تستحق مدينة “جبلة” أن تكون مدينة أثرية رائدة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط نظرا لوجود العديد من المواقع الأثرية التي ترتبط بتاريخ هذه المدينة، ومن المواقع التي تميز مدينة “جبلة” هناك المرفأ القديم “الميناء الفينيقي” والذي يعد من الأوابد الأثرية البارزة في المنطقة وهو ميناء أثري يستخدم حاليا كميناء لقوارب صيد الأسماك.يعتبر الميناء الفينيقي الأثري في “جبلة” بأنه من أقدم الموانئ الطبيعية التاريخية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط.
الواقع
ميناء “جبلة” الفينيقي محفور بالصخر الطبيعي، وهو ميناء صغير يأخذ شكل مستدير يقع في منتصف شاطئ المدينة القديمة ومحاط بها، وعلى الرغم من أنه أقدم الموانئ الطبيعية التاريخية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط إلا أنه مازال حتى الآن يتمتع بالكثير من المعالم الطبيعية والتاريخية الأثرية العائدة لفترات زمنية متعاقبة.
يشكل الميناء الفينيقى الاثرى بجبلة والذى يتجاوز عمره 3500 عام محطة رئيسية لزوار المدينة فهو من ابرز معالمها السياحية حيث يقع وسط شاطىء المدينة بشكله الدائرى الطبيعى محاطا بمعالم اثرية المتنوعة. الميناء له شكل نصف مستدير ويتالف من مدخل رئيسى وحوض داخلى مفتوح مباشرة باتجاه الغرب لافتا الى انه من الجهة الشمالية من الميناء يوجد مرتفع صخرى يسمى قديما قصر بيت زيفا وفى الجهة الشرقية منه توجد بعض المغاور المنحوتة ضمن الصخر ربما كانت تستعمل قديما كمستودعات أو غرف خدمية للصيادين وأما الجهة الغربية للمرتفع فمغارة ينفتح بابها باتجاه الغرب.
كما إن حوض الميناء مجهز برصيفين الرصيف الشمالى يقع فى الجهة الشرقية من المرتفع الصخرى ومازال محافظا على شكله بطول /40 /م وبعرض /5ر12/م وهو مبنى بحجارة رملية وكلسية كبيرة ومتوسطة فوق الصخر الطبيعى مباشرة ومحفوظ على أربعة مداميك تم ترميمه فى القرن الحادى عشر الميلادى عندما استولى االفرنجة على مدينة جبلة بقيادة (رايموند سان جيل) سنة 1098م وقد لاحظ الرحالة/رى/هذه الترميمات عام/1860/م وفى الزاوية الجنوبية الشرقية من الرصيف درج مؤلف من ثلاث درجات وذلك من أجل تسهيل حركة الصعود والنزول الى القوارب.
والرصيف الجنوبى عبارة عن شبه جزيرة صغيرة كانت عليه بعض التحصينات المبنية بحجارة منحوتة كبيرة الحجم وعند الحافة الجنوبية للميناء وضمن البحر حجارة يطلق عليها الصيادون اسم/المطبقة/وهى عبارة عن حجارة غير مشذبة وتمتد على مسافة/50م/وتنتهى على عمق/6م/ تقريبا كانت تحمى مدخل الميناء من الرياح والامواج الغربية والجنوبية الغربية وهذا دليل على بنائه كحاجز أمواج.
وعلى الهضبة المتجهة نحو الشمال توجد بعض الاعمدة من الغرانيت الرمادى ولكن من عام 1969 أثناء بناء أرصفة وحاجز أمواج الميناء الحديث أزيلت معظم اثار هذه التحصينات والاعمدة الغرانيتية ولم تعد فى مكانها وانما متناثرة على الهضبة وفى الحوض الداخلى استعملها الصيادون مرابط لقواربهم لافتا الى انه توجد اثار تحت المستودعات التى تقع فى الجهة المطلة على الحوض الداخلى للميناء من خلال هذه الاعمال كشف عن بقايا حمولة سفينة قديمة تحمل قواعد أعمدة مربعة كبيرة ومجموعة من الاعمدة مختلفة الاطوال والاقطار.
واشار رئيس دائرة الاثار الى بدء مشروع توسيع وتعميق حوض ميناء جبلة الداخلى منذ عام/2004/وذلك من أجل تطوير الية عمله حيث تم بناء رصيف من البيتون على المرسى الشرقى للحوض وبذلك تغيرت معالم الشكل المستدير لهذا الحوض وأثناء تعميقه تم العثور على أعمدة من الغرانيت الرمادى ومن الحجر الرملى كما عثر على مجموعة من اللقى والبقايا الفخارية يمتد تاريخها من العصر الهلينستى وحتى العصور الحديثة.
ختاماً نقول مع الآثاريين والمؤرخين أن ميناء جبلة الفينيقي كان يعتبر الميناء الأساس لمملكة “سيانو” كما استخدم في العصور الكلاسيكية والإسلامية وكان يعتبر الميناء الأساسي لحركة التجارة بين مملكة “سيانو” والممالك المجاورة في حوض المتوسط.
رغم أن الغالبية من السوريين يعتقد أنها خرافات، إلا أنها لسبب أو لآخر تخيف ويتجنب كثيرون مخالفتها، على مبدأ “لاتنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة”، الخرافات والمعتقدات المتوارثة بعضها يصلح كفكاهة وبعضها مخيف ويعتبر نذير سوء.
ويزخر المجتمع السوري، كأي مجتمع في العالم، بالكثير من هذه الأفكار والمعتقدات، التي لا يستند أغلبها إلى أساس، ويرتبط بعضها الاخر بمعتقدات دينية أو حوادث معينة تزامنت معها، وتحولت إلى معتقد أضفى عليها الزمن قدسية أو رهبة معينة.
فيرى السوريون في “رش المياه على شخص ما فراق معه”، وهذا المعتقد الذي يعتبره السوريون فأل شر ويتطيرون من فعله، نجده في ثقافات أخرى بمعنى معاكس تماما.
الطرق على الخشب، وهي خرافة شائعة في سوريا، كما كل العالم، حيث يعتبر البعض أن الخشب وكونه غير ناقل للكهرباء يمنع انتقال “طاقة الحسد السلبية”، فيلجأون للطرق عليه “لإبعاد شر العين الحاسدة”.
ويعود هذا التقليد في الأساس إلى أوروبا، فخلال القرون الوسطى ادّعت الكثير من الكنائس امتلاكها قطعًا من صليب المسيح ،ومنها أشاعت الكنائس رسميًا بأنّ الطرق على الخشب يجلب الحظ الجيد ويبعد السوء.
تقليم الأظافر ليلًا، ورغم أن هذه الخرافة نشأت في الهند وتعود القصة وراء هذا الاعتقاد إلى فكرة أنّ الأشخاص عامةً كانوا يتجنبون استخدام أية أدوات حادة ليلًا وفي الضوء الضعيف، خوفًا من أن يؤذي الشخص نفسه دون أن ينتبه، غير أن السوريين يعتقدون أنها تجلب الفقر.
ترك محفظة النقود أو حقيبة اليد على الأرض، يؤمن بعض الناس بهذه الفكرة خوفا من جلب الفقر، حيث يعتبر وضعه على الارض إشارة للاهمال.
“عدم تكنيس وتنظيف الارض خلف مسافر”، يعتبر أيضا فألا سيئا يمنع المسافر من العودة سالما مثل رشق الماء خلفه، في حين أن “كسر جرة” خلف أحدهم يعبر عن رغبة بعدم عودة الضيف مرة أخرى.
فتح مقص دون استعماله، أو فتح مظلة داخل المنزل، يعتقد العديد من الأشخاص بأنّ فتح مقص وإغلاقه دون استخدامه يجلب “الشؤم والحظ السيء”، والمظلة تجلب “الموت” الى المنزل.
وهناك بعض العادات المرتبطة بالأعراس والافراح ، فـ “الدوس على قدم عروس في ليلة عرسها أو غرزها بإبرة من قبل فتاة عازبة يجلب العريس للعازبة”، بحسب ما تعتقد الكثيرات.
ومن الطقوس المتعارف عليها، أن تقوم العروس أثناء دخولها إلى منزل الزوجية الجديد بلصق عجينة على الحائط قرب الباب، فإن التصقت فـ “العروس لازقة”، أما إذا سقطت فيعتبر فألا سيئا على حياتها المقبلة مع زوجها.
ولموضوع جنس المولود الكثير من الخرافات والمعتقدات التي لا أساس علمي لها، فيعتقد أن وحام المرأة بالحامض يعني أن المولود ذكر، واذا رغبت بالطعام الحلو فالمولود بنت .
وتنصح المرأة التي تكثر المشاكل في بيتها بأن ترش الملح في زواياه وتحت الأسرة، على مبدأ أن الملح يمتص الطاقة السلبية المنتشرة في المنزل.
وتمتنع بعض النسوة من إعارة “السلّم” لأحد ليلا، كونه نذير شؤم لأهل المنزل، ويكرّه أن يخرج أحد من بيت متوفي ويزور أحد معارفه في طريقه، حيث يعتقد أنه ينقل الحزن معه الى المنزل الاخر.
ومن العادات الغريبة، عادة ضرب العريس وتكسير البيض على جسده في الحمام العام من قبل رفاقه وأصدقائه، ويعتبر ذلك نوع من العقاب له لتركه العزوبية.
وتنتشر خرافات كثيرة على سبيل التندر مثل “قلب الحذاء” لرمي الفتنة بين شخصين، وتعتبر “طنة الاذن” دليلا على أن أحدا ما يتكلم عن الشخص بغيابه.
في حين، يعتبر حك اليد أن الشخص سيلتقي شخصاً ويصافحه، وفي معتقدات اخرى يعتقد بأنه سيقبض او يدفع أموالا، وذلك تبعا لجهة اليد، اليمنى او اليسرى.
ومن اللافت أنه ورغم عدم صحة معظم هذه المعتقدات، غير أنها منتشرة جدا وتتوارثها الاجيال وحتى المتعلمون يعتقدون بصحتها في أحيان كثيرة، وتنتشر بين النساء بشكل أكبر.
هل كانت اللغة السريانية هي اللغة الأولى لسورية الطبيعية، وماهو دور اللغة اليونانية في سورية؟
توطئة
تتنامى اليوم وخاصة بعد الحرب الكونية على سورية ومساهمة العربان الاساس فيها ولنكر الانتماء للعروبة، تتنامى وترتفع الأصوات القائلة بأن سورية والمشرق ارض السريان وحدهم وليست ارضاً عربية، وأن كل السكان هم سريان الأصل، وان اللغة السائدة هي السريانية، وان اسم سورية هو سرياني…وان اسماء معظم المناطق والمراكز سريانية، ويغرق البعض في السرينة فيخلطون بين اللغة والطائفة، فهل حقاً كان الأمر كذلك؟ وهل كان كل السكان سريان اللغة والمذهب وهل ان هذا يعني ان الطوائف الأخرى مسيحية كانت ام مسلمة كانت سريانية اولاً ثم صارت على ماهي عليه الآن، كما قال البعض وخاصة كبار المثقفين ويقولون… وان فريقاً منهم الذين هم اليوم الارثوذكس انشقوا عن الاصل السرياني وتبعوا الروم البيزنطيين لغة وعقيدة… ولذا اسموهم ملكيين نسبة الى انقيادهم لملوك بيزنطة…
انطاكية مغارة القديس بطرس
في هذه الطروحات نسأل عن اليونانية التي كانت لغة السواحل والمدن منذ الاسكندر الأكبر، وتأسيس الدولة السلوقية على يد سلوقس نكتاروس في سورية الطبيعية وعاصمتها انطاكية على اسم ابيه انطيوخوس، ودولة البطالسة التي اسسها بطليموس في مصر في الاسكندرية التي اقامها الاسكندر الأكبر المقدوني…وكانت اللغة السائدة في حوض البحر المتوسط هي اليونانية والتي غلبت حتى اللغة اللاتينية الفاتحة مع الرومان منذ 63 ق.م الى زمن تأسيس الدولة الرومية البيزنطية…مع كل هذه القوة هل كانت اليونانية سراباً الم تكن لغة الادارة والثقافة؟ اين اللغة العربية وسفر اعمال الرسل ينص على وجود العرب عندما حل الروح القدس يوم العنصرة؟ و…الم يأمر الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين في بلاد الشام ومصر والرافدين عن اليونانية وذلك في القرن السابع بعد ان كانت اللغة الرسمية في الادارة و…في النصف الاول من فترة الدولة الاموية…!
المدن المنسية …
هل كانت هذه اللغة وتلك الآثار في حوران وشرق الاردن والمدن المنسية وشمال سورية ومنطقة حلب ودورا اوربس البيزنطية مجرد وهم؟ أسئلة لابد منها امام هذه الهجمة التي لامبرر لها باحتكار سورية واحتكار الكنيسة وسرينة كل شيء وعلى كل الالسنة من كبار المثقفين الى اصغر العامة وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي والفيسبوك مع تغليظ في الكلام… الأمر الذي دفعنا الى الدفع بكتابة هذه التدوينة علماً اننا نحتفظ بالكثير من الامور التي نتحفظ عليها والواردة كحوادث تاريخية كانت مدمرة للمسيحية اجمالاً في سورية الطبيعية.
بين ايدينا هذا المقال الرائع لمعلمنا الشيخ الجليل المرحوم الشماس والمحامي اسبيروجبور وهو شيخ المعلمين الانطاكيين فكراً ولاهوتا وتاريخاً وحقوقاً… وفيه توضيح جلي للواقع…
قال المعلم الأنطاكي اسبيرو جبور في مقاله
” اللغة السريانية، أو بالأحرى في الأساس اللغة الآرامية، كانت لغة الدبلوماسية في الشرق الأوسط في العهد القديم. وفي قصر شوشا الفارسي قبل الميلاد، كانت لغة الدبلوماسية. وأكتُشف في مصر عرائض مقدمة للوالي الفارسي أثناء الاحتلال الفارسي لمصر باللغة الآرامية. وبعض العهد القديم مكتوب بالآرامية أيضاً. اللغة الآرامية هي لغة سورية الطبيعية والعراق ماعدا فلسطين. ولكن بعد السبي البابلي عاد اليهود من بابل الى فلسطين لايتكلمون الا الآرامية، فصارت اللغة الآرامية شيئاً فشيئاً اللغة العامية في فلسطين ( وصارت تسمى الآرامية الفلسطينية)، بينما بقيت اللغة العبرية لغة الكتاب المقدس ولغة القراءة الأولى (فقط يقرؤها الكهنة…). ولكن هناك تراجم، إذ ترجم اليهود العهد القديم الى اللغة الآرامية أيضاً. فكان النص يُتلى بالعبرية والشرح باللغة الآرامية. ويسوع المسيح له المجد تكلم في فلسطين اللغة الآرامية. إنما سافر خارج فلسطين على ما نعلم مرتين. الأولى لما أتى صور وصيدا، وصور وصيدا كانت تتكلمان اليونانية.
سورية
وفي انجيل مرقص المرأة الكنعانية هي إمرأة يونانية اللغة. وانتقل أيضاً إلى المدن العشر وشفى هناك الممسوسين وهذه المنطقة كانت متيوننة.
اللغة الآرامية إذا هي اللغة الأصلية، ولكن عندما جاء بلادنا الاسكندر الكبير، فاتحاً كبيراً، انتقلت اللغة اليونانية الى بلادنا والى العالم بصورة كبيرة جداً. ففي القرن الثاني قبل الميلاد كما يقول العلماء، قامت سورية مقام أثينا في الآداب والفنون الجميلة. وانتقل الثقل اليوناني الى بلادنا. المدن العشر المذكورة في الأناجيل هي دمشق وجرش وعمّان شرقاً، وبيشان غربي بحيرة طبريا، والمدن الست الباقيات هي بين البحيرة وخط عمّان دمشق. هذه المنطقة تيوننت وتكلّمت اليونانية في ذلك الحين. فملّم أولاد هيرودس هو نيقولاوس الدمشقي الفيلسوف الذي ترك ذرية من العلماء والفلاسفة من اثني عشر جيلاً. كان الناس يتكلمون اللغة اليونانية من آخر كيليكية بحراً الى اسكندرون، فاللاذقية، فطرابلس، فبيروت، وصيدا، وصور، فحيفا، فقيصرية فلسطين، فيافا، فغزة، فالاسكندرية، فليبيا، وبلادنا ومصر أخرجت علماء وفلاسفة كثيرين باليونانية. المدن الداخلية: حلب وحماة وحمص وبصرى كانت تتكلم اليونانية، إنما كانت القبائل العربية في الصحراء وغالباً من القرن الثاني بعد الميلاد، إذ أخذت تتكاثر في بادية الشام. هذه القبائل كانت تتكلم العربية، ولكن مع الزمان جوّدت لغتها العربية، وتجويد لغتنا العربية تمَّ أيضاً بالاحتكاك الثقافي.
طبعاً لايخلو الأمر أنهم تعلموا السريانبة أو اليونانية، فعائلة يوحنا الدمشقي عائلة عربية الأصل، اسمه منصور واسم جده منصور، فالاسم عربي، لكننا لانعرف القبيلة التي كان ينتمي اليها يوحنا الدمشقي، ولكن ليس من تغلب، لأن تغلب كانت على المذهب اليعقوبي. فعائلة يوحنا الدمشقي عائلة ثقافة وأدب وعلم وفلسفة وزعامة كبيرة في دمشق. فهي عائلة محترمة جداً.(وهو ترهب في دير مارسابا اليوناني في فلسطين وتبعيته لبطريركية اورشليم اليونانية)
ارضيات فسيفساء بيزنطية
المناطق التي كانت تتكلم السريانية (أوالآرامية القديمة) هي المناطق الريفية. ففي الريف غالباً كان الناس يتكلمون السريانية ( الآرامية ولكن كان عليهم معرفة اليونانية للعمل في الادارة العامة منذ الاسكندر الاكبر مروراً بالدولة الهلنستية ثم الرومانية فالرومية…). في منطقة نصيبين وأورفا ( اي الرها اليوم) وتلك المناطق كان الناس يتكلمون السريانية، ولكن الأغنياء والميسوري الحال كانوا يعلمون اولادهم اليونانية أيضاً. فنسطوريوس من جرمانيكا مرعش (قرب جبال طوروس شمال سورية) درس في انطاكية وكتب باليونانية. وهناك من قال ان بروكلس بطريرك القسطنطينية هو من مرعش، ولكن الأغلب هو من القسطنطينية. بولس السميساطي كان من سميساط في الشمال ايضاً وصار اسقفاً على أنطاكية، وتكلم اليونانية. وكان مسؤولاً عن المالية في قصر زنوبيا في القرن الثالث للميلاد. التأثير اليوناني واضح على قصر زنوبيا وحضارة زنوبيا وتماثيل زنوبيا في اللوفر. الحضارة التدمرية حضارة يونانية بنسبة كبيرة وإن كانت زنوبيا عربية الأصل، وفي قصرها كان الفيلسوف لو نجينوس، ولو نجينوس يتكلم اليونانية واسمه غير عربي. فتغلغل اللغة اليونانية كان واسعاً جداً.
مدرج بصرى
المدن التي أسسها اليونان: أنطاكية واللاذقية وأفاميا (في منطقة حماة) والسويدية أي سيليسكيا (سلوقية)(الدولة السلوقية التي اسسها سلوقوس نكتاروس)، هذه مدن أسسها اليونان وطابعها يوناني. وبحسب الاب ديمتري اثناسيو بقيت اللاذقية تتكلم اليونانية حتى القرن الثالث عشر. ولما مر ابن بطوطة عليها كان مرفأها محاطاً بسلسلتين، واسم السلسلتين عند ابن بطوطة يوناني. ولاتزال هناك ألفاظ يونانية في ساحل اللاذقية واسم الساحل والأمكنة والألفاظ. فإذاً الحضارة اليونانية انتقلت الى سورية الطبيعية.
في القرن السادس الميلادي كان اسقف غزة يجيد اليونانية مثل أفلاطون فسمي أفلاطون المسيحي. وفي كتاباته يهزأ من اليوناني ويقول له السوري في إحدى حواراته على طريقة أفلاطون: “أنا اعلمك اللغة اليونانية”
أي كانت غزة باليونانية أقى من أثينا، وكان اليونانيون يأتون من أثينا إلى غزة ليتعلموا اللغة اليونانية، فغزة في أواخر سورية الطبيعية تعّلّم اللغة اليونانية وهذا شيء مهم كثيراً.
في مصر كانت اللغة اليونانية في الاسكندرية وأخرجت الفيلسوف الكبير أفلوطين الذي جدد الأفلاطونية فسميت فلسفته بلأفلاطونية الجديدة. تلميذه هو بورفيروس من صور، المتوفي في العام 310 م، وهو الذي نشر كتبه ونظمها ورتَّبَّها، وترك شيئاً من طابعه الخاص عليها كما يقول الباحثون اليوم.
انطاكية
يقول الاختصاصيون إن كل المدن السورية كانت قلاعاً للفكر والفلسفة والعلم، الخ…
في تاريخ الفلسفة البيزنطية لباسيل تاتاكيس المطبوع في باريس بالفرنسية العام 1949 نرى رجال الفكر والفلسفة والعلوم سوريين. ولكن يجب تصحيح ديونيسيوس الأريوباغي الذي كان في ذلك الحين غير معروفاً بالتمام كسوري، فهذا سوري. وهناك مكسميانوس المعترف في هذا الكتاب الذي يميل البعض الى اعتباره سورياً من قرية خسفين في الجولان السورية على حوالي منتصف الطريق بين درعا ودمشق غرباً. مكسيموس المعترف داهية الدهاة. رجل فكر عالمي من الطراز الأول في مخطوطة مارونية موجودة في المتحف البريطاني هو من خسفين. ولكن المخطوطات اليونانية تعود الى القرن العاشر، أماالمخطوطة المارونية فتكاد تكون معاصرة له، وتستعمل عبارات متداولة في كتب الموارنة، فهي أقرب الى زمان مكسيموس، ولذلك يوجد خلاف بين العلماء اليوم، ولكن الأغلب ان يكون سورياً، لأن القسطنطينية لم تُخرج لاهوتياً كبيراً الا في القرن التاسع المسيحي وهو القديس فوتيوس الكبير، المتوفي في العام 891 مسيحية. وباسيل تاتاكيس المذكور يذكر أن القسطنطينية لم تستطع أن تنافس القلاع الفكرية السورية.
القديسون الاقمار الثلاثة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم…
تأسست الجامعة القسطنطينية في العام 425م على يد الإمبراطورة زوجة ثيوذوسيوس الصغير، لكنها عجزت عن مافسة المراكز السورية التي أخرجت الكثير في اللاهوت المسيحي، أما أثينا فما أخرجت في البداية إلا أثيناغوراس من المدافعين عن الايمان وشخصاً آخر، بينما نرى الكتاب السوريين يحتلون الساحة. ولاننسى أن كبادوكية كانت تابعة لمملكة أنطاكية، والرومان واليونان يسمّون أهالي كبادوكية السوريين البيض. فباسيليوس وغريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النيصصي وأمفيلوخيوس إذاً إلى حد ما متأثرين بسورية، والقديس باسيليوس الكبير يمتدح أنطاكية مدائح كبيرة، وكان صديقاً كبيراً لأسقفها الشهيرملاتيوس رئيس المجمع المسكوني الثاني (العام 381 م). وكانت القسطنطينية في مرحلة تأخذ البطاركة من سورية الطبيعية. فأولهم نكتاريوس من كيليكيا الذي ترأس المجمع المسكوني الثاني بعد وفاة ملاتيوس، وخلفه يوحنا فم الذهب. وبعد فم الذهب ياتي أخو نكتاريوس، ولدينا نسطوريوس وبروكلوس (وهو تلميذ فم الذهب). وبعده جاء فلافيانوس الذي عقد مجمع 448 م في القسطنطينية وحكم على أفتيخيوس (أي أوطيخا). وهناك يوحنا من سرمين (قرب ادلب)… وهناك سرجيوس في القرن السابع صديق هرقل، وهذا كان ايضاً من سرمين. هؤلاء كلهم ناطقون باليونانية. سرمين اليوم منطقة بسيطة ولكنها أنجبت بطريركين على القسطنطينية. يوحنا فم الذهب أنطاكي وهو أشهر الشراح ومعلم الكنيسة الكبير. القديسون والكتبة السوريون الذين كتبوا باليونانية مشاهير. مثلاً في الشعر: أكبر شاعر بيزنطي باللغة اليونانية طبعاً هو رومانوس الحمصي باعتراف ميرف عضو الأكاديمية الفرنسية. هذا شاعر لا مثيل له ولاهوتي محترم جداً.
القديس رومانوس المرنم
ومن جهة اللاهوت لاننسى دمشق أيضاً التي أخرجت صفرونيوس الدمشقي المهول الشهير، بطريرك أورشليم.صفرونيوس هذا هو الذي قاوم هرطقة المشيئة الواحدة التي قال بها سرجيوس القسطنطينية. ( الذي لم يرض ان يسلم مفاتيح القدس الا للخليفة عمر بن الخطاب وحصل منه على العهدة العمرية)( والقديس اندراوس الدمشقي اسقف كريت ناظم قانون اندراوس باليونانية الذي يقال في الصوم الكبير)
توفي صفرونيوس في العام 638م كان رئيس دير في تونس في قرطاجة نفسها. وكان يومئذ مكسيموس المعترف راهباً عنده في الدير. ففي قرطاجة نفسها كان رئيس الدير إنساناً يتكلم اليونانية حتى في روما نفسها وكانت الكتابات باللغة اليونانية حتى في روما نفسها كانت الكتابات باللغة اليونانية حتى العام 250م.
يوحنا الدمشقي من دمشق وهو لاهوتي وكاتب مهم جداً ومتب باليونانية، وكتب أناشيد دينية بكمية كبيرة جداً. ونظم الموسيقا اليزنطية. كان وزيراً عند الأمويين، وترك في أيام يزيد بن عبد الملك، لا في أيام عمر بن عبد العزيز الذي كان صديقه الحميم، وعمر بن عبد العزيز كان صديقاً للمسيحيين والرهبان، ومات في مار سمعان العمودي في معرة النعمان ودُفن فيه، ولم يكن عدو المسيحيين كما دس اليهود. هذا كذب، فأمره معروف
القديس يوحنا الدمشقي
وكتبت كراسة في هذا الموضوع. يوحنا الدمشقي علمٌ من أعلام الكنيسة الكبرى، وهو الذي لخص اللاهوت الأرثوذكسي، وأصبح كتابه المرجع رقم واحد في تنظيم اللاهوت الأرثوذكسي، أما ديونيسيوس المنتحل، فكما قال لوسكي (العام 1975)، وكتبتُ أنافي العام 1980، فهو الذي نظم تعليم الآباء الكبادوكيين. كان أفلاطوينياً جديداً، لكنه انقلب على الأفلوطينية وصار مسيحياً، متأثراً بانشاء بلوتينوس (أفلوطين). ولكنه ليس وحده متأثراً بإنشاء أفلوطين الرائع.
ماعدا ذلك أين نرى ياترى التأثير اليوناني؟
نرى التأثير اليوناني مستمراً. فثيؤذوروس أبو قرة ( المتوفي في العام 825م) أسقف حرّان في شمال سورية كان يجيد اليونانية والسريانية والعربية وترهب في دير مار سابا بفلسطين. نرى الامتداد اليوناني فيما بعد مستمراً، لأن الكنيسة الأرثوذكسية استمرت على استعمال اليونانية، كان دائماً في بلادنا من يجيد اليونانية فقاموا بالترجمة من اليونانية الى العربية. المخطوطات الآبائية العربية المترجمة من اليونانية كمية كبيرة تعج بها المكتبات في أوربة وأميركا. هؤلاء المترجمون الذين ترجموا في القرن العاشر أو مابعده كانوا جميعاً يجيدون اللغة اليونانية، وهذا يعني أن بلادنا كان فيها أناس يجيدون اليونانية. القديس بطرس الدمشقي (كتابه في الفيلو كاليا)، غالباً من القرن 11 او 12، يذكر ان ليس لديه كتب، فكان يستعير الكتب، هذا يعني أنه في دمشق كانت توجد في ذلك الحين مكتبات باللغة اليونانية. فاللغة اليونانية لم تنقرض من بلادنا بسهولة. وما زال الأرثوذكس حتى اليوم يهتمون باللغة اليونانية لأنها لغة اللاهوت الأرثوذكسي الكبرى، ومراجعنا يونانية وأصل صلواتنا يونانية.
ديرمار سابا بفلسطين
أما بالنسبة للغة السريانية فقد استمرت في بلادنا، وهي اليوم الآرامية المحكية في معلولا ( نقول نحن:”وهي غير السريانية وقد وضع ابجديتها الاستاذ جورج رزق الله من معلولا قبل وفاته وتم تأسيس معهد لتعليمها)وبخعا وعين التينة المجاورتين (اسلمتا في القرن 17 لعدم سماح الكنيسة لهما بأكل مشتقات الالبان واللحوم في الصوم الكبير نتيجة القحط وغلاء القمح) اضافة الى المسنين من يبرود القريبة وهم مسلمون يتحدثون الآرامية مايدل على انتشارها في القلمون، ويعزز رأينا دوماً بانتشار الارامية المحكية في الارياف السورية وهي التي كنيت بالآرامية الفلسطينية التي تحدث بها الرب يسوع).
هناك السريان الذين يتعلمون السريانية ويتكلمونها فيما بينهم. ولكن العربية غزت بلادنا فحلت محل السريانية واليونانية. أما بالنسبة للغة السريانية فقد عرفت مؤلفين كبار. فالقديس أفرام السوري من نصيبين (الذي مات في الرها أو أورفة اليوم) فهو اديب اللغة السريانية وشاعرها الكبير. وهو من الناحية الروحية عَلَم من أعلام الكنيسة الكبرى، وشهد فيه كواستن من القرن الماضي (وهو من كبار الاختصاصين في آباء الكنيسة) بأن “سحبة” منه تعادل كل ماكتبه الغرب في اللاهوت. وصدر كتاب بالانكليزية لشخص مختص به وبرومانوس الحمصي المرنم يُثبت فيه تأثير أفرام على القديس رومانوس الحمصي، وأن زهديات أفرام تشبه إلى حد كبير زهديات فم الذهب، فربما طالع فم الذهبترجمات القديس أفرام الى اليونانية لأن أفرام كان يترجم الى اليونانية
القديس افرام السوري
وهو حي بعد. وهو أكبر كاتب سرياني بالنسبة لنا نحن الأرثوذكس. ويجد ايضاً القديس اسحق النينوي، الذي كتبه عندنا، وهو مهم جداً. أما انتشار السريانية فلم يقتصر على بلادنا. في كتاب دوفال الفرنسي عن آداب السريانية خريطة تبين انتشار الثقافة السريانية شرقاً، ولها مراكز في بلاد فارس هامة حتى أواخر الامبراطورية الفارسية. وقام الآشوريون بنشاط هائل ووصلوا الى الصين ولهم آثار في الصين. ولما أتى هولاكو بلادنا حوالي العام 1256-1258 كان قائد جيشه حين فتحد مشق نسطورياً (نقول نحن: “وكانت زوجته نسطورية واوصت زوجها هولاكو بمسيحيي دمشق لذا لم يمسسهم ضرر الامر الذيولد نقمة كبيرة عليهم من مسلمي دمشق وقد اعملوا السيف في رقابهم والتدمير في كنائسهم واولها المريمية حال جلاء هولاكو وجيشه عن دمشق.”)
وهو دليل على انتشار الثقافة السريانية. اما اللغة اليونانية فهي كما ذكرنا لغة المتوسط الذي كان يتكلم اليونانية (سواحل وحواضر ومدن كبرى وبلدات، فيما كان الريف يتحدث الآرامية وكان يتوجب على من يتعين في خدمة الدولة ان يعرف اليونانية…)بما فيها (آسية الصغرى) تركيا الحالية.
هي عاصمة سورية التاريخية والثقافية، تحمل في طيات تاريخها هوية سورية و شخصيتها الثقافية العريقة. كونت عبر الزمن تقاليدها الراسخة سواء في الأدب و الفن الكلاسيكي أو في الطقس الديني السوري، كانت كمركز ثقافي انعكاس لكل مظاهر التحضر التي صاغتها ثقافة التعدد السورية في العهد الهلنستي كثقافة عالمية جامعة. قدمت المدينة في سيرورتها أمثلة و شواهد كثيرة عن الفن الكلاسيكي، عن الطقوس الدينية، الرموز التاريخية و الفنية المختلفة للثقافة السورية في تلك الحقبة. كانت أنطاكية أول عاصمة لسورية بالمعنى الحقيقي الواقعي، أي سورية بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، فلقد شغلت مركز عاصمة سورية في العصور الكلاسيكية أي الألف عام الممتدة بين الإجتياح الإغريقي بقيادة الإسكندر المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد و الإجتياح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. تأسست المدينة فعلياً على يد جنرال الإسكندر المقدوني و قائده المقرب سلوقس نكتاروس (الظافر) في 300 ق.م. يقال أيضاً أن الإسكندر نفسه اختار الموقع على الضفة الشرقية لنهر العاصي في لواء الإسكندرون السوري وعلى بعد 30 كيلو متر من البحر المتوسط غرباً.
موقع انطاكية
كاتدرائية القديسين بطرس وبولس الارثوذكسية
تتموضع المدينة في موقع مختار بدقة على عادة الإغريق باختيار مواقع المدن؛ في أماكن صحية و استراتيجية تتيح لنهضة حقيقية في المدن التي أسسوها فيما بعد. العاصمة السورية أنطاكية كانت كذلك، فلقد اختير موقعها بعناية فائقة على الضفةالشرقية لنهر العاصي Orontes، إلى الجنوب من خليج Issos (الإسكندرونة)، محدودة من الشرق بجبل سيليبيوسSilipius الذي يعتبر تابعاً لكتلة جبال اللاذقية، من الجنوب تطل على جبل اللاذقية الكبيرالأقرع )كاسيوس(، بينما في الشمال الشرقي تصل حدودها حتى سهل العمق الخصيب حيث يروي المنطقة إضافة إلى نهر العاصي، نهري عفرين و الأسود. تقع المدينة على طرف الجبل بين السهل و البحر محدودة من الشمال بجبال الأمانوس التي ترتفع حتى 1000 م. كانت في التاريخ التجاري السوري مدينة مهمة كموقع، لعبت دوراً بارزاً كعقدة وصل تجاري بين مدينة حلب و موانئ سورية التاريخية الشهيرة كاللاذقية و سلوقية بيرية، و بين العالم السوري في الجنوب و آسيا الصغرى و العالم الإغريقي في الشمال.
تاريخ انطاكية
تعتبر أنطاكية من أهم مدن سورية التاريخية، تحمل في إرثها محطات كبيرة من التاريخ السوري، فلقد كانت في العصر الهلنستي عاصمة الإمبراطورية الاغريقية السورية التي وصلت من البحر المتوسط غرباً و حتى الهند شرقاً، عرفت بالإمبراطورية السلوقية وعاصمتها أنطاكية، مقر الحكام السلوقيين، الذين عرفوا بالملوك السوريين و سميت حروبهم مع الممالك الإغريقية الأخرى كالبطالسة (القائد بطليموس)، بالحروب السورية و هي الحروب التي قادها أولاد سلوقس نكتاروس مع البطالسة في مصر خلال الحقبة الهلنستية. تجدر الإشارة إلى أن سورية سميت لأول مرة بهذا الاسم من قبل الإغريق في تلك الحقبة، كانت اللفظة تشير إلى المنطقة الممتدة من جبال طوروس شمالاً و حتى مصر جنوباً و من نهر الفرات و بادية الشام شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً. كانت هذه المنطقة التي عناها الإغريق باللفظة سورية، و الاسم بصيغته الحالية ورد لأول مرة في الأدبيات الإغريقية عبر هيرودوت بصيغة Συρία اليونانية (هيرودوت. الكتاب :3 الفقرة :91 ) كانت تضم بحسب هيرودوت كل فينيقية وسورية الفلسطينية و جزيرة قبرص.
في العهد الروماني مع اضمحلال القوة السلوقية و قدوم القائد الروماني بومبيوس في 64 قبل الميلاد، كان من الواضح أن الرومان سيولون عناية فائقة بالعاصمة السلوقية أنطاكية، أكبر مدن سورية في الشمال الغربي، لذلك تطورت المدينة كثيرًا في عهدهم لأهميتها العسكرية و الإدارية و للدور التجاري الاقتصادي المهم الذي لعبته في العصر الروماني، حتى أصبحت من أهم مدن العالم الروماني بعد روما و الإسكندرية و بيرغامو.
في العصر البيزنطي أو كما يسمى في سورية العصر الروماني المتأخر؛ كانت أنطاكية عاصمة المسيحية السورية و الكرسي الرسولي الأهم ، حتى اليوم هي عاصمة المسيحية السورية حنيناً وواقعاً، لا زالت الكنيسة حتى اليوم في دمشق تحمل لقب كنيسة أنطاكية وبطاركتها لقب بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، في صدى يعكس مدى أهمية أنطاكية في الذاكرة الجمعية السورية كعاصمة تضم أو تجمع شمل سائر المشرق. كانت البطريركية قد انتقلت إلى العاصمة السورية دمشق 1344م و لا تزال حتى اليوم في مقرها في الشارع المستقيم في دمشق القديمة. سقطت المدينة في القرن السابع الميلادي بيد العرب المسلمين، لتضمحل أهميتها في التاريخ خلال السيطرة الإسلامية و لتقضي أيامها بلعب درو حصن متنازع عليه من قبل البيزنطيين و المسلمين و من قبل المسلمين و الفرنجة فيما بعد. في العصر العثماني همشت المدينة حتى وصلت إلى بلدة بائسة أو شبه مهجورة. بعد الحرب العالمية الأولى استولت فرنسا على أنطاكية، في تلك الفترة وضعت المدينة مع لواء الإسكندرون تحت حمايتها، حيث تخلت عنها في عام 1939 للدولة التركية، وكانت قد سبقتها كيليكيا عام 1918 بتدبير الفرنسيين المنتدبين عليها لا زالتا تحت الإحتلال التركي حتى اليوم، عملت تركيا أيضاً فمنذ سلب انطاكية على تغيير اسم المنطقة إلى اسم مقاطعة هاتاي.نسبة الى الحثيين لتعطي تركيا عمقا تاريخيا يعود الى الالف الثالثة قبل الميلاد.
المشكلة التي نواجهها اليوم في دراسة مدن الساحل السوري في الحقبة الكلاسيكية هي، مشكلة عدم رؤية أية آثار واضحة في هذه المدن، مع أنها من أهم المدن في العصور الكلاسيكية، فمدينة كاللاذقية كانت من أهم المدن في العالم الكلاسيكي، لا نستطيع اليوم رؤية آثار كلاسيكية واضحة فيها باستثناء قوس النصر أو بقايا أعمدة معبد باخوس إله الخمر عند الرومان، ذلك عائد إلى سلسلة من الزلازل التي أصابت منطقة الشريط الساحلي في سورية في نهاية القرن السابع الميلادي و لمرات متتالية. أيضاً لدينا سلسلة أخرى من الزلازل التي ابتلعت أنطاكية و اللاذقية حدثت في العهد العثماني على ثلاثة مرات متتالية أضرت كثيرًا بالمدينتين و قضت على الكثير من الآثار القائمة. لدينا سبب آخر يتعلق باعتداءات المخططات التنظيمية للحكومات المتعاقبة على حرم المدينة و عدم احترام الآثار، بل العمل في أحيان كثير على إزالتها و تشويهها بالمخالفات. كذلك عاصمتنا التاريخية أنطاكية، لديها نفس المشكلة، مع اختلاف قليل أنقذها في موضوع وجود الكثير من آثارها في ضاحية دفنه القريبة منها، بعيداً عن اعتداءات المدينة الحديثة. فيما يخص الموضوع نفسه نقرأ وصفاً للحالة على لسان الباحث غلافيل دووني يقول فيه؛ أنه لو صدف منذ قرنين من الزمن و مر أحد من الأجانب الذين يجهلون تاريخ البلدة السورية أنطاكية، ما كان ليجد سوى القليل مما يوحي بأن هذه البلدة الهاجعة و العشوائية القذرة نوعاً ما بشقيها التركي و العربي، ترقد بقايا واحدة من أشهر و أجمل مدن العالم اليوناني الروماني، بل كان سيجد فقط خرائب أسوار المدينة القديمة، حصن الفرنجة، القنوات العتيقة التي تجلب المياه من دفنه، أساسات ميدان سباق الخيل، صخرة الجبل العظيمة المنحوتة على شكل رأس إنسان و تمثال نصفي، ثم الجسر الحجري العظيم. هذه هي الأشياء الوحيدة التي بقيت قابلة للملاحظة قبل إعادة البحث و التنقيب في أنطاكية.
بدأت الزيارات للمدينة في العصور الحديثة على يد الرحالة الفرنسي فرانسوا كاساز الذي زار أنطاكية بحدود 1785 م و أجرى دراسة عن المدينة و عمل على الرفع الطبوغرافي ووضع رسومات عن المدينة أثرت على أجيال من الرحالة من بعده كأسماء مثل Pitro Della Valle ، الأسقف بوكوك المتعلم Carsten Niebuhr ، السيدة Hester Stanhop ، الباحث أرنست رينان، و قد صبغت الكآبة و التأثر لحال المدينة السورية أبحاث هؤلاء الباحثين، فالقطيعة المعرفية التي أحدثت في المدينة الإغريقية، أثرت في روح البحث عنها، فعدم استمرار الحضارة الكلاسيكية في مدينة كأنطاكية، كانت بالنسبة لهم بمثابة تجريد مدن العالم الإغريقي الروماني المهمة كروما و أثينا من تاريخها الكلاسيكي.
على الرغم من الخراب الذي تعرضت له أنطاكية على مر الزمان و الحروب التي ألحقت الدمار بها، إلا أن تاريخها لم يغب عن الإرث الأدبي الإنساني، لأن سيرة أنطاكية حفظت في الآثار الأدبية اليونانية-اللاتينية و السريانية – و كانت في المتناول، رغم أن أغلب المدينة لازال مدفوناً إلا أن تاريخها ما زال منشودًا يشهد على الوجود المادي لها، فمن المؤلفات التاريخية، و من مؤلفات السيرة الذاتية للعصور الكلاسيكية، و من الخطب العامة، و من عروض التاريخ المتسلسل حسب الأحداث، من المراسلات الشخصية و من مدونات القوانين و مراسيم المجالس الكنسية -من كل تلك الكتابات المتنوعة عن العالم القديم، يستطيع المرء أن يستعيد بعض تألق أنطاكية القديمة. من أول الرواد في هذا المجال كان العالم كارل أوتفريد ميللر (1797.. 1840) كبير علماء اللغة الألمانية، الذي في دراسته الأولى في جامعة غوتينجن – في أيامه كان التجول في سوريا ما زال غير مأمون إلى حد كبير -اشتغل في بحثه معتمدًا على المصادر القديمة و على رواية الرحالة، و أنتج الكتاب الأول الحديث عن أنطاكية تحت اسم ( أنطاكية و العصور القديمة 1839) كان إنجازًا متقناً و حظي بالتفوق طوال قرن تال. رغم المعلومات الجديدة التي أمكن إضافتها على الكتاب فيما بعد، فإن القليل منه كان بحاجة إلى تصحيح. بعد كتاب ميللر توالت الكتب عن أنطاكية ككتاب الجنرال ليووالاس الذي صدر عن القصر الحكومي في سانتا، اعتمد فيه على كتاب ميللر كمصدر لوصف طبوغرافية أنطاكية القديمة، توالت الكتب و الأبحاث بعد ميللر و ليوولااس و صدرت الكثير من الدراسات، كان من أهمها دراسة الباحث في جامعة هارفرد غلافيل دووني الذي كتب كتاب (تاريخ أنطاكية في سوريا من عهد سلوقس إلى الفتح العربي) اعتمد فيه غلافيل دووني كثيرًا على تاريخ المؤرخ ليبانيوس الأنطاكي المرجع الأدبي الهام في أنطاكية، لكون الباحث غلافيل دووني كان قبل كل شيء أستاذًا للأدب البيزنطي في جامعة هارفرد.
النسخة المحفوظة في أكاديمية ميللر اللاتينية، أظهرت أنطاكية كواحدة من المدن التي وصلت فيها الحضارة المدينية القديمة إلى ذروتها. كانت هذه الحضارة نتاج حيوية العصور القديمة و تنوعها، فتبلور أدب جديد صاغته المدينة و صدرته على دفعتين استقبالاً و إرسالاً بين إرث الغرب الكلاسيكي و إرث الشرق الروحي. لعبت أنطاكية فيه دورًا كبيراً و كان لها رسالتها الخاصة في العصور الهلنستية وليدة التمازج الشرقي الغربي، فقدمت أنطاكية هذه الثقافة في شقين؛ الأول: نقل ثقافة الإغريق إلى سوريا السامية اللغة في أعقاب فتوحات الإسكندر الكبير و على المقلب الآخر نقل روحيات سوريا السامية للإغريق لتتهلين الحضارة بسبب التمازج الحاصل؛ نتيجة انفتاح اليونان على حضارة سوريا و انفتاح سوريا على حضارة اليونان. الشق الثاني: لعبت فيه أنطاكية درواً عالمياً كمركز مسيحي نشيط حيث المسيحية و التقاليد الإغريقية كل في حينه، تناغمت لتشكل تحداراً هلينياً مسيحياً أدى بدوره إلى إثمار جديد في منشأة قسطنطين الكبير الجديدة، القسطنطينية، التي باعتبارها مركز الثقافة البيزنطية حفظت الإرث المسيحي الإغريقي كي تنقله إلى الغرب إبان عصر النهضة الأوروبية.
من يقلب تاريخ أنطاكية في المصادر التاريخية يرى كمية ارتباط المدينة بالتاريخ من أول أيام تأسيسها حتى أفول نجمها، و كمية الذاكرة الثقافة التي أنجبتها، عبر ارتباطها بالكثير من الأسماء الشهيرة في التاريخ الإنساني، فلقد صنع تاريخ أنطاكية بحسب المراجع التاريخية من ارتباطها بعدد من الشخصيات العالمية؛ سواء الأسطورية منها أو الواقعية في غنى حضاري واضح؛ ففي البدء كانت محمية من الإله زيوس و معبدها الرئيس على قمة الجبل الاقرع اقامه سلوقوس مكرس له في الفترة الهلنستية، أيضاُ كانت محمية من آلهة يونانية أخرى كأبولو و أفروديت. محمية أيضاً من قبل القديسين المسيحيين في الفترة المسيحية، فكان الكرسي الرسولي لبطرس و لبولس و لجالية المسيحيين السوريين الهاربين من اورشليم. هذا فيما يخص الأساطير و الدين و الغيب. أما فيما يخص الشخصيات الواقعية المادية نقرأ بأنه؛ اختار موقع المدينة الإسكندر الأكبر، لكنه لم يكن لديه الوقت، بسبب التفرغ لفتوحاته في سورية، لم يستطع بناء المدينة في الموقع الذي أحبه، ليقوم بالتأسيس لها و بنائها فيما بعد صديقه و خليفته في سورية سلوقس نيكاتور في 300 ق.م. نقرأ أيضاً أن ملكها أنطيوخوس إيبيفانوس Ἀντίοχος Ἐπιφανὴς ذائع الصيت صاحب لقب الرب الظاهر، الذي ظنه بعضهم مجنوناً، بسبب ادعائه الألوهة و بعضهم كان يرى فيه جنون العبقرية، نظم واحداً من أكثر المهرجانات بهرجة في العالم القديم، يسير بموكب يشتمل على ثمانمائة شاب يرتدون تيجاناً ذهبية و ستمائة غلام ملكي يحملون أوعية ذهبية، و مئتي إمرأة جميلة يرششن الحشد بزيوت عطرية من أوعية ذهبية، في احتفال باهر ذاع صيته في مدن العالم آنذاك لتصل المدينة في عهده إلى قمة العظمة و الأبهة بين مدن العالم القديم، مما يعكس غنى المدينة في تلك الفترة. هانيبال القرطاجي أعظم جنرالات العالم القديم، زار المدينة السورية أيضاً و طلب مساعدة السوريين الأنطاكيين في حربه ضد الرومان.
في أنطاكية قاوم القائد الروماني كاسيوس Casiusالحصار الفارسي و نجح في صد الاجتياح الفارسي. الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر أيضاً مر في المدينة التي دعمته أثناء الحرب الأهلية الرومانية و نتيجة المساعدة وهب المدينة أبنية رائعة فيما بعد انفراده بالحكم.
في البقاع الجميلة من المدينة أقام و تنقل كل من العاشقين أنطونيو و كيلوباترا. أيضاً هي أنطاكية التي أقام فيها كل من القديسين بولس و القديس بارناباس مواعظهما في شوارعها، و فيها كان يتمشى تلاميذ المسيح براحة و فيها لأول مرة أطلق عليهم لقب مسيحيين. فيها خطط القديس بولس لجولاته التبشيرية، فيها نصب بطرس كأول بطريرك في تاريخ المسيحية. اسقف أنطاكية في العصور المسيحية الأولى أغناطيوس المتوشح بالله وهو الثالث بعد بطرس وافوديوس اعتبر شهيداَ هاماً في تاريخ المسيحية المبكر بعد قصة إعدامه في روما عبر رميه في ميدان الحيوانات المفترسة في الكولوسيوم أثناء عصور اضطهاد المسيحية. في أنطاكية نجا كل من هادريان و تراجان أباطرة روما العظام من أسوأ الزلازل المدمرة و التي تعرضت له أنطاكية في ذلك العصر بقفزهما من نافذة القصر، حيث تدبر تراجان أمر نجاته بإختلاق قصة سلامته، حسب الأسطورة بواسطة كائن خارق سحبه من نافدة حجرة النوم التي كان فيها. في أنطاكية السورية واجهت روما حلم سلالة تدمر بقيادة زنوبيا بالاستقلال و بناء حلم الدولة السورية، و فيها وقعت المعركة الطاحنة بين الرومان و التدمريين حيث تحطمت قوة تدمر نهائياً، ثم فرت الملكة ليلاً من المدينة، لكن ألقي القبض عليها، لتسجن في منطقة ميدان سباق الخيل في أنطاكية، كآخر منطقة تودع فيها الملكة زنوبيا سوريا في آخر محطاتها السورية، لتظهر فيما بعد كأسيرة في روما. في أنطاكية بنى الإمبراطور قسطنطين الكبير الكنيسة العظيمة في التاريخ البيزنطي، مثمنة الأضلاع المسماة كنيسة (بيت الذهب)، كواحدة من أعظم الكنائس في العالم المسيحي. في ضاحيتها أنشأ أول دير بمخطط الصليب اليوناني، فكان دير بابيلاس قرب أنطاكية أول مثال عن الكنائس التي تحمل مخطط يجسد شكل الصليب اليوناني. الإمبراطورالوثني جوليان الملقب بالمرتد؛ ألقى قصيدة في المدينة يهجو فيها ناس المدينة، مجاراة لسخريتهم من لحية فيلسوفه. أما القديس يوحنا الملقب فم الذهب Ιωάννης ο Χρυσόστομος فلقد ألقى خطابة الشهير في الكاتدرائية واعظاً الناس لتهدئة التمرد و العصيان الشهير من قبل السوريين و الأنطاكيين أثناء حكم الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير وصلى صلاة الميت لراحة نفوس السوريين الذين سقطوا في النزاع. في المدينة ألقت الإمبراطورة المثقفة أودوسيا أثناء عبورها من المدينة في رحلة حج إلى القدس محاضرة مديح في جمال و تنظيم المدينة، و أقام الأنطاكيون تمثال يخلد ذكر الإمبراطورة. في أنطاكية أيضاً دفن القديس سمعان العمودي، أعظم قديسي الأعمدة في الشمال السوري، الذي عاش ثلاثين عام فوق عمود يرتفع ستين قدماً في الجبال المحيطة شرق أنطاكية (دير سمعان). تحمل أنطاكية السورية في طيات صفحاتها إرث تاريخي حميم من الصعب توفره في مدن أخرى.
في التاريخ الأكاديمي لدينا مراحل محددة في تاريخ أنطاكية كعاصمة لسورية
العهد الهلنستي (330..64 ق.م): بدأ العهد الهلنستي في سورية مع دخول الإسكندر المقدوني عام 330 ق.م، بعد وفتوحات الاسكندر الكبير العالمية و توطيد أرجاء حكمه في العالم، توفي فجأة في عام 323 ق.م، ليتم تقاسم الإمبراطورية من قبل قواده الكبار فكانت مقدونيا و بلاد اليونان من نصيب أنتيغونوس الأول Ἀντίγονος ὁ Μονόφθαλμος الملقب مونوفثالموس ( الأعور)، و كانت سورية و العراق و فارس من نصيب سلوقس ننكتاروس Σέλευκος Νικάτωρ (المعظم)،او الظافر و مصر و إفريقية من نصيب بطليموسΠτολεμαίος Σωτήρ. فيما يخص سورية كان الحظ حليفها مع سلوقس الإغريقي صاحب العقل المنفتح و الأقرب إلى عقلية و فكرة البناء و تأسيس المدن المتأصلة لدى سيده الإسكندر، فأطلق سلوقس عملية إعمار كبيرة انتهت بتأسيس و بناء مدن جديدة كما كان حلم الإسكندر بخلق مراكز سكانية ثقافية جديدة، تكون قطب رحى لحضارة إنسانية و عالمية منفتحة، على نفس الخطوات سار سلوقس نكتاروس في سورية فأسس مدن أنطاكية، اللاذقية، سلوقية بيرية، أفامية، و التي عرفت بTetrapoils المدن الأربعة التي شكلت قلب الحكم الهلنستي في سورية، نلاحظ في تأسيس هذه المدن، أن سلوقس أطلق الاسم الأول لعائلته عليها، فكانت تسبق أسماء هذه المدن كلمة سلوقية، كنوع من التركيز على عائلة المؤسس الحقيقي لهذه المدن، حملت المدن أسماء اشخاص من عائلته كأنطاكية التي سميت على اسم والده أنطيوخوس، و اللاذقية التي سميت تيمنًا باسم والدته لاوديكي، و أفاميا التي سميت على شرف زوجته، أيضاً نرى تركيزه على التناظر الكلاسيكي في بناء هذه المدن الأربعة كنظام رباعي متناغم؛ مدينة داخلية متناظرة مع مدينة مرفأ على المتوسط؛ نرى التناظر في ثنائية أنطاكية..سلوقية بيرية…. و ثنائية أفاميا ..اللاذقية. في متوالية متطابقة، فمن ينظر إلى مخطط أنطاكية الهندسي الإغريقي و مخطط اللاذقية يعرف أن نفس المهندس قام بوضعهما للتنفيذ. في عالم الإغريق، عندما كان يتطلب الأمر تأسيس مدينة جديدة، كان الاهتمام الأكبر ينصب على اختيار الموقع الجيد و الصحي، هو ما حدث عندما اختار سلوقس نيكاتور تأسيس المدينة عام 300 ق.م. فبعد اختيار الموقع على الطرف الجنوبي لسهل العمق و الضفة الشرقية لنهر العاصي و على أطراف الجبال التي ذكرناها سابقاً. بدأ سلوقس بتشييد مدينته أنطاكية في الموقع المذكور، أراد سلوقس إطلاق اسم أنطيوخوس والده على المدينة لتخليد ذكره، تذكر التقاليد أن سلوقس قبل تأسيس المدينة صعد إلى جبل كاسيوس برفقة القديس أمفيون و قدم قربانًا للإله زيوس و طلب منه أن يرشده إلى تحديد الموقع الملائم، فكان حسب الأسطورة أن ظهر النسر رمز الإله زيوس و قام بالتقاط جزء من القربان والإلقاء به في الموقع الذي شيدت فيه المدينة حسب الأسطورة، تذكر هذه القصة أو الأسطورة عند المؤرخ الأنطاكي ليبانيوس على كونها مخصصة للإسكندر الأكبر على أنه هو من قام بتقديم القربان و اختيار الموقع، باستثناء قصة ليبانيوس فجميع القصص تشير إلى سلوقس نيكاتور كمختار و مؤسس للمدينة. هذه المرويات مشهورة في عالم الإغريق لإضفاء الشرعية على صحة الاختيار أو إضفاء القدسية على الأماكن فيما بعد عبر الرضا الإلهي و الأمثلة كثيرة. قام سلوقس نيكاتور فيما بعد ببناء المدينة، وفقاً للنظام الشبكي (الشطرنجي)، الذي غلب على تخطيط المدن الإغريقية في تلك الحقبة، وحدد اتجاهاتها بدقة بالغة لتستفيد إلى أقصى حد من أشعة الشمس شتاءً و من الظلال و من نسيم البحر صيفاً، أخذت شكل مستطيل طوله ضعفي عرضه بلغ طوله ميلين و عرضه ميل واحد، يحيط بها سور على شكل شبه منحرف، له خمسة أبواب و 360 برجاً بشكل نصف دائري. كانت المدينة كعادة المدن الإغريقية مخترقة من شارع رئيسي يخترق المدينة من الشرق إلى الغرب، كانت المدينة مرصوفة بأغلبية مناطقها بحجارة مربعة، بينت المدينة على مراحل حتى وصلت إلى أربعة أحياء عند اكتمالها، لذلك كان يطلق عليها أحياناً المدينة الرباعية، لتمييزها أيضاً عن مدن سورية أخرى كانت تحمل لقب أنطاكية كحماه مثلاً التي كانت تحمل اسم أنطاكية إبيفانيا، فكانت أنطاكية تلقب بالمدينة الرباعية أو أنطاكية دفنه الاسم الأكثر شهرة في تاريخها. تزايد عدد سكان المدينة منذ إنشائها بسرعة كبيرة جعلت الجميع يعتقدون أنها كانت عاصمة سلوقس نيكاتور نفسه، مع أنها لم تكن كذلك بل كانت سلوقية بيرية، على البحر عاصمته، إلا أن تطورها السريع بعده و الصراع السلوقي البطلمي جعل خلفاء سلوقس نيكاتور يتخذونها كعاصمة لهم، لتصبح خلال حكمهم و من بعدهم، من أهم مدن سورية و أيضاً عاصمة لسورية الرومانية و البيزنطية؛ أي عاصمة لمدة ألف عام من زمن السلوقيين في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد و حتى نهاية العهد البيزنطي في القرن السابع الميلادي. كان نهر العاصي في تلك الفترة يشكل جزيرة صغيرة في الجزء الشمالي من المدينة، بعد تطور المدينة أصبحت سلوقية بيرية المنشأة على مصب نهر العاصي على المتوسط في منطقة خليج السويدية مرفأ لمدينة أنطاكية، التي كان يخرج منها باتجاه البحر عبر جسر يتجه نجو الضفة اليمني لنهر العاصي، لا تزال بعض أجزاء الجسر القديم ترى حتى اليوم. يقول المؤرخ الأنطاكي الشهير ليبانيوس في كتابه الذي يؤرخ للنصف الثاني من القرن الرابع بعد الميلاد؛ بأن المدينة تطورت تطوراً كبيراً جداً في العهد الهلنستي، لم يقتصر على المدينة داخل الأسوار، بل تجاوزها إلى الخارج، فلقد عثرت التنقيبات الأثرية على الكثير من الفيلات و الحمامات الفخمة في ضواحي المدينة و خصوصاً دفنه التي يذكر ليبانيوس أن سلوقس كان قد أعجب بموقعها قبل تأسيس أنطاكية في المكان الحالي، لكنه لم يستطع تأسيس المدينة فيه لصغر المساحة. ضمت المدينة عدداً كبيراً من المعابد الهامة للإله زيوس و لآلهة أخرى كأبولو و أفروديت وضمت مسرحًا كبيرًا و متحفاً في الهواء الطلق، و حمامات فخمة، الأثر الثقافي الأهم فيها كان دور كتبها أو مكتبتها الضخمة التي كانت ذائعة الصيت في العصر الهلنستي بلغت المرتبة الثالثة في العالم بعد مكتبة الإسكندرية ومكتبة بيرغامو . ضمت المدينة أيضاً مجلساً للشورى و ملعبًا رياضيًا ضخماً كان يستقبل الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات، كذلك شيدت فيها القناطر التي كانت تستجلب الماء من ضاحية دفنه لتأمينها للمدينة. شيد الملوك السلوقيون أيضاً قلعة فوق جبل سيليبيوس و أضافوا الكثير من المنشآت الرسمية و العامة للمدينة، حتى بلغ اتساعها ميلاً آخر خارج الأسوار، مما اضطر الرومان فيما بعد إلى إنشاء سور آخر أكثر اتساعاً من السور السلوقي. في تلك الفترة أيضًا بلغت دفنه متنزه أنطاكية و ضاحيتها الأهم شهرة كبيرة وصلت حد الأساطير بسبب جمال تنظيمها و كثرة حدائقها. تكونت مدينة سلوقس ديموغرافياً من حيين أحدهما للمستوطنين الإغريق، و آخر يضم السكان المحليين السوريين، كان لكل من هذين الحيين سوره الخاص. اكتشفت الحفريات الأثرية بقايا أجزاء السورين و تم قياس مساحة كل حي عبرهما، فبلغ حي المستوطنين الإغريق 370 أكراً و حي السكان المحليين أصغر حوالي 185 أكراً و بذلك يكون مجموع مساحة الحيين 555 أكراً و هو أقل من الميل المربع الذي يساوي ( 640 أكراً). كانت المدينة مليئة بالتماثيل، كتمثال آلهة الحظ الشهيرة أو جالبة الحظ للمدينة و المسماة تايش، التي كلف سلوقس النحات إيوتيشيدز من سيسيون تلميذ النحات الشهير ليسبيوس بأن ينحت تمثالاً لحظ أنطاكية السعيد فجاءت منحوتته على الشكل الشهير المجسد لآلهة دعيت تايش كانت رمزاً لأنطاكية فيما بعد و هي الآلهة الحامية و الحارسة للملك السلوقي، بتلك الصفة كانت تايش حامية للمدينة أيضاً، قدر لهذا التمثال المسمى إيوتيشيدز أن يصبح نموذجاً لباقي تماثيل الآلهة تايش في الشرق المتهلين، كان قد صنع من البرونز، يجسد مشهد يظهر الآلهة جالسة على صخرة تمثل جبل سيليبيوس، تستند بيدها اليسرى على الصخرة ، و تمسك بيدها اليمنى حزمة رمزية من سنابل القمح، و على رأسها تاج مبرج يمثل سور المدينة، و تحت قدميها صورة سباح يرمز إلى نهر العاصي تحاول حرفه بقدميها لتجبره على أن يصب في المتوسط. النسخة الأشهر والأقرب للتمثال موجودة حالياُ في الفاتيكان. أيضاً كان النسر رمز زيوس منحوتاً في الحجر في الكثير من أجزاء المدينة، إضافة إلى تماثيل زيوس وأبولو، كان في المدينة نصب تذكاري يجسد القديس أمفيون الذي ساعد سلوقس في تقديم الأضاحي لزيوس على الجبل. كان النسر أيضاً مجسداً لشعار المدينة على النقود في العصر السلوقي و في العهد الروماني من بعده، بالإضافة إلى تايش شعار المدينة الذي كان يصور دوماً على النقود المسكوكة في أنطاكية. لا تتكلم المراجع التاريخية كثيراً عن فترة موت سلوقس 291 ..290 ق.م و متى تبوأت المدينة مركز العاصمة، لكنها من المؤكد أنها كانت عاصمة السلوقيين و مركز حكمهم و إدارتهم في عهد أنطيوخوس الأول Antiochus I Soter الملقب سوتر؛ أي المنقذ أو المخلص، كان الإبن الأكبر لسلوقس نيكاتور، حكم الملوك السلوقيين تحت اسم سلوقس أو أنطيوخوس كسلالة ملكية إغريقية من عام 300 حتى 64 ق.م عام الخسارة مع روما. عاشت سوريا في العهد السلوقي سلسلة طويلة من المعارك السلوقية البطلمية التي اندلعت بعد وفاة سلوقس، حيث دخل الملوك السوريون السلوقيون من خلفائه في حرب طاحنة على النفوذ مع البطالمة في مصر في حلقة من الصراع على سوريا المجوفة أو ما كان يعرف بالحدود الفاصلة بين الطرفين في الجنوب، كان كلا الطرفين يسعى للسيطرة على منطقة الحدود بين الإمبراطوريتين، كانت جولة الحروب تلك قد سميت في التاريخ بالحروب السورية، كان من أشهرها و أعظمها معركة حصلت في عهد الملك أنطيوخوس الثالث 223.. 287 قبل الميلاد و سميت في التاريخ الحرب السورية الرابعة، التقى فيها الطرفان في معركة رفح 217 قبل الميلاد خسرها أنطيوخوس الثالث، لكنه عاد و انتصر في الحرب السورية الخامسة عام 200 ق.م. في معركة بانيون Panion الحاسمة قرب منابع نهر الأردن، فاستولى على سوريا المجوفة و كافة الأراضي حتى الحدود مع مصر، هكذا استطاع السيطرة على كامل سورية و بلغت عظمة الإمبراطورية ذروة اتساعها و قمة مجدها، لكن أنطيوخوس الثالث دخل فيما بعد في صراع مرير مع الرومان الذين كانوا في قمة قوتهم و تمددهم فخسر معهم في معركة ماغنيزيه عام 190 قبل الميلاد، التي جردته من ممتلكاته في آسيا الصغرى و بحر إيجة و فرضت عليه دفع جزية عظيمة للرومان. كان ذلك نهاية عهد القوة السلوقية، عندما قرر ابنه أنطيوخوس الرابع العودة إلى أيام عظمة الإمبراطورية (164.175ق.م) حاول النهوض بالمملكة و مد نفوده حتى مصر، استطاع السيطرة على أراضي البطالمة و حصار الإسكندرية، لكن أجبره الرومان فيما بعد على فك الحصار عنها. كانت هذه آخر أيام المملكة السلوقية، فلقد بدأ ديكران ملك الأرمن بالتوسع في سورية عام 83 ق.م. أيضًا بدأ الأنباط و المكابيون في الجنوب بالتوسع شمالاً باتجاه أراضي المملكة، إضافة إلى الصراعات على العرش السلوقي، كل ذلك أدى لإضمحلال المملكة فيما بعد، لتنتهي علي يد الرومان في عام 64 قبل الميلاد، ليبدأ العصر الروماني في سورية. كانت فترة حكم السلوقيين فترة تحمل الطابع الاغريقي في كل تفاصيلها الإدراية و السياسية، شجع الملوك السلوقيون العلم و الأدب و الفلسفة في عهدهم، فلقد انتشرت اللغة الإغريقية، بوصفها لغة البلاط والإدارة والثقافة، على نطاق واسع، وخاصة بين أفراد الطبقات العليا السورية من سكان المدن المتهلينة، والذين كانوا يتكلمون اللغتين الإغريقية والآرامية. وقد أنجبت سورية عدداً كبيراً من الشعراء والعلماء والمؤرخين والفلاسفة الذين كتبوا باللغة الإغريقية، التي كانت لغة العلم والثقافة في العالم الهلنستي. من أشهرهم بوسيدونيوس الآفامي 135-51 ق.م الذي كان أعظم عالم موسوعي في عصره ومن كبار المؤرخين والفلاسفة الرواقيين. أيضاً لدينا الشاعر الأنطاكي الشهير آوراتوس الذي كان مقرباً من البلاط السلوقي.
كانت أنطاكية بلا شك العمود الفقري للإمبراطورية السلوقية في الغرب، فكانت رأس الإمبراطورية السياسي وعاصمتها التجارية، و أفاميا قاعدتها الحربية الأولى، في حين كانت سلوقية دجلة عاصمة جناحها الشرقي. ارتبطت كل هذه المراكز السياسية والحربية والتجارية بطرق مناسبة وآمنة، أضاف إليها السلوقيون شبكة واسعة من الطرق. كانوا حريصين على تشجيع واستمرار العلاقات التجارية لمملكتهم مع الشرق ومع الجزيرة العربية وعالم البحر المتوسط، كما ازدهرت الزراعة وازداد إنتاج الحبوب والثمار والخضراوات، نتيجة تحسين الأساليب الزراعية واتساع الأسواق والطلب المتزايد لسكان المدن على المنتجات الزراعية، دخلت زراعات وأصناف جديدة إلى سوريا، وازدهرت صناعة الخمور وزيت الزيتون، خصوصاً في أنطاكية و شقيقتها اللاذقية اللتان وصلتا إلى إنتاج غني من زيت الزيتون و إلى مرحلة ممتازة في صناعة الخمر، فلقد كانت اللاذقية تحتل المرتبة الأولى في صناعة الخمر في العصور الكلاسيكية، لتحتل أنطاكية المرتبة الثانية، و صلت الشهرة بالمدينتين إلى مرحلة متطورة مع إنتاج خمور نادرة من الكرمة البرية المتوفرة في جبال المدينتين. أيضاً ذاع صيتهما في إنتاج عطور الزنبق الذي سمي في تلك الفترة بالزنبق السوري. حافظت أنطاكية في العهد الهلنستي خلال ثلاثة قرون متلاحقة على شهرتها في كثير من الصناعات النسيجية والصوفية والأقمشة الأرجوانية وصناعة الزجاج والخزف والصناعات المعدنية وصياغة الحلي والأحجار الكريمة، كذلك كانت عقدة تجارية مهمة بين حلب و المتوسط و بين سورية و آسيا الصغرى. ..
العهد الروماني البيزنطي (64. ق…637. م ): في أواخر عهد المملكة السلوقية، دب الضعف فيها، خصوصاً بعد خسارة السلوقيين أمام الرومان في معركة ماغنيزيه 190 ق.م، تدهورت الأمور أكثر بعد معاهدة أفاميا التي كانت إحدى نتائج الخسارة السلوقية، فعدا عن دفع ضريبة باهظة للرومان، كان عليهم أن يقبلوا بوجود مراقب روماني للفرق العسكرية السلوقية و مقره مدينة اللاذقية، كانت مهمته فوق كل شيء متركزة حول مراقبة فرقة الفيلة السلوقية في أفاميا. زادت ضغوطاتهم كثيراً على المملكة في ذلك الوقت، فبعد أن تعقدت الأمور في الشرق و أصبحت تشكل خطراً عليهم، خصوصاً توسع تيغران ملك الأرمن و احتلاله سورية، زحف القائد الروماني بومبيوس بجيوشه باتجاه الشرق و هزم ديكران ملك الأرمن في آسيا الصغرى، بعد هزيمة ديكران و ميثريداتيس قام بالزحف نحو المملكة السلوقية و الإجهاز عليها بعد أن كانت قد تقلصت سلطتها حتى شملت سورية فقط في ذلك العهد. قام بعدها بإعلانها ولاية رومانية في عام 64 قبل الميلاد باسم Provincila Syria ، بعد أن استتب الأمر للرومان في سوريا، قام بومبيوس بالإنسحاب منها بعد أن عهد للقائد إيميليوس إسكاريوس Scaurusبإدراتها و ترك تحت تصرفه فرقيتين عسكريتين. لمكانة و لأهمية سورية في الشرق بات يتولى أمرها في العصر الجمهوري الروماني حاكم برتبة قنصل سابق Proconsul يتمتع بسلطات إدارية و عسكرية واسعة، غدت بذلك من أرفع المناصب في الجمهورية الرومانية و وجهة القادة والأباطرة للوصول إلى الحكم. كان غابينيوس A.Gabinius أول حاكم روماني رسمي لسورية في 57.55 ق.م اتخذ من أنطاكية عاصمة للولاية السورية بشكل رسمي و حارب متعهدي الضرائب الجشعين فيها، كما جرد حاكمها من لقب ملك ليغدو الكاهن الأكبر للمدينة كلقب. خلفه في عام 55 قبل الميلاد القائد كراسوس Crassus أحد وجوه الحكم الثلاثي في روما مع كل من بومبيوس و يوليوس قيصر.
عانت سورية بعد ذلك من ويلات الحروب الأهلية الرومانية التي قامت بين بومبيوس ويوليوس قيصر، ثم بين أنصار قيصر وقتلته، حيث جاء إلى أنطاكية زعماء الحزب الجمهوري بقيادة كاسيوس Cassius ، ليجند القوات الرومانية في الشرق، فاعترضه دولابلا Dolabella ، أحد أنصار قيصر، الذي اعتصم في اللاذقية، فحاصره كاسيوس فيها، واحتلها وانتقم من أهلها. وبعد معركة فيليبي (42ق.م) تسلم ماركوس أنطونيوس أمور الشرق بما في ذلك سورية، وقد استغل الفرثيون تلك الأحداث للقيام بهجوم اجتاحوا فيه معظم أراضي سورية (40-38ق.م) إلى أن تمكن الرومان من طردهم. من وقائع تلك الحقبة محاولة أنطونيوس الإستيلاء على تدمر وثرواتها، التي أخفقت، وقيامه بحملتين على الفرثيين إنطلاقاً من سورية متخذاً من أنطاكية مركزاً له.
مع إنتصار أوكتافيان /أوغسطس على أنطونيوس وكليوباترة في معركة أكتيوم (31ق.م) وتأسيس النظام الإمبراطوري الروماني، بدأ عهد جديد في إدارة سورية، التي صارت منذ عام 27 ق.م على رأس الولايات التابعة للإمبراطور الروماني بوصفه حاكمها الأعلى، الذي يعين مندوباً عنه (Legatus Augusti) بمرتبة قنصل، والياً عليها يحكم في عاصمتها أنطاكية لمدة ثلاث إلى خمس سنوات في العادة.
شهدت سورية و الإمبراطورية الرومانية في عهد الأباطرة بالتبني (الأنطونينيين)، أو الأباطرة الصالحين (96-180م) عصراً من أزهى عصورها، شهد عدداً من الأحداث المهمة في تاريخها. فالإمبراطور ترايانوس (تراجان)، الذي بدأ سيرته قائداً لإحدى الفرق العسكرية المرابطة في سورية في ولاية والده عليها في أنطاكية (76-96م) اشتهر بحروبه التوسعية الاستعمارية في داكية (رومانية اليوم) والشرق، وبسعيه للسيطرة على الطرق التجارية الرئيسة التي تصل العالم الروماني بالشرق براً وبحراً.
شهدت سورية ازدهاراً كبيراً في عهد خلفه هادريان Hadrianus، الذي كان والياً عليها قبل تسلمه العرش والمناداة به إمبراطوراً على أرضها، لذلك كان شديد الاهتمام بها، فأتم رصف الشوراع الرئيسية وزار معظم المدن السورية و خصها بهباته و خصوصاً العاصمة أنطاكية التي منحت لقب متروبوليس Metropolis أي من أمهات المدن في الإمبراطورية.
تتالت الأحداث بعد مقتل الإمبراطور كومودوس (192م) فقد نشب صراع على السلطة بين كبار قادة الجيوش الرومانية، وأعلن حاكم سورية آنذاك بسكينيوس نيجر Pescenius Niger نفسه إمبراطوراً، واتخذ من أنطاكية مقراً لقيادته، فلقي تأييداً كبيراً، وتطوع كثير من شبانها في جيشه. لكن سبتيميوس سفيروس كان قد نجح في الوصول إلى العرش في روما، وبدأ بينهما صراع انتهى عام 194م بهزيمة نيجر ثم مقتله. كان أول إجراء قام به القائد المنتصر في أنطاكية هو تقسيم سورية إلى ولايتين: سورية المجوفة وسورية الفينيقية، وذلك للحيلولة دون طموح ولاتها وجيوشها إلى عرش الإمبراطورية. كما قام سفيروس بالانتقام من أنطاكية، بسبب ولائها لخصمه المهزوم، فنزع عنها لقب ميتربوليس Metropolis وعاصمة سورية وجعلها «قرية
مع صعود ديوقليسيانوس عرش روما انتهى عصر الفوضى العسكرية، وبدأ عصر جديد تميز بإصلاحات سياسية وإدارية وعسكرية واقتصادية شاملة غيرت من طبيعة الدولة الرومانية. اهتم هذا الإمبراطور بالدفاع عن سورية وتقوية حدودها ضد الفرس الساسانيين، فصار خط الحدود الدفاعي يمتد من جبل سنجار في أعالي الجزيرة عبر الفرات إلى تدمر وبصرى والبتراء وصولاً إلى البحر الأحمر (Strata Diocletiana)، كما زاد من عدد القوات والجيوش لحمايتها من الأخطار. وفي نطاق إصلاحاته الإدارية قسمت سورية إلى عدة ولايات وصارت جزءاً من دوقية الشرق الكبرى و عاصمتها أنطاكية، كما تم الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية وزاد إشراف السلطة الإمبراطورية على الإدارة والاقتصاد. وقد أدى هذا التنظيم الإداري والعسكري إلى تمتع سورية و أنطاكية بعهد من السلم والهدوء.
المسيحية
شعار الارثوذكسية
شهد هذا العصر المتأخر انطلاق الديانة المسيحية وانتشارها بعد حملات الإضطهاد والملاحقة وتحول سكان المدن والأرياف في سورية إلى المسيحية بأعداد كبيرة فاقت مثيلاتها في بقية أنحاء الإمبراطورية. وبعد اعتراف الإمبراطور قسطنطين عام 313م بحرية العبادة للمسيحيين (براءة ميلان)، بدأ عهد جديد من العلاقة بين الدين والدولة الرومانية. وفي عام 325.م دعا الإمبراطور إلى مجمع كنسي كبير في نيقية Nicaea المجمع المسكوني الاول من أجل توحيد العقيدة المسيحية، بعد أن بدأت تنشأ الهرطقات والطوائف المختلفة، ثم أُنشئت القسطنطينية عاصمة شرقية للإمبراطورية عام 330 م ومدينةً مسيحية في طابعها. وما إن جاءت نهاية القرن الرابع حتى صارت المسيحية الديانة الوحيدة المعترف بها وأغلقت المعابد الوثنية واختفت كل مظاهرها و ولدت الإمبراطورية البيزنطية بأمر الامبراطور ثيوذوسيوس الكبير الذي فرض المسيحية دينا رسميا للدولة حال امبراطوريته 379م.وامر بتحويل معابد وهياكل الوثن الى كنائس مع اوقافها…
العهد البيزنطي 324..636 م : العصر البيزنطي هو العصر الذي بدأ مع الإمبراطور قسطنطين الأول و اعتناقه المسيحية و تحول ديانة الرومان إلى المسيحية و الانتقال إلى المرحلة الأهم في تأسيس عاصمة إمبراطورية جديدة في الشرق كانت القسطنطينية، كخطوة كبيرة على طريق مسحنة الإمبراطورية. في هذا العصر ثبتت مدينة أنطاكية دورها الاستراتيجي كعاصمة لسورية، كان على الأباطرة البيزنطيين دوماً الإهتمام بها كعاصمة سياسية و دينية و اعتبارها ميتروبوليس Metropolis أي من أمهات المدن في الإمبراطورية الرومانية المسكونية أي العالمية، مما يدل على أهمية المدينة بين مدن العصر البيزنطي. بدأ الاهتمام بها في هذا العصر عبر الإمبراطور قسطنطين الكبير I Costantinus الذي عمل في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي على تأسيس كنيسة بيت الذهب في المدينة، التي كانت من أفخم كنائس تلك الحقبة، لضخامتها و كثرة تكاليفها، لم يكتمل بناؤها في عهده، لينتهي في عهد ابنه الإمبراطور كونستانتيوس. بين فترة حكمي الإمبراطور زينونZeno474..491 ميلادي و الإمبراطور أنستاسيوسAnstasius 491..518 ميلادي، عاشت المدينة ازدهار و استقلالاً اقتصادياً كبيراً، وفرته لها منطقة الهضبة الكلسية شرق أنطاكية المعروفة بمنطقة المدن المنسية شعبياً، و بيلوس علمياًBelus و التي هي عبارة عن مجمع استيطاني زراعي يضم حوالي 700 قرية أو بلدة؛ كانت قرى زراعية رفيعة المستوى العمراني و الزراعي، هذا المستوى الراقي واضح في تطور أساليب الإنتاج الزراعية، هذا التطور قاد إلى نهضة اقتصادية حقيقية في المنطقة، عن طريق تجارة المحاصيل التي وفرتها الزراعة لمنتجات كانت مرغوبة و رائجة بشكل كبير في العصر البيزنطي، لاسيما زيت الزيتون و خمر الكرمة، بالإضافة إلى بعض محاصيل الحبوب، هذه الوفرة في الإنتاج أدت إلى غنى و بذخ انعكس على تطور و غنى العمارة؛ يرى بوضوح في مدينة أنطاكية و في القرى الزراعية البيزنطية نفسها في شمال سورية، التي تعطي أمثلة معمارية مهمة و خاصة عن العمارة المحلية في تلك الحقبة. على الرغم من الازدهار الاقتصادي الذي عاشته المدينة بين حكمي الإمبراطورين زينون و أنستاسيوس، إلا أن المدينة شهدت فيما بعد الكثير من المشاكل السياسية، خصوصاً في عهد الإمبراطور يوستينانيوس الأول Jiustinus 518..527 ميلادي، حيث عاشت المدينة فترة اضطهاد ديني لليعاقبة المونوفيزيين، مما أدى إلى الكثير من الاضطرابات و الفوضى، و عمت المدينة حركة احتجاجات كبيرة ضد الإمبراطور يوستنيانوس، ذهب ضحيتها الكثير من السوريين، لتتعرض أخيراً في عام 527 لزلزال مدمر أتى على العديد من الأبنية الهامة الرسمية و العامة. في نهاية عام 527 مع وصول الإمبراطور يوستنيانوس الاول Justiniaus I عمل الإمبراطور على دعم المدينة و أعاد بناء الأحياء المتضررة، و زودها بجسور جديدة و بسور جديد، أيضاً قام بترميم أغلب المباني المتضررة و عمل على استرضاء اليعاقبة و مسيحيي المدينة، لتعود أنطاكية إلى الازدهار في عهده بعد فترة طويلة من الإضطرابات. في عام 531 ميلادي، قام الفرس الساسانيون باجتياح كبير للأراضي السورية و استطاعوا دخول أغلب مدنها و وصلوا إلى العاصمة أنطاكية، حيث قاموا بحصارها، لكن المقاومة البيزنطية الشرسة بقيادة بليزاريوس قائد جيوش الإمبراطور يوستنيانوس، استطاعت رد الهجوم ليعقد صلح طويل بين الطرفين فيما بعد. في عام 540 قام الإمبراطور الفارسي كسرى الأول Cosroe I بخرق الصلح و الهجوم على سورية و اجتياحها حتى وصل إلى مدينة أنطاكية و استطاع دخولها و قام بنفي بعض سكانها من السوريين إلى عاصمة الفرس. في عام 542 استطاع البيزنطيون استرجاع المدينة من الفرس ومن ثم توقيع صلح دام لفترة طويلة. في سنة 611 ميلادي عاد الفرس لإحتلال سورية و استطاع القائد الفارسي شهربازار دخول المدينة واجتاح اورشليم وسلب خشبة الصليب المكرم واخذها الى عاصمته المدائن. في عام 621 استطاع الإمبراطور هرقل طرد الفرس من أنطاكية لتبدأ عميلة مقاومة و تحرير طويلة للتواجد الفارسي في سورية، استمرت بين عامي 622 و 628 استطاع خلالها الإمبراطور هرقل استرداد مدن سورية بما فيها أنطاكية و القدس و أعاد خشبة الصليب المقدس الذي نهبه الفرس من كنيسة القيامةفي اورشليم إلى مكانه. كانت هذه الأحداث أهم ما عاشته المدينة على الصعيد السياسي و الإستراتيجي، لكن أهمية مدينة أنطاكية في التراث الإنساني العالمي لذلك العصر تأتي من قصتها الروحية مع المسيحية. لمدينة أنطاكية مع المسيحية قصة خاصة، بدأت مع إنطلاق الديانة على يد تلاميذ المسيح في السنين الميلادية الأولى، لتتبلور فيما بعد بصبغة عالمية في العهد البيزنطي، قصة المجموعة المسيحية الأولى في المدينة، تعتبر واحدة من الدواعي الرئيسية لتمييز المدينة. في نشوء الجماعة المسيحية الأولى لعبت أنطاكية دور صلة وصل بين العصور القديمة و العالم الحديث كجسر ثقافي. قبل انتشار المسيحية المبكر في المدينة، و بسبب شهرتها العالمية و أهميتها التجارية في العالم القديم توفر لها أن تكون هدفاً لأعداد كبيرة من الأجانب، عبرهم كانت ملتقى لأفكار و لثقافات متنوعة من ديانات محلية مختلفة إلى ديانات وافدة، فبالإضافة لعبادة زيوس و أبولو و بقية آلهة البانثيون اليونانية الأصيلة في المدينة، كان لدينا جماعة يهودية مهمة، تعمل على عملية الوعظ الأخلاقي باستمرار بين سكان المدينة، أيضاً كانت عبادة البعل السورية منتشرة، بالإضافة إلى إنتشار الغنوصية في المدينة كأحد تأثيرات العصور الهلنستية البارزة في ذلك الزمن، هذه الأرضية المنفتحة كانت المهد لتقبل الدين المسيحي الوافد. بدأت القصة عندما استشرى الاضطهاد في القدس ضد المسيحيين ليبلغ الذروة مع إعدام أحد قادة الجماعة المسيحية في المدينة ستيفن Stephen بعد الحادثة، فر عدد من أتباع المسيح الأوائل من المدينة و توجهوا إلى فينيقية Phoenice و قبرص و أنطاكية. في أنطاكية بدأ من ناحية ثانية في ذلك الوقت بعض اللاجئين الناطقين باليونانية و هم من أصول يهودية أي يهود متهلينين، بدأوا بالتبشير بالدين المسيحي في المدينة و مع غير اليهود أيضاً، اهتدى للدين الجديد في تلك الفترة نيكولاوسNicolaus أحد رجال أنطاكية من غير السلالة اليهودية، اهتدى مبكراً إلى الدين الجديد و أصبح أحد شمامسة القدس السبعة. مساعي وجهود اليهود المتهلينين في التبشير، لقيت انتشاراً واسعاً في المدينة. كان معظم المهتدين إلى الدين الجديد في أنطاكية من غير اليهود، هو بحد ذاته إنجاز سوري يحسب لعاصمة سورية أنطاكية لنواحي عديدة؛ أولها أن المسيحية مع المدينة انتقلت من دين شبه عرقي بالمعنى الروحي اليهودي محصور ضمن الطائفة اليهودية إلى دين عام لكل الأمم و الشعوب، مما أعطاه فيما بعد طابع دين عالمي. كان نجاح التبشير بالدين الجديد لافتاً في عاصمة سورية؛ لأسباب عائدة لتمدن المدينة عبر انفتاحها الكبير على الآخر كونها مدينة تجارية، عالمية، و ذات طابع ثقافي هلنستي عريق. بالإضافة إلى أن السبب العملي لنجاح البعثة التبشيرية الأولى في أنطاكية عائد بالدرجة الأولى إلى كون المدينة، كعاصمة سورية، محكومة من قبل موفد روماني رسمي، و تتمتع بدرجة معقولة من النظام الشعبي المنضبط، و الفرص للعنف الغوغائي كانت قليلة، نسبة لما حدث في اورشليم، التي كانت تابعة لوكلاء اليهودية المحليين مباشرة، الموظفين الذين كانوا وضيعين ليس بالمنزلة الاجتماعية و حسب، بل بعدائهم الشرس للمسيحية و لعدم قدرتهم على تمثيل دور سكان عاصمة سورية ذات الثقافة العالية أنطاكية.
عندما علم الرسل في اورشليم بالعمل المدهش الذي كان متواصلًا في عاصمة سورية، أرسلوا باراباس Barnabas أحد مواليد قبرص مثله مثل المبشرين المبكرين في أنطاكية، أرسلوه كي يعاين العمل و يرفع تقريره عن وضع التبشير في المدينة وعن نسبة النجاحات فيه، و باعتبار باراباس قبرصي فسيشعر إلى حد بعيد كأنه في وطنه أنطاكية، كون قبرص في تلك الفترة جزء من العالم السوري ثقافياُ و اقتصادياً. قام ناس المدينة بتمييز بارناباس باعتباره من جماعة الجوار المألوفة لهم، و لكونه موفد جماعة القدس مباشرة، لقد حقق باراباس خلال عمله إهتداءات إضافية، عندما رأى باراباس هذا التقدم في التبشير، ذهب إلى طرسوس Tarsus حيث كان يعيش الرسول بولس Paul في بلدته، حيث طلب منه أن يأتي معه إلى أنطاكية، ليساعد في العمل، الإثنان باراباس و بولس بقيا في المدينة مدة عام يعلمان و يعظان، العديد من الناس إهتدوا على يديهما، كان التقليد المحلي يفرض عليهما أن يعظا في شارع في المدينة سمي سينغون Singon أو سياغون Siagon الذي كان معناه عظمة الفك يوجد في المركز بجانب البانثيون في المدينة. تشير المصادر بتوقع تقريبي أن هذه الأحداث حصلت بين عامي 38 و 40 ميلادي. ثمرة هذا العمل كانت نشوء جماعة مختلفة عن المجموعة الأصلية لأتباع المسيح في اورشليم، و قد تجسد التحول الجديد بظهور مصطلح جديد المسيحيون Christians في بداية العام 40 ميلادي:”في انطاكية دُعي المسيحيون اولاً”. ظهور الكلمة الجديدة أقر من قبل المؤلفين الرومان في المدينة عندما وجدوا أنه من الضروري أن يكون هناك اسم رسمي للطائفة الجديدة، التي بدأت تتميز عن اليهودية في أنطاكية بالذات. كان يجب أن يعطى الاسم للطائفة في مدينة كأنطاكية حيث الفرق الدينية موجودة ومن كل الأصناف. لا نمتلك دليلاً على حجم الجماعة المسيحية في أنطاكية في ذلك الوقت، لكن المراجع التاريخية تذكر أسماء العديد من الشخصيات المسيحية التي كانت تعمل على التبشير هناك، كان يوجد بينهم رسل و معلمون معينون كبرنابا، وسمعان Symoeon Niger ، لوقا من قونية Lucius of Cyrene ، مانان Manan، و بولس الرسول و غيرهم. على يد هذه المجموعة تم التنظيم و التخطيط للحملات التبشيرية المنظمة لبولس و زملائه فيما بعد و قد وفرت الجماعة الوسائط التي بدأت بها الرحلات. تشير المصادر أيضاً إلى أن الجالية المسيحية في أنطاكية ضمت في صفوفها الكثير من الأثرياء، نقرأ أنه في عام 46 ميلادي أرسلت المدينة معونة لجماعة اورشليم الدينية بمساعي بولس و برنابا، ذلك للتخفيف من آثار المحنة التي سببتها المجاعة في تلك الفترة. كان واضحاً أن برنابا و بولس في نفس الزيارة لاورشليم قد ناقشا مع مجمع الرسل مسألة مجموعة الطقوس اليهودية و تطبيقها في حال إهتداء غير اليهود و كانت الطقوس مثار جدل بين المهتدين الجدد من الهيلينيين، ذلك في عدة نواحي خلافية طقسية منها الختان و قانون تحديد الأطعمة المسموحة و تقاسم الوجبات بين المسيحيين اليهود و غير اليهود، كان الرأي الذي أكد عليه بولس؛ هو أنه لن يكون هناك تطبيق عملي للقانون على غير اليهود و يجب أن يعفى المهتدون الجدد من شعيرة الختان، حصل بولس و برنابا من يعقوب و بطرس Peter، و يوحنا John، و كانوا القادة للجماعة المسيحية في اورشليم، على إتفاقية تسمح بأن يكون المبشر من غير اليهود غير ملزم بتطبيق الطقوس، بعد ذلك و لتقديم الإمارات الواضحة و للتأكيد على وحدة أتباع المسيح، قام بطرس بزيارة لأنطاكية و قد وافق على التوسع بالأكل مع المسيحيين من غير اليهود. من جهة أخرى أرسل يعقوب قائد الجماعة في اورشليم كل من يهوذا Judas وهو غير الاسخريوطي و سيلاسSilas كمبعوثين إلى أنطاكية لا يعرف السبب الرئيسي، لكن يرجح أن يكون إرتباطاً بالاتفاقريوطي ية السابقة أو لأسباب أخرى تخص تنظيم الجماعة في المدينة و قد كان هؤلاء ممثلين لوجهة النظر التقليدية المقدسية في استمرار الطقوس، تشير التقاليد المسيحية إلى أنه في تلك الفترة عاد الموضوع الخلافي للظهور عبر بطرس و برنابا اللذان أظهرا بالحجة أن المواليد اليهود لا يمكن أن يتجاهلوا الطقوس و بذلك إنفصلا عن بولس في تلك الفترة. بعد ذلك بدأت الحملات التبشيرية، لا يعرف على وجه التحديد الزمن الذي بدأت فيه على وجه الدقة، لكن من المرجح أنها كانت قد بدأت في عام 47 ميلادي، في هذه المرة لم يرتحل بولس مع برنابا بل مع سيلاس، في الرحلة التالية اصطحب معه مرقص Mark. كانت هذه الحملات من أول أفضال تنظيم الجماعة الدينية في أنطاكية على المسيحية كدين، فعبر الإنطلاق من المدينة للتبشير في العالم باعتبارها مركزًا للمسيحية، أعطت المدينة دفعًا كبيرًا للدين المسيحي، سواء في طرق التبشير و مدنيتها أو عبر استخدام الأدبيات الهلنستية و المنطق الإغريقي في نشر الدين الذي أصبح على يد تلاميذ المدينة يحظى بنسبة مرتفعة من القدرة على القبول و الإقناع لدى المهتدين الجدد.
مع هذا التقدم الذي أحرزته أنطاكية على صعيد المسيحية في وقت مبكر من تاريخها أي النصف الأول من القرن الأول الميلادي، خلق فيما بعد موضوع المنافسة مع العواصم الأخرى في الإمبراطورية، أو ما يسمى بقضية ترتيب الكرسي الرسولي الأول بين مدن الامبراطورية المهمة كروما و القسطنطينية أو القدس و الإسكندرية. يبدو تاريخيًا أن أنطاكية كانت المخولة لأن تحل في المركز الثاني بعد القدس في الأقدمية و أن تنال الدرجة الأولى في موضوع النشاط التبشيري وتفوقه على الكراسي الرسولية الأخرى في الإمبراطورية.
قضية أخرى تشغل منطق الترتيب التاريخي للأحداث الدينية في أنطاكية؛ هي مشكلة ظهور بطرس كرأس للجماعة الدينية في المدينة بعد عام 45 للميلاد و تسميته كأول اسقف للمسيحية في كرسي أنطاكيةبين 45-53م، لقد تخلى بطرس عن كرسي انطاكية لخليفتهافوديوس وانطلق للتبشير ووصل الى روما سنة 64 والتقى ببولس واسسا كرسي رومية كما اسسا كرسي انطاكية واستشهدا عام 66 م بعهد نيرون و كرسي اورشليم من قبل يعقوب اخي الرب و كرسي الإسكندرية من قبل مرقس.
بعد بطرس ترسخ التقليد الكنسي في المدينة، تشير التقاليد الغير دقيقة إلى أن أحد وجهاء المدينة ويدعي ثيوفيليوسTheophlius وهب بيته الكبير في أنطاكية ليستخدم مقاماً للكرسي الرسولي و ككنيسة للممارسة طقوس الدين. من ثم نقرأ أنه بعد بطرس تربع على الكرسي أفوديوس Evodius رئيساً للجماعة، يبدو من اسمه أنه كان غير يهودي، جسد أفوديوس رأس الإكليروس بشكل رسمي في المدينة، التي يبدو أنها شهدت في عهده كثافة في عدد المؤمنين في، حيث نزح إليها الكثير من مسيحيي القدس، للهرب من الأحداث الدامية للإضطهاد الديني الذي بدأ من قبل الكاهن الروماني الأكبر للمدينة الروماني أنانوس Ananusو الذي ذهب ضحيته قائد الجماعة في القدس يعقوب اخي الرب، كانت الحادثة سببًا رئيسيًا آخر للتوجه من قبل المؤمنين إلى أنطاكية، لا شك أن الجماعة التي فرت من اورشليم حملت معها أيضاً المزيد من كتبها و أقوال المسيح و طقوسها و تقاليدها و كرستها بغنى في أنطاكية بعد أن كانت نضجت في القدس مما أعطى دفعاً للمسيحية في أنطاكية.
، على مدى السنوات الأخيرة من القرن الأول الميلادي، من ناحية ثانية فقد جرت أحداث مهمة في مؤثرة في مستقبل المسيحية، عبر انتشار بدع و طقوس دينية في أنطاكية و المنطقة كان أخطرها على المسيحية في تلك الفترة النيكولية التي دخلت فكر المنطقة من خلال العمل على تسوية بين المسيحية و العرف الاجتماعي السائد من خلال التطبيع و التوفيق بين الطقوس الوثنية السائدة مع الطقوس العضوية في الجماعة المسيحية، كانت حسب المصادر بداية على يد نيكولاس Nicolausالذي كان أحد المبشرين الكبار منذ البدايات في أنطاكية، نسبت البدعة له و سميت باسمه النيكولية، لا يعرف إن كان هو مخترع أدبياتها أم أنها ألصقت به زورًا لإضفاء قوة شرعية عليها، لكن من المؤكد أنها كانت اختباراً كبيراً للمسيحية في تلك الفترة.
محطة أخرى كان على المسيحية في تلك الفترة مواجهتها و تخطيها الغنوصية التي اجتاحت فكر المنطقة حتى وصلت إلى العاصمة السورية أنطاكية عن طريق تعاليم سيمون ماغوس السامري Simon Magus of Samoria الذي عمل على نشر الفكر الغنوصي في فترة وجود الرسل و عمل على ترسيخ الكثير من أفكار الغنوصية في الشرق. توالى ظهور أساتذة و معلمي الغنوصية في تلك الفترة في أنطاكية نقرأ في المراجع التاريخية أسماء كثيرة منهم بعد سيمون السامري، كالمعلم ميناندر السامري Menender of Samoria و ساتورنيلوس Satornilus المواطن الأنطاكي خليفة ميناندر على رأس الغنوصية الأنطاكية. بعد هذه الفترة نعود في بداية القرن الثاني لنقرأ في المصادر من جديد عن تواجد المطران أغناطيوس في عام 115 ميلادي كرأس للكنيسة في أنطاكية، كان المطران أغناطيوس Ignatius معروف بإيمانه التقليدي و مشهور لناحية كتابة رسائله السبعة التي تدور مواضيعها عن الحماسة الدينية في المدينة في ختام عصر الرسل. يروي المؤرخ يوحنا مالالاسMalalas رواية تصف لنا النهاية المفجعة للمطران لأغناطيوس في أيام حكم تراجان و الخلاف الذي نشب مع الجماعة المسيحية في المدينة التي اتهمها تراجان بتصرفات غير لائقة في مخاطبته، كالعادة في تلك العصور دفع رأس الجماعة الدينية المطران أغناطيوس الثمن و أرسل إلى الكولوسيوم في روما حيث ألقي للحيوانات المفترسة، لم تعد جثته للدفن في المدينة إلا في أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني Theodosius II حيث أعيد جثمانه و دفن في المقبرة الشهيرة في أنطاكية خارج باب دفنه. ليس لدينا معلومات كثيرة عن الذين خلفوا أغناطيوس في تلك الفترة، لكن لدينا تعداد لعدة أسماء منها؛ هيرونHeron ميلادي 116 م، كورنيللوس Corneluis 128 م، إيروس Eros 142 م، ثيوفيليوس Theophilius 196 م، كان ثيوفيليوس سوري المولد اهتدى إلى الدين المسيحي في سن متقدم، كان أيضاُ متأثراً جداً بالطقوس الدينية اليهودية، لديه عمل كتابي في الدفاع عن الإيمان، كتابه كان ذو أهمية بالغة لناحية المحاولة الأولى لصياغة نظرية في التثقيف اللاهوتي، التي غابت ثلاثة أجيال عن أنطاكية لتعود إلى الظهور مجدداً مع بولس السمسياطي الذي حاول أن يوفق بين العناصر اليهودية و الوثنية و المسيحية دون أن يضر بالمسيحية. خلف ثيوفيليوس في رئاسة الكرسي الأنطاكي ماكسيمينوس Maximinus188..198 م، خلفة على الكرسي سرابيون Serapion 198..199 م، ثم اسكليبادس Asclepiades 199.. 217 م، تلاه فيلتوس Philetus 217.. 230 م، ثم زابنوس Zabennus مطران المدينة في عهد الإمبراطور سيفروس إسكندرSeverus Alxander 222..235 م. كان الأباطرة السوريون الذين وصلوا إلى الحكم في روما مع أفراد أسرتهم يهتمون كثيراً بالشؤون الدينية، فلقد عمل الإمبراطور إيلاغابال Elagabalus 218..222 م، على أن يشرع ديناً توفيقياً جديداً يمكنه إحتواء المسيحية و كان ابن عمه الإمبراطور الإسكندر سيفروس متسامحاً جداُ مع المسيحيين و قد قرب الكثير منهم إلى بلاطه. أما أمه جوليا ماميا Julia Mamaea من جهتها إمتلكت ثقافة واسعة و عقلاً فلسفياً مثلها مثل النساء الأخريات في أسرتها و مع أنها ليست مسيحية، لكنها كانت متعمقة في الدين المسيحي، كانت تعيش في أنطاكية بين 231..233 م، أرسلت إلى قيصرية في فلسطين في طلب أورجين Origen المعلم الواسع الشهرة كي يأتي و يعظ في الدين المسيحي في المدينة. يقول المؤرخ أوسيبيوس Eusebius بأن أورجين لبى دعوة الإمبراطورة، فجاء إلى أنطاكية و ألقى العظات فيها على مسامع الإمبراطورة و حاشيتها و في المدينة أمام العامة أيضاً، هذا التوجه من قبل الإمبراطورة كان له بالغ التأثير على ولدها الإمبراطور و أعطى دفعاً كبيراً للمسيحيين و المسيحية في المدينة.
في نفس تلك الفترة تميزت الجماعة بالعمل التعليمي الكبير الذي قاده الكاهن المثقف جمينوس Gominus. بعد جومينوس و في عهد الإمبراطور غورديانوس Gordians 238..269 م، أصبح بابيلاس Babylas مطران أنطاكية ورأس الكنيسة في المدينة، كانت نهاية المطران بابيلاس مفجعة فلقد إنتهى في السجن في فترة إضطهاد المسيحيين من قبل الإمبراطور دسيوسDecius 249..251 م، في التاريخ الأثري اشتهر بابيلاس أيضاً لإرتباطه بالدير الذي يحمل اسمه في أنطاكية و الذي صمم على شكل صليب يوناني و هو من أول النماذج المعروفة في تاريخ العمارة الكنسية عن هذا النوع من الكنائس في العالم و لقد أعيد اكتشافه بالقرب من أنطاكية على الضفة اليمني لنهر العاصي. بعد موت بابيلاس خلفه المطران فابيوس Fabius. في الفترة التالية عاشت المدينة أحداث إضطهاد في زمن الإمبراطور فاليريان Valerian 253..260 م، الذي إتخذ من المدينة مركزاً لمواجهة الفرس و استقر فيها في تلك الفترة، لم تكن علاقته بمسيحيي المدينة جيدة و شهدت فترة تواجده إضطهاداً كبيراً ضد المؤمنين في المدينة و أدى الهجوم الفارسي الصاعق على المدينة في تلك الفترة إلى أسر و سبي سكان المدينة و من بينهم الإمبراطور نفسه، و معه أيضاً مطران المدينة في ذلك الوقت دمتريانوس Demetrianus الذي نقل مع الجماعة المسيحية إلى فارس و قام بتنظيم أمور الجماعة هناك، في تلك الفترة كان يمارس الإشراف الوقائي على الكنيسة كاهن طرسوس Tarsus. في 260 م وصل خبر وفاة دمتريانوس في فارس فانتخب بولس السمسياطي مطراناً للمدينة، كان وصول السمسياطي إلى رئاسة الكنيسة دفعاً كبيراً للكنيسة و الترتيب الكنسي في المدينة، خصوصاً تبلور منصبها كمنصب سياسي ديني رفيع المستوى، فأصبح بطريرك أنطاكية شخصية مبجلة و ذات مكانة اجتماعية بارزة. لاهوتياً كان بولس شخصية ذات دلالة في الثقافة السورية، فقد مهدت تعاليمه التي أكدت وحدة الرب و الطبيعة الإنسانية للمسيح، مهدت السبيل للآريوسية و اشترعت ناموساً جديداُ في المدرسة اللاهوتية في أنطاكية، كان أقرب إلى العقلانية الأرسطية. كان بولس السمسياطي مستشاراً لزنوبيا و قد اتهم معها بأنهما يروجان لفكر يرضي اليهود في سوريا عن طريق القول بأن المسيح ليس إلهاً، بل هو مجرد إنسان مرتبط مع الألوهة بالتبني، لكن بالبحث يتضح أن هذا ليس صحيحاً و أن فكرة الرفض أو الخضوع لألوهية المسيح نشأت في وقت مبكر جداً في أنطاكية، فحتى في زمن بولس الرسول في أنطاكية كانت هذه العقيدة تلقى تأييداً كبيراً و في القرن التالي لرئاسة لبولس السمسياطي للكنيسة، أصبحت أنطاكية عاصمة سوريا قلعة للآريوسية التي تتبنى هذا الفكر. أثار بولس بآرائه جدلاً كبيراً في اللاهوت المسيحي، حتى وصل إلى مرحلة بدا التقاضي فيها ضرورياً، فدعا أسقف طرسوس هيلينيوسHelenius إلى مجمع كنسي إنعقد في أنطاكية عام 264 م، كان من أول المجمعات التي نعرفها بهذه الصيغة في تاريخ الأدبيات المسيحية بعد مجمعات القدس، استطاع بولس في المجمع بثقافته العالية أن يكتم عقائده و يقنع الحضور بأنه سيعدل عن مذهبه، في السنوات التي تلت، كبر الجدل بشأن مذهبه الذي رفض التخلي عنه، فتداعت مجموعة من المطارنة لمناقشة الموضوع في مجلس شورى إنعقد في 268 م، في هذه المرة كان الهجوم ناجحاً على بولس فلقد قاده مالكيون Malchionالقسيس الذي ترأس مدرسة علم البلاغة في أنطاكية، امتلك مالكيون كل حذاقة الثقافة و علم الجدل، فاستطاع إجبار بولس على ترك إخفاء معتقداته الحقيقية، الأمر الذي كان قد أنقذه في المجمع الأول و بالتالي إنكشفت طبيعة معتقداته أمام المجمع، الذي أصدر أمراً بحرمانه كنسياً و انتخب المجمع عوضاً عنه دومنوس Domnus ابن المطران الأسبق دمتريانوس. رفض بولس قرارت المجمع و تابع مهامه في رأس المطرانية بدعم من أصدقائه المقربين و من حكومة تدمر، و بذلك أصبح لأنطاكية مطرانين أحدهما أرثوذوكسي و الأخر الذي كان بولس. تكررت هذه الحالة في القرن الرابع الميلادي عندما شهدت المدينة إضطرابات الإضطهاد ضد الفكر الآريوسي. استمر بولس في منصبه بدعم من زنوبيا و حكومة التدمريين حتى التاريخ الذي هزمت فيه الملكة أمام أورليان، حيث تم طرد بولس السمسياطي من المدينة، يصف المؤرخ الكنسي أوسيبيوس الحادثة “بأكبر إهانة”.
هكذا نرى كيف صاغت أنطاكية تاريخاُ مسيحياُ كاملاً، قبل غيرها من المدن، لتكتسب أهمية عالمية في تاريخ المسيحية، لا تزال تحتفظ بها حتى اليوم. كان ذلك قبل أن تكون المسيحية ديناً معترفاً به في الإمبراطورية، مع ذلك شكلت المدينة كل هذا التاريخ الروحي، و أنجبت أسماء رمزية و كانت مركزاً أضحوياً لشهداء عظام على طريق التبشير و المقاومة الروحية للإضطهادات. بعد بولس السمسياطي تابعت المدينة تقديم سيرتها على طريق فرض عالمية الدين المسيحي فقدمت الكثير من الشهداء، من الأسماء الشهيرة لدينا؛ المطران سايرل Syril 303 م، الذي اعتقل في زمن الإضطهاد الحاصل في عهد الإمبراطور ديوكلتسيان و حكم عليه بالأشغال الشاقة في مقالع رخام بانونيا و توفي هناك بعد ثلاثة سنين. الشهيد الآخر من أنطاكية كان الشماس رومانوس Romanus الذي قطع لسانه عقوبة له على عظاته الشهيرة و قد اعتبر أحد قديسي المدينة بعد وفاته. من الشهداء في المدينة في ذلك الوقت تيرانو Tyrannio مطران تاير و زنوبيوس Zonobius القسيس. و من الشهداء الأكثر شهرة كان لوسيان Lucian الذي توفي في نيكوميديا Nicomedia بعد التعذيب الشديد، اشتهر لوسيان بكونه المطران الذي أشرف على تحرير النص الأصلي للكتاب المقدس عبر تنقيحه و تقديمة جاهزًا ليوضع كنسخة معتمدة في بطريركية أنطاكية عاصمة سوريا و المشرق و في عاصمة الإمبراطورية القسطنطينية، كان لوسيان أيضاُ أحد واضعي أسس مدرسة اللاهوت في أنطاكية بتدريسه للطقوس الدينية و الثقافة التوراتية الدقيقة و للفلسفة اليونانية الأرسطية، فكانت المدرسة الأنطاكية على يده قد ترسخت و تبلورت، لتنافس كل كراسي الإمبراطورية الأخرى، خصوصاً الإسكندرية في وقت لاحق.
حصل كل هذا في أنطاكية عاصمة سورية قبل أن تشرعن الديانة المسيحية بعد سنين قليلة من هذه الأحداث على يد الإمبراطور قسطنطين وليكينوس في إعلان ميلانو الشهير 313 م وهذا ما يعكس أهمية عاصمة سورية بكل هذا الغنى اللاهوتي في ذلك الوقت. أنجبت المدينة فيما بعد أسماء عريقة، و كانت أنطاكية محطة لشخصيات لاهوتية عريقة في العصر البيزنطي؛ أمثال يوحنا فم الذهب، نسطوريوس، ديودور الطرسوسي، ثيودرويطس القورشي، سايروس الأنطاكي، بطرس القصار، يعقوب البرادعي، أوطيخا و كثر من أمثالهم على طريق اللاهوت السوري، كل اسم من هذه الشخصيات كان قصة تاريخية طويلة من اللاهوت السوري، الذي أصبح بطقوسه جزء من قصة اللاهوت العالمي المسيحي على امتداد عصوره.
دخل العرب المسلمون أنطاكية في عام 637 م، لتنتهي الحقبة الكلاسيكية في سورية بنهاية العصر البيزنطي، بعد دخول المسلمين للمدينة فرت الأرستقراطية الأنطاكية بإتجاه العاصمة القسطنطينية، بينما فر سكان العاصمة السورية إلى الجبال المجاورة، إنهارت الدفاعات البيزنطية أمام الهجوم الإسلامي و ترك الإمبراطور هرقل المدينة و توجه نحو القسطنطينية، لتلقى عاصمة التاريخ السوري حتفها و لتدخل طي النسيان.
تعقيب:
دفعت أنطاكية عاصمة سورية التاريخية و الثقافية الثمن مرتين؛ مرة مع الاجتياح الإسلامي للمنطقة في القرن السابع، لتخسر جزء كبير من ثقافتها السورية العالمية، و المرة الثانية كانت مع سقوط القسطنطينية في يد الأتراك عام 1453، لتفقد المنطقة بكل ما فيها الإرث الكلاسيكي المختزن و ليتحول إلى الغرب. بينما دفعت أنطاكية عاصمة سورية ثمن موقعها على الحدود بين المسلمين و البيزنطيين لدهور عديدة و لتتحمل اليوم تبعة وقوعها على الحدود مرة أخرى، لكن هذه المرة لتسقط بيد الأتراك الذين سيطروا على المنطقة مؤخراً بفضل الفرنسيين المحتلين لسورية.
يحتفل السوريون و يؤكدون على أهمية دمشق كعاصمة للثقافة العربية، بينما ينسون أن أنطاكية هي عاصمتهم الثقافية الحقيقية. لا أحد منهم يطلب أو يفكر في أن يخصص يوم في العام للإحتفال بأنطاكية كعاصمة للثقافة السورية الجامعة. يريدونها أن تدخل طي النسيان في نوع من التنكر الثقافي للإرث السوري.
ليست أنطاكية عاصمة للثقافة العربية، لكنها عاصمة للثقافة السورية. ليست أنطاكية عاصمة للأمويين أو للياسمين، لكنها عاصمة للتراث الإنساني. لم تحمل مدينة سورية لقب عاصمة سورية بطريقة طويلة و لألف عام متصلة كأنطاكية. و للحديث بقية عن عاصمة التقاليد السورية الشرقية الرها و المدينة الأخرى حران على أطراف مراكز الحضارة و العلم. إن سورية الثقافية هي فكرة جميلة لم تكن في يوم من الأيام حقيقية واقعية، لكن يجب الحفاظ على هذه الفكرة الثقافية الجميلة المسماة سوريا المتنوعة في الذهن ، حتى يتوفر لها جيل سوري إنساني يستطيع جعلها واقعاً قائماً على الأرض.
ملاحظة: لا تقع أنطاكية في جنوب تركيا، بل تقع في شمال غرب سورية.
مراجع البحث
سليمان سمير غانم مقال: “أنطاكية عاصمة سورية التاريخية و الثقافية لعشرة قرون”
د. جوزيف زيتون تاريخ الكرسي الانطاكي
د. جوزيف زيتون زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع الى اانطاكية وكيليكيا والاسكندرونة 1992 طباعة دمشق البطريركية 1994
د. اسد رستم تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى
خريسوستموس تاريخ الكنيسة تعريب الاسقف استفانوس حداد
حضور المسيح على الأرض يبدّل كلّ ذرّة في كياننا، بدءاً من عقولنا وصولاً إلى أعمق مكان فينا.
من هنا تتخطّى المسيحيّة فكرة العبادة الجافّة ومبدأ تطبيق الشّريعة كقانون رادع ومنطق التعويض في الحياة الثّانية.
إنّها العلاقة مع الحبيب الأوحد، يسوع المسيح، التي توجب تغييراً جذرياً في الإنسان وتستلزم انتهاج منطق جديد ورؤية جديدة.
هذه العلاقة تخلقنا من جديد وتوجّهنا في مسار مختلف عن مسارات العالم لتخلص بنا إلى لقاء أبديّ مع الرّبّ. كما أنّها تحتّم علينا أن نلبس المسيح لا أن نكتفي بعلاقة ظاهريّة تعبّر عن إيمان اعتباطيّ أو تقليديّ أو حتّى موروث.
فالمسيحيّ ليس مسيحيّاً بالوراثة وإنّما بالشّهادة ليسوع المسيح. وهذه الشّهادة تتطلّب معرفة عميقة بالسّيّد وارتباطاً حميماً ومخلصاً بمن نزل إلينا حتّى يرفعنا إلى فوق.
لبسنا المسيح يعني اتّحدنا به فكريّاً ونفسيّاً وروحيّاً، وصرنا انعكاساً حقيقيّاً له كما تعكس المرآة التّفاصيل بدقّة وإتقان. ما يستدعي منّا تعميق صلتنا بالمسيح والانتباه إلى سلوكيّاتنا حتّى البسيطة منها.
يقول بولس الرّسول: ” اقتدوا بي كما أقتدي بالمسيح” (1كور 1:11). إنّها لثقة كبيرة وعظيمة من بولس الرّسول، إذ إنّه أدرك في عمق أعماقه أنّه أصبح والمسيح شخصاً واحداً. فمن منّا اليوم يستطيع أن يقول: “اقتدوا بي، كما أقتدي بالمسيح”؟. هذا الاقتداء يتمثّل بالدّرجة الأولى بالامتلاء من المسيح الكلمة والتّيقّن بأنّ المسيح الحقيقة هو الكلمة الّتي يجب أن تدرّب فكرنا وتنمّي عقلنا فينفتح على حقائق عدّة ولكن دون أن يسمح لها بالسّيطرة عليه والتّحكّم به.
قد ينبهر الإنسان بأيديولوجيّات كثيرة ونظريّات عديدة يجيد أصحابها نشرها كما يجيدون استمالة البعض ممّن فقدوا الثّقة بأنّ المسيح هو الحقيقة. فيغيّرون مسارهم ويتبعون هذه الأيديولوجيّات، فإمّا توصلهم إلى طريق مسدود بما أنّها ليست الحقيقة الكاملة، وإمّا تبعدهم نهائيّاً عن الله وتسهم في محو صورته منهم بإرادة منهم.
قد تكون بعض الحقائق العلميّة والاجتماعيّة والسّياسيّة محقّة في مكان ما، إلّا أنّها لا تشبع عقل الإنسان وروحه لأنّها جزء من الحقيقة وليست كلّ الحقيقة.
هذه الحقائق مرتبطة بالعقل فقط، والعقل محدود مهما اجتهد وثابر وتثقّف، ولا تكتمل معرفته ولا تتحقّق إلّا إذا أشرك معها قلبه المنفتح على الله. فمن الله يستمدّ العقل رؤيته الحكيمة وبنور الله المتسرّب إلى قلبه يقوّي بصيرته الّتي تمكّنه من وزن الأمور والتّمييز بين ما هو صالح وهادف وبين ما هو مضيعة للوقت وثرثرات وجدالات تغذّي في الإنسان كبرياء الأنا، وغرور المعرفة.
المسيح الكلمة، كنز المعرفة العقلانيّة والرّوحيّة. ولو أردنا أن نصل إلى المعرفة فعلينا أن نتغذّى من الكلمة النّبع قبل الدّخول في متاهات النّظريّات الكبيرة والمبهرة. ليست بالطّبع دعوة للتّخلّي عن العلم أو دعوة لنبذ جهود الإنسان في بحثه العلميّ الاجتماعيّ والنّفسيّ والفلسفيّ، وعدم الاضطلاع عليها. وإنّما هي دعوة لعدم الانبهار بنظريّات تحجب عنّا بهاء الكلمة ونور المعرفة وفيض الحقيقة، يسوع المسيح.
أيّها المسيح الكلمة، هبنا نحن الضّعفاء ونحن نقترب من نور ميلادك، أن ننجذب دوماً إليك، فتستنير عقولنا وتنفتح على حكمتك الأزليّة.
يا من بدوت لنا طفلاً وفيك احتجبت الكلمة الّتي تكفي كلّ الأجيال، أعطنا أن نسير نحوك بطهارة وقداسة فندخل في سرّ محبّتك ونقتدي بك ونسير معك حتّى نصل إليك. أمين.
عمر البشير الذي كان لتصريحاته المرددة لتصريحات آل سعود وآل تميم واردوغان ضد الرئيس بشار الاسد واستعداده لارسال قوات سودانية لاسقاط النظام…
اذا كنا نتصور أن عمر حسن البشير اجتاز كل الأسلاك الشائكة التي تحيط به. واذا كنا نتصور أن عمر حسن البشير قفز فوق كل الدول التي يعمل لحسابها، ويؤجر ضباطه، وجنوده،(كمرتزقة) للقتال عنها في اليمن ، قد زار دمشق ليقول ما قاله، وليدلي بما أدلى به، أمام الكاميرات.الرئيس السوداني لم يحمل عصا الماريشال، ويرقص بها. حمل غصن الزيتون. من هي الدولة التي بعثت به ليكون أول رئيس دولة عربية يزور سورية بعد نحو ثماني سنوات من أزمة قد تكون الأكثر غرابة في التاريخ، ان لتعدد السيناريوات، وتقاطعها، وتناقضها، أو لتعدد الاتجاهات، والمصالح، لدى من تولوا صناعتها؟
في هذا القول يقول نبيه البرجي في الديار: “هذا دون أن نتوقف عند المليارات التي أنفقت، والتي جعلت من حارس حظيرة للماعز صلاح الدين الأيوبي، وجعلت من ذلك “المثقف” الذي لم يقرأ في حياته أكثر من مقامات بديع الزمان الهمذاني، ماوتسي تونغ أو فلاديمير ايليتش لينين.”
الآن بشكل مفاجىء يأتي لزيارة سورية؟؟؟ مغيرا كل ثوابته كاسرا كل الحصارات الدولية والعربية والاقليمية…
ويقول عبد الباري عطوان في “رأي اليوم” اللندنية: “إن زيارة البشير تشكل “نهاية مرحلة وبداية أخرى في العمل العربي المشترك، عنوانها الرئيسي التسلم والاعتراف بانتصار سورية، وفشل المؤامرة التي كانت تقودها أمريكا وحلفاؤها لتفتيت وحدتيها الترابية والديمغرافية، وتغيير النظام فيها”
ويضيف الكاتب أن البشير “لم يكن يمثل السودان فقط، وإما يمثل محورا عربياً تقوده المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، أبرزها قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر، أدركت جميعها فداحة خطيئتها الكبرى في الانخراط في المؤامرة على سورية تحت عناوين مضللة وزائفة بقيادة الولايات المتحدة”.
الرئيس الاسد مستقبلا البشير في مطار دمشق الدولي
على ذلك بدأنا نشهد بعض التحرّكات العربية اللافتة التي تدعونا، كمراقبين ومهتمين، للتساؤل: أهي بوادر جدية لعودة العرب إلى عروبتهم التي لا خلاص لهم من دونها؟ خاصة وأن الأحداث الإقليمية والدولية الناجمة عن مخاض عالم يعيد تشكيل حدوده السياسية والجغرافية، أعادت طرح الأسئلة الجدية التي لا يمكن لأي دولة عربية الإجابة عنها وحدها”
إذا كانت معادلة القرن الماضي السياسية تقول: إنه (لا حرب دون مصر، ولا سلام دون سورية)، فقد أصبح من الضروري، بعد هذه السنوات الثماني، أن نعدّل فيها لتصبح و(لا عروبة دون سورية)، ومخبر تحليل هذه المعادلة الوحيد والحصري هو مطار دمشق الدولي، ولا شيء غيره”
برأينا
انه اخيرا انتصر محور المقاومة في معركة كسر العظم التي ارداها الاعداء مع سورية، حيث شكلت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الى دمشق ولقاءاته الودية مع القيادة السورية فضاءات سياسية جديدة يمكن ان تقلب المعادلات السابقة , وتحاصر الاطراف التي راهنت على التطبيع مع الكيان الصهيوني او التي حجزت مقاعد لها في عربة التحالفات مع اميركا.
حمل معه البشيرخطابا متميزا تجاه سورية حيث اكد ان الازمات التي تمر بها الامة تستلزم ايجاد مقاربات للعمل العربي تقوم على احترام السيادة للدول كما اكد ان سورية هي دولة مواجهة وان اضعافها هو اضعاف للقضايا العربية وان دمشق ظلت متمسكة بثوابت الامة رغم الحرب والعدوان عليها .الملفت ايضا ان الرئيس السوري د. بشار الاسد اكد بدوره ان زيارة البشير تشكل عودة للدفء في العلاقات العربية – العربية.
في النتيجة نحن امام تطورات مهمة واساسية قائمة على معطيات استراتيجية يمكن ان تعكس المفهوم النضالي الذي وقفت ضمن دائرته الحكومة السورية لتسقط الارهاب اولا ومن ثم لتسقط منتجي وداعمي الارهاب .
ان هذه الزيارة وفق بعض المعطيات تؤشر بانها تحمل رسائل عديدة من قبل أطراف اقليمية وخليجية بالأساس حيث ان الزيارة بأبعادها الراهنة تشكل دفعا خليجياً سعودياً بالتحديد لقطع اي محاولة قطرية او تركية للتقرب من سورية حيث ان الزيارة جاءت بعد ساعات من تصريحات وزير الخارجيّة التركيّ الذي فجر مِن الدَّوحة بالوناً بقوله نحن مُستَعِدُّون للتَّعاون مَع الأسد إذا فازَ في انتِخاباتٍ دِيمقراطيّةٍ.. كما ان هذا التحرك جاء اثر تسريبات اكدت تصميم واشنطن على الخروج من سورية، وان الجماعات الكردية تحاول إعادة اللحمة مع الحبل السري لدمشق بعد ان قطعته بالتعلق بالسراب الامريكي الخادع، سيما وان اردوغان صرح بالأمس انه تلقى رداً ايجابياً من ترامب حول مشروع عمليات قواته المرتقبة شرق الفرات.
اذن هذه الزيارة هي في الواقع تعبير عن تطورات واستحقاقات جديدة في المنطقة تاتي بعد لجم الكيان الصهيوني من العربدة في الأجواء السورية وبعد دفن الارهاب في العراق وسورية وبعد اعتراف دول تحالف العدوان بالوفد الوطني من صنعاء خلال محادثات استوكهولم في السويد.
ومن هنا فنحن امام منعطفات ومنحنيات سياسية ستسلط الاضواء مجددا على الدور السوري الذي سيعود الى الواجهة والطليعة بعد محاولات عزله التي باءت بالفشل من ممالك خليجية لا في العير ولا في النفير حسب المثل العربي القديم .
لم تتوقف “سورية” عبر تاريخها عن إبداع الحياة ودفعها إلى العالم مؤكدة دوماً أنها من المنابع التي لا تنضب، “أليس قندلفت قزما” هي من تلك الإبداعات التي لا ينساها العالم.
بكل اسف يستمر مسلسل هدر الشخصيات والكوادر السورية وهاهي منسية جديدة من شخصياتنا ليست فقط الرجالية بل الانثوية السورية…لأن نساء سورية لسن من نساء باب الحارة المدفونات بالحياة…الذين يُنظر اليهمن على انهن عورات حتى اصواتهن عورات!!!
اليس قندلفت الدمشقية هذه السيدة الدبلوماسية الاولى ليس فقط على مستوى سورية والمشرق والعالم العربي بل في دول العالم الثالث، التي تميزت بحضور سورية كمندوبة لها دونت سجلات المنظمة الدولية حضورها اللافت.
اليس قندلت لم يغيبها التاريخ السوري فقد نشر سيرتها مع بعض الأفاضل، ولكن على مايبدو فان وزارة الخارجية السورية بدورها اهملت ذكرها كما ان اتحاد الكتاب العرب وزارة الثقافة والجهات ذات الصلة جهَّلَتْ ذكرها، هل بسبب اسمها وانتمائها…ام بسبب ماذا.
تقرّ وثائق الأمم المتحدة أنها واحدة من أولئك النساء اللواتي لا ينسى حضورهن، فقد كانت في سنوات عملها في الأمم المتحدة مثالاً حياً لمن يؤمن بقضية ويدافع عنها وصولاً إلى التماهي معها حد الالتصاق، فكيف إذا كانت قضيتها قضية وطن يراد به السوء وبإمكانها أن تقدم له من روحها وفكرها الدفاع القوي.
“أليس قندلفت” من هي؟ ولدت عام 1895 في “دمشق” لعائلة من عائلاتها العريقة عائلة قندلفت من العائلات الدمشقية الارثوذكسية الشهيرة التي كانت تقطن في دمشق القديمة محلة القيمرية، والى هذه العائلة ينتسب العلم الارثوذكسي الدمشقي غطاس بطرس قندلفت الذي لمع اسمه في سماء التعليم الدمشقي الخاص، وكان في اللجنة البطريركية العلمية التابع للمجلس الملي البطريركي الارثوذكسي، وفي الحقيقة لانعلم درجة القرابة بين غطاس واليس، ولكنها كأقرانها درست في المدرسة الارثوذكسية البطريركية الآسية / مدرسة البنات وكانت بادارة ارسالية المدارس الروسية او الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الارثوذكسية، من الطفولة الى نهاية المرحلة التوجيهية ( الاعدادية) ثم انتقلت الى بيروت وانتسبت الى القسم الثانوي / الكلية البروتستانتية السورية (الجامعة الأميركية في بيروت حالياً).
اليس قندلفت في حشد من السيدات السوريات المثقفات في اربعينيات القرن الماضي في منتداها الثقافي
حال تخرجها من الجامعة رشحت السيدة أليس قندلفت و المناضلة نازك العابد من قبل الرئيس الشهبندر للدراسة في امريكا بناء على مقابلة جمعت بينه و بين مستر كينغ كراين ممثل الرئيس الامريكي في بعثة تقصي الحقائق مطلع 1920 حيث ابلغه قائلاً: «إنَّ الرئيس ويلسون يُقْرِئك التحية ويعدك بالاستمرار في الدفاع عن مصالح السوريين، ويودّ أن يهبك منحتين دراسيتين لطالبين سوريين لتحضير الماجستير في “أميركا” و قد رحب الشهبندر فورا منطلقاً من حاجة البلاد إلى نساء سوريات يحملن تحصيلاً علمياً عالياً، وقد عادت “أليس” بعد التخرج لتعمل مع الدكتور “الشهبندر” بعد عودته من المنفى وحتى اغتياله عام 1940، كما عملت كثيراً مع رئيس الوزراء السوري وقتها “فارس الخوري” حتى ما بعد الاستقلال، حيث كلفها بتمثيل “سورية” في الأمم المتحدة؛ لتكون أول امرأة عربية تقود وفد بلادها، ومن أوائل السيدات على صعيد العالم كله. عبر تاريخها السياسي الحافل لم تنسَ “أليس” اهتماماتها الأدبية التي عرفت عنها، فقد أسست صالوناً أدبياً سياسياً في مدينة “دمشق” في فندق أمية القديم عام 1942، يعدّ الأول من نوعه في البلاد؛ كان يجتمع فيه سياسيو البلد وأدباؤه، مثل: “فارس الخوري، وصلاح الدين البيطار، وعمر أبو ريشة، وميشيل عفلق، وفخري البارودي، ومحمد سليمان الأحمد”، وغيرهم الكثيرون. ومن هذا المنتدى انطلقت عدة حركات سياسية كوّنت أحزاباً مؤثرة في الحياة السياسية السورية اللاحقة، ومنها ” حزب البعث” توفيت رحمها الله في الستينات تاركة خلفها اثرا سياسيا و أدبيا و ثقافيا تحمد عليه .
نساء سورية ليسوا نساء باب الحارةعام 1942
كانت تجلس في غرفتها الواسعة في فندق أمية القديم في ساحة المرجة (عمر الخيام اليوم)، وكان يومها ومنذ 1930 أفخم فنادق دمشق.
جلست ‘أليس قندلفت’ تستذكر ماضيها منذ تعرفت وهي شابة يافعة، خريجة الكلية البروتستانتية السورية ( الجامعة الأميركية في بيروت) على الدكتور عبد الرحمٰن الشهبندر، الذي أصبح فيما بعد وزيراً في حكومة الملك فيصل الأول في مملكة سورية المتحدة ثم قائداً للثورة السورية الكبرى إلى جانب سلطان باشا الأطرش ليغدو فيما بعد زعيم سورية غير المتوج.
حزنت حزناً شديدا بعد اغتيال الزعيم الشهبندر عام 1940، وأصبحت تمضي معظم وقتها في الفندق محاطة بنخبة من المثقفين الوطنيين. بدأت يومها تجيل الطرف في دمشق التي تعشقها، خلف الفندق عاينت بقايا سينما ‘زهرة دمشق’ حيث عُرِضَ أول فيلم صامت عام 1912، واحترقت السينما بعد أن إمتد إليها حريق السنجقدار الشهير في أواخر العشرينات. وفي حارة ‘الجوزة الحدباء’ مواجه جامع يلبغا في ساروجة ظهرت لها بقايا فندق ديمتري، أول فندق حديث أنشئ في دمشق عام 1850.
تذكرت كيف جاءها الشهبندر عام 1919 ليقول لها: أنت تعلمين أني كنت في اجتماعات متواصلة مع لجنة كينغ كرين King-Crane الأميركية التي أرسلها الرئيس الأميركي ويلسون بعد مؤتمر الصلح في باريس بداية 1919، لإستقصاء رغبة السوريين والفلسطينيين في الإستقلال. وبعد أن عجزت اللجنة من إقناع الفرنسيين بمنح سورية -من طوروس شمالاً الى العريش جنوباً-، الإستقلال مع معونة فنية عوضاً عن الإنتداب، أرسلت اللجنة تقريرها الى الرئيس ويلسون وبلَّغت هاشم الأتاسي (رئيس المؤتمر السوري العام يومها) والشهبندر اعتذارها لعدم تمكنها من الإستجابة لمطالبهم. والتفت كينغ الى الشهبندر قائلاً أنَّ الرئيس ويلسون يُقْرِئك التحية ويعدك بالاستمرار في الدفاع عن مصالح السوريين ويود أن يهبك منحتين دراسيتين لطالبين سوريين لتحضير الماجستير في أميركا.
قال له الشهبندر ‘ إن سورية بأمس الحاجة إلى نساءٍ يحصلن على درجات عليا، لذلك فإني سأستفيد من هذه المنح لإرسال نازك العابد وأليس قندلفت’. وهكذا كان بالنسبة لأليس وعادت من أميركا لتعمل مع فارس الخوري ثم مع الشهبندر بعد عودته من المنفى وحتى إغتياله.
إختارها فارس الخوري لتكون ممثلة سورية في الأمم المتحدة، فكانت أول سيدة عربية مثّلت بلادها في المنظمة الدولية وإحدى أوائل السيدات على صعيد العالم فيها. ( الصورة لها عام 1948).
لكننا تركناها في فندق أمية القديم عام 1942، وحينها قررت تأسيس أول صالون سياسي أدبي في سورية كان يتجمع فيه السياسيون مثل فارس الخوري وصلاح الدين البيطار ًوعمر أبو ريشة وميشيل عفلق وفخري البارودي ومحمد سليمان الأحمد وغيرهم الكثيرون. ومن هذا الصالون ‘المنتدى’، انطلقت عديد من الحركات التي شكلت أحزاباً مؤثرة في الحياة السياسية السورية.
“أليس قندلفت، سفيرة سورية، وهي أول امرأة عربية تمثل بلدها كسفيرة في مجلس الأمم المتحدة في الأربعينات من القرن الماضي. تذكر وثاثق تاريخية إلى أنها شاركت في أول اجتماع تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي إلى جانب ميشيل عفلق وصلاح بيطار وآخرين عام 1939. كما شاركت بتأسيس المنتدى الفكري عام 1946 إلى جانب مدني الخيمي…”
في حديث لمدونة وطن “eSyria” مع الدكتور “عيسى درويش” الكاتب والباحث وسفير “سورية” الأسبق في “الكويت” و”الجزائر” و”مصر”، وأحد السوريين العاشقين لتاريخهم والباحثين دوماً فيه، يقول عنها: «دخلت “أليس” عالم السياسة من لحظة تخرجها في الجامعة، فقد تعرفت مبكراً إلى الزعيم الوطني الدكتور “عبد الرحمن الشهبندر”، إضافة إلى شخصيات أخرى سوف تلعب دوراً مهماً في قادم أيام “سورية” الجديدة، وفي وقت اشتدت فيه الحاجة إلى الخبرات الشابة في معركة تأسيس الدولة السورية بصورتها الحديثة بعد خروج العثمانيين من البلاد وظهور بوادر تقسيمها دولياً وبدء التدخل الدولي في تقرير حدودها».
ويكمل: «بداية عام 1919 كانت انطلاقتها الغربية الأولى عبر بعثة أميركية مقدمة من لجنة كينغ كرين King-Crane الأميركية التي أرسلها الرئيس الأميركي “ويلسون” بعد مؤتمر الصلح في “باريس”، لاستقصاء
رغبة السوريين والفلسطينيين في الاستقلال، وبعد أن عجزت اللجنة عن إقناع الفرنسيين بمنح “سورية” استقلالها بحدودها الطبيعية من طوروس شمالاً إلى العريش جنوباً، مع معونة فنية عوضاً عن الانتداب، أرسلت اللجنة تقريرها إلى الرئيس “ويلسون” وبلَّغت رئيس المؤتمر السوري العام “هاشم الأتاسي” والشهبندر اعتذارها لعدم تمكنها من الاستجابة لمطالبهم».
التفت “كينغ” إلى الشهبندر قائلاً: «إنَّ الرئيس ويلسون يُقْرِئك التحية ويعدك بالاستمرار في الدفاع عن مصالح السوريين، ويودّ أن يهبك منحتين دراسيتين لطالبين سوريين لتحضير الماجستير في “أميركا”»؛ يذكر ذلك الدكتور “سامي الخيمي” في أحد منشوراته على صفحته الشخصية على “الفيسبوك” مستفيداً من حديث لوالده، ويضيف: «كانت تلك البعثة من نصيب امرأتين سوريتين اختارهما الشهبندر إلى جانبهما السيدة “نازك العابد”، منطلقاً من حاجة البلاد إلى نساء سوريات يحملن تحصيلاً علمياً عالياً، وقد عادت “أليس” لتعمل مع الدكتور “الشهبندر” بعد عودته من المنفى وحتى اغتياله عام 1940، كما عملت كثيراً مع رئيس الوزراء السوري وقتها “فارس الخوري” حتى ما بعد الاستقلال، حيث كلفها بتمثيل “سورية” في الأمم المتحدة؛ لتكون أول امرأة عربية تقود وفد بلادها، ومن أوائل السيدات على صعيد العالم كله.
مندوبة سورية في الأمم المتحدة
توثق الأمم المتحدة لقاءات “أليس” مع العديد من الوفود الدولية هناك، فبتاريخ 5 كانون الثاني 1945 حضرت جلسة الأمم المتحدة الثانية الخاصة بأحوال المرأة حول العالم، وقدمت
في الامم المتحدة مندوبة سورية
مداخلتها المتضمنة الحديث عن أوضاع النساء في العالم العربي وفي “سورية” بوجه خاص مركزة على الهدف الكبير وهو تحقيق استقلال “سورية” من الاستعمار الفرنسي، كما دافعت من جهة أخرى في اللقاء الدولي لحقوق المرأة الاقتصادية أثناء الاجتماع الأربعين للأمم المتحدة عن حقوق المرأة في التملك».
سجلت “أليس” حضوراً مميزاً في أروقة الأمم المتحدة، يؤكد ذلك صورها التي التقت فيها بعدد من ممثلي الدول المؤثرة وقتها للدفاع عن القضية السورية، وجذب مواقف هذه الدول باتجاه تأييد فكرة الاستقلال التي تمت بنجاح مع مطلع العالم التالي (1946) متوجةً بخروج الفرنسيين من “سورية”. وتذكر السفيرة اللبنانية “مي ريحاني” في كتابها “من بيروت إلى واشنطن” (الجزء الثالث) لقاءها بها في حفل غداء أقامته اليونيسكو وحضره إلى جوارها الشاعر العراقي “أحمد الصافي النجفي” والبروفيسور الفلسطيني المعروف “إسحق موسى الحسيني” وغيرهما، أن أليس” كانت من السيدات الراقيات جداً، تنتمي إلى طبقة مثقفة ندر وجودها في العالم العربي وقتئذ، خاصة أنها تخرجت في جامعة “كولومبيا” في “نيويورك” التي عادت إليها ممثلة “سورية” في الأمم المتحدة. اهتماماتها الادبية والسياسية عبر تاريخها السياسي الحافل لم تنسَ “أليس” اهتماماتها الأدبية التي عرفت عنها، فقد أسست صالوناً أدبياً سياسياً في مدينة “دمشق” في فندق أمية القديم عام 1942، يعدّ الأول من نوعه في البلاد، كان يجتمع فيه سياسيو البلد وأدباؤه، مثل: “فارس الخوري، وصلاح الدين البيطار، وعمر أبو ريشة، وميشيل عفلق، وفخري البارودي، ومحمد سليمان الأحمد”، وغيرهم الكثيرون. ومن هذا المنتدى انطلقت عدة حركات سياسية كوّنت أحزاباً مؤثرة في الحياة السياسية السورية اللاحقة، ومنها “البعث” مع اختفاء الحياة السياسية في البلاد بُعَيد الوحدة مع “مصر” انتقلت “أليس” إلى “لبنان” لتعيش فيه وفي فندقها الذي تحب “فندق أمية القديم”، كما يذكر الدكتور “الخيمي” لقاء والده معها في هذا المكان أواخر الخمسينيات.
اواخر حياتها
لم تعمر أليس قندلفت طويلاً وصارت تغادر سورية كثيراً منذ أواخر الخمسينات لتقطن في لبنان. جل ما يذكره معاصروها جلوسها في فندق امية القديم وان صحبتها من رعيلها السياسيين والمثقفين كانوا يزورنها في فندق أمية القديم حتى بداية الستينات.
توفيت السيدة “أليس” منتصف الستينيات في “بيروت”وشيعت من قبل حفنة من الأصدقاء في لبنان. وجنزها متروبوليت بيروت الاسيق ايليا الصليبي ممثلا البطريرك الانطاكي الكسندروس الثالث مع حشد من الاكليروس…
بكل اسف…
بكل اسف لم يسهر أحد على تخليد ذكراها رغم أنها أمٌ مؤسسة للوطن. نامي بسلام أيتها العظيمة المنسية …
فأنت واحدة من القديسين السوريين المنسيين الذين نسيهم اهل الحل والربط والذين لم تسجل مجرد حارة بسيطة بأسمائهم…
ويستمر مسلسل الجحود والكثير مغيب ياعيب الشوم…
مصادر البحث
“أليس قندلفت”.. حضور ريادي مميز في الأمم المتحدة موقع دمشق
المحاور الرئيسية: الفن الرومي (البيزنطي)، الموسيقى الرومية (البيزنطية)، رسم الأيقونات المقدسة “آجيوغرافي” الرومية (البيزنطية)، وتعريف مصطلح “البيزنطي”
أُطلق اسم “الفن الرومي” على الفن الذي نشأ في الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وقد نُسب الاسم “بيزنطي” إلى “مدينة بيزنطية” القديمة وفي موقعها المندرس عليه أقام الإمبراطور قسطنطين الكبير العاصمة القسطنطينية العام 320مسيحية وحرم بناء اي هيكل وثني فيها او اقامة اي طقس وثني، اراد جعلها فقط لتمجيد اسم الله القدوس، وجعلها مدينة الله العظمى القسطنطينية المتملكة.
بدأت الأشكال الفنية النموذجية للفن الرومي تتطور في الإمبراطورية الرومانية من القرن الرابع (الذي طور فن الأيقونات الأقدم الأورشليمي والأنطاكي والإسكندري) نتيجة تفاعل كل من التقليد اليوناني القديم وتأثير التدين الشرقي مع انتشار المسيحية. يتميز النمط الرومي بعناصر فن ديني بحت، والغرض منه ليس البحث عن الجمال والانسجام كالتجاذب والرمزية وتقديم المشاعر الدينية.
وكان تأسيس القسطنطينية مرتبطًا بإنشاء مركز فني جديد كبير للنصف الشرقي للإمبراطورية، ولا سيما التركيز على عناصر مسيحية قوية. وكان هناك شكل مميز للتعبير عن العمارة الرومية، تصميم جديد للمعبد الكنسي، البازيليكا. قد يكون بناء كاتدرائية “آيا صوفيا” (الحكمة الإلهية) أهم مثال، نموذج، لجميع الكنائس الرومي اللاحقة، ولكن أيضا رمزًا لقوة الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
والدة الاله والرب يسوع الطفل
في اللوحة المرسومة، على الرغم من الحفاظ على الموضوعات الهِلِّنِسْتِيَة (المناظر الطبيعية والرموز التصويرية)، تَكَوّن تدريجيًا تمييزًا دينيًا (مختلف) بشدة. ومن الأمثلة المميزة للوحة المسيحية القديمة، الأيقونات والجداريات والفسيفساء الزخرفية في مختلف الكنائس. وقد جرى التمييز الديني جنبًا إلى جنب مع الهندسة المعمارية والرسم والمنمنمات أيضا يرتكز على مواد مثل العاج والذهب أو الفضة، على الرغم من أن العديد من هذه الإبداعات لم يتم إنقاذها من الدمار. فخلال فترة حروب الأيقونات كثير من الأيقونات والرسوم الجدارية دمرت أو استبدالت بغيرها، وحصريًا الرسومات الزخرفية، بما في ذلك التي تمثيل الحيوانات والطيور والأشكال الهندسية، وكذلك الصلبان.
في النصف الثاني من القرن التاسع وخلال القرن العاشر، مخطوطات الأيقونية مع المنمنمات التي تزين في الأساس النصوص الدينية كانت معروفة جيدًا. وفي فترة الانحطاط للدولة، خلال حكم الأسرة المقدونية، ازدهر الفن الرومي كثيرًا. فخلال هذه الفترة، تم تطوير العمارة بشكل خاص، بينما ساد الشكل الصليبي لقبب الكنائس، عن الشكل السابق للبازيليكا. وتميزت المعابد الكنسية بمزيد من الأناقة وأقل بساطة، ولكن دون أن تبتعد عن الغرض الرئيسي من تحقيق الرفعة الروحية للمؤمنين. كما ارتبط فن النحت إرتباطًا وثيقا بالهندسة المعمارية، ومعظم الأعمال الباقية هي جزء من المباني المعمارية. ومواضيع المنحوتات هي هندسية أساسًا ذات طابع زخرفي قوي، في حين نادرًا ما يتم تشخيص الشخصيات البشرية.
لا تختلف الأساليب المعمارية، خلال عصر الإمبراطورية الشرقية، إختلافًا كبيرًا عن الأمثلة التي سبقتها. سماتها الرئيسية هي عظم التنوع، الذي تجلى من خلال خلق الصيغ التوافقية. بالإضافة إلى ذلك، في بعض المعالم الأثرية، تعزى التأثيرات المورفولوجية (بالإنجليزية Morphology)، أي علم دراسة الأشكال والبنية (Structure)، أساسًا إلى الهندسة المعمارية القوطية، مع سمة مميزة من الأقوس الغربية أكثر. الرسوم التصويرية لهذه الفترة تتبع معيار العصر الرومي الأوسط، في حين أنها في نفس الوقت تُثري تدريجيًا مواضيع من الطفولة وحياة المسيح أو حياة مريم العذراء.
في هذه الفترة ظهرت عناصر طبيعية أكثر في الرسم. في حين أن العديد من الفنانين سعوا تدريجيًا إلى تسليم أكثر بموضوعية للمواضيع التقليدية التي يطورونها، مما يُركز على تعبيرات الأشخاص أو حركات الأنماط المبينة. خلال الفترة الرومية المتأخرة، وصل فن الصور المحمولة إلى أكبر حد له، مع الحفاظ على العديد من الصور. وربما كانت سلالة الباليولوجيون، التي بدأت عام 1259م، هي التي أحدثت ازدهار للفن الرومي، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه خلال هذه الفترة اشتد التفاعل بين الفنانين الروميين والإيطاليين.
الموسيقى الرومي هي موسيقى الإمبراطورية الرومية التي تترجم وتتكون حصرًا من النصوص اليونانية كلحن. ويتفق المؤرخون اليونانيون والأجانب على أن هذه الألحان والأصوات الكنسية وعموما نظام الموسيقى الرومية كلها مرتبطة ارتباطًا وثيقا بالنظام الموسيقي اليوناني القديم. ومبادئها مؤرخة من قِبل بعض العلماء في القرن الرابع الميلادي، بعد وقت قصير من نقل العاصمة للإمبراطورية الرومانية إلى القسطنطينية من قِبل قسطنطين الكبير. الموسيقى الرومية التي تم الحفاظ عليها هي كنسية تمامًا، باستثناء بعض التراتيل الإمبراطورية، التي لها أيضًا عناصر دينية. كانت الأنشودة الرومية أحادية، في إيقاع حر، وغالبًا ما عملت على تمثيل معنى الكلمات نغميًا (ميلوديكالي). كانت اللغة المستخدمة هي اليونانية. النشيد الرومي، كان ثلاثة أنواع، كان أعظم تعبير عن هذا النوع من الموسيقي.
مصطلح “البيزنطي” هو لفظة جديدة عُرفت في 1562 من قبل المؤرخ “هيرونيموس وولف”، 1516-1580، ثم أمين مكتبة وأمين في منزل المصرفيين قوية “فوجر” في أوغسبورغ (Augsburg). وولف، الذي أظهر حماسة كبيرة سواء بالنسبة للالبيزنطية والكتاب الكلاسيكية، وشهد التاريخ البيزنطي كجزء منفصل ومستقل عن التاريخ العام وتصور فكرة كوربوسHistoriae Byzantinae (التاريخ البيزنطي) التي شملت أعمال المؤرخون البيزنطيون من زمن قسطنطين الكبير، إلى قسطنطين باليولوغوس. ثم أنشأ مصطلح “البيزنطي” أسس باحث فرنسي مهم جدا وناشر، اليسوعي فيليب لامبي، 1607-1667، الذي نشر نصوص التاريخ البيزنطي، بعبارة: “De Byzantinae historiae scriptoribus…” عندما تم نشر المجلد الأول من هذه المجموعة، نداء إلى جميع محبي التاريخ البيزنطي، حيث أكد على أهمية تاريخ الإمبراطورية اليونانية Ελληνικής الشرقية “استثنائية جدا في الأحداث مغرية في متنوعة ومذهلة جدا لسنوات عديدة”. في عام 1680، استخدم المؤرخ الفرنسي، عالم اللغات وعالم الآثار، ماسون والناشر تشارلز دوكوفاني هذا المصطلح عنوان كتابه التاريخي Historia Byzantina، الذي تناول تاريخ مدينة القسطنطينية.
وطني سورية… أرجو العذر إن خانتني حروفي وأرجو العفو منك إن أنقصت من قدرك… فما أنا إلّا عاشق يحاول أن يتغنّى بحبّك… لم أكن أعرف أنّ للذاكرة عطراً … هو عطر الوطن سورية. الوطن هو القلب والنبض والشريان والعيون…
ياوطني انت هو جدار الزمن الذي كنا نخربش عليه طفولة وصبا، بعبارات بريئة لمن نحب ونعشق.
وطني يا أيها الحب الخالد من لي بغيرك وطناً.
ياأباالبادية السمراء وأم البحار الزرقاء، يا أبا الجبال الصامدة والمدغلة وأم السهول موطن الغلال، يا أبا الهضاب وأم الوديان الخضراء…
أحلم بك شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً وستبقى حبي الأبدي.
ياوطني الحبيب انت المدرسة التي علمتني فن التنفس…
سوريتي يابلادي لاقياس لحبي لك فأنا مفتون بك من رأسي حتى قدمي…
احبتي…
جميل أن يفدي الإنسان وطنه، لكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن. فالوطن هو السند الوحيد، هو الام الثانية التي تحملنا ببطنها بعد بطن الأم الأولى…
يا سوريتي انا لاابيعكِ كلاما منمقا فكلامي نابع من حشاشة قلبي، يا أيها الوطن الحاضن للماضي والحاضرالحاضن لجذوري وتربة اجدادي واهلي وتجذري…
أيها الوطن الذي احبه لأني شربته مع لبن ثدي ام يمنذ رأت عيناي نور شمسه…
ياوطني انت حبيبي وانت تاج راسي ياوطني من تغنى به العشاق وأطربهم ليلك في السهر، أنت كأنشودة الحياة وأنت كبسمة العمر.
حبك ياوطني سورية فخراً واعتزازاً لي ولكل مواطن يتشرف بجنسيتك، لذلك علينا أن نحميك بكياننا، وأن نحفظك كما تحفظنا، وأن نقدرك ياواحة امننا واماننا. ليس هناك أعذب من أرضك يا وطني.
وطني سورية انت ذلك الحب الذي لا يتوقف، وذلك العطاء الذي لا ينضب، أيها الوطن المترامي الأطراف، أيها الوطن المستوطن في القلوب أنت فقط من يبقى حبه، وأنت فقط من نحب.
سوريتي انت شجرة الشموخ التي لا تنمو إلّا في تربة التضحيات، ولا تسقى الا بالعرق والدم سورية.
سورية ياشمس حضارة الدنيا…
انا فداك ياوطني سورية…
كيف تفسر أن العهد الجديد كُتب باليونانية في بيئة غير يونانية؟
نتابع في هذا المقال مع المعلم الانطاكي المرحوم الأب الشماس واللاهوتي المحامي اسبيرو جبور عن اللغة السريانية واليونانية في مقالنا الأول وهو بعنوان:”هل كانت اللغة السريانية هي اللغة الاولى لسورية الطبيعية، وماهو دور اللغة اليونانية في سورية؟”
نتابع في تسليط الضوءعلى لغة العهد الجديد وهي حصراً اللغة اليونانية لأن العهد الجديد ببشاراته كتب باللغة اليونانية عدا انجيل متى الذي كتبت نسخة منه بالآرامية وقد فقدت هذه النسخة وكتبت بالتالي باليونانية، ونضيف على ذلك الترجمة السبعينية الاسكندرية للعهد القديم الى اللغة اليونانية. وبذلك يكون الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كتب باليونانية القديمة…
كتب الشماس اسبيرو مايلي
“العهد الجديد له قصة طويلة. الفتح الاسكندري للمنطقة ووصوله الى الصين ترك آثاراً يونانية في كل هذه المناطق، فتيوننت الدنيا وتكلمت اليونانية.
في الاصحاح الثاني من أعمال الرسل نرى في أورشليم يهوداً من أقطار عديدة من الامبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية. في سفر طوبيا (عند الكاثوليك سفر ثانوي، وعند الأرثوذكس سفر قراءة) المكتوب باليونانية فيه حوادث تجري في أفغانستان. فهذا الانتشار اليهودي الواسع في الامبراطوريتين الرومانية والفارسية وفي دولة الأنباط العربية، التي عاصمتها البتراء في الاردن الآن، واضح في الاصحاح الثاني من أعمال الرسل. أعمال الرسل والأناجيل واضحة أيضاً عن انتشار اليهودية في مناطق عديدة أيضاً، من روما الى تسالونيك، الى أفسس، إلى صيدا وصور، إلى حيفا ويافا، إلى الاسكندرية، الى ليبيا. فكلمة قيروان (الاصحاح الثاني من أعمال الرسل) ترجمة غير صحيحة. فالقيروان موجودة في تونس اسسها العام 721م عقبة بن نافع. المقصود هنا كيرينا، عاصمة ليبيا، حيث كانت توجد جالية يهودية مهمة وكان الناس ينطقون باليونانية. فإذاً الانتشار اليوناني لم يعد مرتبطاً بالعرق اليوناني وبأثينا، فالشعوب صارت تتكلم اليونانية وتتثقف باليونانية وسبقت أثينا في اليونانية، وآباء الكنيسة ليسوا من أثينا.
انجيل طقسي
آباء الكنيسة من شرقي المتوسط ومن جنوبه. الآباء القدامى الذين كتبوا باليونانية ليسوا من أثينا. لذلك فالأناجيل كُتبت في مناطق معينة.
انجيل متى الآرامي مفقود. ليس لدينا الا النص اليوناني. النص اليوناني مكتوب بلغة يونانية لابأس بها. مكان الكتابة مختلف عليه. هناك مَن ويعرض التعليم المسيحي الذي هو أكمل بما لايُقاس من ناموس موسى يقول إنه تُجم في فلسطين، وهناك من يقول إنه ترجم في فينيقية، أو في سورية حيث كانت هناك احتكاكات بين اليهود والتبشير المسيحي. فإنجيل متى اليوناني الذي هو وحده بين يدينا هو بدون شك أطروحة مهولة جداً بدون جدل، مثل بولس في رومية وغلاطية والعبرانيين. بدون هذه الجدلية مع اليهود يعرض حياة المسيح بصورة لايبقى لموسى مكان إلا مكان العبد مثلما سمته الرسالة الى العبرانيين، ويعرض التعليم المسيحي الذي هو أكمل بما لايُقاس من ناموس موسى، ويعرض يسوع ابن الله المتجسد المولود من العذراء الذي هو أعظم من موسى بما لايُقاس، ويعرض عجائب المسيح التي هي أعظم من عجائب موسى بما لايُقاس أيضاً. فالفرق واضح جداً. ومن هذه الناحية إنجيل متى انجيل تبشيري ضد اليهودية وهو انجيل قوي جداً. وفي الكنيسة إنجيل محترم جداً وأقدم الأناجيل وأكثرها استعمالاً في الكنيسة منذ القدم. ووثيقة “تعليم الرسل القديسين” الذي يُقال إنه مؤلَّف مابين سنة 50-100 (والعلماء مختلفون) أورد “أبانا الذي في السموات” من إنجيل متى وليس من إنجيل لوقا، وباليونانية ايضاً.
الكتاب المقدس
من المعروف أن انجيل مرقس كتب في روما. وفي روما كانت اللغة اليونانية منتشرة بقوة، ورسالة بولس إلى أهل رومية مكتوبة باليونانية. فاليونانية كانت معروفة جيداً في روما. إنجيل لوقا على الأغلب مكتوب في منطقة تتكلم اليونانية، وربما في منطقة من بلاد اليونان أو تركيا والبت بذلك ليس بالأمر السهل. ولكن لوقا كتب بلغة يونانية جيدة لأناس يتكلمون اليونانية، من جهة إنجيل يوحنا، من المعروف أنه كُتب بأفسس. ورسائله كُتبت في أفسس، والرؤيا في بطمس، وهذه بلاد تتكلم اليونانية. بولس الرسول رسائله خرجت من أفسس، والرؤيا في بطمس، هذه بلاد تتكلم اليونانية. بولس الرسول رسائله خرجت من أفسس، ومن كورنثوس، ومن مكدونية، ومن روما، ومن مناطق يونانية أخرى تتكلم اليونانية اجمالاً، ولناس يتكلمون اليونانية. رسالة بطرس الأولى كثتبت في روما باليونانية، والكاتب هو سلوانس رفيق بولس في الأسفار وفي التبشير. رسالة يهوذا باليونانية ولانعرف من أين.رسالة يعقوب الرسول كُتبت باليونانية، ويعقوب كان أسقفاً على اورشليم، ولكن كان في اورشليم مَن يجيد اليونانية. والأصحاح السادس من أعمال الرسل يتكلم عن الشمامسة المقامين لخدمة الأرامل الناطقات باليونانية. وأسماء الشمامسة يونانية. يخدمون أرامل ناطقات باليونانية في اورشليم. رسالة بطرس موجهة الى شتات موجودين في آسية الصغرى.
من جهة بولس الرسول نفسه، فهو موجود في طرسوس عاصمة كيليكيا التي كانت تنطق باليونانية. تربَّى في أورشليم، وتعلّم الديانة في أورشليم على يد غمالائيل المشهور، ولكنه يتكلم باليونانية والعبرية والآرامية. وبولس بشَّرَفي دمشق، بشَّر في منطقة العربية أي منطقة الأنباط ربما تعدَّى حوران فقد وصل الى الأردن، لأن العربية تعني منطقة البتراء، ولاتعني الحجاز. وبشَّر في مناطق تتكلم اليونانية.
العهد الجديد باليونانية
الرسل القديسون، بعد اغتيال يعقوب أخي الرب، بقوا في اورشليم، ولكن الاخوة هاجروا، وهربوا الى السواحل، واتشروا على السواحل حتى بلغوا أنطاكية، وكانوا يبشرون اليهود فقط. إنما في أنطاكية بشَّروا اليونانيين. فإذا السواحل الفلسطينية، اللبنانية، السورية حتى أنطاكية وحتى كيليكية ولواء اسكندرون كانت تتكلم اليونانية وكان فيها جاليات يهودية. كما كانت توجد في الداخل جاليات يهودية أيضاً. فكانوا يبشرون هؤلاء اليهود.
في مصر نسيَّ اليهود الآرامية والعبرية فتُرجم العهد القديم الى اليونانية قبل الميلاد بمئات السنين، وهذه الترجمة هي التي كانت منتشرة بين اليهود في الشتات. إذاً هذه مسألة مهمة.
هناك الأسفار التي يسميها الكاثوليك في ترجمتهم العربية “القانونية الثانوية”، والتي هي كتب تلاوة عند الأرثوذكس، وهذه مكتوبة باليونانية لا بالعبرية، واذا كان لبعضها أصل عبري فنحن نجهل هذا الأصل العبري. فإذاً اللغة اليونانية لغة الحضارة والمدنية والثقافة في الحوض المتوسط، فلا غرابة أن تكون الأناجيل والرسائل قد كُتبت بها. وكلغة حضارية وثقافية كانت تشبه الانكليزية في انتشارها اليوم، مع فارق أن اللغة اليونانية لغة فكر وأدب على مستوى ثقيل أثّرت في الآداب والفكر العالمي. فلا يوجد فكر عالمي اليوم غير متأثر بالفكر اليوناني. والأوربيون يقولون عن بلادهم إنها بلاد الحضارة اليونانية الرومانية المتنصرة. أي ان اليونان والرومان والمسيحيين هم الذين صنعوا اوربة ثقافياً ودينياً وفكرياً ومن كل النواحي. ولذلك فكتابة
الانجيل المقدس
الانجيل والرسائل وأعمال الرسل باللغة اليونانية لاتستدعي الاستغراب أبداً بسبب انتشار المسيحية في مناطق تتكلم اليونانية في أعمال الرسل ورسائل بولس نرى نشاطاً لبولس واسعاً جداً في آسية الصغرى وفي أنطاكية، وبشر في بلاد اليونان والمسيحية تركت في هذه المناطق مع سورية الطبيعية آثاراً كبيرة جداً”.
منذ عيد دخول السيـدة العذراء مريم الـى الهيكـل نبـدأ بترتيـل الـمـسيـح ولد فمجدوه، ننتظـر الـمـولـود الجديـد، ومنذ عيد القـديس الشهيد اغنـاطيوس الأنطاكي في 20 ديسمبر يقـوى اتجاه الصلـوات الى العيد، وعشيـة الـمـيلاد نقيـم البارامون وهــو الوقفـة الروحيــة والانشاديـة لاستقبال الـمخلص، الكنيســة تشدنـا الى الفادي الآتي طفلًا لينـمو بيننـا كواحد منـا . كيف نستعد لـه؟ هذا هو السؤال الكبيـر، فهل يكون العيد لنـا مجرد ذكرى نقيمها مع اطفالنـا بالهدايـا والطعـام والشراب والرموز الـمـستوردة التي اخذنا نألفها ام نصبـح اعمـق من ذلك فيصير القـلب هو الـمــذود والتـوبـة هي الـرؤيـة والتجدد هو القـرار والالتـزام. غير ان أهميـة هذا العيد ليست في العيد نفسـه ولـكن بمعنـاه فهو إطلالـة الله علينـا بمـوسم وبغيـر مـوسم، فالحياة فيها الحزن الشـديـد والإخفاق يتـلـو الإخفاق وفيـها الخطايا الكثيرة. قد لا يشتـهي الأكثـرون التقدم في الصلاح وقـد لا يتمنى الأكثـرون الكمال وربما لا يتحرك العديـدون بفكـرة الـمحبــة ولا يحلمـون بتحقيـق الفضيـلـة فيـهم. ولعـل الجرح البليغ ليس في هذا ولكنـه في اننـا ننظر الى الكنيسـة في حالها الحاضرة ولا نرى انها تغيرت بالقدر الكافي الذي يغيرنا؛ فالضعف في كل مكان وكذلك الكسل والجهـل وإرادة البقاء في الجهـل.
المطران جورج خضر
اللاهـوت يقول ان الكنيسـة مدخل الى الـمـلكوت، بأي معنى؟ اعضاؤها فيهـم ملكـوتيـون، واللاهـوتيون الـمـدركون عمـق الارثوذكسيـة يقـولـون أن الذي الله يسكن بداخله هو وحده ينتمي الى الكنيسـة، اما البـاقـون فقد اختـاروا ان يعيشـوا بلا إلـه ولـو حضروا قداسا او عمّـدوا اطفالـهم او تنـاولـوا إكليل العرس.
عيد الميلاد يقترب، مَن حَفظَ هذا الصوم تهيأَّ له، ومن لم يحفظه حتى الآن فليبدأ اليوم، وفي كل حال نستطيع جميعا ان نتجه الى المولود بحيث لا نترك صلاتنا ولا سيما صلاة الجماعة ايام الآحاد المتبقية وبحيث ننصرف الى قراءة الكلمة.
اما اذا جاءكم العيد زينةً لبيوتكم فقط او فرصة للمآدب وظهور اطفالكم بالثياب الجميلة تكونون قد عَبَرتم عن فقير الناصرة الى تأمل وجوهكم ومنازلكم واصدقائكم، يكون، إذ ذاك وُلد المسيح لمن يتقبله في البساطة والانكسار.
اذكروا ما قاله الملاك للرعاة: “ولد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب”، فهل ولد لك انت شخصيا، ام الحادثة تخص البشرية بمجملها وانت غير معني؟ هل انت ملتزم الميلاد باعتباره عيدك الشخصي؟.
فالإنجيل يـركّز على ان العهد القديـم (“موسى والأنبياء والمزامير”) تحدَّثَ بالرمـوز عـن السيد، غير أن الكنيسة رأت أن العهد القديم ليس وحده الذي يهيئ لاستقبال السيّد ولكن الانسانية كلها.
لذلك وضعت أحدين تحدّثنا فيهما عن تمخّض الإنسانية بيسوع الناصري: أحد الأجداد وأحد النِسْبة، في أحد الأجداد تذْكر الإنسانية من قَبل إبراهيم، اي انها لا تحصر المسيح في أمّة اليهود، و آدم هـو أبـو الانسانيـة جمعـاء، والفكـرة المسيطـرة على أحـد الأجداد أن البشـريـة كلها كانت تنتظـر مخلّصا، البشريـة كانـت تطلـب تطـهّرا وإنقـاذا، هذا لم يصر واضحا إلا بالمسيح ولم يُنفَّذ إلا بالمسيح.
القلب التائب هو الذي يحتضن المسيح. ولذلك أَلِفَت الأجيال المسيحية ان تُنـهي صيام الميلاد باقتبال سر التوبة، القلب ينبغي أن يصير مريمًا أخرى، كما يقول القديس مكسيموس المعترف.
كيف نسمع ان قبعنا في بيوتنا صباح العيد ولم نشترك في الذبيحة الإلهية؟ مسرات الدنيا، سهرة العيد، زينته ليست هي العيد، الأضواء الكهربائية في البلد ليست هي العيد، من أحب هذه الأشياء فلتكن له، ولكنها خارجية. العيد هو يسوع الذي نسمعه ويخاطبنا ويضع فرحه فينا.
هناك شيء آخر يلازم العيد وهو ان يسوع كان صغيرا، كيف نترجم ذلك لأنفسنا؟ ليس في كنيستنا ابتهاج خاص بالأطفال، ولكن الذين جعلهم الله همه هم صغار النفوس، الأذلاء الفقراء المعذبون، هؤلاء يلازمهم الطفل الإلهي، يحملهم في قلبه.
ماذا نعمل نحن لنعزي المنكسري القلوب، المتروكين في الأرض الى عزلتهم، الذين لا يتمتعون بدفء العاطفة؟هذا هو العيد الذي يدفعنا إلى أن نسعى إليهم. الميلاد تربيتنا على المحبة، هذه تمارسها في الحقيقة حولك، كل يوم، بدقة وفي رقة يسوع حتى يشعر كل هؤلاء انهم اخوة له، اي مخلوق تحتضنه انت احتضانا صادقا وفعالا تجعله يحس بأنه ليس بعيدا عن المسيح. جاء المجوس الذين “فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرّا”، واللافت في سجود المجوس له انهم كانوا من عظماء القوم، ملوكًا او علماء، ان احتسبوك أنت كبيرًا في قومك او كنتَ مثقّفًا عميقًا فلستَ على شيء ان لم تكتسب تواضع المسيح، ان لم تقتنع انك به تتكوّن، ان لم تحاول أن تبلغ “فكر المسيح”. ما عداه غواية ولو كانت مجدًا ساطعًا او علمًا غزيرا او جمال جسد. كل شيء يفنى أمام هذا الطفل الصغير المرمي في مذود. انه صنع مجده بدءا من هذا الوضع الحقير. وقد شرح ذلك الملائكة للرعاة: “المجد لله في العلى”. ما عدا ذلك أمجاد يصطنعها الناس ليعظموا في عيون الذين يشبهونهم او من كانوا أدنى منهم. لن تدخل سرّ المسيح ما لم تنزل عليك مزاياه، فإذا تمسحَن قلبك تدرك ما في قلبه، وعند ذاك يصير فكرك مسيحيا اي انك تصير في حدود بشريتك مستضيفا المسيح، بهذا تعرف انك وُلدتَ من السماء، فإذا ظهر عليك بمجده ورأى الناس وجهك مضاء بنعمته يحسّون وكأنهم رأوا وجه المسيح، ان أردت ذلك كان لك ميلاده ميلادا لك كل يوم، وكانت كل سنة لك سنة جديدة.
فتح القسطنطينية… ونسمي القادة بالفاتحين…خالد بن الوليد… ابوعبيدة بن الجراح …عمرو بن العاص…موسى بن نصير… وطارق بن زياد….محمد الفاتح… برغم مافعلوه من منكرات ينأى الدين عنها…
الفتح كلمة استعلائية يظهر بها المنتصرون استعلاءهم على المهزوم وغالبا المهزوم هم الشعوب التي ليست بيدها ابسط الاسلحة للدفاع وليست الجيوش كما دمشق عندما دخلها ابو عبيدة من باب الجابية صلحا وخالد من باب شرقي حربا لم يكن فيها اي جندي رومي … وفي هذا هدر الكرامة الانسانية ففي فتح دمشق مثلا وبقية المدن السورية والاسكندرية كانت هذه المدن مشاعل حضارية تمتد الى آلاف السنين وليست مضارب بدو…قدمت الثقافة والحرف و… الى البشرية كلها
الفتوحات…
القسطنطينية كانت لعشرة قرون تحمل مجد الامبراطورية الرومية وريثة الامبراطورية الرومانية في المساحة ومعلمتها في الثقافة الاغريقية والفن والايمان…
الفتح لماذا بهذا المصطلح نسمي العمليات العسكرية التي قامت في القرن السابع الميلادي علي ايدي العرب بعد وفاة النبي محمد والتي ادت الي اتساع رقعة الامبراطورية العربية لتبلغ جبال البرانس في الغرب وسيانغ في الشرق خلال خمسين عام… هل هي فتح ام غزو ؟!
الم يكن غزواً اقتصادياً كما صنفه علماء التاريخ من مسلمين وسواهم…قصد به المسلمون الحصول على المنافع الاقتصادية كالجزية والغنائم من أموال ومتاع وجواري وعبيد؟ ولم يلزموا سكان المناطق المفتوحة على اعتناق الاسلام اقله في القرنين الهجريين الاولين…
وهناك من المؤرخين من مسلمين وسواهم من اعتبر الفتوحات الاسلامية هي غزواً استعمارياً امبريالياً بمفهوم اليوم والسيطرة على أكبر منطقة في العالم…
البعض يجاهرون بأنهم فتحوا المناطق لدحر الكفار ونشر لواء الاسلام الحنيف بينهم وتعليمهم الدين…
ليس هذا مجرد تحديد مسمى لا معنى له فكل مسمى له دلالة مختلفة فيما يحوي عقل كل فريق عن التاريخ والدين .يري انصار كلمة الفتح أن العمليات العسكرية التي تمت كانت تحمل رسالة روحية واخلاقية وهي الاسلام ولم تكن من اجل الاستعمار البحت واخلاقية الهدف هذا الذي ينفي عنها صفة الاحتلال وفرض القوة لكن اي من اصحاب المشاريع الامبراطورية في التاريخ الانساني لم يكن يدعي انه صاحب رسالة يراها اخلاقية فنحن نجد التتار يرون انفسهم بانهم عقاب الله علي الامم الظالمة ونجد الاسبان والبرتغالين يبررون غزواتهم البحرية والامريكتين تحت مسمي حماية المسيحية والتبشير وانجلترا وفرنسا كانتا تبرران استعمارهما للعالم الثالث تحت غاية نقل التمدن والحضارة للامم المختلفة والولايات المتحدة غزت العراق تحت مسمي نشر الديمقراطية فيها لايوجد اي امة لم تبرر غزوها تحت هدف وغاية تراها سامية بل حتي في النفس البشرية وعند اعتى الناس شراً وعدواناً واجراماً قد يري شره لغاية خيرة هو يراها، كذلك لم يوجد انسان قال انه افتعل العدوان والاذي من اجل الاذى والشر كغاية، الا إن كان هذا الانسان سيكوباتياً مريضاً ولم توجد أمة افتعلت الغزوات لانها تحب الدمار واستعباد الاخرين لو وجد لكانت أُمة من المجانين.
وكذلك المعاملة الحسنة لاهالي البلدان المغزوة لاتنفي عن الغزاة صفة الغزو، وان كانت تلك المعاملة نسبية وتختلف بحسب المغزو والغازي فماذا لو قلبنا الوضع وقلنا مثلا أن بلدا مسلماً غزاه غيرُ المسلمين وفرضوا شريعتهم عليهم ومنعوهم من الوظائف العامة، وفرضوا عليهم الجزية وخراج الارض والتبشير بديانتهم، ومنعوهم من بناء المساجد واصلاح ماتهدم منها، والزموهم بلبس الازرق والاسود كعلامة تمييزوان يضيقوا عليهم في الطرقات والشوارع فيسيرونهم في الطاروق مع الدواب، ويحملونهم تحت الضرب والاهانة الامتعة والأحمال؟؟؟ هل هذه المعاملات وقتها ستسمي بالمعاملات الحسنة والعادلة… لكن هذه المعاملات هي السياسة التي اقرها عمر بن الخطاب مع اهالي البلدان المغزوة وهي تدرس في الفقه الاسلامي تحت باب احكام ومعاملات اهل الذمة.
لكن الدلالة الخطيرة على كلمة فتح أن اصحابها يرون انفسهم فوق البشرية، وانهم الأمة القائدة لهم والفتح وماترتب عليه هو غاية نبيلة لذاته لانه من الدين، ولايخضع لاية رؤية انسانية أو تاريخية أو اجتماعية لقراءته ونقده لفهم اسبابه، وبالتالي فإن فعل الغزو هو خارج إطار الزمنية لانه مرتبط بالدين، والدين منسوب لله الذي نحتكره لنا، وهو لايخضع لا لزمان ولالمكان، وبالتالي تلك الافعال لاتنقضي بزمنٍ انما تَصلح لهم اذا ماسنحت لهم القوة فقط… أن انصار معني الفتح يرون انفسهم خارج اطار البشرية بل انهم فوقها لانهم أصحاب رسالة سامية. وهذا الفكر مكمن السر وراء التأخر والتخلف الذي أصابنا لاننا عزلنا انفسنا عن المجتمع الانساني بأوهام صنعناها للاستعلاءعلى هذا المجتمع الانساني بأننا كنا خير أمة اخرجت للناس، وان البقية كفرة…! بالرغم من لهم دينهم ونحن لنا ديننا ولو شاء ربنا لخلقنا بدين ومذهب وشكل ولون واحد… وكذلك هو المعين الفكري الذي ينضح بجماعات العنف والمسلح والارهاب محاولة استعادة مجد الاسلام بالقوة وربطها بأفعال السلف الصالح من السلفيين الاوائل على حسب القوة المسلحة لهذه الجماعات التي كفرت الآخر… ونحمد الاله أن الاصولية لم تمتلك جيشاً مسلحاً حديثاً او تكنولوجيا متطورة تمكنها من صنع السلاح النووي وان كانت قد استعملت السلاح الكيماوي بكثرة في اغلب مناطق سورية (جبهة النصرة وداعش والاسلامي التركستاني والعزة والفتح…الخ) اوبلداً قوياً مثلما امتلك النازيون المانيا لئلا لكان العالم في خراب وحروب ودمار…
ليس اختلاف المسمى هو الفرق انما اختلاف بين نقد الذات الجماعية ومراجعة للماضي لنتعلم منه وبين عبودية التاريخ المقدس…
اليوم مصر اول الدول العربية التي الغت مصطلح الفتح من مناهجها التعليمية، ومنذ سنتين اجتمع اتحاد المعلمين العرب وأوصى بإلغاء هذا المصطلح لأنه يحض على كره الآخر والاستعلاء عليه…ووقته سرب الى العلن ان 13 دولة عربية تسعى الى الغاء هذا المصطلح من مناهجها التربوية لعل اولها سورية المكتوية بنيران السلفية والوهابية منذ ثمان سنوات دمار ودماء وتهجير وموبقات…لعلنا نحذو حذو مصر…
سورية…بلادي هواها في لساني وفي دمي … يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
أصل التسمية
إن كلمتي ( سوريا ) و (سورية) صيغتان عربيتان لمسمى واحد و تعني : السيدة العلية …
إذ أنّ (سر) تعني السيد العليّ، الملك، الرب … و مؤنثه: (سري ) و (سرت)
و سراة القوم : سادتهم، و السراة: الجبال المرتفعة، و السرو الشجر المرتفع …
ومنها جاءت كلمة SIR الإنكليزية بمعنى (السيد) … و إذا ما أضفنا نون الجمع تصبح ((سرن)) أي سوريين أو سريان بعد إضافة الصوتيات (لأن العربية القديمة لم تكن تكتب الصوتيات ا، و، ي ) و تعني : السادة …
من (سري) جاء اسم البلاد (سوريا) ومن (سرت أيضاً مؤنث سر) جاءت الصيغة الثانية لاسم البلاد (سورية) لكن بعد الاستعمار الأوروبي للمنطقة وتقسيمها سياسياً حافظ قسم من سوريا الطبيعية على اسمه (سورية) وهو القطر العربي السوري . أما (سوريا) فتطلق على سوريا الطبيعية التاريخية التي كانت تشمل قديماً المشرق العربي كله حتى زمن هيرودوت الذي كان كثيراً ما يستخدم كلمة (سوريا) بدلاً من آسيا، وكانت تمتد من حوض البحر الأسود وجبال القوقاز شمالاً إلى بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً. (تاريخ هيرودوتس، المجلد الأول، الكتاب 16، ص151وص 20 و ص 171.) وهي الحدود ذاتها للدولة العربية السورية التي أسسها سرجون وهي ذاتها حدود الدولة البابلية والآشورية والحدود نفسها التي استعادتها زنوبيا .
هم أكبر أقليّة في العالم، و هم أمّة كبيرة وذات تاريخ عريق، حيث يبلغ عددهم تقريباً 26,712000، وقدمت هذه الأقليّة العديد من االرجالات عبر تاريخها، يجمع الاكراد عرق بشري واحد، كما يؤكد البعض انهم من الشعوب الإيرانية (الطوالش · الكيلانيون · الهزارة · الفرس · الطاجيك)
ويقول مؤرّخوا الأكراد بأنّ الأكراد يمتدّون من العرق الآري، كبقية سكان المطقة الاصليين فهم من الميديين، كما يشير إلى ذلك نشيدهم الوطني الحالي إلّا أنّ المؤرّخ الكردي محمّد أمين زكي يشير إلى وجود أصلين للأكراد والطبقة الأولى هي التي قطنت في كردستان منذ فجر التّاريخ وهذه هي الأصل القديم للكردستانيين، والطّبقة الثانية هي الشعوب الهندوأوروبية الّتي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد وسكنوا فيها ومنهم الميديون. وامتزجت الطّبقتان معاً لتشكّلا الشّعب الكردي الحالي.
يختلط الاكراد بالأكثر مع الاتراك والعرب والايرانيين والاقل مع الارمن…
اصل تسمية كردستان
مناطق انتشار الاكراد في شمال وشرق سورية مشروع الكيان الانفصالي
كردستان كلمة تتألف من كلمتين؛ (كرد) و(ستان)، ومعناههما بلاد الكرد، وهو مصطلحٌ يستخدمه الأكراد للإشارة إلى منطقتهم الجغرافية التي يرون انها تمتد في العديد من الدول وهي مشروع دولتهم المنشودة، واستخدم مصطلح كردستان لأول مرة في العصور القديمة من قبل الآشوريين، وتشمل كردستان أربعة أجزاء أساسية، هي: كردستان تركيا، وكردستان إيران، وكردستان العراق، وجهة شمال وشمال شرق سورية، بالإضافة إلى أجزاء صغيرة على حدود أرمينيا الجنوبية.
تقدم أول شهادات لمصطلح “كرد” في وثائق الفارسية الوسطي مصطلح “الكردي”ببساطة يشير للبداوة ولساكني الخيم ويمكن تعميم هذ المصطلح على أي مجموعة عرقية إيرانية لها صفات مماثلة. في المصادر الإسلامية المبكرة الفارسية والعربية أصبح مصطلح كردي مرادفا لخليط منالقبائل البدوية الإيرانية و القبائل والمجموعات متإيرنة (Iranicized) بدون أي صلة بأي لغة إيرانية.
موقع كردستان
ان موقع كردستان هو في منطقة جغرافية جبلية، لها حدود طبيعية تقع جغرافياً في الجهة الجنوبية من جبال آغري، وتحديداً بين جنوب شرق البحر الأسود، وجنوب غرب بحر قزوين. وتقع فلكياً بين دائرتي عرض 34 درجةً و39 درجةً شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 37 درجةً و46 درجةً شرق خط غرينتش، ويحدها كلٌّ من جبال طوروس، وجبال ماردين السفلى، والهضبة العليا لما بين النهرين، والجزيرة.
معلومات عامة عن كردستان
ميليشيا قسد
تبلغ مساحة الاراضي التي يسمونها مشروع كيانهم 409.650 كم²، حيث تقسم أراضيها كالآتي: 194.400كم² في تركيا. 124.950كم² في إيران. 72.000كم² في العراق. تعتبر قمة جبل آغري الكبير أعلى جبال كردستان؛ حيث تبلغ ارتفاعها عن مستوى سطح البحر 5.258 متراً. تمتاز بمناخ متنوع، حيث يسودها المناخ الشبه الاستوائي في السهول، والمناخ القاري قي الوديان الوسطى. ينبع منها العديد من الأنهار كنهر دجلة، وأراس، والفرات، وقيزيل أوزان، والزاب الكبير، والزاب الصغير.
اللغة
تقسم لغة الاكراد إلى عدة لغات و منها يمكن بدء الحديث عن تاريخهم في العالم ككل حيث يتحدث الأكراد اللغات الكردية والظاظا الكورانية بأشكالها المختلفة:السورانية، والكرمنجية، والفيلية، والكردية الجنوبية واللكية، والظاظاكية، والباجيلانية، والكورانية بالإضافة إلى لغات أخرى حديثة التعلم وهي:العربية، والتركية، والفارسية.
الدين يدين غالبية الأكراد بالدين الإسلامي من طائفة السنة التابعة للمذهب الشافعي، وأقلية تدين بالدين الإسلامي الشيعي، اما اقلية الاكراد منهم الملحدون والديانات اللاأدرية، اليزيدية، المجوسية، المسيحية، اليهودية…
تاريخ الاكراد هناك طبقتان من الكرد الطبقة الأولى
ويُرى انها كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ واسمها”شعوب جبال زاغروس” و أن شعوب لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري (أو حوري)، نايري، هي الأصل القديم جداً للشعب الكردي. الطبقة الثانية
هي طبقة الشعوب الهندو- أوروبية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، وهم الميديون والكاردوخيون، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معاً الأمة الكردية.
ينحدر الأكراد من الميديين الآريين و هم أحد أهم جذور الشعب الكردي ويدل نشيدهم الوطني بوضوح إلى أن الأكراد هم أبناء الميديين .
هاجر الميديون بحدود سنة 1500 قبل الميلاد من نهر فولغا شمال بحر قزوين و استقروا في الشمال الغربي من بلاد فارس و اسسو مملكة ميديا و اعتنق الميديون الديانة الزردشتية و قد قام بعد اكثر من 850 سنة من هجرتهم بدحرهم من الملك الفارسي كورش والإطاحة بحكمهم، و كونوا بعدها مملكتهم الخاصة “الإمبراطورية الأخمينية” وبعد ذلك تم تشكيل كيان آخر للكرد يسمى مملكة كوردوخ هي ثاني كيان كردي مستقل لفترة ما يقارب 90 سنة (من 189 إلى 90 قبل الميلاد)، بعدها سيطر عليها الأرمن، ثم الرومان عام 66 قبل الميلاد وحولوها إلى مقاطعة تابعة لهم، ثم الفرس.
ينقسم الأكراد إلى عدة مناطق و أقاليم في العالم وفق النسب والاعداد التالية
أكراد سورية 8% من مجموع سكان سورية ، أكراد العراق12% من سكّان العراق، أكراد إيران: 6% من السكّان، واكبر نسبة في تركيّا: 20% من مجموع سكّان تركيّا . أكراد أرمينيا: يشكّلون 15% من مجموع سكان أرمينيا. كما أنّ الأكراد يتواجدون في الأردن ولبنان وغيرها من الدّول.
اما عدد الاكراد 27.380.000 وفق احصائية 2012 ويتوزعون بجميع مسمياتهم (كرمانجي ومتحدث التركية و جنوبي و سوراني و زازا دملي و زازا الفيكا و حركي و هورامي و باجلاني و شكاكي و شبك و سارلي و بنفس المسميات تقريبا
في تركيا
15.016.000
وفي ايران 4.398.000
وفي العراق بأغلبية من المسميات 3.916.000
أما في شمال سورية بلغ عدد الكرمانجي معتنقي الديانة الإسلاميةالسنة ما يقارب 1.661.000
و يتفرق الاكراد بباقي دول الشرق الاوسط كما يلي الكويت 271,000 كردي سوراني لبنان 119,000 كردي كرمانجي البحرين46,000 كردي كرمانجي الأردن 4,600 كردي كرمانجي
في آوربة ألمانيا 542,000، منهم 537,000 كرمانجي، 5,000 زازا-الفيكا. فرنسا 82,000 كردي كرمانجي هولندا 72,000 كردي كرمانجي بلجيكا 27,000 كردي كرمانجي المملكة المتحدة 25,000 كردي كرمانجي النمسا 24,000 كردي كرمانجي إيطاليا 12,000 كردي كرمانجي الدنمارك 11,000 كردي كرمانجي السويد 11,000 كردي كرمانجي سويسرا 7,700 كردي كرمانجي فنلندا 6,100 كردي كرمانجي النرويج 4,900 كردي كرمانجي أوكرانيا 2,000 كردي كرمانجي إسبانيا 900 كردي كرمانجي البرتغال 200 كردي كرمانجي بلغاريا 200 كردي كرمانجي
وفي بلدان أخرى مثل
الولايات المتحدة الأمريكية 58,600، منهم 50,000 كرمانجي، 8,600 سوراني. أستراليا 17,000 كردي كرمانجي كندا 6,900 كردي كرمانجي
ومن أهم ما يذكر أنهم من عرق ايراني فارسي حيث يبلغ تعدادهم في ايران4.398.000 اي ما يشكل 16 % من أكراد العالم حيث شارك الكرد في ايران بكتابة الدستور بعد قيام الجمهورية الاسلامية في ايران شتاء 1979إحتلال شمال العراق من قبل الأكراد.
العادات و التقاليد والموروثات
عاداتهم في الزواج
يتميّز الأكراد بأنّ الشاب و الفتاة يجب أن تكون بينهم قبل الزواج علاقة قويّة مبنيّة على الحبّ الشديد الّذي يصل إلى العشق، وتبدأ هذه العلاقات على الأغلب في حفلات الزّفاف، ولا يتزوّج شاب فتاة إلّا بعلاقة عشق قويّة قبل الزواج، وإذا عرف الشاب أنّ أهل العروس لا يعارضون الزّواج، يذهب أهله من دونه ليطلبوا الفتاة. وتستمرّ فترة الخطوبة مدّة شهرٍ واحد فقط، ولا يسمح للشابّين الانفراد خلالها من دون وجود أحد، ومن العادات الغريبة عند الأكراد أن يقوم مجموعة من الشباب بخطف العروس وإخفائه في مكانٍ لا يعرفه أحد، وذلك حتّى تتنازل العروس من هيبة زفافها لتترجّى الخاطفين أن يعيدوا لها عروسها تبدأ في حفل الزّفاف حلقات الرّقص المختلطة بين الرّجال والنّساء؛ حيث تبدأ الموسيقى بالعزف بينما يرقص الأكراد مرتدين ملابسهم الشعبيّة التقليديّة الفضفاضة والملوّنة المزركشة، و هي ملابس تنتفض مع هبّات الهواء وتنتفش، وخلال حفلات الزّواج تكون بداية العلاقات والتّعارف بين الشباب والفتيات والّتي تنتهي بالحبّ والعشق، ويليه الزّواج. وعندما تزفّ الفتاة إلى بيت زوجها لا تكون بصحبة زوجها، وإنّما ينتظرها العروس على سطح بيت الزوجيّة، وعند وصولها مع المجموعة يبدأ برمي الحلوى عليهم وخصوصاً على عروسه، وذلك ليظهر أنّه قادر على إعالة المنزل والقوامة عليه.
عاداتهم في الوفاة
يحزن الأكراد على الميّت من غير لطم أو نواح، وإنّما يكتفون بالبكاء الصّامت وختمة القرآن والدّعاء للميّت.
اغاني الأمّهات للأطفال
غالباً ما تتحدّث اغانيهم عن أنّ الأب في الحقل وسيعود قريباً، أو أنّ الأب مسافر وسيعود بالهدايا والأشياء الجميلة للطّفل.
الأغنية والأمثال الشعبيّة الكرديّة
غالباً ما تتحدّث أغانيهم عن آلام الغربة، وعن الاشتياق إلى الوطن، وعن الشتات في البلاد، و كذلك عن أيّام الفرح والسّعادة للأمّة الكرديّة، وعن البطولات الكرديّة، وكذلك عن الحوادث والقصص الشعبيّة الّتي تتحدّث عن العشق والغرام وغيرها من المواضيع. أمّا أمثالهم فكلّها تدور حول الحياة اليوميّة، والظّروف الاجتماعيّة التي تكون غالباً مشحونةً بالكدح والتّعب من أجل توفير أسباب المعيشة.
الملابس التقليديّة
يرتدي الرّجال البشماركة: وهي اللباس العسكري الكردي، ويتكوّن من شماغ أحمر يلف بطريقتهم الخاصّة وتحته طاقيّة صوفيّة، كما يرتدون الشروال الّذي له شيّالان، كما يرتدون سترةً ويحيط وسطها بحزام. أمّا النّساء فيرتدين الفساتين الواسعة المزركشة بالزّهور وبالألوان الزّاهية والفاقعة، ويتفاخرن بهذه الملابس.
الأدوات الموسيقيّة الكردية
يستخدمون العديد من الأدوات الموسيقيّة، منها: البزق: وهو عود عدد أوتاره 24 وتراً. الطنبورة: وهي عود عدد أوتارها 12 وتراً. الزورنا والطّبل.
المأكولات
شوربة العدس حيث تعدّ مفضّلةً لديهم، وتُشرب في أيّام الأعياد الوطنيّة. يستخدمون البرغل بدلاً من الأرز. يفضّلون اللبن، حيث إنّه لا يفارق موائدهم…
إحتلال الاكراد شمال العراق ونشوء مايسمى كردستان العراق في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق عقب حرب الخليج الثانية،وتشكيل الولايات المتحدة لمنطقة حظر الطيران على العراق التي أدت إلى نشأة كيان إقليم كردستان محمي من القوات الاميركية في شمال العراق. وخصة بعد الاجتياح الاميركي للعراق ومقتل صدام حسين وحل الجيش العراقي عندها تفرد الاكراد بشمال العراق بعد انتهاء الدولة المركزية في بغداد…
ولكنهم كانوا ومنذ 1965 وعلى عهد البرازاني الاب قاموا بمحاولتهم الاولى لتشكيل كيانهم وقد كبحت الدولة العراقية هذه الحركة الانفصالية، وعاودوا المحاولة بيد البرزاني الابن اواخر عهد صدام حسين وكذلك لم يكتب لها النجاح
الفدرالية او الكيان الانفصالي في سورية
اميركا تزود الاكراد في سورية بكميات ضخمة من الاسلحة
استغل الاكراد اعتراف الدولة السورية بالأكراد كمكون اساسي سوري عندما اصدر الرئيس بشار الأسد الخميس 7/4/2011 المرسوم الرئاسي رقم 49 لعام 2011 والقاضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين كأجانب في سجلات الحسكة. وكانت مصادر سورية مطلعة قد توقعت الأربعاء الماضي أن تتم تسوية أوضاع عشرات الآلاف من الأكراد السوريين خلال أيام وذلك قبل المهلة المحددة للجنة المكلفة بدراسة إحصاء العام 1962، ووبلغ عددهم حوالي مائة الف كردي من اجانب الحسكة. واخلت سبيل الموقوفين في احداث 2004 الانفصالية علما ان معظمهم متسرب من تركيا والعراق الذين كانوا يحملون بطاقة ” اجانب الحسكة” منذ عام 1962 في الاحصاء الذي اجرته الحكومة السورية بعد الانفصال فمنحت الاكراد الاصلاء حق حمل الجنسية السورية ومنحت الوافدين واللاجئين تسمية اجانب الحسكة حيث لاحظت سعي اكراد شمال شرق سورية للانفصال. وفي عام 2004 قاموا بحركةمسلحة ضد الدولة وضد المكونات الاخرى في الجزيرة السورية ما فرض قمعها وايداع رؤوس الحركة في السجون.
الاحتلال الاميركي للشرق السوري واقامة قسد
عقب منح الجنسية السورية لأجانب الحسكة واطلاق سراح الموقوفين، استغل الاكراد الموقف واعلنوا اقامة”مجلس سورية الديمقراطية” وجناحه العسكري قسد، وابدعوا ادارة ذاتية في المناطق التي يكثرون فيها وعادوا للاعتداء على الجيش والشرطة والامن والمكونات الاخرى وخاصة المسيحية منها ما ادى الى هجرة الأخيرين المنطقة اما الى الداخل السوري او الى الشتات وبسط الاكراد بقوة ميليشياتهم كالاسايش وقسد على اراضي السكان وممتلكات الدولة والمؤسسات الرسمية فابطلوا تعليم العربية ومناهج وزارة التربية السورية فيها وغيروا اسماء المناطق الى كردية ومنعوا لوحات السيارات السورية وشكلوا ادارات كردية بدعم عسكري من الحلفاء بقيادة اميركا وفرنسا وبريطانيا…واستأثروا بالشمال والشرق السوري بتشجيع من اميركا وضموا الرقة ودير الزور حيث لاوجود كردي فاعل فيهما وسيطروا على كل حقول النفط والغاز والسيليكون وسد الفرات وسد الخابور و…بحجة محاربة داعش…
كل الدلائل تشير الى كيان انفصالي احست تركيا بخطر قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية فاحتلت عفرين وشمال حلب وهددت باجتياح منبج والمنطقة الشمالية السورية كلها…وزاد من تغقيدات الموقف اعلان ترامب سحب القوات الاميركية من سورية وعلى مايبدو فان تركيا تحاول استرجاع ما افقدتها اياها معاهدة لوزان 1923 في شمال سورية والعراق…
المخترعة السورية مريم الاسطرلابي مخترعة الاسطرلاب الاسطرلاب آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب “ذات الصفائح”. وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد. وقد رسمت السماء على وجه الإسطرلاب بحيث يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه…
بعض الإسطرلابات صغيرة الحجم وسهلة الحمل، وبعضها ضخم يصل قطر بعضها إلى عدة أمتار. وقد كانت تعتبر حواسيب فلكية في وقتها، فقد كانت تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية، مثل الشمس والنجوم، والوقت أيضا. لقد كانت تستخدم كساعات جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى. بهِ تمكنوا أيضا من قياس ارتفاع الشمس في السماء، وهذا مكنهم من تقدير الوقت في النهار أو الليل.
والإسطرلاب آلة دقيقة، تُصوَّر عليها حركة النجوم في السماء حول القطب السماوي. وتُستخدم هذه الآلة لحل مشكلات فلكية عديدة، كما تستخدم في الملاحة وفي مجالات المساحة. وتُستخدم ـ إضافة إلى ذلك ـ في تحديد الوقت بدقة ليلاً ونهاراً. وقد اهتم بها المسلمون اهتماماً كبيراً، واستخدموها في تحديد اوقات الصلاة.في وقتنا الحالي آلة الإسطرلاب المعقدة تُبنى عليها آلية عمل الـبوصلة والأقمار الصناعية ومشابهة لطريقة عمل الـ (GPS) الذي ظهر في عصرنا الحالي …
– يعود منشأ الأسطرلاب إلى كلاسيكيات اليونان حيث يرجح أن أبوليونوس الجامع والمنسق العظيم للمقطوعات المخروطية، درس إسقاط الأسطرلاب حوالي عام 225 م. يعود تاريخ الإسطرلاب إلى القرن السابع، ولكن لم يكن بالشكل الذي هو عليه اليوم…
الاسطرلاب
من هي مريم الإسطرلابي؟
عالمة لم نسمع بها من قبل و هي مريم الإسطرلابي حتى أن المعلومات التي وجدناها عنها كانت شحيحة و لكن لا بد من التعريف بها بما توفر…
هي امرأة نابغة، تتلمذت على يد والدها كوشيار الجيلي الذى كان من أهم علماء الفلك، لذلك تدرجت فى علم الرياضيات والهندسة إلى ان وصلت إلى علم الفلك، عاشت في القرن العاشر الميلادي في مدينة حلب، وعملت في مجال العلوم الفضائية في بلاط “سيف الدولة الحمداني” منذ عام 944 حتى 967م.
المخترعة السورية مريم الاسطرلابي مخترعة الاسطرلاب
إختراعها
اخترعت مريم الإسطرلابي “الإسطرلاب المعقد” ثم قامت بتطويره. وهو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب “ذات الصفائح”. وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد. وقد رسمت السماء على وجه الإسطرلاب بحيث يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه.
بعض الإسطرلابات صغيرة الحجم وسهلة الحمل، وبعضها ضخم يصل قطر بعضها إلى عدة أمتار. وقد كانت تعتبر حواسيب فلكية في وقتها، فقد كانت تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية، مثل الشمس والنجوم، والوقت أيضا. لقد كانت تستخدم كساعات جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى. بهِ تمكنوا أيضا من قياس ارتفاع الشمس في السماء، وهذا مكنهم من تقدير الوقت في النهار أو الليل. آلة الإسطرلاب المعقدة تُبنى عليها في وقتنا الحالي آلية عمل الـبوصلة والأقمار الصناعية ومشابهة لطريقة عمل الـ (GPS) الذي ظهر في عصرنا الحالي.
كلمة ختامية
إنه من العسير إيجاد دراسة عربية حول هذه العالمة السورية النابغة، وحقيقة لا أفهم سبب إخفائها عنا في مناهج التعليم السورية أو عدم الإهتمام بها، وكل هذه اللامبالاة، ولم تجاهلها التاريخ، فلم نعد نعرف من القدوات النسائية إلى أسماء غربية لا تمت لنا بأي صلة؟!
جنسانية أو جندر أو علم النوع الإجتماعي حسب بعض الترجمات في العربية بالانكليزية Gender) وهو علم الجنس البيولوجي ويعني المصطلح دراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل في المجتمع بغض النظر حول الفروقات البيولوجية بينهما وفقاً لدراسة الأدوار التي يقومان بها، أي أن المرأة والرجل ينبغي النظر إليهما من منطلق كونهما انسان بغض النظر عن جنس كل منهما. وهذا العلم لا يخص المرأة فحسب وانما يعني الرجل كذلك.
ظهر مفهوم الجندر في ثمانينيات القرن العشرين كمصطلح بارز استخدم في قاموس الحركات النسوية. ظهر في اميركا الشمالية ومن ثم اوربة الغربية عام 1988.
في غالب الحالات يرى أن المرأة هي النوع الاجتماعي الذي يحتاج إلى تعديل دوره الاجتماعي..
تشكل الجنسانية أحد جوانب الإنسانية الملازمة للإنسان مدى الحياة. وهي تجمع ما بين الجنس، الهوية النوع-اجتماعية، الدور، التوجه الجنسي، الإروتيسية أو الإثارة الجنسية، المتعة، الحميمية، والإنجاب. يعبر عن الجنسانية في أفكار، خيالات، رغبات، معتقدات، مواقف، قيم، تصرفات، ممارسات، أدوار وعلاقات.
رغم أن الجنسانية قد تشمل كل هذه الأبعاد، إلا أنها ليست كلها ممارسة أو مُعبر عنها. تتأثر الجنسانية بالتفاعل بين عوامل بيولوجية، سيكولوجة، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، أخلاقية، قانونية، تاريخية، دينية وروحانية.
“الأدوار الجنسانية، والعلاقات الجنسانية، والتمييز الجنساني، والمساواة الجنسانية، والعدالة الجنسانية، والتحليل الجنساني، والتوازن الجنساني، وتعميم الاهتمام بالقضايا الجنسانية”، هذه المصطلحات يتم تداولها بشكل واسع ضمن تقارير ومقررات وبيانات وخطط العمل والسياسات والبرامج والمشاريع التي تتبناها أو تصدرها الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة. فما هو المقصود بالجنسانية؟
مصطلح الجنسانية
مصطلح “الجنسانية”، هو مفهوم حديث نسبياً من مفاهيم العلوم الاجتماعية. ولا تشير “الجنسانية” إلى الذكر والأنثى، بل إلى المذكر والمؤنث – أي إلى الخصائص والسمات التي ينسبها المجتمع إلى كل من الجنسين. فالناس يولدون إناثاً أو ذكوراً، ولكنهم يتعلمون كيف يكونون نساء ورجالاً. والمفاهيم الجنسانية متجذّرة للغاية، وتتباين كثيراً ضمن الثقافات وفيما بينها، وتتغيّر مع الوقت. على أن الجنسانية، وفي كل الثقافات، هي التي تحدد ما تتمتع به الإناث والذكور من سلطة وموارد.
الجنسانية
بمعنى أنّ الجنسانية لأي فرد هي تجمع ما بين الجنس، والهوية النوع -اجتماعية، الدور، التوجه الجنسي، الإروتيسية أو الإثارة الجنسية، المتعة، الحميمية، والإنجاب. يعبر عن الجنسانية في أفكار، خيالات، رغبات، معتقدات، مواقف، قيم، تصرفات، ممارسات، أدوار وعلاقات. رغم أن الجنسانية قد تشمل كل هذه الأبعاد، إلا أنها ليست كلها ممارسة أو مُعبر عنها. تتأثر الجنسانية بالتفاعل بين عوامل بيولوجية، سيكولوجة، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، أخلاقية، قانونية، تاريخية، دينية وروحانية.
الجنسالجنس يشير إلى الخصائص البيولوجية التي تعرف الإنسان كأنثى أو ذكر. بالرغم من أن مجموعتي الخصائص البيولوجية هذه لا يُقصي أحدها الآخر، فبعض الأفراد يمتلكون خصائص من كلا الجنسين، إلا أنها تميز البشر كذكور وإناث. يشير مصطلح جنس في استخدامات عامة في لغات عديدة إلى “النشاط الجنسي”، ولكن لأغراض تقنية في سياق النقاشات حول الجنسانية والصحة الجنسية، يفضل التعريف أعلاه.
العلاقة بين الجنسانية والاقتصاد
هناك علاقة قوية بين الجنسانية (الجندر) والاقتصاد حيث أن مجتمع الجندر ينبغي أن تتساوى فيه فرص التعليم بين الاناث والذكور ومايتبعها من تساوي فرص العمل والأجر، كذلك هناك تساؤل حول مصير النسبة الكبيرة للإناث قياسا للذكور في كل دولة خصوصا دول العالم الثالث إلى التساؤل حول مدى الخسائر الاقتصادية الناجمة من اقصاء دور النساء عن الإدماج الكامل في نشاطات العمل ومايحمله من خسائر للدول والمجتمعات فمثلا في حالة العراق حيث تزيد نسبة الاناث في البلد عن 50 % يدفع الأمر للتساؤل حول مدى التأثير الاقتصادي، إذا تم اغفال هذه النسبة من المجتمع خاصة إذا ماتبين أن عدد المواليد من الاناث في ازدياد عن الذكور.
الصحة الجنسية
الجنسانية
الصحة الجنسية هي أن يكون الإنسان في وضع صحي من الناحية الجسدية والعاطفية والاجتماعية، في علاقة تلك النواحي بالجنسانية؛ فهي ليست فقط الخلو من الأمراض أو الخلل الوظيفي أو العجز. تتطلب الصحة الجنسية توجهاً إيجابياً ومتسماً بالاحترام تجاه الجنسانية والعلاقات الجنسية، بالإضافة إلى إمكانية إقامة علاقات جنسية ممتعة وآمنة، خالية من الإكراه والتمييز والعنف. للحصول والحفاظ على الصحة الجنسية، يجب احترام وحماية وإنجاز الحقوق الجنسية لجميع الأفراد.
ظهر مفهوم الجنسانية منذ سنوات قليلة ويعتبر من المصطلحات الحديثة في العلوم الاجتماعية، وتجمع الجنسانية بين الجنس و الهوية والنوع الاجتماعي، الايروسية والاستثارة والإنجاب والميولات الجنسية “السلوك والنشاط والانجذاب ” والتعبيرات الجسدية والرغبات وتعبّر الجنسانية عن الكينونة النفس_جسدية للإنسان التي تتشكل عنده منذ لحظة وعيه.
وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية فهناك فرق واختلاف، بين مفهوم الجنس والجنسانية. فالجنس يحيل إلى مجموع الخصائص البيولوجية التي تقسم البشر إلى أناث وذكور. أما الجنسانية فتضم الخصائص البيولوجية المميزة بين الذكر والأنثى، والخصائص الاجتماعية المميزة بين الرجل والمرأة؛ أي الهوية الجنسية، والنوعية.
أي أن الجنسانية هي نتيجة تداخل بين النفسي، والبيولوجي، والاقتصادي، والتاريخي، والثقافي، والأخلاقي، والديني.. إلخ. والجنسانية بناء اجتماعي تاريخي، وقراءة للمعطى البيولوجي، محدداً في نهاية التحليل. والجنسانية في النهاية ظاهرة اجتماعية شمولية.
المصطلحات والاستخدام
المعني التاريخي للنو الاجتماعي ” للجندر” الجنسانية هو الاشياء التي تعامل بطريقة مختلفة بسبب اختلافاتهم المتوارثه. في اللغة الاتينية فان معني جندر لديها ثلاث نواحي تظهر بها اولا عرق او سلالة ثانيا الفصيلة او النوع ثالثا النوع او الجنس و الاخيره ظهرت في الترجمات و الفهارس الاولي وليس حديثاً مثل قاموس اوكسفورد الكلمة لديها ثلالا تطبيقات متداوله في الانجليزية الحديثة و الاكثر شيوعاً هي تنطبق علي الفروقات بين الذكور والاناث من دون اي اعتبارات مسبقة بايلوجياً او نفسياً. الا ان الاستخدام بصورة فنية او ساتخدام لنظرية خاصة بالطبيعة البشرية و التي يتم توضيحها ضمن الصياغ. اخيرا فان النوع الاجتماعي “الجندر” هو بصورة عامة ينطبق علي مفهوم مستقلو الذي هو في العادة يخصص بكلمة محدده في كل لغة الا ان النوع الاجتماعي “الجندر” لا علاقة لي بالاختلافات بي المرأة و الرجل.
فوكو والجنسانية
ويعتبر ميشيل فوكو هو فليسوف الجنسانية، حيث قام بتأليف كتابه تاريخ الجنسانية (بالفرنسية: Histoire de la sexualité)، هي دراسة من ثلاثة أجزاء عن الجنسانية في العالم الغربي، الجزء الأول بعنوان: إرادة المعرفة، والجزء الثاني بعنوان: استعمال المتعة. أما الجزء الثالث: رعاية الذات، وقد تطورت رؤية التقسيم الاجتماعي للجنس مع فوكو، فاعتباره محددات الخطاب عاملا أساسيا في هذا التقسيم، أعطى دفعة للحركات النسوية في ذات الاتجاه. أصبحت الفوارق بين الجنسين غير ذات معنى، طالما أنها قد تم تحديدها بشكل يومي في الخطاب الاجتماعي الموجه ناحية الإناث والذكور على حد سواء، وما يحمله هذا الخطاب والذي أسماه ب “خطاب القوة ” من قدرة هائلة على إبراز الذكر في شكله القوي والمسيطر، وإقصاء الأنثى ووضعها في كثير من الأحيان فيما يسميه بالموضع “خارج السياق”.
نظر فوكو في كتابه “تاريخ الجنسانية للمثلية الجنسية”، حيث اعتبر أن الجنسَ شيءٌ قمعته العصور السابقة، خاصة في القرن التاسع عشر، وأنّ العصور الحديثة كافحت من أجل تحريره. معتبرا أنَّ “الجنس” فكرة معقّدة أنتجتها سلسلة من الممارسات، والتحقيقات، والأحاديث، والكتابات، و”الخطابات” أو “الممارسات الخطابية”، التي تضافرت سَوِيَّاً في القرن التاسع عشر.
ووفق تفسير فوكو، بُنِيَ “الجنس” من قبل الخطابات المرتبطة مع الممارسات والمؤسسات الاجتماعية المتنوعة: الكيفية التي يتعامل بها الأطباء، ورجال الدين، والمسؤولون الحكوميّون، والعمال الاجتماعيون وحتى الروائيون، مع الظاهرة التي يعرّفونها على أنّها ظاهرة جنسية.
الأمم المتحدة وقضايا الجنسانية
تعمم الأمم المتحدة الاهتمام بالقضايا الجنسانية، وهي إستراتيجية معتمدة عالمياً لتحقيق ما يسمى المساواة الجنسانية، وتُعرِّف المنظمة الدولية تعميم الاهتمام بالقضايا الجنسانية على أنه عملية تقدير آثار أي عمل مخطط له على الرجال والنساء في كل المجالات، وعلى جميع المستويات. ويعني ذلك جعل شواغل النساء والرجال وخبراتهم على حد سواء بعداً متجذّراً من أبعاد كل الجهود المتعلقة بالزراعة والصحة والسياسة والاقتصاد والتنمية الريفية.
تعرّف منظمة الصحة العالمية مفهوم الجنسانية بالفرق بين الجنس والجنسانية. إذ يشير الأوّل إلى الخصائص البيولوجية والاجتماعية للذكر والأنثى فيما تعبّر الجنسانية عن تداخل النفسي والبيولوجي والاقتصادي والتاريخي والثقافي.
يمكن اعتبار الجنسانية بناء اجتماعيا وثقافيا إذ يولد الذكور ذكورا وتولد الإناث إناثا ولكنهم فيما بعد يتعلم أو يقع تدريبهم كيف يصبحون كذلك وهي ما تسمّى بعملية التنشئة الاجتماعية.
يمكن على ضوء مفهوم الجنسانية قراءة المعطى البيولوجي، كخطوة أولى استكشافية لتحديد أحد أهمّ الجوانب الإنسانية التي يغفل المجتمع عن الاعتراف بها أو يقمعها تحت سلطة الثقافي والديني.
نقد مصطلح الجنسانية
بحسب هذا التعريف فإن النوع الجنسي يحدده المجتمع، فالفروق البيولوجية والنفسية غير ذات اعتبار في تحديد الهوية الجنسية بل المجتمع. فحينما يولد الصغير و بناء على أعضائه الجنسية يقوم المجتمع بتصنيفه في إطار ذكر أو أنثى, فاللعب الملونة والفساتين المزركشة، والتعامل الاكثر رقة من قبل المجتمع مع المولودات الإناث هو الذي يحدد طريقة مشيهن ورقتهن في التعامل، حتى الصوت في الكلام، وطريقة الأكل والشرب واللعب والدمى على شكل الإناث باللبس الأنثوي. وبالمقابل الرياضات العنيفة ككرة القدم و المصارعة هي المنح التي يطبع بها المجتمع المواليد الذكور فتحدد سياقهم الاجتماعي وحتى خواصهم الفردية ورغبتهم في الجنس الآخر.
لذلك تسعى الأمم المتحدة لتغيير نظرة المجتمع إلى المذكر والمؤنث، من خلال التعليم ووسائل الإعلام حيث تتصدى لما تسميه بالقوالـب النمطيـة الجنـسانية، والتي تخلق الفرق وعدم المساواة بين الذكر والأنثى.
مصطلحات جنسانية
الأدوار الجنسانية: هي أوجه السلوك والمهام والمسؤوليات التي يعتبرها مجتمع ما مناسبة للذكور وللإناث وللفتية وللفتيات. وغني عن البيان أن الأمم المتحدة تعمل على المساواة التامة بين الذكور والإناث في المسؤوليات، وفي السلوك وما يسند إليهم من أعمال.
التمييز الجنساني: هو أي استبعاد أو قيد يُفرض على أساس الأدوار والعلاقات الجنسانية، ويحول دون تمتع الشخص بحقوقه الإنسانية الكاملة، وأيضا تعمل المنظمة الدولية على إنهاء جميع أشكال التمييز.
المساواة الجنسانية: تعني أن تتمتع المرأة والرجل بحقوق وفرص وامتيازات متساوية في الحياة المدنية والسياسية، أي المشاركة المتساوية للنساء والرجال في اتخاذ القرارات، والقدرة المتساوية على التمتع بحقوقهم الإنسانية، والحصول على الموارد والمنافع، والسيطرة عليها بصورة متساوية، والفرص المتساوية في العمالة وفي جميع الجوانب الأخرى لموارد رزقهم.
العدالة الجنسانية: هي الإنصاف والنزاهة في معاملة النساء والرجال، من حيث الحقوق والمنافع والواجبات والفرص. وإحدى الاستراتيجيات الأساسية للعدالة الجنسانية تتمثل في تمكين المرأة.
التحليل الجنساني: هو دراسة مختلف أدوار النساء والرجال، لفهم ما يعملونه وما هي الموارد المتاحة لديهم، وما هي احتياجاتهم وأولوياتهم.
التوازن الجنساني: هو المشاركة المتساوية والنشطة للنساء والرجال في كل مجالات اتخاذ القرارات، وفي الحصول على الموارد والخدمات والتحكّم بها، وتنظر الأمم المتحدة إلى التوازن الجنساني على أنه عنصر أساسي لتحقيق المساواة والتنمية والسلام.
بعض الآثار المترتبة على مفهوم الجنسانية:
نتج عن مفهوم الجنسانية مجموعة من المفاهيم والسلوكيات، نحو فصل التوجه الجنسي Sexual Attitude عن الهوية الجنسية Sexual Identity للإيحاء بأنهما شيئان مختلفان، وأنه يمكن الفصل بينهما، وللتأكيد على أن توجه (ميل) الشخص الجنسي سواء للذكور أو الإناث لا يشترط أن يتوافق مع تركيبه البيولوجي، بمعنى أنه يمكن للفتاة أن تميل لفتاة مثلها جنسيا، بدعوى أن هويتها الجنسية غير متوافقة مع تركيبها البيولوجي، والشيء نفسه بالنسبة للذكر. أما “الهوية الجنسية Sexual Identity تصاغ في البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد، فالولد يعطى العربة والجرار ليلعب بهما، والبنت تلعب بالعروسة. ففسيولوجية الإنسان يمكن أن تسمح له بممارسة جنسية معينة، ولكنها لا تحتم عليه هذه النوعية من الممارسة” وكانت من نتائج ذلك انتشار الشذوذ بين الرجال والنساء والتفكك الأسري والمجتمعي التي تعاني منه المجتمعات الغربية.
لقد كان فيلسوف الجنسانية “ميشيل فوكو” من أوائل من اكتوى بنار هذه المفاهيم، حيث أطلق لنفسه العنان في العلاقات الشاذة، ووصل إلى أقصاها، لينتهي به المطاف مصابا بمرض الإيدز، وليموت يوم 25 حزيران من عام 1984م في أحد مستشفيات باريس، حيث جعل من فلسفته التي تصطدم بالفطرة السوية طريقاً موصلة إلى الموت.
هذا فضلا عن فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والأنثى، والتي تصطدم بالطبيعة البشرية، ولم تتمكن التيارات النسوية على مدار عقود من الزمن من تحقيق هذه الفكرة.
الجنسانية في المسيحية
كرم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله” لأن الله خلقه على صورته ومثاله، “واخذ من الرجل ضلعا وصنع منه المرأة وسميت امرأة لأنها من امرىء أُخذتْ” وبارك الرب ادم وحواء :”انموا واكثروا واملأوا الارض” وطبعا وفق ماورد في بولس الرسول في سر الزواج وقدسية هذا السر :” ذكراً وانثى خلقهما…لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلازم امرأته فيصيران جسداً واحداً وما جمعه الله لايفرقه انسان” والرجل هو رجل امرأة واحدة وتحريم الزنى وتقديس مضجع الزوجية لخير البشرية
والمرأة في المسيحية على ذلك هي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات بمساواة الذكر والانثى..وفي الميراث والعمل وتكافؤ الفرص والمرأة هي مثل الرجل.
الجنسانية في الاسلام
ينظر الإسلام إلى الجنسانية على أنّها عملية إتحاد بين الجنسين تؤدي حتما إلى إعادة الخلق وتعمير الأرض، وهي علاقة لها قوانينها ومكاسبها، فالمتزوج والمتزوجة لها الحصانة وتدعى المتزوجة بالمحصنة ويحرم قذفها أو ثلبها.
احتفى الإسلام بالزواج كأرقى العلاقات بين الجنسين
لا تكتمل المرأة إلا بالرجل ولا يكتمل الرجل إلا بها إنّها علاقة تكاملية وليست علاقة سيّد بعبد كما يحاول البعض تقديمها.
بعد قرون من الإسلام ومن محاولات تحرير مجتمعاتنا من التخلف والجهل يمكننا اعتبار أننا نعيش أزمة جنسانية في مجتمعاتنا الإسلامية.
يرى بعض العلماء المسلمين المتنورين ان النظرة المتخلفة اسلامياً نحو الجنسانية هي متأتية من الجهل والتطرّف بعد أن تدخل بعض الفقهاء والشيوخ في مرحلة أولى وجعلوا من هذه المواضيع مطيّة للإساءة إلى المرأة وتغييبها كذات ورغبة في انحياز واضح إلى الذكورة.
وقد شكلت قراءتهم ارتدادا واضحا عن مجهود نخبة من الفقهاء المثقفين الذين خاضوا في مثل هذه المواضيع بكثير من الجرأة في فترات سابقة، أمثال الشيخ النفزاوي في كتابه ” الروض العاطر في نزهة الخاطر”.
في هذا السياق تتحدث الأستاذة فاطمة المرنيسي على أنّ الاعتراف بفاعلية الجنسانية الأنثوية يؤدي حتما إلى الانفجار الاجتماعي “إنّ غياب الجنسانية الفاعلة يصوغ المرأة في قالب الكائن المستكين والمازوخي”.فمتى تمكنت المرأة من جوانب جنسانيتها، كلما كانت مسيرة تحررها أسرع، فهي تسحق عن وعي فكرة الوعاء الجنسي وتؤسس لرغبتها بوعي، دون أن تسقط في فخ الذكورية المتفوقة أو النسوية المتطرفة.
أي أنّها تعي أنّها إنسان في الدرجة الأولى، بعيدا عن التقسيم الجنسي ولها الحق في تقرير مصير جسدها وأن تمتلك كلّ مفاتيحه.
فمتى امتلكت المرأة مفاتيح جنسانيتها ستقرر بمفردها مصيرها بعيدا عن الغلوّ والتطرّف الحداثي والديني.
قلعة الكهف تقع قلعة الكهف في محافظة طرطوس وهي من القلاع الأثرية المهمة وتبعد عن القدموس نحو 20 كم كما تبعد عن قرية الشيخ بدر مسافة 15 كم من الجهة الشمالية وتتربع القلعة على هضبة صخرية مطلة على واد سحيق تحيط بها الجبال فتغدو شبيهة بالحصن الطبيعي ويلاحظ زوار القلعة مباشرةً أنه تم اختيار موقعها بعناية فائقة لكونه من المواقع المحصنة طبيعياً والأكثر وعورة الذي يساعد في صد هجوم الغزاة، وتزداد أهمية موقعها إضافة لكونه من المواقع الحصينة بأنه يمنح القلعة ميزة السيطرة على بقية القلاع المجاورة كقلعة القدموس والعليقة والخوابي ومصياف والرصافة وقلعة أبو قبيس.. لوقوعها على تلة مرتفعة وفي منطقة متوسطة وعلى أبعاد متساوية تقريباً أو متناظرة وكانت ترتبط معها بواسطة الشهب النارية. تعد قلعة الكهف من القلاع النادرة التي بنيت ونحتت في الصخر ولذلك سميت قلعة الكهف يبلغ طول ضلعها
قلعة الكهف محمية طبيعية
600م وعرضها نحو 15م، وحسب المواصفات المعمارية لبعض الأطلال المتبقية فيها يتبين أن القلعة كانت موجودة في القرن الحادي عشر الميلادي، وخلال العصور اللاحقة تعرضت القلعة للعديد من الأضرار نتيجة الظروف الجوية والحروب والهجمات المتلاحقة إذ انتقلت السيطرة على القلعة من العرب إلى الفرنج عدة مرات، وفي الوقت الحالي تم زوال معظم معالمها ولم يتبق منها سوى أطلال ويتم الدخول إليها عبر ثلاث بوابات. يجهل الكثيرون أهمية قلعة الكهف، فهي عبارة عن كتلة صخرية مفرغة تماماً من الداخل تحوي ثلاثة طوابق من الكهوف الحجرية، اكتشف بداخلها بقايا معبدين يعتقد أنهما رومانيان لكن النباتات والأحراش تغطيهما بشكل كبير جداً، وقد عجزت القوات الفرنسية عن دخولها بسبب منعتها وتحصيناتها واستبسال الثوار المتحصنين بداخلها في الدفاع عنها، وفي داخل القلعة سبع غرف منحوتة بالصخر وقد كانت إنارتها في السابق تتم بواسطة فتحات في سقف القلعة.
قلعة الكهف محمية طبيعية
ترتفع فوق سور قلعة الكهف ثلاثة أبراج متهدمة من الجهات الشرقية والجنوبية والشمالية، البرج الشرقي يتقدم القلعة ويطل على قلعة القدموس من الشمال الشرقي، أما البرج الشمالي فيعلو المدخل الرئيسي ويطل من الناحية الشمالية على واد سحيق وكذلك البرج الجنوبي يطل على واد سحيق جنوبي القلعة. ومن الآثار الباقية في القلعة جامع القلعة الذي يوجد على سطح القلعة قرب الساحة التدريبية من الجهة الشرقية ولم يتبق منه الكثير فهناك قاعة مسقوفة بقناطر متهدمة، وهناك أيضاً الدرج الذي يتجه نزولاً باتجاه الساحة وقد سدت اتجاهاته وتهدم معظمه وتقول المصادر التاريخية إن هذا الدرج يقود إلى الكهف وفيها آبار لتخزين المياه كما كانت تصلها المياه بقناة فخارية من عين ماء تبعد عن القلعة مسافة 2كم.
نواصل رحلتنا في ذاكرة التاريخ من خلال تسليط الضوء على قلاع تغني ذاكرة سورية التاريخية والأثرية ففي محافظة طرطوس عشرين قلعة أو برجاً تتقاطع فيما بينها وتتوزع على كامل مساحة المحافظة بشكل يحافظ على عبق التاريخ في كل شبر من طرطوس لتعطي هذه المحافظة أهمية دفاعية كبيرة في زمن بنائها ولتبقى هذه القلاع معالم تاريخية مهمة وشاهداً حياً على صمود السوريين وعزتهم واستبسالهم في الدفاع عن أوطانهم وتشبثهم بأرضهم وابتكارهم أساليب متنوعة للوقوف في وجه الطامعين بنهب خيرات سوريتنا الغالية، شواهد عملاقة تطل علينا من تاريخ المنطقة وحضارتها على الشريط الساحلي السوري حين يقف المرء على أعجوبة، حيث يتجمع أكبر عدد في العالم من القلاع والحصون التي تضمها منطقة واحدة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تاريخ حافل وتراث مهم جداً.
قلعة العريمة هي مقصد السياح والباحثين عن عبق التاريخ بسبب السمعة المعتقة لهذه القلعة، تقع قلعة العريمة على بعد 25 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من مدينة طرطوس وإلى الشمال الغربي من بلدة الصفصافة بمسافة 2 كم والجنوب الغربي من منطقة صافيتا وعلى خط نظر لا يتعدى 10كم عن شاطئ البحر ترتفع عن سطح البحر نحو 178 متراً، تسميتها بالعربية آرامية وقلعة عُريمة وبالأجنبية arima و orima تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن قلعة العريمة هي قلعة أمورية قديمة كانت تابعة لمملكة سيميرا وهي إحدى ممالك أوغاريت الآرامية استناداً لاسمها arimaاستخدمت مركزاً دفاعياً تابعة لمملكة أرواد غير أن مصادر تاريخية أخرى تشير استناداً لبعض اللقى الفخارية التي وجدت داخل القلعة وحولها إلى أن قلعة العريمة تعود إلى الحقب الرومانية اليونانية والبيزنطية، وبسبب صعوبة القيام بالتنقيب فيها أو عمل سبر أثري منهجي فإنه لم يتم تحديد تاريخها الأول بالضبط ولقد ورد أول ذكر للقلعة في المصادر التاريخية بانتقالها من مالكيها الطرابلسيين إلى الكونت دوتولوز وذلك عندما قدم فرسان الاسبتارية إلى طرابلس عام1142م واتخاذهم قلعة الحصن مركزاً لهم والانطلاق منها لباقي الأراضي.
قلعة العريم قلعة الدفاع الساحلية
قلعة العريمة متهدمة تقع على تلة مرتفعة نسبياً تتاخم السهل العريض (سهل عكار) وتتحكم في مدخل وادي نهر الأبرش، حصينة يرجح أن تسميتها بالعريمة جاءت من العرمة وهي كومة القمح غير المدروس، وقلعة العريمة كبيرة تحيط بها أشجار البلوط وعدة أسوار مهدمة، وتتألف من برجين من الحجر الكلسي الأبيض لم يتأذيا كثيراً وعدة سراديب وبعض الغرف والقاعات الطويلة التي تقوم على عقود علماً أن بعض غرف وقاعات القلعة من الداخل ما زالت تحافظ على كيانها، يقع البرج الأول إلى جهة الجنوب الغربي من القلعة ويصل ارتفاعه إلى ثلاثين متراً، وهو مهدم من جهة الشمال، عريض من الأسفل ويضيق في النهاية، مبني بحجارة ضخمة جداً والبرج الشمالي له مواصفات البرج الأول، وهذان البرجان مملوءان من الداخل إذ يصعد إليها فقط من أحد الجدران، وتحافظ أبراج القلعة على هيكليتها، وهما مبنيان بهدف الرصد والمراقبة فقط، لأن بإمكان من يقف على أحد هذين البرجين أن يرى برج صافيتا وقلعتي الحصن ويحمور بالعين المجردة كما يمكن رؤية قلعة طرابلس وبرج ميعار رغم المسافات البعيدة بينها ناهيك عن إمكانية رؤية مساحات واسعة تصل إلى البحر كما يمكن أيضاً رؤية قلعة جزيرة أرواد، أما بقية أقسام القلعة فتتوزع بين سراديب واسعة أسقفها نصف دائرية وأنفاق لا أحد يعرف أين تنتهي إضافة إلى سجن القلعة، وأكثر ما تضرر في هذه القلعة سورها الخارجي بسبب عبث الأهالي والطبيعة، والجدران عريضة وسميكة ومبنية بطريقة الحجارة المعقودة، أما أبواب القلعة فهي على شكل أقواس خالية من النوافذ بل إن هذه النوافذ عبارة عن فتحات في الجدار ضيقة من الخارج واسعة من الداخل بحيث يرى من كان بداخل القلعة خارجها ولا يمكن من ينظر للقلعة من الخارج أن يرى من يتمترس خلف هذه النوافذ التي كانت تُستخدم لرمي السهام، وهذه الجدران والأعمدة والنوافذ خالية من الرسوم والزخارف، وكما في بنائها هي للتحصين والرصد والمراقبة، تتميز قلعة العريمة بموقعها الجميل والمشرف على سهل عكار وعلى مشهد طبيعي خلاب للأفق الفسيح الممتد للبحر وخضرة أشجار السنديان والزيتون التي تغطي الجبال المحيطة، تستحق من السادة القراء زيارتها لبثّ الروح في حكاياتها ولتنشيط ذاكرة حجارتها.
في كل مرحلة من مراحل الزمن الغابر هناك اسم لامرأة سورية لمعت وأشرقت بجانب من جوانب علوم الحياة..
في هذه السطور المتواضعة سنعرض لقامة نسائية من اللواتي تركن بصمة نضال وهوية في وجدان الوطن وعلى جبينه هي الدكتورة الطبيبة لوريس ماهر..ولكن بكل اسف لم يتحدث عنها الا قلة من الاوفياء والمعلومات عنها شحيحة…
القامات النسائية السورية عديدة ممن ساهمن في صنع التاريخ السوري في العصر الحاضر بتميزهن فمن منا لم يسمع بالسيدة مريانا مراش أول صحفية وأديبة سورية حيث كانت تكتب مقالاتها في مجلة الجنان التي صدرت بحلب 1870.
ومن منا لم يسمع بالأديبة ماري عجمي صاحبة أول مؤسسة صحفية سورية حين أنشأت مجلة العروس لعام 1910.
وفي سجلات ذاكرة التوثيق لموقع منظمة المرأة العربية ،تبين أن الدكتورة ظريفة الياس بشور كانت أول طبيبة سورية تخرجت عام 1911،والدكتورة لوريس ماهر اول طبيبة سورية أيضا تتخرج من المعهد الطبي العربي لعام 1930.وعلى صعيد النضال الوطني كان للسيدة عادلة بيهم الجزائري حضور بارز بين قريناتها حيث أسست جمعية يقظة الفتاة العربية السورية في سورية عام 1918.
في الوسط اعلاه بالقبعة البيضاء
وفي العام 1958دخلت المرأة السورية بالتعيين إلى البرلمان الاتحادي الذي فعل في عهد الوحدة وتمثلت للمرة الأولى بنائبتين عام 1960، فيما تأسس الاتحاد العام النسائي في بلدنا عام1967،وسجل العام 1973دخول أول امرأة سورية البرلمان بالانتخاب،ودخلت المرأة سلك القضاء وتولت وظائف بمختلف عام 1975،ونذكر هنا تعيين الأستاذة غادة مراد كأول امرأة سورية تتولى مهمة النائب للجمهورية.
لوريس ماهر اول فتاة تنال لقب “دكتور” وتصبح اول طبيبة في سورية عام 1930
نشرالموقع الالكتروني سيريانيوز صورة هي منظر عام للاجتماع الكبير الذي أقامته الجامعة السورية في دمشق في أوائل شهر حزيران 1930 احتفالا بتوزيع الدبلومات على متخرجيها من أقسام الحقوق والطب والصيدلية ومدرسة القابلات وقد بلغ عددهم مائة وعشر خريجين من شبان وشابات.
حفل التخرج العام الذي نشره موقع سيريانيوز
وفي هذه الدفعة تخرجت اول فتاة سورية من دمشق القديمة هي لوريس ماهر طبيبة وحصلت على لقب دكتور وهي اول سورية تنال هذه المرتبة، وكما جاء في التعليق اسفل الصورة في مجلة “اللطائف المصورة”.
حضر الاحتفال جمع غفير من الكبراء ورجال “الدولة السورية” والتي كانت تحت “الانتداب الفرنسي”، وكان بينهم الشيخ تاج الدين الحسيني رئيس الدولة آنذاك، والذي يمكن تميزه في صدر الصورة جالسا على المنبر وعن يساره رضا سعيد مدير الجامعة السورية ومؤسسها ومن حولهما الوزراء ورجال البعثة الفرنسوية وكبار الأساتذة في الجامعة. بقي ان نقول بان جامعة دمشق تأسست في العام 1923 وكان اسمها ” الجامعة السورية”، وضمت في البداية مدرسة الحقوق التي تم تأسيسها في العام 1913 ( في العهد العثماني ) ، وتحولت الى كلية بانضمامها للجامعة ، شأنها شأن المعهد الطبي الذي تأسس عام 1903 وتحول الى كلية الطب البشري ، بالاضافة الى الى المجمع العربي ودار الآثار العربية الذي فصل فيما بعد متابعة عمل الجامعة 1922
نبذة بسيطة وفق المصادر الشحيحة الدكتورة لوريس ماهر اول طبيبة تتخرج من كلية الطب في الجامعة السورية عام 1930 كما مر اعلاه…
كانت لوريس ماهر، موسيقية وطبيبة وهي الأم الحنون التي احتضنت أطفال بلدها سورية لتحسين أوضاعهم الصحية والنفسية، متممةً العمل الخيري العظيم الذي قام به والدُها الصيدليّ «وانِيس أفندي ماهر» حين أسّس شركة «سيريلاك» السورية لأطعمة الأطفال، بعد أن فُقِدتْ تلك الأغذية من سورية ولبنان زمن الحرب العالمية الثانية 1940- 1945. فلوريس هي من قالت: «الطبّ عطاءٌ وتضحيةٌ وليس تجارة»، و«يكفيني فخراً من مهنتي أن أساعد الفقراء والمرضى وأخفف عنهم آلامهم». وهي أيضاً مَنْ ألّفتْ باللغة الفرنسية كتاب «تمريض الأطفال ودَوْر القائمات على ذلك والعناية اللازمة»، الذي لاقى رواجاً بين أطباء فرنسا عام 1935، فكانت لوريس ماهر سيّدةً سوريّةً سبّاقة كأول طبيبة في الشرق الأوسط.
طبعت منه 500 نسخة، فهي كانت أول طبيبة سورية تابعت دراسة الطب في فرنسا
وهي في الصف الخلفي ترتدي قبعة
في الصورة: الصف الأول من اليمين: الدكتور أحمد منيف العائدي – ميشيل شمندي – أستاذ فرنسي – الدكتور عبد القادر العظم (الذي أصبح رئيساً للجامعة) – الدكتور رضا سعيد رئيس الجامعة – طاهر الجزائري – سامي الساطي – مصطفى شوقي – عبد القادر سري. الصف الثاني: الدكتور نظمي القباني – الدكتور أحمد شوكت الشطي – الدكتور حسني سبح – علي رضا الجندي – ابراهيم حقي الساطي – عبد الوهاب القنواتي. تقف الدكتورة لوريس ماهر في الصف العلوي ترتدي القبعة وفي نفس الصف (الثالث من اليمين) الطالب عزة مريدن الذي أصبح عميداً لكلية الطب في الخمسينيات
المجوس قدموا هداياهم للملك الطفل المولود هل نقدم له هدايانا؟
جاء المجوس وكانوا ثلاثة رجال من اقصى الشرق وقد لاحظوا ما قرأوه في كتبهم عن ولادة عظيم …
استدلوا عليه من النجم وحملوا له هداياهم وكانت من ذهب ولبان ومر… وقدموها له وهو مضجع في مذود البهائم في المغارة ظاهر بيت لحم…
السؤال
اذا اغفلنا ان عدد المجوس هو ثلاثة لماذا كانت عدد الهدايا التي قدمها المجوس ثلاثة؟ الجواب إنَّ اختيار عدد الهدايا ثلاثة هي إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التي لإله واحد في الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح. نوع الهدايا
– الذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك والذهب يقدم للملوك.
– اللبان او البخور يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن والبخور يقدم للكخنة خدام الايمان
– المر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.
فهو ملك وكاهن ونبي ولكن ليس نبي مثل باقي الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر في الهيئة كإنسان. ولكن في نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب. فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكاً عادياً. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادي. بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذي كهنوته كهنوت أبدي لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كـ نبي فهو ليس مجرد نبي عادي. فمثلاً تنبأ عن موته .. وعن خراب أورشليم .. وعن قيامته في اليوم الثالث .. وقد تحققت كل هذه النبوءات في حينها. وتنبأ أيضاً عن نهاية العالم. وسيتم ذلك لأن السيد المسيح هو الذي تنبأ بها.
وأهم نبوءة قيلت : “ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم” (مر10: 33-34).
وكانت هذه هي أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسيح. أي أن المر إشارة إلى أنه نبي. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.
لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحي خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة.
فالسيد المسيح أصْعَدَ ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب في طاعة كاملة. وفي سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التي قبلها الآب السماوي. وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذين يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون في المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضاً معه.
إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبي، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعي إذ ظهر في الهيئة كإنسان أن يقول بعض الأمور التي تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلاماً عادياً مثل أي إنسان عادي. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئاً هاماً جداً بالنسبة للكنيسة. لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه: “أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده” (لو24: 26). فماذا سنقدم نحن أيضاً هدايا للسيد المسيح بولادته العجيبة ..؟
لنقدم له قلوبنا نقية طاهرة متعلقة به وقد افتدانا واحتمل الالام والصلب والموت الجسدي طوعا من اجلنا لقد تنازل ولبس جسنا لكي نصير مثله بكمال لاهوته هذا من جهة…
ومن جهة ثانية نطلب منه بما أنه ملك السلام أن يمنح الأرض التي تجسد عليها السلام…
له السجود الى دهر الداهرين آمين.