض استضافته في المرة القادمة من قبل كنيسة رومانيا. هذا يستدعي أخيرا نقطة حيوية جدا: فالمجمع الكبير والمقدس مناسبة مكلفة، ولا نملك امبراطورا مسيحيا ليغطي تكاليفه! من المدهش أن مجمع كريت انتهي من دون قرار حول زمن ومكان انعقاد المجمع الكبير التالي، ومن دون لجنة متابعة. نحتاج إلى البدء بالعمل الآن على المجمع التالي الذي نأمل بأن يكون بان أرثوذكس تام. دامت التحضيرات حتى مجمع كريت 114 سنة فهل سننتظر 114 سنة أخرى حتى تحدث تتمته؟
لحسن الحظ كان التدخل السياسي قليلا أو غير موجود. فلنشيّد لافته كبيرة للمستقبل: السياسيون خارجا.! لعب الاباطرة المسيحيون دورا بارزا في الفترة البيزنطية على نحو لا يمكن إنكاره. لكن بوتين ليس الامبراطور قسطنطين ولا بوروشينكو الامبراطور جوستينيان.
الشيء الأكثر أهمية في مجمع كريت، كما سبق وقلنا، كان في أنه انعقد فعليا. المجامع اللاحقة، كما نأمل، يمكنها أن تتعاطى القضايا التي لم يبحثها مجمع كريت. ما فعله مجمع كريت هو أنه أعاد التأكيد على الروح المجمعية للأرثوذكسية، إنها روح الشعب المجمعية. ولذلك فنحن ممتنون فوق الكل لقيادة وإصرار الكلي القداسة البطريرك برثلماوس.
الأولية
نأتي الآن إلى موضوع الأولية ـ الذي يحتل أهمية مركزية في الحوار الأرثوذكسي/ الكاثوليكي – الأمر الأول الذي يقال في هذا المجال هو أن الأولية والمجمعية متكاملتين ومتتامتين. وبينهما، كما يؤكد بحق الميتروبوليت يوحنا زيزيولاس، “رابط غير قابل للانفكاك”. يكتب: “في الإكليزيولوجيا الأرثوذكسية لا يوجد أولية من دون المجمعية، وعلى العكس، ما من مجمع من دون أول”. وهذا ينبع بالحقيقة من طبيعة الكنيسة الإفخارستية. ففي كل احتفال إفخارستي مشترك يوجد دوما من يتمم دور الرئيس (المتقدم) الليتورجي، وبطريقة مشابهة في كل مجمع كنسي – والمجمع كما رأينا هو حدث إفخارستي بالأساس، ثمة من يتخذ خدمة الرئيس والأول (المتقدم).
بين الأول وأساقفته، كما ينص القانون الرسولي 34 بوضوح علاقة تبادلية. لا يعمل الأساقفة من دون الأول ولا الأول من دون الأساقفة. فبين الإثنين ما اصطُلح على تسميته مشاركة في المسؤولية وتواكلية تمايزية. ما هو دور الأولية الرئيس؟ هو أن يعزز ويدفع المشاورات المتبادلة لكي يحفظ وحدة الكنيسة. الأول، أساسا، باني جسور، بكلمات الأب يوحنا مايندورف توجد “الوظائف الأساسية “للأسقف الأول” في تأكيد المشاورة المستمرة وإحداث المجمعية بين كل الكنائس الأرثوذكسية، وحفظ النظام الكنائسي (خاصة وحدة جميع الأرثوذكس المحلية والمناطقية). لهذا فإن تعليم “ميساغوغ” القرن التاسع، بعد وصفه البطريرك المسكوني ب “صورة المسيح الحية والحيوية” يتابع ليؤكد على مهمته في “إعادة كل الهراطقة إلى الأرثوذكسية ووحدة الكنيسة” بينما ينص القانون 102 من مجمع تروللو على “دعوته “ليعيد الخروف الضال”.
يلاحظ الأب ألكسندر شميمن أن الأولية توجد، في الأرثوذكسية المعاصرة في “أشكال نماذج على تنوع كبير – من حكم الفرد المطلق تقريبا “مونارخية” كما في الكنيسة الروسية، إلى أولية رئيس أساقفة أثينا الصورية، بشكل أقل أو أكثر”؛ وهذا “يكشف غياب الفهم المشترك للأولية [في الكنيسة الأرثوذكسية] أو غياب نظرية قانونية ثابتة لها”. كما يعترف رئيس الشمامسة يوحنا كريسافغيس: ” الحقيقة هي أننا لا نملك واقعيا عقيدة متطورة أو – أكثر صحة – بمثابة دفاع محدد لمفهوم الأولية. وفيما تتفق بطريركية موسكو مع البطريركية المسكونية على أن القسطنطينية تحتل المركز الأول في ال”تاكسيس” أو النظام القانوني للكنيسة الأرثوذكسية، إلا أنه لا يوجد توافق تام بينهما فيما يتعلق بنهاية فضاء (إطار) هذا “المركز الأول”. قال ثيودور ميتوكيتس في القرن الرابع عشر إن رجال الماضي العظام حددوا كل شيء بشكل كامل حتى أنهم لم يتركوا شيئا لنا لنقوله. لكن بخصوص الأولية في الكنيسة الأرثوذكسية فهذه هي الحال من دون منازع؛ إن الكلمة الأخيرة لم تُقل بعد.
يُشاهد نقص في التوافق حول أولية العرش المسكوني من بين أشياء أخرى. ففي الرؤى المتصارعة حول منح الاستقلالية (ربما يجب أن نقول “الاعتراف” بالاستقلالية بدلا من “منحها”) ترى القسطنطينية هذا الأمر امتيازا (حقا حصريا) للبطريركية المسكونية، أما موسكو فتعتبره مسؤولية الكنيسة الأم. هذا التباعد في الرأي واضح في عدم التوافق الذي برز في العام 1970 بما يختص كنيسة OCA. فموسكو، على خلفية كونها الكنيسة الأم للميتروبوليا الروسية في الولايات المتحدة الأميركية، منحت الاستقلالية لابنتها، أما القسطنطينية فرفضت الاعتراف بما حصل. لحسن الحظ لم تنقطع الشركة الأسرارية في هذه الحال بين البطريركيتين. لكن الحقيقة غير الطبيعية بقيت في أن هذا الخلاف لم يجد حلا له منذ نصف قرن مضى.
أما الصراع الذي برز على أوكرانيا فهو الأخطر. فقد منحت البطريركية المسكونية طرس (Tomos) الاستقلال لمجموعات منشقة في أوكرانيا، [ مجموعة ما يعرف “بطريركية كييف” بقيادة فيلاريت دنسيسنكي وما يسمى “بالكنيسة المستقلة” بقيادة المطران مكاريوس] بينما رفضت موسكو القرار واحتفظت بحصة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لولايتها برئاسة الميتروبوليت أونوفريوس، وهذه تضم في الواقع رعايا أكثر من رعايا المجموعتين السابقتي الذكر. والنتيجة أن موسكو اتخذت قرارا بقطع الشركة مع القسطنطينية، مع أن الأخيرة لم تنتقم، بل تنشد الحفاظ على ملء الشركة مع روسيا. بعض الكنائس الأرثوذكسية الأخرى ألحت على إيجاد حل لهذه الفجوة بين القسطنطينية وموسكو على مستوى اجتماع بان أرثوذكس، إما بإعادة عقد مجمع كريت أو بالدعوة إلى قمة (Synaxis) خاص بكل رؤساء الكنائس الأرثوذكسية.
مع كامل الاحترام لكلا البطريركيتين، نقول إن الأعمال التي قام بها كلا الطرفين في هذا السجال المعقد والمحزن قد سببت اضطرابا للكثيرين منا. ففيما ترى البطريركية المسكونية نفسها أما لكنيسة أوكرانيا، يجب أن تعترف بأن أوكرانيا قد شكلت جزءا تكامليا من الكنيسة الروسية لمدة تربو على 330 سنة. هذه حقيقة تاريخ وكما يقول أرسطو: “حتى الله لا يستطيع تغيير الماضي”. وفي الوقت ذاته، فيما توجد تحفظات على سياسة القسطنطينية يوجد أيضا سبب للقلق من قرار موسكو بقطع الشركة مع البطريركية المسكونية. وبكلام رئيس الأساقفة ألبانيا أنسطاسيوس، والكلام يشير بشكل خاص إلى أزمة أوكرانيا: “إنه أمر لا يصدق أن الإفخارستيا الإلهية، سر محبة المسيح اللامحدودة وتواضعه، بامتياز، يُستخدم سلاحا ضد كنيسة أخرى … أيا تكن خطورة الأسئلة المتراكمة بخصوص الولاية القانونية يجب ألا تتسبب في انشقاق الأرثوذكسية، في أي مكان من العالم” . ياللحسرة! ما وصفه رئيس الأساقفة أنسطاسيوس بلفظة “لا يصدق” هو ما حدث بالضبط.
قال الآباء إن البدء بانشقاق أمر أسوأ من ارتكاب جريمة. من السهل أن تحرض على الانشقاق لكن من الصعب أن تشفى منه. دام الانشقاق بين كنيسة بلغاريا وكنيسة القسطنطينية خمس وسبعون سنة، من 1870 حتى 1945والسبب يعود إلى السؤال حول الاستقلالية. فلنصلِّ حتى لا يدوم الانشقاق الثاني بين روما الثالثة وروما الثانية ثلاثة أرباع قرن أيضا.
إن عدم قدرة العالم الأرثوذكسي على الوصول إلى اتفاق بشأن كنيسة OCA، وعلى ما حصل مؤخرا في أوكرانيا قد قاد بعضهم – بالأخص الكاثوليك – إلى اقتراح ما تحتاج إليه الأرثوذكسية إنما هو أولية تُدعَّم بشدة على المستوى العالمي. شخصيا، لست متحمسا لهذه الحجة. إذا أردنا أن نطور فهمنا أكثر للأولية فلا يجب أن نطوره لأسباب سلبية، كحل لمشاكل معينة، بل يجب أن نستلهمه من رؤية إيجابية لواقع الكنيسة. لا نكونن ارتكاسيين بل سباقين. [ لا يحركنا رد الفعل بل استباقه].
قبل ترك موضوع الأولية فلنؤكد على نقطة قاعدية لا تطبق فقط على ممارسة سلطة مختصة برئيس الكهنة بل على أي مستوى من الخدمة الكنسية. عندما تجادل الرسل حول المكان الأول وبخهم يسوع قائلا: “تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونها، وأن عظماءها يتسلطون عليها، فلا يكن هذا فيكم. بل من أراد أن يكون عظيما فيكم، فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لكم عبدا”(مت20/25-26). المسيح واضح جدا وكلامه غير ملتبس “لا يكن هذا فيكم”. إن ممارسة السلطة في الكنيسة مختلفة كليا عن ممارستها السائدة في الهيئات المدنية. فالكنيسة لكونها مملكة ليست من هذا العالم – إفخارستية، عنصرانية، أخروية (اسخاتولوجية) – فهي فريدة. يجب ألا تتماهى مطلقا مع أشكال القوة والحكم السائدة في العالم الساقط من حوالينا. ليس الأسقف سيدا إقطاعيا ولا ممثلا منتخبا برلمانيا. الأسقف الرئيس أو الأول ليس ديكتاتورا ولا حاكم فردي للمؤسسة ولا رئيس هيئة مخرجين.
بعد أن قال يسوع ما ليست هي السلطة الكنسية، تابع وقال ما هي بالحقيقة. “فلا يكن هذا فيكم … هكذا ابن الإنسان جاء لا ليخدمه الناس، بل ليخدمهم ويفدي بحياته كثيرا منهم”(مت20/26-28). هذا هو معنى الأولية الحق. يجب أن يكون الأول آخرا. يقول المسيح القوة تعني الخدمة. تشير السلطة (exousia) إلى الخدمة (diakonia). يجب أن نعكس المنظور بحيث يقف الهرم على رأسه. الأولية الحقة شركوية؛ الأول هو خادم الجميع. من بين ألقاب البابا، ثمة لقب ينادي الأرثوذكس مباشرة وهو servus servoru Die أي “خادم خدام الله”. واللقب نفسه يطبق على كل أول في الكنيسة. وإذا ما كانت دعوة الأول تكمن في خدمة الآخرين، فخدمته تتضمن تضحية وحتى استشهاد على الصعيدين الداخلي والخارجي. إنه يُدعى إلى “بذل حياته” على مثال المسيح. كما إنه يقوم بخدمته هذه بروح المحبة. وكما يقول الأب جون بيهر ورئيس الشمامسة جون كريسافغيس بحق: “تتقدم الأولية في المحبة الشركوية”.
المرأة المعمرة والبرج غير المكتمل
من بين الرموز التصويرية الغنية في كتاب الراعي لهرماس، ثمة رمزين يعبران بشكل ساطع عن وجهتين متضادتين في الكنيسة. أولا، يرى هرماس الكنيسة بصورة امرأة متقدمة في السن. فيسأل: لماذا هي طاعنة في السن إلى هذا الحد؟ فيأتيه الجواب: لأنها خلقت قبل كل المخلوقات الأخرى؛ وبسببها أخذ العالم إطاره. وبعد ذلك يشاهد برجا ضخما لا تزال تضاف إليه حجارة جديدة”.
هكذا هي سمة سر الكنيسة ومعجزتها المتضادة. بكلمات الأب ألكسندر شميمن: “الكنيسة، التي بطبيعتها القريبة تنتمي إلى الإيون أي الذي يأتي؛ إلى ملكوت الدهر الآتي، لكنها تضرب جذورها في التاريخ والزمن، في “هذا العالم”. إنها في حالة الإقامة statu partiaetd لكنها أيضا في حالة الترحال statu viae . إنها الملء لكنها الرسالةmission أيضاأأ. الكنيسة عجوز وصبية أيضا، غير متغيرة وجديدة في آن. إنها الملء والإكمال والأبدية وقبل الوجود(الأزلية)، لكنها في الوقت عينه منخرطة بقوة في حركة التاريخ، ومتورطة من دون تحفظ في مسيرة التكيف والتجدد والنمو. إنها فائقة لكل حد وقابل للكسر أيضا. بالتشديد على الوجهين، المرأة الطاعنة في السن والبرج غير المكتمل، واستعارة مقطع من أرسطو، يصف الأب جورج فلورفسكي الكنيسة بمثابة “صورة الأبدية الحية في قلب الزمن”، إنها “صورة الأبدية” وأيضا هي صورة “حية”، “صورة في الزمن”.
في سياق تأملنا هذا في المجمعية والأولية، إذا احتفظنا في المشهد بسمتي الكنيسة هاتين، المتعارضتين والمتكاملتين في آن، فلن نتعجب من الطريق الحق.
في الكتاب المقدس هناك أكثر من 200 اسم ولقب للمسيح. ومن أهم هذه الأسماء مرتبة في ثلاثة أجزاء تعكس طبيعة المسيح، ومكانته بالنسبة للثالوث والوحدة مع الله، وعمله على الأرض من أجلنا. – طبيعة المسيح – حجر الزاوية: (أفسس 2: 20) يسوع هو حجر الزاوية في البناء الذي هو الكنيسة. فهو يربط معاً اليهود والأمم، الرجل والمرأة – كل القديسين من كل الأجيال والأماكن في بناء واحد مبني على الإيمان المشترك بشخصه. – رأس الكنيسة: (أفسس 1: 22؛ 4: 15؛ 5: 23) إن يسوع المسيح وحده، ليس الملك أو البابا، هو رأس ورئيس الكنيسة التي مات من أجلها والذين وضعوا إيمانهم فيه وحده لخلاصهم. – القدوس: (أعمال الرسل 3: 14؛ مزمور 16: 10) المسيح قدوس، في طبيعته الإلهية وكذلك في طبيعته البشرية، وهو نبع القداسة. فبموته صرنا قديسين وأبرار أمام الله. – الديَّان: (أعمال الرسل 10: 42؛ تيموثاوس الثانية 4: 8 ) لقد عين الله يسوع المسيح ليدين العالم وليمنح المكافآت الأبدية. – ملك الملوك ورب الأرباب: (تيموثاوس الأولى 5: 15؛ رؤيا 19: 16) يسوع له سلطان على كل سلطة على الأرض، على كل الملوك والحكام، ولا يستطيع أحد أن يمنعه من تحقيق مشيئته. فهو يقودهم كيفما شاء. – نور العالم: (يوحنا 8: 12) جاء يسوع إلى عالم أظلمته الخطية وأطلق نور الحياة والحق من خلال أعماله وتعاليمه. فالذين يضعون ثقتهم فيه تنفتح أعينهم ويسلكون في النور. – رئيس السلام: (إشعياء 9: 6) جاء يسوع لا ليأتي بالسلام إلى العالم بمعنى عدم وجود حروب، ولكن السلام بين الله والإنسان الذي انفصل عنه بسبب الخطية. لقد مات ليوجد المصالحة بين الخطأة والله القدوس. – إبن الله: (لوقا 1: 35؛ يوحنا 1: 49) يسوع هو “إبن الله الوحيد” (يوحنا 1: 14). يؤكد لقب “إبن الله” الذي استخدم 42 مرة في العهد الجديد ألوهية المسيح. – إبن الإنسان: (يوحنا 5: 27) في مقابل لقب “إبن الله” فإن هذا اللقب يؤكد طبيعة المسيح البشرية إلى جانب ألوهيته. – الكلمة: (يوحنا 1: 1؛ يوحنا الأولى 5: 7-8) الكلمة هو الإقنوم الثاني في الثالوث المقدس، الذي قال فكان، والذي أوجد كل الأشياء بكلمته، الذي كان من البدء مع الله الآب، كان هو الله وبه خلقت كل الأشياء. – كلمة الله: (رؤيا 19: 12-13) هذا هو الإسم الذي أعطي للمسيح والذي لا يعرفه أحد سواه. إنه يشير إلى سر ألوهيته. – كلمة الحياة: (يوحنا الأولى 1: 1) لم يتكلم يسوع فقط بالكلام الذي يقود إلى الحياة الأبدية ولكن وفقاً لهذه الآية فإنه هو نفسه كلمة الحياة في إشارة إلى الحياة الأبدية المملوءة بالفرح والشبع والتي يقدمها هو. – مكانته في الثالوث المقدس – الألف والياء: (رؤيا 1: 8؛ 22: 13) أعلن يسوع أنه هو بداية ونهاية كل الأشياء، في إشارة إلى الله الواحد الحقيقي. إن صفة الأبدية هذه تنطبق على الله وحده. – عمانوئيل: (إشعياء 9: 6؛ متى 1: 23) تعني حرفيا “الله معنا”. يؤكد كل من النبي إشعياء ومتى البشير أن المسيح سيولد في بيت لحم وهو نفسه الله المتجسد الذي جاء ليعيش بين شعبه. – أنا هو: (يوحنا 8: 58، مع خروج 3: 14) عندما نسب المسيح هذا اللقب لنفسه حاول اليهود أن يرجموه بتهمة التجديف. فقد فهموا أنه يعلن عن نفسه أنه هو الله الأبدي، يهوه العهد القديم الذي لا يتغير. – رب الكل: (أعمال الرسل 10: 36) يسوع هو السيد المتسلط على كل العالم والأشياء التي فيه، على كل أمم العالم، وبالذات على مختاري الله سواء من الأمم أو اليهود. – الإله الحقيقي: (يوحنا الأولى 5: 20) هذا توكيد مباشر أن يسوع وهو الإله الحقيقي ليس فقط له صفة الألوهية ولكنه هو الله. بما أن الكتاب المقدس يعلمنا أنه يوجد إله واحد فقط فهذه الآية تصف طبيعة المسيح كجزء من الثالوث المقدس. – عمله على الأرض – رئيس إيماننا ومكمله: (عبرانيين 12: 2) يتم الخلاص من خلال الإيمان الذي هو هبة من الله (أفسس 2: 8-9) ويسوع هو مؤسس إيماننا ومكمله أيضاً. من البداية إلى النهاية، هو مصدر وحافظ إيماننا الذي يخلصنا. – خبز الحياة: (يوحنا 6: 35؛ 6: 48) كما أن الخبز يحافظ على إستمرارية الحياة بالمعنى الجسدي، فإن يسوع هو الخبز الذي يعطي الحياة الأبدية ويضمنها. لقد دبر الله المن من السماء ليطعم شعبه في البرية وقد دبر لنا المسيح ليعطينا الحياة الأبدية من خلال جسده المكسور لأجلنا. – العريس: (متى 9: 15) إن صورة المسيح كالعريس والكنيسة كعروسه توضح العلاقة الخاصة بيننا وبينه. فنحن مرتبطون معاً بعهد نعمة لا يمكن أن ينكسر. – المخلص: (رومية 11: 26) كما كان شعب إسرائيل بحاجة لأن يخلصهم الله من عبوديتهم لمصر كذلك فإن المسيح هو مخلصنا من عبودية الخطية. – الراعي الصالح: (يوحنا 10: 11، 14) في زمن الكتاب المقدس، كان الراعي الصالح مستعداً أن يخاطر بحياته لكي يحمي خرافه من المعتدي. يسوع وضع حياته من أجل خرافه وهو يهتم بنا ويطعمنا ويغذينا. – رئيس الكهنة: (عبرانيين 2: 17) كان رئيس الكهنة اليهودي يدخل الهيكل مرة واحدة في السنة ليقدم ذبيحة كفارة عن خطايا شعبه. الرب يسوع قام بهذا الدور لشعبه مرة وإلى الأبد على الصليب. – حمل الله: (يوحنا 1: 29) تطلبت شريعة الله تقديم ذبيحة بلا عيب كفارة عن الخطايا. يسوع أصبح ذلك الحمل الذي إقتيد بوداعة إلى الذبح مظهراً صبره في آلامه وإستعداده لأن يموت من أجل خاصته. – الوسيط: (تيموثاوس الأولى 2: 5) الوسيط هو من يتدخل بين طرفين ليصلح بينهما. المسيح هو الوسيط الوحيد الذي يصلح بين الله والإنسان. – الصخرة: (كورنثوس الأولى 10: 4) كما فاضت المياه المانحة للحياة من الصخرة التي ضربها موسى في البرية هكذا فإن المسيح هو الصخرة التي تفيض منها مياه الحياة الأبدية. هو الصخرة التي نبني عليها بيوتنا الروحية حتى لا تهزها أية رياح أو عواصف. – القيامة والحياة: (يوحنا 11: 25) يتجسد في قيامة المسيح من الأموات الوسيلة لقيامة الخطأة إلى حياة أبدية. لقد دفنت معه خطايانا، ونقام لنعيش في جدة الحياة. – المخلص: (متى 1: 21؛ لوقا 2: 11) هو يخّلص شعبه بموته من أجل فداءهم، وبأن يعطيهم الروح القدس ليجددهم بقوته، وبأن يمَّكنهم من الإنتصار على أعداؤهم الروحيين، وبأن يحفظهم في التجارب وفي الموت، وبأن يقيمهم في اليوم الأخير. – الكرمة الحقيقية: (يوحنا 15: 1) الكرمة الحقيقية توفر كل ما تحتاجه الأغصان (المؤمنين) لكي ينتجوا ثمار الروح – المياه الحيَّة للخلاص والغذاء من كلمة الله. – الطريق والحق والحياة: (يوحنا 14: 6) يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله، الحقيقة الوحيدة في عالم مملوء بالأكاذيب والمصدر الحقيقي الوحيد للحياة الأبدية. إنه يجسد هذه الثلاثة زمنياً وأبدياً. وكما قال يوحنا الإنجيلي البشير وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدةً واحدةً فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة (يو21: 25).
وهذا الحال أيضاً في صفاته ولكن هذه مقتطفات من أسمائه.
المقارِنة بين ماهو حقيقيّ وماهو باطل في ” الدّمشقيّات” للقدّيس يوحنا الدّمشقي.
توطئة
الدمشقيات هي ثمان مرتلات غاية في الروعة كتبها ولحنها القديس يوحنا الدمشقي وفق الالحان الثمانية في الموسيى البيزنطية الرومية البديعة اثناء تنسكه في دير القديس سابا بفلسطين وبعد ان عاش المجد الزمني في بلاط الامويين…يتحدث بها عن وهمية الانسان في حياته الارضية…!
نرتل هذه القطع التجردية الرائعة في الجنازات لتعطينا الفكرة الكاملة عن هذا الانسان وصيرورته في الموت: ” أي نعيم ثبت في الدنيا دون ان يخالطه حزن…” يعبّر القّديس يوحنا الدّمشقي في الدّمشقيّات عن تجلّي الحقيقة الكاملة بعد الموت. ويمكن استشفاف المعنى الدّلاليّ للموت كلحظة تجلٍّ لهذه الحقيقة من خلال تأمّلاته المقارِنة بين ما هو حقيقيّ وما هو باطل.
– ” باطل الأباطيل، الكل باطل.” ( جامعة 2:1)
دمشقيات القديس يوحنا الدمشقي
الحرّ هو من امتلك كلّ شيء وزهد في كلّ شيء، لأنّه أدرك أنّ للسّعادة سرّ كامن في السّعي إلى اقتناء الكمال الحاضر ما بعد الموت. وإذا كان الموت حقيقة مزعجة ومقلقة، فهو يظهر في الدّمشقيّات باباً للحقيقة الّتي يمكن تلمّسها في الحياة، إذ إنّه حقيقة للتأمّل اليوميّ كيْما يتجرّد الإنسان من أنانيّته وكبريائه ليحيا منهج الألوهة وهو بعدُ في العالم.
” أيّ نعيم في الدّنيا ثبت لم يخالطه حزن…؟ أم أيّ مجد استقام على الأرض من غير انتقال. الكلّ أضعف من الظّلّ، الكلّ أخدع من المنام، في لحظةٍ واحدةٍ جميع هذه الأشياء يعقبها الموت.
لذلك أيّها المسيح أرح الّذي اخترته ومتّعهُ بنور وجهك، وحلاوة بهاءك بما أنّك محبّ للبشر. كلّ مجد دنيويّ صائر إلى الفناء مهما تنعّم به الإنسان وسعدَ. والتّوازن النّفسيّ يظهر من خلال معرفة الإنسان لحدوده
دير القديس سابا حيث كتب القديس يوحنا الدمشقي “الدمشقيات”
ومحدوديّته، ومن خلال قناعته الثّابتة أنّ ما بين يديه زائل حتماً، فلا يعود ويرتهن للدّنيويّات ويُستعبد لها. وإذا ما تمكّن الإنسان من التّحرّر من مغريات العالم، اعتبر الموت فعل حرّيّة بامتياز، إذ إنّه يجرّده من كلّ شيء ليعبر إلى وطنه الحقيقيّ ويعاين الرّبّ وجهاً لوجه. وبحركة بسيطة يؤكّد القدّيس يوحنا الدّمشقيّ على بطلان ما يتعلّق بهذا العالم إذ يقول: “كلُّ الاشياءِ البشريةِ الّتي لا توَجدُ بعد الموتِ هي باطلة، لا يثبت غنىً ولا يصحَبُ مجدٌ بصاحبه، لأنّه إذا أتى الموت هذا كلّه يَفنى ويُباد”. فهذه الأشياء البشريّة وإن بدت كحقيقة مرئيّة إلّا أنّها أشبه بالغبار والرّماد اللّذين يتناثران مع هبوب الرّياح. الحقيقة الثّابتة هي تلك الّتي تبقى بعد الموت ولا تضمحلّ وتتلاشى بحلوله.
بين الباطل والحقيقة خطوة ثابتة تنقل الإنسان من الفناء إلى البقاء، ومن المحدوديّة إلى اللّامحدوديّة. ولئن كان الإنسان يموت وحده، ويترك كلّ شيء ويرحل، ارتضى المسيح أن يكون له رفيقاً، فيموت في المسيح ليحيا معه إلى الأبد. “من أجل ذلك نصرخ نحو المسيح الملكِ الّذي لا يموت، أرِح المنتقل عنّا حيث مسكن جميع الفرحين”. – الغربة في العالم انتماء للمسيح
القديس يوحنا الدمشقي
بقدر ما يتغرّب الإنسان عن العالم ولا يتعلّق به يرتبط بالمسيح الحيّ ويستدلّ على وطنه الحقيقيّ. إنّ قيمة الإنسان لا تكمن في الأشياء الظّاهريّة الّتي يمتلكها بل قيمته الإنسانيّة مرتبطة بالمسيح. نتعرّف على المسيح فندرك قيمتنا ونتيقّن من عدم زوالها وفنائها. وتنتصر هذه القيمة على الموت وتتحقّق الحرّيّة الإنسانيّة الكاملة، إذ إنّها ملتصقة بالّذي لا يموت.
يعتبر غير المؤمن أنّ الموت نهاية حتميّة ولا داعي للبحث في ما بعد الموت لعدم إيمانه بما يعتبره غيبيّات، ما يؤكّد على عدم احترامه لقيمته الإنسانيّة واستسلامه للفناء. إلّا أنّ هذه القيمة تستحق التأمّل وتستوجب الاجتهاد في سبيل نقائها. ولا يوجد من مبرّر للاجتهاد والسّعي وتحقيق الذّات إذا كان كلّ شيء سيضيع في مهبّ الرّيح. “مذ عرفتك يا يسوع. ودعوتني إلى وطن ليس من هذا العالم صارت غربتي وطناً لي، لأنًك مسحتها بحضورك. ورحت أقتفي آثار خطواتك ساجداً ومهلّلاً، وأيقنت أنّ ما في حوزتي يجب أن يوزّع، لكي يكون لي وإلّا فهو يستعبدني ويجذبني إلى الهاوية. وآمنت أنّ المجد الحقيقي يكون بالانتصار على الموت، وقد انتصرت عليه لأنّه لم يجد فيك خطيئة، فعرفت أنّ عليّ أن أجاهد ضدّ خطاياي. منذئذ يا يسوع الحلو، فهمت أنّك وحدك الطّريق والحقّ والحياة، وبتُّ لا أجوع ولا أعطش إلاّ إلى ملكوتك وبرّك. فصار الموت لي ربحاً لأنّه باب الانتقال من الفساد إلى عدم الفساد والمعبر الّذي يفضي إلى جنانك الفسيحة”.
الدكتورجورج فائق نحاس فنان تشكيلي وباحث في الفنون والآثار والتاريخ والتراث
البطاقة الذاتية
من مواليد حمص1939 نشأ وعاش في حماه توجه منذ صغره إلى تعلم الصناعات بإشراف والده الفنان فائق وابدع في حبه للفن متأثرا بوالدته وأعمالها وإشغالها اليدوية وبطبيعة حماة الساحرة ونواعيرها وطبيعتها الخلابة.
لم يدرس الرسم في مدارس ومعاهد خاصة كبقية الفنانين والمختصين، وانما بداية تعلم الصناعات على يد والده فائق، ثم تعلم فن الصياغة عند الصائغ الحموي الشهير جميل جبيلي وهو أشهر صائغ ومخترع لبعض لوازم المهنة في حماة. وفي أوقات الفراغ كان جبيلي يعلمه الرسم والنقش والحفر الفني وصقل المجوهرات وتشذيبها وقصها والتعريف بخصائصها ونوعياتها وهذا أثَّر فيه لاكتساب المهارات والتفتيش عن أسرارها وتسجيلها والشغف بالفن والتعلق به.
هو مؤرخ وباحث في الفنون والآثار والتاريخ والتراث مؤلفاته تُدَّرسْ في خمس كليات في جامعة الكسليك بلبنان، وهي كليات هندسة العمارة والآثار والتاريخ والفنون والتعليم الديني وهو ابن مدينة حماة الخبير بآثارها وكنائسها وجوامعها ومتحفها الذي بادلته مدينة النواعير الحب بتخليد اسمه وفنه وعلمه درس نحاس الفن بشكل حر ثم تابع دراسته في روما وحصل على اجازة في الفلسفة وتخصص في ترميم الآثار وبعدها درس الفن لمدة 14عاماً في مركز الفنون التشكيلية بحماة ليحوز على دكتوراه في تاريخ الفن وعلم الآثار 1999من جامعة الكسليك بلبنان. دراسته الجامعية – درس الفن بصورة حرّة، ثم تابعه في أكاديمية روما للفنون الجميلة بدورة خاصة للفنانين خاصة للفنانين التشكيليين ( بعد اجتياز فحص قبول)1977-1978.
حماة الجميلة التي اثرت في فن الدكتور جورج نحاس
– حاز ليسانس فلسفة من جامعة دمشق 1976 . – حازدبلوم فلسفة من جامعة القديس يوسف – بيروت، لبنان -1984 . -حاز ليسانس تاريخ فن وعلم آثار: من الجامعة اللبنانية – بيروت 1988. – دبلوم تاريخ فن وعلم آثار: من الجامعة اللبنانية 1991. – ماجستير تاريخ فن وعلم آثار: من الجامعة اللبنانية 1993. – دكتوراه تاريخ فن وعلم آثار: من جامعة الكسليك ( الروح القدس) بيروت – جونيه1999. – دورة ترميم آثار في اليونسكو iccrom بروما / 1977- 1978/ تخصص بالترميم، ومرخص من المديرية العامة للآثار والمتاحف. – أقام العديد من المعارض الفردية، واشترك في معارض جماعية: داخل سورية وخارجها منذ عام 1959. وبقي يمارس عمله الفني في الرسم والتصوير والنحت والحفر الى حين وفاته في بيته بحماة بتاريخ 27 تموز 2017
الفن في حياته
كان لطبيعة حماة الساحرة بنواعيرها وأقبيتها وأزقتها وبيوتها الاثرية كالجامع الكبير في حماة والجامع النوري عشق وأثر ومحبة طبعت موهبته وأثرت فيه كثيراً. وعندما افتتح مركز الفنون التشكيلية في حماة سنة 1961 كان نحاس أحد رواده الدائمين وفي عام 1962 تأثر بالفنان “محمود حوا” الذي بقى لسنوات كظل لا يفارق صاحبه فاقتبس منه الأفكار والرؤى والتوجيهات القريبة والبعيدة التي بدأت تنمو مع أعماله الفنية والثقافية وأثر حوا في نظرته نحو حضارات بلاده.
حماة الجميلة التي اثرت في فن الدكتور جورج نحاس
محمود حوا هو الذي وجه نحاس لاعتماد فن النحت كمرافق اساسي للرسم والتصوير لصقل موهبته وتنميتها وهنا بدأ العمل بالصلصال والجبس لرفع مستوى الرسم لديه حيث بدأت شخصيته الفنية تتبلور أكثر وتظهر فيها ملامح جديدة بتأثيرات نحتية وبائت أعماله تتسم بالنور والحركة وقوة اللون وفي عام 1963 بدأت مرحلة جديدة تحاول الجمع بين عدة أساليب فنية.
أعماله – عضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين بسورية – عضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين العرب . – عضو مؤسس في جمعية الآثاريين العرب بالقاهرة . – عضو مؤسس في العاديات بحماه. – دَرََّسَ في مركز الفنون التشكيلية بحماه لمدة /14/ عاماً – من عام 1962- المواد التالية: الرسم والتصوير – الحفر – النحت – التشريح – علم الجمال – المنظور- تاريخ الفن. ( كان موظفاً مشرفاً فنياً ورئيساً للمركز حتى تقاعده عام 1982).
– مثـَّل المديرية العامة للآثار والمتاحف في مناسبات: منها فحص الكنز الذهبي المصري للأميرات الثلاث الموجود في متحف المتروبوليتان – نيويورك -1986- 1987.(بدعوة من المتحف). – استخرج ورمّم فسيفساء كنائس: الجيّة – ورمّم فسيفساء كنيستي: أنصار – والأوزاعي. كما نظَّم عرضها في متحف بيت الدين – لبنان، بتكليف من وزارة السياحة اللبنانية.مابين عامي 1987-1989. – شارك في العديد من المؤتمرات الأثرية و التاريخية و العلمية والفنية – بأبحاث خاصة بكلٍ منها- داخل سورية وخارجها. – خبير في الفنون والآثار والمجوهرات والصناعات الشعبية والتراث . مؤلفاته – العيد سفين عائم (دمشق: وزارة الثقافة 2004). – أساطير الخصب الإنباتي (دمشق: وزارة الثقافة 2006) – مكتشفات أثرية جديدة في سورية الوسطى– الثانية، حماه عبر التاريخ 1 ( دمشق: دار الفرقد 2007 ). – الرموز التاريخية المسيحية وجذورها في حضارات الشرق الأدنى الآسيوي – من الألف 6 ق.م. لنهاية القرن 7 م . – مكتشفات أثرية جديدة في سورية الوسطى ,جزء2 , حماه عبر التاريخ 2. – المسكوكات الإسلامية (مع دراسة لدنانير نادرة- غير منشورة -). – مسكوكات القدس . – المسكوكات الأيوبية والأليخائية والمملوكية في دار الضرب الحموية. – الأيقونة السورية: تاريخها ومدارسها . – فسيفساء محلة المدينة في حماه . – كتب مخطوطة: الفن والأسطورة . الأختام الأسطوانية السورية. خزف حماه المتأثر بالصيني عن طريق الحرير. الترميم . الفسيفساء السورية.الفسيفساء وترميمها . الصناعات الشعبية. التراث (الأزياء- الحلي ..). التصوير الجداري السوري.
معرضه الفني كان آخر معرض فردي أقامه الدكتور جورج نحاس في عام 2011في صالة الشعب للفنون الجميلة في دمشق بعد انقطاع أكثر من 35سنة عن إقامة المعارض الشخصية (كان آخر معرض فردي له في العاصمة الايطالية روما سنة 1975) لقد حاول علمنا أن يقدّم في معارضه عدداً من المنحوتات ومنها ما جاءت بأحجار كريمة ثمينة وكذلك الأعمال التشكيلية التي حرص نحاس على تقديمها متنوعة مختزلة للعديد من الحضارات القديمة التي مرّت على سورية حيث استلهم من أساطير وقصص الفينيقيين والسومريين والآشوريين وغيرهم أعماله النحتية والتشكيلية التي نالت اهتمام الزوار والنقاد والمتابعين والمتلقين، كما حاول في معارضه أن يلخص جميع المراحل التي مرّت فيها تجربته الفنية في العقود الماضية إن كان في مجال النحت أو التشكيل… في معرضه الأخير 2011 عرض العديد من اللوحات الفنية التي تمثل الأرض والخصب ومنها لوحة الشهيد المقاتل التي عبر عنها بروح طائر له أجنحة ملائكية ومن خلال هذه الأجنحة تسير خطوط العمل الفني ففي الوسط وأعلى اللوحة يمتشق الشهيد حسامه بيد والبندقية باليد الأخرى وفي الثالثة تحتها يقبض على قرص الشمس ليوقف حركتها وتكلل رأسه هالة من نور.
في معرضه الأخير 2011 لوحة الشهيد
وعن اللوحة التي حملت اسم “بعد الحمام” قال إن هذا العمل وضع على جذع شجرة وهذه اشارة إلى الإله تموز وولادته على جذع شجرة في بداية الألف الثالث قبل الميلاد ونزوله إلى العالم السفلي لافتداء عشتار فقبض عليه وعذب وصلب على جذع شجرة. وقال: “إن للفنون الشعبية والحرفية والزخرفة العربية تأثيراً واضحاً على الفن التشكيلي العالمي المعاصر فالفنانين الغربيين تاثروا بحضارتنا عبر رسوماتهم ولوحاتهم، كرسم اطباق القش عند الفنان ماتيس. أما الزجاج المعشق فهو مأخوذ من الحضارة العربية، مثلما لجأ الفنان العالمي بول كريه لرسم الشبابيك وصور أطباق القش.
أما المرأة ودورها في ابداعاته فقد بيَّن بأن “للمرأة حضوراً واضحاً في حياتي ولوحاتي فهي ملهمتي الأولى” وكانت والدته هي حبيبته ومعشوقته ولها الحب الأول…وقد تأثر بفنها وأعمالها ومنسوجاتها واشغالها التي أ أنمت في وجدانه الدقة والإبداع والجمال وحب الفن.
وفي جواب للصحافة ردا على سؤال حول دوره في إصدار التقويم السنوي لعام 2015 عن الآثار في وسط سورية “محافظتي حمص وحماة” قال علمنا “أعددت التقويم لصالح بنك الشرق بدمشق من خلال تقديمي لصور للمواقع الأثرية وكافة المعلومات التاريخية والعلمية عن الآثار في هاتين المحافظتين ووضع صور ملونة لكل موقع أثري مع أهم اللقى منه بمعدل صورتين في بداية التقويم لكل شهر…” معتبرا أن هذه المبادرة جميلة وفريدة كونها تروي فصولا من حضارة هذا البلد الموغلة في القدم وطباعة ألف نسخة وزعت مجانا.
وعن آخر أعماله قال وقتها:” إنه يحضر حالياً للوحة فسيفساء لوالده ووالدته بأحجار نصف كريمة مع اطار فضي تخليداً لذكراهما وعرفاناً بدورهما في مسيرة حياته كما أنه يحضر لكتاب عن حماة تحت اسم ” حماة.أثر .حضارة. تراث” يتحدث فيه عن العصور ما قبل الحجرية بحماة وعن اللباس وأصوله وارتباطه بالحضارات القديمة وكل ما ورد فيه موثق بمجموعة من الصور النادرة”. ووقتها ختم حديثه بالتاكيد على “أن الحياة عطاء وكل ما لايعطى يضيع ويندثر ويغيب…”
لعلمنا المبدع العديد من المعارض الفردية والجماعية وهو عضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وعضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، (وكما اسلفنا اعلاه) هو عضو مؤسس في جمعية الآثاريين العرب في القاهرة وكذلك عضو مؤسس في جمعية العاديات في مدينة حماة ودرّس الرسم والتصوير والحفر وعلم الجمال في مركز سهيل الأحدب للفنون التشكيلية في حماة التابع لوزارة الثقافة كما ترأس المركز حتى تقاعده عام 1982. له العديد من الإنجازات في مجال ترميم واستخراج لوحات فسيفسائية أثرية…
وبحسب الكاتب السوري محمد مخلص حمشو “فان الدكتور نحاس نجم لامع في سماء الفن التشكيلي والنحت السوري ومرجعي في تقييم قيمة الأثر، وباحث في تاريخ الفن، فجميع اعماله من تصوير ونحت تقسيمات رائعة موشحة بغلاف الأساطير والديانات والحضارات، ويسيطر عليها بأناقة الفنان قيمة فنية تعبيرية لها دلالاتها وروعتها.”
في اعماله المتنوعة عكس علمنا روح فنان سوري استطاع بلغة الأعماق الروحية أن يأخذ معه المتلقى إلى عوالم مجهولة تصل به إلى عوالم الأساطير، وأضفي على أعماله شيئا من روحه ليجعل منها ابداعات هي في الحقيقة أيقونات تسلب الألباب وتحير العقول. والجدير ذكره ان الدكتور جورج نحاس قدم خدمات جليلة لحماية التراث الثقافي بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف ، واهمها اهداء مكتبته الخاصة الى دائرة الآثار بحماه
وفاته
توفي توفي في بيته بحماة 26/07/2017 عن عمر ناهز 78عاماً… وقد حظي تشييعه بحضور لائق روحياً على صعيد الكنيسة والمجتمع الحموي واهل الفن في كل المجالات اضافة الى حضور رسمي سوري ولبناني رفيع كما شارك في العديد من المؤتمرات الأثرية والتاريخية والفنية داخل سورية وخارجها, وله العديد من المؤلفات منها: العيد سفين عائم( وزارة الثقافة 2004) وأساطير الخصب الإنباتي( وزارة الثقافة 2006) ومكتشفات أثرية جديدة في سورية الوسطى ـ حماة عبر التاريخ ـ (دار الفرقد 2007) وله العديد من الكتب قيد النشر والمخطوطات ومنها( الأيقونة السورية: تاريخها ومدارسها) و(الفن والأســـطــورة) و(فسيفساء محـــلة المدينة بحمــــــاة) ( الأختام الأسطوانية السورية) وغيرها. قال «انطلقت تجربتي الفنية سنة 1958، لقد حرصت دائماً على تقديم أسلوبي الفني وهو التعبيري الغنائي وأقصد بالغنائي هنا أن العمل النحتي والتشكيلي يحمل موسيقا بين طياته وكذلك الألوان تتراقص في اللوحة والمنحوتة وعلم الجمال هنا مرتبط بالأداء والفن والنحت يرتبط بالرقص والمنحوتات عندي هي كتلة وفراغ وحركة.. لقد قدمت أسلوباً جديداً وهو الدمج ما بين التصوير والنحت في عمل واحد وبإيقاع متواز ولذلك يشاهد الناس عملاً فيه حفر على الخشب ونحت ورسم ملون وحتى الرخام حاولت أن ألوّنه ولكن التزمت بالألوان الطبيعية الرمادية النباتية, واستخدمت في الرسم صفار البيض مع التراب وفي الحفر على الخشب استخدمت خشب الجوز وفي النحت استخدمت الحجر الغرانيتي من الصواعد والنوازل وهناك الرخام العادي والحجر الكلسي والبازلت, كما تناولت في أعمالي الفنية العديد من المواضيع هناك الموضوع الأساس وهو الخصب في الحضارات والتراث في الأساطير والحضارات السابقة ورمزية الخصب في المياه والنبات حيث كبار الآلهة والملوك في الحضارات القديمة كان عرشهم على الماء، لقد حاولت، أن أتناول الأدبيات والأساطير وأسقطها على الواقع الحالي، ومن أعمالي أيضاً المجوهرات التي عملت على تصاميمها ومنها: كريستال دوروج ومارو وأميتسيت وهناك أعمال من أحجار نصف كريمة استفدت منها في المنحوتات والرسومات… بقصد ابراز العمل الفني بشكل أكبر وإظهار جمالياته أو دلالاته ومنها تعاويذ كانت تستخدم في الحضارات القديمة ولذلك استخدمت اللولو والخرز وخيوط الفضة والذهب في بعض المنحوتات، كذلك لتقديم العمل كما كان في الحضارات القديمة كالرومانية وغيرها، خذ مثلاً منحوتة الأميرة البازلتية قمت بتعتيق البازلت ونزلت فيه العاج لعينيْ الأميرة وألبستها عقداً من الذهب الحقيقي”. وجواباً منه عن سبب وضع المرايا خلف معروضاته النحتية: “ببساطة لتظهر التماثيل من كل جوانبها وظهور حركتها من كل الجهات ومنها ظهرها وهذا لا يتم إلاّ إذا كان خلف المنحوتة مرآة تعكس شكل ظهر المنحوتة!”
ختاماً
كما نقول في معرض حديثنا عن اعلامنا الذين نستهم الذاكرة السورية، أو كادت…
نتمنى على الجهات ذات الصلة كوزارة الثقافة والتعليم العالي والآثار والمتاحف والاعلام تسليط الضوء على هذا العلم وخاصة محافظة حماة التي عشقها وجسدها في فنياه وكان ابنا باراً لها بالرغم من اصله الحمصي…
خربشات سياسية 31/1/2019 (تداعيات الانسحاب الاميركي من سورية)
يحتدم الصراع بضراوة بين الرئيس الأميركي ترامب ومفاصل الادارة الاميركية وخاصة المخابرات المركزية الاميركية وفق قوله ان عليهم ان يعودوا الى مقاعد الدراسة متهما اياهم بعدم توخي الحقيقة تجاه الشرق الاوسط لجهة سورية وايران…
والخلاف مع الكونغرس ومجلس الشيوخ حول قراره بالانسحاب من سورية واليوم على مايبدو نجح الكونغرس باقرار تعطيل لقرار الرئيس بالانسحاب والنية تتجه الى تعطيل هذا الانسحاب…وترامب كان صادقاً في تنفيذ وعوده التي اطلقها في حملاته الانتخابية بسحب قوات بلاده من سورية…
على الرغم من الفوضى التي تعم العاصمة الأميركية واشنطن، نتيجة احتدام الصراع بين الرئيس ترامب وخصومه الديموقراطيين وحتى صقور الجمهوريين وصقور الادارة الاميركية وفي مقدمهم ماتيس وزير الدفاع المستقيل كرد فعل فوري على اعلان ترامب سحب قواته من سورية وذلك بشكل منفرد ، خصوصا مع تزايد التسريبات عن التحقيقات الجارية بشأن علاقة حملة ترامب مع روسيا، وعلى الرغم من التصريحات المتضاربة بين مسؤولي الإدارة بشأن توجهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تحديداً، إلا أنه بات واضحا أن قرارا بالانسحاب من صراعات المنطقة قد تم اتخاذه بالفعل، وأن واشنطن فقدت الرغبة في الاستمرار بلعب دور الشرطي فيها، وعلى قول ترامب ان اميركا تتكلف كثيرا في سورية كما استقر عليه الحال منذ حرب تحرير الكويت عام 1991. وقد بات هذا الأمر يلقى إجماعا في واشنطن، ويكاد يكون الوحيد الذي يحظى بهذه الصفة بين كل ألوان الطيف السياسي الأميركي، من جماعة حزب الشاي (Tea Party) في أقصى يمين الحزب الجمهوري إلى متشددي اليسار الذين يمثلهم بيرني ساندرز في الحزب الديموقراطي، وأن تنفيذه يجري على كل المستويات، ولا يلقى اعتراضا من أي جهة، بما فيها الإعلام، ولو من باب المناكفة أو المصالح الحزبية الضيقة، فالجيش الأميركي بدأ فعليا إجراءات الانسحاب من شرق سورية، وإنْ بوتيرةٍ أبطأ مما أعلن عنه سابقا، على أمل التوصل إلى اتفاق تضمن بموجبه واشنطن عدم حصول صدام بين قسد والاكراد وتركيا اردوغان (والاخيرة باتت لاعبا اقليميا له وزنه بالقضية السورية) وعدم استفادة معسكر خصومها من خروجها لملء الفراغ. وقد ذهب الرئيس ترامب إلى أبعد من ذلك، عندما تساءل عما إذا كانت واشنطن تخدم معسكر الأعداء بقتالها تنظيم داعش، العدو الرئيس لروسيا وإيران.
في أفغانستان أيضاً، بات واضحا مقدار الاستعجال الأميركي للخروج وإنهاء الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة (منذ العام 2001). وقد تبين من تسريبات اليومين الماضيين أن اختراقا كبيرا تحقق في المحادثات التي استضافتها الدوحة أخيرا بين واشنطن وممثلين عن حركة طالبان،( وطالبان مصنفة اميركياً وفي الامم المتحدة انها منظمة ارهابية فكيف يتم هذا التواصل؟؟؟) لا بل بات هناك على ما يبدو مسودة اتفاق، تظهر حجم التنازلات الكبيرة التي قدمتها واشنطن، في سبيل الخروج من المستنقع الأفغاني، إلى درجة تثير شكوكا بشأن قدرة واشنطن على تسويقها لدى حكومة كابول. سياسة الانسحاب من المنطقة بدأها الرئيس السابق أوباما بقراره الخروج من العراق، ولو بدون اتفاق، وهو ما حصل فعليا في نهاية عام 2011، كما وعد بسحب كامل القوات الأميركية من أفغانستان بحلول نهاية العام 2014، لكنه لم يستطع الوفاء بتعهّده ذاك بسبب تدهور الوضع الأمني هناك، واعتراض المؤسسة العسكرية التي خشيت من تكرار سيناريو العراق، وعودة الجماعات الجهادية إلى السيطرة، كما حصل مع تنظيم الدولة الإسلامية. وفي مقابلته أخيرا، بصفته رئيسا مع مجلة الأتلانتيك في إبريل/ نيسان 2016، أبدى أوباما ندمه على التدخل في ليبيا، ودافع عن موقفه الرافض التدخل في سورية. وعلى الرغم من الخصومة الشخصية التي تطبع علاقته مع أوباما، إلا ان ترامب في هذا الأمر ينفذ بأمانة رؤية سلفه وسياساته بخصوص الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط. هل يُحدث الانسحاب الأميركي مشكلة؟ نعم إذا حصل من دون ترتيبات فالاتراك يسعون لتحقيق حلم الخلافة العثمانية بحلب والشمال السوري والعراقي وتدعي ان الحلفاء ظلموها في معاهدة سيفر، والفرصة الآن متاحة فالتعنت الكردي الذي طعن الدولة السورية ويترك المنطقة تحت الاطماع التركية كما حصل في عفرين ومنبج…، ومن دون ضمان عدم حصول فراغ يفتح باباً للاتراك والاكراد لوراثة النفوذ الأميركي مع الاخذ بعين الاعتبار ان قسد تلقت هذا النبأ كالصاعقة وقال مسؤولون فيها ان ترامب طعننا في الظهر لأن ذلك يعني صداماً مع الاتراك لامحالة خاصة وتركيا تعلن عن مشروع عملية ضخمة شرق الفرات لطرد الارهاب الكردي…
ما حصل في العراق بعد عام 2011 يؤكد أن الانسحاب الأميركي لم يحل المشكلة التي نتجت، في المقام الأول، عن الغزو والاحتلال، بل زادها سوءاً مع محاولة إيران تكريس نفوذها في العراق، ورد الفعل على ذلك، والمتمثل بصعودداعش المحمي بالاميركي. وفي سورية، بدأ التنافس على ملء الفراغ في مناطق شرق الفرات وهي خزان سورية الاقتصادي بالغلال والنفط والغاز والماء والسدود والكهرباء المتولدةمنه وفي المقدمة سد الفرات… حتى قبل أن ينفذ الأميركيون انسحابهم، وإذا تم الانسحاب من دون اتفاق، ووفق مبدأ “دعها تحترق”، فالأرجح أن الصراع الذي ستشهده المنطقة لن يقلّ حدة عن الذي نشب ضد تنظيم داعش. وينطبق الشيء نفسه على أفغانستان، حيث تتهيأ القوى الإقليمية المتنافسة للحصول على حصتها من مخلفات الأميركيين. ولن يؤدي الخروج الأميركي فقط إلى احتدام التنافس في ساحات الصراع المفتوحة على امتداد المنطقة، بل قد يؤدي أيضا إلى بروز صراعاتٍ جديدة، لا يمنع تفجرها حاليا إلا الوجود الأميركي. والتوافق مع روسيا صاحبة الكلمة الأقوى اليوم في سورية، مع الدور الايراني الداعم لموقف روسيا وسورية بسورية دولة واحدة… هكذا هي أميركا، وجودها مشكلة، وخروجها مشكلة أكبر، ولا حل لها إلا أن نتراضى على التعايش مع بعضنا، من دون الحاجة إلى العصا الأميركية لتفصل بيننا.
اليوم مع المحاذير الخطيرة المحتملة من تطبيق قانون قيصر الاميركي والمقصود فيه كسر سورية المنتصرة على الارهاب ورعاته وفي مقدمهم اميركا اولا واوربة والاعداء الاقليميين لسورية والعربان وعدم تمكينها من قطف ثمرة النصر باعادة اعمار سورية ان العنوان العريض لهذه العقوبات الافدح بعد خمسة عقود من العقوبات الاميركية على سورية ونقصد بها قانون قيصر هو التضييق على الشعب السوري بلقمة عيشه وسائر مقومات الحياة اليومية من تدفئة وكهرباء وماء وغذاء واسقاط الدولة السورية…
اليوم مع هذه المخاطر مامن شك ان التحديات كبيرة جدا ولكنها ليست مستحيلة فالعقوبات التي اوقعت على سورية في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي كانت اصعب…
ولكن تحتاج الى تضحية اكبر وتكليف مختصين بادارة هذه الحرب ويسميهم المختصون ” الجيش الاقتصادي” ولجم الفساد واقصاء الفاسدين وتسلطهم …وتقوية الجيش وقوى الامن للحفاظ على مكتسبات تحرير الاراضي السورية الذي تم من الارهاب والاحتلالات كافة.
عيد دخول ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى الهيكل
تسميات العيد
يُعرَف عن العيد بتسميات متعددة . نحن والموارنة والأقباط وجماعات أخرى ندعوه ” عيد الدخول “، ويعرف باليونانية بـِ “عيد اللقاء” أي أبانديسيس”، ويسميه اللاتين “عيد التطهير” وآخرون “عيد التقدمة”.
يصنفه الشرق المسيحي عيداً للسيد، ويجعله الغرب المسيحي عيداً لوالدة الإله.
الاحتفال سابقاً
كان الاحتفال بالعيد معروفاً في أورشليم منذ القرن الرابع المسيحي. أما ناشره في كل العالم البيزنطي فكان الإمبراطور يوستنيانوس الأول حوالي العام 542 م.
في ذلك الحين، على ما ورد، تفشَى الطاعون في القسطنطينية والجوار وأخذ يحصد، كل يوم، ما معدله خمسة آلاف ضحية، كما ضرب زلزال رهيب مدينة إنطاكية. لا نعرف أي زلزال كان. أقرب ما في السجلات زلزال السنة 539 م الذي ذهب ضحيته أربعة آلاف من السكان وأحدث خراباً شديداً في المدينة. إذ بدا انه لا حول ولا قوة للعباد إلا بالله. نادى الإمبراطور والبطريرك القسطنطيني بالصوم والصلاة في كل الإمبراطورية . فلما كان الثاني من شباط خرجت مسيرات في المدن والقرى تسأل عفو الله ورضاه، فانلجم الطاعون واستكانت الأرض. فشاع العيد،على الأثر، وجرى تبنَيه في كل أرجاء الإمبراطورية الرومية البيزنطية. وكان للامبراطوريوستنيانوس حسن العبادة ( باني دير سيدة صيدنايا ودير القديس حنانيا الرسول في جنوب دمشق (الكنيسة الحالية في الميدان وغيرهما…) الفضل الأكبر في تعميمه.
العذراء تقدم الطفل يسوع الى سمعان الشيخ في الهيكل
يستند العيد إلى النص الإنجيلي الذي أورده الرسول لوقا البشير في الإصحاح الثاني، عبر الآيات22 إلى 38 عناصر العيد
ثلاثة عناصر تشكل العيد هي • تطهير مريم لوضعها مولوداً ذكراً. • تقديم المولود الجديد للرب. • لقاء سمعان وحنة النبيَّيْن. تفسير الآية : “لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدَام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل”.
إن كنيستنا الأرثوذكسية تحتفل اليوم بعيد دخول السيد إلى الهيكل مظهرة وناقلة لنا رسائل ومعاني كثيرة عبر هذا العيد المقدس. فإننا نرى اليوم المخلص يسوع، بعدما رأيناه مُتَجسِّداً في مذود بيت لحم ومعتمداً في نهر الأردن، نراه اليوم مقبلاً إلى الهيكل متمماً بذلك الناموس.
من أجل خلاصنا تنازلَ الإله لكي يُصعد الإنسان، فترى والدة الإله مقبلة إلى الهيكل وعلى ذراعيها الطفل يسوع ويوسف الصديق معها في اليوم الأربعيني من ولادتها وفي يديهم على حسب الناموس إمّا زوج يمام أو فرخي حمام. فاليمام يرمز للطهارة والعذارى إذ انه عندما يموت أحدهما (الذكر أو الأنثى) لا يأخذ الثاني آخر بدلا منه بل يذهب إلى الجبال بعيدا عن ضجيج العالم. وأما الحمام فيرمز إلى الوداعة على حسب قول السيد ” كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام”. وهكذا وعلى حسب الناموس أيضا يُذبَح أحد الطيرين ويترك الآخر دالا ذلك على طبيعتي يسوع الإلهية والإنسانية الأولى التي لا يسود الموت عليها والثانية التي ذبحت على الصليب. أما سمعان الشيخ الذي استقبل اليوم السيد على ذراعيه فكان من السبعين معلماً الذين قاموا بترجمة العهد القديم من العبرانية إلى اليونانية (الترجمة السبعينية) وفيما كان يترجم في اشعيا النبي النبوة التي تقول: ” ها أن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل”، حيث استغرب من هذا الكلام قائلا: كيف يمكن أن تلد العذراء؟ كيف يمكن أن يولد الإله؟ وفيما كان يقول إن ذلك لا يُصدَّق ضربته يد غير منظورة كفّاً وسمع صوت يقول له: ” انك سوف ترى يسوع وسوف تمسكه بيديك”، وهكذا في اليوم التالي وهو ماشياً على ضفة نهر رمى خاتمه في الماء وقال: إن وجدت خاتمي سيكون الكلام حقيقي، وبعد ثلاثة أيام وهو يتناول طعامه الذي كان سمكاً وجد خاتمه في بطن السمكة، وفي هذه اللحظة اخبر سمعان الجميع بالذي حدث له ومن ذلك الوقت أي قبل ثمانين سنة من ميلاد يسوع كان ينتظر في الهيكل هذا اليوم.
وهكذا نحن اليوم نرى سمعان الشيخ حاملاً على ذراعيه المولود من العذراء، حاملاً على ذراعيه ضابط الكل خالق السماء والأرض، حاملاً على ذراعيه الفادي يسوع. وها نحن نسمعه بصوته الورع يُرَنِّم:
“الآن تطلق عبدك أيها السيد على حسب قولك بسلام، فان عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام وجوه جميع الشعوب نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل”.
هكذا جاء اليوم الذي طالما انتظره سمعان الشيخ بعناء طويل حتى تتحرر روحه الطاهرة من جسده وينتقل من هذه الحياة الوقتية الفانية إلى حياة الراحة الأبدية لذلك قال الآن تطلق عبدك أيها السيد بعدما حدث كل شيء حَسْبَ تدبيرك. هذه الكلمات كانت اعترافاً إيمانياً وشكراً لله وفي نفس الوقت تنبُّؤ، الآن أطلق عبدك بعدما رأت عيني الخلاص الذي تجسد والذي سيكون لجميع الأمم نوراً يسطع عليهم وينير طرقهم إلى الملكوت، وهو الذي يكون مجداً لشعبك إسرائيل أي سوف يصبح مجداً للذين يؤمنون بيسوع المسيح لأن إسرائيل الجديد على حسب تعبير الآباء القديسين هم نحن المسيحيون…
إن هذه الكلمات التي قالها سمعان الشيخ ترددها كنيستنا يومياً في كل صلواتها، ترددها كل نفس مسيحية مشتاقة إلى الغبطة السماوية والى الديار السماوية فتقولها بعد القداس الإلهي في صلاة الشكر بعد المناولة وكذلك في صلاة الغروب، ولقد وضعت كنيستنا فوق أبوابها من الداخل أيقونة الدينونة لكي يراها المؤمن وهو خارج ويقول هذه الكلمات: ” الآن تطلق عبدك…” كونه اخذ النور الحقيقي من خلال مشاركته في سر الشكر الإلهي وباقي الصلوات.
هو من الجيل الثاني لرجال عصر النهضة ، وأحد القلائل الذين حصلوا على شهادة دكتوراه في علوم القانون والاقتصاد السياسي ، فقد سبقه الدكتور محسن البرازي بشهادته عام 1929- 1930 ، والدكتور محمد السراج عام 1935 ، وهو نالها عام 1946 من جامعة “أكسفورد” البريطانية.
السيرة الذاتية
وُلد الدكتور أديب نصور عام 1917 في مدينة حماة بحي المدينة ، لأسرة كريمة تعمل في جميع المجالات الوطنية لنهضة الأمة ، وتعلن التمسك بعروبتها ، فأبوه الدكتور جميل نصور الذي تخرج طبيبا من الجامعة العثمانية الطبية في استانبول ، وساهم مبكرا في حماة في نهضة المجتمع ، وأمه السيدة “فدوى نصر الله” ذات الثقافة الأدبية المميزة في زمانها.
ولقد تعلم في حماة مبادىء القراءة والكتابة ، ولكن ايامه الحاسمة في العلم والتعلم جرت منذ عام 1925 وكان عمره ثماني سنوات ، حيث تسلم سدة مطرانية حماة للروم الأرثوذكس مثلث الرحمات المطران أغناطيوس حريكة (1894-1969) فرعاه أفضل رعاية ، وتشرب منه حليب الوطنية الصافي ، ولما أصبح يافعا اشترك مع أقرانه (وكانوا طلابا) مثل عبد الكريم زهور عدي في المظاهرات الطلابية ضد سلطات الانتداب الفرنسية كما تعلم من بيته ومن كنيسته ومطران الابرشية الوطنية.
حي المدينة/حماة مسقط رأس الدكتور أديب جميل نصور كاتدرائية القديس جاورجيوس ودار المطرانية الارثوذكسية
الدراسة الجامعية
ولقد انتسب الى الجامعة الأمريكية في بيروت ، حيث نال منها شهادة الحقوق بتفوق ، وهذا ما أهلة لمتابعة دراسته في بريطانيا بجامعة “اكسفورد” فتفوق فيها على أقرانه ونال شهادة دكتوراه في الاقتصاد السياسي عام 1946.
وكانت أيام دراسته في مختلف المراحل والأمكنة حافلة بالنشاط الوطني السياسي ، وكان خطيبا لامعا ، واشتهر بشجاعته ومواقفه الوطنية الرائعة ضد الاحتلال الفرنسي ودعوته لوحدة الوطنية ، والتبشيربوجوب العمل العربي المشترك.
وكانت صلاته في مدينته حماة قوية مع جميع رجالاتها الذين يعملون في الشأن العام وفي السياسة ، وكان محافظا في نشاطاته الانتخابية ، فقد تم ترشيحه نائبا عن حماة ضمن لائحة عبد الرحمن العظم عام 1947 ، التي ضمت بالاضافة الى العظم ونصور الدكتور محمد السراج والشيخ محمود الشقفة ، وقد نجح أربعة من قائمة عبدر الرحمن العظم وهم:
عبد الرحمن العظم – محمد السراج – محمود الشقفة – أديب نصور، أما النائب الخامس عن مدينة حماة فكان من القائمة الأخرى المنافسة ، حيث نجح زعيمها أكرم الحورني.
وفي هذا المجلس جرت أحداث جسيمة في المنطقة كحرب فلسطين عام 1948 بعد اعلان الصهاينة عن قيام دولتهم في أيار من ذلك العام .وكان نشاط النائب الدكتور أثناء نيابته التي استمرت تسعة عشر شهرا حافلة بالنشاطات المختلفة ، محلية واقليمية ودولية.
وكتب مقالات عظيمة في الصحافة المحلية والعربية سجل من خلالها اّراؤه العظيمة في تكوين الدولة ومؤسساتها المختلفة، ولو استعرضنا بعضاً من اّرائه، لقدرنا مستوى تفكيره العظيم.
وكمثال على ذلك محاضرته التي ألقاها بتاريخ 7 اّذار 1949 في النادي الأدبي بدمشق، ثم ألقاها مرة أخرى في الجامعة الأمريكية ببيروت يوم 17 اّذار 1949، وكان عنوان تلك المحاضرة هو: “نحو اشتراكية فاضلة” وقد ابتدأها بقول الخليفة عمر بن الخطاب “لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء”.
ثم كتب : مبادىء وشروط الاشتراكية الفاضلة السمحاء 1- الايمان بالله واعتبار الناس جميعا أخوة في الله. 2- النظر الى الانسان على أنه كائن حي روحي ذو شخصية كريمة وارادة ينبغي أن نؤمن حاجاته المادية دون الغاء الحرية والحاجات الروحية العميقة. 3- الأرض وخيراتها أعطاها الله للبشر كافة ليعيشوا عليها جميعا. 4- غاية الدولة اسعاد الشعب والخير العام في تعميم الخيرات. 5- الناس متساوون في الكرامة الانسانية ، متفاوتون في المواهب ، فيجب أن تتساوى الفرص لهم جميعا ، وأن يكون هناك حد أدنى من العيش الكريم للجميع ، وأن يكون التفاوت فوق الحد الأدنى حسب المواهب. 6- الملكية الفردية مؤسسة طبيعية نافعة ، لذلك كان من الخير أن يملك كل مواطن شيئا ، أن لا يملك كثيرا. 7- الغاء الفقر والعوز والهوان بتوفير العمل لجميع القادرين ، ورعاية الشيخوخة والطفولة والمرض وكل حالات العجز ، واخراج الفقير المسكين من حالة الفقر والمسكنة الى حالة تليق بكرامة الانسان. 8- يجب أن ينخفض الغنى الى أدنى مراتب الغني ، لأن خيرات الأرض محدودة ، والثروات الضخمة عند البعض تعني حرمان الاّخرين. 9- التطور والتدرج نحو الاشتراكية خير من الثورة والطفرة. 10- الافادة من التفكير الاشتراكي العالمي وربطه بالفكر العربي القديم ، وعلى الأخص بمؤسسة الزكاة وتجربة عمر بن الخطاب الجريئة في صدر الاسلام لتجيء اشتراكيتنا منسجمة مع تقاليدنا العربية وخصائص امتنا.
من نضاله
وعندما حدثت مأساة فلسطين قال في المؤتمر الدولي البرلماني الذي انعقد في استوكهلم بتاريخ 8 ايلول 1949 من كلمة طويلة ألقاها أذكر منها قوله : “اني أعتبر نشوء اسرائيل مأساة من الدرجة الأولى حدثاً مفجعا تبكي له الملائكة”.
مطران حماة اغناطيوس حريكة معلم الدكتور اديب جميل نصور
لقد كان الدكتور أديب نصور في مسيرته الوطنية في حماة يعمل ضمن توجيهات وتأثيرات المطران الوطني الكبير أغناطيوس حريكة من حيث التعاون مع رجال الكتلة الوطنية ، وساهم في تأسيس “نادي الرابطة الفنية بحماة” وجعل أعضاء ذلك النادي منه رئيسا فخريا للنادي ، حيث أغنى النادي بمحاضراته المتتابعة والوطنية بامتياز.
وساهم في انشاء مكتبة النادي العظيمة ، وعندما تسلم الوطني الكبير سامي السراج دار الكتب الوطنية بحماة عام 1952 ، أصبح الدكتور أديب نصور من أبرز المحاضرين ، وكان السراج يصر على تقديمه ليحاضر بأروع الكلام وأحلى الجمل المعبرة عن مكانة الرجل المعرفية والوطنية الصادقة.
ولقد سافر الى بيروت حيث تعاقدت معه الجامعة الأمريكية ، وبقي فيها محاضرا في القانون ، ثم شاءت الظروف باستدعائه الى ليبيا ليكونا أستاذاً محاضراً في ليبيا ، يُدَّرس القانون في جامعتها ، وبقي هناك حوالي عشر سنوات.
وكان الدكتور أديب نصور متقناً للغتين الفرنسية والانكليزية كتابة ولفظاً ، ثم تعلم اللغة الألمانية وعمره خمس وستون عاما.
تزوج من السيدة الدكتورة “ماري صبري” زميلته في الجامعة الأمريكية، وقد تقلدت ادارة ” كلية بيروت للبنات التابعة للجامعة الأمريكية “. ومن ميزات هذه الزوجة العظيمة أنها كانت تحاكية في حبه للثقافة والفنون.
عاش الدكتور أديب نصور عمراً طويلاً كان صديقاً حميماً للمثقفين ولو كانوا خصوما له في السياسة وأيام الأنتخابات في مدينته حماة ، فكان صديقا حميما للأستاذ عبد الكريم زهور عدي وللدكتور فيصل الركبي وللمحامي حافظ طيفور ، حيث أمضيا بعض الوقت في مكتب واحد مقابل مقهى الروضة.
عندما جرت الانتخابات أيام الانفصال 1961-1962 وكان مرشحا ضمن اللائحة المؤتلفة وكان أعضاؤها من السادة: عبد الرحمن العظم – رئيف الملقي – عبد الله البرازي – مصطفى الصيرفي – نعسان عروانه – هارون خطاب – أديب نصور – وقد فشلت هذه القائمة في تلك الانتخابات.
ونجحت القائمة المنافسة من حزب البعث العربي الاشتراكي وهم : أكرم الحوراني – مصطفى حمدون – عبد الغني قنوت – محمد عطورة – عبد العزيز عثمان – محمد علي عدي – خليل كلاس …وهؤلاء كانوا أصدقاؤه الذين كانوا يشيدون بعلمنا.
مؤلفاته
عندما كان يغترب عن حماة، كان الحنين يأخذه ويشد على نفسه بشكل يؤئر عليه بشدة عظيمة، وهكذا بعد مديد من العمر وتحديدا في عام 1989 فألف مؤلفه “دولة العرب والمنازل والأوطان” يها قول فيه:
(مدينة على ضفاف العاصي تدعى حماة، وحي عتيق من أحيائها هو حي”المدينة”، ذلك هو موطني الأول، فإذا ما عدت يوما، أو حُمل جثماني الى تلك الديار، فإنما هي قطعة من حماة ترد الى حماة حفنة من ترابها، كأس من ماء عاصيها، نبات من زرع واديها، وكلمة من كلماتها في ضمير الزمان).
تجلى الارث الثقافي العظيم في كتابه:”مقدمة لدراسة الفكر السياسي العربي في مائة عام”، وكتابه “قبل فوات الأوان” ثم “رجل الدولة”و”نحو الدولة الفاضلة”و”أفلاطون”و”وطنيون وأوطان”. وله أبحاث كثيرة صدرت عن الجامعة الأمريكية ومقالات كثيرة جداً في الصحف السورية والعربية ذاعت شهرتها في زمانها.
وفاته
غادرنا الدكتور أديب نصور الى الاّخرة عام 2007 مخلفا وراءه السمعة الاجتماعية الطيبة ، والسلوك القدوة في الوطنية الصادقة ، وهو الذي صرح في أوربة غير هياب ولا وجل، أن القوى الخفية في الغرب هي التي خذلت العرب وأنشأت ما يسمى بدولة اسرائيل.
الخاتمة
ونهاية كلامي عن هذه الشخصية الوطنية العربية المسيحية الفذة، أن على الأجيال التي تعيش هذه الأيام الصعبة والتي فيها تكاثرت الفتن والطعن في تاريخنا الحديث، أن تبحث عن محاولات رجالات عصر النهضة في انشاء الدولة العربية الواحدة، والتي لو قُيض لها النجاح، لأنهت الهيمنة الوحشية من ضواري الغرب المتصهين على شعوب العالم المظلومة.
من مصادر البحث
موقع حماة
حماة ناشونال جيوغرافيك – National Geographic Hama
مدخل
منذ العصر الحجري الوسيط (7000ق.م.)، كانت الحياة البشرية عبارة عن حياة بدائية بسيطة، حيث كانت التجمعات البشرية غالباً في الكهوف والمغاور سهلة الحماية والقريبة من مصادر المياه، ومن ثم انتقلت إلى تجمعات سكنية بسيطة بعد اكتشاف الزراعة في العصر الحجري الحديث (5000 ق.م.) حيث ظهرت التجمعات والمجتمعات الإنسانية شبه المنظمة والمكتفية ذاتياً ، وبدأ تشكل نواة ما يطلق عليه اسم “المدينة”.
اكتُشف وفي مواقع متعددة ضمن مدينة حماه الحالية عدة آثار تعود إلى الفترات المذكورة، سواء في المغاور الموجودة ضمن منطقة “جرف الجراجمة” أو في منطقة “الشير”، أو من خلال الآثار التي وجدتها البعثة الدانماركية التي نقبت في منطقة قلعة حماه.
ومن الجدير بالذكر أن مدينة حماه تتكون من عدة طبقات وما يعرف منها سبع طبقات فقط، أما حفريات وتنقيبات القلعة فقد أظهرت أنها تبلغ ثلاث عشرة طبقة. الموقع تقع المدينة ضمن منطقة الهضاب الكلسية التي حددت مسار نهر العاصي في المناطق الوسطى من البلاد، وبجوار منطقة سهل الغاب ( الذي كان غابات مليئة بالحيوانات) مما اكسبها استقراراً اجتماعياً واقتصادياً وزراعياً وسياسياً تنظيمياً، وجعلها مكتفية ذاتياً.
وتقع أيضاً على مسار الطريق الرئيسي الطبيعي الذي يربط السهول الشمالية مع السهول الجنوبية للبلاد، وعلى مسار الطريق الرئيسي الطبيعي الذي يربط السهول الشرقية مع الجبال الغربية والسهول الساحلية. هذا عدا عن قربها من تخوم البادية السورية (التي كانت غابات وأراض خصبة). مما أكسب المدينة أهمية استراتيجية كبيرة على مدى التاريخ. الاسم
ورد في مكتشفات وثائق ” إيبلا ” أن الاسم القديم لحماه كان ” إيمات “، ويعود الاسم – حماه – إلى المصدر اللغوي الآرامي الشرقي من اسم ” حاماثا ” او”حامات” الذي يعني القلعة أو الحصن، حيث كانت أدوات التعريف في اللغة الآرامية ( ث + ا ) تتوضع في آخر الكلمة، (كما عرفت لاحقاً باسم ” آرام حاماث ” كما “آرام دمشق” و”آرام بيت عديني”)، ومع مرور الزمن وتغير اللهجة وتطور اللغة أهملت أدوات التعريف وأصبح الاسم المعتمد هو ” حماه “. اطلق عليها زمن السلوقيين اسم ” ابيفانية” نسبة للإمبراطور”انطوخيوس أبيفانيوس”، واستمر هذا الاسم مترافقاً مع اسمها الأساسي إلى ما بعد العصرين الروماني والبيزنطي حيث اقتصر على ” حماه ” فقط.مدينة النواعير
تلقب ب “مدينة النواعير” نظراً لانفرادها عن مدن العالم بنواعيرها المتميزة بحجمها وعددها وطريقتها، وتلقب أيضاً ب “مدينة أبي الفداء” نسبة إلى الملك الأيوبي “عماد الدين اسماعيل بن علي” الذي حكمها حوالي عشرين عاماً ونالت في عهده ازدهاراً، وكان عالماً جغرافياً فلكياً ومؤرخاً. لمحة تاريخية
يمكن تقسيم الموضوع إلى ثلاث مراحل (العصور القديمة والآراميين – العصرالروماني- البيزنطي– العصر الإسلامي). آ – العصور القديمة والآراميون
تعتبر مدينة حماه من أمهات المدن السورية، ومن إحدى أهم المدن المأهولة حتى الوقت الحالي. وقد كشفت تنقيبات البعثة الدانماركية (1931 – 1938 ) في قلعة حماه عن وجود ثلاث عشرة طبقة يرجع أقدمها إلى العصر النيوليتي، مما يؤكد أن نواة المدينة تشكل في الألف السادس قبل الميلاد، وكان سكانها يعملون بالزراعة وبعض أنواع الصناعات المحلية.
امتزجت شعوب وأقوام كثيرة ضمن النسيج المجتمعي لمدينة حماه، ونظراً لأهمية موقعها فقد كانت مقصداً للعديد، سواء المهاجرين طالبي الاستقرار أم الحملات الحربية التي احتلتها تبعاً لمراحل الضعف والقوة التي كانت تمر بها خلال تاريخها. ومن الملاحظ أن الحروب التي كانت ضمن منطقة الهلال الخصيب كانت حروباً داخلية تهدف للسيطرة على خيرات البقعة الجغرافية الواسعة في البلاد وتنظيمها في إطار سياسي إداري واحد يسمى باسم الأسرة الحاكمة.
ونظراً لعدم وجود توثيق تاريخي لكل العهود المسماة ما قبل التاريخ (أي قبل اختراع الكتابة)، فإنه يمكن التأكيد والقول بأن مدينة حماه قد بدأت بالتشكل منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وأصبحت مدينة مسورة(محاطة بسور) في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، ثم خضعت خلال هذه الألفية لسـيطرة السـومريين حيث حصل خلال الفترة تمازج وتفاعل كبيران مع حضارة “إيبلا”. ثم حكمها الأكـاديون حتى مجيء الآموريين(أي البنائين) الذين استوطن قسم منهم سهل شنعار– ويجزم البعض أنهم البابليون نسبة إلى عاصمتهم بابل- واستوطن القسم الآخر أواسط الفرات في الشام وتسموا بالعموريين نسبة إلى عامورووالتي تعني غرب بابل باللغة الحورية،(ويذكر هنا أنه قدمت البلاد هجرة جديدة وباتجاه السواحل الغربية حيث تسموا بالكنعانيين – وتعني “الصباغ الأرجواني” باللغة الحورية لأنهم من صبغ الأردية بهذا اللون. وكذلك الفينيقيين – من كلمة “فينيكس” اليونانية وتعني “الصباغ الأرجواني” أيضاً).حماة مدينة النواعير
تطورت حماه خلال فترة العموريين وازدهرت من جراء تفاعلها مع البابليين ، ثم لحقت بالمملكة البابلية حيث ازدهرت خلالها إلى حين غزوها من قبل الهكسوس عام 1750 ق.م. حيث تم تدميرها جزئياً ، ازدهرت حماه مجدداً لمدة خلال زمن الحوريين والميتانيين حتى ظهور الحثيين كقوة عظيمة حيث خضعت حماه لهم بعد تدميرها ، ثم استولى عليها الفراعنة بعد تغلبهم على الحثيين في عهد الفرعون تحوتمس الثالث وبقيت تحت سيطرتهم لمدة خمسين عاماً 1400 – 1350 ق.م. ، فترة تل العمارنة ، حيث شهدت البلاد خلالها الازدياد في قوة وسيطرة الآرامييين .
توسعت حماه وازدهرت في العهد الآرامي وتوسعت المدينة إلى خارج أسوار القلعة، وتطورت إلى مملكة يخشى جانبها، وتمكنت من صد العديد من محاولات السيطرة الآشورية، وكان من أشهرها محاولة الملك الآشوري ” شلمنصر الثالث” في عهد ملك حماه الآرامي ” آرخوليني” 845 ق.م. الذي تمكن من تكوين حلف قوي من ملوك الممالك الآرامية، وتواجه الجيشان في معركة “قرقرالأولى” شمال غرب أفامية والتي اندحر فيها جيش الآراميين، ورغم ذلك صمدت حماه وبقيت مملكة آرامية حتى خضعت للآشوريين في عهد الملك “صارغون الثاني” عام 720ق.م. بعد انتصاره ضد ملك حماه وحلفائه في معركة ” قرقر الثانية ” التي غنم فيها 200 مركبة حربية و 600 حصان واسـتولى على حماه وأحرق قلعتها وأدخل 1500 من رجالها في جيوشه (كما ورد في الوثائق المكتشفة ) .
بعد انهيار المملكة الآشورية على يد الكلدانيين خضعت حماه لسيطرتهم إلى أن تغلبت عليهم جيوش الفرعون المصري ” نخاو الثاني” الذي ضم حماه إلى مملكته 607 ق.م.، حتى عهد الملك الكلداني ” نبوخذ نصر” الذي طرد الفراعنة من عموم البلاد وأدخل حماه في مملكته عام 604 ق.م. وعين عليها حاكماً آرامياً يدير شؤونها.
ازدهرت المدينة خلال هذه الفترة وامتدت إلى خارج أسوار القلعة وأنشئت فيها أحياء وشوارع ومحلات تجارية وحرفية، وتطورت إلى مملكة امتدت إلى مناطق واسعة إلى الشرق وحتى الجبال الغربية. ويعتقد أن الخندق الذي كان يحيط بالقلعة قد نفذ خلال هذه الفترة.
وفي العهود الآرامية كانت المنازل تتكون من باحة داخلية – قد تكون في نهاية البناء أو في بدايته – وغرف محيطة أو مطلة عليها مع وجود طابق علوي لبعض المنازل يتم الوصول عليه بواسطة درج ثابت وتستخدم غرفه للمنامة. كما تم العثور على نظام لأقنية تغريغ الحمولة مما يؤكد التحسين في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتم استخدام الآجر في البناء والحجر المنحوت لبعض المساكن مما يشير إلى وجود مستويات اجتماعية مختلفة أو كان الأمر تمييزاً لطبقة معينة. وكان في المدينة شوارع ومحلات تجارية وحرفية صغيرة كما وجدت آبار بأعماق مختلفة كانت مخصصة لتخزين المواد، إضافة إلى تطور كبير في الأدوات المنزلية والحربية والزراعية الأمر الذي يؤكد وجود صلات كثيرة مع الممالك السورية المختلفة. كما عرفت المدينة تطوراً ملحوظاً في صناعة الخزف والفخار والعاج.حماة الجميلة
امتدت المدينة إلى خارج القلعة – المدينة وباب الجسر حالياً -، ثم توسعت فيما بعد إلى مناطق أخرى، وكان هذا الامتداد ناجم عن الزيادة في أعداد السكان والحاجة إلى محلات تجارية وحرفية جديدة، إضافة إلى أعداد الوافدين إليها، للأسف فقد اندثرت أغلب الآثار ضمن المناطق المذكورة بسبب تعدد طبقات البناء فيها منذ قرون كثيرة وتغيير الكثير من ملامحها الجغرافية، ويمكن التأكيد أن المدينة كانت ذات مستويات منخفضة عن المستوى الحالي، (من خلال ملاحظة انخفاض منسوب الكنيسة القديمة عن مستوى الشوارع المحيطة بمقدار أربعة أمتار تقريباً، وانخفاض منسوب الجامع الكبير بمقدار متران تقريباً) . كما عرفت حماه تطوراً كبيراً في مجال الزراعة والري، حيث تم اختراع النواعير لأعمال الري والسقاية وإيصال المياه إلى الأماكن المرتفعة عن طريق الأقنية.
سقطت حماه فيما بعد بيد “كورش” الفارسي 562 ق.م. الذي قام بتدمير المدينة وحرق قلعتها، بقيت حماه تحت حكم الفرس حتى اندحارهم أمام “الاسكندر المقدوني” في معركة “إيسوس” 331 ق.م، وبعد وفاته خضعت حماة لقائده ” سلوقس نيكتاروس”- ومنه كانت الأسرة السلوقية-، حيث ازدهرت حماه مجدداً في عهد الامبراطور “انطوخيوس ابيفانونيوس” الذي أطلق اسم “ابيفانيا” عليها، وتوسعت في عهده حيث وأنشئ في المدينة أحياء جديدة على الطراز الأغريقي متأثراً بالبيئة المحلية. وتم تحسين القلعة وتحصيناتها كما تم تسوير المدينة.
وقد تم الكشف– ضمن القلعة – على جزء لا يستهان به من المدينة الهلنستية وبخاصة في الجزء الجنوبي منها ومن بينها أبنية تحمل ملامح الإقامة الحكومية وبعض المعابد. إلى أن دخلت حماه تحت الحكم الروماني عام 64 ق.م.
كانت حماه وثنية المعتقد بأغلبها، ولعدة آلهة، إنما يلاحظ وجود تسمية لإله يطلق عليه (هدد) أو(حدد) بمعنى “الواحد” أو “المفرد” باللغة الآرامية، كما تم الكشف عن أثر لمعابد في القلعة، ومن المعروف أن وجود المعابد يدل على السمو والرقي في الشؤون الاجتماعية وحتى الاقتصادية، إضافة إلى أنه يؤكد عمق الفلسفة الروحية من خلال البحث في أصل الوجود والخلق وبخاصة وجود تسمية الإله ” الواحد – المفرد” الذي يؤكد رفعة النظرة الروحية لدى الآراميين. ونذكر هنا أن الكنيسة القديمة – التي لا تزال لغاية الآن – الموجودة ضمن منطقة “المدينة”، كانت معبداً للإله “هدد” قبل تحويلها إلى كنيسة – وهي تقع تحت مستوى الأرض الحالي بما يقارب أربعة أمتار- كما أن الأسود البازلتية التي كانت موضوعة كأساس سطحي إضافي لأعمدة أبواب القلعة كانت تتوضع كذلك في مدخل قصر الحاكم ومدخل المخازن ودور العبادة، ذلك للتأثير النفسي بأن الأسود هي حراس الآلهة وأن من يقتحم المكان الموضوعة في مدخله يتعرض للموت، وقد وجد هذا الأثر حديثاً خلال عمليات إعادة ترميم الكنيسة القديمة.حي المدينة/كاتدرائية القديس جاورجيوس ودار المطرانية الارثوذكسية
ومن المهم الإشارة هنا إلى بقاء بعض المفردات الآرامية ضمن اللهجة الحموية المحكية وإلى يومنا هذا ، مثل كلمتي ( يابو – يامو ) اللتان تشيران إلى الأب – الأم، كما أن كسر حرف الألف في كلمة (لحاف) إلى”لحيف” خلال النطق والمتداولة في حي الجراجمة وبعض مناطق الحاضر هي آرامية النطق، وفي مراجعة معجم اللغة الإيبلاوية لمؤلفه “جوزيف باجون” بالتعاون مع البروفسور الإيطالي “باولو ماتييه” مكتشف إيبلا، تظهر العديد من المفردات المتداولة لغاية اليوم في بعض الأحياء من حماه ومناطقها، مثل كلمات (خيّو– بيّو – أمّو…) أي (اخوه – أبوه – أمه…) وكذلك تعبير (مينون – مينو) اللتان تعنيان” من هم ؟– من هو؟ “، إضافة إلى تعبير (صوب) الذي يعني ” قرب”. ونذكر في هذا السياق أنه كان يطلق على مناطق التوسع لمدينة حماه خلال العهد الآرامي- في حي المدينة حالياً – تعبير ( صوبا حاماثا ) أي بمعنى ” قرب القلعة “. ب- العصر الروماني البيزنطي
استمر ازدهار حماه ونموها في العصر الروماني، وازدادت أهميتها الزراعية والتجارية، فتم تطوير أساليب السقاية وتم إنشاء العديد من النواعير الإضافية والقناطر الحجرية. وقد شجع الرومان سياسة التحضر لسهولة السيطرة على المجتمعات المستقرة مقارنة بالمتنقلة من جانب، وللحاجة إلى ازدياد القوة البشرية المقاتلة حين التعرض للهجوم، إضافة إلى وجود الحامية العسكرية.
كان للأساليب التي اتبعها الرومان أثر في ازدهار حماه، فقد تم تجديد بناء القلعة وسورها من الحجر الأبيض وأنشئت شبكة من الطرق المرصوفة لربط حماه بالمدن الأخرى إضافة إلى طرق رئيسية ضمنها، وأعيد تنظيم المدينة وفقاً للأسس التنظيمية الرومانية، كما تم إنشاء حي جديد ومبان جديدة تحمل الطابع الهيلنستي المحلي . كما أنشأ الرومان معبداً للإله “جوبيتير”- الجامع الكبير حالياً – .
تأثرت حماه وضعف مركزها وأهميتها من جراء الحروب بين الامبراطوريتين الرومانية والفارسية، والثورات التي قام بها الأهالي ضد الرومان والقمع العنيف لها، كما تعرضت للغزو من قبل الفرس عامي 255 – 260 للميلاد، لكنها عادت واستقرت نسبياً عام 261 م.
بعد انتصار الملك أذينة على الفرس وتحريره للولاية السورية بكاملها. ألحقت حماه بولاية أفامية الإدارية في بداية العهد البيزنطي (القرن الثالث للميلاد)، كما أصبحت حمص عاصمة لولاية فينيقية الداخلية (التي تضم دمشق، وهيليوبوليس/ بعلبك، وبالميرا/ تدمر)، مما أدى إلى التراجع في دور حماه بتراجع دور مجلسها المحلي لحساب السلطة المركزية في أفاميا، إضافة إلى ضعف وتدهور الحركة التجارية إليها.
صمدت المدينة ونشأت فيها بعض المهن الصناعية البسيطة التي تعتمد على المنتجات الزراعية المحلية كمعاصر الزيتون الحجرية، إضافة إلى بعض المهن الحرفية التي تعتمد على البيئة والإبداع والمهارة اليدوية ( كالفسيفساء وبناء الحجر وصناعة الفخار)، هذا عدا عن الاهتمام بالزراعة رغم عدم تطور أدواتها، فنشأت عدة إقطاعيات ومزارع كبيرة مجاورة لحماه.
تعرضت المدينة لعدد من حملات البيزنطيين ضد أهالي بلاد الشام بسبب اختلاف العقائد الدينية (كهوية وطنية قومية) وذلك منذ منتصف القرن الرابع للميلاد، مما أدى إلى هجرة العديد من سكانها إلى المزارع والأرياف والمرتفعات الجبلية، كما كان للازدياد في الضرائب ذات التأثير السلبي، هذا إضافة إلى تعرضها لغزوات متبادلة ما بين المناذرة والغساسنة طلباً للسيطرة والنفوذ من جانب ونتيجة لتحالفاتهم مع الفرس والبيزنطيين من جانب آخر، فقد استولى عليها المناذرة عام 554 م. بعد انتصارهم على الغساسنة في معركة “يوم حليمة” ثم خضعت بعدها للغساسنة على عهد ” الحارث بن جبلة “، وكان البعض من القبيلتين يستقر زمناً في حماه وتخومها مما يؤكد حقيقة النسيج الاجتماعي الواحد، (وعلى سبيل المثال فإن بعضاً من “بني كلب” – حلفاء المناذرة – قدم إلى حماه وأقاموا فيها، ثم غادر بعضهم في عصور لاحقة إلى الجبال الغربية المتاخمة ضمن ما يطلق عليه الآن “قرية البيضا” المجاورة لمدينة مصياف، ومن هنا فإن البعض من أهالي الحاضر، وأهالي قرية البيضا يتبادلون لقب أبناء العم حين اجتماعهم ).حماة الجميلة
وفي العصر البيزنطي الوسيط، حين اعتبار المسيحية الدين الرسمي للدولة 389م، توسعت المدينة وأنشئت عدة أحياء وأبنية وحمامات عامة تحمل الطابع البيزنطي (الهلنستي المحلي إضافة للأعمدة والتيجان والنقوش والزخارف وعناصر معمارية متعددة). وتم تحويل المعابد الوثنية إلى كنائس ( معبد الإله “حدد” إلى كنيسة، ومعبد “جوبيتير” إلى كنيسة القديس “يوحنا الذهبي الفم” ومن هنا كانت التسمية للحمام الملاصق للباب الغربي لها والذي يعرف ب “حمام الذهب” وكانت المياه تصل إلى الحمام بواسطة قناطر حجرية تصل من ناعورة “الحنانية” وهي” المحمدية ” حالياً )، كما تم إشادة كنائس أخرى ضمن المدينة وفي بعض المناطق المرتفعة والملاصقة لها ( تل الدباغة وحي الجسر والعاقبة القديمة – ما بين المحطة وحي المدينة)، وعدد من الأديرة( ومنها – في حي المحطة حالياً – : دير مار سرجيوس، وفي حي الشريعة حالياً – : دير مار باراباس)، كما تجدر الإشارة إلى أن ما يطلق عليه حالياً اسم “ضريح أبو العضيمات” باللهجة الحموية المحكية، هو ضريح البطريرك “نوح” المدفون عام 1510م في “الكاتدرائية” التي كانت في “تل الدباغة”، وكان يقصد طلباً للشفاء من الأمراض نظرا لإنسانيته وفعله الدؤوب للخير خلال حياته، واطلق عليه “أبو العظيمات” بعد شفاء بعد القاصدين للزيارة من أمراضهم، ومع مرور الزمن حوِّل الاسم باللهجة المحكية إلى “أبو العضيمات” ولا يزال مكان الضريح في منطقة تل الدباغة حالياً بجوار منازل آل عدي وتعود ملكيته إلى المدينة أو إلى مديرية الأوقاف بحماه . ويذكر هنا أن الكاتدرائية الأثرية التي تم الكشف عنها في حي “المدينة” وعن أرضيتها الفسيفسائية تعود إلى الربع الأول من القرن الرابع للميلاد ( يمكن القول بأن حي الحاضر قد بدأ بالنشوء ضمن هذه الحقبة بسبب ذكره عند العرب الزائرين للمدينة فيما بعد)، كما تم في ذات الوقت تقريبا إحاطة المدينة بسور من الحجارة (لم يبق له أثر حالياً).
كما قدم إليها مجموعات يهودية، وكان لهم “كنيس” فيما يسمى حالياً “منطقة باب القبلي”. والجدير بذكره ضمن هذا السياق والذي أكدته الكتابات المنقوشة على مختلف الأماكن، أن أهالي حماه من أشاد أبنيتها تصميماً وتنفيذاً وقد تهدم أغلبها من جراء الزلازل والغزوات والحروب التي مرت على المدينة، وأعيد استخدام حجارتها فيما بعد في أبنية شيدت في عصور لاحقة.
بقيت اللغة الآرامية هي اللغة السائدة بين عموم السكان قاطبة ارثوذكسيين ويعاقبة، وكانت الادارة تكتب باللاتينية وفي العصر البيزنطي صارت باليونانية، وكان موظفو الدولة الذين كانوا يتعاملون بليونانية الرسمية، وقد استمر الأمر كذلك في عموم الفترة البيزنطية. بينما كانت لغة الشعب الارثوذكسي آرامية هذا نظراً لاعتماد اللغة الآرامية من قبل أغلبية سكان حماة وكل سورية كلغة وطنية.
حماة القديمة
وتجدر الإشارة إلى أن دور مدينة حماه الثقافي لم يكن له وجود يذكر بسبب تنامي دور أفامية كمركز ديني ثقافي مهم ودور إنطاكية والإسكندرية كمركزان دينيان ثقافيان فلسفيان عالميان في ذاك الزمن.
جمعت حماه بين المذهبين الرئيسين، الأرثوذكسية بدايةً ثم السريانية (اليعاقبة) وكانت الغالبية من الموظفين في المدينة من الارثوذكسيين. كما ان اغلبية السكان هم من الارثوذكسيين الخلقيدونيين كما انتشر فيها المذهب الماروني بدءاً من النصف الثاني من القرن الخامس للميلاد والموارنة لغتهم الطقسية هي الآرامية ولكن كانت عقيدتهم الارثوذكسية (حين كان مركزها الرئيسي في أفامية وكانت لهم أبرشية كبيرة ودير ضخم فيها في القرن السادس للميلاد).
سقطت حماه بيد الفرس عام 622 م. وبقيت تحت سيطرتهم سبعة أعوام وتعرضت خلالها لضيق شديد، إلى حين انكسارهم أمام الامبراطور البيزنطي “هرقل” عام 629 للميلاد. وقد ضعفت اقتصادياً خلال خضوعها للفرس وبسبب الثورات الداخلية وصغرت مساحتها وتقلص دورها التجاري والصناعي، وتم إلحاقها بحمص إدارياً بعد طرد الفرس. ج – العصر العربي والإسلامي
فتح العرب المسلمون حماه على يد “أبو عبيدة عامر بن الجراح” عام 638 م. الذي أقام فيها فترة من الزمن ، وحين تقسيم الأجناد – الأراضي والنفوذ – كانت حماه من نصيب القيسية وحمص من نصيب اليمانية، وخلال بدايات العهد الأموي حصلت معركة “مرج راهط” التي انتصر فيها اليمانية أنصار الأمويين على القيسية أنصار عبد الله بن الزبير، فنشبت المشاحنة بين المدينتين منذ ذاك الوقت، وقد ساند الأمويون حمص لتحالفهم مع اليمانية فتم إتباع حماه لحمص طوال الفترة الأموية، ومع ذلك فقد كانت تتبع لحماه عدة نواحي وكان ارتباطها قوياً مع أفاميا، وتوسعت تجارتها ونشأت بها أحياء جديدة كما قدم إليها مجموعات من العرب قطنت فيها، وبقيت عدة كنائس وأديرة كما كانت عليه قبل الفتح.
ومن الأحياء الجديدة الحي الذي يسمى بالجراجمة، فقد نشأ في منتصف الفترة الأموية وقد تسمى باسم قاطنيه الوافدين من بلدة “جرجوم”. ومن الجدير ذكره أن البلدة المذكورة كانت تقع في جبال “اللكام” – لواء الاسكندرونة السوري حالياً – وكان أهلها وجوارها حلفاء للآراميين ثم للبيزنطيين بعد انتشار المسيحية بينهم، وخلال بدايات العصر الأموي تم عقد معاهدة صلح بين “معاوية بن أبي سفيان” والبيزنطيين بسبب الحاجة إلى استقرار الأوضاع في الثغور الشمالية، وقد تم تجديد هذه المعاهدة في بداية حكم “عبد الملك بن مروان” عام 685 م ، وبعد استقرار ملكه وجه حملة عسكرية قوية عام 707 م. لتأديب البيزنطيين وحلفائهم الذين استغلوا انشغاله في توطيد أركان الحكم وقاموا بشن العديد من الغارات على سواحل بلاد الشام ، استولت الحملة على بلدة “جرجوم” ودمرتها، وتم استقدام أهلها إلى بلاد الشام الداخلية وتركت لهم الحرية باختيار أماكن إقامتهم، وقد تكنى المكان الذي قطنه بعضهم في حماه باسمهم .
قلعة حماة من الجو
بقيت حماه تتبع لحمص في بدايات العصر العباسي، ثم ضعف مركزها وعانت كثيراً بسبب تأجج العصبيات القبلية بين القيسية واليمانية، ثم عانت مجدداً من جراء الصراعات التي دارت بين قوى متعددة خلال فترة زمنية تقارب 200 عام كغزوات البيزنطيين من جانب، ودخول المدينة ضمن سيطرة وحكم أسر متعددة ذات أصول عرقية مختلفة من جانب آخر، كالقرامطة والطولونيين والإخشيديين والحمدانيين والمرداسيين والتركمان والفاطميين، إضافة إلى النزاعات القبلية العربية التي دخلت على خطوط تلك الصراعات، هذا عدا عن تزايد هجمات وغزوات الأعراب إليها وعلى جوارها بسبب اضطراب وفقدان الأمن، فتركها الكثير من أهلها كما كان حال جوارها كالبلعاس والأندرين ودير الأقواس “قصر بن وردان” ، وقد تهدم العديد من البنى المعمارية والحضارية الموجودة في المدينة وجوارها وتقلصت مساحة الأشجار والأراضي الزراعية لحساب البادية والتصحر خلال الفترة المذكورة. ويذكر هنا أن العناصر غير العربية قد سببت خراباً في المدينة وجوراً كثيراً بحق أهاليها المسيحيين بينما كان الحمويون يتعاطفون معهم ويساندوهم خلال محنهم .
وقد طبعت حماه الجميع بطابعها – كما هي سورية – فكل من قطن فيها انصهر في مجتمعها واعتبر نفسه منتمياً لأرضها ولاسمها.
خضعت حماه للسلاجقة الأتراك الذين جاروا فيها، فتناقص عدد سكانها كثيراً. ثم دارت حروب ضارية بين ملوك دمشق وحمص وحلب والموصل للسيطرة عليها انتهت باستيلاء الأتابك عماد الدين زنكي عليها عام 1156 م./ 551هـ. وقد تعرضت المدينة في حكم ابنه نور الدين محمود (الشهيد) إلى زلزال شديد عام 1157 م./ 552هـ . ( مع شيزر –أفامية- التي رثاها أميرها أسامة بن منقذ بقصيدته المشهورة) فأعاد نور الدين ترميم أسوارها وإصلاح قلعتها وبنى الجامع الذي يحمل اسمه إضافة إلى البيمارستان .
دخلت حماه تحت سيطرة الأيوبيين 1169 م./ 565هـ. حيث توسعت رقعتها وسيطرتها الإدارية 1184 م./ 580 هـ. فشملت منبج والمعرة وسلمية وشيزر وبارين “بعرين” – التي كانت مدينة عامرة ضمنها دير وكنيسة وحصن كبير ومنازل كثيرة – ومصياف والرستن ، لكن المشاحنات والمعارك الحربية والصراع على النفوذ بين كل من الملك الكامل/مصر،الملك المعظم/دمشق،الملك أسد الدين شيركوه/حمص،الملك طوران شاه/حلب، ولمدة تتجاوز 70 عام، أثرت جميعها سلباً على حماه بشكل كبير فتعرضت للحصار والتخريب أكثر من مرة وتقلصت رقعتها ولم يبق لها سوى المعرة ، كما تضرر أهاليها كثيراً.
وضمن هذا السياق تذكر حادثة طريفة/قاسية جرت عام 1299 م/653 هـ. بين حمص/أسد الدين شيركوه، وحماه/الملك المظفر حيث أعاد السيطرة على سلمية وانتزعها من حمص فأرسل شيركوه جنوده وأعاد السيطرة على سلمية وقطع المياه عن قناة الري الواصلة من سلمية إلى بساتين حماه، كما قام بإشادة سد على نهر العاصي وحول به الماء عن حماه إلى الأودية قرب الرستن، فتضررت حماه كثيراً إلى أن انهار السد بسبب الضغط وعادت مياه العاصي إلى مجاريها (ومن هنا يحلو للحموي التندر على الحمصي بمحاولته قطع العاصي بقشور البصل).
قلعة حماة
وقد وصفها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان(1224م/621هـ) بأنها “لم تكن بمثل ما هي عليه اليوم بل كانت من عمل حمص”، وبأنها “مدينة قديمة جاهلية” ( أي أنها كانت موجودة قبل دخول الإسلام ؟؟ لا كما يقول البعض أنها جاهلية متخلفة) . والجدير ذكره خلال ما سبق، أن حماه لم تسقط أبداً بيد الفرنجة خلال غزوات الفرنجة”، فقد تم عقد هدنة بين الحمويين والفرنجة (عام 1097م/491هـ)، كما انصرفوا عنها مقابل ألفي دينار ذهب خلال الغزو الثاني (عام 1140 م/504هـ)، ودافع عنها أهلها دفاع المستميت خلال الغزو الثالث ( 1169 م/565هـ) بعد أن تمكن الفرنجة من اختراق تحصينها وإدخال مجموعات مقاتلة إلى المدينة حتى تم للحمويين إخراج المقتحمين منها وملاحقتهم إلى خارج أسوارها حيث بقيت المعارك لأربعة أيام إلى أن اضطر الفرنجة للانسحاب، أما الغزو الرابع فقد كان عام ( 1224 م/627هـ) حيث تصدى الحمويون للفرنجة خارج حماه على طريق بارين ونشبت معركة كبيرة انهزم فيها الأعداء.
تعرضت البلاد لغزو التتار بدءاً من العام 1298 م/657 هـ بقيادة هولاكو، خرج حينها ملك حماه “المنصور الثاني محمد” مع جنوده إلى دمشق ثم إلى مصر وانضم إلى السلطان المملوكي”قطز”، وترك نوابه لإدارة شؤون حماه فقاموا بتسليم مفاتيح المدينة إلى هولاكو مقابل الإبقاء عليها وعلى حياة أهلها، فعين عليها عاملاً( نائباً) لتولي شؤون المدينة وأمر ملك حمص “الأشرف موسى بن إبراهيم بن شيركوه” بعد أن سلم له مدينته – بتدمير قلعة حماه وسورها، امتثل الأشرف للأمر، وقام بتهديم القلعة وحرق ذخائرها والكتب الموجودة فيها، فبادر أحد وجهاء حماه المدعو “إبراهيم بن الإفرنجية” – ويقال أنه الجد الأكبر لعائلة “فرنجية” في جبال زغرتا اللبنانية- بالتفاوض مع مندوب هولاكو وقدم له عطايا كثيرة من الذهب كرشوة ليمنع الأشرف من تدمير سور حماه، وكان له ذلك. ثم حدثت موقعة “عين جالوت” الشهيرة 1159م/658 هـ وانهزم فيها التتار وعاد الملك المنصور إلى حماه وتم ترميم قلعتها وما كان قد هدم منها.
تعرضت البلاد خلال الفترة من 1265 م /664 هـ إلى 1302 م/ 702 هـ إلى ست غزوات من التتار انتصرت فيها جيوش البلاد على الغزاة في عدة معارك جرت بأغلبها في سهول حماه وحمص، سقطت خلالها حماه مرة واحدة تسليماً ولمدة بسيطة ثم أعيد تحريرها.
وخلال الفترة المذكورة وعند انقطاع هجوم التتار ساهمت الجيوش الحموية في تحرير سواحل البلاد من الفرنجة وتحرير “عكا” عام 1270 م/688 هـ وفي الحروب التي نشبت في بلاد الأرمن، كما ساندت قوات الأيوبيين في المعارك والحروب الداخلية ضمن البلاد.
وقد عانت حماه كثيراً خلال الفترات المذكورة سواء من جراء الحروب أم من جور الحكام – وبخاصة خلال السنوات الثلاث التي سبقت تعيين أبي الفداء ملكاً عليها.
قصر العظم في حماة الشقيق الأصغر لقصر العظم الدمشقي
تم تعيين عماد الدين إسماعيل بن الأفضل (أبي الفداء) ملكاً على حماه عام 1310 م /710هـ، وأعطي له لقب السلطان، وكانت فترة حكمه وحتى وفاته عام 1331 م /732هـ ، فترة ازدهار لحماه، وأصبحت مركزاً هاماً من المراكز التي تقصدها القوافل التجارية.
ثم عانت المدينة تحت سيطرة المماليك بعد عزل ابنه عن ملكها، كما تعرضت لغزوات متلاحقة من العرب الموالي الذين “أمعنوا في القرى والمزارع ودخلوا أطراف المدينة أكثر من مرة وهدموا وخربوا فيها”، كما أصابها مرض الطاعون عام 1348 م وأمعن بأهاليها فتكاً.
وقعت حماه تحت سيطرة تيمورلنك 1401 م/803 هـ بعد هزيمة الجيوش العربية عند سور حلب ومن جملتها الجيش الحموي، وتسليم المماليك المدينة إليه، فهدم قلعتها وعين عليها عاملاً من قبله تم قتله من أحد الحمويين مما جعل جيش المغول يمعن بالمدينة فتكاً وتدميراً.
تراجعت حماه كثيراً في العصور المذكورة وتضررأهاليها كثيراً، وخربت سلمية وأصبحت بارين قرية شبه مهجورة، كما عانت المدينة من حكم الولاة المماليك وجورهم (رغم اعتبارها في فترة من فترات سيطرتهم مركزاً للنيابة – ولاية أو محافظة – الرابعة في بلاد الشام، وكانت تمتد من الرستن جنوباً إلى المعرة شمالاً ومن السلمية شرقاً إلى مصياف غرباً) حيث عم الفقر والمجاعة بين الناس.
دخلت حماه في حوزة العثمانيين بعد انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في موقعة “مرج دابق” 1516 م. اهتم العثمانيون بداية بلواء حماه وألحقوها بلواء حلب الكبير، وكان يتبع لحماه شيزر وبارين والمعرة والحولة، وأصبحت مركزاً مهماً لقوافل التجارة والحج، (كما كانت أحيائها كثيرة في بداية القرن السادس عشر وبها خانات وتكايا وأربعة جسور تصل بين طرفي العاصي وكنيستان مسيحيتان وكنيس يهودي، وكانت عدد نواعيرها يبلغ / 224/ ناعورة، وكان بها عدد من المطاحن والمعاصر والخانات والأسواق التجارية والحرف المنوعة إضافة إلى المقاهي التي بلغ عددها /12/، وكان عدد أبوابها الباقية /8/، كما كان سورها موجوداً رغم حاجته إلى الترميم في عدة مواضع، كما تذكر سجلات المحكمة الشرعية العادات الحموية في المشاركة الجماعية في مناسبات الأعياد الدينية، وتذكر أيضاً كيفية احتفال الحمويين جميعاً بالعيد الكبير لدى المسيحيين وبعيد الميلاد ضمن مخطوطات موثقة).
ويذكر التاريخ أن المعاناة الكبرى والأشد لحماه كانت خلال حكم العثمانيين، وبخاصة منذ بداية الربع الأخير من القرن السادس عشر، فتعرض الحمويون خلالها إلى ظلم وجور عظيمين، وذلك رغم موقع المدينة المميز وأهميتها الزراعية وتواصلها مع البادية من حيث المنتجات الحيوانية.
واتبعت حماه لطرابلس ثم لدمشق عام 1868م (وقد كثرت معاناتها حين قدوم إبراهيم باشا المصري 1832م الذي عامل الأهالي بشكل عنيف وقاس جداً، فهجرها الكثير من شتى الطوائف والمذاهب وتناقص عمرانها، ففرغت حماه تقريباً وأصبحت وكأنها قرية كبيرة مهجورة) . وبقيت كذلك حتى تنبه العثمانيون إلى ضرورة إحيائها والاهتمام بها نظراً لموقعها ولأهميتها الاقتصادية، فتم جعلها مركزاً للواء – ولاية أومحافظة – وألحقت بها حمص ومصياف وسلمية وأصبحت مركزاً هاماً من المراكز التي تقصدها قوافل الحج والقوافل التجارية ، ومورداً هاماً للمنتجات الزراعية ، ومركزاً رئيسياً لصناعة البارود.
وتوسعت مساحتها وقصدها الأعراب للإقامة بها ، ثم تعرض أهلها للاضطهاد مجدداً فيما يطلق عليه اسم “حرب البلقان – السفر برلك” خلال إلزامهم الانضمام إلى الجيش العثماني، حتى تم دخول القوات العربية إليها عام 1918 م.جامع حماة الكبير
ويمكن لنا كقراءة سريعة أن نقتبس التالي: – القرن التاسع ميلادي: كانت حماه “قرية صغيرة عليها سور حجارة وفيها بناء بالحجارة واسع ، والعاصي يجري أمامها ويسقي بساتينها ويدير نواعيرها” . / معجم البلدان – ياقوت الحموي (أحمد بن الطيب حينما رافق الخليفة العباسي “المعتضد” من بغداد إلى دمشق عام م./271هـ. ) / . – القرن العاشر ميلادي: كانت حماه ” مدينة صغيرة ، نزهة كثيرة الماء والزرع والشجر” . / الممالك والمماليك – الاصطخري / – القرن الحادي عشر : = = ” مدينة جميلة آهلة كثيراً بالسكان” . / سفر نامة – ناصر خسرو: ترجمة يحي خشاب/. – القرن الثاني عشر: كانت حماه “مدينة شهيرة في البلدان، قديمة الصحبة للزمان، غير فسيحة الفناء، ولا رائعة البناء، أقطارها مضمومة، وديارها مركومة، لا يهش البصر إليها عند الإطلال عليها، كأنها تكـّن بهجتها وتخفيها فتجد حسنها كامناً فيها”. / رحلة ابن جبير 1813 م/ . – القرن الثالث عشر: كانت حماه “مدينة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار، واسعة الرقعة حفلة الأسواق، يحيط بها سور محكم ، وبظاهر السوق حاضر كبير جداً ، فيه أسواق كثيرة وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي “. / معجم البلدان – ياقوت الحموي/. – القرن الرابع عشر: كانت حماه “إحدى أمهات الشام الرفيعة ومدائنها البديعة ذات الحسن الرائق والجمال الفائق، تحفها البساتين والجنات، عليها النواعير كالأفلاك دائرات، يشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي، ولها ربض بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان، وبحماه الفواكه الكثيرة”./ رحلة ابن بطوطة/. – القرن الخامس عشر: كانت حماه “مكينة البناء ولها سور محكم جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي، وبها القصور الملكية والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعاً من الأنواع، مصرها ملوك بني أيوب وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك “. / صبح الأعشى – القلقشندي/ – القرن السادس عشر والقرون اللاحقة: مرّ ذكرها خلال الفقرة الأخيرة من “العصر العربي والإسلامي” . ويمكن لنا القول بأن من يرغب بمعرفة التاريخ عليه معرفة سورية، ومن يرغب بمعرفة سورية عليه معرفة حمـــــــــــاه. المراجع – حماة ناشيونال جيوغرافيك
– الخطوط الكبرى في تاريخ سوريا – د. أسد الأشقر .
– تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – فيليب حتي .
– قصة الحضارة – ويل ديورانت .
– تاريخ سوريا القديم ، تصحيح وتحرير – د. أحمد داوود . – محاضرات في تاريخ بلاد الشام في العصر البيزنطي – د. محمود سعيد عمران + د. محمد عبد العزيز .
– المسيحية في العالم العربي – الأمير الحسن بن طلال .
– العرب النصارى – حسين العودات .
– كنيسة المشرق العربي – جان كوربون .
– كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – أسد رستم .
– خطط الشام – محمد كرد علي .
أحبّ المجتمع السوري عامةً والدمشقي بخاصةً… الألقاب، واطلقوها على الناس بكافة فئاتهم وأطيافهم. تعتبر الألقاب من الموروث الشعبي السوري، وبعضها الآخر…اكتُسِب من تَرِكَةِ العثمانيين في بلادنا. ونظراً لكثرتها، لا يُفرّق الناس بينها، لا.. في حياتهم اليومية وطقوسهم الإجتماعية، ولا.. في الأعمال التلفزيونية.
علينا التفريق بين الألقاب وبين الرُتَب، فالبيك والباشا والأفندي كانت رُتباً تُمنح إدارياً وسياسياً وعلمياً أيام العثمانيين، إمّا من وزارة الدفاع في الأستانة، أو من المُفتي، أو.. من الصدر الأعظم، أو.. من السلطان نفسه.
الباشا الوزير في الدولة العثمانية حتماً يكون لقبه “عُطُوفَة الباشا،” وكذلك الأمر لأمير الحجّ مثلاً، وللمُشير والفريق أول والفريق وللمير لواء. وهو اعلى مرتبة تشريفية وسياسية في البلاد. من باشاوت سورية الأصيلين: أحمد عزت باشا العابد، وعبد الرحمن باشا اليوسف، ومحمود فوزي باشا العظم، وعطا باشا البكري، وسامي باشا مردم بك. ابن الباشا اوتوماتيكياً يلقب بالبيك، مثل محمد علي العابد، وخالد العظم، ونسيب البكري، وحيدر مردم بك.
الالقاب في المجتمع السوري
اما غيرهم من الباشاوات، مثل: سلطان الأطرش ورضا الركابي ومظهر رسلان، فقد حصلوا على اللقب من الأمير فيصل في دمشق بعد عام 1918 ومن الأمير عبد الله أمير شرق الأردن. ولم يعد يمنح اللقب داخل البلاد منذ عام 1920.
البيك رتبة رسمية لموظف المرتبة الأولى أيام الدولة العثمانية، أصبحت تشريفية بعد عام 1918، أُطلِقت اجتماعياً على رؤساء الدولة، والحكومات، والمجلس النيابي، والوزراء، والسفراء، والملاكين الكبار. ولا وجود رسمي لها في سجلات الدولة السورية ولا راتب يتقاضى لحامل اللقب بعد عام 1918. حاول الرئيس الرئيس هاشم الأتاسي منعها واستبدالها ب”سيد” عام 1920، وحُذِفَت من التداول نهائياً.. أيام الرئيس جمال عبد الناصر. لكنّ الناس يُحبّون استخدامها تشريفياً لرجالاتٍ صنعوا أمجاد بلادهم مثل الرئيس شكري القوتلي والزعيم فخري البارودي مثلاً.
الأفندي لقب رسمي لمُوظف الدولة الرفيع أيام العثمانيين، استُخدِم بكثرة حتى نهاية الخمسينيات، وأُطلِقَ على التُجّار بشكل إجتماعي: مُفتى طرابلس الشام مثلاً، عبد الحميد كرامي كان “الأفندي” حتى وصل الأخير إلى منصب رئيس الوزراء في بلادة، حيث أصبح يعرف بعبد الحميد بك كرامي. رئيس الحكومة لا يُنَادَى بأفندي. هذا اللقب لا يُورّث.. ويأتي مُباشرة تحت رتبة البيك. لكن الدمشقيين كانوا بُنادون السلطان عبد الحميد الثاني: “افندينا.”
الآغا الآغا قد تكون رُتبة عسكرية تُمنح للعائلات التي تملك سلطة عسكرية، أو تاريخاً عسكرياً، ومن لديها.. رجال يحملون السلاح تحت إمرتها. ومعظم تلك العائلات كانت تُساعد الدولة في حماية الأرياف، وجَبِي الضرائب. لقب “الآغا” لم يكن حِكراً على الأخوة الأكراد، كما يظنّ كثيرون، فآل الدندشي الكرام مثلاً، كانوا من الآغوات، وكذلك عائلة العسلي – دمشق في القرن التاسع عشر، وآل المهايني، وفي حمص، آل الجندي والموصلي، وفي اللاذقية، آل هارون، وفي حلب، آل الكيخيا، وفي حماة آل الشيشكلي الكرام. ولعل أشهر آغاوات سورية هم آل البرازي وزعيمهم نجيب آغا، وآل الحِرَاكِي في معرة النعمان.
وأما التشريفات والمُخاطبة بالألقاب فتُوزَع على الشكل التالي رئيس الجمهورية: فخامة الرئيس رئيس مجلس النواب والوزراء: دولة الرئيس الوزراء: معالي الوزير السفراء: سعادة السفير، ولقب “السعادة” لا يُطلَق على الوزراء أو رؤساء الحكومات بأيّ شكلٍ من الأشكال. المحافظون ورؤساء الأركان: عُطُوفة المحافظ أو عُطُوفة اللواء هذه الألقاب يقلّ استخدامها في سورية ولكنها مُعتمَدة في لبنان
وفي المراتب الدينية نيافة او سيادة المطران سماحة المفتي صاحب الغبطة (للبطريرك) في قوى الأمن والجيش حضرة الشرطي، و حضرة العريف سيادة العقيد، أو اللواء في المخاطبة الاجتماعية والتجارية الخواجة: للوجيه المسيحي بارون: للوجية الأرمني، وهو لقب النبلاء في البلاط الملكي الأوروبي.
كانت الألقاب السلطانية أو ألقاب النبالة العثمانية تعد إحدى الرموز الأساسية في النظام الهرمي الاجتماعي في الامبراطورية العثمانية، سواء تلك “الرسمية” الملحقة بالرتب التي كان يمنحها السلطان العثماني لأحد رعاياه من الخاصة أو “الوراثية” التي كان يُلقب بها أبناء وحفدة حملة الرتب الرفيعة في الدولة (بك لأبناء وحفدة الباشوات والبكوات، وأفندي لأبناء وحفدة الأفندية).
وذلكم هو أمر كان بمثابة الإعلان عن علو المكانة الاجتماعية، وإيذاناً بتكون “طبقة أرستقراطية” قوامها “النبلاء بالوراثة” في الدولة العثمانية، الذين كانت تمتاز أسماء أسرهم بإضافة اللاحقة التركية العثمانية عن الفارسية “زادة”، وتُستخدم للدلالة على السلالة والذرية النبيلة، جنباً إلى جنب مع استخدام أنساق من الألقاب كانت تسبق الاسم للدلالة على المكانة الاجتماعية، مثل:
ولئن كانت ملكية الأرض مصدراً من مصادر النفوذ في الدولة العثمانية، وشرطاً أساسياً لعضوية الهيئات المحلية شبه التمثيلية التي جرى استحداثها في الولايات في عصر التنظيمات كمجلسي الإدارة والبلدية اللذين كان باب الترشح لانتخابات عضويتهما متاحاً للأعيان ممن يدفعون سنوياً “ويركو”، وهي ضريبة كانت مفروضة على أصحاب الأراضي غير المبنية، لا تقل عن ليرة ذهبية عثمانية لمرشحي المجلس البلدي وخمس ليرات ذهبية عثمانية لمرشحي مجلس الإدارة وفقاً لما جاء في “قانون الولايات” للعام 1864، مما يعني أن عضويتهما بل وعضوية مجلس المبعوثان (النواب) ذي الأهمية الأكبر كانت من الناحية الفعلية محصورة بـ “كبار الملاك”، كذلك كان ثمة مصدر آخر للنفوذ لا يقل أهمية، ويتمثل في الرتب الرسمية التي كان يمنحها السلطان العثماني على اختلاف أنواعها (“مُلكية” ويقصد بها المدنية، وهي السابقة لعصر التنظيمات وظلت مستخدمة إبانه؛ و”قلمية” ويقصد بها الإدارية، وهي المستحدثة في عصر التنظيمات، و”علمية” ويقصد بها الدينية، و”سيفية” ويقصد بها العسكرية)، وما يرافقها من ألقاب النبالة (باشا، وبك، وأفندي)، ونعوت وألفاظ التخاطب (دولة، وعطوفة، وسعادة، وعزة، ورفعة، وحمية الخاصة بأصحاب الرتب الملكية والقلمية والسيفية، وسماحة، وفضيلة، ومكرمة، ومودة الخاصة بأصحاب الرتب العلمية).
ولعله من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الألقاب تلك لم يكن يترتب عليها أي نوع من الامتياز القانوني بقدر ما كانت تضطلع بدور مهم في تحديد مكانة الشخص داخل المجتمع، وكذلك مدى حظوته لدى السلطان.
وكانت “الباشوية” على وجه الخصوص لقباً له أهميته في المجتمع العثماني، ويمنح حامله مكانة خاصة. ولم يقتصر السعي وراء الحصول على لقب الـ“باشا”، الذي كان يكلف صاحبه أموالاً طائلة عادة ما كانت تُقدم بشكل إعانات مالية لخزينة الدولة دعماً لما تنهض بأعبائه من مشروعات عمرانية، على أفراد النخبة العثمانية فحسب، وإنما اتسع نطاقه أيضاً ليشمل الأوروبيين الذين كانوا يحرصون أشد الحرص على أن يُلقبوا به، ويحدثنا المؤرخ محمد كرد علي في مذكراته أن أحد النمساويين دفع إعانة مالية لمشروع سكة حديد الحجاز بلغت قيمتها 2100 ليرة ذهبية عثمانية لكي يُنعم عليه السلطان العثماني بهذا اللقب.
تظهر الصورة المرفقة مجموعة من بكوات سورية التاريخيين إبان حفل الاستقبال الذي أقامه المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية بدمشق (قصر العظم) في شتاء العام 1924، وهم في الصف الأول من اليمين إلى اليسار: السياسي عطا بك الأيوبي (1877-1951) مدير الداخلية العام (وزير) في دولة دمشق الأسبق، مجهول، بديع بك المؤيد العظم رئيس المجلس التمثيلي (النيابي) لدولة دمشق آنذاك، حقي بك العظم (1864-1955) حاكم دولة دمشق العام آنذاك، الأديب إلياس بك القدسي (1850-1926) عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، الأديب والصحافي عبد القادر ناصح بك الملاّح (1878-1931) مدير المصرف الزراعي المركزي آنذاك (نجل مرعي باشا الملاّح حاكم دولة حلب العام آنذاك)، محمد علي بك العابد (1867-1939) مدير المالية العام (وزير) في حكومة الاتحاد السوري آنذاك (نجل الوزير أحمد عزة باشا العابد)، صبحي بك بركات الخالدي (1889-1939) رئيس الاتحاد السوري آنذاك، نصري بك بخاش مدير الداخلية العام (وزير) في حكومة الاتحاد السوري آنذاك، الرئيس (الرائد) عبد القادر بك بازرباشي المرافق العسكري للرئيس بركات.
ومما هو جدير بالذكر أن سليلي المنتمين إلى الطبقة الأرستقراطية التي تكونت في العهد العثماني ظلوا يحتفظون بصورة رسمية بألقابهم الرسمية في سورية في مرحلة ما بعد الانهيار العثماني، وبخاصة لقب الـ “بك” الوراثي الذي كان يحمله أنجال وحفدة الحائزين على مراتب الباشوية زمن سلاطين بني عثمان، بينما لم يكن هذا اللقب يقترن في مدينة حلب- مثلاً- بالمستحدثين الاقتصاديين الذين بزغ نجمهم في فترة ما بين الحربين العالميتين، فكانوا يعرفون بـ”الحجّاج” تمييزاً لهم عن المنتمين للطبقة الأرستقراطية ذات الجذور العثمانية.
وإدراكاً منه لعمق عملية التحول الاجتماعي الجارية في البلاد فقد أصدر الرئيس سعد الله الجابري إبان رئاسته للحكومة في فجر عهد الاستقلال تعميماً رسمياً تضمن صرف النظر عن استخدام الألقاب الرسمية والوراثية “الأعجمية” تلك في القرارات الرسمية الصادرة عن الحكومة، والاكتفاء بلفظ “السيد” بدلاً من كل ما يقابله من الألفاظ الأخرى كما يؤكد كرد علي في مذكراته.
ومع ذلك، فقد ظلت الألقاب الرسمية والوراثية تتمتع بقوة الاستمرار بصورة رسمية في سجلات دوائر الأحوال المدنية (النفوس) وما يصدر عنها من تذاكر الهوية وشهادات إخراج القيد وسواها من الوثائق والمستندات الرسمية، وكذلك في المخاطبات الخاصة الشفهية والكتابية طوال عهد الجمهورية الأولى إلى أن جرى إلغاؤها نهائياً على يد جمال عبدالناصر زمن الوحدة مع مصر.
قادة الانكشارية
والواقع إن عبدالناصر لم يكن يهدف من وراء انتزاع ألقاب النبالة الوراثية من أصحابها بناء مجتمع “تقدمي” ينعدم فيه التفاوت الطبقي وتسوده العدالة الاجتماعية على نحو ما كان يزعم، بقدر ما كان يهدف إلى ضرب طبقة “الأعيان” التاريخيين في كل من مصر وسورية، وذلك لكي يعلي من شأن الشريحة الاجتماعية الأقل شأنا ومكانة التي كان ينتمي إليها ورفاق دربه من العسكر المغامرين القافزين إلى السلطة.
وتكمن المفارقة في أن عقد السبعينيات من القرن المنصرم وما تلاه شهد انفتاحاً اقتصادياً نسبياً وصعوداً لطبقة جديدة من رجال الأعمال السوريين المستحدثين الذين دخل بعضهم المعترك السياسي على نحو ضيق عبر إشغالهم مقاعد محدودة في ما يُسمى بـ”مجلس الشعب” بالتزامن مع عودة الألقاب من جديد، وإنما بصورة عشوائية غير رسمية، وبخاصة لقب الـ”بيك”، الذي أصبح يطلق على فئة من الأثرياء الجدد الذين استفادوا من مرحلة الانفتاح تلك وكونوا ثروات طائلة؛ فبات كل واحد منهم يحرص على أن يلقب نفسه بالـ”بيك” باعتباره مظهراً من مظاهر الوجاهة الاجتماعية (البرستيج) كذلك كان هذا اللقب للقضاة، وخاصة أن معظم هؤلاء يتحدرون من عائلات محدثة النعمة، ولم تجد مراتب “الباشوية” طريقها لأي من آبائهم وأجدادهم وأسلافهم.
وهكذا، دخلت الألقاب في المجتمع السوري خلال العقود القليلة الأخيرة في طور من الفوضى الجامحة بعدما كانت لها تشريفاتها، والقواعد الناظمة لحملها، وتوارثها، وتدوينها في السجلات الحكومية، والتخاطب بها شفهياً وكتابياً.
الإنسان كائن اجتماعيّ، يعيش ضمن جماعات يرتبط وإياها بعلاقات متبادلة متعدّدة، مما يوفر له سبل العيش، وكافة الاحتياجات، والمتطلّبات التي لا يستطيع الاستمرار في الحياة دونها، وهو بدوره يقدم أيضاً لجماعته خدمات عديدة، بحسب موقعه، وبحسب المسؤوليّات المناطة به أيضاً. في الواقع إنّ الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل ما هو أعمق، وأهمّ أي الأفكار؛ ذلك أنّ الفرد يستمد العديد من أفكاره ممن حوله، وهو في الوقت ذاته يزوّد من حوله بها أيضاً في علاقة متبادلة لا تنتهي، والأفكار التي تحتوي عليها عقولنا عليها هي التي تحدد شكل الحياة، ومغزاها، ومن هنا فقد اهتم المختصّون بدراسة هذه العلاقة المتبادلة بين الفرد، والجماعة، خاصة من الناحية الفكريّة، فخرجوا بالعديد من الاستنتاجات الهامة والحسّاسة، والتي تصف ما يجري فعلياً على أرض الواقع.
ثقافة القطيع
من المصطلحات شائعة الاستعمال في وصف العلاقة الفكرية بين الفرد بالجماعة مصطلح ثقافة القطيع، حيث يطلق هذا المصطلح على السلوك الذي يتبعه الأفراد عند انضمامهم إلى جماعة ما، حيث تتحول تصرفاتهم من تصرفات مبنيّة على التخطيط، والعقلانيّة إلى تصرفات متأثرة بسلوك هذه الجماعة، وقد استمد هذا المصطلح تسميته هذه من سلوك الحيوانات في قطعانها، أو أسرابها، أو جماعاتها التي تلتحق بها. إن انصهار شخصية الفرد ضمن جماعة يعني أن هذه الجماعة سوف تمنحه إحساساً بالقوة والمنعة، مما يجعله يتحوَّل عن صفاته الأولى إلى صفات أخرى متماهية تماماً مع صفات الجماعة، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد أفراد متشابهين إلى حدٍّ بعيد يكوّنون فيما بينهم قطيعاً يُمكِّنهم من القيام بأي فعل كان حتى لو وصل الأمر إلى إسقاط الدول كما يجري في المظاهرات، وحركات التحرر،
ثقافة القطيع
وما إلى ذلك. لثقافة القطيع العديد من المخاطر، خاصة إن تعلق الأمر بمسائل حساسة كمسائل الحياة والموت، فمثلاً نجد أن شخصاً ما قد يكون مقتنعاً بفكرة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنه قد عقد النية على تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين يراهم يستحقون هذه المساعدة من وجهة نظره، ولكنه وعندما ينضم إلى جماعة ما تتحول مواقفه الأولى إلى مواقف تتشابه إلى حدٍّ بعيد مع مواقف الجماعة، فيستحيل كائناً لاإنسانياً، يُغيِّب العقل، والمنطق، والضمير لأجل إرضاء قطيعه، وبالتالي الحصول على بعض المنافع. الأشخاص الذين استطاعوا إحداث التغييرات الجوهريّة عبر التاريخ الإنساني، هم أولئك الأشخاص الذين تمردوا على جماعاتهم، واحتفظوا بهويتهم الفردية، وبقدرتهم على التفكير المنطقي، والعقلاني، فصاروا بذلك قادرين على توجيه الجماهير وإدارتها، وقيادتها نحو تحقيق أهدافهم سلبية كانت أم إيجابية.
ثقافة القطيع
” دَع التفكير لنا واستمتع بالتبعية”! يقوله الناس سواء كان خطأً أو صواباً.
التبعية في التقاليد
قد تكون بعض الأعراف الاجتماعية قد جاءت استجابة لظرف تاريخي معين، أو أن بعض التقاليد كانت مناسبة في زمن مضى، لكن هذه الأعراف والتقاليد ما زالت حاضرة لليوم وتواصل تأثيرها رغم تغير الظروف والمعطيات. ومن النادر أن يسأل أحد نفسه لماذا نفعل هذا، ولا نفعل ذاك ؟ باختصار، ما زال الماضي يحكم تفكيرنا ونحن نمشي على خطاه دون إدراك ودون إرادة حقيقية واعية “إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون”.
والمشكلة أن كل فرد يعتقد أنه على صواب وأن جماعته هي التي تمثل الحق، ويعتقد أنه توصل لهذا الاستنتاج بعبقريته وذكائه، لكن في حقيقة الأمر أن الصدفة البحتة هي التي أوجدته في هذا المكان وهذا الزمان، وجعلته يحمل في عقله الباطن كل الموروثات الثقافية والأعراف والمعايير التي تحكم تفكيره حتى بات يظن أنها كل الحقيقة.
في الواقع إن هذه العقلية بقيت كإرث وكتراث ثقافي في معظم مجتمعاتنا رغم التعليم ونمو الثقافة وتطور الوعي العام، فالناس وخاصة المتعلمين قد يرفضون بعض السلوكيات التي يحددها الأغلبية (القطيع)، لكنهم في معظم الأحوال لا يجرؤون على التصدي لها حتى لا يتهموا بالخروج عن الجماعة أو المألوف!
لنُقرب الصورة
ثقافة القطيع
في تجربة علمية، وضع أحد العلماء خمسة قرود في قفص، ووضع قرب السقف قطفا من الموز، وصار كلما اقترب أحد القردة من السقف لالتقاط موزة يقوم بمعاقبة جميع القرود برش الماء البارد عليهم. ومع الوقت امتنعت القرود عن محاولة التسلق والاقتراب من السقف، فقام العالِم بإخراج قرد واحد وإدخال قرد جديد مكانه، على الفور حاول القرد الجديد تسلق السقف، فقامت بقية القردة بمنعه من ذلك خشية العقاب، ثم أخذ العالِم بإخراج قرد وإدخال آخر مكانه وهكذا إلى أن انتهت جميع القرود القديمة وحلت محلها مجموعة جديدة، ولم يعد العالِم يعاقب القردة بالماء البارد، لكنها واصلت الالتزام بقانون منع الاقتراب من السقف دون أن تعلم السبب والعلة لهذا المنع!
في التجربة لم يكن هناك أحد من الخارج يمنع القردة الاقتراب من السقف، ولكن الذين أجريت عليهم التجربة وجدوا أنفسهم يفعلون أشياء غير منطقية ويمتثلون لقوانين وهمية ترسخت في عقلهم الباطن، ببساطة، لأنهم إنما يفعلون ما يفعل الآخرين.
وكل ما سبق هو واقع نعيش فيه لكن بأيدينا يمكن أن نخرج من ثقافة القطيع إلي ثقافة الرأي القائم على المنطق والمعرفة والتفكير السليم، فالأشخاص الذين استطاعوا إحداث التغييرات الجوهريّة عبر التاريخ الإنساني، هم أولئك الأشخاص الذين تمردوا على الأغلبية واحتفظوا بهويتهم الفردية، وبقدرتهم على التفكير المنطقي والعقلاني، فصاروا بذلك قادرين على توجيه الجماهير وإدارتها وقيادتها. فليس دائما الأغلبية تعني الصواب، ولعلّي أذكر هنا أن غاليلو كان على حق عندما قال أن الأرض دائرية وتدور حول الشمس وكاد أن يُقطع رأسه من قبل الكنيسة بسبب آرائه ومعتقداته التي ثبت أنها صحيحة في نهاية الأمر!
لو تأملنا في ما حولنا برهة، لرأينا الكثير من المشاهد في حياتنا اليومية التي تؤكد أن الإنسان يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه، حيث نرى أن الفرد يستمد العديد من قراراته الشخصية والروتينية بناء على التصرف الذي يراه من الآخرين دون وعي أو تفكير، وهو في الوقت ذاته يزوّد من حوله بها أيضاً في علاقة متبادلة لا تنتهي.
إذ نرى الشخص يتأثر تأثراً شديداً بالآخرين بلا منهجيه واضحة، وبعقائد مزيفة، فيتشبه بهم في الملبس والمشرب والعادات والمفاهيم، ويعتقد أنه امتلك منزلة عالية ونجاحا باهراً، ولم يع أنه يحاول تعويض النقص بالتقليد ويتحقق لديه درجة من الرضى والاطمئنان النسبي. لكن في الحقيقة كل ذلك يدل على الانهزامية والتبعية المقيتة، إذ يصبح الانسان مجرد رقم تابع يكمل العدد ويكثر السواد ويتلقف كل شيء بلا تدقيق ولا عرض على العقل الذي وهبه الله إياه.
في الواقع إن هذا السلوك يجعلنا نقف أمام مصطلح “ثقافة القطيع” الذي يفسر ما يحدث في سوق الأسهم (البورصة)، حيث يلجأ الأشخاص إلى إجراء الصفقات بشكل غير عقلاني وتُحركه العاطفة، فيدخلون للسوق بسبب إقبال الناس عليه، ويخرجون منه إن رأوا الناس فروا منه دون تخطيط أو رأي شخصي لهم. فيستعمل هذا المصطلح في وصف العلاقة الفكرية بين الفرد بالجماعة، إذ يطلق على السلوك الذي يتبعه الأفراد عند انضمامهم إلى جماعة ما، حيث تتحول تصرفاتهم من تصرفات مبنيّة على التخطيط, والعقلانيّة إلى تصرفات متأثرة بسلوك هذه الجماعة، وقد استمد هذا المصطلح تسميته هذه من سلوك الحيوانات في قطعانها، أو أسرابها، أو جماعاتها التي تلتحق بها. وكم هو صحيح في حياتنا، فمعظم الأفكار والعادات والمعايير التي تحكم ممارساتنا اليومية إنما هي تطبيق حرفي لثقافة القطيع، ذلك لأن الفرد يرتاح نفسيا إذا كان منسجما مع الجماعة التي يعيش في وسطها، ونادرا ما يرغب أو يمتلك الجرأة لمخالفة ما هو سائد.
لا ضير من التذكير بما يُعرف بـ”ثقافة القطيع”، أو قدرة الجماهير على التكيّف مع أحكام خاطئة. برهن على ذلك اختبارا ميلغرام وآش السيكولوجيان. الأول: جَعلْ متطوعين متنوعين يقومون بتعذيب شخص يراد منه أن يتعلم مفردات لغوية. يطلب من المتطوع أن بطلق شحنات كهربائية تتزايد باطراد (إلى أن تبلغ قوتها 450 فولت المميتة) في كل مرة يخطئ فيها المتعلم، بناء على أوامر من أحدهم. والهدف من الدراسة قياس استعداد المشاركين في إطاعة سلطة تأمر بتنفيذ ما يتناقض مع ضمائرهم. ولقد نفذ 65 في المئة من المشاركين تجربة التعذيب تلك حتى النهاية. ولم يرفض تنفيذها أكثر من 24 في المائة. لذا نفهم لماذا أطاع الألمان هتلر! ولماذا خضع العراقيون لحكم صدام؟ ولماذا تخضع الجماهير لأنظمتها والطوائف لزعمائها. ذلك أن عدد الأشخاص الذين لديهم الاستعداد لمقاومة السلطة أقل بكثير ممن هم على استعداد لطاعتها العمياء. والأمر هنا يتعلق بمدى القدرة على تحمل المسؤولية الفردية أو عدمها. لقد برهنت هذه التجربة وغيرها أن المسؤولية الفردية تنتفي عندما يكون الشخص منفذا لأوامر شخص أو جهة أخرى، حينها يقل تأنيب الضمير. فهو غير مسؤول، لأنه ليس من قرر القيام بهذا العمل، بل قرر الآخرون عنه. أما في تجربة آش فقدمت صورا فيها خطوط غير متساوية وكان على المفحوص أن يقارن مع صور أخرى ويقرر تشابه طول الخطوط فيما بينها. والهدف من هذه التجربة معرفة ما إذا كان الفرد يتكيف مع الجماعة ذات الأحكام الخاطئة. وفعلا عندما كانت تُجمِع المجموعة على الخطأ كانت غالبية المفحوصين يتبعونها. أظهرت التجارب أن الرغبة في التكيّف تتعارض مع الرغبة في التغيير. لماذا تتم الأمور بهذه الطريقة؟ ما الذي يفسر الانصياع للسلطة؟ إنها التنشئة الاجتماعية التي تدربنا على الطاعة، كما النقص في التعاطف مع الآخرين وعدم القدرة على إحلال أنفسنا مكانهم. ولأن المرجعية تمتلك سلطة تعتبر شرعية وذات مكانة: مرجع ديني، مرجع حكومي، منصب أكاديمي… أو أي سلطة رمزية. فما سر التكيف الزائد دون أي تمييز؟ بعض العوامل الشخصية: رغبة الفرد بأن يكون محبوباً من قبل أعضاء الجماعة وغير منبوذ. الرغبة في أن يكون على صواب، والخجل الاجتماعي أو ألفة العمل والمحيط. لكن هناك أيضا حجم المجموعة والدعم الاجتماعي الذي توفره. ويلاحظ أنه إذا كان هناك شخص واحد فقط يوافقك الرأي سيدفعك ذلك إلى الثبات على موقفك. ولقد ثبت أن الأشخاص الذين يفضلون أن يكونوا على صواب على أن يكونوا محبوبين في الجماعة، هم أقلية وأقل تكيفا مع ضغوط المجتمع. الأشخاص الذين لديهم الاستعداد لمقاومة السلطة أقل بكثير ممن هم على استعداد لطاعتها العمياء… صحيح أن الانتماء إلى حضن حام وجالب للأمن، هو من الحاجات الأساسية لدى الإنسان كالحاجة إلى الطعام أو التناسل. لكن هناك ظروف تجعل حاجة الانتماء هذه أكثر إلحاحاً وتستعيد قوة أكثرية بسبب الخوف الأولي الذي يجتاح الفرد في ظروف معينة، فيصبح كالطفل الخائف الذي يبحث عن الطمأنينة في حضن الأم. وفي ظل الانقسام الاجتماعي الحاد والصراع المذهبي المتفاقم والمرعي من الطبقة السياسية، إضافة إلى التهديدات العدوانية الخارجية وتفكك أجهزة الدولة ومؤسساتها، ناهيك عن التهديد بالانهيار الاقتصادي، يعيش المواطن في ظل الخوف والقلق على المصير. تصبح الجماعة هي الملاذ الآمن للفرد والجهة التي تتحمل عنه المسؤولية وتقيه من الشرور. يسلّم الفرد قيادته في هذه الحالة إلى قائد موثوق يعفيه من المسؤولية. فيضعف إحساسه بمسؤوليته الفردية. ومع الوقت يعتاد التبعية المفرطة، لأي سلطة بديلة تأخذ على عاتقها مسؤولية القرار. وكلما ازداد الجهل تعمقت التبعية والخضوع، ما يجعل الفرد كالمدمن بحاجة إلى التوجيه الإجباري. فبعض الناس لا يتمتع بطبيعة تكفي لتخوله اتخاذ مواقف مستقلة أو ليفهم لماذا يرغم نفسه على القيام بما يقوم به! يؤدي ذلك إلى جعل الجماهير غير قادرة على الحرية لأنها اعتادت الخضوع والطاعة السلبية للسلطة.
نحن عادةً نصف البشر بأنّهم مخلوقات عاقلة ومستقلّة هذه صفات صحيحة لكنّها لا تنقل الطبيعة البشرية بكمالها. من خلال الخبرة الليتورجية، نحسّ بأن الناس هم مخلوقات ليتورجية أكثر من أي شيء آخر لقد خُلِقوا ليخدموا ويقدّموا أنفسهم والعالم إلى الله بامتنان وتمجيد وعبادة، ليتّحدوا مع الله ويتقدّسوا ويعيشوا من خلال هذه التقدمة – التضحية – الخدمة المتواصلة.
العقلانية والاستقلالية وغيرها من الصفات أعطيَت لنا لهذا السبب، حتى نضع أنفسنا في هذه العلاقة الليتورجية مع الإله المثلّث الأقانيم. في هذا الصعود الليتورجي، يسلك الناس على أنهم في “الصورة” ويُرفعون إلى “المثال”. الحياة في الملكوت كانت ليتورجية إلهية. إلى جانب الملائكة، خَدَمَ آدم وحواء الثالوث القدوس. بالسقوط في مركزية الأنا خسرا إمكانية تقدمة ذواتهما والعالم إلى الله بطريقة إفخارستية وبالتالي المشاركة في الخدمة المشتركة في الفردوس. بنفيهما أنفسهما من ليتورجيا الفردوس، وجدا نفسيهم على الأرض من دون الوظيفة الليتورجية. كفّت “الصورة” عن العمل.
بعض آثار وشرارات وظيفة ما قبل السقوط بقيت في داخلهم وهي حرّكتهما إلى بناء المعابد وتقديم الضحايا لله. في أفضل الأحوال، هذه العبادة كانت شظايا، ظلاً أو نموذجاً. لم تحمل البشر إلى الشركة الكاملة مع الله والاتحاد به. لم تعطِنا الروح القدس. لم تخلّصنا من الموت مع هذا، قد شجّعت فينا الرغبة بالليتورجيا المسيحانية الحقيقية. هذه الرغبة والرؤية مَنَحَتا الأمل للبشر الذين كانوا يقطنون في الظلمة وظلال الموت. لم تستطع محبة الآب السماوي أن تتركنا من دون خدمة ليتورجية. بتدبيره الإلهي، صار الكلمة جسداً. يسوع المسيح، الكاهن الأعظم، بدأ خدمة العهد الجديد المشتركة. لم يكن ممكناً تأسيس ليتورجية العهد الجديد إلا على يد المسيح، لأن المسيح وحده كان القادر على تقديم ذاته والعالم كلّه بشكل كامل إلى الإله المثلّث الأقانيم.
يانورا بهيا…
لقد كان في العهد القديم أناس قُدّموا ضحايا أيضاً، لكن لم يكن هناك قرابين. يسوع المسيح كان الضحية المُثلى وفي الوقت نفسه الشخص الأمثل لتقديم الضحية، الضحية التي لا عيب فيها، حمل الله الرافع خطية العالم. البشر، والعالم أيضاً، من دون الليتورجيا، صاروا غير مقدسين وسقطوا تحت سلطة الشيطان والموت. بموته على الصليب وقيامته، افتدانا المسيح من هذه العبودية، حررنا ومنحنا فرصة الاشتراك في خدمة العهد الجديد المشتركة، أي أن نقدّم ذواتنا لله، لنشكر الله ونمجّده. بكوننا مقرَّبين ومقرِّبين كلّ شيء مع المسيح لله، نحن نخدم كبشر، أي على “صورة الله”. نصير بشراً حقيقيين. ليتورجيا العهد الجديد تسمو كثيراً على الليتورجيا في الفردوس. فالآن الكاهن الأعلى هو ابن الله بذاته. والدة الإله والقديسون يشتركون ومعاً يمجدون الثالوث الكلي قدسه بأصوات لا تصمت وتماجيد لا تفتر.
كلّ أرثوذكسي معمّد يموت ليعيش يشترك في هذه الخدمة المشتركة. في هذه الليتورجيا المشتركة يجد الناس طبيعتهم الحقيقية وراحتهم الفعلية، وشخصهم الحقيقي الذي على صورة الله. خارج هذه الليتورجيا المشتركة، يكون الناس كائنات عاقلة أو كائنات اقتصادية (Homo Sapiens or Homo Economicus) كما يراهما المجتمع الاشتراكي، لكنهم ليسوا حكّام الخليقة، ولا حتّى نقطة التماس بين العالم المخلوق والعالم غير المخلوق ولا هم على صورة الله
ليتورجيا العهد الجديد الإلهية بدأت مع تجسد الكلمة وتستمر إلى المستقبل البعيد مع الكاهن الأعظم. كل قداس إلهي يُقام على الأرض هو اشتراك في الزمن في هذه الليتورجية الأبدية غير المحدودة بزمان. “مع هذه القوات المغبوطة، أيها السيد المحب البشر، نهتف أيضاً نحن الخطأة ونقول: قدوس أنت حقاً وكليً القداسة…” كل كاهن أو أسقف يقيم قداساً على مذبح أرضي “يمارس وظيفة المسيح الكهنوتية في الكنيسة” (قانون قرطاجة). ليس له كهنوت خاص به بل هو يشترك في كهنوت المسيح الوحيد. خطيئتنا العظمى اليوم هي أننا بلا دور ليتورجي. نحن لا نقدِّم ولا نُقَدَّم إلى الله وإلى إخوتنا البشر. في وقت ما كان وصف إنسان ما بأنه غير ليتورجي إهانة أما اليوم فبسبب قلة إيماننا وقساوة قلوبنا صارت قلّة الإيمان صفة طبيعية بينما غير الطبيعي والعجيب هو أن يمارس الناس دوراً ليتورجياً. حتّى عندما “يذهب” الناس إلى الكنيسة، من الصعب تبيان ما إذا كانوا يمارسون الليتورجيا، أي أنهم يشتركون في سرّ الإفخارستيا الكوني وسر الكنيسة، ما إذا كانوا يفهمون القداس الإلهي ليس كواجب ديني واجتماعي وحسب بل كتقدمة وضحية لله، بالمسيح. من الممكن لشخص ما أن يقيم القداس الإلهي ككاهن بينما في الجوهر هو خارج الليتورجيا لأنّه لا يقدّم نفسه وكلّ الأشياء لله. هؤلاء المسيحيون خارج الليتورجيا، كهنة وعلمانيون، لا يحيون من حيث المبدأ. بحسب الرؤيا “أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ.” (1:3) الناس الذين يقدّمون “التي لك مما لك، عن كل شيء ومن أجل كل شيء” يخدمون الله بحق وبفرح. إنهم أناس يعرفون أنّ كل ما لديهم هو منحة من الله. إنهم يؤمنون بأن لا شيء لهم من عندهم ليقدّموه، بل كل شيء هو من الله ومنه يأخذون ويقدّمون إليه، إلى جانب ذواتهم وعالمهم وعلاقتهم بالعالم. إنهم لا يحتفظون لأنفسهم بشيء عن أنانية، إنّما يقدّمون أنفسهم من دون تحفّظ، يعطون كلّ شيء لكي يأخذوا لا شيء، يموتون ليحيوا، ويمنحون كلّ شيء في المسيح ومن أجل المسيح، عن كل شيء (دائماً) ومن أجل كل شيء (من أجل هبة الله). هكذا حياة الناس، حتّى بعد القداس وخارج الكنيسة، تصير خدمة وتقدمة وعلاقة وتضحية وشركة وشكراً… تتحوّل الحياة بكليّتها إلى حياة إلهية إنسانية إن ليتورجيا الأحد ذات الساعتين تمتد إلى أربع وعشرين ساعة. كأرثوذكسيين، عندما نتحدّث عن الحياة الليتورجية، لا نعني تقدمتنا الليتورجية القصيرة في الكنيسة، بل حياتنا بالكامل، التي تبدأ بالنشاطات الليتورجية في الكنيسة وتصير ليتورجية واحدة وعبادة واحدة. المسيحيون الأرثوذكسيون ليسوا منفصمين. لا يحيون حياة ليتورجية في الكنيسة وأخرى غير ليتورجية في الخارج.
الخدمة الليتورجية
إنهم يقضون في الكنيسة ما استطاعوا من الزمن (في القداديس والخِدَم) حتى يصيروا قادرين على العيش خارج الكنيسة بطريقة أقرب ما تكون إلى الروح، إلى جو القداس الإلهي وخلقيته. من خلال العبادة في الكنيسة، تترسّخ الحياة الإلهية الإنسانية فيهم وتصير قادرة على تغيير كل أوجه حياتهم اليومية إذاً، إذ تتغلغل الحياة الليتورجية في المسيحيين، يسلكون في وحدة الإيمان والحياة، الإلهي والبشري، المخلوق وغير المخلوق، الحي والراقد، الحاضر والمستقبل، شخصهم والآخرين. هذه الوحدة يختبرها الشعب الأرثوذكسي طالما تكون حياته كنسية. ما زال يوجد إلى اليوم شعب تقليدي أرثوذكسي وجماعات تسلك في هذه الوحدة. مركز كلّ الحياة في التجمّعات الأرثوذكسية التقليدية (قرى وأحياء) كان الكنيسة الرعية، على غرار ما هي الكاثوليكو (الكنيسة الرئيسية) في الأديار. الولادة، الموت، العمادة، الزواج، المدرسة، العمل، العلاقات الاجتماعية، الأفراح والأحزان وكل تعابير الحياة الاجتماعية كانت مرتبطة بالليتورجية والكنيسة. في النهاية، هذه تصير الكنيسة. أعمال الحياة اليومية تجد وحدتها وترتيب أسبقيتها ضمن القداس الإلهي. بقدر ما يبعِد الشعب الأرثوذكسي نفسه عن أصوله الأرثوذكسية وعن تقليده الإلهي الإنساني المحيي، يضعف الارتباط العضوي بين الأعمال المختلفة والليتورجية الإلهية، لهذا يكفّ الشعب عن العمل بنحو لائق، أي أنهم يفشلون في توحيد الناس أو مساعدتهم على العيش كصُوَرٍ لله. إن الأعمال المتنوّعة خارج الليتورجيا المقدّسة تفكّك الشخص البشري. هذا واضح في وظيفة الحياة الأساسية أي الإنجاب. ضمن الليتورجية المقدّسة والكنيسة تتحوّل هذه الوظيفة الجوهرية وتُبارَك بالنعمة وتساهم نحو ملء الشخص البشري. خارج الكنيسة، تصير هذه الوظيفة أَمَةً للأنانية، إلغاءً للشخصية وعذاباً. يتمرمر الناس اليوم من هذه الخبرة. الأديار الأرثوذكسية المشتَرَكة هي نماذج لكيفية عمل الشعب والجماعات. المركز هو الكنيسة الرئيسية. كل المباني والقلالي منظمة حول الكنيسة. نقطة البداية في الحياة المشتركة هي الاحتفال اليومي بالقداس الإلهي. الهدف هو عبادة الله وتقديم كلّ الحياة للمسيح. هكذا تكون الحياة مشتركةً، الإيمان والمحبة كونيَّين، يُغلَب الموت وكلّ شيء يصير جديداً ويُعطى دورٌ مختلف في تكيّف غريب ومناسب جداً. عندما تترسّخ في الأرثوذكسيين روح الشركة الرهبانية الليتورجية، التي هي روح الأرثوذكسية الليتورجية، يُحفَظون من النزعة الباطلة نحو الدهرية. بالجوهر، الدهرية هي مسعى لتنظيم الحياة خارج الليتورجيا والكنيسة. لا يستطيع الأرثوذكسيون إلا أن يعيشوا ليتورجياً. القداس الإلهي والعبادة ليسا “مناسبات” ولا مجرّد جزء من برنامجهم، بل هما بالمقابل الطلقة المطعِّمة حياتهم التي تحوّلهم، المركز، الأساس، البداية والنهاية. فقط من خلال “التي لك مما لك” في القداس الإلهي يصير الناس ذواتهم، أي صوراً لله.
* كلمة ليتورجيا في اليونانية متعددة المعاني فهي تعني القداس، الخدمة، الكهنوت والوظيفة.
رحلة الراهب الروسي دانيال الى الأرض المقدسة في اول عهد الفرنجة(1)
مدخل
رحلة الراهب الروسي دانيال وقد قدم من بلاده البعيدة لزيارة الاراضي المقدسة بعد فتحها بيد الفرنجة بثماني سنوات فقط، فزار أخص أمكنتها، ووصلها بطريقة شيقة، هذه الرحلة طبعت أولاً في بطرسبورغ سنة 1863 بأصلها الروسي ثم نقلتها بترجمتها الفرنسية جمعية الشرق اللاتيني سنة 1889، كما نشرتها مجلة المشرق سنة 1926 واخيراً نشرتها مجلة “النور” لسان حال “حركة الشبيبة الارثوذكسية”(2) وعن الأخيرة أخذناها ونشرناها هنا (بتصرف) في موقعنا لتعم الفائدة التاريخية والروحية…ونشير هنا الى ان حملات الفرنجة
نظرة عامة عن روسية في اوائل القرن الثاني عشر
كان الروس قد اعتنقوا المسيحية في عهد الأمير فلاديميير أمير كييف في سنة 988مسيحية. وماكادوا يكتحلون بنور الايمان حتى نزعت قلوبهم الى المواطن التي تقدست بمولد وحياة وموت الرب يسوع. فأحبوا أن يعاينوها ويتبركوا بزيارتها معتبرينها كوطنهم الثاني الروحي. وقد ذكر التاريخ تقاطرهم الى فلسطين واورشليم منذ القرن الحادي عشر حتى أصبح مذ ذاك الحين حجهم اليهما كشيء معتاد. ومما صبر الزمان من آثارهم أغاني روحية شاعت بين العموم تلهج بذكر اورشليم وآثارها الدينية.
روسيا التاريخية
وفي القرن الثاني عشر بعد فتح الفرنجة الأراضي المقدسة زادت رغبة الشعب الروسي الى زيارتها وتوفر عددهم جداً فكنت ترى كثيرين منهم يهجرون نساءهم وأولادهم وأقاربهم وأملاكهم قاصدين أورشليم ومزارات فلسطين.
وقدبلغ الأمر الى تخوف الرؤساء لسببها ضرراً يحل بالبلاد فتهمل الفلاحة والزراعة وتسود المجاعة على الأهلين. ومن ثم أخذ الأساقفة يحضون الكهنة على صرف الشعب عن الزيارات البعيدة التي تعرض الوطن الى آفات شتى ومنعهم من ابراز النذور لمباشرتها. ولكن هذه الأوامر وفقاً للمثل القائل ” أن الممنوع مرغوب” لم تبلغ غايتها ولاسيما وان الشعب كان يرى الاكليروس القانوني والعلماني معاً يتجشمون هذه الاسفار فيندفعون الى الاقتداء بآثارهم ومنهم رئيس اساقفة نوفوغراد المدعو يوحنا، فإنه بعد نشره رسالة في معارضة الزوار سار هو الى زيارة اورشليم – محمولا على زعم بعض المتفكهين-على كتف شيطان غلب الاسقف تجربته فأكمره ان يحمله الى المدينة المقدسة ذهاباً واياباً فاضطر الى مجاراته.
الرهبنة الروسية
فكانت جماهير الزوار تقطع المسافات الطويلة لا تثني عزمها المشقات والأخطار وكان الفقراء منهم يستعطون في طريقهم الأغنياء فتسير حاشيتهم في خدمتهم، ولم يحج كل هؤلاء الزوار لغاية شريفة مجردة لوجه الله فإن منهم كانوا صعاليك يخرجون من وطنهم تلهياً وفضولاً ويعيثون بالبلاد سلباً ونهباً.
أما الطريق التي كان الزوار ينهجونها من روسيا الى فلسطين فكانوا عادة يجتمعون في مدينة كييف ثم يركبون سفناً خفيفة فيقطعون نهر دنيبر مالم تصدهم القبائل التي على ضفتي النهر فيُقضى عليهم اذ ذاك أن يسيروا مشياً الى بلغاريا ومنها الى القسطنطينية.
كان معظمهم في القسطنطينية يستأجرون مراكب شراعية فيبحرون الى يافا من بحر مرمره الى الارخبيل ثم الى بحر الشام سائرين قريباً من سواحل الأناضول وشمالي سورية يتمونون من مدنها ويسرحون الأبصار بآثارها التقوية. على أن هذه الطريق البحرية لم تخل من المخاطر سواء كان من جهة أنواء البحر أم منجهة القرصان، فكم غرق منهم بهيجان البحر! وكم قتل غيرهم او استعبدوا فبيعوا في اسواق العبيد في مصر والجزائر. وكان غيرهم استدراكاً لهذه الموانع يفضلون طريق البر فيقطعون أنحاء آسية الوسطى ثم بلاد سورية الشمالية او الساحلية يذوقون في سفرهم الطويل ضروب المشاق والأتعاب فضلاً عما يلاقونه من قطاع الطرق وعصابات اللصوص، وذلك ماجعل زيارة القدس كفعل توبة للتكفير عن مآثم سابقة لاسيما الأغنياء والأشراف الذين اعتادوا عنها بذلك السفر المضنك الشاق.
الأمير فلاديميير امير كييف
ومع كثرة الروسيين الذين تكلفوا زيارة الأراضي المقدسة قل ماكتبوا عنها. ولاغرو فإن معظمهم كانوا من بسطاء الناس مع قلة انتشار التعليم في زمانهم.
وكانوا اذا انتهوا من زيارتهم وعادوا الى وطنهم يتهافت الناس الى اكرامهم ويصغون بكل شوق الى ما يرويه الزوار من الأخبار الصحيحة أو المخترعة. وهذا مايجعل قيمة كبيرة للرحلة التي أردنا هنا وصفها التي سعى بكتابتها صاحبها دانيال بكل صدق وكل سذاجة.
التعريف بالرحالة دانيال
دانيال صاحب هذه الرحلة كان راهباً وهيغومانا أي رئيساً على بعض أديرة وطنه روسية ولا نعلم من أخباره غير القليل الذي ذكره عن نفسه في أثناء رحلته وهو في الغالب عبارات دالة على تواضعه وتحقيره لشخصه كأنه يريد ان ينسى القارىء الكاتب فلا يفكر الافي عظمة الماكن الشريفة التي يصفها.
ويلوح من كلامه انه كان رجلاً دمث الأخلاق عريقاً في التقى محباً لوطنه مدققاً في أوصافه سليم الذوق راجح العقل لكنه لسذاجة ايمانه يروي مايسمعه من العموم عن كل مزار دون انتقاد لصحته. وهو في الغالب يذكر ماجاء عن كل مكان في الكتب المنزلة. ومما أفادنا عنه غيره من الكتبة أنه ولد في روسية الجنوبية وأن رحلته الى القدس الشريف تمت من السنة 1106م الى سنة 1108م كما يستفاد من أخباره عن الفرنجة واحوالهم بعد فتحهم لها بزمن قليل.
وكانت روسية في عصره في حالة حرجة فكان امراؤها يتحاربون ويتنازعون فزادت القلاقل واستفحل الشر واصبحت البلاد كساحة وغى تقتحمها القبائل المقيمة في حدود الدولة. وكانت كييف عاصمة روسية معرضة لآفات الفوضى حتى أن أهلها اعلنوا بعزمهم على مهاجرتها ليلتجئوا الى مملكة الروم. وانتهز كثيرون هذه الفرصة لمغادرة البلاد ليسيحوا في الأصقاع البعيدة.
معمودية روسيا
وكانت سورية وفلسطين حين ذاك في هدوء بعد فتح الفرنجة للقدس وسواحل الشام فأموا اليها فراراً من نكبات بلادهم وطلباً لبركة تلك المزارات الشهيرة. ولعل هذه الغايات دفعت ايضاً السائح دانيال الى مباشرة سفره.
رحلة من القسطنطينية الى اورشليم
يفتتح السائح دانيال رحلته بكلام يشعر بتواضع نفسه ويذكر الغاية التي دفعته لهذا السفر طلباً لرحمة الله وغفران خطاياه مصرحاًبأن لافضل له بهذا العمل لأن قداسة الحية هي قبل كل شيء ترضي الله. وانما اراد ان يدون أخبار سفره لكي يبعث ذكرها في قلوب مواطنيه محبة الله فينالوا بذلك أجراً كالزوار انفسهم. ويؤكد أنه يصف الأمور كما عاينها واختبرها ليس بسرعة كغيره من السياح بل بطول الأناة والتروي اذ قضى 16 شهراً في فلسطين. ثم يذكر طريقه من القسطنطينية الى اورشليم بحراً مدوناً المسافات التي قطعها من مكان الى آخر على الأقيسة الروسية في زمانه التي تختلف عن اقيستهم الحاضرة.
وهو اذا مر بمكان يذكر خصوصاً مايجده من الآثار المسيحية كالكنائس ومن اشتهر في تلك الامكنة من الرسل والقديسين الشهداء وينقل مايسمعه من الأهلين عن أخبارهم دون تمييز غثها من سمينها فهذه التذكارات الروحية كانت تفعم قلبه سروراً حتى انه يصرح عن نفسه وعن رفقته قائلاً:” اننا نسير بملء الفرح حيثما نحل.”
روسيا المسيحية
ومع ذكره لتلك الآثار التقوية تراه لايهمل ما لتلك الأمكنة من الخواص التاريخية او التجارية. ففي افسس يشير الى رسالة القديس يوحنا الحبيب والى المجمع المسكوني الثالث ضد نسطوريوس. ويذكر عن جزيرة ساموس خصب تربتها ووفرة سمكها. وعن جزيرة “كوس” غناها بالمواشي. وقد عاين منجم الكبريت الفاخر الذي يباع في جزيرة تيلوس. وعند مروره في رودس يروي حلول الأمير الروسي اوليغ في ربوعها مدة سنتين، وقد اتسع في وصف صاقس وصمغ المصطكي الذي اشتهرت به الجزيرة وكيفية استحضاره مع ذكره لخمرها الطيبة ومما روى عن قبرص أن في مدنها عشرين اسقفها وان فيها تنبت اشجار اللبان والبخور.
الرهبنة في روسيا
وبعد عدة اسابيع بلغ اخيراً الراهب دانيال ميناء يافا ولم يلبث ان سار الى اورشليم ماراً باللد حيث اكرم الشهيد الكبير جاورجيوس في كنيسته هناك، واسرع في الخروج منها خوفاً من غزوات اهل عسقلان الذين يترصدون الزوار ليحاربوهم ويقتلوهم. وقد وجد عناء عند توغله في جبال اليهودية وهو لم يعهد في وطنه غير الصحاري، حتى لاحت له أخيراً وعلى بغتة المدينة المقدسة بكل بهائها تحدق بها الربى والتلال وخصوصاً جبل الزيتون فتخلب البصر بمحاسنها. ثم يصف ماخامر قلبه من العواطف عند نظره القدس الشريف وما في وسطه واطرافه من الابنية الجليلة ولاسيما كنيسة القيامة وقبر السيد المسيح فترجل هو ورفقته الزوار وسجدوا والدموع تترقرق من عيونهم ذاكرين ماجرى في هذه المدينة من الاسرار الالهية.
أورشليم
نزل سائحنا الروسي ضيفاً في دير القديس سابا وأقام فيه 16 شهراً متنقلاً في كل الأمكنة التي ورد ذكرها في الأسفار المقدسة ولاسيما الانجيل الشريف. ولم تخل تلك الزيارات من بعض الخطر لكن الراهب دانيال كان يتحين الأزمنة الموافقة لئلا يفوته شيء من المزارات المقدسة.
فتح اورشليم من قبل الفرنجة
وكان ذا مال وافر فصرفه في سبيل زياراته وفي اقتناءالذخائر التقوية ليعود بها الى وطنه. ولحسن طالعه وجد في الدير شيخاً مهيباً كان يعرف المدينة المقدسة وجيرتها حق المعرفة فقدم نفسه للهيغومانس ليكون دليله في كل أنحاء المدينة.
فزار أولاً كنيسة القيامة واستقرى كل آثارها وماتحتوي عليه من المشاهد المختلفة متتبعاً مايرويه الانجيل عن كل منها ويتسع بالخصوص في وصف قبر السيد المسيح وما يزينه من الحلي ثم يصعد الى الجلجلة ويعدد آثارها ومايرى فيها من شق الصخر الذي سببته الزلزلة الحادثة عند موت السيد المسيح، ذم يذكر قبر آدم وسرة الأرض التي يزعمون انها مركز كرتنا الارضية وهو في كل ذلك يروي ماكان يردده أهل تلك الأزمنة وشاع في كتبهم حتى في قصائد “دانتي” وربما نقلوه عن تآليف مصنوعة لايوثق بها كقوله عن جمجمة آدم المقبورة تحت الصليب وكيف جرى اليها دم السيد المسيح فغسلها لما انشقت الصخرة بفعل الزلزلة التي وقعت عند موته.
ومما زاره في اورشليم من المعاهد القدسية كنيسة علية صهيون التي فيها جرى العشاء السري ورسم القربان المقدس وحل الروح القدس على التلاميذ. ويزعم أن هذه العلية كانت داراً للقديس يوحنا الحبيب وان في غرفة بقربها كانت وفاة البتول العذراء مريم. ومما قاله عن تلك الكنيسة انها مزينة بالفيسفساء تعلوها قبة راكزة على عمد.
فيض النور المقدس من قبر الرب يسوع
ولم تفته زيارة ضواحي أورشليم كجبل الزيتون وجنينة الجسمانية، ومكان صعود الرب وبركة سلوام وقبر السيدة العذراء مريم قبل انتقال جسدها الطاهر الى السماء ومغادرة بطرس الرسول حيث بكى على خطيئته.
ومما اتسع في وصفه حفلة سبت النور وماجرى يومئذ في كنيسة القبر ومن ازدحام الجمهور لمعاينة النار المقدسة التي على زعمه كانت في الحقيقة وقوداً سماوياً ومما أخبره أن ملك اورشليم بودوات أو بغدوين حضر بنفسه تلك الحفلة الدينية ونال سائحنا دانيال من لطفه أن يرافقه ويجلس بقربه فشاهد اتقاد النور العجيب فلا يُشك ان ذلك حدث بأعجوبة باهرة.
الراهب دانيال في الغور وفي بيت لحم وحبرون
ولم يكتف السائح دانيال بزيارة أورشليم وضواحيها بل أراد ان يسير الى بحيرة لوط ونهر الاردن فعاين الجبل الذي صام فيه الرب اربعين يوماً ثم تبطن الوادي العميق الذي يطل عليه دير القديس سابا حيث ترهب القديس يوحنا الدمشقي وغيره من كبار النساك
دير مارسابا
وزار في طريقه أدياراً أخرى واغتسل في نهر الأردن في نصف ليل عيد الغطاس تذكاراً لمعمودية الرب مع دد لايحصى من تاريخها ومن محاسنها الطبيعية. وزار كذلك بيت من الاحداث في ايام يوشع بن نون وفي عهد السيد المسيح الذي نزل في بيت زكا.
وزار أيضاً بيت لحم ومغارة مولد السيد المسيح وقبل مذوده المقدس ووصف الكنيسة الجميلة التي أقامتها القديسة هيلانة فوق المغارة وتجول في المدينة وذكر شيئاً من تاريخها ومن محاسنها الطبيعية. وزار كذلك بيت ززكريا حيث ولد يوحنا المعمدان بعد أن حظيت أمه اليصابات بزيارة مريم العذراء فوجد هناك كنيسة على اسم الصابغ.
وقصد مدينة حبرون المعروفة بمدينة الخليل وزار سنديانة ممرا حيث جلس ابراهيم وظهر له الرب تحت صورة ثلاثة شبان مثلوا له الثالوث الأقدس فرأى ثلاثة وسجد لواحد.
ثم نزل الى مغارة حبرون حيث قبر فيها ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف فوصف ذاك المدفن الذي بقي محجوباً مئات من السنين لايسمح لأحد النظر اليه.
يانورا بهيا…
زيارة الراهب دانيال للسامرة والجليل
وتيسر لسائحنا بعد زمن السفر الى بقية الأمكنة المقدسة فمر بعمواس فوجدها قاعاً صفصفاً بفعل الأعداء. ونزل الى ساحل البحر فمر بيافا ونذكر عجائب الرسول بطرس فيها ثم عرج الى أرصوف وقيصرية وعاين جهات السامرة فدخل حضرتها نابلس ورأى بئر يعقوب وزار سبسطية وهو يزعم ان فيها حبس القديس يوحنا المعمدان وقطع رأسه (والصواب أنه قتل في حصن المغير شرقي بحر لوط.)
ثم طاف في جهات الجليل فوصف الناصرة وكنيستها الكبيرة المبنية فوق بيت العذراء وشهد مكان بشارة الملاك جبرائيل ومقام الطفل يسوع في اوائل حياته وشبابه. وكذلك ذكر قبر القديس يوسف في مغارة هناك يسيل منها شبه دهن يشفي المرضى. وحل ضيفاً في بيت هذا القديس الذي كان الفرنجة عمروه بعد خرابه فاستقبله الاسقف اللاتيني واكرم وفادته.
الناصرة عين العذراء
ثم انتقل من الناصرة الى قانا الجليل ورقي الى قمة جبل الطور وصلى هناك في كنيسة التجلي وكنيسة النبيين موسى والياس ثم رحل الى بحر طبريه فتبادر الى فكره ماجرى هنالك من الآيات الباهرة سواء كان في البحيرة ذاتها ام في سواحلها في كفرناحوم وصيداء الجليل وصعد منها الى ينابيع الاردن وتوغل في البلاد ماوراء نهر الاردن فزار جرش وبيسان والمدن العشر.
وخص هذه البلاد السورية بزيارة فدخل مدينة عكا وهي حينئذ في ملك الفرنجة وسار شمالاً فمر بحيفا وترقى الى جبل الكرمل حتى المكان الذي حكم به ايليا على قتل كهنة البعل وواصل مسيره شمالاً فاجتاز بصيداء ثم ببيروت ذاكراً اعجوبة ايقونتها لماضربها بعض اليهود فسال منها الدم وآمن بسببها كثيرون فاعتمدوان وكذلك اتى بذكر الأخوين يوحنا واركاديوس اللذين أتيا الى بيروت ليدرسا فيها الفقه(695-706)مسيحية ولم يحب دانيال أن يمر بقرب لبنان دون أن يزوره فذكره وأشار الى ثلوجه الغراء ولعله انخدع باسمه لبنان فروى أن فيه ينبت شجر اللبان.
الخاتمة
اسوار عكا
هذه خلاصة سياحة الراهب الروسي دانيال الهيغومانوس التي ادرك بها عاية متمناه، فانفتل راجعاً الى بلاده على طريق البحر من يافا الى القسطنطينية لكنه أصيب هو ورفقته بمصيبة كانت تتكر في ذلك الزمانفان القرصان الأعداء ادركوا سفينتهم عند جزيرة بترس في بحر اليونان فهجموا على مركبهم ونهبوا ماوجدوه وسلبوا الركاب اموالهم.
وكان الراهب دانيال لايحسب حساباً كبيراً لهذه البليةاذ نجا من ايديهم سالماً بعد النعمة التي نالها بزيارته قبر المسيح.
ولما رجع الى وطنه اتحفنا بهذه الرحلة الشائقة التي هي اول أثر من جنسها لكاتب روسي. ولنا بعده أسفار غيرها باشرها المؤمنون الروسيون وكلها تشعر بايمان حي كان يبعث في القلوب الرغبة الى رؤية الأراضي المقدسة فيتجشمون المخاطر ولايبالون بما يقاسونه ممن المشقات حباً برب فداهم بدمه الذكي ليشاهدوا آثار محبته نحو البشر. وبذلك كانوا يخالفون الروح العصري الذي يفضل قبل كل حب الأرض والمنافع الزمنية على حب العالم العلوي وطلب الخيرات الروحية السرمدية.
احياء يافا
حواشي البحث
1- وردت في اصل المقال “اول عهد الصليبيين” ومعروف رأينا بهذه التسمية التي يعتمدها بها الغرب بموضوعية وبعض كتاب التاريخ المسلمين لدواعً طائفية ولاصباغ صبغة ان الحروب دينية مسيحية على الشرق المسلم تحت شعار الصليب في حين ان التسمية الموضوعية تعني ان الصليب هو شارة حربية للفرنجة كما النسر عند الرومان والنسر البيزنطي ذي الرأسين عن الروم… والادق هو استخدا المصطلح الذي استخدمه المؤرخون المسلمون المعاصرون لهذه الحملات وهو الفرنج نسبة الى قبائل الفرنك الفرنسية وهي مستودع اساس لهذه الحملات التي هدفت الى كثلكة ولتننة ارثوذكس الشرق ومافعلوه بالسكان المسيحيين الذين كانوا يشكلون نسبة 60% من مجمل سكان الشرق وقتل بطاركتهم واقامة بطاركة واساقفة لاتين في الكرسيين الانطاكي والاورشليمي واستبدال كل الاكليروس الارثوذكسي بآخر لاتيني و…لذا ومن هذه المنطلقات طالبنا باستبدال تسمية الحروب الصليبية بحروب الفرنجة في مؤتمر اعادة كتابة تاريخ بلاد الشام في عمان عام 2006 بمشاركة تنظيم جامعات دمشق وعمان واليرموك… وبمشاركة العديد من الباحثين من هذه الجامعات وسواها من الجامعات اللبنانية والاوربية والاميركية ومن جامعة البلمند ومن البطريركية بدمشق ومنهم نحن بصفتنا أمين الوثائق البطريركية بدمشق… لذا استبدلناها في هذا المقال من (اول عهد الصليبيين) الى (اول عهد الفرنج) وفي كل جملة وردت فيها تسمية الفرنجة وهي بديلنا للصليبيين…
2- السنة 29- العدد 5 بتاريخ 15 آذار 1964 وكان الاستاذ الكسيس بوغوليوسكي قد ارسلها لادارة مجلة النور.
من الصعب جدا التجول في روسيا من دون معرفة تاريخها. نحن نعلم أنه ليس بالإمكان كتابة تاريخ البلاد الذي بدأ منذ آلاف السنين بصورة موجزة.
لذلك حاولنا أن نذكر المراحل البارزة وخصوصا تاريخ العلاقات بين روسيا وبلدان الشرق.
الشعوب السلافية الشرقية يعود أول ذكر لدولة «روس» (الروسيا) الى النصف الأول من القرن التاسع. ولكن مختلف المؤرخين ومن ضمنهم اسكندينافيون وبيزنطيون وعرب وفرس، لا يعطون صورة واضحة عن حدود وطبيعة هذه الدولة. ونجد في المصادر العربية ما يشير الى وجود شعب «روسي» ابتداء من القرن التاسع، كما جاء في مؤلفات الثعالبي والجغرافي العربي ابن خرداذبة وغيرهم.
ومنذ بداية القرن العاشر بدأت تظهر في الأدبيات العربية والفارسية قصص وأخبار وافية عن الروس القاطنين في جزيرة، وعن علاقاتهم مع الشعوب والأقوام الأخرى في شرق أوربة. وقد أصبحت هذه القصص ذات شعبية واسعة لدرجة أنه بات من الممكن مطالعتها بصيغ متباينة لدى كثير من الكتاب في الفترة ما بين القرنين العاشر والسابع عشر مثل ابن رسته ومطهر المقدسي والبكري والمروزي ونجيب همداني وزكريا القزويني وشمس الدين الدمشقي وغيرهم الذين كتبوها بأشكال مختلفة.
والمؤلفون العرب يتحدثون عن الموقف الودي للروس من الأجانب وكذلك عن شدتهم وبأسهم.
إن مساحة الأرض التي تشكل اليوم قلب روسيا كانت، قبل مجيء القبائل السلافية، موطنا للقبائل الفينية الأوغرية خلال فترة زمنية طويلة. وقد انسلخت القبائل السلافية الشرقية عن المجتمع السلافي في القرن السادس، خلال فترة الهجرة الكبرى للشعوب في (القرنين 4-7) من جبال الكربات واحتلالها سهوب شرق أوروبا. فاستيطان الأراضي الجديدة من قبل هذه القبائل لم يكن احتلالا، بل توغلا.
وكانت تمر عبر هذه الأراضي طرق تجارية معروفة، منها مثلا الطريق الذي كان يربط بين البلدان الاسكندينافية والقسطنطينية.
وكانت القبائل السلافية وثنية وتعبد الظواهر الطبيعية وتحترم الأجداد.
دولة روس كييف «كييفسكايا روس» تربط الأسطورة ظهور دولة روس باسم الأمير ريوريك. واستنادا الى السجلات التاريخية، توجهت القبائل السلافية في عام 862، نتيجة معاناتها الطويلة من الصراعات الداخلية في الشمال حيث انهكتها الصراعات والخلافات المستمرة، بالطلب الى ثلاثة أخوة وأمراء اسكندينافيين هم ريوريك وسينيوس وتروفور، ليديروا شؤونهم. ووحد ريوريك بعد وفاة أخويه جميع مناطق الشمال والشمال الغربي التي تقيم فيها القبائل السلافية الشرقية والقبائل الفنلندية الأوغرية. وكانت العاصمة في نوفغورود. بهذا الشكل أصبح روريك مؤسس سلالة ريوريك التي حكمت روسيا حتى القرن السادس عشر.
الامير فلاديمير
وظهر مركز آخر لدولة قوية على الضفاف الوسطى لنهر الدنيبر بزعامة كييف. وقد كان أمراء كييف مقاتلين أشداء، حيث هاجموا ممتلكات بيزنطية في القرم، حتى أنهم هاجموا القسطنطينية.
بعد وفاة روريك استلم السلطة قريبه أوليغ، الذي ترأس الدولة الفتية الى أن شب إيغور ولي العهد ابن روريك.
تمكن إيغور من قتل أمراء كييف غدرا، ومن توحيد الدولتين. وهكذا بدأ تاريخ دولة روس، التي يطلق عليها البحاثة تسمية دولة كييفسكايا روس «روس كييف» نسبة الى عاصمتها مدينة كييف.
وكان فلاديمير أحد أشهر أمراء هذه الدولة، إذ كان قويا وحكيما، وبذل جهودا كبيرة من أجل تعزيز حدود الدولة وحمايتها، كما أنه اشتهر بوصفه معمِّد روس (حوالي 988-991)، وبعد ذلك وضعته الكنيسة في خانة القديسين الروس.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن أول مطران ارسلته كنيسة القسطنطينية الى روس كان ميخائيل وهو من أصل سوري وهو الذي قام ومعه البعثة الكنسية باجراء المعمودية للروس عام 988مسيحية.
بعد ذلك استقلت الكنيسة الروسية رسميا عن القسطنطينية، لكن رئيسها لم يحمل لقب البطريرك قبل عام 1589 أي بعد اكثر من 100 عام على سيطرة الاتراك على القسطنطينية. وكان ذلك باقتراح ودعم بطريركية انطاكية لدى البطريرك المسكوني.
وكان أمير كييف يحمل لقب «الأمير المعظم» وكان هذا اللقب ينتقل من أخ الى أخيه حسب العمر. أما المدن الأخرى التي أصبحت مراكز للإمارات المحلية فإن الإمارة فيها كانت تنتقل من الأخ الكبير الى الأخ الصغير. وبنتيجة ذلك انقسمت أراضي روس تدريجيا ونشبت فيما بينها الحروب.
النير المغولي
ظهرت القوات المغولية بقيادة جنكيزخان على تخوم روسيا في بداية العقد الثاني من القرن الثالث عشر، وكانت تهاجم قبائل الكومان الرحل التي كانت روسيا تحاربهم تارة وتتحالف معهم تارة اخرى.
فطلب رئيس الكومان المساعدة من الأمراء الروس، لكن الطرفين لم يتوصلا الى اتفاق على حملة موحدة. ونتيجة لهذا خسرا المعركة التي جرت على ضفاف نهر كالكا عام 1223 وكانت خسائر الطرفين كبيرة جدا، حيث كان ضمن القتلى 12 أميرا من مجموع 21 شاركوا في المعركة.
بدأ الغزو المغولي لروسيا عام 1237 بقيادة باتو خان (ابن جنكيز خان)، الذي واجه مقاومة عنيفة، ولكنه تمكن من احتلال الإمارات الروسية الواحدة تلو الأخرى. قد نهبت المدن المحتلة وفرض على سكانها دفع الجزية وكان الخان المغولي هو من يسمح للأمير الروسي بحمل اللقب. فأصبح الروس يسمون الغزاة المغول بالتتر. وانتشر هؤلاء في مناطق واسعة من وسط وجنوب حوض الفولغا، حيث أسسوا دولتهم، التي أطلق عليها الروس اسم «الأورطة الذهبية». وفي أواسط القرن الثالث عشر استقلت هذه الدولة عن الإمبراطورية المغولية. وشكلت الأقوام التركية والفينية – الأوغارية النسبة الأكبر من سكانها. ومنذ عام 1312 أصبح الإسلام السني دينا رسميا لدولة الأورطة الذهبية. وبهذا غدا الإسلام تاريخيا احدى الديانات التقليدية في روسيا.
بروز موسكو على مسرح الاحداث
شارف النير المغولي على نهايته عمليا في النصف الثاني من القرن الرابع عشر. وفي عام 1380 وجه الأمير دميتري دونسكوي ضربة شديدة الى المغول في معركة كوليكوفو. ولكن استمر الروس بدفع جزية بسيطة مدة 100 سنة أخرى، أي لغاية عام 1480.
خلال هذه الفترة ازدهرت إمارة موسكو وأصبحت قوية، وبدأ توحيد الأراضي الروسية تدريجيا حول موسكو. انتهت هذه العملية في عهد الأمير إيفان الثالث الذي منح لقب «الأمير المعظم لعموم روسيا». ولأول مرة ظهرت في وثائق تلك الفترة كلمة روسيا واعتمد لها شعار نسر برأسين وهو رمز الإمبراطورية البيزنطية. وإن فكرة روسيا كوريثة لبيزنطة التي سقطت تحت وطأة الهجمات التركية الشرسة، ثبتت بزواج الأمير إيفان الثالث من صوفيا باليولوغ ابنة أخت آخر أباطرة بيزنطة.
إيفان الرهيب
وصلت قوة روسيا الى أوج عظمتها في عهد إيفان الرابع الملقب بـ (الرهيب). وكان هدف السياسة الخارجية لإيفان الرهيب هو تحطيم بقايا الأورطة الذهبية التي كانت قد انقسمت الى عدد من الخانيات.
وفي عام 1552 تم إخضاع قازان ومن بعدها أستراخان وتوغل الروس في سيبيريا وتقدموا نحو الشرق. وفي هذه الأثناء أعلن إيفان الرهيب نفسه قيصرا على روسيا وهو الذي عرف بأنه أحد أقسى حكام روسيا.
الفترة المظلمة
كان فيودور، ابن إيفان الرابع حاكما ضعيفا ومريضا، وتوفي دون أن يكون لديه وريث للعرش. وبوفاته تكون فترة حكم سلالة ريوريك قد انتهت. بعد هذا استلم السلطة بوريس غودونوف شقيق زوجة القيصر المتوفي. وقد اتهم كثيرون القيصر بوريس بأنه من خطط لقتل ديمتري الابن الأصغر لإيفان الرهيب. فاستغل البولنديون هذا الأمر وأعلنوا الحرب ثانية على روسيا، بحجة إعادة السلطة الى صاحبها الشرعي، الذي قالوا عنه، إنه نجا بإعجوبة من عملية الاغتيال، وأعلنوه وريثا للعرش في روسيا. توفي القيصر بوريس غودونوف في عام 1605، وحصل في البلاد عصيان شعبي ضد ابنه، استغله المحتال دميتري المنتحل صفة الوريث الشرعي ليجلس على العرش في موسكو. ولكن حكمه استمر أقل من سنة، حيث دفع تعسف البولنديين الذين جاؤوا معه الناس إلى الانتفاضة التي أدت في نهاية المطاف الى قتل القيصر دميتري الكذاب أو المحتال. ومع ذلك ظهر محتال آخر باسم دميتري أيضا. وسميت هذه الفترة من تاريخ روسيا بـ «الفترة المظلمة»، حيث تخللها تغير رأس السلطة باستمرار وانتفاضات شعبية وظهور محتالين، إضافة الى الغزو البولندي والسويدي، مما أدى الى توجيه ضربة شديدة الى الاقتصاد والى تقلص عدد السكان كثيرا. وبعد أن وضعت المقاومة الشعبية بقيادة كوزما مينين والأمير دميتري بوجارسكي، نهاية لهذه الفترة المظلمة عام 1612، وتم طرد الغزاة البولنديين، اجتمع الأعيان وممثلون كافة طبقات الشعب وانتخبوا ميخائيل رومانوف قيصرا على روسيا، الذي كانت تربطه علاقة قربى بالقيصر إيفان الرهيب من جهة الام.
حكم سلالة رومانوف اعتلت عرش روسيا سلالة جديدة هي سلالة رومانوف التي استمر حكمها لروسيا ثلاثة قرون.
فاستعادت روسيا هيبتها وقوتها في عهد القيصر أليكسي ابن ميخائيل رومانوف والذي بدأت الكنيسة خلال فترة حكمه تلعب دورا مهما في إدارة الدولة.
زار روسيا خلال سنتي (1654-1655) بطريرك أنطاكية الأرثوذوكسي مكاريوس الثالث، وهو والد بولس الحلبي رئيس الشمامسة، الذي ترك وصفا جميلا عن روسيا باللغة العربية. كان الهدف الأساسي للزيارة هو جمع التبرعات والهبات لدعم الكنيسة الأنطاكية. وتوسعت الحدود الروسية خلال هذه الفترة مجددا توسعا كبيرا، واندلعت في روسيا الصغرى (أوكرانيا) انتفاضة شعبية ضد المحتل البولندي، انتهت بانضمام أوكرانيا الى روسيا عام 1654. كما ضمت موسكو بنتيجة الحرب مع تركيا وإمارة خانية القرم خلال اعوام 1676-1678 أراضي جديدة، هي اليوم ضمن حدود أوكرانيا. وانتهت في هذه الفترة عمليات ضم سيبيريا والشرق الأقصى الى روسيا.
فترة حكم بطرس الأكبرتميزت فترة حكم بطرس الأكبر بحدوث تغيرات جذرية في روسيا. فقد كان بطرس الأكبر منذ طفولته مولعا بالقضايا العسكرية، حيث سعى الى تشكيل جيش وبناء أسطول بحري على غرار الأساطيل الأوروبية. كما أنه عمل تدريجيا على إجراء اصلاحات في إدارة الدولة حسب النموذج الأوروبي وغرس عاداتِ وتقاليدَ الطبقات الاجتماعية الأوروبية الراقية في المجتمع الروسي. وقد أدت الانتصارات المحققة على القوات التركية والسويدية، الى توسع حدود الدولة الروسية وتوطيد مواقع روسيا في المحافل الدولية. كما أبعد البطريركية واخضعها لسلطة الدولة المركزية. وبعد انتصاره على القوات السويدية أعلن عن قيام الإمبراطورية الروسية.
بنى بطرس الأكبر مدينة سانكت – بطرسبورغ التي أصبحت عاصمة روسيا الجديدة.
روسيا – امبراطوريةب
دأت بعد سلطة بطرس الأكبر القوية، مرحلة جديدة عرفت بمرحلة انقلابات القصر. وبنتيجة أحد هذه الانقلابات الذي دبرته ضد زوجها، اعتلت العرش الإمبراطورة يكاترينا الثانية، ذات الأصل الالماني، والتي امتد حكمها من عام 1762 ولغاية 1796. وخلال هذه الفترة استمرت يكاترينا في تثبيت مركزية السلطة في روسيا.
وبنتيجة انقلاب حدث عام 1801 اعتلى العرش حفيد يكاترينا الثانية الكسندر الأول، الذي تميز حكمه بالليبرالية، حيث اتخذ أولى الخطوات لتحرير الفلاحين ودرس مشروع تأسيس برلمان في روسيا (مجلس الدوما).
ولكن توقفت اصلاحاته عند هذه الحدود بسبب الحروب التي خاضتها روسيا.
استمر توسع حدود الدولة الروسية في القرن التاسع عشر. حيث تم عام 1783 التوقيع على اتفاق انضمام جورجيا الى الإمبراطورية الروسية. وبنتيجة الحرب الروسية – الإيرانية 1804-1813، اعترفت إيران بانضمام داغستان وشمال أذربيجان الى روسيا. واستمرت الحروب مع تركيا. إضافة إلى ذلك بدأت روسيا تشارك في الأحداث الأوروبية، ففي عام 1805 دخلت موسكو في تحالف مع إنجلترا والنمسا ضد نابليون. فاجتاحت قوات نابليون الأراضي الروسية في يونيو/حزيران عام 1812، ولكن حرب الأنصار التي نظمها الروس وقسوة الشتاء الروسي انهكتا قوات نابليون كثيرا، بحيث لم يبق منها إلا القليل (دخل الأراضي الروسية 550 ألف مقاتل فرنسي وفي ديسمبر/كانون الأول لم يبق منهم غير 1600 مقاتل). وبموجب قرارات مؤتمر فيينا عام 1814 تم تقسيم بولندا، حيث أصبح الجزء الأكبر منها وبضمنه العاصمة وارسو تابعا للإمبراطورية الروسية.
بعد انتهاء الحرب ضد القوات الفرنسية المحتلة والتي سميت بالحرب الوطنية، ظهرت في المجتمع الروسي قوى جديدة تدعو الى تكوين دولة ديموقراطية. وبعد وفاة القيصر الكسندر الاول في ديسمبر/كانون الاول عام 1825 قام عدد من الضباط بتوجيه القوات العسكرية الموالية لهم الى احدى ساحات بطرسبورغ. وكان هدفهم منع القوات ومجلس الاعيان من اعلان ولائهم للقيصر الجديد. وتلا ذلك احتلال القصر واعتقال القيصر وعائلته.
وكان مخططاً لنشر بيان شعبي يتضمن الاعلان عن «القضاء على الادارة القديمة» وتشكيل حكومة ثورية مؤقتة، والغاء نظام القنانة. وسميت هذه الحركة بـ «انتفاضة الديسمبريين» لكن قضي عليها بقساوة شديدة من جانب القوات الموالية للقيصر الجديد نيقولاي الاول. وقد تم في عهد القيصر الكسندر الثاني ابن نيقولاي الاول، الغاء نظام القنانة واجراء اصلاحات في الادارات المحلية والمحاكم، حيث اصبح النظام القضائي في روسيا احد اكثر الانظمة ليبرالية في اوربة.
الثورات والحرب الأهلية في روسيا
تعقدت الأحوال الاجتماعية في روسيا بصورة حادة مع بداية القرن العشرين، وذلك بسبب ازدياد عدد الفلاحين وقلة الأراضي الزراعية، إضافة الى الركود الصناعي والحرب الفاشلة مع اليابان التي استنزفت خزينة الدولة. وخلال أعوام 1905-1907 حدثت في روسيا مجموعة من الاضرابات والمظاهرات شكلت في مجملها الثورة الروسية الأولى.
فرضت هذه الأوضاع على حكومة القيصر اتخاذ بعض الاجراءات مثل سن دستور للبلاد وتأسيس برلمان من مجلسين. وانتشرت خلال هذه الفترة الافكار اليسارية وخاصة الماركسية، وعزز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الحزب الشيوعي الروسي لاحقا) الذي كان قد تأسس عام 1898 مواقعه في البلاد.
احتفلت الإمبراطورية الروسية عام 1913 بمرور 300 سنة على اعتلاء عائلة رومانوف العرش الروسي برئاسة البطريرك الانطاكي غريغوريوس الرابع.
وشهدت روسيا هذه السنة قمة التطور الاجتماعي – الاقتصادي. ولكن بعد سنة دخلت البلاد الحرب العالمية الأولى الى جانب كتلة الوفاق (تحالف إنجلترا وفرنسا وروسيا) ضد الحلف الثلاثي (المانيا والنمسا والمجر وإيطاليا التي خرجت من هذا الحلف مع بداية الحرب ودخلت الحرب الى جانب كتلة الوفاق. مقابل انضمام تركيا وبلغاريا الى الحلف الثلاثي).
بدأت المعارك على الجبهة الشرقية بين القوات الروسية من جهة والألمانية من جهة أخرى، فتخللها كر وفر، وتمكنت القوات الروسية من تحقيق انتصارات كبيرة على القوات التركية في منطقة القوقاز. ولكن حين أصبحت كتلة الوفاق في هذه الأثناء قاب قوسين من الانتصار في الحرب، استلم البلاشفة في أكتوبر 1917 السلطة في روسيا واعلنوا خروج روسيا من الحرب ووقعوا اتفاق الصلح مع ألمانيا.
وقبل ذلك أي في فبراير/شباط عام 1917، ونتيجة للنقص في المواد الغذائية والخبز، بدأت الاضطرابات في بتروغراد (بطرسبورغ)، وتحولت فيما بعد الى انتفاضة مسلحة للتشكيلات العسكرية المرابطة في المدينة، فيما كانت القوات الموالية للقيصر تقاتل على الجبهة. وتحت ضغط حاشيته قرر القيصر نيقولاي الثاني، آخر قيصر من سلالة رومانوف، التنحي عن العرش في شهر مارس/آذار (اعدم القيصر وعائلته بأمر من البلاشفة عام 1918). وأصبحت السلطة في يد الحكومة المؤقتة التي شكلها الاشتراكيون والليبراليون.
سقطت الحكومة المؤقتة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه نتيجة الانتفاضة المسلحة التي قادها البلاشفة تحت قيادة لينين وتروتسكي. وأصبحت تلك الأحداث معروفة بثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، على الرغم من أن هناك من يعتبرها انقلابا عسكريا.
وكانت أول خطوة اتخذها البلاشفة بعد استلامهم السلطة هي اعلان وقف العمليات العسكرية ومن ثم توقيع اتفاق صلح مع ألمانيا، فقدت روسيا بموجبه حوالي مليون كيلومتر مربع من أراضيها.
بعد ذلك نشبت الحرب الأهلية التي استمرت لغاية عام 1922. فأودت بحياة ما بين 8-13 مليون شخص (حسب معطيات مختلفة) بسبب الجوع والمرض والمعارك.
انتهت الحرب الأهلية باستيلاء البلاشفة على الجزء الأكبر من أراضي الإمبراطورية الروسية، والاعتراف باستقلال بولندا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وفنلندا، وكذلك الاعلان عن تاسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية من جمهوريات (روسيا، أوكرانيا، بيلاروسيا والقوقاز) في المناطق الخاضعة لسلطة البلاشفة في 30 ديسمبر/كانون الأول عام 1922 . عاما أنه لم يتفق حوالي مليوني مواطن مع وجهات نظر السلطة الجديدة فقرروا مغادرة البلاد. واستقر قسم من المهاجرين في أوروبا وأمريكا، وقسم في البلدان العربية مثل تونس ومصر والمغرب وقسم صغير في سورية ولبنان.
عصر الاشتراكية
أصبح الحزب الشيوعي أساس السلطة الجديدة، حيث بنتيجة الارهاب الذي اتبعته السلطة الجديدة قضي على الأحزاب الأخرى. وكان الأمين العام للحزب يترأس اللجنة المركزية ويقف على رأس الهرم الحزبي. وكانت القرارت المهمة تتخذ في مؤتمرات الحزب. وأول أمين عام للحزب بعد وفاة لينين عام 1922 كان يوسف ستالين، الذي عمل من أجل تعزيز سلطته الشخصية.
استمرت حدود الاتحاد السوفيتي بالتوسع وأصبحت قريبة من حدود الإمبراطورية الروسية السابقة. ففي عام 1939 تم التوقيع على اتفاق بين روسيا وألمانيا يتضمن تقسيم أوربة بينهما، وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت منطقة أوروبا الشرقية تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي، وبنتيجة ذلك اعيدت إليه كافة أراضي غرب أوكرانيا وغرب بيلاروسيا وبلدان البلطيق.
الاتحاد السوفيتي في سنوات الحرب العالمية الثانية (1941–1945)
لم يدخل الاتحاد السوفيتي، الذي وقع اتفاقية سرية مع ألمانيا، الحرب العالمية الثانية خلال ثلاث سنوات. ولكن في 22 يونيو/حزيران 1941 هاجمت قوات ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي منتهكة اتفاقية عدم الاعتداء الموقعة بين البلدين. وتمكنت القوات السوفيتية من إيقاف تقدم القوات الألمانية في خريف عام 1941، وبدأت في ديسمبر/كانون الأول 1941 هجومها المعاكس، حيث شكلت معركة موسكو علامة مميزة لهذا الهجوم ولمجريات الحرب العالمية الثانية عموما.
ولكن خلال صيف وخريف عام 1942 تمكنت القوات الألمانية من التقدم نحو حوض الفولغا واحتلت مساحات شاسعة من الاتحاد السوفيتي. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 1942 وفي عام 1943 حدث انعطاف حاسم في مجرى الحرب العالمية الثانية، نتيجة انتصار القوات السوفيتية في معركتي ستالينغراد وقوس كورسك. لقد انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وجيش التحرير الفرنسي والولايات المتحدة الأمريكية على ألمانيا وإيطاليا واليابان ورومانيا وفنلندا. وحررت القوات السوفيتية في أثناء تقدمها من عام 1944 ولغاية مايو/أيار 1945 جميع الأراضي السوفيتية التي كانت تحت الاحتلال الألماني وكذلك حررت بلدان أوربة الشرقية، حيث انتهت الحرب بتوقيع المانيا على وثيقة استسلامها دون قيد أو شرط.
الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية
تفيد الاحصائيات المتوفرة، بأن الاتحاد السوفيتي فقد نتيجة الحرب 26,6 مليون شخص، إضافة الى الدمار الذي حصل في المؤسسات الصناعية التي كانت منتشرة في المناطق التي وقعت تحت نير الاحتلال الألماني. ومن جانب آخر حصل نمو وازدهار في المناطق التي أجليت إليها بعض المصانع. وقد حصلت طفرة كبيرة في الصناعات الحربية خلال سنوات الحرب، وهذا أدى الى حدوث تقدم في مجال البحوث العلمية وقطاع الصناعة. كما كان للانتصار فوائد سياسية مهمة. ومن نتائج الحرب ضم مدينة كونيغسبرغ الألمانية الى أراضي الاتحاد السوفيتي (أصبح اسمها بعد ذلك كالينينغراد).وبموجب اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فرض الاتحاد السوفيتي سيطرته على مناطق محتلة في ألمانيا والنمسا خلال أعوام 1945-1949. وأقيمت في بلدان أوروبا الشرقية، انظمة شيوعية موالية لموسكو، وتم إنشاء حلف وارسو العسكري، ردا على تأسيس حلف الناتو.ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية، بدأت مرحلة المواجهات الفكرية والسياسية بين الاتحاد السوفيتي وبلدان المعسكر الاشتراكي من جانب وبين البلدان الغربية من جانب آخر، والتي سميت بـ «الحرب الباردة» رافقها سباق التسلح. بعد الحرب العالمية الثانية تكون الاتحاد السوفيتي من 15 جمهوريات اتحادية وأصبحت مساحته تعادل سدس مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، أي احتل المرتبة الأولى في العالم من حيث المساحة. ثم توفي ستالين عام 1953 واختير نيكيتا خروشوف لمنصب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي.
تسمى فترة حكم خروشوف بفترة «الدفء»، حيث أطلق سراح العديد من المعتقلين السياسيين، وخف الاضطهاد قياسا لما كان عليه إبان حكم ستالين، كما انخفض تاثير الرقابة الفكرية.
لقد حقق الاتحاد السوفيتي نجاحات باهرة في مجال الفضاء وغيره من المجالات الانتاجية والعلمية خلال هذه الفترة، حيث أنشئت أول محطة كهرذرية في العالم (1954)، وأطلق أول قمر صناعي الى الفضاء (1957)، وأطلقت أول مركبة فضائية وعلى متنها انسان (1961) وغير ذلك. كما ترتبط باسم خروشوف اخفاقات في قطاع الزراعة وفي السياسة الخارجية للدولة، حيث اشتدت الحرب الباردة في عهده. في عام 1964 قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، إعفاء خروشوف من منصب السكرتير الأول للحزب (لأسباب صحية)، فيما كان يقضي اجازته السنوية. وانتخبت ليونيد بريجنيف لهذا المنصب. ومع استلام بريجنيف السلطة تم القضاء على علامات «الدفء». وإن عدم رغبة بريجنيف في إجراء اصلاحات اقتصادية جدية، كان الاتحاد السوفيتي بأمس الحاجة لها، وكذلك كون أكثر قادة الحزب من كبار السن، أدت الى اطلاق مصطلح «زاستوي» أي “الركود” على هذه المرحلة.
وبالمقابل كرست السياسة الخارجية في زمن بريجنيف خلال سبعينيات القرن الماضي لعملية الانفراج في التوتر الدولي، حيث تم التوقيع على اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية للحد من انتشار الاسلحة الاستراتيجية الهجومية.
الحرب في أفغانستان
بطلب من حكومة محمد أمين، دخلت وحدات من القوات السوفيتية الى أفغانستان. فواجهت هذه القوات مقاومة عنيفة من جانب المعارضة الإسلامية إضافة الى حالات التمرد التي كانت تحدث في الجيش الأفغاني. لم يكن هدف القوات السوفيتية حماية نظام أمين، بل اسقاطه. حيث قتل أمين في اثناء عملية اقتحام القصر الرئاسي وتم تعيين ببراك كرمال رئيسا للبلاد. كانت القيادة السوفيتية تنوي إنهاء العمليات العسكرية في أفغانستان خلال فترة قصيرة، إلا أنها استمرت عشرة أعوام. وخلال هذه الفترة حاربت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الاتحاد السوفيتي بصورة سرية من خلال تزويد المجاهدين الأفغان بالاسلحة. انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان عام 1989 بصورة كاملة.
التعاون مع بلدان آسيا وأفريقيا
منذ السنوات الأولى لاستلام الحزب الشيوعي للسلطة، أولت القيادة السوفيتية العلاقات مع بلدان آسيا وأفريقيا اهتماما خاصا، وساندت الحركات العمالية فيها على أمل قيام الثورة العالمية. فدعم الاتحاد السوفيتي في المراحل الأولى من خلال الكومنترن الحركات الماركسية في الشرق الأوسط، ومن ضمنها الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي كان يضم العرب واليهود على حد سواء. وافق الاتحاد السوفيتي عام 1947على قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة المرقم 181 والقاضي بتقسيم فلسطين، واعترف بدولة إسرائيل وأقام معها علاقات دبلوماسية. ولكن لم تنتهج دولة إسرائيل سياسة موالية للاتحاد السوفيتي، بل سياسة موالية للغرب والولايات المتحدة. مقابل ذلك ركز الاتحاد السوفيتي جهوده على دعم ومساندة البلدان العربية. فخلال العدوان الثلاثي على مصر وقف الاتحاد السوفيتي الى جانب مصر ضد العدوان ووجه إنذارا شديد اللهجة الى الدول الثلاث المعتدية. وبعد نشوب حرب الأيام الستة عام 1967، قطع الاتحاد السوفيتي الذي كان يصدر الأسلحة الى البلدان العربية، علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل. ومع ذلك لم تكن علاقات الاتحاد السوفيتي على ما يرام مع بعض البلدان العربية. فمنذ نهاية خمسينات القرن الماضي قدم الاتحاد السوفيتي الى جمهورية مصر مساعدات اقتصادية وقروضا ملائمة وشيد سد أسوان (السد العالي)، إضافة الى تزويد مصر بالأسلحة. وشارك المئات من الخبراء والأخصائيين السوفيت في تنفيذ المشاريع الكبيرة في مصر. كما منح عبد الناصر لقب بطل الاتحاد السوفيتي، على الرغم من مطاردته لأعضاء الحزب الشيوعي المصري. ولكن في عهد أنور السادات تأزمت العلاقات الروسية – المصرية حتى وصل الأمر الى قطعها عام 1981، ولم تعد إلا في عهد حسني مبارك.
واستمرت علاقات الصداقة بين موسكو وسورية والعراق، على الرغم من استيلاء حزب البعث الذي طارد واضطهد الشيوعيين، على السلطة في البلدين.
وساند الاتحاد السوفيتي حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية، من خلال علاقاته مع مختلف الفصائل الفلسطينية.
بدأ الدبلوماسيون السوفيت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، اجراء مفاوضات سرية مع إسرائيل لتطبيع العلاقات الدبلوماسية التي أستؤنفت عام 1991. وكثف الاتحاد السوفيتي جهوده من أجل التسوية السلمية لمشكلة الشرق الأوسط. وفي عام 1991 انعقد مؤتمر مدريد، وأصبح الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة راعيين للعملية السلمية.
إعادة البناء (البيريسترويكا)استلم ميخائيل غورباتشوف السلطة في البلاد، 1985 وأعلن عن بدء عملية البيريسترويكا «إعادة البناء» والتي تعني إجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية ترمي الى تكييف الاتحاد السوفيتي ليجاري التغيرات الاقتصادية في العالم وكذلك في منظومة العلاقات الدولية. ونتيجة لهذه الإصلاحات توترت العلاقات بصورة شديدة بين القوى السياسية التي تدعو الى الاستمرار في نمط التطور الاشتراكي من جانب وبين القوى والحركات السياسية التي تدعو الى اعتماد مبادئ النمط الرأسمالي في تطور البلاد اللاحق من جانب آخر، إضافة الى الصراع بين الطرفين حول مصير الاتحاد السوفيتي في المستقبل، من حيث العلاقة بين الجمهوريات السوفيتية وأجهزة إدارة الدولة. ومع بداية تسعينيات القرن الماضي وصلت عملية «إعادة البناء” الى طريق مسدود، ولم تتمكن السلطات من إيقاف تفكك الاتحاد السوفيتي.
تفكك الاتحاد السوفيتي (1990-1991)في آب 1991 حاولت مجموعة من ضباط لجنة أمن الدولة (KGB) القيام بمحاولة انقلابية وعزل ميخائيل غورباتشوف، الذي أصبح رئيسا للاتحاد السوفيتي. ففشلت المحاولة الانقلابية وأصبح تفكك الاتحاد السوفيتي أمرا محتوما. وفي ايلول 1991 اعترف مجلس الدولة بانفصال جمهوريات البلطيق (استونيا وليتوانيا ولاتفيا) عن الاتحاد السوفيتي.
وفي بدايةكانون الأول عام 1991 وقع رؤساء كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا على وثيقة تفكيك الاتحاد السوفيتي وإنشاء رابطة الدول المستقلة التي انضمت اليها الجمهوريات السوفيتية السابقة باستثناء جمهوريات البلطيق.
انتهى وجود الاتحاد السوفيتي رسميا كدولة في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1991. ونتيجة لذلك تقلصت مساحة روسيا (الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي) بنسبة 24 بالمائة (من 22,4 الى 17 مليون كيلومتر مربع)، وانخفض عدد السكان بنسبة 49 بالمائة (من 290 الى 148 مليون نسمة). وبدأ تاريخ روسيا الحديث من يوم 12 حزيران عام 1991، حيث أعلنت روسيا في هذا اليوم استقلالها على غرار ما أعلنته الجمهوريات السوفيتية الأخرى. وانتخب بوريس يلتسين كأول رئيس لروسيا، حيث بقي في هذا المنصب لغاية تنازله عنه في شهركانون الأول عام 1999.
بعد تنازل يلتسين، أصبح فلاديمير بوتين يمارس مهام رئيس الدولة مؤقتا الى أن انتخب في شهر مارس/آذار رئيسا لروسيا حيث شغل هذا المنصب مدة فترتين انتهتا عام 2008. وبعد انتهاء الفترة الدستورية لرئاسة بوتين انتخب دميتري مدفيديف عام 2008 رئيسا للبلاد لمدة اربع سنوات، وخلال هذه الفترة شغل بوتين منصب رئيس الوزراء. في شهر مارس/آذار عام 2012 أعيد انتخاب بوتين رئيسا لروسيا لمدة 6 سنوات بدلا من 4 بموجب التعديلات التي أدخلت على دستور الدولة.
مقدمة منذ اثنتي عشر سنة وتحديدا في عام 2007م احتفل العالم بمرور مائة عام على نشأة الحركة الكشفية في العالم، وجلسنا ونخبة من قيادات الحركة الكشفية حول العالم خلال إحدى الأمسيات التي جمعتنا في المخيم الكشفي العالمي الحادي والعشرين الذي عقد في بريطانيا آنذاك نتساءل؛ ما هي المقومات التي جعلت الحركة الكشفية والإرشادية تصمد طوال قرن من الزمان، في الوقت الذي اندثرت فيه العديد من الحركات الشبابية حول العالم، وأدلى كل منهم بدلوه، فمنهم من قال: إن منظومة القيم التي تضمنها الحركة هي الأساس، ومنهم من قال بل التنظيم والهيكلية هي التي وفرت مناخ الاستمرار، ومنهم من قال بل ممارسة أنشطة الحركة في الطبيعة والخلاء هي السبب، ووسط كل هذه الآراء اتفق الجميع على أن وحدة الحركة الكشفية المتمثلة في زيها وشاراتها ومنديلها، هو أكبر دافع لاستمرارها، وتواجدها بتلك الرموز والشارات في كل مكان هو ما وفر لها مناخ الانتشار، وجعل مختلف المجتمعات تنظر لها بقدر كبير من الاحترام والتقدير، وقد أصبح الزي الكشفي والإرشادي بعد سنوات قليلة من نشأة الحركة عالميا هو نوع من التقاليد الرصينة المتوارثة، نقلها القادة
اللباس الكشفي السوري الاساسي من مطلع العقد الثاني في القرن 20 وحتى السبعينات
المؤسسون، إلى القادة الرواد، ونقلها الرواد إلى الأجيال التي تلتهم، وظلت تلك التقاليد تتوارث من جيل إلى جيل يحرص عليها الجميع، ويعتبرون أن إحداث أي خلل في تلك التقاليد نوع من البدعة غير المستحبة، بل إن البعض تشدد في تقاليد الزي الكشفي والإرشادي ليصل تطبيقه إلى معايير اقرب ما تكون لانضباط الزي العسكري أو الشرطي، واعتقد أنهم محقين في ذلك، وخاصة في وقتنا الحالي الذي تتنازعه الأهواء ويحاول البعض هنا والبعض هناك التملص من تقاليد هذا الزي إما بالإهمال، أو عدم الرغبة في ارتدائه في المناسبات الكشفية والإرشادية، أو التحرج من الظهور به في أماكن عامة وكأنه لا يشرف صاحبه ارتدائه!!!، أو بإحداث تقاليع وبدع في شكله للخروج به عن المألوف والمتعارف والمتفق عليه، وهذه الظواهر السلبية كلها نحن كقادة نحب هذه الحركة وننتمي إليها في حاجة ماسة للتصدي لها والوقوف معا للحد منها وتقويمها، حفاظا على حركتنا الكشفية من خلال حرصنا على قدسية الزي الكشفي واحترام تقاليده.
ظواهر طرأت على الزي الكشفي يجب تلافيها
اللباس الكشفي السوري منتصف السبعينات الى منتصف الثمانينات
بمتابعة موضوع الزي الكشفي والإرشادي، ومن خلال المتابعة الميدانية للأنشطة الكشفية، نلاحظ أن هناك بعض الظواهر الآخذة في النمو، تتمثل في عدم التزام بعض القادة، والكشافين، والجوالة بتقاليد الزي الكشفي، رغم أن ذلك من الأمور الحساسة جدا، التي يجب التعامل معها بحزم لتلافيها، وفي ذلك يجب أن تتكاتف الجهود من أجل: • التقيد بلون القماش المخصص لكل فئة من فئات المراحل الكشفية. • الإلتزام بالطراز المحدد لطريقة تفصيل الزي المخصص لكل فئة. • تحري الدقة في وضع الشارات الكشفية الرسمية في مواضعها الصحيحة. • عدم استخدام شارات وأوسمة غير معتمدة كشفيا على الزي الكشفي، والتي تخص أنشطة أخرى، وكذلك عدم وضع شارات تذكارية على الزي الكشفي بشكل عشوائي غير منضبط. • نظرا لأن الجمعيات الكشفية هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار واعتماد الأوسمة الكشفية وفق شروط ومعايير وإجازات لمنحها، وعليه فلا يجوز أن تصدر الفرق أو الجهات، مثل تلك الأوسمة إلا بتفويض مسبق من قبل الجهات المختصة بذلك. • تلافي ظاهرة وضع شارات كشفية على الزي والتي تحص كشافة دول أخرى إلا بموجب المناسبة التي يتم المشاركة فيها ثم نزعها عن الزي بعد نهاية ذلك النشاط.
لباسنا الكشفي في الفوج الثاني وهو لباس كشاف سورية عامئذ
• مراعاة عدم وضع بعض الشارات على الزي في مستوى أعلى من مستوى علم الدولة لأن ذلك غير جائز. • أن تتحرى الجمعيات والفرق الكشفية الدقة في منح الكشافين شارات الهواية أو الكفاية، إلا بعد اجتياز حقيقي للكشاف لمتطلبات منح تلك الشارات. • عدم السماح للكشافين باستخدام الأوسمة المخصصة للقيادات، وكذلك العكس؛ لأن ذلك يشكل خلطا واضحا في ذلك الأمر. • تلافي استخدام البعض لغطاء رأس بلون غير مخصص للمرحلة التي يرتدي زيها. • ارتداء القادة لزي الكشافة وبنفس تفاصيله، أو العكس. • وضع شارات أو أوسمة على الزي الكشفي لأحداث كشفية شارك فيها سابقا، والقيام بصفها على الزي بشكل عشوائي، بدلا من وضع أحدث شارة نشاط تمت المشاركة فيه فقط، وذلك بغرض التباهي دون مراعاة لقدسية الزي واحترامه، وأن هذه الشارات مكانها ركن الذكريات في مقر الفرقة أو المقتنيات الشخصية وليس الزي الكشفي.
الآداب العامة في ارتداء الزي الكشفي
لباس المرشدات السوريات منذ تأسيس الحركة الكشفية وحتى السبعينيات
• الحفاظ على النظافة العامة للزي وهندامه وعدم ارتدائه إلا متكاملا، وترتيب حفظه في حالة عدم ارتدائه بشكل لائق لأنه يحتوي علم الدولة، وشارات ورموز لها دلالتها التي يجب أن تقدر وتحترم. • يمنع منعا باتا على مرتدي الزي الكشفي القيام بالتدخين سواء في الأماكن المغلقة أو المفتوحة. • عدم التصرف بشكل يخالف الآداب العامة، أثناء ارتداء الزي الكشفي، وأن تكون تصرفات الشخص منضبطة ويراعى فيها تقديم المثل والقدوة للآخرين. • عدم التواجد بالزي الكشفي في أي مكان مشبوه. • الأقل رتبة كشفية يعطي التحية لمن هو أعلى منه رتبة عند التلاقي. • كما يعطى الأعلى رتبة مكانه في أولوية الترتيب عند الاصطفاف لأي غرض ثم يقف بالتتابع الأقل منه رتبة يمنة ويسرة، وكذلك عند الجلوس في أي احتفال أو مناسبة، فإذا تساوت الرتب الكشفية تكون الأولوية للأكبر سنا بينهما، أو الأقدم في الانتساب للحركة الكشفية. • على مرتدى الزي الكشفي أن يضعوا نصب أعينهم على الدوام وعد وقانون الكشافة بكافة بنوده وتمثل ذلك في تصرفاتهم وسلوكهم. • نظافة الحذاء والحرص على تلميعه بشكل دائم. • ارتداء (البيريه) الكشفي بشكل سليم بحيث يكون مائلا على الرأس إلى ناحية اليمين، وتكون شارة الكشافة المثبتة عليه في أعلى منتصف الحاجب الأيسر. • إغلاق الزر العلوي للقميص الكشفي، ووضع المنديل الكشفي من فوق الياقة ملفوفا بشكل صحيح، ووضع عقدة المنديل في أول نقطة التقاء لطرفيه مقابل منطقة الزور في الرقبة، وليس أنزل من ذلك.
اللباس الرسمي المعتمد حالياً لكشاف سورية
دور القيادات الكشفية في معالجة الظواهر السلبية المتعلقة بالزي • الحرص الشخصي على العناية بالزي وهندامه، وطريقة تفصيله المعتمدة، ووضع الشارات في موضعها الصحيح، فالقائد والقائدة هما قدوة وهما العنوان لأعضاء فرقهم الكشفية. • المراجعة الدائمة لزي أفراد الفرقة والتأكد من وضع الشارات بشكل صحيح. • عدم منح أي شارة هواية للكشاف دون اختبار اجتياز حقيقي لمتطلبات الحصول على الشارة بجدارة. • التأكد من انضباط زي الكشافين قبل خروجهم أو مشاركتهم في أي نشاط. • عدم شراء أي زي كشفي أو المكملات المتعلقة به إلا من خلال المتجر الكشفي، حفاظا على المواصفات القياسية المعتمدة لمختلف الأصناف.
دور الجمعيات الكشفية وفروعها في معالجة الظواهر السلبية المتعلقة بالزي • إصدار التعاميم الدورية للفرق الكشفية التابعة لها للتأكيد على الحرص على العناية بالزي وهندامه، والالتزام بطريقة تفصيله المعتمدة، ووضع الشارات في موضعها الصحيح. • المراجعة الدائمة لزي أعضاء الفرق الكشفية والتأكد من وضع الشارات بشكل صحيح، وذلك من خلال متابعة الأنشطة والفعاليات. • مراجعة ومتابعة القيادات الكشفية في عمليات منح شارات الهواية والكفاية، للتثبت من أن الحصول عليها يتم وفق الشروط المعتمدة لذلك. • التأكد من انضباط زي الكشافين قبل إرسالهم أو ترشيحهم لتمثيل الدولة في أي نشاط محلي أو خارجي. • تكليف مفوضي العموم والتدريب وأعضاء اللجان الفنية والمراحل بمتابعة انضباط الزي الكشفي خلال زياراتهم الميدانية للفرق التابعة لهم.
لباس الاشبال الرسمي ولباس كل فروع بعض الوحدات الاهلية الكشفية ومنهم فوج الصليب الكشفي الدمشقي والكشاف البحري السوري
دور الجمعيات الكشفية في المعالجة • إدراج موضوع الزي الكشفي وتقاليده ضمن كافة الدورات التدريبية التي تنظمها الجمعيات. • إصدار كتيب وملصقات تصور الزي الكشفي لكافة الفئات، وموضحا عليه كافة تفاصيل الزي وشاراته وأوسمته، وأماكن تثبيتها، وتعميمه على كافة الجمعيات والفرق التابعة لها. • تكليف مفوضي العموم والتدريب وأعضاء اللجان الفنية والمراحل بمتابعة هذا الموضوع خلال زياراتهم الميدانية للمفوضيات والفرق التابعة لها. • الاستفادة من المخيمات والتجمعات واللقاءات الكشفية للترويج للمفاهيم السليمة حول تقاليد الزي الكشفي.
الحفاظ على الزي الكشفي وقدسيته مسؤولية الجميع في الختام أود أن أؤكد على أن الحفاظ على الزي الكشفي وتقاليده ومواصفاته وقدسيته، إنما هو حفاظ على كيان الحركة واستمرارها واحترامها من قبل الآخرين الذين لن يقدروا حركتنا الكشفية؛ ما لم نحمل نحن لها هذا التقدير والاحترام أولا، وعلى جميع منتسبي الحركة الكشفية أن يتحملوا سويا هذه المسؤولية، فليس هناك أحد أكبر من أن يتم توجيهه لما فيه صالح الحركة وصيانة سمعتها وتقاليدها، وعلى الذين يرغبون في ابتداع التقاليع والموضات أن يفعلوا ذلك في أزيائهم الشخصية، وليس في زيهم الكشفي، كما يجب أن يدركوا أن الزي الكشفي ليس ركنا للذكريات نضع عليه كل ما يحلوا لنا من شارات، فإن للزي الكشفي قدسيته واحترامه وهو مسؤولية الجميع.
(القائد هشام عبد السلام موسى- المنظمة الكشفية العربية)
“لما خُطبت مريم امه ليوسف وُجدتْ من قبل أن يجتمعا حبلى من الروح القدس” (متى19:1)
لقد ولد سيدنا يسوع المسيح من العذراء مريم بدون رجل. ولكن الانجيلي متى في ايراده جدول نسب يسوع المسيح ينتهي بيوسف مع أنه أب وهمي ليسوع ولا علاقة له بهذه الولادة العجيبة فكان الأجدر به ان ينتهي بالعذراء مريم التي هي الوالدة الحقيقية ليسوع المسيح بحلول الروح القدس عليها.
هذا سؤال يتبادر لأي مؤمن ليس لأنه يشك في صدق الانجيلي بل” لكي يكون مستعداً لاعطاء الجواب لكل من يسأل عن سبب الرجاء الذي فينا بوداعة وخوف” (ا بطرس15:3).
التقليد الكنسي يخبرنا بأن يواكيم وحنة والدي العذراء مريم كانا عاقرين. فكانا يصليان الى الله لينزع عنهما عار العقر. ونذرا أنه إذا رزقهما الله ولدا يكرسانه لخدمة الرب في الهيكل. فاستجاب الله صلاتهما وولدت لهما ابنة هي مريم. ولما صار لها من العمر ثلاث سنين قدمها ابواها الى الهيكل وفاء لنذرهما. وبعد يسير من الزمان توفي والداها. وكانت تقضي وقتها في الصلاة ومطالعة الكتاب المقدس والخدمة. ونذرت على نفسها وهي في الهيكل أن تبقى عذراء طول حياتها. ولما بلغت الابنة الرابعة عشرة من عمرها قال لها الكهنة الموكلون بتربيتها ان من الواجب عليها ان تغادر الهيكل وتتزوج. فأخبرتهم بنذرها. عندئذ سلموها الى رجل شيخ من أقاربها اسمه يوسف بصفة خطيبة ليعتني بأمرها.
جاء في سفر العدد اصحاح 30 عدد3 ومابعده
” إن نذر الابنة في بيت أبيها والزوجة في بيت زوجها لايثبت الا اذا سمع به أبوها أو زوجها ولم ينهها عنه أنا إن نهاها عنه (لم يوافق عليه) فإنه يُلغى والرب يصفح عنه”.
ويظهر من سياق الكلام أن نذر العذراء عرفه يوسف ووافق عليه وخطبها لكي يحافظ على بتوليتها تحت اسم الزواج. ولم تكن العذراء مخطوبة ليوسف أو لو كانت تعيش لوحدها في الهيكل أو خارجة في بيتها وظهر عليها الحبل ثم الولادة لكانت الشريعة تدينها كزانية وتعدمها رجماً بالحجارة.(لاويين 10:20 وتثنية 22:22).
مريم خطيبة يوسف
تتم الخطبة عند اليهود بموجب الاتفاق بين والد الخطيبة، أو أقرب الناس اليها بالوكالة إذا كان والداها قد توفيا. ويمكن أن تستمر الخطبة عدة شهور وأن تبقى المخطوبة في بيت ذويها ولكنها تدعى زوجة للخاطب حالا بعد عقد الخطبة. والانجيلي متى يسمي يوسف رجل مريم بالاستناد الى هذه العادة. ( انظر في تكوين 21:29) حيث يقول يعقوب لخاله لابان” اعطني امرأتي لأن ايامي قد كملت فأدخل عليها.”
والملاك يقول ليوسف في الحلم: “لاتخف أن تاخذ مريم امرأتك مريم”(متى 20:1) والانجيلي يقول: “فلما نهض يوسف من النوم صنع كما أمره ملاك الرب، فأخذ امراته ولم يعرفها…الخ”(عدد24). ولما صدر أمر من اوغسطوس قيصر بأن يكتتب جميع المسكونة يقول الانجيلي: “وصعد يوسف من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داوود التي تدعى بيت لحم…ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى، (لوقا2 5:4). والناموس الموسوي يامر بإعدام المخطوبة رجماً بالحجارة اذا ظهرت حاملاً من غير خاطبها (تثنية24-23-22). ويخول الرجل حق ترك زوجته باعطائها كتاب طلاق (تثنية1:24).
وكانت عادة، ان يذكر في كتاب الطلاق الاسباب الموجبة ويقدم شهوداً ويذكر اسماءهم. فيوسف اذ كان باراً لم يشأ ان يشهرها ويعرض مريم مخطوبته لقصاص الاعدام بتهمة الزنى ولا ان يسلمها كتاب طلاق مع ذكر الأسباب وأسماء الشهود فعزم على إبعادها سراً لأنه لم يكن يعلم شيئاً عن بشارة الملاك في الحلم”لاتخف ان تأخذ امرأتك مريم فان المولود انما هو من الروح القدس”.
بعدما بسطنا هذه المعلومات الضرورية للاحاطة بالموضوع والوقوف على أهميته نعود الى جدول النسب. قال الانجيلي قبلاً:”ابراهيم ولد اسحق واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا…الخ.
أما هنا فلم يقل يعقوب ولد يوسف ويوسف يسوع المسيح بل قال يعقوب ولد يوسف ويوسف يسوع المدعو المسيح. لأن يوسف لم يكن أباً للمسيح بل خطيب أمه العذراء مريم ولهذا السبب ينسب الانجيلي ولادة يسوع الى العذراء مريم وحدها بقوله” التي منها ولد المسيح”.
يوجد أيضاً ناموس الوراثة (عدد26:9-8 وأخبار الأيام الأول2:22-21 ونحميا 63:7) وبموجبه يفرض على من تزوج من ابنة المائت التي أخذت الارض والميراث ان يكتب في جدول نسله ولعل يوسف بسبب خطبته لمريم كتب اسمه عوضا عن اسمها. وقد أجمع المحققون على أن الانجيلي متى يورد نسب يوسف من سليمان بن داود ولوقا يذكر نسب العذراء مريم من ناتان بن داود ولكن لايذكر العذراء مريم باسمها بل ينتقل رأساً من يسوع المسيح الى جده هالي أو ايلي ( ايلي ايليا كيم ايواكيم كلها تعني اسماً واحداً) لأن ذكر الأم في سلسلة الأنساب كاحدى حلقاته أمر غير مألوف وغير لائق. وعند اليونان كان الابن يُعرفْ باسم ابيه لا امه ومثل ذلك عند اليهود. وأما نسبة الحفيد الى جده فامر مألوف. لذلك يقول الانجيلي لوقا في مطلع جدوله:” ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ماكان يُظن ابن يوسف بن هالي او ايلي”والد العذراء مريم(لوقا 23:3).
ولما ولد يسوع وانتهت مهمة يوسف كحارس لبتولية العذراء مريم لم يعد يُذكر اسم يوسف الا كخادم لهذا السر العظيم. مثلاً في خبر زيارة المجوس يقول الانجيلي:”وأتوا الى البيت فوجدوا الصبي مع مريم أمه، ثم ولما انصرف المجوساذا بملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم قائلاً قم فخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر” ثم يقول أيضاً ” ولما مات هيرودس اذ بملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم بمصر قائلاً قم فخذ الصبي وامه واذهب الى ارض اسرائيل، ولم يقل قم فخذ امرأتك.
فيروز هي نهاد وديع حداد ابنة السوري وديع حداد ابن مدينة ماردين السورية المغتصبة من الاتراك ككيليكيا ولواء الاسكندرون، الذي جاء إلى لبنان وعمل في مطابع “جريدة لوجور”، التي كانت تصدر في بيروت بالفرنسية.
وفي بيروت تعرف على السيدة ليزا البستاني المرأة اللبنانية التي أنجبت له فيروز(نهاد) وهدى وجوزيف. ولدت فيروز في 21/11/1935 في حي زقاق البلاط القريب من العاصمة بيروت.
نشأ ارتباط روحاني بين تراب الشام والسيدة فيروز وهذا الإرتباط تاريخي موغل في القدم ومتجدد جمع فيروز والرحابنة مع كل شبر من أراضي دمشق، فقد بدأ هذا الارتباط في العام 1953 عندما دعا الأمير يحيى الشهابي مدير البرامج في إذاعة دمشق، فيروز إلى دمشق مع الأخوين عاصي ومنصورالرحباني، وهكذا شرعت إذاعة دمشق قلبها على كل شرفاته لاحتضان فيروز… حيث خصصت لها يوم الأحد من كل أسبوع لتحضر إلى دمشق مع الرحبانيين، لتقدم عبر أثير إذاعة دمشق أغانيها واسكتشاتها.
في تلك الفترة كانت إذاعة دمشق أقوى الإذاعات العربية.
عاصي الرحباني وفيروز والطفل زياد
وفي إحدى المرات قرر عاصي الرحباني طرد فيروز من الفرقة واستبدالها بمطربة أخرى، /ولم يكن قد تزوجها بعد/ لكن الأمير يحيى الشهابي تدخل ووضع شرطاً لاستمرار الرحابنة، هو أن تستمر فيروز معهم.
من دمشق انطلقت رائعتها أغنية عتاب، التي تعتبر أغنية الشهرة الأولى. حملت أغنية عتاب الثلاثي الجميل عاصي – منصور – فيروز. على جناح الشهرة والتألق عالياً، فتوثقت أواصر التعاون بين الثلاثي الجميل عبر (إذاعة دمشق والإذاعة اللبنانية وإذاعة الشرق الأدنى في القدس)، ما كرّس هذه الشهرة التي قادت عاصي للزواج من فيروز، وكان الأمير الشهابي من أوائل المدعوين عام 1954.
فيروز وجمهور دمشق وجهاً لوجه
“بردى هل الخلد الذي وعدوا به إلاك بين شوادن وشادي، قالوا تحب الشام؟ قلت جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي”.
هذه الأغنية كلمات الشاعر الأخطل الصغير وألحان الأخوين رحباني أنشدت بها السيدة فيروز لأول مرة أمام الجمهور الدمشقي في صيف 1957 وذلك في نادي الضباط (القديم) في اول شارع الصالحية المجاور لمبنى البرلمان السوري.
فيروز…
فيروزيات شامية
يقول الشاعر نزار قباني عاشق الشام «جاءت السيدة، جاءت فيروز، هبطت علينا كغمامة، هجمت كقصيدة، هجمت كمكتوب غرام قادم من كوكب آخر، كتفاصيل حب قديم. وبعد ثلاث سنين من التوحش، مررنا تحت أقواس صوتها الحضاري فتحضرنا». وتقول فيروز “كلما سمعت فاصلاً من موشحاتي تذكرت دمشق”.
مثلما احتضنت دمشق فيروز بحنان الأم، كانت فيروز ابنة تستحق الحنان والحب، فقد غنت للشام الكثير، وبادلتها الحب بالحب. منذ أغنية بردى، توالت أغانيها عن الشام
“سائليني يا شآم حين عطرت السلام، كيف غار الورد واعتل الخزام، ظمئ الشرق فيا شام اسكبي واملئي الكأس له حتى الجمام”. “أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم في عروة الدهر وسام، أمويون فإن ضاقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام”.
هذا النص الجميل للشاعر سعيد عقل وألحان الأخوين رحباني الذي قدمته فيروز بصوتها عام 1960 في معرض دمشق الدولي إلى أغنية “طالت نوى ـ كلمات وألحان الأخوين رحباني”
قرأت مجدك…
“شآم أهلوك من أهوى وموعدنا، آواخر الصيف آن الكرم يعتصر، شآم يا ابنة ماض حاضر أبداً، كأنك السيف مجد القول يختصر”. لعل أجمل ماشدت به فيروز يعود كنص شعري للشاعر سعيد عقل، مثل”مرَّ بي”. “الهوى لحظ شآمية رق حتى خلته نفدا، أنا حبي دمعة هجرت أن تعد لي أشعلت بردى”. كذلك في أغنية “أحب دمشق”. “أحب دمشق وأنت الثرى الطيب، غضبت وما أجملها فكنت السلام إذا يغضب”. ومن روائع السيدة فيروز مع الرحابنة للشام أغنية “يا شام عاد الصيف”. “وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح، ياحب تمنعني وتسألني متى الزمان المباح، في الشام أنت هوى وفي بيروت أغنية وراح. أهلوك أهلي والحضارة وحدتنا والسماح، يا شام يا بوابة التاريخ تحرسك الرماح. والكثير من الأغاني والموشحات والاسكتشات، التي تتغزل بدمشق. بكل الوجد والعشق والهيام لحد التوحد، بحنجرة سفيرتنا إلى النجوم، تلك الحنجرة الذهبية.
فيروز وثلاثة أمكنة دمشقية
ـ إذاعة دمشق ـ معرض دمشق الدولي حيث عروض مسرحياتها السنوية في موسم المعرض منذ منذ حفلة معرض دمشق الدولي عام 1960ـ
شام يا ذا السيف فيروز و معرض دمشق الدولي1963
العام 1962 مسرحية جسر القمر ـ إلى: ” الليل والقنديل” 1963، ” بياع الخواتم” 1964، مروراً بـ”هالة والملك” 1967، ثم “الشخص” 1968، إلى “جبال الصوان” 1969، و”يعيش يعيش” 1970، “صح النوم” 1971، “وناس من ورق” 1972، ” ناطورة المفاتيح” 1972، “المحطة” 1973، “لولو” 1974، “ميس الريم” 1975، “بترا” 1977. ـ (دار الأوبرا) حيث قدمت مسرحيتها المستعادة (صح النوم) في ساحة الأمويين.
فيروز والاذاعات الدمشقية
لم تغب أغاني فيروز عن الإذاعات الدمشقية ولا يوماً واحداً إلا في فترات الحداد. أثناء حرب تشرين التحريرية كانت الإذاعة تبث أغنيتها “خبطة قدمكم عَ الأرض هدارة… إنتو الأحبة وإلكن الصدارة” كانت مع بقية اغنياتها ” شام ياذا السيف” و”ياجبل الشيخ” و الأخيرة كانت مفتاح الحرب ونقطة انطلاق الجبهتين السورية والمصرية كانت باغنية ياجبل الشيخ ومطلع موالها :” ياقمر مشغرة” ولكثرة إعادتها “خبطة قدمكم…” ظنها كثر إنها غنيت خصيصاً لحرب تشرين التحريرية. وتعتبر السيدة فيروز المطربة الأولى والأكثر حضوراً في الإذاعات الدمشقية حيث إنها تتصدر الفترات الصباحية “إذاعة صوت الشباب” وشام .اف. ام والمدينة… إذاعة دمشق، البرنامج العام
فيروز والتلفزيون السوري والسينما
بدأت القناة (5) والقناة (11) من تلفزيون لبنان، في صيف (1962) بث برامجها بمنوعات فيروزية ما دعا التلفزيون السوري إلى نقلها، مقابل بث برنامج للفنان دريد لحام ـ على شاشة التلفزيون اللبناني. في السينما قدمت فيروز ثلاثة أفلام هي
سائليني ياشآم
(بنت الحارس، سفر برلك، بياع الخواتم) هي من إنتاج المهندس السوري نادر الأتاسي. وشارك فيها فنان الشعب رفيق سبيعي وأحمد خليفة وغيرهم. وتم تصوير عدة مشاهد من تلك الأفلام في دمر وفي جبل قاسيون. فيروز والرحابنة التقاهم القائد الراحل حافظ الاسد وشجعهم ودفعهم لمواصلة مشوارهم ورحلتهم الفنية.
يقول منصور الرحباني إثر مرض شقيقه عاصي: “إن نسيت فلا أنسى مشاعر الناس ومحبتهم وتقديرهم، لقد حاصروا المشفى الذي يعالج فيه عاصي، وقد غمرنا الرئيس حافظ الأسد بعنايته ومحبته وأرسل موفداً خاصاً ومبلغاً مالياً مجزياً لهذه الغاية وهي مبادرة لايمكن أن ننساها أبداً”. في 26 أيلول أصيب عاصي الرحباني بجلطة دماغية فأرسله القائد حافظ الأسد في طائرة خاصة إلى العاصمة الفرنسية باريس للعلاج. وتبرع بمبلغ خالص (50 ألف ليرة سورية) لإجراء عملية جراحية لعاصي في باريس، وذلك في العام 1973ـ (وقد اكد زياد الرحباني على هذه البادرة في معرض رده على مذيع احدى البرامج عن هذه المحبة من القيادة السورية) فكتب منصور الرحباني بمفرده مسرحية (المحطة) ولحن أغانيها، وكان عاصي لا يزال يتعالج من مرضه. وتوالت عروض المسرحية، على مسرح معرض دمشق الدولي. في العام 1977 ـ أقامت فيروز صلوات الجمعة الحزينة في دير سيدة صيدنايا البطريركي في سورية، أغلقت المنطقة قبل أسبوع من الحدث لأسباب أمنية، حيث خيم حوالي 1600 شخص للحماية حول الموقع. حضر الصلوات حوالي 6500 شخص، ورتلت فيروز لأول مرة “لاتنوحي علي يا امي…” من قطع جناز السيد المسيح في الاسبوع العظيم المقدس.
الشام لاتغيب أبدا عن فكر فيروز، وفيروز لاتغيب أبدا عن حب أهل الشام لها، في دورتي معرض دمشق الدولي 2017و2018 كانت أهم أمنية عند الدمشقيين حضور فيروز أرض الشام ..أرض السلام والمحبة والقداسة والوفاء، لتغني مجدداً على خشبة المسرح وتعيد زمان الوصل.
أغاني فيروز
الشام وفيروز
-قصيدة ” مر بي “
كلمات: سعيد عقل ألحان: محمد عبد الوهاب
“مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى تحمل العمر تبدده أه ما أطيبه بددا رب أرض من شذا و ندى و جراحات بقلب عدى سكتت يوماً فهل سكتت؟ أجمل التاريخ كان غدا واعدي لا كنت من غضب أعرف الحب سنى و هدى الهوى لحظ شآمية رق حتى قلته نفذا هكذا السيف ألا انغمدت ضربة و السيف ما انعمدا واعدي الشمس لنا كرة إن يد تتعب فناد يدا أنا حبي دمعة هجرت ان تعد لي أشعلت بردى.”
-قصيدة ” قرأت مجدك “
كلمات: سعيد عقل ألحان: الأخوين رحباني
” قرأت مجدك في قلبي و في الكتب شآم ما المجد أنت المجد لم يغب إذا على بردى حور تأهل بي أحسست أعلامك إختات على الشهب ايام عاصمة الدنيا هنا ربطت بعزمتي أموي عزمة الحقب نادت فهب إلى هند و أندلس كغوطة من شبا المران و القضب خلت على قدم التاريخ طابعها و علمت انه بالفتكة العجب و إنما الشعر شرطة إرتجلت على العلا و تملت رفعة القبب هذي لها النصر لاأبهى فما هزمت و إن تهددها دهر من النوب والإنتصار لعالي الرأس منحتم حلواً كما الموت جئت الموت لم تهب شآم أرض الشهامات التي إصطبغت بعندمي نمته الشمس منسكب ذكرتك الخمس و العشرين ثورتها ذاك النفير إلى الدنيا أن اضطربي فكي الحديد يواعدك الالي جبهوا لدولة السيف سيفاً في القتال ربي وخلفوا قاسيونا للأنام غداً طوراً كسيناء ذات اللوح و الغلب شآم لفظ الشآم اهتز في خلدي كما اهتزاز غصون الأرز في الهدب انزلت حبك في آهى فشددها طربت آهاً فكنت المجد في طربي.”
-قصيدة “شام يا ذا السيف”
الشام وفيروز
كلمات: سعيد عقل ألحان: الأخوين رحباني
“شام ياذا السيف لم يغب يا كلام المجد في الكتب قبلك التاريخ في ظلمة بعدك أستولى على الشهب لي ربيع فيك خبأته ملئ دنيا قلبي التعب يوم عيناها بساط السما و الرماح السود في الهدب تلتوي خصراً فأومى إلى نغمة الناي ألا إتنحبي أنا في ظلك يا هدبها أحسب الأنجم في لعبي طابت الذكرى فمن راجع بي كما العود إلى الطرب شام أهلوك إذا هم على نوب قلبي على نوب أنا أحبابي شعري لهم مثلما سيفي و سيف أبي أنا صوتي منك يا بردى مثلما نبعك من سحبي ثلج حرمون غذانا معاً شمخاً كالعز في القبب وحد الدنيا غداّ جبل لاعب بالريح و الحقب.”
-قصيدة “إلى دمشق “
كلمات: سعيد عقل ألحان: الاخوين رحباني
“بـلادي وحـبــّك يــامــوجعي … معي يابلادي يعيش معي ترابــاتـك المطلعــات الربيع … أكفٌّ من الذهب الممرعِ وغيماتك البيض سكب العبير … تُحدّ وتُنزل في الأضـــلع ووثبا تنا ؟ مـالـهـنّ الــــدروب … حلمن بوقع الخطا المزمعِ بــلادي وأيّ مهـبِّ ريــــــاحٍ … بأحلامنا السمرِ لم يذرع حكـأيـتنا أنّنا في الوجود … طموحٌ يـــــطلّ على الأروع بلادي وزهر دمشق يضوع … بما في الذرا من شذا ضيّعِ دمشـــــــــق الجميلة عند رباً … من الشرق طيّبة المرتعِ يحدّث عنك برفعة رأسٍ … حديث البطولات لـــــم تركعِ إذا تذكرين يشيل جناحٌ … ويوغل في الزمن المســـــرع ســـــــــألت لنا الله أيام رغدٍ … كصــحوّمطلاتك الممتعِ بلادي عليك سلام الشعوب … ففي البال أنت وفي المسمعِ”
وعندَ الحدودِ وفي ميســـــــــــلونْ لنا ذكرياتْ بطولاتُ جيشٍ تحدّى المنونْ ليبني الحياةَ الحياةْ وأحيى على الأرضِ عبرَ القرونْ شعارَ المشاةْ
رفاقي إن ما تعالى النّفَيرْ تكونوا الجوابْ وإن ما دعا الصّوتُ كي ما نَغير ْ فشـــــــــبّوا الحرابَ الحرابْ وهبّوا لنسقي الترابَ الأثـــيرْ دماءَ الشبابْ
موطن المجد سر إلى الأمام فوق مسراك يخفق السلام يا رفيع البنود؟ يا عرين الأسود يا شديد الثبات للدوام؟ مـــوطن المجد كلنا فداء في الـقـلوب مزهّر هـــواك نحن منك الرجاء نحن منك الوفاء سدد الله للمدى خطاك
يا موطني يا قصة الجمال ولحن شعب رائع النضال يا موطني يا ملعب الإباء وراية تموج في السماء في حماك خير وفير وثراك دوما عبير؟ والهتاف يعلو حبيبا والطريق رحب منير”
-قصيدة ” ذكرى بردى”
مسرح معرض دمشق الدولي
كلمات: بشارة الخوري ألحان: الاخوين رحباني
“ســــل عن قديم هواي هذا الوادي هــل كان يخفق فيه غير فؤادي أنــــــا مذ أتيت النهر آخـر لـيـلــة كــانت لنا ، ذكــرته إنشـــــادي وســــألته عن ضفتيه : ألم يــــزل لي فيهما أرجــوحتي ووســـادي تــلك العشــــية ما تزايل خاطري في سفح دمر والضفاف هـوادي شـــــفافة اللمحات نـيـرة الــرؤى ريـــا الــهــوى أزلــيــة الـميلاد غران نمرح في الهوى وفـتـونــه وعلى خــدود الـــورد والأجـيـاد ونــحس بالِبين المشـــت فلا نرى غير الـعـناق على الندى من زاد نـتـخـاطـف القبل الصباح كصبية يــتــخــاطـفـون هــدية الأعـيـاد مـتـواثبين كطائرين تشــــــابــكــا وتضارب الـمـنـقـاد بالــمـنـقـاد بردى هــل الخلد الذي وعـدوا به إلاك بين شـــــوادن وشـــــوادي قالوا: تحب الشآم ؟ قلت جوانحي مقصوصة فيها وقــلت فـــؤادي”
-قصيدة “سائليني يا شام”
كلمات: سعيد عقل ألحان: الاخوين رحباني
“سائليني حين عطرت السلام كيف غار الورد و أعتل الخزام و أنا لو رحت استرضي الشذا لانثنى لبنان عطراً يا شآم ضفتاك أرتاحتا في خاطري و إحتمى طيرك في الظن و حام نقلة في الزهر أم عندلة أنت في الصحو و تصفيق يمام أنا إن أودعت شعري سكرة كنت أنت السكب أو كنت المدام رد لي من صبوتي يا بردى ذكريات زرن في ليا قوام ليلة ارتاح لنا الحور فلا غصن إلا شج أو مستهام وجعت صفصافة من حسنها وعرى أغصانها الخضر سقام تقف النجمة عن دورتها عند ثغرين و ينهار الظلام ظمئ الشرق فيا شام اسكبي و إملئي الكأس له حتى الجمام أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم في عروة الدهر وسام أمويون فإن ضقت بهم الحقوا الدنيا ببستان هشام أنا لست الغرد الفرد إذا قلت طاب الجرح في شجو الحمام أنا حسبي أنني من جبل هو بين الله و الأرض كلام قمم كالشمس في قسمتها تلد النور و تعطيه الأنام”
-قصيدة “أحب دمشق”
ياشام عاد الصيف…
كلمات: سعيد عقل ألحان: الاخوين رحباني
“أحب دمشق هوايا الأرقا أحب جوار بلادي ثرى من صبا و وداد رعته العيون جميلة و قامة كحيلة أحب أحب دمشق دمشق بغوطتك الوادعة حنين إلى الحب لا ينتهي كأنك حلمي الذي أشتهي هوى ملء قصتك الدامعة تمايل سكرى به دمشق كشمس الضحي الطالعة هنا و البطولات لا تنضب تطلع شعب حبيب العلي إلى المجد بالمشتهى كلل دمشق و أنت الثرى الطيب غضبت و ما أجمل فكنت السلام إذا يغضب أحب أحب دمشق”
وقد انشدتها في مهرجان مسرح المعرض عام 1973
-قصيدة “بالغار كللت”
كلمات: سعيد عقل ألحان: الاخوين رحباني
“بالــغار كللت أم بالنار يا شـــام …. أنت الأميرة تعلو بإسمك الهام أواه بضع غماــمات مشردة في …. الأفق بعض روئاً و البعض أحلام ســألتهن أظللتنها صبحاً شــــام ….التي وحــــدها للعــــود أنغــــام ما ألهمتني من صوت خلدت به …. كذا يخلد شـــــك الســــيف مقدام و طالعتني ليال من بطولتها حمر …. تــغاوت لها في الريــــح أعـــلام كأنما نضجت خضر المواســـم …. من هوى أغاني و الأشــعار أيـام ختام تشــــــرين هل ناس أوائله …. إذ هبّ يعتصــــر العــنقود كرام يا شـــــام ســكبك مجد ما يكون …. إذا بملئ كفك دفــقــاً أفرغ الجـام أقول خالد شــــج الشعر مندفعاً …. وخط طـــارق فوق البحر رسام يا شــــام لبنان حـــبي غير أني …. لو توجع الشـــام تغدو حبي الشام”
-قصيدة ” يا ربا”
فيروز الصوت الرباني
كلمات: بشارة الخوري ألحان: الاخوين رحباني
“يا ربا لا تـــتركي وردا ولا تبقي اقاحا مشــت الشام إلى لبنان شوقا والتياحا فافرشي الطرق قلوبا وثغورا وصداحا غرة من عبد شمس تملأ الليل صباحا وحســـام يعربي الحد ما مـــل الكفاحا يشرعان الراية الحمراء والحق الصــراحا جمع المجد على الارز ســــيوفا وجراحا فتســــــاوينا جهادا وتاخينا ســـــلاحا ونشـــــرناها على الدنيا جناحا وجــناحا”
-قصيدة “سورية”
ألحان: الاخوين رحباني
“سورية سورية مواكب تسير في مطالع الضياء سورية سورية فأطلق الجباه يا جبال للإباء والثمي الكروم يا سماء واملأي القلوب يا رجاء قد أطلت الشموع في الفداء فاسلمي لي يا ملاعب الصفاء
بلادنا على فم الصحارى مروجها تعانق الغابات بلادنا المجلة إفتخارا منائر توزع السناء أرضنا يا خصبة السهول يا نعيم المشرق الجميل في ثراك الطيّب النبيل تزهر الأمجاد والوفاء
أسوريا فلتعلم الشعوب بإننا نفنى ولا نلين أسوريا ولتهنأ القلوب لن يدخل الغريب للعرين دولة التاريخ والصروح قمة العلياء والطموح يوم يدعو الجيش للفتوح دارنا الأمجاد والعلاء.”
-قصيدة “ضفاف بردى”
كلمات: الاخوين رحباني ألحان: الاخوين رحباني
مواطن الصفاف………تموج بالاطياف على غوى الندى ضفاف بردى…………اذا حبيبي جاء…فهيأ الافياء ومتى يجيئ………….. صباح يغدوا اليمام الى الظلال ومتى يجيئ…………..عند انهدال الغمام فوق التلال
ضفاف بردى يا جارة الاحلام .. على جبين الشام تلون المدى
ومتى يجيئ.. صباح يغدوا اليمام الى الظلال ومتى يجيئ ..عند انهدال الغمام فوق التلال
ضفاف بردى يا جارة الاحلام .. على جبين الشام تلون المدى.”
-قصيدة “يا مال الشام”
الشام وفيروز … و سر مخبى بحاراتك ياشام
كلمات: عمر الحلبي ألحان: أبو خليل القباني
“يا مال الشام ياالله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي
طال المطال ذكرنا هوانا عمر المحبة وماضي صفانا ولما اتاقبلنا وحنت سمانا عادت ليالي وحليت ليالي
طال المطال طال وطوّل وراح ونسيني وعنّي تحوّل رجع حبيبي زمان الأول عمر الفراق ما كان ع بالك”
البعد الروحي عند فيروز
معنا هو الله…
كانت لاتترك مناسبة روحية وخاصة في الصوم الكبير المقدس الا وتزور الكنائس وترتل مع جوقاتها
رتلت تراتيل الجمعة العظيمة عام 1958 ثم عادت لترتل تراتيل الآلام والفصح… “معنا هو الله…” وليقم الله وليتبدد جميع اعدائه…” و “عذراء يا ام الاله…”في دير مار الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير…
وكانت تزور يوم الجمعة العظيمة كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت لترتل تقاريظ الجناز
كما انشدت لمكة المكرمة…
اطال الله بعمرك يافيروز ايها الصوت الخالد والحضور الشامخ.