Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

حي القصاع

$
0
0

حي القصاع

توطئة

مهما تحدثت عن هذا الحي لن أفيه حقه فهو مسقط رأس والدي ووالدتي كل اهلي ومسقط رأسي واولادي…

فيه عشت ألفة العائلة والجيران… هو ذلك الموطن الأول في حياتي، وللموطن الأول في حياة الانسان المقترن بالطفولة والصبوة، البصمة الأشد وضوحاً في كل مراحل حياته اللاحقة. لذا نراني وترى كل انسان يتغني بحارته الاولى حتى ولو انتقل منها إلى حارات جديدة أو حتى اوطان جديدة كما هو حاصل في آننا المعاصر…لذا اتغنى بتلذذ بالقصاع موطن الطفولة والشباب فكيف وقد اصبحت كهلاً، ولا ازال اعيش وعائلتي فيه… ولا اعتقد اني ساتركه حتى الانقضاء.

القصاع بالنسبة لي هي ليست فقط موطن الولادة… وحتى حالي الحاضرة، بل هي حارة الحب والمحبة والالفة، هي رفاق الطفولة في المدرسة والكشافة بمقرها القديم القديم والوسيط والاحدث وفوج الصليب المقدس الكشفي منذ 1994 والطلعات والجولات الكشفية بمايبهج القلب عندما استذكرها في الأعياد الوطنية والروحية والمخيمات والرحلات والمغامرات الكشفية، وفي كنيستي كنيسة الصليب المقدس ومدارس الأحد والترتيل والاخويات…

باب توما في الخمسينات والجسر الى القصاع
باب توما في الخمسينات والجسر الى القصاع

هذه كانت مرحلة الصبا… والشباب… وبقية المراحل التي عشتها فيه بسعادة وألم ورجاء حتى مرحلة الكهولة حالياً في انحدار المقلب الآخر من العمر للوصول الى ماينتظره ذئب تلك المرحلة في ختامها…

منذ 2011 ونحن نعيش الالم على كل الوطن وبالذات على القصاع التي كانت مطرح كل الم ودماء وقتل واختطاف وتعذيب واستشهاد وتفجير وفقدان احبة من كل الاعمار وضرب الكنائس والمستشفيات والبيوت، وهجرة احبتنا واولادنا الى التيه العالمي… لكن القصاع كما دمشق وكما أمنا سورية بقيت صامدة وانتصرت بعد كل هذه المعاناة.

لذلك اتحدث كما كل قصاعي اصيل، ووافد الى القصاع لكنه عاش مثلنا فانطبع ببصمة القصاع الجميلة والوادعة، حتى منهم الذين اجبرتهم ظروف سورية المظلومة منذ عام 1911 الى الهجرة الى حيث الأمان…فيتحدثون بكل الهيام عن القصاع كما عن دمشق وسورية الام الحنون.

حي آيا ماريا ( القيمرية) سكن المسيحيين المكتظ ومراكز عملهم وخاناتهم وسدي الحرير ونسجه وكل الحرف
حي آيا ماريا ( القيمرية) سكن المسيحيين المكتظ ومراكز عملهم وخاناتهم وسدي الحرير ونسجه وكل الحرف

القصاع حي سكني

اليوم بكل اسف صار هذا الحي السكني الوادع والذين كان لأهله والوافدين لسكناه وصاروا من اهله، صار سوقاً صاخبة فرض كلكله على السكان الذين باتوا لايطيقون هذا الوضع الجديد وتحكم كل غريب عنه بالحي وسكانه وخصوصيتهم بكل اسف حتى بات سكانه الأصلاء اغراباً فيه…

لا يتعدى عمر حي القصاع السكني العائلي الهادىء 123 عاماً تقريباً

ويقع بين باب توما الى ساحة العباسيين (اليوم) شمالاً وبين حي العمارة وشارع بغداد (حالياً) غرباً وحي الزبلطاني (اليوم) شرقاً وهي بساتين قرية جوبر الواقعة شرق القصاع.

من ابنية القصاع الاساس والباقية حتى الآن بين باب توما وبج الروس
من ابنية القصاع الاساس والباقية حتى الآن بين باب توما وبج الروس

في اللغة والتاريخ

القصاع كلمة عربية مفردة، بصيغة المبالغة على وزن فَعّال مثل حداد ونجار وطيان ونحاس… الخ. والقصاع هو الذي يصنع القصاع (جمع قصعة) وهي الصحن العميق الواسع.

يقول الأب المؤرخ القدير معلمي في الطفولة والايمان وهاديَّ في حب التاريخ المرحوم أيوب سميا:” أنه سمع من مسنين مسلمين ومسيحيين، أن حي القصاع كان في القرنين 18 و19م يسمى بالقصاعين مثل الفرايين والقزازين”، كما أن المؤرخ د. صلاح الدين المنجد- (1) أدلى بشهادة على ورود القصاع في أوائل القرن 16م . كان حي القصاع أيام العثمانيين لايمتد إلى أكثر من برج الروس شمالاً والصوفانية شرقاً ومسجد الأقصاب غرباً، وكان قد تألف في الأصل من مصانع قِصاع ظهرت أساسات بعضها في محلة “برج الروس”  او برج الرؤوس عندما حفرت أساسات الأبنية الحديثة في المنطقة واولها بناية المغفور له سابا جرجي صعبية في الاربعينات من القرن الماضي وبقية اساسات الأبنية الحديثة (وقتها) من الخمسينات لوجود البحرة والجرن في باطن الارض، وكلاهما من لوازم صنع القِصاعْ.

لخوري العلامة والمؤرخ المتوحد ايوب نجم سميا من الذين ارخوا لحي القصاع وكان كاهن المحلة من 1930 الى حين وفاته 1968
الخوري العلامة والمؤرخ المتوحد ايوب نجم سميا من الذين ارخوا لحي القصاع وكان كاهن المحلة من 1930 الى حين وفاته 1968

كيف نشأ حي القصاع

منذ مابعد فتنة دمشق الطائفية عام 1860م واستشهاد العدد الكبير من المسيحيين في محلتهم وتهديم دورهم الجميلة، وهجرة نصف من بقي منهم واساساً الى بيروت ونزولهم في مخيمات مؤقتة في تلة الاشرفية وهناك عمروا بيوتهم ومؤسساتهم الكنسية والتعليمية ومنهم من هاجر الى مصر ومنها الى السودان ومنهم من هاجر الى المقلب الآخر في العالم في الأميركيتين…

ولأن المسيحيين الدمشقيين كما يقال عنهم: “أرواحهم معلقة بالشام” والى مرابعها يحنون، مرابع الطفولة والصبا والشباب والحارة ذات الباب وكنائسهم ومؤسساتهم والقيمرية (2)(آيا ماريا) فإن بعضهم جازفوا بالعودة اليها، لينضموا مع الربع المنكل به المتبقي على قيد الحياة من عائلاتهم واصحابهم (والكل أقارب)، وهم الذين بقوا بأعجوبة على قيد الحياة…عادوا بتشويق وفضل من الوالي العثماني المصلح الوزير فؤاد باشا الذي أرسلته الدولة العثمانية لإصلاح الأحوال والقبض على أساس الفتنة، وايقاع العقوبة بحقه… وتدابيره في التعويض على المنكوبين لترميم الدور المحترقة، عاد بعض اللاجئين من بيروت ليسهموا مع المقيمين في إعادة بعث الحياة في مدينتهم الشام متناسين الجراح الغائرة وكثافة الدماء الطاهرة والأعداد الكثيفة من أهاليهم الشهداء الذين قضوا بسبب من دينهم المسيحي وكان كل ذلك الغدر والذبح قد تم بتشجيع من الحكم العثماني للقضاء على “نظام الامتيازات”(3)

دمار القسم المسيحي من دمشق القديمة الواقع في شرقها بمذبحة المسيحيين الدمشقيين العام 1860
دمار القسم المسيحي من دمشق القديمة الواقع في شرقها بمذبحة المسيحيين الدمشقيين العام 1860

هذا النظام وامتيازاته بحق الدولة العثمانية الرجل المريض الذي كَبَّلّ الدول الاوربية الكبرى آنذاك الدولة العثمانية في حماية المسيحيين، يضاف اليه مؤمرات السلفيين المتعصبين بعد منح الحقوق والواجبات ذاتها للمسيحيين الذين كانوا مواطنين من الدرجة الثالثة بموجب الخط الهمايوني الصادر عام 1856، ولم يطيقوا ان يصيروا مثلهم كاملي الحقوق والواجبات وبحماية من الدول العظمى على حسب طوائفهم وفق نظام الامتيازات، كما كان العامل الاقتصادي الدور المهم الذي يتمثل بأن كل المهن والحرف كانت بيد المسيحيين لذلك كانوا كلهم على سوية مالية محترمة تقريباً… وفوق الكل ومؤمرات اليهود المحليين وما اقتنوه من متاع واموال المسيحيين بحكم تخصصهم بشراء ماتسمى “البالة” بعدما سرقها الارهابيون القتلة من عصابات الاكراد في ركن الدين بقيادة شمدين آغا والدروزفي جبل الدروز وحوران وجبل الشيخ وقضاء وادي العجم والغوطتين والقلمون…

الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي استشهد في مقدمة الدمشقيين في مذبحة 1860 ونعيد لاستشهاده ورفقته الشهداء بالآلاف في 10 تموز كل عام وهو اليوم الاول للمجزرة
الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي استشهد في مقدمة الدمشقيين في مذبحة 1860 ونعيد لاستشهاده ورفقته الشهداء بالآلاف في 10 تموز كل عام وهو اليوم الاول للمجزرة

في عودة هؤلاء وبعد حوالي عشر سنوات ما لبثت أن استقرت الأحوال تدريجياً في الشام القديمة بعد أن اعاد المسيحيون بناء دورهم ومؤسساتهم وكنائسهم وجمعياتهم وخاناتهم الاقتصادية، لتأتي هجرة داخلية من مسيحيين وفدوا من مناطق ثانية فمن الجنوب من حوران وجبل الدروز وقضاء القنيطرة وهجرة من مايسمى اليوم جنوب لبنان اي حاصبيا وراشيا والبقاع وهي تتبع لولاية دمشق، واستقروا في محلة المسيحيين التي كانت تشتمل على مناطق باب الشرقي شرقاً والشاغور جنوباً ومئذنة الشحم والبزورية غرباً وباب السلامة والقيمرية (آيا ماريا او حارة مريم نسبة الى المريمية والفرايين شمالاً. وأقام اللاجئون الناجون من مذبحة

1860 من مدينة دوما ومحيطها زملكا وعربين وحرستا في غوطة دمشق الشرقية في محلة دعيت باسمهم

مشهد دمار المقر البطريركي وكنيسة مريم( المريمية) والكنائس الملحقة بها
مشهد دمار المقر البطريركي وكنيسة مريم( المريمية) والكنائس الملحقة بها

“ساحة الدوامنة” على اسم مدينتهم الاصل وهي قريبة جداً من مدارس الآسية وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي ودُعيت لذا ب”ساحة الدوامنة” وفريق من المهاجرين الناجين من حوران وراشيا وحاصبيا والبقاع قطنوا في محلة المسيحيين في الميدان التي كانت واحة أمان بفضل مشايخها وعقلائها واقاموا حارات خاصة بهم. ( انظر بحثنا في موقعنا هنا عن حي الميدان).

ضاقت هذه المحلة محلة المسيحيين في دمشق القديمة بسكانها سيما وان المناطق المختلطة كالبزورية والباب الصغير والفرايين وباب السلام انحسر الوجود المسيحي كله فيها خوفاً من نكبة ثانية فباعوا دورهم المحروقة الى المسلمين ( ولاتزال في الكثير من هذه الدور ايقونات ونقوض من الفريسك برموز مسيحية وخاصة منطقة الباب الصغير والبزورية) وتوجهوا الى القيمرية ومحيط المريمية… لذا كان لابد من الخروج منها الى ماوراء أسوار دمشق الى حيث توجد الغوطة الخضراء الجميلة. لكن هذه كانت غير آمنة: فقطاع الطرق (المشلحون) كانوا ينتشرون بكثافة وخاصة في منطقة باب توما. لذا كان الباب يغلق مع مغيب الشمس الى شروق شمس اليوم التالي، وكانت خلفه سويقة ( سوق صغيرة) لبيع الخضراوات يحمل إليها الفلاحون منتجات أراضيهم لبيعها للسكان فيها حيث يدخلون إليها فجراً مع فتح الباب.

 حي آيا ماريا ( القيمرية) سكن المسيحيين ومراكز عملهم المكتظ ماقبل وبعد مذبحة 1860
حي آيا ماريا ( القيمرية) سكن المسيحيين ومراكز عملهم المكتظ ماقبل وبعد مذبحة 1860

أما في المنطقة الممتدة من مقام الشيخ أرسلان الى باب الشرقي حيث المقابر المسيحية واليهودية (كانت ولاتزال تدعى الطْبالة بتسكين ألط، وهي كلمة عبرية تعني المقبرة، وكانت فعلاً تضم مقابر المسيحيين واليهود على السواء) إضافة إلى مقبرة للمسلمين الشيعة في الشيخ ارسلان والأحياء الأخرى ( الجورة حيث وجودهم محدود قياساً بمواطنيهم المسيحيين واحياء باب السلام والعمارة الجوانية…)، فإن الأحياء بطبيعتهم لا يرغبون بمخالطة الأموات، فهم لذلك وبالرغم من مخاطر انعدام الأمن في منطقة باب توما المدعوة بساتين الزينبية نسبة الى نبع ماء الزينبية، لكن كانت سكنى هذه المنطقة لديهم أفضل من السكنى بين المقابر بأرضها المتسعة ، فبدأ النزوح السكاني الفقير يعبرتدريجيا الجسر الخشبي من باب توما فوق فروع بردى المتجهة الى الغوطة الشرقية مروراً بقرية الصفوانية المندثرة، وكانت مياه فروع بردى صافية وقوية تدير أحجار الطواحين المائية المقامة على مساره، وخاصة تلك التي كانت يساراً بموقع وسط بين ضريح خوله بنت الأزور ومسجد الثقفي.

إن ما ساعد هؤلاء المغامرين الفقراء الذين أقاموا في هذه المنطقة مدينة مريّفّة على الاستقرار أن أول المباني التي شيدت في “حي القصاع” كان “المستشفى الانكليزي” الذي شيد في عام /1896/ من قبل بعثة تبشيرية بروتستانتية دانماركية، والتي تخلت عنه فيما بعد إلى البعثة التبشيرية البروتستانتية الاسكتلندية،

واجهة المستشفى الانكليزي وهو اول بناء في حي القصاع عام 1896
واجهة المستشفى الانكليزي وهو اول بناء في حي القصاع عام 1896

ما أدى لتغير اسمه إلى “مشفى فكتوريا” نسبة لملكة بريطانيا وليصبح اسمه عند الجميع “المستشفى الانكليزي.(4) وسط طبيعة غناء وهي من الشروط الصحية والبيئية المناسبة لاقامة المستشفيات وذلك في منطقة الغساني وتبعتها بعد سنوات قليلة البعثة الفرنسية لراهبات القديس لويس التي أقامت مستشفاها (الخيري كما جاء في فرمان الترخيص من السلطان العثماني) في وسط بساتين القصاع على مقربة من مستشفى الملكة فكتوريا الانكليزي وذلك في عام 1904

وكانت الغاية من إقامة المستشفيين الخيرين في هذه المنطقة الجديدة في حمى التنافس التبشيري بين الارساليات التبشيرية من جهة البروتستانتية الانكليزية والايرلندية والاميركية والالمانية والسويدية ومن جهة أخرى الرهبنات الكاثوليكية الرجالية والنسائية:
1- تقديم الخدمات الصحية للسكان الفقراء من ارثوذكس وسواهم وهي طريقة تبشيرية لجذبهم.
2- سكنى البساتين وهي من شروط إقامة المستشفيات حيث البيئة الصحية المناسبة وجمال الموقع والهواء الطلق والطقس الصحي المناسب للاستشفاء

المستشفى الافرنسي حين احداثه عام 1904 وهو ثاني بناء في حي القصاع
المستشفى الافرنسي حين احداثه عام 1904 وهو ثاني بناء في حي القصاع

وبدئ بالسكن على مسار الطريق من باب توما شمالاً باتجاه برج الروس مروراً بالمستشفى الفرنسي الى المستشفى الانكليزي. فيهذه الغوطة البديعة المسماة “بساتين الزينبية” تبعاً لإسم “عين الزينبية” وهي نبع ماء عذبة ونقية رائعة بطيبها.

النظام العمراني

“القصاع” يتميز أيضاً بتنظيم معماري فريد قادر على إشعارك بعبق وأصالة الماضي وحداثة الحاضر، ما يضفي على حياة ساكنيه طابعاً خاصاً ليس بالمقدور الوصول إليه في أي حي آخر.

منازل “القَصَاع” حديثة ليست قديمة، فهي بيوت عادية وصغيرة، ترافق بناؤها مع بداية الهجرة باتجاه الحي، فتم بناء المنازل في وقتها على الطراز الفرنسي، وهذه المنازل صغيرة مقارنة مع المنازل الدمشقية القديمة، وتتراوح بين ثلاث وأربع غرف بالإضافة إلى شرفة تسمى “البلكون” تشرف على الشارع، وقد اعتاد الأهالي منذ القدم وحتى اليوم على الجلوس فيها يومياً عند المساء والسهر حتى منتصف الليل.

انموذج البناء الطابقي في القصاع وفق ايكوشار ولاتزال بقية من هذه الابنية
انموذج البناء الطابقي في القصاع وفق ايكوشار ولاتزال بقية من هذه الابنية

في عام /1945/م دخل البناء الحديث محلة القصاع، حيث بدأ البناء الطابقي الحديث ينتشر في معظم أرجاء القصاع، وذلك ضمن تخطيط “أوكيشار” المعتمد في بناء الأبنية بدمشق… ولكن كانت اشهر بناية على الاطلاق هي بناية المغترب الدمشقي العائد من كولومبيا في اميركا والمعروفة باسمه بناية الصعبية وتعود الى العقد الثالث من القرن الماضي. والمحسن المذكور اكمل بناء كنيسة الصليب المقدس وكانت على الاساسات اكملها واكاها من ماله الخاص.

تميزت معظم أبنية ضاحية القصاع وتفرعاتها وخاصة الى الشرق من خط القصاع بأنها أبنية بسيطة فيها عدد من الغرف تسكن كل منها عدة عائلات فقيرة نازحة من وراء أسوار دمشق القديمة وهي من الخشب والبن مع واجهة حجرية منحوتة من الحجر المزاوي بطابقين مع شرفة على واجهة الحارة او تتخيتة وسطح لنشر الغسيل وتجد عليها جميعاً دالية عنب بلدي – زيني، وفي قلب البيت ساحة سماوية بسيطة فيها بئر ماء وطرنبة يدوية ومصنع مائي تحتها او بحيرة مائية بدون زخرفة بخلاف باحات وبحرات بيوتهم الشامية العريقة. اضافة الى ياسمينة وشجرة ليمون بلدي وشجرة كباد ونارنج… وقبو لحفظ المؤونة.

وكما اقام بعض القناصل بيوت متميزة لهم في ضاحية القصاع كما في البيت الكبير المربع الواقع في زاوية برج الروس ويعود الى عام 1913 كما تشير عليه اللافتة الحجرية المنحوتة فوق ساكف باب البيت.

ونشأت محلة جناين الورد وتفرعاتها بسواقيها الرقراقة خلف المستشفى الافرنسي وحتى منطقة جامع الفردوس حالياً حتى حدود شارع حلب اليوم وكان طريقاً ضيقاً هو طريق السفر بين البساتين الى داخل وساحل سورية وكانت هذه المحلة فعلاً حدائق جميلة ومن اهم زراعاتها كانت اشجار الوردة الشامية لذا تسمت “جناين الورد”وآخر ابنيتها جامع من الطين واللبن صغير ليصلي فيه القرويون هو جامع الفردوس.

نهر بردى ماراً من منطقة باب توما وبيوتها وسط طبيعة ساحرة اواخر القرن 19 وبدايات لقرن العشرين وهي نقس الطبيعة المحيطة بقيلات القصاع
نهر بردى ماراً من منطقة باب توما وبيوتها وسط طبيعة ساحرة اواخر القرن 19 وبدايات لقرن العشرين وهي نقس الطبيعة المحيطة بقيلات القصاع

تقابل محلة جناين الورد في الطرف الشرقي من طريق القصاع محلة عين الشرش نسبة الى عين ماء تدعى عين الشرش كانت مياهها غاية في العذوبة باردة على الدوام، هذه المحلة وتفرعاتها بما فيها حارة الفاعور المنسوبة لاسم بانيها (وكان الفاعور تاجر بناء حمصي الأصل قام ببناء أبنية شعبية متلاصقة تتسع لسكن عدة عائلات فقيرة في البيت الواحد، مع بيوت اخرى لأصحابها ومنهم عائلتنا المؤلفة من جدي فارس وأولاده وقد تزوج الذكور وأقاموا فيه كغيرهم من أبناء دمشق المسيحيين وخاصة الفقراء منهم سكان هذه الضاحية لباب توما)

أما شارع حلب – وقد كان طريقاً ضيقاً يصل دمشق بداخل سورية – فقد شهد توسعاً في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن20 ، وأقيمت البنايات الحديثة على جانبيه وسكن فيه النازحون المسيحيون الجدد من محلة الميدان ( القره شي والموصلي وباب مصلى…)

شارع حلب ودرج الغساني
شارع حلب ودرج الغساني

الترامواي

وفي العقد الثالث من القرن 20 وتحديداً عام 1935

قامت “شركة الجر والتنوير البلجيكية” بمد خط الترامواي من ساحة المرجة الى القصاع، مع تفريعة صغيرة الى ساحة باب توما تصل الى اول الجسر ماقبل جامع الثقفي.

ومد الخط بالتالي ليشمل قرى وبلدات الغوطة الشمالية الشرقية ( جوبر، عربين وحتى دوما) لتخديمها (مع الإشارة الى أنها كانت من أجمل النزهات تلك النزهة في الترامواي بين أفياء الغوطة وارفة الظلال، وخاصة عند احتفال المسيحيين بيوم اثنين الراهب في أول الصوم الكبير المقدس او في رحلات الكشافة وكم لنا من ذكريات في بساتين دوما).)

ترامواي القصاع وشكل البناء التراثي
ترامواي القصاع وشكل البناء التراثي

 ومما ساعد أيضا على استقرار المنطقة وحتى الساحة [ التي دُعيت لاحقاً ساحة العباسيين]، وبناء البيوت على جانبي السكة، مما مكن بعض العائلات المسيحية الميسورة من إقامة فيلات وقصور ريفية في قلب هذه الطبيعة الجميلة [الملأى بأشجار الجوز والتوت والمشمش… وسائر الأشجار المثمرة والفواكه الشامية…] كبيت كحالة وفيلا أليس (النادي الغساني). وأقيمت لاحقاً في هذه المنطقة متنزهات وملاعب لبعض الأندية الرياضية المسيحية كالنادي الغساني، ونادي النهضة، ونادي الهومنمن ونادي الهومنتمن الأرمنيان…

كنائس القصاع

كان من الطبيعي ان يترافق هذا الوجود المتنامي في محلة القصاع بمتابعة رعوية من البطريركيات لايجاد كنائس للصلاة فيها لبعد كنائس محلتهم الاصل في باب توما و…

ترامواي القصاع
ترامواي القصاع

البطريركية الارثوذكسية

بدأت منذ 1905 زمن البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي ونشأت ثلاث كنائس مؤقتة على التتابع فتلغي الحديثة القديمة وذلك في حارات القصاع… كانت عبارة عن بيوت يتم استئجارها تحول الى كنائس صغيرة مؤقتة، وترافقت بثلاث مدارس تابعة لمدرسة جمعية القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية التي كانت اساساً هي الساعية لايجاد الكنيسة بموجب التكليف لها من البطريرك الدوماني، وكانت هذه الجمعية ثقافية ارثوذكسية تضم نخبة من اهل العلم والفكر.

واجهة كنيسة الصليب المقدس التي بنيت عام 1932 للروم الارثوذكس
واجهة كنيسة الصليب المقدس التي بنيت عام 1932 للروم الارثوذكس

– الكنائس الارثوذكسية المؤقتة قبل كنيسة الصليب المقدس كانت هي التالية
اول هذه الكنائس كانت في الحارة الضيقة المتفرعة عن جادة مارسيل كرامة…
والكنيسة الثانية كانت في منطقة القصاع على السكة في بيت عربي واسع كان في محل الشارع العريض المفتوح اليوم على ساحة جورج خوري قبل مستشفى الانكليزي (الزهراوي)
اما الكنيسة الثالثة فكانت هي القاعة الكبيرة في بناء جمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية وهي اليوم مهجع الأيتام الذكور…وذلك منذ تم بناء الميتم وكسوته بدءاً من عام 1928 وحتى تدشين كنيسة الصليب بتجنيز المحسن الكبير سابا جرجي صعبية عام 1936 الذي أكمل بناء الكنيسة وكساها من ماله الخاص بعدما كانت قد بنيت اساساتها وتوقف العمل لنفاذ المال المدخر المكتتب به من الرعية الفقيرة ومن مخصصات المجلس الملي الارثوذكسي…

ثم كنيسة الصليب المقدس والموقع في بستان الصليب وعلى اساسات دير الصليب المقدس الرهباني من مطلع القرن الخامس وحتى 1401 عندما دمره الغازي المغولي تيمورلنك وذبح رهبانه…وقد آلت ارض البستان الى ملكية مزارعين من جوبر
ونشير الى ان ارض بستان الصليب كانت في القرن 19 قد آلت الى آل الاسطواني واشترتها الجمعيات الثلاث مثالثة وهي القديس يوحنا الدمشقي لبناء مدرستها، وجمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية لبناء ميتمها وجمعية بناء الكنيسة اي جمعية الصليب المقدس، لذا لم يبق ثمة مال لاكمال بناء الكنيسة فلجأوا الى المغترب العائد من كولومبيا المحسن السيد سابا صعبية الطيب الذكر فوافق ولذا اقامت له البطريركية نصباً نصفياً برونزيا عن يمين باب الكنيسة تخليداً لفعله الحميد…

جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين البناء الحديث 2006 الذي افيم في حديقة البناء القديم وواجهته على امتداد شارع بغداد في المكان الذي كان يعرف بدخلتي الصليب الثانية والثالثة
جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين البناء الحديث 2006 الذي افيم في حديقة البناء القديم وواجهته على امتداد شارع بغداد في المكان الذي كان يعرف بدخلتي الصليب الثانية والثالثة

وعلينا ان لاننسى ان معظم ابناء الرعية هم من الصناع والحرفيين البسطاء الذين كانوا يعملون بأيديهم وليسوا تجاراً وكان اولادهم يدرسون في مدرسة يوحنا الدمشقي الليلية ويعملون في النهار ليساعدوا ذويهم…هؤلاء قدموا تعب ايديهم من حفر الاساسات وصب البيتون وكل الاكساء تطوعاً ومنهم جدي وابنه الكبير نقولافقط اذ كان البقية كأبي طفلاً صغيراً…وهو من الواجب ذكرهم والترحم عليهم وعلى كل من قدم فلساً وجهداً وتقدمة.

ولما كان ليس بالإمكان التحدث عن كنيسة الصليب المقدس كمؤسسة دون التعرض الى الجمعيتين الارثوذكسيتين القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس للترابط بين مشاريعها الثلاثة (الكنيسة والمدرسة والميتم) ودور المجلس الملي بالنسبة إليها والى بقية الشأن الأرثوذكسي الدمشقي بشكل خاص فقد عدنا الى سجل محاضر جلساته بين 1905 بعهد البطريرك ملاتيوس الدوماني و1956 عهد البطريرك الكسندروس الطحان مروراً بعهد البطريرك غريغوريوس حداد(5)

وتصدت جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية ( وهي جمعية ثقافية ارثوذكسية) على الرغم من ضآلة مواردها لهذه المهمة، فأنشأت مدرسة ابتدائية صغيرة في إحدى الدور العربية في الحارة الضيقة ( المتفرعة عن جادة مارسيل كرامة) إضافة إلى كنيسة مؤقتة في نفس الدار. ونقلت مقرها إلى المدرسة وكانت الدراسة فيها

1- نهارية تعلم فيها معلمات

مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية بنيت عام 1930 في بستان الصليب
مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية بنيت عام 1930 في بستان الصليب

2- ليلية يعلم فيها معلمون إضافة الى مكتبة

وهذه المكتبة هي فرع من مكتبتها الرئيسة في مدرسة الآسية التي نقلت أواخر القرن20 الى المكتبة البطريركية. ونظراً للضيق المادي الذي وقعت به بادرت الجمعية إلى إغلاق مدرستها مما دفع بأولياء تلامذتها لإرسال عريضة إلى مجلس إدارتها راجين إعادة فتحها حتى يتمكن أولادهم من العودة للدراسة ليلاً. وكانت الدراسة فيها متطورة، وتدرس المناهج باللغتين العربية والفرنسية. وقد ناشد الأولياء إدارة الجمعية مساعدتهم بإعادة فتح المدرسة لبعد ” المدارس الطائفية الوطنية الكبرى” الآسية عن أولادهم الذين يؤمونها للدراسة فيها بعد عملهم اليومي. وقد قرر المجلس الملي في جلسته الثالثة بتاريخ 6 ك1 1905 وكانت برئاسة البطريرك الدوماني دعم المدرسة وقدم غبطته مساعدة فورية ليرتين عثمانيتين ذهبيتين، ثم في الجلسة اللاحقة بعد أسبوع وكانت الرابعة تاريخ 23 ك1 1905 قدم الخوري نقولا خشة رئيس جمعية القديس يوحنا الدمشقي الى رئيس الجلسة البطريرك الدوماني قائمة باحتياجات المدرسة ولائحة بأسماء الشخصيات الأرثوذكسية الدمشقية الذي يتوسم منها تقديم المساعدة المالية للمدرسة.

وكانت قد انتهت اخيراً بمجمع الصليب المقدس الذي اقيم في أرض بستان الصليب.(6) ففي عام 1928 نشأت جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين في عام 1930 نشأت مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الابتدائية وفي عام 1932 كنيسة الصليب المقدس…

– الكاثوليكية لانعلم ان كان ثمة كنائس مؤقة ولكن اقيمت كنيسة القديس كيرلس حيث وضع حجر الاساس لها في عام 1930

كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك بنيت عام 1930
كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك بنيت عام 1930

مدارس القصاع

ومن أوائل المدارس التي عرفها حي “القصاع” كانت اضافة الى مدرسة “يوحنا الدمشقي الارثوذكسية” الابتدائية المختلطة المؤقتة في اماكنها الثلاثة، كانت مدرسة الجالية اليونانية التي بنتها الجمعية الخيرية لليونانيين اللاجئين من مذابح الاتراك منذ 1918 واستمرت حتى عام 1923 بسلخ كيليكيا السورية بتوافق افرنسي-بريطاني واعطائها للأتراك…وتعود مدرسة اليونان الى عام 1920 وكانت من المدارس الراقية… في مكانها اليوم نادي الثورة…

ومدرسة اللعازرية للبنات وهي تتبع للراهبات اللعازاريات في محلة برج الروس اولاتزال في موقعها تحت مسمى “بلابل المحبة”، ومدرسة راهبات المعونة الدائمة الخاصة الكاثوليكية” للبنات خلف كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك .

حديقة ومحلة الصوفانية

منطقة الصوفانية عند النهر في باب توما الصورة تعود الى مطلع القرن 20 وهكذا كانت القصاع بساتين غناء
منطقة الصوفانية عند النهر في باب توما الصورة تعود الى مطلع القرن 20 وهكذا كانت القصاع بساتين غناء

ومن المناطق الجميلة في “القصاع كانت منطقة الصوفانية المقامة أبنيتها الفقيرة على أنقاض قرية الصفوانية في منطقة تعد حديقة طبيعية وهي حديقة الصوفانية، وكانت قد تشكلت عبر التاريخ من التقاء فرعي بردي في منطقة الزبلطاني اليوم حيث أطلت/ ولاتزال/ تلك الابنية على هذه الحديقة الطبيعية الجميلة المار منها فرعا نهر بردى إلى الشمال الشرقي من باب توما قرب منطقة برج الروس ويمر منها نهر بردى في طريقه إلى الغوطة الشرقية، وقد أقيم بالقرب منها مقاه ومنتزهات ازدهرت اواخر الاحتلال العثماني وزمن الاحتلال الفرنسي، مثَّل فيها طلبة مدرسة “مكتب عنبر” وكانت هي الثانوية (الرسمية الوحيدة في دمشق) بتلك الفترة مسرحية “طارق بن زياد” عام /1908/، كما غنت في الحديقة السيدة “أم كلثوم” وذلك ضمن حفل أقيم لطلاب مكتب عنبر.

متنزهات

ولأن القصاع منطقة خضراء من البساتين والجنائن كانت الكثير منها تسمى “الجنينة” كعادة السوريين في

حارة الصوفانية لاتزال معظم ابنيتها الاساس وحتى الزبلطاني
حارة الصوفانية لاتزال معظم ابنيتها الاساس وحتى الزبلطاني

اطلاق تسمية الجنينة على كل بقعة خضراء جميلة وهذه التسمية وجدتها دارجة الاستعمال ايضاً في لواء الاسكندرون وكيليكيا) نظراً لجمالها لذلك نشأت فيها الكثير من المتنزهات المغلقة كقصر البللور الشهير وكانت تغني فيه السيدة ام كلثوم وماري جبران و…وكارم محمود وعبد الوهاب، وتجري فيه مباريات المصارعة الحرة والملاكمة، وتمثل فيه المسرحيات التي يقدمها طلاب المدارس كان من ابرزهم/ مع عروض رياضية احترافية/ طلاب مدرسة الآسية الأرثوذكسية بقسميها الاعدادي والثانوي وفرقة كشافتها وفوج الكشاف الارثوذكسي جاورجيوس ومقره وسط القصاع، ومنها متنزهات ومقاه منها حديقة الصعبية الجميلة جداً، وهي حديقة مع مطعم جميل بأشجار باسقة ويجاورها ملعب نادي النهضة وهو القسم الرياضي من الفوج الكشفي الارثوذكسي الدمشقي جاورجيوس. تقابلها حديقة كانت في موقع محطة الجد للمحروقات حالياً…والعديد من المقاهي والمشارب.

وكان على مسار النهر في باب توما وفي فرع النهر المار بجوار سور باب توما القادم من منطقة الفرايين وباب السلام، العديد من المقاهي منها التي تقدم مشروبات روحية مع الموائد اللذيذة، ومنها لشرب القهوة والشاي.

متنزه قصر البلور على السكة في القصاع وهنا صار مركز عسكري افرنسي مؤقت عام 1925
متنزه قصر البلور على السكة في القصاع وهنا صار مركز عسكري افرنسي مؤقت عام 1925

الأندية الكشفية والرياضية في القصاع

إن حي “القصاع” كان يحتوي على العديد من ملاعب الأطفال وأندية رياضية عديدة، ومن هذه الأندية

– ” نادي شبيبة (القصاع) الصليب المقدس” تأسس عام 1930 ولكنه لم يدم طويلاً ويضم هذا النادي مانسميهم اليوم قبضايات الرعية الارثوذكسية، وقد اتخذ من مقر ميتم القديس غريغوريوس مقراً له في بعض الاحيان. وكان هذا النادي يتصدى لاقامة الاحتفالات في اثنين الراهب والباعوث…

نادي النهضة بشقيه

الكشفي: وهو فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي الدمشقي (تسمى الفوج الثاني بقانون حماية الحركة الكشفية السورية عام 1944) والرياضي المسمى نادي النهضة لألعاب الكرات والملاكمة والمصارعة بأنواعها والجمباز”.

كان النادي برئاسة الطيب الذكر القائد الكشفي المتميز المرحوم جورج درزي

نادي الغساني الرياضي لكرة القدم والكشفي ومقره الجميل والمتسع مع الملعب يصل الى حدود شارع حلب والمرتفع عن القصاع مجاور لفيلا اليس بمحلة الغساني اليوم وقد بنيت مكانه بناية سكنية وكان يرأسه المرحوم القائد الكشفي يوسف وهبة عضو المجلس الملي الارثوذكسي البطريركي. وكان لكل ناد ملاعبه التي تتناسب مع الأنشطة التي يقوم بها.

امتداد شارع بغداد من ساحة الفردوس وحتى شارع القصاع هنا كان مقر ملعب نادي النهضة وبجانبه متنزه الصعبية الجميل والشارع يمر اما قسم الاسعاف في المستشفى الافرنسي
امتداد شارع بغداد من ساحة الفردوس (صدر الصورة) وحتى شارع القصاع هنا كان مقر ملعب نادي النهضة وبجانبه متنزه الصعبية الجميل والشارع يمر اما قسم الاسعاف في المستشفى الافرنسي

وكان للروم الكاثوليك فوج كشفي اسمه فوج العمل الكاثوليكي تأسس على ما اذكر عام 1937 بالقرب من برج الروس، وكان للأرمن ناديي الهومنتمن والهو منمن ترتبط بأحزابهم السياسية وصارت تحمل ترتيباً كشفياً هو الفوج الخامس والفوج الثامن يوجد لكل نادي فوج كشفي، كل هذه الاندية الرياضية والكشفية كانت تتنافس لما فيه اظهار ذاتها وحيها ومن تنتمي اليه بأبهى صورة…

إلا أن توسع الحي أدى إلى هدم هذه الملاعب والأندية، وإقامة أبنية سكنية عوضاً عنها فتدنت ديناميتها الى مايشبه الصفر.

كانت هذه الاندية الرياضية في طليعة الرياضة السورية (كما كانت في الحركة الكشفية) وقد سبقت كل مناطق دمشق وبعض المدن السورية وقبل ان يقام تنظيم يضم الاندية الرياضية من القوة وحسن التدريب مايجعلها تقيم دورات في العاب الكرات وبطولات على ملاعبها في القصاع على كؤوس بمشاركة اندية من المحافظات السورية ومن لبنان…كوعينا لنادينا نادي النهضة…وبكل اسف فان اقامة الاتحاد الرياضي العام وخطة دمج

دخلة الصليب الاولى وفي صدرها كنيسة الصليب المقدس وعلى يمين الصورة واجهة مدرسة يوحنا الدمشقي الاساس وعلى يسارها واجهة بناء ميتم القديس غريغوريوس الاساس
دخلة الصليب الاولى وفي صدرها كنيسة الصليب المقدس وعلى يمين الصورة واجهة مدرسة يوحنا الدمشقي الاساس وعلى يسارها واجهة بناء ميتم القديس غريغوريوس الاساس

الاندية ضرب خصوصية وفرادة هذه الاندية فانعكست سلباً على مسيرتها اضافة الى استملاك او بيع اصحاب الاراضي لها لاقامة بنايات سكنية فتوقفت الرياضة القصاعية سواء كانت بألعاب الكرات او القوى او القوة، وحتى الآن…

ولم يبق الا نادي الثورة اليوم المقام في موقع مدرسة اليونان اليوم والمختص بكرتي السلة والطائرة وهو خاضع للاتحاد الرياضي العام.

زاوية دخلة كنيسة الصليب المقدس
زاوية دخلة كنيسة الصليب المقدس

القصاع سوق صاخب

منذ اواخر السبعينيات من القرن 20 بدأت فورة البناء الحديث في القصاع وحاراتها فحلت الابنية الحديثة محل البيوت التقليدية وصارت تحت كل بناء عدد من الدكاكين، وشقت شوارع جديدة واهمها امتدار شارع الزينبية او امتداد شارع بغداد، ليصل الى منطقة الزبلطاني وهناك أقيم سوق هال جديد بديلاً عن سوق الهال القديم الكائن في آخر شارع الملك فيصل…

وكانت ثمة عدة دكاكين تحت الابنية العربية القديمة في شارع القصاع المعروف ب”السكة” اي التي تمر فيها حافلات الترامواي والسيارات القليلة وقتئذ، وكانت هذه الدكاكين في معظمها بإدارة باعة يهود من قاطني حارة اليهود في دمشق القديمة، وقد فتحوا محالهم في القصاع وامتهنوا بيع الاقمشة ولوازم الخياطين والزجاج والدجاج الحي والبيض اللحامين ومنهم اطباء كطوطح، وكان يقطن ولايزال قلة من المسلمين الذين عاشوا ولازالوا اخوة احباء للغالبية العظمى من السكان وخاصة عندما بدأت البنايات الحديثة منتصف الخمسينات، وكان يوجد باعة خضار ولحامين كانوا في معظمهم من المسلمين سكان الغوطة الشرقية مع بعض محلات الحمص ( المسبحة) والفول ك”الدرويش” مدخل حارة الصليب الاولى وباعة الفلافل والعلافين ومصابغ

ساحة النحرير اول شارع حلب وعلى الزاوية جامع الفردوس ومنها يتم الوصول الى باب توما وبرج الروس والقصاع عبر امتداد ششارع بغداد
ساحة النحرير اول شارع حلب وعلى الزاوية جامع الفردوس ومنها يتم الوصول الى باب توما وبرج الروس والقصاع عبر امتداد ششارع بغداد

الكوي، فيما كانت البقاليات وباعة المشروبات الروحية والمشارب، وكان مقر شركة بيتنجانة وكبريتة وبقلة للمشروبات الروحية بين باب توما وبرج الروس و(الافران بيد ابناء معلولا) وصالونات الحلاقة ( الرجالية والنسائية) وورش تفصيل الاحذية الرجالي والنسائي والخياطين والأطباء والصيدليات كلها بيد المسيحيين ابناء المحلة.

لما انتشرت الدكاكين مطلع الثمانينات أقبل اليهود والمسلمين من كل مناطق دمشق بكثافة على استئجار هذه المحال وبدأت معها تجارة الالبسة والأحذية الجاهزة وانتهت بالمطلق دكاكين الجوخ والاقمشة التي كانت بيد اليهود قبلاً وقد حولوها الى البسة جاهزة…

وخصصت محافظة دمشق مشكورة يوم الأحد عطلة اسبوعية لهذا السوق بغض النظر عن أديان تجاره، عدا اليهود الذين لفرط خصوصيتهم الدينية، تم استثناؤهم من العطلة الاسبوعية للسوق اي الاحد، حيث خصصوا بيوم السبت، وكل كل متجر يضع يافطة في واجهة محله تحدد العطلة الاسبوعية إما يوم الاحد وهي الغالبة، او يوم السبت لليهود حصراً.

من ابنية منطقة الغساني
من ابنية منطقة الغساني

ولما مضى حوالي العقد وأكثر قليلاً وفي منتصف التسعينيات من القرن 20 سمح لليهود السوريين بمغادرة سورية حيث كانت الدعاية الصهيونية والاميركية تصور اليهود في سورية انهم معتقلين ونشطت المساعي الدولية والاميركية ونجحوا بمساعي الوسيط الاوغندي عيدي امين من السماح لهم بمغادرة سورية لكن ليس لى الارض المحتلة بل الى اميركا وسمح لهم في هذه الحال بالعودة الطوعية الى سورية موطنهم الاصل،

عندها سلموا محلاتهم بأثمان فاحشة لتجار مسلمين، لأن المسيحيين عموماً ليسوا تجاراً بل حرفيين ولا اموال بين يديهم، لذا لم يكن بمقدورهم دفع بدلات الخلو الفاحشة التي فرضها اليهود ولأول مرة في سوق استجار العقارات…وبهذا يكون اليهود قد استفادوا بشكل لايوصف من فضل القيمة العقارية بين استئجارهم للمحال بمبالغ عادية، وتسليمهم لهذه المحال للمستأجرين الجدد بمبالغ خيالية وقتئذ، والشيء ذاته طبقوه على البيوت التي سكنها بعض أغنياءهم في محلة القصاع وقتئذ لما خرجوا من حيهم الى حيث الابنية الحديثة في القصاع لكن لم يكونوا مالكين بل مستأجرين، فاستأجروها من اصحابها تجار البناء الذين كانوا في معظمهم مسلمين من مناطق جوبر، وسلموها ببدل الفروغ بمبالغ خيالية…

من مقاهي القصاع الحالية
من مقاهي القصاع الحالية

منذ ذاك الوقت وتبعاً لما فعله اليهود قبيل مغادرتهم دمشق، فُرض على عقارات القصاع من دكاكين وبيوت إيقاع ثقيل بذلك هوبدل الفروغ…وكان ذلك بفعل اليهود ونظرتهم التجارية، وبالتالي حولوا اموالهم الى دولارات وكان منهم الكثير من الصيارفة وتجار الذهب الخام بالكيلو غرام، وهاجروا خارج الوطن علماً ان فريقاً كريماً منهم رفض الخروج من سورية الى الولايات المتحدة وبقي، ولكن معظمهم بعد ذلك وبفعل القوة القاهرة الخارجية من المنظمات اليهودية تركوا سورية وبقي عدد بسيط من كبار السن يعيشون منفردين في بيوتهم التقليدية الواسعة بحارة اليهود يرعاهم ويعطف عليهم جيرانهم بكل شيء.

وبذلك تحولت حارة القصاع الى سوق صاخبة لمختلف البضائع وانتشرت المقاهي الحديثة فيها والمطاعم السريعة لتواكب حركة السوق، مما شكل ارهاصات كبيرة نتيجة تحول الحي السكني الهادىء الذي كان فقط لسكانه وحياتهم الاجتماعية الى سوق صاخبة اصبحوا يشعرون بغربتهم فيه، مما أثَّر على تلاحمهم العائلي ،فالكل تقريباً اقارب، وعلى تلاحمهم الاجتماعي والديني وبدأت تتغير كل المظاهر الاجتماعية المحببة في أعيادهم كالكرنفالات والجولات الكشفية والسيف والترس والمساخر… والتي حملها آباؤهم من موطنهم الاصل في دمشق القديمة الى القصاع الذي انشأوه حياً عائلاً دافئاً، فصاروا يشعرون بكل اسف كما قلنا انهم أغراب في حيهم سيما وان معظم الباعة لايتقيدون بعطلة الاحد ولا يتقيدون بسلوكيات لطالما تقيد بها اهل الحي.

الضريبة لم يدفعها الا سكان حي القصاع.

اول حارة الفاعور او عين الشرش البيوت القديمة الباقية ومصيرها الهدم
اول حارة الفاعور او عين الشرش البيوت القديمة الباقية ومصيرها الهدم

 

حواشي البحث

1- مجلة المجمع العلمي العربي ( الجزء 3 من سنة 1957)

2-القيمرية محلة اسمها في العهد الرومي وحتى قرون متأخرة من الوجود الاسلامي آيا ماريا اي القديسة مريم اليونانية لكونها تجاور كنيسة المريمية، ابنة الثلث الاول من لقرن المسيحي الاول، وكان كل المحيط يحمل اسم ايا ماريا وقد تحول الاسم الى القيمرية مع الكثير من التسميات الاصل الى محدثة… وليس دقيقاً نسبة الحي الى (الشيخ القيمري الذي اقام المدرسة القيمرية على اسمه) كما تشير يافطة الحي المعتمدة من محافظة دمشق حيث لاوجود له بين الاعلام المسلمين وسواهم، ولم يسمع به احد ولو فرض ان هذا صحيحا فهذا يعني ان اسم الحي فرض ذاته على الشيخ المكور كلقب وعكسه على مدرسته…

3-نظام الامتيازات فرضته الدول الاوربية الكبرى على “الرجل المريض” اي الدولة العثماني وهو حق حماية المسيحيين في الدولة الثمانية وهو على النحو التالي:

– فرنسا والنمسا لهما حق حماية الكاثوليك بكل طوائفهم…

– انكلترا لها حق حماية البروتستانت والدروز وضمنا اليهود…

ساحة برج الروس وفي صدر الصورة بناء يعود الى عام 1913 لأحد القناصل الايطاليين وبجانبه البناء الضخم وهو بناية المحسن سابا جرجي صعبية وتعود الى العقد الثالث من القرن 20
ساحة برج الروس وفي صدر الصورة بناء يعود الى عام 1913 لأحد القناصل الايطاليين وبجانبه البناء الضخم وهو بناية المحسن سابا جرجي صعبية وتعود الى العقد الثالث من القرن 20

– روسيا لها حق حماية الارثوذكس من روم سوريين ويونان ابناء بطريركيات انطاكية والقسطنطينية واورشليم، يتبع بهم ابناء الكنائس الشرقية الارمن والاشوريين والسريان… والسبب في ذلك عدم قدرة الدولة على حماية رعاياها من المسيحيين والاقليات…وبموجب ذلك صار للقناصل دور مهم جداً في حياة الدولة العثمانية لجهة حماية مصالح ونفوس هذه الاقليات.

4- وقد عرضته ادارة المستشفى الانكليزي والبعثة الراعية التي قررت مغادرة دمشق وانهاء عملها على بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس مثلث الرحمات الكسندروس الثالث (طحان) لتشتريه البطريركية بمبلغ مليون ليرة سورية كون البطريركية كان لها مستشفى ارثوذكسي هو مستشفى القديس بندلايمون الارثوذكسي وهو اول مستشفى خاص في دمشق عموماً وارثوذكسياً خصوصاً وكانت المستشفى في مايسمى “الحظيرة” في جمعية القديس بندلايمون أحدث عام 1900 بعد سنة من احداث مستشفى الروم ببيروت واستمر حنى 1930 تقريباً وتوقف لكونه مستشفى خيري لايتقاضى رسوماً من اغلبية الرعية وهي فقيرة، وبالتالي عدم وجود قدرة مالية لدى البطريركية والجمعية التي تديره للتعويض، كون ارثوذكس الشام كلهم من الفعاليات الحرفية والعاملة بعكس ارثوذكس بيروت وكلهم من التجارالذين دعموا المستشفى وهو تابع لمطرانية الروم الارثوذكس ببيروت بكل شيء) وكان هذا المبلغ ذاك الوقت مبلغ فاحش جداً لاقدرة للبطريركية على تأمينه بعد ان كانت قد باعت كل اوقافها في دمشق والاديرة البطريركية المرهونة من قبل البطريرك غريغوريوس الرابع (حداد) لتفي الديون وفوائدها الفاحشة لاطعام الجياع في فترة سفر برلك 1914-1918 ونتائج الثورة السورية المدمرة على الوجود المسيحي الارثوذكسي في حوران وجبل الدروز وتهجيرهم من قبل الثوار الجهلاء لأنهم مسيحيين كما المحتل الفرنسي بكل اسف وكانوا على عاتق البطريركية خلال 1925-1927 من إطعام وترحيل واعادة الى بيوتهم ومنح شهرية والتعويض عليهم عن كوارثهم في بيوتهم واراضيهم وكنائسهم بدون تعويض من الفرنسيين او الدولة بعكس الطوائف الكاثوليكية التي قامت المفوضية الفرنسية العليا بالتعويض عليهم في كل فترة الانتداب…

واجهة المستشفى الافرنسي مع حماية افرنسية مشددة عام 1925
واجهة المستشفى الافرنسي مع حماية افرنسية مشددة عام 1925

اضافة الى النهج المعتاد عند البطريركية الارثوذكسية وسائر مطرانيتها التي لاتفرق بمساعداتها بين كل ابناء الوطن لذلك قدمت /وفوق احمالها من ديون وفوائد باهظة/ المساعدات المالية والاغاثية للمسلمين المدمرة بيوتهم بقصف دمشق من قبل الفرنسيين واحتراق أسواق برمتها كمحلة سيدي عامود وقصورها الجميلة جداً والتي اسميت “الحريقة” تبعاً لذلك.

بالنسبة لعرض ادارة المستشفى الانكليزي وبالرغم من تشجع البطريرك طحان لاعادة بعث المستشفى الارثوذكسي الدمشقي الخيري،الا انه اعتذر لعدم وجود اي مال لدى البطريركية وبالتالي عدم وجود مايكفي لمصروف البطريركية لانعدام موارد تأجير معظم أوقافها الباقية بعد بيع معظمها، هذه كانت بيوتاً بسيطة يسكنها فقراء الطائفة بالمجان او شبه المجان…

ووفق لأحكام القانون السوري فكان على البعثة الانكليزية ان تبيعه قبل مغادرتها او ان تهبه الى الحكومة السورية في عام /1958/ فسمي مستشفى الزهراوي نسبة للطبيب والجراح الأندلسي “أبو القاسم خلف الزهراوي” وقد تولته وزارة الصحة وحولته الى” مستشفى الزهراوي للتوليد وامراض النساء”.

5- انظرها في بحثنا عن كنيسة الصليب المقدس بموقعنا هنا…

كنيسة الصليب المقدس مع الايقونسطاس البديع
كنيسة الصليب المقدس مع الايقونسطاس البديع

6- بستان الصليب المقدس كان منذ القرن الرابع وحتى عام 1401 عليها دير الصليب المقدس الرهباني الرجالي وقد دمره تيمورلنك المغولي وذبح رهبانه، واندرس الدير لكن بقي كبستان يحمل اسمه الاصل بستان الصليب المقدس. اما ساحة برج الروس وفق التسمية الحالية، فقد اقام فيها تيمورلنك وكانت بيدراً كبيراً مجاوراً لدير الصليب اقام برجاً من رؤوس الدمشقيين انتقاماً منهم على مقاومتهم له فقتل كل الذكور وقطع رؤوسهم ومنه ايضاً رهبان دير الصليب…

ملاحظة هامة:

(نرجو من كل من يريد ان يستفيد من مفالنا هذا وكل مقالاتنا في موقعنا هنا ذكر المصدر  وهو حقنا المصون بقانون النشر وفق ابسط ادبيات النشر  ولنا ملء الأمل بذلك) وسنكون آسفين الى اللجوء الى الاصول القانونية للحفاظ على حقنا في الملكية الفكرية وعدم استلابها.

شكراً…

 


خربشات سياسية…28 /7/2018

$
0
0

خربشات سياسية…28 /7/2018

لمَ وجدنا وفداً كردياً مما يسمى قسد في دمشق للتفاوض مع الحكومة السورية؟

ماهي الاسباب الموجبة؟ والنتائج المرتقبة؟

اين اميركا وهم رأس حربتها؟؟ وكيف وافقت على المروق الكردي والعودة الى حضن الوطن الأم والدولة السورية وهي لاتزال تحتل الشرق والشمال السوري؟؟؟!!!

توطئة

برغم التباين الكبير بين تطلعات مايسمى “مجلس سوريا الديموقراطية” والحكومة السورية حول مستقبل الشمال الشرقي، فإن المحادثات التي بدأت علناً للمرة الأولى، تبدو خطوة واعدة لاجتراح حلّ من شأنه تجنيب تلك المنطقة أي تصعيد أو مواجهة.

في زيارة هي الأولى من نوعها، وصل وفدٌ من مجلس سوريا الديمقراطية التي اوجدتها اميركا المحتلة وهي الجناح السياسي لـ “قسد”، مساء اول أمس، إلى دمشق لإجراء محادثات مع الحكومة السورية.

وفي تصريح لقناة “روسيا اليوم”، قالت رئيسة الوفد، إلهام أحمد، إنّ “الوفد وصل إلى دمشق لبحث الأمور السياسية والعسكرية مع السلطات السورية…”
من جهته، أشار الرئيس المشترك لـهذا المجلس رياض درار، إلى أن الوفد يزور دمشق “بناءً على طلب الحكومة السورية”، مؤكداً، في تصريح لـ”فرانس برس” وعلى قناة ام أف.أم، أنه: «ليس لدينا أي شروط مسبقة للتفاوض ونتمنى أن تكون المحادثات ايجابية لمناقشة الوضع في شمال سورية بالكامل”.

وأضاف أنه “كان من المتوقع في البداية أن تركّز المحادثات على أمور مثل تقديم الخدمات”، لكنّ “الأمور تتطوّر لما هو أوسع من ذلك. قد تكون هناك لقاءات بعضها أمني وبعضها سياسي»، وفق ما قال لـ”رويترز وعلى الشام اف. ام”».
ويضمّ الوفد، إلى جانب الهام أحمد، ابراهيم القفطان رئيس “حزب سورية المستقبل” ، إضافة إلى ثلاثة مسؤولين آخرين.
وكان “مجلس سوريا الديمقراطية” قد أعرب يوم 19 تموز الحالي، عن جاهزيته لزيارة دمشق من أجل عقد محادثات مع السلطات السورية، وفتح مكاتبه في كثير من المدن السورية، بينها العاصمة دمشق. كما كشف أنّ وفوداً من دمشق زارت الشمال السوري سابقاً، مشيراً إلى أن هذه الزيارات «كانت إيجابية…”

والسؤال الحق في هذه التطورات الملفتة
أكرادُ سورية يتفاوَضون في دِمشق للعَودة إلى المِظلَّةِ الرسميّة.. ثَلاثَة أسباب تَقِف خلف هذا التَّحوُّل غير المُفاجِئ.. ما هِي؟ ولماذا فَقَدوا الثِّقة فَجأةً بِحليفِهِم الأمريكيّ؟ وكيف استفادوا من دُروس كُردِستان العِراق والمُعارضةِ السُّوريّة؟

الملاحظ الآن ان الأكراد في مايسمى مجلس سوريا الديمقراطية يظهرون بهذه التطورات السياسية درجةً عالِيةً من بُعد النَّظر، والقِراءة الصَّحيحة للتطوّرات الإقليميّة، في وطننا السوري ودُوَل المشرق الكائنة على حافة الهاوية والبركان، وبِما يُميّزهم عن نُظرائِهم الآخرين في شمال العِراق، ويُجنِّبهم مُواجهةً دمويّةً قادِمة مع الجيش السوري المنتفض والمنتصر بعقيدته كصاحب حق، وبعون القوات الرديفة الداخلية وحزب الله والحلفاء كالروس والايرانيين الاوفياء…

الجيش السوري الناهض بكل العزم الذي طبقت انتصاراته كل الجغرافيا السورية بالرغم من مرارة السنوات الثمان على سورية وعليه وماقدمه من شهداء وجرحى ومخطوفين، ربّما تكون المواجهة وبالتأكيد مُكلِفة جِدًّا مادِيًّا وبَشريًّا.

نَسوق هذه المقدمة بعد وصول أنباء عن وصول وفد من مجلس سورية الديمقراطيّة برئاسَة السيدة إلهام أحمد، الرئيسة التنفيذيّة إلى دِمشق لفَتح قنوات حِوار مع الحُكومة أبرز أهدافه التَّوصُّل إلى اتِّفاقٍ سياسيّ يَحفَظ للأكراد حُكمَهم الذاتيّ في شَمال شرق سورية، ويُعيد الخَدمات الرسميّة الأساسيّة إلى المُدن التي يُسيطِرون عليها، مِثل التعليم والصِّحَّة والماء والكَهرباء.

تُسيطِر قُوّات سورية الديمقراطيّة حالياً وهي الذراع العسكري للأكراد والحليف لأميركا وحلفائها، تسيطر على رُبع الأراضي السوريّة حاليًّا، وتحظى بدَعمٍ أمريكيّ، الملفت انهم أقدَموا على هَذهِ الخَطوة، وفي هذا التَّوقيت بالذَّات، لعِدَّة أسباب هي

ـ الأوٍل عدم ثِقتهم المُطلَقة بالأميركان المحتلين، الداعم الرئيس لهم بصفتهم رأس حربته، والمُتواجِدين في قواعد داخِل الأراضي التي يُسيطِرون عليها خاصَّةً بعد أن تخلَّى هؤلاء عن مايسمى المُعارضة المسلحة في جنوب سورية، وإرسالهم رسالةً واضِحةً لقيادتهم، وباللغةِ العربيّة تُؤكِّد أنّها لن تتدخَّل لحِمايَتهم أمام زحف الجيش السوري نحو دَرعا والقنيطرة، وكذلك لدُخول أمريكا في تحالف مع تركيا ضِد أشقائِهم في مِنبج وعِفرين، وتَخلِّيهم عن كردستان العِراق وعدم دعم طُموحات قيادتها في الاستقلال.

ـ الثاني إعلان الرئيس بشار الأسد أنّه بعد سيطرة قُوّاتِه على مساحاتٍ واسِعةٍ من البِلاد باتَت قُوّات سورية الديمقراطيّة “المُشكِلة الوَحيدة المُتَبِقِّية أمامه، وقال “إنّنا أمام خِيارين، أحدهما فتح قنوات الحِوار معهم، وإذا لم يستجيبوا سَنلجأ إلى تحرير تِلك المناطق التي يُسيطِرون عليها بالقُوّة”، ويبدو أنّهم اختاروا الخِيار الأوّل.

حماة الديار وعلم ضم شمل البلاد
حماة الديار وعلم ضم شمل البلاد

ـ الثالث التهديدات التي أطلَقها الجِنرال قاسم سليماني قبل بِضعَة أيّام التي وجَّهها إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال فيها أنّ هُناك 50 ألف جُنديٍّ أمريكيٍّ باتوا رهائِن تحت رحمة الحَرس الثوريّ وحُلفائِه، ويَقصِد بذلك القُوّات الأمريكيّة في سورية والعِراق، والقواعد في مِنطَقة الخليج، إلى جانب أكثر من عِشرين ألف جندي يتواجدون في أفغانستان تَحت مِظلَّة حِلف الناتو نصفهم من الأمريكان تَقريبًا.

قُوّات ماتسمى سورية الديمقراطيّة تَجنَّبت طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية من عُمُر الحرب الكونية على سورية الصِّدام مع الجيش العربيّ السوريّ، وانخَرطت في حَربٍ ضد داعش بدعم أمريكي عسكري مكّنها من السيطرة على مدينة الرقّة عاصِمَة داعش قبل عامٍ تقريبًا، وأدرَكت أنّ الدولة السوريّة يُمكِن أن تُشَكِّل لها الحِماية في مُواجَهة الزَّحف التُّركيّ على مَناطِقها.وان كانت في مناطق اخرى سلمتها داعش حقول النفط والغاز بدون قتال وانسحبت ممايشي بصفقة بين قسد وداعش برعاية اميركية.

موقف الدولة السورية

السيد وليد المعلم، وزير الخارجية، كان أوّل من قدَّم عرضاً، للأكراد يتضمّن استعدادًا للتَّفاوض حول منحهم حُكمًا ذاتيًّا في مَناطِقهم، وهو العرض الذي فاجأهم، مِثلَما فاجأ الكَثير من السُّوريين أيضاً.

لم يُعامِل أحد في المِنطَقة الأكراد مِثلَما عاملتهم الدولة السوريّة التي اعتبرتَهم مُكوِّناً سِياسياً أساسياً مِن مُكوِّنات الشعب السوري، وصَحَّحت أوضاع الآلاف منهم، عندما منحت الجنسيّة السوريّة لحَواليّ رُبع مليون منهم على الأقل قبل الاحداث، وفي بِداياتها، وأرسلت وحدات مقاومة شعبيّة تابِعة لها للقِتال إلى جانبهم في “عفرين”، لمُواجهة العدو التركي وعصاباته التركية والتركمانية والاذربيجانية والايغور… التي كانَت في طريقها للسيطرة عليها.

ربّما يكون من السابق لأوانِه التَّكهُّن بنتيجة هذه المُفاوضات ليس لأنّها في بِداياتها، وإنّما لأنٍها غير مسبوقة أيضًا، ولكنّنا في الوقت نفسه نَشعُر بجُرعَةٍ كبيرةٍ من التَّفاؤل بإحرازِها الكثير من التَّقدُّم على صَعيد القضايا المَطروحة على مائِدة المُفاوضات التي نَرى أنّها تَعكِس تَطوُّراً مَوضوعياً لدَى طَرفيها، السوريّ الرسميّ وكل الشعبي والكُرديّ، ورَغبةً أكيدةً في تَجنُّب الصِّدامات الدمويّة، وهذا عين العَقل والحِكمَة.

أمريكا والعدو الصهيوني والاتراك والغرب خَدعوا الأكراد، وطعنوهم في الظهر، واستخدموهم كوَرقةٍ لخِدمَة أهدافِهم في بذر بُذور الفِتنَة بينهم وبين جيرانهم وأشقائِهم العَرب، وما حدث في كردستان العراق هو أحد أبرز الأمثلة، وآن الأوان في رأينا لاستيعاب هذه الدُّروس الخِيانيّة المَريرة والتَّطلُّع إلى تَلاحُمٍ عَربيٍّ كُرديٍّ مُشتَرك يَخدِم مصالح الطرفين على أُسُس المُساواة والديمقراطيّة، واحترام حُقوق الإنسان.

في الواقع…

القوات السورية تحرر الجنوب السوري
القوات السورية تحرر الجنوب السوري

تقترب مناطق الجنوب السوري من العودة بنحو كامل إلى كنف الدولة، مع اندحار داعش في حوض اليرموك، وسيطرة الجيش أمس على بلدتي نافعة والشجرة، تمهيداً لاستعادة كامل البلدات الباقية خلال وقت قصير جداً. وبرغم الاستعدادات التي تجري لإطلاق عملية عسكرية ضد التنظيم في بادية السويداء الشرقيةيشارك فيها سكان محافظة السويداءانتقاماً للمأساة التي وقعت مؤخراً، وإنهاء خلاياه ضمن منطقة اللجاة، بات الشمال السوري عنوان المرحلة المقبلة، مع ما يحمله من أسئلة عن مصير إدلب ومحيطها، ومن خلفها مناطق سيطرة الاتراك الغزاة واذنابهم في ريف حلب الشمالي، إلى جانب الشمال الشرقي حيث «قوات سوريا الديموقراطية» والأميركيون. التخوف لدى داعمي المعارضة من تحرك عسكري باتجاه إدلب، بات يفرز تحذيرات يومية من مخاطر عملية كهذه، خاصة أن لا مكان آخر لترحيل “رافضي المصالحات” إليه، وهو ما قد يفضي إلى معادلة القتال حتى النهاية. وبينما يدخل العامل التركي في عفرين والباب ومحيطهما، تبدو مناطق الشمال الشرقي بعيدة نسبياً عن هذا التخوف، وسط التطورات اللافتة في قنوات التفاوض بين مجلس سوريا الديموقراطية ودمشق. وبعد انعقاد المؤتمر السنوي لـ«مسد» والحوارات التي رافقته مع أطياف واسعة من القوى السياسية، أُعلنَت أمس زيارة وفد من «مجلس سوريا الديموقراطية» لدمشق، بناءً على دعوة من الحكومة السورية، هي الأولى المعلنة رسمياً إلى جانب طرح فكرة المشاركة في انتخابات الإدارة المحلية المقررة في 16 أيلول المقبل. وأتى استكمالاً للقاءات بين مسؤولين من المجالس المحلية في مدن الطبقة والرقة ومنبج، وممثلين عن الجانب الحكومي، بحضور روسي، بهدف بحث إمكانية عودة الخدمات الحكومية إلى تلك المناطق. ورغم الاتفاق حينها على عودة الموظفين إلى سدود البعث والفرات وتشرين، ومستشفى الطبقة الوطني، إلا أن الحكومة رفضت استكمال الإجراءات إلا بعد تسلّم كل المؤسسات الحكومية بالكامل، ورفع العلم السوري فوقها

ويصف رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية»، رياض درار، في حديث إلى العديد من وسائل الاعلام، اللقاءات التي جرت في دمشق بأنها «إيجابية»، كاشفاً أن «الملف الخدمي كان العنوان الأول لهذه الزيارة التي تهدف إلى بحث مزيد من الحاجات الخدمية، ومعرفة الأجندات التالية التي يطرحها الجانب الحكومي مع الوفد». ويضيف درار القول: «لسنا في مواجهة أو حرب مع النظام السوري، ولن يكون هناك مواجهة، لكن نحاول أن نعمل معاً لبناء سوريا جديدة فيها رأي ورأي آخر»، مشيراً إلى أن «الجيش السوري هو الحامي للبلاد، وقوات سوريا الديموقراطية ستكون جزءاً من هذا الجيش، بعد التسوية».

نحو تحرير كل شبر من الجغرافيا السورية المحتلة
نحو تحرير كل شبر من الجغرافيا السورية المحتلة

وتوضح مصادر مقرَّبة من الوفد الزائر في دمشق، أن هدف الزيارة طرح ملف القضايا الخدمية، والاستماع إلى وجهة النظر الحكومية بشأن الحل في الشمال والشرق السوريين، مع طرح فكرة اللامركزية الموسعة كشكل مناسب، بعد إقرارها في مؤتمر الطبقة الأخير. وبالتوازي فإن الجانب الحكومي يرفض مناقشة فكرة «الفيدرالية» أو «اللامركزية»، إلا بما يتوافق مع قانون الإدارة المحلية، مع طرح فكرة تطويره، بالإضافة إلى أنه يريد تمثيل المكوّن الكردي وفق نسبته العامّة في كل جغرافية البلاد، مع الترحيب بالانخراط في الحياة السياسية، ورفض بقاء أي سلاح سوى سلاح الجيش السوري
وحول الموقف الأميركي من القنوات المفتوحة مع دمشق، يقول درار إن «واشنطن وموسكو تعلمان بكل الخطوات في ما يتعلق بالشمال السوري» يؤكد أن الأميركيين لا يعترضون على المحادثات مع دمشق

لافتاً إلى أن «الأميركيين لم يتدخلوا في قرارنا ولم يرسموا لنا أي سياسات تتعلق بموضوع المحادثات».

حول موقف القوات الاميركية

تتحدث مصادر مطلعة على هذا الملف، قائلة إن الولايات المتحدة الأميركية نصحت الأكراد منذ بداية التعاون العسكري معهم، بعدم التخلي عن وجود المؤسسات الحكومية. كذلك تقول إن الأميركيين أبدوا استعدادهم لسحب القوات العسكرية بمجرد التوصل إلى تسوية مع الجانب الحكومي، تكون مقبولة من قبل مجلس سوريا الديموقراطية. وبالتوازي، يعمل المجلس الأخير على تمتين حضوره داخل المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة، عبر افتتاح مكاتب في عدد من تلك المحافظات، في خطوة أولى تمهّد لتشكيل جسم جديد، يحل بديلاً من المعارضات التي احتلت الواجهة خلال السنوات الماضية. وترى مصادر مقربة من المجلس أن مسار المحادثات في جنيف، وملف «اللجنة الدستورية» لن يكتب لهما النجاح وفق صيغتهما الحالية، مضيفة أن المجلس سيعمل على التفاوض مع الحكومة على مراحل، تبدأ بالتعاون في المجال الخدمي والاجتماعي، لتصل لاحقاً، إذا ما نجحت، إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي. ولن يكون مسار المفاوضات سهلاً بالنظر إلى التباين الكبير بين تطلعات كلا الطرفين، للحل المفترض.


خربشات سياسية 3/8/2018رؤية في مشروع تحرير ادلب والشمال الغربي

$
0
0

خربشات سياسية 3/8/2018

رؤية في مشروع تحرير ادلب والشمال الغربي

تقريبا انجزت معارك الجنوب السوري وانتهى التطهير من الوجود الارهابي والتكفيري وكخفافيش الظلام واللصوص وفي خضم معارك تحرير الجنوب، قام العدو الصهيوني بعملية استخباراتية دقيقة فيها تم تهريب مجموعات الاقنعة البيضاء عبر الاردن والكيان الصهيوني ليتم توزيعها على عدد من دول العدوان لايوائهم، التي جعلها مصمموها تمثل على الكون بأنها جماعة خيرة لمصلحة الشعب السوري المنكل به من نظامه، وفبركت كذبات الكيماوي في خان العسل وفي خان شيخون وفي الغوطة الشرقية وفي… وتعرضت سورية لعدة اعتداءات من التحالف الدولي الذي تخوضه اميركا العدوة وخاصة في مطار الشعيرات بأمر من ترامب مع العدوين الانكليزي والفرنسي، ثم عاد العدو الصهيوني ليأخذ المبادرة فمني باسفاط طائرة ال. اف.16 بصواريخ سام مطورة سورياً…

وكام من الذين تم تهريبهم مع ذوي القبعات البيضاء العديد من كبار قادة الدواعش وجبهة النصرة الاجانب…

ماهو الواقع المرتقب بعد متابعة الجيش السوري تحرير ماتبقى من جيوب في اللجاة والبادية السورية في محافظة السويداء تضم فلول الارهابيين الدواعش…

الرئيس الاسد صرح بأن لابديل عن تحرير كل شبر محتل بالارهاب، وكانت ادلب على موعد مع التحرير قبل سنة من الآن لولا نقل القوات السورية البطلة الى غوطة دمشق الشرقية وتحريرها مع الغوطة الغربية ومخيم اليرموك…ثم تحرير محاقظات الجنوب…

الاخبار الحربية تشير الى ان النية والوجهة المقبلة هي ادلب وشمال وغرب حلب لاسيما بعد عودة الارهابيين لقصف حلب تحت سمع تركيا العدوة الضامنة لاتفاق استانا ولكنها احتلت الارض ووفرت لهذه النجموعات الارهابية في شمال حماة وادلب وشمال غرب حلب وريف اللاذقية الفرضة السانحة لسكب حقدها على المدنيين الآمنين، وقد بدأت طلائع القوات بالتحرك نحو ادلب…وما كل هذا الغدر التكفيري بقصف حلب في الايام الماضية الا لإعاقة توجه القوات السورية وعرض العضلات وافهام القيادة والجيش انهم بالمرصاد…

نحو نحرير كل سورية
خربشات سياسية 3/8/2018

في الواقع المنظور
في العروض الكبيرة ينتظر الناس بشوق وتلهف .. ومن كثرة الانفعال والتوق لرؤية العرض فان الخيال يجنح ويصبح اي عرض أقل مما يتوقعه الحالمون .. وهذا ماقد يكون عليه الأمر في معركة ادلب .. التي ينتظرها الطرفان على أنها العرض الكبير وعرض العروض حيث ان العيون
تتطلع وتشخص اليوم الى ادلب وينتظر الجميع المعركة الأخيرة .. التي يطلق عليها البعض اسم أم المعارك .. ويسمع أحدنا أرقاما هائلة عن جيوش واتحادات واندماجات واستعدادات وغرف عمليات جهادية .. والبعض من الارهابيين الذين يسمون انفسهم وتنسيقياتهم تسميهم “الثورجيين” ينتظر موقف النيو سلطان العثماني اردوغان الموصوف اليوم في المانيا رسميا وشعبياً ب”الدكتاتور الطاغية” الذي وعدهم بأن يقاتل بهم حتى آخر لحظة وحتى آخر رجل فيهم .. دون أن يخسر تركيا واحدا من أجلهم .. فقد دفعهم أمامه لقتال الاكراد واستعملهم كما كاسحات الألغام…
الكثيرون من الثورجيين الذين ينتظرون المعركة بفارغ الصبر يملأ رؤوسهم الوهم الذي يحشوه جنرالات الثورة على النظام الكافر في دمشق من فلول مايسمى الجيش الحر والشرطة الحرة وتلك العصابات بأسمائها الاسلامية الرنانة، ومعارضو الفنادق الخمس نجوم في الرياض واسطنبول وما تسمى “الحكومة الثورية” التي تجعل بعض مكاتبها في ادلب، في رؤوس الناس .. فادلب ليست درعا .. وليست القنيطرة…فهناك أردوغان القائد المسلم المظفر بنصر الله وجنوده، وهو لن يفرط بحياة آخر الثوار وربما سيدخل حرباً من أجلهم .. كما أن الثوار أضعاف مضاعفة وهناك عشرات الألاف منهم مع سلاح كثيف لم يواجه مثله الجيش السوري .. وسيكون اقتحام جبال ادلب وقراها مكلفا جدا للجيش السوري وحلفائه…واتذكر ان احد قادة عصابات ادلب في اول الحرب الكونية على سورية قال لوسيلة اعلامية عالمية:” بشار الاسد لن يجرؤ على دخول ادلب فهو جبان ….لأنه يعرف ماذا ينتظره قيها…” لذلك يرون أن هذه المعركة هي التي ستقصم ظهر النظام وتكون المغارة التي يدخلها الجيش السوري الذي سينتهي هناك…

في الوقائع والمعطيات الميدانية

الجيش السوري، والقوات الرديفة والحليفة المدعومة من الطيران الروسي، ربما ستكون هذه المعركة امامه لاشيء قياساً بالمعارك التي خاضها، وقد تكون نزهة في ربوع ادلب الخضراء…فآخر المعارك في نهاية أي حرب هي نزهة الحرب… الروس من جانبهم تواقون الى حسم بؤرة ادلب الانتانية الارهابية كما صرح لافروق بالأمس، وان كانوا يتمتعون ببرودة جليد سيبيريا، الا انهم باتوا يتذمرون من استمرار محاولات هذه العصابات من ارسال طائرات مسيرة لتضرب قاعدة حميميم !!!، ومركز المصالحة الروسي بدوره منذ فترة يسعى مع هؤلاء لعدم التصعيد خاصة، والحشود العسكرية لهذه العصابات باتت واضحة لقطع الطريق على تقدم الجيش السوري من شمال حماة الى شمال غرب حلب الى ادلب الى شمال اللاذقية، بعد توحيد فصائلهم وقياداتها، ومطالبا اياهم بالقاء السلاح، والرضوخ للتسويات…
فالجيش الارهابي الضخم في ادلب هو جيش لمامة لمرتزقة من 87 جنسية ولغة وتجمع لفارين وهاربين ومهزومين هم آخر من تبقى من نصف مليون ارهابي خارجي وداخلي خرجوا من حصونهم الطبيعية بعد سنوات كانوا متحصنين فيها، وكانوا يتوعدون النظام بكسر ظهره، واذ بهم يتهاوون ويتبادلون الاتهامات وخرجوا اذلاء في الباصات الخضر الى ادلب والشمال الحلبي…

جيش ارهاب ادلب حالياً هو شظايا لعصابات أسمت نفسها “جيوش” كجيش الاسلام وفيلق الرحمن وجيش خالد وجيش الفتح وجيش العزة… وتجميع لذكريات أليمة لهم، وهوخليط من بقايا جيوش هجينة غير منسجمة، وتنظيمات لقيطة من كل المناطق التي خرجت بتسويات … وهم غادروا طريدين ونفذوا بجلودهم التي لن يبيعوها بسهولة هذه المرة، وهم بالتأكيد ينتظرون كيف سترجح كفة المعركة القادمة في ادلب ليقرروا اما الاسستسلام او الهروب…

ارادة القتال انعدمت لديهم بعد فرار قياداتهم ومهم الاموال الطائلة، وكل يوم يقدمون قتلى بصراع دموي فيما بينهم، والصراع في الشمال السوري على ارزاق الناس التي سرقوها…

هؤلاء هم ممن بقي من معارك الامس العنيفة وذهبوا واراواحهم كسيرة .. أو كسرت بالشتات، فمن مات منهم على يد الجيش السوري في معارك تحرير المدن هم القتلة العقائديون وهم نخبة المقاتلين الارهابيين، وأما من سلم سلاحه فانه مقاتل متقاعد وخرج من المعركة نهائياً، وغالبا لن يعود الى القتال…في حين ان من خرج الى ادلب ورفض تسليم السلاح فانه مقاتل نصف عقائدي ونصف متقاعد.وكثيرون منهم خرجوا الى ادلب كمعبر الى تركيا واوربة واحرق سفنه خلفه ولن يعود… وسيبقى في ادلب ثمالة المقاتلين الذين فقدوا العزم وفقدوا الارادة وفقدوا الامل، والناقمون على زعمائهم الذين تركوهم وأبرموا مصالحات او ذهبوا الى المنافي… فحتى عتاة جبهة النصرة ارتدوا الخوذ البيضاء كأقنعة وهربوا الى كندا واوروبة وتركوا الصعاليك المجاهدين للموت…!!!

فلماذا سيقاتل المقاتلون الصعاليك الجهاديون ومن أجل ماذا؟؟ كما أن هناك ثمالة من المرتزقة الذين سدت في وجوههم ابواب الرزق والحياة ولم يعد له امل الا في وظيفته كمقاتل مأجور يهربون من الحر…ومن القر…وهم من السيف أفرّ… خاصة ان الجيش السوري لم تعد لديه جبهات وثغرات وانتشار وتشتيت لقواته على امتداد الجغرافيا السورية، وهناك قرار حاسم وواضح أن المعركة يجب ان تكون خاطفة وصاعقة، وان يتم تركيز الطاقة النارية الى حد هائل لم تشهده اية معركة لإنهاء ملف الحرب بسرعة للانتقال الى الملف السياسي الذي لاينتهي الا عندما تنتهي الحرب العسكرية.
اما الخليفة الجديد أردوغان الذي ينتظره الاسلاميون ان يخبط على الطاولة ويرفض المساس بادلب في آخر لحظة فانه لن يفعل وسيجلس عاقلا ومهذبا ولن يقلل أدبه، ولم يعد لايقبل بغير الصلاة في الجامع الاموي في دمشق وقد هدد بذلك مرات ومرات في سنوات القذارة الكونية الاولى.

والغريب ان الكيان الصهيوني نفسها لم يجرؤ على التدخل لصالح احد سوى عند الغدر بطائرة السوخوي منذ ايام عند تطهير وادي اليرموك، وقابله احتجاج روسي صارخ، واكتفى الكيان بالمطالبة بمصالحه فقط في شريط فض الاشتبا،ك، ومنع وجود القوات الايرانية وحزب الله الى مسافات طويلة فكيف يغامرالقرد اوغان بشيء لم يقدر عليه العدو الصهيوني مشغل اميركا الاوحد وخاصة في زمن حكم ترامب، وهو اول واكبر مستفيد من وجود جيش لحدي جديد في الجنوب السوري ودعمه لاطالة امد استنزاف الجيش السوري…هذا الجيش بالواقع هو الذي حرر وحده دون القوات الرديفة من ايرانية وحزب اللهمحاقظات الجنوب السوري درعا والسويداء والجولان وهذه الاخيرة هي الاخطر لأنها على تماس مع العدو الاساس لسورية ، عندها الخليفة القرد اوغان وبكل تأكيد سيسلك نفس السلوك وسيبحث عن مصالح تركيا وحزب العدالة والعودة بالحدود الى ماقبل عام 2011… والسبب هو انه يعرف كل هذا ولكن وجعه في مكان آخر…وسيضع الثورجيين المطحونين والمسحوقين مثل مرهم على وجعه الكردي…فهو يطلق تصريحات ضبابية وعنتريات من أنه قد لايسمح لأحد بالمساس بادلب لأنه يريد ان تتم صفقة كبيرة لصالحه…فهو قد أُبلغ من الحلفاء ان ملف ادلب سينتهي سلماً او حرباً وعليه ان يختار…وتبين ان كل ماسيطلبه الرجل هو العودة الى اتفاق أضنة وحدود 2011 .. ولكن يتردد ان السوريين ينظرون الى اتفاق أضنة على انه انتهى وسيعامل مثل اتفاق فض الاشتباك الذي سقط، وتحول الآن غالباً الى تفاهم… والتفاهم ليس اتفاقاً بل هو حالة ظرفية مخلخلة…وكل جهود التفاوض القردوغاني منصبة على ايجاد الحل النهائي للمسألة الكردية على الحدود السورية التركية.
الخاتمة
بعد ماتقدم، لذلك الكل ينتظر الانفجار الكبير في ادلب وماستؤول اليه الامور .. ولكن بدل القنابل قد نسمع بعد القنبلة الاولى كيف سيبدأ الاستسلام للجيش السوري…

ان مافرض هذا الواقع في كل منطقة حررها الجيش السوري، هو هذا الجيش نفسه…بعقيدته القتالية التي أذهلت الاعداء والاصدقاء حتى اذهلتنا نحن السوريين الشرفاء الذين على الدوام لنا ملء الثقة بجيشنا الحبيب، لقد ذهلنا كيف ان هذا الجيش المتعب بعد ست سنوات فقد فيها خيرة قياداته وخبراته القتالية، انتفض مجدداً كطائر الفينيق الاسطوري بقوة وعزم فحرر معظم الارض السورية متنقلاً في كل الجغرافيا وبالطبع بمعونة الروس وقواهم الجوية وديبلوماسيتهم وكل ماقاموا به من دعم بالسلاح والعتاد، ومعونة الايرانيين عسكريا وبشرياً ومادياً وهو حقهم علينا الاعتراف به وواجبنا، وقد قدم الروس والايرانيون مواكب شهداء طالت رتباً عالية وجنوداً واختلطت دماؤهم بالدماء السورية، وان ننسى لن ننسى حزب الله الشريف المقاتل في معارك تحرير القصير ومعلولا والقلمون وكل الجرود والغوطة ومخيم اليرموك والزبداني ووادي بردى…وقدم الحزب اعظم التضحيات مع مقاتلي نسور الزوبعة الحزب السوري القومي الاجتماعي والدفاع الوطني وجميعهم قاتلوا واستشهدوا بصمت وبدون ضجيج…

المجد لسورية…

شكراً روسيا وايران وحزب الله…

الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعودة للمخطوفين…

قرب اوان الانتصار الشامل…

قناة العاشق …

$
0
0

قناة العاشق …

تحت كل حجر في سورية ارض الشمس يوجد أثر من آثار تدل بشكل لالبس فيه على دور سورية والسوريين الذين عاشوا فيها بكل تلاوينهم على مدى العصور على هذا الدور الحضاري المعمار والبناء في المسيرة البشرية…

امامنا اثر حضاري ميمون من افعال الحب الانساني هو

Crystal Clear app kdict.png قناة العاشق
تقع في السلمية فما هي؟
تمكنت بعثة أثرية من اكتشاف بقايا قناة مياه رومانية عمرها 2000 سنة في المنطقة الوسطى من سورية وهي نفسها “قناة العاشق” التي كانت كتب التاريخ قد تحدثت عنها وعن أسطورة حب عاشها أمير منطقة “سلمية” في القرن الأول الميلادي مع ابنة ملك منطقة “أفاميا” والتي تبعد عن إمارته 80 كلم، في وسط سورية قرب مدينة حماة السورية.

وتقول الأسطورة (الحقيقة)

أن الحب كان من قبل الأمير اي من طرف واحد، فتقدم لخطبة الأميرة، لكن اشترطت عليه أن يجر مياه الري من عين الزرقاء الغنية بالمياه في منطقته إلى مدينتها “أفاميا” حتى تقبل به زوجاً، وكما يقال “الحب أعمى” فقد عمد الأمير إلى توظيف كل إمكانيات إمارته وعمالها لشق قناة يصل طولها إلى 150 كلم أخذت شكلاً متعرجاً وهندسياً لتصل المياه بشكل جيد إلى أفاميا التي ترتفع عن سطح البحر 308 أمتار، في حين أن مدينته “سلميه” ترتفع 475 متراً عن سطح البحر، فتم إنشاء القناة باتقان وبدراسة علمية وهندسية.

يقول رئيس بعثة التنقيبات في قناة العاشق “إبراهيم شدود”

قصة اكتشاف قناة الحب أو العشق هذه جاءت مصادفة قبل عدة أيام حين كان (بلدوزر) يعمل على حفر أحواض لمحطة معالجة المياه المالحة في المنطقة، ظهرت حجارة بازلتية وقواطع حجرية أثرية، سارعنا فوراً إلى إجراء كشف ودراسة لهذه القناة التي ظهر منها حتى الآن حوالي ستين متراً بارتفاعات متباينة وبعرض متفاوت يصل إلى حوالي مترين ولاحظنا أن القناة مبنية كلها بالحجر البازلتي المنحوت بشكل فني ومتقن. يبدو أن أمير المنطقة الذي بنى هذه القناة كان مغرماً بشكل كبير بابنة ملك أفاميا فأراد أن تكون هذه القناة المعجزة عربون حبه وتضحيته من أجل هذا الحب والذي توج بالزواج منها.

يوجد شخص واحد فقط أغنى مني هو هذا الشاب الأسود…

$
0
0

يوجد شخص واحد فقط أغنى مني…

حادثة واقعية شخصية

سألوا بيل غيتس: هل يوجد من هو اغنى منك؟

هكذا جاء جوابه…
قال: نعم شخص واحد فقط.
سألوه: من هو؟
قال: منذ سنوات مضت عندما تخرجت وكانت لدي أفكار طرح مشروع المايكروسوفت، كنت في مطار نيويورك، قبل الرحلة وقع نظري على المجلات والجرائد. أعجبني عنوان احدى الجرائد، أدخلت يدي في جيبي كي أشتري الجريدة، الا انه لم يكن لدي من فئة العملات النقدية الصغيرة فاردت ان انصرف، وجدت بائع الجرائد صبي أسود عندما شاهد اهتمامي ورغبتي لأقتناء الجريدة قال:

” تفضل هذه الجريدة لك أنا اعطيتك إياها… خذها يا أخي…”
قلت: ليس لدي قيمتها من الفئات الصغيرة…!
قال: خذها فأنا أُهديها لك…
بعد ثلاثة اشهر صادف أن رحلتي كانت في المطار نفسه والصالة نفسها. ووقعت عيناي على مجلة، أدخلت يدي في جيبي لم أجد ايضا نقود من فئة العملات الصغيرة، الصبي نفسه قال لي : “خذ هذه المجلة لك.”
قلت: يا أخي قبل فترة كنت هنا وقد أهديتني جريدة، هل تتعامل هكذا مع كل شخص يصادفك في هذا الموقف؟
قال: لا ولكن عندما أرغب أن أُعطي، فأنا أُعطي من مالي الخاص…
هذه الجملة، ونظرات هذا الصبي بقيت في ذهني، وكنت أفكر على أي أساس وبأي احساس يقول هذا!!!
بعد 19 سنة عندما وصلت الى أوج قدرتي، قررت أن أجُّدَ في البحث عن هذا الشخص كي أرد له الجميل وأعوضه.

شكلت فِريقاً وقلت لهم اذهبوا الى المطار الفلاني وأبحثوا لي عن الصبي الأسود الذي كان يبيع الجرائد.

بعد شهر ونصف من البحث والتحقيق وجدوا أنه رجلاً أسودَ وحالياً هو حارس صالة المسرح.

الخلاصة تمت دعوته، ولما التقينا سألته هل تعرفني؟
قال: نعم السيد بيل جيتس المعروف، كل العالم يعرفك…
قلت له قبل سنوات عندما كُنتَ صبياً صغيراً وتبيعُ الجرائدَ أهديتني مرتين جريدة مجانية، حيث لم يتوفر لدي نقود من الفئات الصغيرة، لماذا فعلت ذلك؟
قال: هذا شئ طبيعي لان هذا هو إحساسي وحالتي.
قلت: هل تعلم ما أُريده منك الآن، أريد أن أرُدَ لك جميلك.
قال: كيف؟
قلت: سأعطيك أي شئ تريده.
قال الشاب الاسود وهو يضحك: أي شئ أريد؟
قلت: أي شئ تطلبه.
قال: هل حقيقي أي شئ اطلبه؟
قلت: نعم أي شئ تطلبه أُعطيك، لقد اعطيت قرضاً لخمسين دولة افريقية، سأعطيك بمقدار ما أعطيتهم كلهم.
قال الشاب: يا سيد بيل غيتس لا يمكنك ان تعوضني.
قلت: ماذا تقصد كيف لا يمكنني تعويضك؟
قال: لديك القدرة لتفعل ذلك ولكن لا تستطيع ان تعوضني…!
سألته: لماذا لا أستطيع تعويضك؟
قال: الفرق بيني وبينك أنني أعطيتك وأنا في أوج فقري، وأنت تريد ان تعوضني، وأنت في أوج غناك، وهذا لن يستطيع ان يعوضني شيئاً.

إنما لطفك يغمرني…
يقول بيل غيتس دائما اشعر انه لا يوجد من هو اغنى مني سوى هذا الشاب الاسود.


أبولودور الدمشقي اعظم معمار في تاريخ البشرية

$
0
0

أبولودور الدمشقي اعظم معمار في تاريخ البشرية
أحد أعظم المعماريين في التاريخ القديم وكبير مهندسي روما، حمل اسم دمشق معه دائماً.

كلمة لابد منها

للأسف لا يذكر السوريون لا جهات رسمية ولا علمية ولا أكاديمية ولا مراكز ابحاث وحتى كليات الهندسة، ولا مسؤولون ولا افراد اسم هذا العلَم الدمشقي العظيم الذي عطَّر اسمَ دمشق في ارجاء الامبراطورية الرومانية، وللمفارقة المقيتة تتسارع الجهات المذكورة وتتسابق لتسمي شارع او مدرسة او… باسم قاتل في تاريخنا نعتبره فاتحاً ومحرراً وفق الميل والهوى الشخصي بعيداً عن منهجية كتابة التاريخ وسير أربابه… وليس اكثر منهم في ناريخنا ممن تعلمناهم في مدارسنا وهم عكس واقعهم، وكانوا ونحن نعرف كموغلين في دراسة تاريخنا انه كذب ونفاق…

لكن والحمد لله بدأت المصداقية تغزو اصحاب الفكر الحروالتوضيح عن هؤلاء هم من عتاة القتلة والمجرمبن والتكفيريين للغير، وكانوا في وقتهم كدواعش وتكفيريي اليوم…كم قتلوا وكم سبوا واسترقوا باسم الله من وطننا سورية حين فتحوها كما في فتح دمشق السنة 634 دمويا بيد خالد بن الوليد بحق سكانها ولم يكن فيها اي جندي رومي او حين تسميتهم ذلك”تحريراً” من الغزاة بالحديد والنار وذبحوا السكان وساقوهم بتهجير ديموغرافي … كما فعل مثلاً الظاهر بيبرس المملوكي عام ضد الفرنج1268 حين دمر مدينة انطاكية وذبح وسبى سكانها السوريين البالغ عددهم مائة الف لأن الفرنجة كانوا قد اخلوها ولم يبق فيها الا سكانها، وأحل سواهم بدلاً عنهم وساق من ابقاه حياً الى مصر وكانت هذه الكارثة سبباً مباشراً في تهجير الكرسي الانطاكي وإحلاله في دمشق بعد 80 سنة من التيه، وكذلك فعل في سكان بلدات القلمون بتطهير ديموغرافي ديني…وأحل غيرهم عنهم…

وكثيرون على مثاله، ومع ذلك لهم الصدارة في تاريخنا ونحن في القرن 21 الذي صار مزيفاً ويوجب على كل مواطن سوري إعادة كتابته وتغيير هذه الشوائب بكل شفافية ومصداقية ولكن هيهات…

حول علمنا الدمشقي المهندس العظيم ابولودور لا شيء عنه… ولا أثر له في المشهد الثقافي والتعليمي والأكاديمي في سورية، لم تسمى باسمه كلية عمارة او حتى مجرد صف جامعي، او مجرد مدرج من كلية العمارة في جامعة دمشق وهي جامعته كتسمية مجازية، اواطلاق اسمه على مدرسة أوحتى حديقة أو شارع…

بينما تقام له النصب التذكارية على أبواب الجامعات الأوربية وهو الذي حمل إسم دمشق طيلة حياته، حمل اسم دمشق معه اينما حل وارتحل، ورفع اسم دمشق وسورية في اوربة والدولة الرومانية والمسكونة كلها هكذا فعلنا مع أعلام كبار من تاريخ سورية أمثال : زينون الرواقي وبابنيان الحمصي واليسار الحمصية وزنوبيا وكركلا وفيليب العربي ويوحنا الدمشقي

ومن حق الأجيال السورية القديمة كالمعاصرة في زمن العلم أن تعلم أنها تعيش في وطن تمتدّ جذوره لآلاف السنين وأن لأجدادهم مساهمات عظيمة في الحضارة الإنسانية…

بكل أسف لا يعرف أكثر السوريين هذا الاسم الشهير في اوربة… و السوريون الذين سمعوا به لا يذكرونه… فالتاريخ السوري لدى غالبيتهم ابتدأ منذ 1400 سنة فقط… وكما اسلفنا فقد نسيت/ إن احجمنا عن القول انها تناست/ وزارة التربية وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والمحافظات السورية والبلديات تسمية مجرد مدرسة او كلية هندسة معمارية او مدنية باسمه أو باسم غيره من عظماء سورية الكثر عبر التاريخ الممتد لآلاف السنين لكي يتعرف الشعب السوري إليهم… فيعرف أن جذور حضارته تمتد آلاف السنين في عمق التاريخ، وليس 1400 سنة…!
من هو أبولودور؟؟؟
هو مهندس سوري ولد في دمشق حوالي عام 60 م، ربطته مع امبراطور روما تراجان علاقة قوية ـ وكانت سورية في تلك الحقبة جزء من الأمبراطورية الرومانية ـ بنى عدة أعمال خلدت اسمه مثل الجسر العظيم على نهر الدانوب 
ويذكر تاريخ كمبردج أن بعض العلماء يعتقدون بـ “أنّ سورية في مجال العمارة كانت متقدمة على رومة بل كانت بالنسبة لها النموذج الذي يحتذى… وأن سورية تفوقت على روما في عبقريتها المبدعة وفي معارفها التقنية وفي مهارة عمالها، ويفترض أن “أبولودور الدمشقي” قد اقتبس تصميمات المباني في سفح الكوريناليس عن موطنه الأصلي سورية… 
يقول الشاعر اللاتيني جوفينال: “إن العاصي السوري أخذ يصب مياهه منذ وقت طويل في نهر التيبر حاملاً معه لغته وعاداته…”

السوق التراجانية من انجازات ابولودور المعمارية
السوق التراجانية من انجازات ابولودور المعمارية

السيرة الذاتية
قيل إن العمارة هي بمثابة الشعر في البناء، و”أبولودور الدمشقي” شاعر في العمارة ونسّاج في العمران، وبنّاء للسلم والحرب، ذلك وفق الكتابات والدراسات العديدة التي تؤكد أن أصل المعمار العالمي “ابولودور” “دمشقي ولنفتخر…

لّما تذكر كتب التاريخ المهندسين المعماريين الذين أشادوا الأبنية الحضارية، وعند ذكر مبنىً أو قصرٍ أو بوابةٍ أو حمامٍ أو قلعةٍ أو جسرٍ أو معبدٍ، نرى في النقش المؤرخ للمبنى أو للترميمات التي أحدثت على المبنى اسم الإمبراطور أو الملك أو الحاكم أو الوالي الخ.. وحيث كان الأمر كذلك، فإنّه لمن الصعوبة بمكان أن نتعرف على المُخطِط أو المنُفذ للمنشآت التاريخية، وبالرغم من تلك الصعوبات، فقد لمع اسم المعماري الدمشقي “أبولودور” لكونه شخصية فذّة في هندسة العمارة، وفي فلسفتها، ما حدا بالإمبراطور تراجان للاهتمام به، ومن ثم الإمبراطور “هادريان” ولكن الظّلم اودى في النهاية به، فكان مقتله على يديه.
ولد أبولودور (هبة الإله أبولو) “Apollodorus” ” Ἀπολλόδωρος” في دمشق حوالي عام 60 ميلادية تقريباً، وكان صديقاً للإمبراطور “تراجان”، وذلك عندما كان والده “ماركوس ألبيوس” والياً على دمشق بين

ابولودور الدمشقي
ابولودور الدمشقي

عامي 77-79م، وعندما أصبح إمبراطوراً استقدم صديقه المعماري “أبولودور” إلى روما، ذلك المعماري الذي ربما خبره وعرفه ليس فقط لأنّه التقاه في دمشق بمحض الصدفة، بل لأنّ “أبولودور” ربما هو من بنى معبد الإله جوبيتر والذي ما تزال بعض من أجزائه ظاهرةً جلية مكان جامع دمشق الكبير، حيث عثر على نقش كتابي أثناء بعض الترميمات في الجامع يذكر اسم “أبولودور”، إذاً الإمبراطور تراجان تعرّف إلى صديقه من خلال عمل عظيم قام به وخير ما يمكن أن يكون هو بناء معبد جوبيتر، وبعد أن استقدم تراجان صديقه المعماري إلى روما أوكل إليه مهمة إنشاء الأبنية والصروح المعمارية العسكرية منها والمدنية، كما أنّه اصطحبه معه إلى داسيا (رومانيا) خلال حملته العسكرية الثانية عليها، فبنى “أبولودور” جسراً على نهر الدانوب من الحجر وهو الجسر الأول في أوربة، وذلك خلال عامي 104-105م، والذي يقع بالقرب من مدينة “دبريسين” في المجر، وقد تطلب بناؤه وضع عشرين ركيزة، حيث إنّ الجسر بطول 1097م، وعرض يراوح بين 13-29م، ولكن الإمبراطور “هادريان” قام بإزالة سطحه حتى لا يستطيع الأعداء استخدامه، وقد أمر الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الكبير بإصلاحه عام 328م، وكذلك قام “أبولودور” بتصميم مجمع أسواق تراجان وساحة كبيرة (الفوروم) وعمود “تراجان” الذي يتوسطها وحمامات “تراجان” والحوض السداسي في أوستيا Ostia وأقواس النصر في مدينتي أنكونا Ancona وبينفينتوم Beneventun والأوديوم (Odeum) وهو مسرح الشعر والموسيقى في روما، كما أنجز تجفيف مستنقع البونتيه، وأصلح قناة من النيل إلى البحر، إضافة لتشييده معبد البانثيون Pantheo

مسرح موسيقي (أوديون) في مونتي جوردانو
مسرح موسيقي (أوديون) في مونتي جوردانو

أمّا عمود تراجان فهو بارتفاع 33م، وجسدت على العمود مشاهد، تروي قصة الحرب مع داسيا، ويرمز ذلك العمل أي؛ العمود لقوة الإمبراطورية الرومانية حيث تُرى قاعدته مزخرفة بمنحوتاتٍ تمثّل مشاهد واقعية من الحرب، ومن أهمّ سمات ذلك العمل الفني الرائع أنّه اختصر بشكل شيقٍ ما حققه “تراجان” من انتصارات على الأعداء في داسيا، حيث تقديم القربان للآلهة من قبل الإمبراطور أمام جسر الدانوب أي الجسر الذي بناه “أبولودور”، كما أنّ بعض المشاهد مثّلت المعدات التي استخدمها الرومان في تنزيل المؤن من السفن الحربية وتحميلها، وصعود “تراجان” إليها، وكذلك مشهد يمثل خطبة له أمام جنوده في إحدى القلاع ومشهد لأسرى الجنود الداسيين، إضافة لعمليات تشييد المباني داخل الغابات كما أنّ أحد المشاهد مثّل عمليات الانتحار الجماعي للداسيين في منازلهم وحرقها كي لا يتسنى للرومان الاستفادة منها أو تجرع الداسيين للسم

وفاته
لقد توفي”أبولودور” حوالي عام 130 ميلادية تقريباً، وإحدى الروايات تقول بأن الإمبراطور “هادريان” قتله بعد أن أهداه كتاباً في آلات الحرب، ولكن ذكره بقي وسيبقى ما دامت أعماله باقية، ومادام هناك من يذكر أعماله أو يقرأ كتب التاريخ التي تحدثت عنه، وعن عظمة هندسته المستمدة من عمق هندسي عظيم لدى السوريين الأوائل.

ماقيل عنه

للبحث في شخصية هذا المعمار الدمشقي العالمي، رصدنا مجموعة من الآراءحول حياته وإنجازاته
يقول الدكتور “عدنان البني” في كتابه الخاص عن “أبولودور الدمشقي”: “إن اسم أبولودور” في اليونانية يعني عطاء “أبولو” أو هبة “أبولو”، والرب اليوناني “أبولو” دخل بلاد الشام مع “الإسكندر”، ووُحِّد مع الرب “نبو” الذي كان أكثر الأرباب شعبية في بلادنا منذ أيام الكلدانيين، ولم يكن السوريون فيما نعرف يرون “أبولو” إلا من خلال الرب “نبو” الفائق الشعبية، حتى إن صفاتهما أخذت تتمازج، وهذا الأمر واضح مثلاً في الفن التدمري وأسماء الأعلام التدمرية، إن أسماء مثل “نبوزبد” أو “زبدنبو” أو “برنبو” يقابلها في النصوص اليونانية في “تدمر” أحياناً اسم “أبولودوروس” أو “أبولونيوس” وغير ذلك، وقد يقابل اسم “وهب اللات” اسم “اثينودوروس” على اعتبار أن الربة “أثينا” موحّدة مع الربة “اللات”، وانطلاقاً من هذه المطابقة أرى أن من المحتمل جداً أن يكون لأبولودور الدمشقي اسم محلي باللهجة العربية أو الآرامية، وقد يكون “أبولودور” اتخذ له أهله اسماً على السُنة المتبعة في أوساط النخبة التي كانت متأثرة بالثقافة اليونانية في أمهات المدن الشامية، ولدينا أمثلة على ذلك لدى الأنباط والتدمريين”.

ميناء تراجان من هندسة ابولودور الدمشقي
ميناء تراجان من هندسة ابولودور الدمشقي

-عن ولادته وصفاته يقول الدكتور “البني”: “في “دمشق” وُلِد “أبولودور”، وعاش تحت سمائها وتنشق عبيرها وغب ماءها وتغذى بخيراتها، وُلِد “أبولودور” في “دمشق” حوالي 60 م ومات منفياً حوالي 125م في قمة نضوج عبقريته وكمال شخصيته، ورغم عدم انتمائه للطبقة الأرستوقراطية فقد فرض الاحترام لنفسه والتقدير لمواهبه على المجمتع الروماني، وعاش في أعلى مستوى الحكم مديناً للامبراطور “ترايانوس” أو “تراجان” وبلغ منصب وزير الاشغال العامة في لغة اليوم، كان جسوراً في عمله يتصدى لأصعب المعضلات التقنية والفنية، كما كان جسوراً في حياته أيضاً، يوقف ولي العهد المتنبي “هدريانوس” عند حده ويسخر منه ولا يتردد في نقده وهو في سدة الامبراطورية الأمر الذي كلفه حياته.
عن صفاته البدنية وبنيته القوية يقول: “من تمثاله النصفي الموجود حالياً في متحف “ميونيخ” وكذلك من المشهد الذي يمثله مع “ترايانوس” “تراجان” على العمود الذي أنشأه له يتضح أنه كان متين البنية، قوي الشكيمة، متوازن الشخصية، نبيل القسمات وجميل الرجولة، وفيه مهابة ووجهه يضم سمات شرقية لا شك فيها، وعلى الرغم من بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك عن حياته العملية أو الرسمية فإننا نجهل الكثير الكثير عن حياته الشخصية.
هنا وفي هذا المجال يقول “مورتمرويلر“: “إن “أبولودور الدمشقي” الذي يكمن اسمه خلف أعظم المنجزات المعمارية في عهد “ترايانوس” “تراجان” يظل لغزاً من الألغاز.
ويذكر تاريخ “كمبردج“:” إن بعض العلماء يعتقدون بأن سورية في مجال العمارة كانت متقدمة على “روما” بل كانت بالنسبة لها النموذج الذي احتذته، وأن سورية تفوقت على “روما” في عبقريتها المبدعة وفي معارفها التقنية وفي مهارة عمالها ويفترض أن “أبولودور الدمشقي” قد اقتبس تصميمات المباني من سفح “الكوريناليس” عن موطنه الأصلي.”

منحونة تمثل الامبراطور تراجان على عمود تراجان
منحونة تمثل الامبراطور تراجان على عمود تراجان

يتابع الدكتور “عدنان البني” فيقول: “هنا يحضرني حتماً قول الشاعر اللاتيني الهجَّاء الشهير “جوفينال” الذي يقول بمرارة،” إن العاصي السوري أخذ يصب مياهه منذ وقت طويل في نهر “التيبر” حاملاً معه لغته وعاداته”. وبذلك يؤكد على طريقته حضور السوريين ونفوذهم في “روما”.
يتابع الدكتور “عدنان: “لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن عدد هذه المنجزات التي أقامها “أبولودور” خمسة عشر على الأقل وهي “السوق على سفح رابية الكوريرنيالس، الميدان “الفوروم” التراجاني، دار العدل الأولبية، المكتبتان، عمود تراجان، الجسر العملاق على الدانوب، قوس النصر في مدينة “بنيفانتوم”، قوس النصر في مدينة “أنكونا”، حمامات وجمنازيوم، توسيع مرفأ أوستيا، تجفيف المستنقعات البونتية، إصلاح قناة من النيل للبحر ومؤلَّف في آلات الحصار أهداه لهدريانوس.”
يقول المؤرخ الشهير “ليون هومو“: ” كان الميدان التراجاني ملبياً لتصميم شمولي طلبه الامبراطور وحققته عبقرية “أبولودور الدمشقي” وهو واحد من المعماريين الكبار الذين عرفهم التاريخ القديم، ويندر أن وَجَد فنان نفسه أمام مهمة في مثل هذا الاتساع والتعقيد، لم تكن القضية تشييد بناء من أفخم المباني فحسب، بل كانت قضية خلق مجموعة متكاملة ومنسجمة في قلب عاصمة فخمة ومكتظة بالمباني، كان عليه أن يؤمن الفراغ اللازم ثم أن يستخدم أرضاً فيها سويات مختلفة، وعليه في المرحلة الثالثة أن يبني الفوروم ومنشآته، وقد حل تلك المعضلات على أفضل وجه، الأمر الذي خلَّد هذا المعمار الفذ.”

قوس نصر تراجان
قوس نصر تراجان

-يقول “بيانكي باندنيللي“: “من الممكن أن “أبولودور” استوحى فكرة “الفوروم التراجاني” من الساحة الرحيبة المرَّوقة الموجودة حول معبد “جوبيتر” في “دمشق”، وعلى كل حال إن فكرته شرقية أكثرر ما هي رومانية.” يقصد فيها الساحة الامامية للجامع الاموي المعروفة بالمسكية (اليوم).
يذكر المؤرخ الروماني “ديو كاسيوس“: «أن “تراجان” عمل على أن يقيم في الميدان عموداً شاهقاً ليكون له قبراً وشاهداً على المنشآت المنفذة لهذه الساحة، ولما كان هذا المكان مرتفعاً اجتثه بارتفاع العمود وجعله سهلاً، وكلف بالمهمة كما نعرف “أبولودور الدمشقي” فأنجز هذا العمود في عام 113م في حياة الامبراطور، وهو قائم حتى الآن ويرى النقاد أن هذا العمود العملاق مزين بإفريز منحوت ملتف حول جذعه كفيلم تسجيلي، هو صيغة جديدة استنبطها “أبولودور” الذي ولد في “دمشق”، الأمر الذي جعل بعض الآثاريين يستنتجون من ذلك أنه عرف في موطنه النماذج السابقة لإبداعه هذا حتى أنهم أكدوا أن “الإفريز” والأسلوب المتتابع استوحاه من المنحوتات الآشورية التي كانت قد ماتت ولم يعد لها أثر في الفن الهيلينستي.

عمود نراجان
عمود نراجان

عن منجزاته الأخرى يحدثنا الدكتور “عدنان البني” بقوله: «كما ينسب له “قوس النصر” في مدينة “بينيقا نتوم” في مقاطعة “السامنيوم” وكذلك إفريز ضخم منحوت كان معداً ليقام في مكان ما من “الفوروم”، ومن منجزاته أيضاً مسرح موسيقا “أوديون” في “مونتي جورديانو”، ويظن البعض أنه تجديد للأوديون من عهد “دوميتيانوس” 86-91م، أما في مجال السباقات

فقد أنشأ “أبولودور” ميداناً “سيركاً” بطول مرحلتين إلى الشمال من موقع مدفن “هدريانوس” على ضفة “التيبر” في “روما”، وكان مخصصاً لتمثيل المعارك البحرية “نوماكيا”، وتنسب الدراسات الحديثه لأبولودور تعديل مرفأ “أوستيا” وإنشاء حوضه المضلع المسدس الذي يشبه من حيث الشكل النماذج (الهيلينستية- السورية) وكذلك مرفأ “كنتوم كيللي” بأرصفته المقوّسة الرحيبة وهو مرتبط بفيلا تراجان.”
قول الروائية البلجيكية الشهيرة عضو مجمع الآداب في “فرنسا” “مارغريت يورسنار” في كتابها الشهير “عن حياة هدريانوس على لسان ذلك الامبراطور”: “إن العمارة هي اتحاد مع الأرض، هي وضع سمة إنسانية على منظور ما تغيره إلى الأبد، الاستثناء الوحيد للقاعدة كان “أبولودور” العظيم مدير ومستودع أسرار أبي، هذا الرجل الموهوب، كان المعمار المفضل لسلفي الذي حرك بفن الكتل الضخمة عمود تراجان.”

جاء في موسوعة الفن القديم الإيطالية عن أبولودور الدمشقي ما يلي “أبولودور الدمشقي معماري من دمشق في سورية، عمل في روما في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، خصوصاً في عهد تراجان. كان المعماري الرسمي لهذا الإمبراطور في مجالي الإنشاءات المدنية والعسكرية. وهو الشخصية الفنّية الكبرى الوحيدة التي يمكن تمييزها في خضمّ جهلنا لأسماء مبدعي الفن في العصر الروماني.”
والشاهد على أنه كان ملتقى طرق متعددة، ما تذكره هذه الموسوعة من اختلافات المدارس النقدية عن خصائص إبداعاته المعمارية “وليس هناك حتى الآن دراسة منهجية ونقدية لعمله الذي يرى بعضهم فيه (خصائص رومانية) خالصة بينما يرى آخرون في عمله (خصائص هيلنيستية سورية)، وهناك من يعتقد أن (خصائص عمله رومانية ولكنها تكتسي بعناصر زخرفية هيلينستية)

مشروع ميادين تراجان في روما تصميم ابولودور لدمشقي
مشروع ميادين تراجان في روما تصميم ابولودور لدمشقي

الخاتمة
الدراسات المنهجية والنقدية التي لن ترى في أبولودور الدمشقي
طريق حرير لا يعول عليها، في اللحظة التي ستحسم فيها هذه الدراسات الطريق الذي كان يبدع من خلاله هذا الدمشقي، ستقضي على أسطورته، فأسطورة أبولودور قائمة على أنه مجموعة طرق، لا طريقاً واحداً. إنه مفخرة الطرق. ويعظم الفرد بقدر ما يجمع من طرق في طريقه
والدليل على هذه العظمة المبدعة أن المؤرخين يعرفون بشكل حاسم أن طريق روما كان عسكرياً متفوقاً على الطرق كلها، لكنهم – بسبب ما جمعه أبولودور الدمشقي في طرق في معماره – لا يستطيعون أن يحسموا تفوق روما المعماري، والمعمار هو ما يبقى بعد نسيان كل شيء.
كما أن القوافل تشكل الطرق التجارية والثقافية، كذلك الأنهر تشق طرقها في الجغرافيا والتاريخ وتنشئ على ضفافها حضارات متمازجة، فالأنهار والقوافل يشكلان خرائط التقاء الحضارات
لقد شق أبولودور الدمشقي طريقه إلى روما، أو إلى نهر التيبر على حد مجاز “جوفينال”: عبر منجزاته المعمارية، وقد بلغ عدد هذه المنجزات خمسة عشر على الأقل.
وكان الطريق الذي تشكلت فيه هذه المنجزات هو علاقته الفريدة بالإمبراطور “تراجان” فقد مكنته هذه العلاقة من احتلال مناصب عالية في الإمبراطورية الرومانية. بدأت الصداقة الحميمة بينهما منذ أن كان “تراجان” يخدم كمحام عسكري في سورية عندما كان أبوه والياً عليها. ويعتبر الرومان الإمبراطور تراجان، الذي حكم من العام 98 ميلادية إلى العام 117 ميلادية، أفضل الأمراء ويسمون عهده “الأزمنة السعيدة” فكانت حروبه مظفرة في بلاد الداك (رومانيا حالياً) وأرمينيا وبلاد فارس، وكان أبولودور المعماري الرسمي للأمبراطور الروماني ورافقه في جميع حروبه.
الأزمنة السعيدة هي وليدة الطرق السعيدة، فحين تتعايش طرق عدة في الجغرافيا والتاريخ، من خلال شخصيات عظيمة، ينفتح الناس على طرق عيش جديدة وسعيدة
كان قويا يتصدى لأصعب المعضلات التقنية والفنية، واشتهر بأنه كان جسورا في حياته لايهاب اي مسؤول…
وعلى رغم أن أبولودور الدمشقي من أبناء دمشق ومواليدها، إلا أن تمثاله النصفي في متحف ميونيخ، وليس في دمشق، ويكاد لا يوجد له ذكر في الكتب والموسوعات العربية.

حيث يوجد بمتحف الحجريات بمدينة ميونخ الألمانيه حاليا تمثال نصفي لرجل يبلغ ارتفاعه 55سم. نقش على قاعدته اسم أبللودور ويعتقد على انه يعود لأبولودور الدمشقي لما يتسم به وجه هذا التمثال من سمات شرقية.

هكذا هو وفاؤنا لعظمائنا…!

وهذا هو وفاء الشعوب والدول التي ترفع أسماء وتقيم الساحات والنصب لمن اسهموا بحضارتها لعل اعظمهم هذا الدمشقي ابولودور الذي نماسيناه بكل اقتدار…

فهل نتعظ ونفيه وبقية عظماء سورية الحد الادنى من حقوقهم على الوطن الذي مجدوا اسمه في الكون المعمور.


العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال

$
0
0

العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال

كنزسوري من الكنوز المجهولة والمعاصرة، واحدة من اهم ثلاثة علماء سوريين على مستوى العالم.
عالمة سورية من بلاد الشام ذاع صيتها في الأوساط العلمية في الغرب حتى كاد يبلغ محيط الشمس،
وهي التي أسهمت في تصميم المركبة الفضائية التي انطلقت عام 2007م إلى أقرب نقطة من الشمس

من هي؟

 إنها البروفسور شادية رفاعي حبال، أستاذة كرسي فيزياء الفضاء في جامعة ويلز في بريطانيا.

السيرة الذاتية
ولدت شادية الرفاعي في حمص وهي إبنة عالم النفس  الدكتورنعيم الرفاعي، فتلقت التعليم في مدارس حمص، ثم بدأت رحلتها العلمية في جامعة دمشق حيث حصلت على درجة البكالوريوس في علوم الفيزياء والرياضيات، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت لتنال فيها درجة الماجستير في الفيزياء. ولم تكتفِ شادية بكل هذا، فسافرت إلى أمريكا علَّها تروي ظمأها العلمي، فدخلت جامعة سنسناتي في ولاية أوهايو الامريكية عام ١٩٧٧

(Cincinnati) لتحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء.
هي بالمختصر عالمة فلك وفيزياء سورية، حازت لاحقاً الجنسية الأميركية

اعمالها العلمية
في عام 1978م، التحقت شادية بمركز هارفارد سميث سونيان للفيزياء الفلكية (Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics) حيث قامت بتأسيس مجموعة أبحاث عالمية في الفيزياء الشمسية الأرضية، وذلك قبل تعيينها أستاذة كرسي في قسم الفيزياء بجامعة ويلز في أبريستويث.

العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال
العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال

تركزت أبحاث الدكتورة شادية على استكشاف مصدر الرياح الشمسية، والتوفيق بين الدراسات النظرية ومجموعة واسعة من عمليات المراقبة التي أجرتها المركبات الفضائية وأجهزة الرصد الأرضية. وقد اعتُبرت أبحاث العالمة السورية حول الرياح الشمسية بمثابة “تفجير قنابل” عند طرحها للمرة الأولى، كما ذكرت مجلة العلوم الأمريكية، إذ أطاحت أبحاث شادية وزملائها بالتصورات التي كانت سائدة عن الرياح الشمسية، فقد أكدت بأن الرياح تأتي من كل مكان في الشمس، وتتوقف سرعتها على الطبيعة المغناطيسية للمواقع المختلفة.
وقد لعبت العالمة السورية النابغة شادية دوراً رئيساً في الإعداد لرحلة المسبار الشمسي لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، وهو أول مركبة فضائية دارت فعلياً داخل الهالة الشمسية كما ترأست شادية العديد من الفرق العلمية لرصد كشوف الشمس حول العالم، ومنها منطقة الجزيرة في وطنها سورية.
وقد تقدمت علمنا العالمة شادية بحوالي 60 ورقة بحث لمجلات التحكيم العلمية، كما شاركت بثلاثين بحثاً آخر في المؤتمرات العلمية، وتعد البروفيسورة شادية من الخبراء الدوليين في الشمس والرياح الشمسية، كما إنها عضو في العديد من الجمعيات مثل: الجمعية الفلكية الأمريكية، والجمعية الأمريكية للفيزياء الأرضية، وجمعية الفيزيائيين الأمريكيين، وجمعية النساء العالمات، والجمعية الأوروبية للفيزياء الأرضية، والاتحاد الدولي للفلكيين، وتتمتع البروفيسورة الدكتورة شادية بدرجة الزمالة في الجمعية الملكية للفلكيين.
وتشير مسيرة حياة نابغتنا السورية شادية العلمية والعائلية إلى القدرة الكبيرة التي تميز النساء العالمات السوريات، فقد جمعت بين واجباتها الأسرية من رعاية أطفالها والقيام بحق الزوجية، وبين التدريس والبحث العلمي وقيادة الفرق العلمية والنشاط الأكاديمي، فهي تذكرنا بأسلافها من النساء السوريات الشامخات.
ولا تزال الدكتورة رفاعي حبال تشغل منصب أستاذة كرسي في قسم الفيزياء بجامعة ويلز في أبريستويث، إضافة إلى رئاستها للجنة جائزة هالي التابعة لقسم الفيزياء الشمسية في الجمعية الفلكية الأمريكية، وعملها محررة لمجلة فيزياء الفضاء وأبحاث الفيزياء الأرضية. وقد تم تكريمها مؤخراً بمنحها درجة أستاذة زائرة في جامعة العلوم والتقنية في الصين.

التقديرات العلمية التي حازتها

العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبالالعالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال
العالمة الفيزيائية السورية شادية رفاعي حبال

Pioneer- مؤسسة الفكر العربي، ديسمبر 2004

Certificate of Guest Professor- من جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية 4 سبتمبر 2001

  • – شهادة تقدير من مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية 19 ديسمبر 1997
  • – شهادة تقدير من المركز الدولي لأبحاث الغلاف الجوي والمناخ 1996


أبرشية العربية…أسقفية عربية بين الخيام

$
0
0

أبرشية العربية…أسقفية عربية بين الخيام

توطئة

كان للعرب قبل ظهور الاسلام في شبه جزيرتهم الكثير من الديانات المتباينة كالمسيحية الايبونية (النصرانية) والنسطورية واللاخلقيدونية… واليهودية والمجوسية والوثنية…

فالنصرانية كانت سائدة في قبائل ربيعة غسان وبعض قضاعة…ويروي ابن خلدون “أن اهل نجران من العرب كانوا نصارى مشهورون بالتقوى والاستقامة، وانهم أخذوا هذا الدين عن رجل من سلالة ملوك التتابعة يقال له سيمون من بقية أصحاب الحواريين.”

ومعلوم ان المسيحية في أول نشأتها قد امتدت مع بولس الرسول بعد تعمده على حنانيا في الشارع المستقيم بدمشق ببيت يهوذا الدمشقي امتدت في أرجاء بلاد الشام والعربية كافةً…

ويستفاد من سفر اعمال الرسل ان الرسول بولس انحدر من دمشق الى حوران على أثر اهتدائه، وألقى فيها بذار كلمة الله، فأثمرت أثماراً صالحة، كما الزرع في أرض خصيبة. وكان أول أسقف أُقيم عليها هو طيمن الرسول(أ.ع5:6) وهو أحد الشمامسة السبعة المنتخبين من الرسل “لخدمة الكلمة”.

وقد نشر المسيحية فيها بُعَيد تبشير بولس الرسول فيها، وهذه هي “أبرشية العربية” أو “أبرشية بصرى حوران وجبل العرب”. وطيمن الرسول هو شفيع ابرشية بصرى حوران وجبل العرب، او ابرشية العربية.

ولما دخلت هذه الابرشية تحت سلطة بطريرك اورشليم بقرار المجمع الخلقيدوني سنة 541مسيحية، حل بها دور الانحطاط وضربها الوهن، وضاق نطاقها لانسلاخ كثير من كنائسها وانضوائه الى حوزة الأبرشيات العربية الصخرية، وكان بينها شبه جزيرة سيناء التي كانت عامرة بالسكان، وكان لها عدة أُسقفيات تهتم بشؤون القبائل البدوية وتدعى ” أسقفيات أصحاب الخيام” أو ” أسقفيات المضارب” ويتسمى أساقفتها “أساقفة المضارب”.

وعلى الرغم من اختلاف الآراء في أصل هذه “الأسقفيات” وموقع مضرب خيامها فإن ارباب التاريخ الكنسي يرجحون استقرارها على مقربة من النبي موسى (جبل نبو اليوم) ونهر الأردن بفلسطين، وقد عربت تسميتها اليونانية “بريمفولي” الى”أسقفية عربية بين الخيام.”

بمعنى اوضح وضعت بين مكانين أو محلين، وقد جاءت مراراً في أسفار العهد الجديد بلفظ “المعسكر” او “المحلة”.( أ.ع 21: 24:22:34)و(عبر13: 13:11) (رؤيا: 9:20) الخ…

اول من دوَّن أخباراً عن أسقفية الخيام على مايقال كان كيرلس اسقف بيسان” بيت شان واسكيثو بوليس ” في الجنوب الشرقي من مرج ابن عامر عند مشارف غور الاردن اي على بعد نحو 5 كم تقريباً من ضفة الاردن وحوالي 21 كم شمال بحيرة لوط (البحر الميت) وهو من مشاهير القرن السادس للمسيح وذلك في كتابه “سير الآباء القديسين”ولاسيما في ترجمة حياة” القديس أفتيميوس” التي طبعت في باريس سنة 1688 وسنة 1692 وسنة 1886 في أوكسفورد بقائمة كتب وسنة 1907 في القدس(كليوبا).

مطرانية ابرشية العربية...
مطرانية ابرشية العربية…

وفي السنة 1909 نشرت جريدة المشرق البيروتية اليسوعية في مجلدها الثاني عشرترجمة عربية قديمة لسيرة القديس اقثيميوس قالت فيها أنها من” أقدم الآثار المسيحية العربية (ص353)وأهم وأتم طبعه لهذه السيرة هي المتوحد أوغسطينوس بمطبعة القبر المقدس في اورشليم سنة 1913 وعدد صفحاتها 95 صفحاتها95 صفحة.

ثمة العديد من الابحاث العلمية عن اسقفية الخيام مايلفت الانظار نخص منها بالذكر:

1- س فيليه: دير القديس ثيوكيستوس واسقفية الخيام في مجلة المشرق المسيحي 58:3 ومايتلوها).

2- ل.فيديرلان: صحراء اورشليم والبدو وأنصاف البدو وخيام العرب المسيحيين طبيعة الارض المقدسة سنة 1907 صفحة 154 ومابعدها.وقد نوه بها السيد خريستموس بابادوبولس رئيس اساقفة أثينا… في مؤلفه:”تاريخ كنيسة أورشليم”( الصفحات 155 و167 و197)، والسيد تيموثاوس بطريرك اورشليم 1937 في مجلة “صهيون الجديدة” في مقالة له بعنوان ” إصلاح آراء خاطئة في تاريخ كنيسة أورشليم” ( عدد 11 سنة 1911 صفحة 153 و154 وسواهما من الكتبة المصريين.

تاريخ هذه الاسقفية

نلخص تاريخها مقتطفين معظمه من سيرة القديس افثيميوس المدرجة في “مجلة المشرق” العدد المشار اليه أعلاه، وفي كتاب “التاريخ الكنسي” للأب فلوري.

ونقول

“في نحو سنة 420مسيحية أثار ازدشير كسرى فارس اضطهادات دموية على مسيحيي دولته، واصدر أوامره الى جميع رؤساء العرب وامرائهم المقيمين على حدود بلاده والخاضعين لدولته بالقاء القبض على المسيحيين الهاربين ويصدوهم عن الهجرة الى ارض الروم فاستعظم أحد اولئك الأمراء – وكان رئيس قبيلة – جور كسرى فارس على المسيحيين، وتراخى في الامتثال لأمره.

ولكن البعض من الوشاة سعى بنميمة على رئيس القبيلة عند كسرى، حتى خشي على حياته من بطشه، فولى هارباً مع قومه الى جهة بلاد الروم، وهناك من استجار بوالي الشرق واسمه الكونت أناطوليوس فرحب هذا بهم، واقام رئيسهم المدعو اسباباط (اسبيغ) أميراً على قبيلة أخرى حليفة للروم وكان لاسباباط ولد اسمه طرابون اصيب بفالج أعيا الأطباء شفاؤه.

هذا حدثت له رؤيا استدل منها على القديس افثيميوس، فوفد عليه مع والده وقومه الى دير القديس ثيوكتيستوس في وادي دبور، حيث كان أفثيميوس مقيماً، فكان لخبر قدوم هؤلاء العرب الوثنين تأثير عظيم هلعت له قلوب الرهبان السياح وظنوا انهم يريدون غزوهم، لكن لما وقف القديس ثيوكتيستوس على حقيقة مقصدهم قدَّمهم الى القديس أفثيميوس، فصلى عليهم وعلى طرابون نفسه، وباركهم برسم الصليب، وأقام طرابون بينهم سالماً معافى.

” فلما شاهد البربر كيف شفي ابن رئيسهم من ساعته، عجبوا جداً وآمنوا بالمسيح، وطرحوا انفسهم أرضاً أمام القديس افثيميوس طالبين اليه بدموع الفرح وحرارة القلب أن يعمدهم في الحال. وإذ أيقن افثيميوس صانع العجائب أنهم من كل قلوبهم قد آمنوا بالمسيح نصَّرَّهم ونصَّركل من أتاه بعدهم. وأمر ببناء ثلاث قلالي لشيخهم اسبيغ الذي سماه بعد تنصيره بطرس وأقامه كاهناً ليرعاهم ويدير شؤونهم الروحية وعين لهم موضعاً يشيدون به كنيسة بين خيامهم . ثم لمناسبة ازدياد عددهم يوما بعد يوم رسم لهم القديس افثيميوس قسوساً وشمامسة.

“وبناء على طلب بطريرك بيت المقدس يوفينياليوس رقى لهم شيخهم القس بطرس (اسبيغ) الى رتبة رئاسة الكهنوت، وهو اول اسقف شرطن في فلسطين وقتئذ على محلات البربر، وكان جماعات كثيرة يأتون الى القديس افيثيميوس فيهديهم الى الايمان المسيحي ويعمدهم ويعلمهم كيف يعبدون الله ويعملون رضاه.”

وقد أظهر هؤلاء المتنصرون في الكنيسة التي خلدت في صفحات تاريخها أسماء خمسة من أساقفتهم وكان اولهم بطرس ( اسبيغ) السابق ذكره، وخلفه أفكسالبوس، ثم يوحنا وأعقبه على التتابع واليس 518مسيحية وبطرس الثاني 556 مسيحية.

على ان تلك الكنيسة لم تعش طويلاً في برية فلسطين، لأن العرب حسب شهادة كيرلس البيساني:”في زمان اسطاسيوس الملك خربوا بيوت البربر المتنصرين على ايدي القديس افثيميوس، فأما رؤساؤهم فصنعوا لهم بيوتاً جديدة وبنوا كنيسة عند مار طيربوس.

ثم رجع اليهم العرب فسبوا بعضهم وتفرق الباقون في القرى ونكبوا البربر في ذلك الزمان بشدة وضيق عظيمين.”

وقد تناولت بعض الكتب تنصر هؤلاء منها:

– سلسلة الآباء اليونان لمين.

– كتاب المونسنيور دوشين” كنائس منفصلة” طبعة سنة 1905 صفحة (343-345)

– ترجمة حياة القديس افثيميوس للأب جينيه ص (77-117)

– مقالة للأب فيليب في مجلة أصدقاء الشرق مجلد 12 سنة 1907 صفحة 343 ومابعدها…

مصادر البحث

– د. نجيب ميخائيل ساعاتي دورية الصخرة-اول تشرين اول 1937 العدد الاول

– د. اسد رستم كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى

– خريسوستموس بابادوبولس تاريخ كنيسة اورشليم

– سيرة القديس افثيميوس مجلة المشرق 1909



المطران باسيليوس الدبس …متروبوليت ابرشية عكار 1903-1938

$
0
0

المطران باسيليوس الدبس … متروبوليت ابرشية عكار 1903-1938

مدخل…

ثمة أعلام في المجالات كافة يُسكت عن الاضاءة عليهم رغم ماقدموه من جهادات ونجاحات وخدموا في كل الامكنة في الوطن والمهجر…

من هؤلاء كان مطران ابرشية عكار المترامية الاطراف مثلث الرحمات المتروبوليت باسيليوس الدبس

السيرة الذاتية

هو أمين بوسف بن حنا بن جرجس، والده يوسف الدبس بيروتي الأصل طرسوسي المولد.

ولد علمنا أمين في 1 تشرين الأول 1868 في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى من ولاية أضنة وهي من اعمال ابرشية كيليكيا.

مدينة مرسين
مدينة مرسين

كان والده يوسف من كبار تجار طرسوس المعروفين والذين لهم اعمال تجارية مع كل المناطق، وكان وكيلاً لقنصل ايران في المدينة، والدته مريم عبد الله الشامي التي توفيت السنة 1881 مأسوفاً على شبابها وعلى اربعة اولاد صغار تركتهم، كان بكرهم علمنا أمين، مالبث امين واخوته الا فُجعوا ثانية بفقدهم الوالد يوسف بعد سنة اي في عام 1882وكان عمره فقط 14 سنة وكان قاصراً عن امكانية رعاية اخوته، فانتقل بهم الى بيروت الى كنف عمه جبران الدبس، في تلك الاثناء حاول الانخراط فيسلك الرهبنة فمانعه ذووه، فظل في بيروت يتعاطى الأشغال، ويعتني باخوته، وكان يتردد على الشماس غريغوريوس حداد شماس مطران بيروت غفرئيل شاتيلا ( مطران طرابلس ثم بطريرك انطاكية 1906-1928).

نشأت بينهما صداقة متينة، وكان ميله الى الحياة الرهبانية يزداد يوماً اثر يوم، ولا يصادف من اهله الا زيادة التمنع والممانعة…

دعته ظروفه للسفر الى مصر حيث أقام ردحاً من الزمن، ثم عاد عام 1892 الى بيروت، وكانت كل قواه منصرفة الى اعتناق الرهبنة.

كان اخوته قد بلغوا رشدهم مماشدد عزمه وثبت أفكاره على الرغم من الممانعة.

رهبنته

غادر بيروت قاصداً صديقه غريغوريوس حداد الذي صار وقتئذ مطراناً لأبرشية طرابلس، والذي كان منهمكاً بتهيئة مايلزم لافتتاح مدرسة كفتين الاكليريكية في دير سيدة كفتين، فوصل الدير في 12 آب 1892، وتلقى فيه مبادىء الرهبنة تحت ملاحظة واشراف مطران طرابلس غريغوريوس، وانصب بكليته على الدرس والمطالعة.

حياته الاكليريكية

البطريرك غريغوريوس حداد
البطريرك غريغوريوس حداد

في سنة 1894 أدخله المطران غريغوريوس بمعيته الى طرابلس، وفي يوم السبت الكبير من الأسبوع العظيم المقدس الواقع في اول منيسان 1895 رسمه راهباً قانونياً في كنيسة القديس جاورجيوس الأرثوذكسية في اسكلة (ميناء) طرابلس ودعاه أفرام وفي اول كانون الثاني سنة 1896 رسمه أنا غنوسطاً ( شماساً مبتدئاً)، وفي 21 ايار من العام ذاته رسمه شماساً انجيلياً بالاشتراك مع نيقوديموس مطران عكار في كنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في طرابلس المدينة.

في 23تموز 1897 انتدبه المطران غريغوريوس مطران الابرشية وكيلاً لدير سيدة الناطور، ثم في سنة 1898سافر الى دمشق وزار الصرح البطريركي والكاتدرائية المريمية، وتابع الى دير سيدة صيدنايا البطريركي حيث تبرك بزيارته وزيارة بقية أديار وكنائس البلدة.

في 3 أيار من السنة ذاتها، وبناء على طلب السيد غريغوريوس مطران الأبرشية رسمه السيد اثناسيوس عطا الله ملاك حمص قساً.

في أميركا الشمالية

بناء على طلب الارشمندريت روفائيل هواويني رئيس الارسالية السورية الأرثوذكسية في اميركا الشمالية ( مطران بروكلن – القديس) عُيِّنَ مرسلاً أنطاكياً في اميركا الشمالية، فقام في 21 تموز 1898 من طرابلس قاصداً نيويورك تاركاً أحسن الأثر في نفوس ابناء طرابلس.

وصل نيويورك في 9آب1898، فقام بخدمته التي انتدب لأجلها خير قيام، وبعد خمسة أشهر تأسست بهمته أول كنيسة أرثوذكسية في مونتريال بكندا.

وصلت أخبار جهاداته الرعوية وغيرته الارثوذكسية ونشاطه إلى أسماع المطران تيخون الروسي مطران آلاسكا وسائر اميركا الشمالية. وكان كل الحضور الارثوذكسي، رعايا واكليروس وانتشار، وخاصة الانطاكي منه، برعاية بطريركية موسكو والقيصرية الروسية، فسمح له مطران الأبرشية تيخون بتعليق الحُجرْ والصليب، وتم تدشين الكنيسة في 6 حزيران 1898 بحضوره ورئاسة المطران تيخون والارشمندريت روفائيل هواويني رئيس الارسالية وكل كهنة انطاكية وروسيا والكنيسة الارثوذكسية… وكان تدشين هذه الكنيسة الاولى في مونتريال عرساً انطاكياً روسياً ارثوذكسياً بامتياز.

العودة الى الوطن

ظل في خدمته الروحية مندفعاً حتى 26 كانون الثاني 1900، حيث اضطرته دواع صحية الى مغادرة اميركا والعودة الى بلده فوصل الى بيروت في 22 تشرين الثاني 1900 ومنها قفل راجعاً الى طرابلس ابرشيته الأم وكان ذلك في 6 كانون الثاني 1901 ، فأقام فيها مدة، واستأذن مطرانها ان يزور مسقط رأسه مرسين وزيارة أهله فيها، وزارهم ولقي استقبالاً محموداً حيث كانت أخبار نجاحه الرعوي قد سبقته اليها فالتفت حوله الرعية كلها والاهل والأصحاب، وتمنوا عليه البقاء لديهم وخدمتهم.

لقائه بالبطريرك ملاتيوس

البطريرك ملانيوس الدوماني
البطريرك ملانيوس الدوماني


من مرسين عاد الى طرابلس، وقام بخدمة رعاياها باقتدار تحت اشراف وملاحظة معلمه مطران الأبرشية غريغوريوس.

في صيف عام 1901 زار صيدنايا وتبرك بديرها المقدس ثم زار الصرح البطريركي في دمشق وتبرك بلثم انامل البطريرك ملاتيوس الدوماني، الذي اعجب به وقد نال منه كل رعاية ومحبة ولطف.

وكيلاً بطريركياً في عكار

بعد وفاة مطران عكار نيقوديموس في 4/10/1901 عيَّنه غبطته وكيلاً بطريركياً على ابرشية عكار بطرس بركة وتكليف بطريركي مؤرخ في 8/10/1901 وصادر عن المقر البطريركي بدمشق.

في 16 منه سافر الى ابرشية عكار، فقام بواجبات الوكالة خير قيام، بالرغم من مواقف البعض، ومع ذلك سار بالأبرشية الى ميناء السلامة.

ارشمندريتا

وفي 7 نيسان دعاه البطريرك ملاتيوس الى دمشق، ورقاه باحتفال كبير في الكاتدرائية المريمية الى رتبة ارشمندريت، وعاد الى مهمته في الوكالة البطريركية بأبرشية عكار.

مطراناً

في 25 نيسان 1902 انتخبه المجمع الانطاكي المقدس مطراناً على ابرشية عكار،

تأخرت رسامته عدة اشهر لوجود تيار معارض في الابرشية أزعج البطريرك ملاتيوس والمجمع المقدس، وفي 2/2/1903 صدر أمر من غبطته برسامته مطراناً على ابرشية عكار في مدينة حمص وتم ذلك في كاتدرائيتها كاتدرائية الاربعين شهيداً على يد مطارنة حمص اثناسيوس عطا الله وحماة غريغوريوس جبارة وطرابلس غريغوريوس حداد ودخلوا معه الى ابرشيته حيث تسلمها برعاية الله وبقي فيها حتى وفاته في 17/2/1938.

سبب التأخير

أوجب القانون الأساسي لبطريركية انطاكية وسائر المشرق أن يتم انتخاب مطران الأبرشية بترشيح من شعبها ، حيث ترفع رعايا الابرشية اسماء مرشحيها الثلاثة بعرائض حسب الاصول الى البطريرك والمجمع المقدس حيث يتم اختيار ثلاثة مرشحين حازوا على اغلبية الاصوات.

ومنذ الاعلان البطريركي بموجب التكليف البطريركي لعلمنا بالوكالة البطريركية قام هو برعاية وتنسيق مشروع انتخاب مطران الابرشية، وقد عمدت كل مجموعة من الرعايا على تقديم عريضة ترشح بها من تشاء من الاكليريكيين، وانهالت العرائض من كل جهات الابرشية العكارية على المقر البطريركي بدمشق، وكان القسم السوري قد رفع عرائض مؤيدة لعلمنا وكان هناك معارضة شديدة له…

قامت البطريركية بتهدئة الاجواء، وتهيئة مايلزم لرأب الصدع، فكلف البطريرك وعلى التتابع العديد من الوفود البطريركية وكان في مقدمها الأكسرخوس نقولا شحدادة موفداً بطريركياً، ثم تبعه وفد ثانٍ ضم الخوري الياس المر والقس جبرائيل فيعاني.

ثم انتدب غبطته والمجمع المقدس المطرانين غريغوريوس مطران حماة وارسانيوس حداد مطران اللاذقية لحل الاشكال وارضاء النافرين المعارضينن ولكن كل ذلك لم يؤدي الى الوفاق المطلوب والاتفاق على المنتخب باسيليوس،

واخيراً فعلت الارادة الالهية فعلها وتم كل شيء بأمان.

انجازاته

ابرشية عكار وبالرغم من انها الأبرشية الأكبر جغرافياً فهي تشتمل على ارجاء واسعة في سهل عكار بقسميه السوري واللبناني ( لم يكن لبنان قد أُجد) وهي الخزان الارثوذكسي الأكبر في كل الكرسي الانطاكي المقدس الا انها فقيرة مادياً مع قحط روحي، مع نشاط كبير للكاثوليك قام به مطران طرابلس مع دعم مادي وتعليمي كبير، ومثله كانت بوادر غزو بروتستانتي للمنطقة، وعلى هذا فإن الابرشية كانت بحاجة ماسة الى نهضة كبيرة بكل شيء يتوجب على مطارنتها وكهنتها القيام به وهو ماكانت تفتقر اليه بالكلية لذلك نشطت كما اسلفنا الارساليات الكاثوليكية والبروتستانتية زمن سلفه اليوناني بالرغم من ورعه وسعيه…

لذا شمر علمنا عن ساعد الجد وبالرغم من معارضة الذين عارضوا ترؤسه الابرشية واستمروا وقام بنهضة روحية حتى في اصغر قرية من قرى الابرشية واوجد لها كنائس حيث ان معظم الكنائس القديمة فجددها واضاف اليها كنائس جديدة في قرى لم يكن فيها كنائس واوجد لها كهنة ضمن الامكانيات المتوفرة كما تشير رسائله المتواترة الى البطريرك ملاتيوس الدوماني وخليفته غريغوريوس حداد.

اقام في اول مطرانيته دار مطرانية لائقة نسبياً مع كنيسة على اسم القديس باسيليوس شفيعه في حلبا، جددها مطران الابرشية الحالي المطران باسيليوس منصور.

ورتب أمور الاوقاف التي كان الكثير من الأغوات المحليين وسواهم ومنهم من ابناء الرعية يضعون ايديهم عليها ونظمها لتدر ريعية ثابتة.

كما بنى كنيسة رقاد السيدة في حابا – صافيتا وكذلك في عهده كمطران للأبرشية، وهي من الحجر الأبيض النحيت الجميلوبناؤها على طراز العقد وهي تتوسط القرية.

الخاتمة

يعد علمنا من اوائل الذين حدثوا هذه الأبرشية الفقيرة والمترامية الاطراف وبالرغم من ندرة الموارد والقحط الروحي استطاع بصمود وصبر ان يصنع الكثير من لاشيْ.

وقد اتصف اضافة الى الورع اتصف بالمعرفة وهو بنى ذاته بذاته ومن خلال جهد فردي عبر منهج التثقيف الذاتي، كما اتصف باحكمة وطول الاناة وكان البطريرك غريغوريوس يوفده لرأب الصدع في الكثير من الابرشيات…

ليكن ذكرك مؤبداًفلقد تركت هذا الذكر في كل مكان خدمته يداك وروحك.

مصادر البحث

– الوثائق البطريركية بدمشق، وثائق أبرشية عكار…

– مجلة الصخرة

– د. اسد رستم كنيسة انطاكية

– الأب المؤرخ نايف اسطفان” الحقائق الجلية في الوثائق البطريركية “


خربشات سياسية… 18/8/2018

$
0
0

خربشات سياسية… 18/8/2018

– لأن العلاقات بين العربان لارؤية استراتيجية ولا قواعد سياسية تحكمها … ولا علاقات على اساس اانها اخوية تربطها فهي غالباً كالأمواج حيناً تهدأ وحيناً تصطخب وتضرب الصخور وتتبدد كالزبد وكالعواصف الرملية التي تعمي العيون ثم تزول، هي علاقة بنيت على مبدأ العباءة والخنجر…بالرغم من كثافة التسليح وفداحة اثمانه… فقط لضرب سورية والعراق واليمن…
اما “جامعة العربان”، والأصح ان نقول عنها “هيكلية العربان” فهي مستودع لهذه المستحاثات والجيف النتنة من القادة ولعكازاتهم،ولعباءاتهم، ولأراكيلهم، وامينها ابو الغيطان يجلس خلف ابواب مراحيضهم المغلقة يغوص في غائطهم وروائحهم وروائح افواههم النتنة ولم ينفع معها لا المسواك، ولا فراشي المراحيض…

وهو يلتف ببطانية الصوف اتقاء للرياح القادمة بانتصار سورية واليمن وليبيا والعراق ولبنان… المهم ان يبقى أميناً عاماً…لمنظمة المستحاثات العربانية البغيضة… ويقبض بالدولار ويراهن يوما على انبطاحه صهيونياً واميركياً ليصير اميناً للأمم المتحدة… 
– آل سعود مثل غيرهم من حكام العربان كانوا يتوقعون سقوط االرئيس بشار الاسد و”النظام” وفق تسميتهم في غضون أيام او أسابيع، وفعلوا المستحيلات ودفعوا المليارات من الدولارات بعد قطر البعوضة الصهيونية الخليجية كورثة شرعيين اذناب لها في خدمة الانبطاح لترامب بعد اوباما . وكان ذلك منذ آذار 2011 
لا بل ان المُهلكة الوهابية سبق ووقعت في المصيدة العثمانية قبل ان يعض الذئاب والضباع بعضهم، لقد اصطادها القرد اوغان وسيرها في ركاب حصانه، علماً ان الكثير من العربان من السياسيين حذروا مملكة الرمال منه ومن أطماعه السلطانية وان العمل معه بمثابة مجازفة قاتلة…!
– القرد اوغان الذي اقام في تركيا منذ ماقبل عدة اشهرعلى بدء العدوان الكوني على سورية معسكرات ذل وقذارة واغتصاب للسوريات وتجارة للقطع البشرية للمقاتلين وحتى للاولاد وعصابات سرقة الاطفال وتسفيرهم الى شريكه العدو الصهيوني…

– اردوغان لص حلب القاتل لشعبنا الذي استضاف قادة داعش وجيش الفتح… والتنظيمات التركية والتركمانية والتركستانية الاسلامية وماتسمى عصابات الجيش الحر والنصرة وجيش الاسلام وفيلق الرحمن وجيش ابن الوليد… في المنتجعات، وفتح المعسكرات امام شذاذ الآفاق الذين تم استجلابهم بالتواطؤ بين المال القطري والسعودي العرباني الخليجي واجهزة الاستخبارات على انواعها وفي مقدمها الموساد الصهيوني و المخابرات الاردنية والاميركية، كان يعنيه ان يمتطي ظهور الجميع على انه السبيل المثالي لاعادة السلطنة العثمانية والدخول الى دمشق ( شام شريف) بحصان سلفه محمد العثماني مستعمر القسطنطينية وليصلي في الجامع الاموي… وكأنه صلى في كاتدرائية فيينا…

– لقد ظن نفسه حقاً انه ضامن لخفض التصعيد في الشمال وفق اتفاقات استانة فقام باجتياح عفرين وتهجير ثلاثمائة الف من الاكراد وعينه على منبج والعدو الاميركي يهادنه بالرغم من عاصفة ترامب الأخيرة والعقوبات الاقتصادية بحق تركيا وكلها فعلها ترامب لارضاء قسد داعش الجديدة ليمنع تواصلها مع الدولة السورية ومنعاً لها من تسليم المرافق كسد الفرات والطبقة وحقول النفط والغاز لها…
– السؤال اين هي مملكة الرمال الآن في سورية؟ الا يتوجب عليها إعادة العلاقة مع سورية المنتصرة من حلب الى الجولان… في وقت انكسر في هذه المنطقة الجنوبية الكيان الصهيوني وحليفه الاميركي والاذناب في التاج الاردني الذين يضعون اليوم العصي في دواليب عودة المهجرين السوريين الى سورية وكانوا يتباكون من ثقل هذا الحمل وياحرام كم فعلوا ببناتنا المهجرات في مخيمات الذل الاردنية على غرار تركيا؟

حتى الاتفاقات الميدانية تعقد بين اميركا وروسيا وتركيا وايران. من تحت الطاولة، واذا كان هناك من يسعى لتفكيك سورية، كما العراق، فأين هي مصلحة الرياض وعمان في ان تكون (او تبقى) وسط تلك الحرائق التي، واقعاً، تلامس بلاطيهما وسيمتد لهيبها الى المملكتين كما حصل في المنطقة الشرقية السعودية وكما حصل في الاردن مؤخراً ولم يعد الوقت ببعيد فالمناطق الشرقية في السعودية مثلاً ؟ خاصة بعد انتصار الدوحة على السعودية…

ولم تنجح مملكة الرمال بعزلها بعد ان تركتها الدول الاوربية بمفردها ولم تستجب، (بالرغم من كل الضخ المالي في خزينة ترامب…)

بمحاصرة الدوحة…

الجيش السوري يرفع الغلم الوطني في القنيطرة
الجيش السوري يرفع الغلم الوطني في القنيطرة

– الثابت ان هناك جهات لبنانية ترتبط سياسياً او مالياً (او زبائنياً) بآل سعود كسعد الحريري المكلف برئاسة الحكومة الذي ينطق بما يأمره به ابن سلمان بعدما اعتقله ولولا ماكرون لربما كان حتى الآن موقوفاً كبقية امراء آل سعود…او كتلميذ الحريري الولد المسخرة البواق عقاب صقر الذي مصيره سلة المهملات كحفاضات الاطفال بعد استخدامها، والحريري يمثل بشكل ظاهر هؤلاء المعادين لسورية، يرفضون حتى قيام وزراء بزيارة دمشق لمصالح مشتركة لا اكثر ولا اقل وحتى رفض التنسيق بين الجيشين السوري واللبناني في دحر الارهاب من الجرود المتداخلة كله لأجل البغض السعودي واللبناني المأجور للسعودية والباغض لسورية وهم رأس حربته…

– الذريعة الكاريكاتورية التي اعلنوها على الملأ هي عدم تعويم النظام السوري. يا جماعة، عودوا الى وعيكم وعودوا الى مقاساتكم. هذا لست انا من يقوله الذي يقوله اليوم 80-% من الشعب اللبناني الشقيق الذي يدرك ان لابقاء للبنان معافى دون التنسيق اقتصادياً وامنياً و…مع سورية في ظل تصاعد التحديات والعنتريات الصهيونية بحق لبنان، وخاصة لجهة النفط والغاز في المياه الاقليمية، ونحن في هذه الايام التي نعود بها الى تطهير جرود القلمون بالتنسيق بين الجيشين السوري واللبناني وحزب الله المقاوم.
– في السياق الأقليمي اياه والذي يتداخل مع السياق المحلي، لم يعد خافياً على كثيرين الدورالبطولي الذي لعبه الرئيس ميشال عون، في الأسابيع الأخيرة قبيل معركة القلمون، وحال دون تهريب خطط خطيرة، اكثر من ان تكون واهية، واكثر من ان تكون جهنمية، وتفضي الى تفجير لبنان وتقويضه، باستخدام مسلحي الجرود ورقة تكتيكية في الصراع الداخلي كما في الصراع الآقليمي من قبل بعض الكتل السياسية اللبنانية…
-كل اشكال المراوغة ظهرت وقتهاعلى الأرض لابقاء التنظيم في الجرود اللبنانية، والى حد القول من طغمة المستقبل و14 آذار ان الجيش اللبناني يعمل لحساب حزب الله دون ان يروا، بالعين العرجاء، ان الحزب وضع المناطق التي حررها بامرة العماد جوزف عون بل والرئيس ميشال عون…
العماد عون اصرّ على اجتثاث تلك الآفة من السلسلة الشرقية. هذا ما حصل وبمنأى عن البهلوانيات السياسية والاستراتيجية والعنتريات الصرصورية الحريرية والجعجعية والجنبلاطية… ومن لف لفهم…
-جهات لبنانية وبكل اسف تتحرك بخيوط خارجية لمنع عودة المهجرين السوريين كما فعل النظام الاردني ” الشقيق” والنظامان يتباكيان من ثقل الوجود السوري وكم شحذا عليه من المنظمات الدولية ودول اوربة ولكنهم اليوم صاروا احن من الدولة الام وحركا المفوضية السامية للمهجرين لتقولوا بعد موافقتها وتتبعها بريطانيا التي تعتبر معركة تحرير ادلب من النصرة وداعش…وكل هذه الطغمة السلفية الشيطانية كارثية…

-انا لاأعلم ما هو تبرير موقف الاردن الشقيق عندما يساهم مع العدو الصهيوني بتهريب اصحاب النونيات البيض هذه المنظمة التكفيرية القاتلة، وهو يعلن انه مع وحدة سورية والحوار وانهاء الازمة بين السوريين… وهو يفعل كل ذلك العداء بحق الدولة السورية شقيقته وقد خرج الاردن كامارة من رحمها) مع منظمة قتلت من الأطفال السوريين الكثير لامرار كذبها بالهجومات الكيميائية المتكررة… وقصف النظام السوري وقتله لأطفاله وهم القتلة…!

– هؤلاء هم العربان وعروشهم المحمية من اميركا والكيان الصهيوني والعدو التركي… ما يجري وراء الستار ابعد بكثير من مخيلتنا التي لا تزال تجلس القرفصاء في القرن التاسع عشر. تعلم مراجع في لبنان ان اشارات وصلت الى البلاط السعودي باعادة النظر في النظرة الى سورية

حماة الديار عليكم سلام
حماة الديار عليكم سلام

ذات يوم قد يكشف عن الجهة التي اقترحت تهريب مقاتلي داعش الى السعودية، وستكون هناك حقائق فوق التصور…
– اشترك ثلاثة وزراء لبنانيون في افتتاح معرض دمشف الدولي السنة الماضية واكيد ستكون المشاركة اكبر في هذا العام نكاية بسعد الحريري ومشغله محمد بن سلمان مع نخبة من رجال الاعمال والصناعيين والفنانين وكله لابلاغ هذه الطغمة المرتبطة بالخارج والمقاطعة في الداخل ان لبنان مع سورية شعب واحد في دولتين
زمن الأعاجيب لا زمن العجائب…
– بالنسبة لسورية المقاومة لقد ادرك العالم كله ان الانتصار أزف والا لما شارك كل هذا الكم الكبير من الدول في معرض دمشق الدولي العام الماضي وفي هذا العام منهم الكثير من الدول التي شاركت بذبح سورية بكل شيء اقتصاديا وعسكريا وتهجيرياً…خاصة وان انتصارات الميدان ملأت كل ارجاء سورية بالرغم من الجعجعة الاميركية في البادية مع عصاباتها واساساً الاكراد الخونة…والجعجعة التركية من خلال عصاباتها في عقرين وغربي حلب وجبال اللاذقية…
ومن خلال صراخ الموساد والنتن ياهو ووزاء الكابينيت في فلسطين المحتلة بعد تحرير الجولان ودرعا وقريباً جداً كل محافظة السويداء وباديتها من داعش… 
– ونعود للسؤال:

ماهي مصلحة آل سعود باستمرار عدائها لسورية المنتصرة؟ هل ليستمر النزف وليلحقه نزف سعودي جديد في المنطقة الشرقية من المهلكة حيث الشيعة الجائعين المحرومين من ابسط حقوق المواطنة…والنار ستشتعل ان عاجلاً ام آجلاً… ثمة معلومات حساسة.بأن جهة طرحت نقاطاً لصفقة هائلة من خلال فتح الطريق امام ارهابيي داعش في العراق للانتقال المنظم، والمنسق، الى الداخل السعودي. دائماً لتفجير الوضع في مملكة الرمال . هناك مسؤولون كبار في المملكة ويعرفون من أوقف ذلك السيناريو الرهيب
– وبالنسبة للساسة اللبنانيين اسأل هل التنسيق عسكريا مع دمشق يؤثر قيد انملة في المسار العسكري او في المسار الديبلوماسي للأزمة في سورية؟

ربما كان هذا السؤال موجهاً الى اولئك اللبنانيين الذين مدوا الأيدي الى حفاري القبور في الداخل والخارج وسهلوا وصول بواخر السلاح وبقوا كخالد الضاهر وصقروالتافهين امثالهما يدافعون عن داعش والنصرة كما دفاعهم عن الارهابي أحمد الأسير…والنتيجة هي لازالة “النظام السوري”، ولطالما علا صراخهم في الساحات، وفي الجرود، وفي السفارات. اي جدوى؟
والنظام السوري (وفق تسميتكم) لن يزول ولن يسقط، ومليون شهيد وجريح ومخطوف ممكن ان يصيروا مليونين… وانتم ان لم تزولوا فستحجون مجدداً الى سورية كما معلمكم السعودي، وسيعود ملف لبنان الى العهدة السورية وان غداً لناظره قريب، وسيعود الاصطفاف اللبناني وسواه لزيارة القصر الرئاسي قي قاسيون…
ولأن الغلبة الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية هي دوماً للمنتصر عسكرياً
ثقتنا بقوات الفينيق السوري و والقوى الرديفة والحلفاء الابطال… المنتصرين
عندي ثقة فيك وبيكفيك ياجيش الوطن الحبيب سورية…
رحم الله الشهداء وبلسم قلوب الجرحى والمخطوفين وكل ذوي الضحايا…
عاشت سورية، وعاش جيشها…
د.جوزيف زيتون

الارشمندريت جراسيموس غلام…

$
0
0

الارشمندريت جراسيموس غلام…

تمهيد

لفتتني جهادات هذا العلم بصفته كان رئيساً لكاتدرائية القديس جاورجيوس الأرثوذكسية في الاشرفية ببيروت، وكان رئيساً لكنيسة رؤساء الملائكة الارثوذكسية الانطاكية والمسماة هناك كنيسة الشوام في محلة الظاهر في القاهرة…

ورد ذكره في الوثائق البطريركية وثائق ابرشية بيروت في المراسلات مع المقر البطريركي بدمشق سواء منه او عنه، ومثلها وثائق العلاقات مع الكرسي الاسكندري الارثوذكسي…

وكم اشتهيت ان اعرف حقيقة هذا العلم الذي كان كأقرانه في كل زمان ومكان يسعى الى خدمة كرسينا الانطاكي وابرشياته بكل اندفاع بعيداً عن الانا الضيقة وبكل صمت…

ولكني لم اتمكن لندرة المعلومات الشخصية عنه لا بل عدم وجودها وخاصة مايغطي سيرته الشخصية منها لافيه حقه، وبقي في بالي الى ان اتيح لي وانا اراجع بعض الدوريات القديمة ان عرضت دورية “الصخرة الارثوذكسية” في 2 حزيران 1938 الصادرة عن كرسينا الرسولي الارثوذكسي في الاسكندرية ان نشرت خبر انتقاله الى الأخدار السماوية وكان هو رئيس كاتدرائية بيروت…

بالرغم من ان الخبر لم يشف عطشي لأدون سيرته المحمودة ولكن يبقى الامر افضل مما لم يكن، ومنه انطلقت ببعض التوسع والنقد والتمحيص مما اختزنته عنه من مراجعات شفهية لبعض المعاصرين له من المسنين المصلين في كنيسة رؤساء الملائكة في الظاهر بالقاهرة، حيث كنت اتحين فرص ايفادي في الوظيفة الى مصر للصلاة والترتيل في هذه الكنيسة المسماة منذ تاسيسها وحتى الان ب”كنيسة الشوام” فكانت تدوينتي عنه…آملاً ان اصادف يوماً مايشفي هذا العطش عنه بالاستزادة من معلومات مكتوبة او مما تحمله لي الذاكرات الشفهية، اوعن غيره من الجنود المجهولين وقصدنا ان نفيهم حقهم علينا…راجياً ممن يعرف عن اعلامنا تزويدي بمايعرفه لاظهاره وجهاداته (وبإسم المعرف) والله من وراء القصد…

نقلت دورية الصخرة العدد 20 حزيران 1938 عن وفاته بهذا المقال الذي افاضت فيه بذكر خصاله والاثر الطيب عنه فقالت في مقدمة خبر النعي النص التالي:

“الارشمندريت جراسيمس غلام رئيس كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الارثوذكس في بيروت، ورئيس كنيسة رؤساء الملائكة/ الظاهر/ القاهرة سابقاً.

نعته البرقيات من بيروت الاثنين 20 يونيو حزيران 1938 فكان يوماً أظلمت فيه سماؤه واضطرب صباحه ومساؤه، وقد سرى نعيه بسرعة البرق فقابله الناس بين مصدق ومكذب، بقلوب واجمةنوعيون دامعة، وصدور متفجعة، وأنفاس متقطعة، وزفرات متسعرة وانات مترددة، حتى كان له في كل وادٍ مأتم ، وفي كل أسرة مناحة، فلا عجب فقد امتاز على سواه بما خصه الله في دنياه من مزايا كريمة، وخصال حميدة، وعلم غزير وصلاح وبَّرٍ وتقوى واخلاص وتضحية وايمان ومحبة مسيحية، مماجعل في كل القلوب مثواه وفي كل الأفئدة سكناه…”

انتهت المقدمة…

السيرة الذاتية

هو ابن أسرة بيروتية مكينة في ايمانها الارثوذكسي القويم، قدمت عبر تاريخها العديد من خدام مذبح الرب واحبار كنيستنا الارثوذكسية والرهبان والراهبات.

من مواليد بيروت 1880 تقريباً، درس المرحلة الابتدائية في المدارس الارثوذكسية في محلة الاشرفية، ولفت ايمانه وتردده على الكنيسة والخدمة فيها انتباه متروبوليت بيروت المطران غفرئيل شاتيلا فأولاه محبته، ولما لاحظ المطران بحسه الابوي توق هذا الطفل للرهبنة، استدعى والديه وسألهما عن حقيقة الحال كما لاحظه من ميله للكهنوت وابدى لهما ( في حال موافقتهما) رغبته بارساله الى مدرسة البلمند الاكليريكية ليدرس الكهنوت الشريف ويعود لخدمة رعية بيروت، فوافق الاب والام بسرور على هذه النعمة، سيما والعائلة ابنة بارة للكنيسة وقدمت وتقدم خداماً لها.

دراسته الاكليريكية

انتقل علمنا الى دير سيدة البلمند البطريركي ودرس في مدرسته الاكليريكية وعاش حياته الديرية مع رفقته من الرهبان الذين صار منهم كهنة ومطارنة…

متروبوليت بيروت والبنان غفرئيل شاتيلا 1870 1902
متروبوليت بيروت والبنان غفرئيل شاتيلا 1870 1902

دراسته في اليونان

نظراً لتفوقه ونبوغه قرر متروبوليت بيروت غفرئيل شاتيلا عدم الاكتفاء بدراسة البلمند، فقرر ايفاده لمتابعة دراسته اللاهوتية العالية في جامعة أثينا، حيث نال منها الاجازة في اللاهوت، وتابع بدراسة الدكتوراه في اللاهوت والفلسفة، فنالها بجدارة وكان عمره وقتئذ مابعد منتصف العقد الثالث تقريباً.

ولفتت صفاته وماتحلى به من ذكاء مفرط ونبوغ نادر، واخلاق فاضلة ، وتواضع وروحانية متميزة وحسن الصوت والترتيل انتباه رئيس اساقفة أثينا فاحتفظ به لخدمة كنيسة اثينا فرسمه شماساً ثم كاهناً ورقاه الى رتبة الارشمندريتية كالعادة في الكنيسة اليونانية، واقام في مقر رئاسة الاساقفة في أثينا العاصمة عدة سنوات يعلم ويعظ باللغة اليونانية التي صار يجيدها مع آدابها أكثر من الناطقين بها /وخاصة اللغة اليونانية القديمة اي اللغة الطقسية، وهي صعبة جداً/ وكان يعلم في مدارس الكنيسة، ويعظ في الكنائس، ولم يغادر أثينا الا بعد الحاح متكررمن البطريرك الاسكندري ملاتيوس على رئيس اساقفة اليونان ليتخلى عنه لصالح بطريركية الاسكندرية للروم الأرثوذكس.

خدمته في مصر

حضر الى مصر مزوداً من رئيس اساقفة أثينا بشهادة خطية ناطقة بنبوغه وتفوقه على اقرانه الموفدين معه من الكراسي الارثوذكسية الانطاكي و الاسكندري والاورشليمي.

وانزله موقعاً رحباً في مقر البطريركية في الاسكندرية مترئساً على احدى كنائسها الكبيرة شكلاً ورعايا حيث كان الوجود اليوناني على اشده وقتذاك في الديار المصرية عدة مئات من الالوف، وينتشرون في الاسكندرية والقاهرة وطنطا ومدن القناة …اضافة الى الرعية السورية- اللبنانية التي وفدت الى مصر منذ مذبحة 1860.

عيَّنه البطريرك الاسكندري ايضاً سكرتيراً للمحكمة الكنسية بالاسكندرية، اضافة الى تكليفه بخدمة الرعايا السورية- اللبنانية ( الشوام كما كانوا يُسمونهم) في كاتدرائية القاهرة، وكنيستي بورسعيد وهيليو بوليس… فكان خير راعٍ لهذه الرعايا في هذه الرقعة الجغرافية الكبيرة، كما كلفه بوظيفة نائب رئيس مدرسة القديس أثناسيوس الاكليريكية الارثوذكسية في مصر الجديدة.

كنيسة رؤساء الملائكة للروم الارثوذكس الانطاكيين في الظاهر / القاهرة كنيسة الشوام
كنيسة رؤساء الملائكة للروم الارثوذكس الانطاكيين في الظاهر / القاهرة كنيسة الشوام

استمر بعمله الرعائي والتعليمي والوعظي بالعربية واليونانية الى عام 1934 حيث شيدت كنيستنا الانطاكية في محلة الظاهر في القاهرة على اسم كنيسة رؤساء الملائكة الارثوذكسية في الظاهر، والتي كانت تسمى وحتى الآن بكنيسة الشوام وتضم الرعية الانطاكية السوري- اللبنانية من مختلف المناطق في البلدين مع الفلسطينيين الارثوذكس، وجعلت هذه الكنيسة أمطوشاً للكرسي الانطاكي في الكرسي الاسكندري، ويرعاه معتمد انطاكي برتبة ارشمندريت(1) فانتخب رئيساً على هذه الكنيسة، وتابع في اكمال بنائها ورسم جدرانها بالفريسك وتزويدها بما يلزمها من تجهيزات كنسية وكتب ليتورجية باللغة العربية وكل ذلك تم بالتنسيق مع البطريركين الكسندروس وملاتيوس، وقد كلفه البطريرك الانطاكي الكسندروس رسمياً بتمثيله له معتمداً بطريركياً انطاكياً لدى الكرسي الاسكندري والبطريرك ملاتيوس.

تميز بعظاته ووقفاته الخطابية في هذه الكنيسة التي تعد قاعدة للجاليات الانطاكية في مصر، واحسن في رعاية رعاياها وخدمة الشباب والترتيل والتعليم الديني وتأسيس فرقتها الكشفية وكل خدمة ممكنة وكانت الرعية تتقاطر اليه في المعتمدية لطلب الخدمات الروحية وسواها وكان يلبيها بكل محبة واقتدار فأجمع الكل على محبته وتقديره من وطنيين مصريين ارثوذكس وانطاكيين ويونان… وكنائس شقيقة قبطية وسواها… فلقد كان قائداً روحياً مقتدراً بامتياز…

كان الجميع (ارثوذكس وسواهم) يتهافتون من مختلف ارجاء القاهرة ومصر الجديدة والريف المحيط للاستماع الى عظاته دوماً وخاصة في الاعياد والمناسبات الكبرىن ويثنون على عظيم مقدرته، وسديد أفكاره، ومن تأثيره الكبير في نفوس سامعيه انه اذا مافوجيء بدعوته لالقاء كلمة باليونانية في تأبين شخصية لها وزنها او في تكريس او تدشين موقع او…يدهش سامعيه بسحر بيانه وقوة تأثيره لدرجة ان الجميع وخاصة اليونانيين اجمعوا على اعتباره من فحول لغتهم الواقفين على اصغر وادق اسرارها، وهو عندهم وهو مكذا في الحقيقة من كبار ادبائها عدا عن طلاقته المتميزة بالخطابة والوعظ في اللغة العربية وسلامة وجزالة انسيابها.

وبالتالي كان البطريرك الاسكندري ملاتيوس يفاخربه ويدعوه الى معاونته في زياراته الى الكنائس والطوائف الاخرىن والى معاونته في الكثير من الخدم الروحية وخاصة في المناسبات الكبيرة والرسمية، ممايحتاج الأمر الى وجوده معه، لأنه كان يُعَّرِّبْ تعريباص فورياً مرتجلاص لعظات غبطته التي كان يلقيها باليونانية.

وكانت انظار المصلين تتجه دوماً الى علمنا مشيدين بفضله وفضيلته من حيث الكمال والحشمة والأدب والتقوى ورخامة الصوت وحسن الخدمة كاهناً ومرتلاً.

لقد رعى علمنا رعايا مصر كما كان في اليونان بكل خوف الله ومحبته واصلاً آناء الليل بأطراف النهار في خدمتهم.

كنيسة رؤساء الملائكة للروم الارثوذكس الانطاكيين في الظاهر / القاهرة كنيسة الشوام
كنيسة رؤساء الملائكة للروم الارثوذكس الانطاكيين في الظاهر / القاهرة كنيسة الشوام

العودة الى بيروت

نظراً لجهاده الحقيقي وتجرده بلا كلل لخدمة القطيع في البطريركية الاسكندرية عموماً وكنيسة رؤساء الملائكة الانطاكية والامطوش الانطاكي في القاهرة خصوصاً، فقد ضعفت صحته، فاستعفى من البريرك الكسندروس ومن البطريرك الاسكندري ومن الرعية التي اسفت جداً على تركه لها، واقامت له البطريركية الاسكندرية ومؤسساتها ورعية كنيسة رؤساء الملائكة يوم سفره حفلة وداعية تليق به القيت بها الخطب الرقيقة، فرد عليها علمنا بعبارات ( كما قيل) ” أسالت العبرات.”

في طريق العودة الى بيروت عرج باجازة قصيرة الى باريس للاستزادة من العلم، ولتقوية اللغة الفرنسية التي كان يجيدها اصلاً.

في بيروت كلفه مطرانها الشيخ الجليل جراسيموس مسرة برئاسة كاتدرائية القديس جاورجيوس عام1935 فأدى لرعيتها ولكل الرعايا البيروتية والرعية اليونانية الكبيرة المقيمة في لبنان خدمات جليلة بالرغم من قصر مدة عودته اليها…

وخاض معارك شرسة في وجه الاستلاب المبرمج من الرهبنات الغربية، والبعثات البروتستانتية وحصن الرعية بعظاته وبكتابه” البراهين الانجيلية ضد البدع البروتستانتية”

في ذات العام اي في عام 1935 نظم رئيس اساقفة بيروت ايليا الصليبي معاون المتروبوليت احتفلاً رسمياً في كنيسة دير القديس جاورجيوس في بلدة سوق الغرب بجبل لبنان، وهي المقر الصيفي لمطران بيروت بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاة البطريرك الاسكندري ملاتيوس معلمه بحضور وجهاء القوم من ارثوذكس وسواهم، اضافة الى سلطات الانتداب الفرنسي والدولة اللبنانية والسفير اليوناني في بيروت.

وبناء على طلب المطران ايليا ارتجل علمنا كلة رثاء وتأبين بالغة باللغتين العربية واليونانية من واقع معرفته بالبطريرك المتنيح ابكت الحاضرين واشاد فيها بمناقبيته، ونقلتها الصحف المهتمة في لبنان وفي البطريركية الاسكندرية بمصر وكل الحاضرين وبقوا يتناقلونها ردحاً من الزمن.

وفاته

توفي علمنا وهو في أوج عطاءاته لمطرانية بيروت ورعيتها الارثوذكسية عموماً ولرعية كاتدرائية القديس جاورجيوس التي رئسها، واقيمت خدمة الجنازة في كاتدرائية القديس جاورجيوس برئاسة المتروبوليت ايليا الصليبي ومتروبوليت جبل لبنان …وكهنة ابرشيتي بيروت وجبل لبنان وجمع غفير من اكليروس الكنائس الأخرى ووفود من رعايا بيروت باكية على رحيله…

البطريرك الكسندروس كلف المتروبوليت ايليا بتمثيله في خدمة جنازه ونقل كلمة ابوية معزية الى رعية بيروت وكاتدرائيته وعائلته مشيداً بخدماته التي لاتقدر في سبيل الارثوذكسية عموماً والكرسي الانطاكي وابنائنا المغتربين في مصر واليونان و…

صفاته

لقد قدره رجال الدين غير الارثوذكس قبل الارثوذكس أنفسهم، وحتى رجال الدين الاسلامي بطوائفهم، وقبل الكل مطرانا بيروت على التتابع مسرة والصليبي… وفوق الكل البطريرك الانطاكي الكسندروس والبطريرك الاسكندري ملاتيوس وكنيسة اليونان رئاسة واكليروساً وشعباً واعمق من الكل مكتشفه وصانعه مطران بيروت المجاهد غفرئيل شاتيلا…اضافة الى رجال الدنيا والمجتمع والحكم الفرنسي والوطني لما طبع عليه من التواضع والدعة والبساطة في عيشه وعلاقاته مع الجميع وفي حركاته وسكناته وتفانيه بخدمة الرعية وفقرائها.

كان علمنا بسيطاً لاتأخذه خيلاء ولا زهو، على ماكان له من منزلة رفيعة ومقام سام عند الجميع، بل كان قدوة للاكليروس ومثال الاستقامة وعنوان التسامح، لم يعبأ بالدنيا وحطامها…ولم يحفل بمجدها الزائل غير ما ادخره لآخرته مرضاة لله ومحبة القريب وخدمة الكنيسة الارثوذكسية عامة والانطاكية خاصة والاهتمام بأمور القطيع الذي ائتمنه الرب الاله واقامه عليه راعياً بأموره الروحية والزمنية…

اتقن اللغات العربية واليونانية القديمة والحديثة والفرنسية والم بالانكليزية وببعض الارامية والعبرية.

اما لجهة البلاغة في العربية واليونانية فقد تميز بالبلاغة وحجة الاقناع، وكان الجميع يصغون اليه وكأن على رؤوسهم الطير.

انتاجه المطبوع

ترك للكنيسة الكثير من المقالات الروحية واخصها في الصلاة الربانية ودستور الايمان والتاريخ الكنسي واللاهوت الاثوذكسي والعقائد وهي منشورة في كل الدوريات الارثوذكسية في المشرق كله.

كما ترك للكنيسة أروع كتاب في مقاومة البدع البروتستانتية، لايزال مرجع الكثير من الاكليروس والرعايا وهو “كتاب البراهين الانجيلية ضد البدع البروتستانتية” وقد طبعه في بيروت عام 1936 ضَّمَّنه خلاصة فكره المقاوم لهذه البدعة المتنامية على حساب رعايانا، وقد جال فيه بقلمه ويراعه جولات جهادية متعبة للوقوف في وجه القساوسة المزودين بالمال والدعم العالمي واوقفهم عند حدهم في سرقة الرعية الارثوذكسية، واعاد الى الارثوذكسية الكثير من الذين غُربوا عنها الى هذه البدع، بعد ان خاض في عظاته في الكنائس وسهره على الرعية وزياراته لبيوتها معارك شرسة واستطاع بمفرده وقف هذا الاستلاب…

الخاتمة

كنت اتمنى ان اثري هذا البحث اكثر فأكثر ولكن انعدام المصادر حال دون الكمال…

الكمال يبقى لله وحده…

يكفيني اني اسعى لاظهار هؤلاء الاعلام بكل طاقتي وهو ماوطنت النفس عليه في موقعي الشخصي وفي النشرة البطريركية ( لسان حال البطريركية الارثوذكسية الانطاكية الرومية بدمشق) بالرغم من كل القحط المحيط حول معظم اعلامنا الانطاكيين الابرار…

وما ذلك مني الا اعترافاً بجميلهم وحسن مآثرهم في خدمة انطاكية العظمى وكرسيها المقدس وسائر المشرق والوطن.

الحواشي

(1) الامطوش كلمة يونانية تعني مكان اقامة الراهب او الكاهن، وهي اصطلاح متفق عليه بين الكراسي الارثوذكسية لتبادل التمثيل بينها كما في موسكو ودمشق الأمطوش الانطاكي في موسكو عبر المتروبوليت نيفن سيقلي والروسي في دمشق، وكان في دمشق ودير القديسة كاترين في سيناء، وفي رومانيا قبل ان يصادره الحكم الشيوعي ويتم الغاء هذا التمثيل الدبلوماسي، واليونان(وهو متوقف) واليوم في قبرص مع الاب الدكتور ميشيل سابا…

والامطوش الانطاكي وفق العرف الكنسي هو سفارة روحية يتمثل فيها الكرسي الانطاكي دبلوماسياً وروحياً لرعاية الانطاكيين في دائرة الكرسي الاسكندري، وتماثل السفارة في العرف الدبلوماسي، ويدير الامطوش معتمد هو اكليريكي بدرجة ارشمندريت يمثل البطريرك الانطاكي لدى البطريرك الاسكندري ومن الذين مثلوا كرسينا الانطاكي في الكرسي الاسكندري الارشمندريت جراسيموس مسرة اواخر القرن 19 قبل تسنمه مطرانية بيروت، والارشمندريت الياس اسطفان…والمعتمد السابق الارشمندريت الياس حبيب والحالي الارشمندريت دامسكينوس كعدي.

المصادر

مجلة الصخرة الارثوذكسية (لسان حال الرعية العربية والانطاكية الرومية الارثوذكسية في الكرسي الاسكندري…)

الوثائق البطريركية/ وثائق ابرشية بيروت، وثائق الكرسي الاسكندري

شهادات شفهية معاصرة من مسنين في كنيسة الظاهر حين زياراتي اليها سابقاً.

مضيق جبل طارق

$
0
0

مضيق جبل طارق

يُعتبر مضيق جبل طارق قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسيّ، ويقع هذا المضيق بين أقصى جنوب إسبانيا، وبين الجهة الشماليّة الغربيّة لقارة أفريقيا، ويصل طول المضيق إلى 58 كيلو متر، أمّا عرضه 13 كيلو متر، حيث يضيق عرضه بين النقطة الإسبانيّة.

موقع مضيق جبل طارق

يقع مضيق جبل طارق بين الجهة الشمالية الغربية للقارة الإفريقية وأقصى الجهة الجنوبية لشبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا)، ويمتد على شكل قناة بطول يصل إلى 58 كم، ويضيق حتى يصل إلى 13 كم بين كل من المغرب وإسبانيا، أما أقصى الجهة الغربية من المضيق فيبلغ عرضها 43 كم وتمتد بين سبارتل في الجهة االجنوبية ورأس الطرف الأغر في الجهة الشمالية، ويمتد أقصى الجهة الشرقية بعرض 23 كم بين صخرة جبل طارق في الجهة الشمالية وجبل موسى وجبل هاكو في الجهة الجنوبية، ويتخذ المضيق شكل قوس بعمق يصل أقصاه إلى 365 م ويتمركز بين جبال الأطلس الواقعة في شمال القارة الإفريقية والهضبة العليا الواقعة في إسبانيا..

كما ويحتل جبل طارق أهمية تاريخيّة، حيث عليه قاعدة للقوات المسلحة البريطانية، وكذلك خدمات البحرية البريطانيّة،فبالاضافة الى موقعه الاستراتيجي يتميز بجماله الطبيعيّ إذ يوجد فيه أجمل الكهوف الأوروبيّة.
يحد مضيق جبل طارق المناطق التاليّة

قارتا أفريقيا وأوربة، أي المغرب العربيّ، وإسبانيا، والمُستعمرة البريطانيّة لجبل طارق، موقع سبتة الإسبانيّ وسبتة ومليلة هي من المناطق العربية السليبة.

أهمية مضيق جبل الطارق

مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق

ساعد الموقع الاستراتيجي الذي يشغله مضيق جبل طارق في إكسابه أهمية كبيرة جداً، حيث يفصل بين القارتين الأوروبية والإفريقية عند نقطة التقاء البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي.

كما يحتل المضيق أهمية كبيرة من الناحيتين التجارية والاقتصادية، حيث كان يشكل نقطة عبور مهمة للبحارة الفينيقيين القادمين ششرق المتوسط من الممالك الفينيقية القائمة في اللاذقية موقع رأس شمرا وجزيرة ارواد وجبيل والسواحل الكنعانية في فلسطين ودورانهم نحو المحيط الأطلسي وقد وصلوا الى مصب الأمازون وتركوا هناك آثارهم.

لا يزال مضيق جبل طارق نقطة حيوية كطريق شحن لكل من المناطق الجنوبية من أوربة والمناطق الشمالية من إفريقيا والغربية من آسيا، وساعد وجود المضيق على تدفق المياه بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادئ مما حال دون تحول البحر الأبيض إلى بحيرة مالحة ودوام تكرار مياه البحر المتوسط الذي هو اشبه ببحيرة مغلقة.
أهميته من الناحية العسكرية

عبر التاريخ لعب مضيق جبل طارق دوراً عسكرياً مهما في العديد من الأحداث التاريخية فهو بوابة الدخول والخروج الى البحر الأبيض المتوسط منذ ماقبل المسيح مع الفينيقيين والقرطاجيين والرومان والروم والمسلمين… ومن أهم الحوادث التاريخية في العصر الحديث الحصار الكبير، وحرب شبه الجزيرة، والمعارك الأطلسية التي حدثت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومقر حلف شمال الأطلسي أثناء الحرب الباردة، كما أدى زيادة عدد الأساطيل البحرية التابعة لفرنسا وألمانيا والإيطالية الموجودة في منطقة جبل طارق إلى رفع أهمية المضيق كقاعدة بحرية.

يخضع جبل طارق إلى حكم ذاتي لسكانه بإشراف السلطات البريطانيّة بالرغم من طلب السلطات الإسبانية المتكرّرة لعودة السلطة على الجبل إليها، ولكنّ السلطات البريطانية رفضت، كما ورفض ذلك سكان المنطقة أيضاً لأنّ أغلبهم بريطانيين.

مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق

اسم مضيق جبل طارق

تنبع أهمية جبل طارق من تسميته بهذا الاسم، حيث إنَّ هذه التسميّة ترجع إلى طارق بن زياد الذي اتخذه في حملته وهجومه لفتح شبه جزيرة أيبيريا والدخول منه الى أوربة من الغرب من شبه الجزيرة الايبيرية ومنها الى فرنسا عبر جبال البيرينة ( البرانس) وذلك في عام 711 ميلادية.ُ

كما عرف من أسمائه

جبل كالبي وهي تسميّة أطلقت على الجبل قبل الفتح الإسلاميّ بيد طارق بن زياد، وتعني التجويف، أو الجبل المجوَّف، وذلك بسبب وجود كهف في أسفله.

ويُعرف هذا الكهف “بغار الأقدام”، “الصخرة”، “جبل الفتح”، “جبل طارق”، “المجاز”.

يسمونه في اللغات الأوروبية “خبر الطار” بالإسبانية أو “جبرلطار” باللغة الإنجليزية، ويعتبر مضيق جبل طارق من المضائق التاريخيّة التي لها تاريخ طويل، ولجبل طارق مكانة مميّزة نظراً لموقعه المتميّز فهو عبارة عن شبه جزيرة تقع إلى الجنوب من سواحل الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا)، حيث إنّه كان على مدار السنين حصنأ منيعاً ممّا سبّب الحروب بين الدول الأوروبيّة للسيطرة عليه.

سكان مضيق جبل طارق

أوّل من سكن جبل طارق هم النياندرتال قبل أكثر من خمسين ألف عام، ويعد جبل طارق من أكثر المناطق التي سكنها النياندرتال.

مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق

بدأ التاريخ المسجّل لجبل طارق في عام 950 قبل الميلاد حيث جاء الفينيقيون وسكنوا بالقرب منه واقاموا مستوطنات فينيقية، ثم بعد ذلك سكنه الرومان والقرطاجيون الذين عملوا على تعبيد الإله هرقل في أضرحة قاموا ببنائها على صخرة جبل طارق وكانوا يسمونها “مونس كالبي” والتي تعني “الجبل الأجوف” وتعتبر من إحدى “أعمدة هرقل”، ثم استولت عليه الامبراطورية الرومية.

الحوادث التاريخية

ومن بعد ذلك انهزمت الدولة الرومية واستولى المسلمون عليه ولم يقم فيه أي نوع من العمران، وإنّما ازدهر كموقع عسكري حيث تم فيه بناء القلاع والحصون في عهد السلطان عبد المؤمن، ثم تمكنت منه الدولة الإسبانيّة عليه وأصبح تحت سيطرتها بعد معارك كثيرة مع المسلمين، ولكن في القرن 19 قامت الأمبراطورية البريطانية بالسيطرة على الجبل بعد تنازل الدولة الإسبانيّة عنه، وكان جبل طارق يعتبر أفضل وأهم الممتلكات البريطانيّة، وفي عام 1985 تراجعت بريطانيا عن التزاماتها الدفاعيّة وغادرت معظم القوات البريطانيّة جبل طارق وأصبح جبل طارق يتمتّع بالحكم الذاتي، وهو يتمتع بطبيعة ساحرة ومركز جذب للسياحة.

مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق


عقوبة الإعدام

$
0
0

عقوبة الإعدام

تعريف  

الإعدام هو إزهاق روح المحكوم عليه، وهو من حيث خصائصه عقوبة جنائية فحسب، وهو من حيث دوره في السياسة الجنائية عقوبة استئصال إذ يؤدي إلى استبعاد من ينفذ فيه من عداد أفراد المجتمع وذلك على نحو نهائي لا رجعة فيه.

بتعريف آخر  الاعدام هو

قتل شخص بقرار قضائي نتيجة ارتكابه جريمة عظمى، كما يُحددها المشرع في دستور وقانون البلد الذي يُحاكم فيه. ويُشترط أن تكون العقوبة واردة في منطوق حكم قضائي يتوج محاكمة عادلة جرت أمام محكمة معترف بها حسب الأصول ومشكلة وفق القانون. وإذا اختل أحد الشروط السابقة، فإن عملية الإعدام تدخل في نطاق التصفية الجسدية أو الإعدام خارج القانون.

في بحثنا قد يظهر للقارىء اننا نتبنى منطق الرافضين لعقوبة الاعدام وخاصة موقف المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الانسان ومنها الامم المتحدة ومنها …منظمة العفو الدولية التي تحمل لواء المعارضة لعقوبة الاعدام وتطالب بالغائها من كل العالم، ومانسوقه هنا في تدوينتنا يدل على موقفها…وهو ليس بالضرورة موقفي فأنا رجل قانون وثمة تعديات على كيان المجتمع والدولة كما حصل في سورية في الثمانينات والتسعينات من القرن 20 ولايزال يحصل منذ منتصف آذار عام 2011 في المؤامرة الكونية المسماة الربيع العربي المخطط لها صهيونيا وماسونياً وادت الى دمار شامل انفق لأجله مئات مليارات الدولارات وقدمت سورية مليون ضحية بريئة وصار الخطف والقتل وبيع النساء والغلمان كما لوكنا قبل 14 قرناً خلت وادت هذه المؤامرة والعدوان الدولي من 86 دولة في مقدمها اميركا والكيان الصهيوني والغرب وتركيا ودول العربان مع حوالي نصف مليون تكفيري عدا عن البيئة الحاضنة الداخلية الخائنة الحاضنة لهم مقابل شراءهم بالدولار والريال واليورو وحتى بالشيكل… وثلث الشعب السوري خارج الوطن ومؤامرة تهجير المكون الاصيل وهو مسيحيي المشرق وتدمير مدنه وقراه واديرته وكنائسه وذبح كهنته وخطف مطارنته… وقتل المسيحيين الرافضين اعتناق الاسلام بقوة وهو مانص عليه قانون العقوبات السوري وسواه…

داعش واعدام الضحايا في سورية
داعش واعدام الضحايا في سورية

وكلها تندرج في اطار الجرائم الواقعة على امن الدولة وخاصة تدمير الجيش والقوى الامنية واغتيال العلماء وكبار القادة العسكريين الامر الذي يبيح استخدام الوسائل القانونية الرادعة التي وضعها المشرع السوري وفق اوضاع المجتمع السوري والحفاظ على كيان الدولة…وهو حق تكفله الشرائع الدولية واهمها الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي…

لذا وفي هذه الحالة انا اطالب بالتشدد في فرض اقسى العقوبات القضائية وفق القانون السوري وهو سليل القانون الفرنسي…وفرنسا احدى دول العدوان على سورية…

مع ملاحظة النظر في الاسباب المخففة وفق كل حالة على حدة

تاريخية عقوبة الاعدام

وعقوبة الإعدام من أقدم العقوبات في تاريخ المجتمعات البشرية، وعرفت هذه العقوبة لدى كافة الشرائع القديمة كما في قانون حمورابي وفي مصر الفرعونية ولدى اليونان والرومان وفي أوربة القديمة وكانت أغلب الشرائع تطبقها وبأساليب قاسية ووحشية مصحوبة بصور بشعة من وسائل التعذيب يقشعر منها البدن كالإعدام حرقاً التي استخدمها الرومان ضد من اتهموهم بالكفر والخيانة والسحر، وكالإعدام سحقاً وكانت هذه الوسيلة تطبق في جنوب أسيا قبل 4000 عام وكانت تتم عن طريق سحق جسد الضحية إما عن طريق وضع الصخور عليه أو بالاستعانة بالفيل حيث يصعد على رأس المحكوم عليه بالإعدام،

الاعدام دهساً بالأفيال
الاعدام دهساً بالأفيال

وكالإعدام بواسطة المتفجرات حيث يتم وضع قنابل على جسد الضحية ويتم تفجيرها بالتحكم عن بعد. او الاعدام بوسائل الاعدام التقليدية كالشنق وقطع الرأس بالسيف او المقصلة والنحر ورمياً بالرصاص، وبالحقنة السامة، والكرسي الكهربائي…

ظلت عقوبة الإعدام راسخة في الغرب منذ القدم. ومع “عصر التنوير”، برزت دعوات لإلغائها بوصفها منافية لحق الحياة ولأهمية الإنسان في المجتمع وفي البناء الحضاري.

وجاء عصر الأنوار بمفهوم جديد للإعدام، إذ أطَّر رواده وأبرزهم الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو وزميله الإنجليزي توماس هوبز عقوبة الإعدام ضمن العقد الاجتماعي الذي يربط أفراد المجتمع وهم ملزمون باحترامه، في حين كان المفهوم السائد بالقرون الوسطى يربط العقوبة ب”الحق الإلهي” وب”تطهير المجرم من جرمه روحياً”.
وتحت تأثير وضغط فلسفة القرن الثامن عشر والتي أعلنت ثورتها على العقوبات المتوحشة واللاإنسانية بدأ الاتجاه نحو التقليل من عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام وأيضا تنفيذها بأساليب معتدلة.

وبدأ يتشكل تيار ضاغط مع تنامي الحركات الدستورية وظهور الثورة الفرنسية وبدايات حقوق الانسان وماطرحته الثورة الفرنسية من مبدأ المساواة والعدل و…مع ملاحظة ان اعدام الملك والاسرة المالكة ثم تم اعدام رجالات الثورة كلهم…اقصد بالرغم من هذه الحقوق التي حملتها الثورة الفرنسية …

المقسلة
المقسلة

عقوبة الاعدام في الشريعة الاسلامية

تختلف عقوبة الإعدام في الشريعة الإسلامية اختلافاً جوهرياً في منطلقها وفلسفتها عن أسس تنفيذ عقوبة الإعدام في التشريعات والقوانين الوضعية في العالم، فالقوانين الوضعية تجعل عقوبة الإعدام دائما للدولة، أما الشريعة الإسلامية فإنها تجعل حق المطالبة بالعقوبة لورثة القتيل فإذا تنازل الورثة عن حقهم مقابل “الدية” وهي بمثابة تعويض عن قتيلهم الذي قد يكون هو مصدر رزقهم الوحيد فلا يجوز للدولة أن تنفذ عقوبة الإعدام عليه وان أمكنها أن تخضعه لعقوبة السجن إذا وجدت مصلحة في ذلك “عقوبة تعزيرية.” أو”عقوبة الحق العام”…

اذن في التراث التشريعي الإسلامي، هناك ذكر وإقرار وتأطير دقيق لعقوبة الإعدام في حالات محددة ووفق شروط معينة، وإن كان التشريع الإسلامي فتح الباب واسعاً لتعطيل العقوبة من خلال بدائل منها عفو أولياء الدم، والّدية المسَلمة إلى أهل الضحية.

الاتفاقات الدولية حول عقوبة الإعدام

في 10/12/1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي نصت مادته الثالثة على المبدأ القائل:” بحق كل إنسان بالحياة والحرية والأمن لشخصه”. ونصت المادة 5 على تحريم خضوع الإنسان للتعذيب أو العقوبات الأليمة أو أي نوع من المعاملات غير الإنسانية أو المهينة. ولم تلغ عقوبة الإعدام كعقوبة وإنما بعض طرق تنفيذها.

قتل المرتد في الشريعة الاسلامية
قتل المرتد في الشريعة الاسلامية

الاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان الموقعة في 4/11/1950

اعترفت هذه الاتفاقيات للدولة باستعمال عقوبة الإعدام: “حق كل شخص بالحياة يكفله القانون”. “لا يجوز إنزال الموت بأحد إلا في حالة تنفيذ حكم بالإعدام صادر عن محكمة…”

 وقد جاء البرتوكول السادس لهذه الاتفاقية عام 1983 ليعلن “عقوبة الإعدام ملغاة. لا احد يعاقب بهذه العقوبة ولا بتنفيذها”. وأصبحت أوربة بعده “باستثناء صربيا والبوسنة” القارة الوحيدة التي لا وجود فيها لعقوبة الإعدام، ويوجد اليوم 109 دول أعضاء في الأمم المتحدة أعلنت إلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها الداخلية. و68 دولة أبقتها في تشريعاتها، مع تطبيق ضيق لها.

وتسعى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للدعوة الدائمة للدول التي لم تلغ هذه العقوبة إلى وقف تنفيذها عمليات الإعدام. كما تقوم بحملة لوقف إعدام الأطفال

ومن أكثر الدول تطبيقاً لعقوبة الإعدام الصين، ففي عام 1999 نفذت 1263 حكماً… وفي عام 2000 نفذت الولايات المتحدة الأمريكية 85 حكماً بالإعدام. وبين شهر كانون ثاني وحزيران 2001 نفذت 34 حكما.ً

أما المشرع السوري فقد أخذ بعقوبة الإعدام،

نص عليها جزاءً للكثير من الجرائم نذكر منها “جرائم الخيانة، جرائم التجسس لصالح العدو، بعض جرائم الفتنة، القتل إذا وقع عمداً أو تمهيداً لجناية أو تسهيلاً لها أو تنفيذاً لها، أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية، أو إذا وقع القتل على أحد أصول المجرم أو فروعه، وبعض جرائم الحريق إذا نجم عنها وفاة إنسان، والاتجار بالمخدرات، و”الجرائم الواقعة على امن الدولة” وقانون مكافحة الإرهاب الجديد.”

وتنص المادة “43” من قانون العقوبات على أنه:

الشنق
الشنق

1-لا ينفذ حكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة

2ـ يشنق المحكوم عليه بالإعدام في داخل بناية السجن أو في محل آخر يعينه المرسوم القاضي بتنفيذ العقوبة.

3ـ يحظر تنفيذ الإعدام أيام الجمع والآحاد والأعياد الوطنية أو الدينية.

4ـ يؤجل تنفيذ الإعدام بالحامل إلى أن تضع حملها.

ويتم الإعدام شنقاً إذا كان المحكوم عليه مدنياً.

وأوجبت المادة 455 من “قانون أصول المحاكمات الجزائية” حضور عدد من الأشخاص لعملية التنفيذ وهم

أ- رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم وفي حال تعذر حضوره قاض يختاره الرئيس الأول.

ب- النائب العام أو أحد معاونيه.

ج- رئيس المحكمة البدائية التابع لها مكان التنفيذ.

د- كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم.

ن- محامي المحكوم عليه.

و- أحد رجال الدين من الطائفة التي ينتمي إليها المحكوم عليه.

ز- مدير السجن.

ح- ضابط الشرطة أو قائد الدرك التابع له مكان التنفيذ.

ط- طبيب السجن أو الطبيب الشرعي في المنطقة.

أما إذا كان المحكوم من العسكريين فيتم الإعدام رمياً بالرصاص، وهي خاصة بالمحكوم عليهم من العسكريين “المادة 92من قانون العقوبات العسكري” حيث يؤتى بالمحكوم عليه بالإعدام بحراسة مفرزة إلى ساحة التنفيذ بعد تجريده من جميع الشارات العسكرية ويقرأ عليه الحكم بصوت جهوري ثم تعصب عيناه ويربط إلى عمود ويقوم برمي المحكوم عليه اثنا عشر جندياً بقيادة مساعد أو مساعد أول “علماً أن الاثني عشر جندياً الذين يقومون بتنفيذ حكم الإعدام بحق العسكري، ولا توجد في بنادقهم جميعاً ذخيرة حية ولا يعلم أي منهم إذا كانت ذخيرته حية أو غير حية ويحضر التنفيذ أحد أعضاء المحكمة التي أصدرت الحكم والنائب العام وأحد الأطباء الرسميين وكاتب المحكمة.

رؤية فقهية قانونية  

يسأل فقهاء القانون السؤال التالي بداية…

هل يعقل أن سجيناً سيعترف أمام الكاميرا بأنه “إرهابي، يقتل، ويخرب، ويدمر، ويحصل على تمويلات بهدف محاربة انجازات الحكومة التي لا يشعر بها أحد” من دون تعذيب؟! ألم تتساءل عما حدث له في احدى المقرات الأمنية السرية كي يعترف بكل هذا الجرائم؟!

مصر مثلاً

الشي بطريقة الشاورما طريقة داعش وبقية المنظمات التكفيرية السلفية في سورية
الشي بطريقة الشاورما طريقة داعش وبقية المنظمات التكفيرية السلفية في سورية

قال أحد المعتقلين السابقين لـ هيومن رايتس ووتش إن العناصر في مركز شرطة في القاهرة اغتصبوه مرارا بإدخال عصا في فتحة الشرج. قال آخر إن ضباط الأمن الوطني في وزارة الداخلية هددوا باغتصابه. قال محتجز سابق لدى عناصر الأمن الوطني في منشأة بمحافظة الجيزة إنهم اقتلعوا أحد أظافره بكماشة وآخر بأسنانهم. قال محتجز آخر إن عنصراً من الأمن الوطني غرز في ذراعه مسماراً معدنياً ملفوفاً بأسلاك مكهربة لزيادة آلام الصدمات الكهربائية.

قال محام احتجزه عناصر الأمن الوطني في منشأة في محافظة الغربية إنهم لفوا سلكا حول قضيبه لصدمه بالكهرباء. قال 3 محتجزين سابقين لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر الأمن هددوا بتعذيب أفراد أسرهم إذا لم يعترفوا.

في معظم الحالات، أوقف عناصر الشرطة والأمن الوطني استخدام التعذيب بمجرد حصولهم على اعترافات أو أسماء أصدقاء ومعارف المشتبه بهم. لكن لم يعنِ ذلك أن محنتهم قد انتهت. في جميع الحالات تقريبا، كان التعذيب والاستجواب بمثابة مقدمة لإجراءات الادعاء، التي انتهى بعضها إلى المحاكمة”.

باختصار، الذي اعترفوا أمام الكاميرات بأنهم ارتكبوا جرائم تقودهم إلى حبل المشنقة، /ليس فقط في دول العالم الثالث بل وفي الدول المتقدمة كأميركا وفرنسا وبريطانيا…/ في أغلب الأحيان تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب، كما أنهم لم يرتكبوا جرماً سوى انتمائهم لجماعات يعاديها الحكم. وهذا هو السبب الأول الذي يدعوا البعض من فقهاء القانون الجزائي إلى رفض عقوبة الإعدام، غياب العدل، فقد يُحكم بالاعدام على إنسان بريء لم يرتكب جريمة، ويقول مبدأوهم “لعل علينا أن نؤمن بأن نجاة مذنب من القتل، خير من قتل برئ.”

يقول الفقهاء الرافضون لعقوبة الاعدام

” إن الإعدام لا يردع أكثر من السجن”

يتساءلون انه بعد اعدام الارهابي هل انتهت الجرائم؟ وهل اتعظ إرهابي ما بعد إعدام خلية إرهابية؟ وماذا عن هؤلاء الذي يظنون أنهم عندما يُعدمون سيُقتلون في سبيل الله؟ أليس تفكيرهم هذا حافز على عدم الخوف من الإعدام؟!

في قراءة بجامعة جنوب ويلز قارنت نتائج 74 دراسة حول تأثير حكم الإعدام كرادع، كانت الكفة الراجحة في الأبحاث للقول بأن الإعدام ليس رادعاً وبأن حكم الإعدام يُنفذ غالباً بسبب “خلفيات إيديولوجية” أو “سياسية” أكثر من كونه حكماً للردع.

قطع الرأس
قطع الرأس

وإذا كان حكم الإعدام خصص للقضاء على الجريمة، فإن إيران تعد من أكثر دول العالم تنفيذاً لأحكام الإعدام، وكانت الثانية على العالم في عام 2007، وحينها أعدمت 317 شخص، فهل اختفت الجريمة في إيران؟! بالطبع لا، في عام 2009 كانت إيران في الثلث الأول بمعدلات الجريمة عالميا.

الإعدام لا رجعة فيه

بعد تنفيذ حكم الاعدام مثلاً قررت المحكمة وقف حكم الإعدام، وإعادة فتح باب المرافعة.  ذلك بعد أن تم إعدامهم! فهل يعودوا إلى الحياة مجددًا ليحاكموا؟!

أما كل الأحكام بالسجن مهما كانت كبيرة، يمكن الرجوع عنها حال اكتشاف خطأ ما في القضية، وحال ظهور دليل جديد على براءة متهم، أما حكم الإعدام فلا رجعة فيه. وهناك قاعدة تقول أن “إفلات مائة مجرم من العقاب أفضل من إعدام بريء واحد”.

برأي هؤلاء الرافضين للاعدام ان الإعدام لا يقضي على الإرهاب، بل يخلقه، ويسالون ماذا يفعل أبناء من تم إعدامهم؟ وخاصة لو كانوا أبرياء؟! هل تظن أنهم سيشاركون في الانتخابات أم في صناعة السلاح.

– ألغى 141 بلدًا أو ما يعادل ثلثي بلدان العالم، عقوبة الإعدام في القانون فإذا كانت البلدان الأكثر تقدمًا تتجه نحو إلغاء الإعدام نهائيًا، فلماذا ننافس نحن في قتل البشر الأبرياء؟

– الإعدام أداة سياسية، تستخدمها الدول القمعية للتخلص من معارضيها، والتاريخ ملئ بقصص هؤلاء. فما بالك بحكومة تعتبر كل معارضيها خونة؟!

– الإعدام لا يقضي على الإرهاب، بل يخلقه، ماذا يفعل أبناء من تم إعدامهم؟ وخاصة لو كانوا أبرياء؟! هل تظن أنهم سيشاركون في الانتخابات أم في صناعة السلاح؟!

أما عن الرأي الذي يؤيد أحكام الإعدام حتى لا يخالف الشريعة الإسلامية، فلا أظن أن أي شريعة في الكون تقبل بأن يعدم أحدهم ظلماً، كما أن الدول لا تطبق الشريعة، وإنما تطبق القانون.

نعم …طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريباً، ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة…

الاعدام بالكرسي الكهربائي
الاعدام بالكرسي الكهربائي

تُمنع هذه العقوبة، وتعد قضية جدلية رائجة في العديد من البلدان، ومن الممكن أن تتغايرالمواقف في كل مذهب سياسي

وثمة استثناء كبير بالنسبة  لأوربة، حيث أن المادة الثانية من “ميثاق الحقوق الأساسي للاتحاد الاوربي”
تمنع تطبيق هذه العقوبة.

التوجه نحوالغاء عقوبة الاعدام

ترى “منظمة العفو الدولية” اليوم أن معظم الدول مؤيدة لإبطال هذه العقوبة مما أتاح للأمم المتحدة أن تعطي صوتاً بتأييد صدور قرار غير ملزم لإلغاء عقوبة الإعدام،
لكن أكثر من 60% من سكان العالم يعيشون في دول تطبق هذه العقوبة حيث أن الأربعة دول الأكثر سكانا في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية والصين واندونيسيا والهند تطبق هذه العقوبة.

الحركة الالغائية 

ويُرجع بعض المؤرخين نشأة الحركة الإلغائية -التي دعت لإلغاء الإعدام– إلى عام 1757 في فرنسا، حيث خلفت الطريقة التي أُعدم بها شخص حاول اغتيال الملك لويس الـ15 موجة غضبٍ وتنديد عارمة. فقد أُعدم “روبرت فرانسوا داميينه” بطريقة وحشية كانت سائدة حينها، وتقضي بربط أطراف الشخص الأربعة إلى أربعة خيول يندفع كل منها في اتجاه لينشطر الشخص إلى نصفين أو أربعة أرباع.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن الحياة منحة من الله يعطيها للفرد وهو الذي يسلبها منه، ولا يحق للدولة أو غيرها انتزاع حق الحياة منه.

غير أن الظهور الكبير للحركة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام جاء إثر نشر كتاب “جنج وعقوبات” للفيلسوف الإيطالي سيزار بيكاريا ( 1738-1794) حيث قرر أمير منطقة توسكان (عاصمتها فلورنسا) إلغاء عقوبة الإعدام عام 1786 في سابقةٍ من نوعها، ولاحقا بدأت لائحة العقوبات المسببة للإعدام تنحسر بشكل ملحوظ في أوربة.

التقطيع بالفأس
التقطيع بالفأس

وقد ظهرت الموجة التشريعية لإلغاء عقوبة الإعدام منذ بداية القرن 20 وتنامت مع أفول هذا القرن… وكان يشوبها نوع من التردد، ففي إيطاليا ألغيت هذه العقوبة منذ اواخر القرن 19 اي في عام 1899م ثم أعيدت في عام 1930، ثم ألغيت مرة أخرى 1974، وفي نيوزيلندا ألغيت هذه العقوبة سنة 1911 ثم أعيدت سنة 1950 ثم ألغيت مرة أخرى 1961، وفي إسبانيا ألغيت هذه العقوبة سنة 1932 ثم أعيدت سنة 1934 ثم ألغيت مرة أخرى بتعديل دستوري سنة 1978م في غير حالات الجرائم العسكرية في زمن الحرب.

وفي بعض الدول ظهر اتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام مثل روسيا السوفيتية، فقد ألغت عقوبة الإعدام سنة 1947 ثم أعادتها في بعض الجرائم مثل الجاسوسية والرشوة والقتل المشدد والاغتصاب.

وفي بعض الدول الأخرى ظهر بادئ الأمر الاتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام عن طريق إلغائها في عدد كبير من الجرائم، ثم ساد الاتجاه نحو إلغائها كلية، مثال المملكة المتحدة ففي عام 1957 ظهر قانون القتل مبقياً على عقوبة الإعدام إذا اقترن القتل بأحد ثلاثة ظروف، ثم صدر قانون 1964 يلغي هذه العقوبة في تلك الظروف مع جواز توقيعها إذا كان القتل مع سبق الإصرار، وفي سنة 1964 صدر قانون قرر إلغاء عقوبة الإعدام كلياً، ونص على وجوب صدور قانون جديد بعد خمس سنوات ينظم هذا الموضوع، وفي سنة 1970 صدر قانون يؤكد إلغاء عقوبة الإعدام، وفي السويد ألغيت عقوبة الإعدام سنة 1921 عدا بعض الحالات الاستثنائية، ثم صدر قانون سنة 1972 بإلغاء هذه العقوبة كلياً. وقد اتجهت بعض الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام تماماً دون عودة كما في سويسرا سنة 1937، وفي ألمانيا الاتحادية سنة 1989.

وازدهرت الحركة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في القرن الـ19، إذ أقدمت البرتغال على إلغاء الإعدام نهائيا ونُفذت العقوبة آخر مرة عام 1849.

وفي القرن العشرين، تعزز هذا المنحى بعد أن نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) على حق الإنسان في الحياة، إلا أنَّ ديمقراطيات عريقة مثل فرنسا وبريطانيا لم تُلغ عقوبة الإعدام في ثمانينيات القرن العشرين -مع استثناء فترات الحرب- وإن كان تنفيذها في البلدين يعود لفترة الحرب العالمية الثانية.

الحقنة السامة
الحقنة السامة

تراجع عقوبة الإعدام
مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الـ21، تراجعت عقوبة الإعدام في العالم بشكل واسع، ففي عام 2014 مثلا بلغ عدد الدول التي نفذت عقوبات الإعدام حوالي 22 من أصل 97 دولة تنص قوانينها على الإعدام، ما يؤشر على انحسار العقوبة التي دعا قرارٌ أممي غير ملزم إلى فترة تعليق لتنفيذها عبر العالم عام 2007.

مع العلم أن “الجمعية العامة للأمم المتحدة” اعتمدت أعوام 2007 و2008 و2010 و2012 قرارات حثت فيها الدول على احترام المعايير الدولية التي تحمي حقوق الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وتقييد استخدام تلك العقوبة تدريجياً، وخفض عدد الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام.

وهناك أكثر من 160 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ألغت عقوبة الإعدام أو لا تمارسها. ومع ذلك، ما زال السجناء في عدد من البلدان يواجهون الإعدام.

وتوقفت تركيا عن تنفيذ عقوبة الإعدام منذ عام 1984، لكن الرئيس اردوغان أكد -في لقاء مع وسائل الاعلام العالمية بعد وقوع المحاولة الانقلابية عليه صيف 2016:

 أن “العالم ليس عبارة عن الاتحاد الاوربي، وعقوبة الإعدام موجودة في أميركا وروسيا والصين، وإذا قرر الشعب التركي إقرار عقوبة الإعدام فعلى جميع الأطراف المؤمنة بالديمقراطية أن تحترم إرادة الشعب”.

وفي الدول العربية، ما تزال بعض الحكومات تنفذ عقوبة الإعدام، وخاصة العراق ومصر، وكان وزير العدل العراقي قد أعلن في السادس من تموز عن تنفيذ 45 حكما بالإعدام منذ بداية عام 2016.

الخوزقة
الخوزقة

سؤال مشروع

هل تضع عقوبة الإعدام حداً للجريمة؟ هل تحقق العدالة للضحايا؟ هل ثمة طريقة إنسانية لتنفيذ الإعدام؟
لماذا تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام؟

عقوبة الإعدام وفق تعريف (منظمة العفو الدولية) انها تنتهك أهم حق من حقوق الانسان الأساسية، وهو الحق في الحياة. وهي أقصى عقوبة بين العقوبات القاسية واللاانسانية والمهينة…

ووفق المنظمة فإن عقوبة الإعدام تتسم بالتمييز.

فغالباً ما تُطَبَّقُ على الفئات الأضعف في المجتمع، مثل الفقراء، وأبناء الأقليات العرقية والدينية، وذوي الإعاقات العقلية. وتستخدمها بعض الحكومات لإخراس معارضيها. وحيثما كان نظام العدالة معيباً والمحاكمات الجائرة متفشية، يكون خطر إعدام أبرياء حاضراً باستمرار.

ومتى نُفِّذَت عقوبة الإعدام فقد انتهى الأمر. فالأخطاء التي تُرتَكَب لا يمكن تداركها بعد الاعدام. وقد يُفرَج عن البريء الذي سُجِن لجريمة لم يرتكبها، اما الاعدام فلا يمكن الرجوع فيه.

ولكن ثمة سؤال يؤيد أصحابه عقوبة الاعدام وهو: اليس لضحايا الجريمة العنيفة التي اودت بهم وهم ابرياء ةكذلك اسرهم الحق في نيل العدالة باعدام القاتل؟

الجواب

بلى، لهم هذا الحق. فمن فقدوا أحباءً لهم في جرائم مروعة لهم الحق في أن يروا الشخص المسؤول يُحاسَب في محاكمة عادلة من دون تطبيق عقوبة الإعدام او مع تطبيقها خاصة ان اقترنت بأعمال ارهبية.

لاعدام بالخازوق
الاعدام بالخازوق

يقول الرافضون:” ونحن إذ نعارض عقوبة الإعدام، لا نحاول التهوين من شأن الجريمة أو التغاضي عنها. لكن كما قالت كثير من الأسر التي فقدت أحباءً لها، لا يمكن لعقوبة الإعدام أن تخفف عنها حقاً ألم الفاجعة. فهي إنما تمد لهيب ذلك الألم لتكتوي به أسرة الشخص المدان…”

“…الانتقام ليس هو الحل. الحل يكمن في تقليل العنف، وليس في التسبب في مزيد من الموت.”

إذا قتلت أحداً أفلا تستحق الموت أيضاً على مبدأ "العين بالعين؟"

لا، فإعدام شخص لأنه أهدر حياة شخص آخر يعد انتقاماً، وليس عدلاً.

الإعدام – أـو التهديد به – يتسبب في آلام جسدية رهيبة ونفسية قاسية. فأي مجتمع يقوم بإعدام المخالفينيرتكب بدوره أعمال العنف التي يدينها هو نفسه.

ألا تمنع عقوبة الإعدام الجريمة؟

لا تمنعها، وفقاً للبحوث، فليس هناك أدلة موثوقة على أن الإعدام أكثر فعالية من السجن كعقوبة رادعة للجريمة. وواقع الأمر، أن أعداد الجرائم الواردة من البلدان التي حظرت عقوبة الإعدام لم ترتفع بعد الحظر، بل وانخفضت فعلياً في بعض الحالات. ففي كندا، كان معدل جرائم القتل في عام 2008 أقل من نصف معدل عام 1976 الذي حُظِرَت فيه عقوبة الإعدام هناك.

الشوكة الزنديقة
الشوكة الزنديقة
ماذا عن عقوبة الإعدام للإرهابيين؟

غالبا ما تلجأ الحكومات إلى فرض عقوبة الإعدام في أعقاب الهجمات الارهابية العنيفة، لإثبات أنهم يفعلون شيئا “لحماية” الأمن الوطني. من غير المرجح أن يمنع التهديد بالإعدام الرجال والنساء المستعدين للموت من أجل معتقداتهم – مثل المفجرين الانتحاريين من داعش وجبهة النصرة وكل التكفيريين كما في سورية – عن المضي قدماً فيما يفعلون. ومن المرجح بالقدر نفسه أن يصنع الإعدام شهداءً تصبح ذكراهم راية تلتف منظماتهم خلفها. وهذا هو رأي الرافضين لاعدام هؤلاء القتلة الارهابيين وخاصة المغسولي الدماغ.

وفق منظمة العفو الدولية قد يُحكم على أشخاص متهمين ب “الإرهاب” بالإعدام بعد اجراء محاكمات جائرة بحقّهم…ويتم ادانة الكثيرين منهم على اساس اعترافات انتزعت منهم تحت وطأة التعذيب.

 في بعض الحالات، صدر عن محاكم خاصة أو عسكرية حكماً بالإعدام بحق مدنيين، استناداً الى قوانين مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يشكّل تقويضاً للمعايير الدولية.

يرى كثيرون وفي مقدمهم منظمة العفو الدولية ان عقوبة الاعدام وسيلة رخيصة يستخدمها أشخاص ذوو دوافع سياسية للتظاهر أمام ناخبيهم الخائفين بأن ثمة ما يتم القيام به لمكافحة الجريمة.

أليس إعدام شخص أفضل من سجنه للأبد؟

في كل يوم ينتظر رجال، ونساء، بل وأطفال، محكوم عليهم بالإعدام تنفيذ الحكم فيهم. وأياً كانت جريمتهم، وسواء أكانوا مذنبين أم أبرياء، فقد استحوذ على حياتهم نظام للعدالة يعلي قيمة العقاب على قيمة إعادة التأهيل. وما دام أي سجين على قيد الحياة، فبوسعه أن يأمل في إعادة التأهيل أو في أن يُبَرَّأَ إذا تبين في وقت لاحق انه بريء.

طريقة اعدام في اليونان القديمة
طريقة اعدام في اليونان القديمة
هل ثمة وسيلة إنسانية وغير مؤلمة لإعدام أي شخص؟

جميع وسائل الإعدام غير إنسانية. وكثيراً ما تُوصف الحقنة السامة انها “اكثر وسائل الاعدام انسانية”

على نحو ما لأنها تبدو، في الظاهر على الأقل، أقل بشاعة وهمجية من الوسائل الأخرى للإعدام مثل ضرب الأعناق، والصعق الكهربي، والغاز السام، والشنق.

لكن ينبغي أن يُنظَر إلى البحث عن وسيلة  “إنسانية” لقتل الناس على حقيقته

– وهي أنه محاولة لجعل الإعدام أكثر استساغة للجمهور الذي يُنَفَّذ باسمه ” باسم الشعب”، ولجعل الحكومات التي تنفذ الإعدام نفسها تبدو أقل تشبهاً بالقتلة.

منظمة العدل الدولية وهي اليوم التي تحمل لواء المعارضة لعقوبة الاعدام كما سيتضح في الفقرات التالية ولكن؟؟؟

السؤال ما شأن منظمة العفو الدولية إذا كانت مجتمعات مختلفة تريد استخدام عقوبة الإعدام لظروفها واوضاعها الداخلية كحالة الدول التي تتعرض لموجة عاتية من الارهاب؟
الاعدام بالخازوق
الاعدام بالخازوق

حقوق الإنسان  – ومن بينها الحق في الحياة، وهو أهم الحقوق الأساسية– عالمية ومقرة من الأغلبية الساحقة من بلدان العالم. ودعوتنا إلى وضع حد لعقوبة الإعدام تتفق مع الرحمة، والعطف، والصفح، وهي أمور تشدد عليها كل الديانات الكبرى في العالم. وقد ألغت 140 دولة، حتى الآن، عقوبة الإعدام في القانون أو في الممارسة العملية، الأمر الذي يبين أن الرغبة في وضع نهاية لعقوبة الإعدام تشترك فيها ثقافات ومجتمعات في كل منطقة تقريباً من مناطق العالم.

لماذا تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام؟

تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات بلا استثناء وبغض النظر عن طبيعة الجريمة أوخصائص المجرم أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة لقتل السجين. فعقوبة الإعدام هي إنكار مطلق ونهائي لحقوق الإنسان. إنها عبارة عن قتل إنسان مع سبق الإصرار وبدم بارد من قبل الدولة باسم العدالة. وهي تشكل انتهاكاً للحق في الحياة كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إنها منتهى العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهنية.

فكما لا يمكن أن يكون هناك تبرير للتعذيب أو المعاملة القاسية،فإن الإعدام، شأنه شأن التعذيب، يشكل اعتداء جسدياً وعقلياً بالغاً على الشخص. ولا يمكن قياس الآلام الجسدية التي يسببها قتل إنسان، كما لا يمكن قياس المعاناة النفسية الناجمة عن المعرفة المسبقة بالموت على أيدي الدولة.

الصليب اداة اعدام رومانية بحق السيد المسيح واستخدمها الاتراك بحق النساء المسيحيات من يونان وصرب وسوريين وارمن وسريان واشوريين بعد اغتصابهن بحيث يتم صلبهن في مجازر 1914-1918
الصليب اداة اعدام رومانية بحق السيد المسيح واستخدمها الاتراك بحق النساء المسيحيات من يونان وصرب وسوريين وارمن وسريان واشوريين بعد اغتصابهن بحيث يتم صلبهن في مجازر 1914-1918

وتنطوي عقوبة الإعدام على تمييز، وغالباً ما تُستخدم بشكل غير متناسب ضد الفقراء وأفراد الأقليات والجماعات العنصرية والعرقية والدينية. كما يتم فرض هذه العقوبة وتنفيذها بشكل تعسفي كما اسلفنا.

إن محاولات الدولة انتقاء”أسوأ الأسوأ”من الجرائم والمجرمين من بين آلاف جرائم القتل التي تُرتكب في كل عام، تؤدي لا محالة إلى الوقوع في أخطاء وحالات عدم اتساق وعيوب لا يمكن تجنبها، فضلاً عن أنها تتفاقم بفعل التمييز وإساءة استخدام إجراءات الإدعاء العام وعدم كفاية التمثيل القانوني. وطالما ظلت العدالة البشرية غير معصومة من الخطأ، فإنه لا سبيل إلى القضاء على مخاطر إعدام الأبرياء. وتواصل منظمة العفو الدولية المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم بأسره بلا قيد أو شرط.

إن وضع حد لعقوبة الإعدام يعني الاعتراف بأنها تمثل سياسة عامة هدامة ومثيرة للانقسامات، ولا تتفق مع القيم التي يؤمن بها الناس على نطاق واسع، وهي ليست عرضة للوقوع في أخطاء لا رجعة عنها فحسب، وإنما تعتبر مكلفة على المال العام، إلى جانب الكلفة الاجتماعية والنفسية، ولم يثبت أنها تشكل رادعاً خاصاً للجريمة، كما أنها تقضي على إمكانية التأهيل والمصالحة. وهي تشجع على إيجاد الردود المبسَّطة على المشكلات الإنسانية المعقدة، بدلاً من البحث عن تفسيرات من شأنها أن تساهم في إثراء الاستراتيجيات الإيجابية. وتؤدي إلى إطالة أمد معاناة عائلة ضحية الجريمة، وإلى امتداد هذه المعاناة لتطال أحباء السجين المدان. كما تؤدي إلى تحويل وُجهة الموارد والطاقات التي يمكن استخدامها على نحو أفضل في العمل ضد الجرائم العنيفة ومساعدة المتضررين منها. إنها تمثل أحد أعراض ثقافة العنف، وليست حلاً لها، وتشكل إهانة للكرامة الإنسانية وينبغي إلغاؤها.

احدى طرق الاعدام لمحاكم التفتيش في العصور الوسطى
احدى طرق الاعدام لمحاكم التفتيش في العصور الوسطى

ألا تُظهر منظمة العفو الدولية عدم احترامها لضحايا هذه الجريمة العنيفة وأقربائهم بمعارضتها لعقوبة الإعدام؟

في مفهومهالا تسعى منظمة العفو الدولية، بأي شكل من الأشكال، إلى التقليل من شأن الجرائم التي حُكم على مرتكبيها بالإعدام بسببها، أو التغاضي عنها. ولو كان الأمر كذلك، لكانت أغلبية البلدان مدافعة عن الجريمة العنيفة، وهو افتراض في غير محله. وكمنظمة تعنى بالأخلاق والكرامة الانسانية تشعر بقلق عميق إزاء ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، انها لا تحاول التقليل من معاناة عائلات ضحايا جرائم القتل، التي تكنُّ لهم أعمق مشاعر التعاطف، بيد أن الطبيعة النهائية والقاسية المتأصلة في عقوبة الاعدام تجعلها غير متوافقة مع معايير العصر الحديث والسلوك الحضاري. إنها رد غير سليم وغير مقبول على الجرائم العنيفة.

سؤال يطرحه المعارضون للاعدام وفي مقدمهم منظمة العفو الدولية، وهو هل تستخدم الحكومات عقوبة الإعدام لقمع الأصوات المعارضة وهو فيه اتهام مبطن للدولة باستغلال عقوبة الاعدام للقضاء على معارضيها؟

الجواب: لقد كانت عقوبة الإعدام، ومازالت في العرف السائد، تُستخدم كأداة للقمع السياسي وكوسيلة لإسكات المعارضين السياسيين مرة وإلى الأبد، أو للقضاء على الأشخاص “مثيري المشاكل” من السياسيين. وفي معظم هذه الحالات يُحكم على الضحايا بالإعدام إثر محاكمات جائرة.

إن طبيعة عقوبة الإعدام كعقوبة لا رجعة عنها هي التي تُغري باستخدامها كأداة قمع. فقد أُعدم آلاف الأشخاص في ظل حكومة ما كما في كمبوديا بحكومة الخمير الحمر التي اعدمت الملايين خلال بضع سنوات من حكمها ومن مختلف الأعمار وبعض دول اميركا الجنوبية او في رواندا…، أو جنوب افريقيا… واعتُبروا ضحايا أبرياء بعد أن وصلت حكومة جديدة إلى سدة الحكم. وطالما ظلت عقوبة الإعدام مقبولة كشكل مشروع من أشكال العقاب، فإن احتمال إساءة استخدامها سياسياً سيظل قائماً، وإن إلغاء العقوبة وحده هو الذي يحول دون إساءة استخدامها سياسياً إلى الأبد.

ماذا يقول القانون الدولي بشأن استخدام عقوبة الإعدام؟

احدى طرق الاعدام المخيفة في التاريخ
احدى طرق الاعدام المخيفة في التاريخ

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 1948رداً على مدى الوحشية الذي وصلت إليه الدول والأهوال التي شهدتها البشرية إبان الحرب العالمية الثانية – “يقر بحق كل شخص في الحياة” (المادة 3).

وينص صراحةً على أنه “لا يُعرض أي شخص للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

(المادة 5).

من وجهة نظر منظمة العفو الدولية

فإن عقوبة الإعدام تشكل انتهاكاً لهذه الحقوق، وتوفر المعاهدات الدولية والإقليمية التي تنص على إلغاء عقوبة الإعدام مزيداً من الدعم لهدف إلغاء العقوبة.

البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1989، ينص على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، ولكنه يسمح للدول الأطراف بالإبقاء على العقوبة في أوقات الحرب إذا سجلت تحفظاً بهذا الشأن في وقت المصادقة على البروتوكول أو الانضمام إليه.

الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية

نشر المحكوم
نشر المحكوم

البروتوكول رقم 6 [الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان] المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، والذي اعتمده مجلس أوربة في العام 1982، ينص على إلغاء عقوبة الإعدام في أوقات السلم، ويجيز للدول الأطراف تطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم التي ترتكب “في أوقات الحرب أو خطر الحرب الوشيك.”

البروتوكول الملحق باتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان المتعلقة بعقوبة الإعدام، الذي اعتمدته الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية في العام 1990، ينص على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، ولكنه يسمح للدول الأطراف بتطبيق العقوبة في أوقات الحرب إذا سجلت تحفظاً بهذا الشأن عند مصادقتها على البروتوكول أو انضمامها إليه.

الاتفاقية الوربية لحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية/ البروتوكول رقم 1

(الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، الذي اعتمده مجلس أوربة في العام 2002، ينص على إلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف، بما فيها أوقات الحرب أو خطر الحرب الوشيك. ويمكن لأية دولة طرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أن تصبح دولة طرفاً في البروتوكول.

ملاحظة

يمكن الاطلاع على قائمة محدَّثة بالدول التي صادقت على المعاهدات الخاصة بعقوبة الإعدام والمذكورة آنفاً، في صفحة عقوبة الإعدام على موقع منظمة العفو الدولية على الانترنيت.

تفريغ الاحشاء
تفريغ الاحشاء

وبموجب القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن عقوبة الإعدام مستثناة من العقوبات التي تسمح صلاحيات المحكمة بفرضها، حتى لو كان لديها ولاية قضائية على الجرائم الخطيرة للغاية، من قبيل الجرائم ضد الإنسانية، ومنها جرائم الإبادة الجماعية، وانتهاكات قوانين النـزاعات المسلحة.

وعند إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في العامين 1993و 1994على التوالي، عمد مجلس الأمن الدولي إلى استثناء عقوبة الإعدام كعقوبة على هذه الجرائم. كما استُثني فرض عقوبة الإعدام على مثل هذه الجرائم من قبل المحكمة الخاصة بسيراليون، واللجان الخاصة في ديلي بتيمور الشرقية، والتشريع الذي أُنشأت بموجبه الغرف الاستثنائية في محاكم كمبوديا.

ولكن بالتأكيد ثمة أوقاتاً ليس للدولة فيها من خيار آخر سوى اعدام مخلين بالأمن العام واستقرار الوطن وسورية مثلاً واقعيا ؟

يمكن استخدام مبدأ الدفاع عن النفس في بعض الحالات لتبرير عقوبة الاعدام، كما هي الحال عندما تكون البلاد في اوضاع استثنائية كما في اوضاع ماسمي الربيع العربي في سورية وسواها صحيح انها بدأت باحتجاجات ذات طابع سلمي الا ان المندسين ووسائل الاعلام العالمية والمؤامرة الصهيونية والخارجية والاخونجية حرفت الحراك فتعرضت سورية شعباً وجيشاً لهجمة غير مسبوقة من 86 دولة ناهيك عن حوالي نصف مليون ارهابي معظمهم وفد اليها من الخارج بايديولوجيات ارهابية وتكفيرية وسلفية… حالة حرب على سورية طيلة ثمان سنوات اضافة الى احتلالات اميركية في الشمال والشرق وتركية في الشمال والغرب وصهيونية في الجنوب …كما هو معروف ومئات مليارات الدولارات التي صرفت لتدمير الجيش والقوى الامنية والبنى التحتية والمصانع والاقتصاد الوطني ومئات المواطنين الابرياء تم اختطافهم لأجل الفديات وبعد استيفائها تمت تصفيتهم، وسرقة المعامل وخاصة الى تركيا وتدمير كل شيء من مدن صناعية وسكك حديدية وطائرات وقتل طائفي على الهوية وتصفية العلماء والقادة… والاغتصاب على الهوية وبيع النساء والاطفال في اسواق النخاسة… واعمال ارهابية في المدن والمواقع العسكرية…الخ…وابادة بمجازر جماعية للجيش والموظفين المدنيين وتدمير الكنائس والاديرة وذبح وخطف الكهنة والمشايخ وخطف المطارنة…كل هذه الاعمال ارهابية قضت على مليون ضحية بريئة فما الحال مع داعش وتنظيم القاعدة و…الخ من 1200 فصيل تكفيري من كل انحاء العالم امتهنوا قطع الرؤوس ونحر الاعناق…

من واجب الدولة السورية بعد كل هذا الدم والدمار والتهجير بعد بسط نفوذها على ارضها ان يقوم القضاء الاستثنائي والعادي المختص ان تطبق اقسى العقوبات على هؤلاء القتلة والفاسدين…والخونة وتأسيس مجالس تدير عمليات القتل من الخارج وتقبض من الدول المشغلة…

أو عندما يضطر الموظفون المكلفون بتنفيذ القوانين للتصرف الفوري لإنقاذ حياتهم أو حياة الآخرين. وحتى في مثل هذه الحالات، فإن استخدام القوة المميتة مقيد بضمانات قانونية مقبولة دولياً بهدف منع إساءة استخدامها. ويهدف استخدام القوة إلى مواجهة الخطر الداهم الناجم عن استخدام القوة من قبل الآخرين.

المجتمع الدولي وعقوبة الاعدام

الاعدام حرقاً
الاعدام حرقاً

– تعتقد حكومات عدة أن بإمكانها حل المشكلات الاجتماعية أو السياسية الملحة عن طريق إعدام بضعة سجناء أو حتى مئات السجناء. وهناك الكثير من المواطنين في العديد من البلدان ممن لا يعلمون بأن عقوبة الإعدام لا تمنح المجتمع مزيداً من الحماية، وإنما تجعله أكثر وحشية.

وقد عجزت الدراسات العلمية بصورة متسقة عن إيجاد دليل مقنع على أن عقوبة الإعدام تردع الجريمة أكثر من غيرها من العقوبات. وقد خلصت أحدث دراسة مسحية بشأن العلاقة بين عقوبة الإعدام ومعدلات جرائم القتل، أجرتها الأمم المتحدة في العام 1988وتم تحديثها في العامين 1996و 2002، إلى أن: “… البحث فشل في توفير دليل علمي على أن تأثير الإعدام كان أشد ردعاً من تأثير السجن المؤبد. ومن غير المرجح أن يظهر مثل هذا الدليل في المستقبل، بل إن الأدلة ككل ما زالت لا توفر تأييداً لفرضية الردع…”

كما أن الأرقام الحديثة المتعلقة بالجريمة والتي تعطيها الدول التي ألغت عقوبة الإعدام لا تُظهر أن لإلغاء العقوبة آثاراً ضارة. ففي كندا، مثلاً، انخفض معدل جرائم القتل لكل 100,000من السكان من3.09في العام 1975، وهو العام الذي سبق إلغاء عقوبة الإعدام على جرائم القتل، إلى 2.41في العام f0 1980، واستمر المعدل في الانخفاض منذ ذلك الحين. ففي العام 2003، أي بعد مرور 27عاماً على إلغاء العقوبة، بلغ معدل عمليات القتل 1.73لكل 100,000من السكان، أي أقل مما كان عليه في العام 1975بنسبة %44، وهو أدنى معدل على الإطلاق على مدى ثلاثة عقود. ومع أن المعدل ارتفع إلى2.0في العام 2005، فإنه ظل أدنى مما كان عليه بنسبة تزيد على الثلث عندما أُلغيت عقوبة الإعدام.

من الخطأ افتراض أن الأشخاص الذين يقترفون جرائم خطيرة كالقتل، يفعلون ذلك بعد احتساب العواقب بصورة منطقية. إن جرائم القتل غالباً ما تُرتكب في لحظات جيشان العواطف وسيطرتها على العقل، أو تحت تأثير المخدرات أو المشروبات الكحولية. كما أن بعض الأشخاص الذين يرتكبون جرائم عنف هم غير متوازنين أو مرضى عقلياً. وقد وجدت منظمة العفو الدولية أن واحداً على الأقل من كل 10سجناء أُعدموا في الولايات المتحدة منذ العام 1977، قد عانوا من اضطرابات عقلية خطيرة تجعلهم غير قادرين عقلياً على استيعاب حكم الإعدام أو أسبابه أو تداعياته. ولا يتوقع أن يشكل الخوف من عقوبة الإعدام رادعاً للجريمة في أي من هذه الحالات. وعلاوة على ذلك فإن الأشخاص الذين يقترفون جرائم خطيرة مع سبق الإصرار ربما يقررون المضي قدماً في جرائمهم على الرغم من المخاطر، اعتقاداً منهم بأنهم لن يُقبض عليهم. إن مفتاح الردع في مثل هذه الحالات يتمثل في زيادة إمكانات التحري والاعتقال والإدانة.

الاعدام على الدولاب المسنن
الاعدام على الدولاب المسنن

إن عدم وجود دليل واضح يُظهر أن لعقوبة الإعدام تأثيراً رادعاً فريداً، إنما يشير إلى عبثية وخطر الاعتماد على فرضية الردع كأساس لوضع سياسة عامة بشأن عقوبة الإعدام. إن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية، ولكنها ليست قاسية على الجريمة.

أليس من الضروري إعدام سجناء معينين من أجل منعهم من تكرار جرائمهم؟

رد المجتمعات المؤيدة

إن استخدام عقوبة الإعدام كأسلوب لمنع السجناء من تكرار جرائمهم يعتبر أداة مكلومة. فهذه العقوبة، بطبيعتها، لا ُتنفَّذ إلا بحق سجين يقبع خلف القضبان أصلاً، وهو بالتالي مقتَلع من صفوف المجتمع. وما دام هذا السجين غير قادر على ارتكاب أفعال عنف ضد المجتمع، فإن عقوبة الإعدام غير ضرورية كأسلوب لحماية المجتمع

وخلافاً لعقوبة الحبس، فإن عقوبة الإعدام تنطوي على مخاطر الوقوع في أخطاء قضائية لا يمكن تصحيحها. وستظل هناك مخاطر دائمة من احتمال إعدام بعض السجناء الأبرياء. وفي هذه الحالة، فإن عقوبة الإعدام لن تردعهم عن تكرار جريمة لم يرتكبوها أصلاً.

كما أن من المستحيل معرفة ما إذا كان الأشخاص الذين يُعدمون سيكررون فعلاً الجرائم التي أُدينوا بسببها أم لا. إن الإعدام يعني إزهاق أرواح سجناء لمنع وقوع جرائم افتراضية في المستقبل، ربما لن يُرتكب العديد منها أبداً. كما أن هذه العقوبة تنفي مبدأ تأهيل المجرمين.

وثمة من يجادل بأن عقوبة السجن وحدها لم تردع الأشخاص الذين سُجنوا عن ارتكاب جرائم مرة أخرى بعد إطلاق سراحهم. والرد على ذلك هو مراجعة إجراءات الإفراج المشروط، بهدف منع العودة إلى الجريمة، وليس زيادة عدد عمليات الإعدام.

لا بد أن الشخص الذي يقترف جريمة بشعة أو يقتل شخصاً آخر يستحق الموت، أليس كذلك؟

عند منظمة العدل الدولية لا يجوز استخدام الإعدام لشجب القتل، فمثل هذا الفعل الذي تقوم به الدولة إنما يمثل مرآة لاستعداد المجرم لاستخدام العنف الجسدي ضد ضحيته. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع أنظمة العدالة الجنائية عرضة لممارسة التمييز والوقوع في الخطأ. وليس هناك من نظام قادر على أن يقرر، بشكل عادل ومتسق وبلا أخطاء، مَن هو الشخص الذي ينبغي أن يعيش ومَن هو الذي ينبغي أن يموت. إذ أن المصالح الخاصة، والقرارات التي تقوم على الاجتهاد، والرأي العام السائد قد تؤثر على الإجراءات، من بداية الاعتقال حتى قرار اللحظة الأخيرة بشأن طلب الرأفة

إن الأمر الأساسي في حقوق الإنسان هو كونها ثابتة وغير قابلة للانتقاص – أي أنها ملك لكل شخص بالتساوي وبغض النظر عن وضعه أو عرقه أو دينه أو أصله. ولا يجوز تجريد أحد منها بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها الشخص. فحقوق الإنسان تنطبق على أسوأنا مثلما تنطبق على أفضلنا. ولهذا هي موجودة لحمايتنا جميعاً؛ إنها تنقذنا من أنفسنا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التجربة تُظهر أنه حيثما تُستخدم عقوبة الإعدام، فإنه سيقتُل بعض الأشخاص، في الوقت الذي قد يفلت آخرون ممن ارتكبوا جرائم مشابهة أو حتى أسوأ. والسجناء الذين يُعدمون ليسوا بالضرورة هم الذين ارتكبوا أسوأ الجرائم فحسب، وإنما أيضاً أولئك الذين كانوا فقراء جداً بحيث لم يستطيعوا توكيل محامين مهرة ليدافعوا عنهم، أو أولئك الذين واجهوا مدعين عامين أو قضاة أشد قسوة.

أليست هناك حاجة لاستخدام عقوبة الإعدام لوقف الأعمال الإرهابية والعنف السياسي؟

أشار موظفون رسميون مسؤولون عن مكافحة الإرهاب والجرائم السياسية، مراراً وتكراراً، إلى أن الإعدام يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدلات ارتكاب مثل هذه الأفعال، بالقدر نفسه الذي يمكن أن يؤدي إلى وقفها. فعمليات الإعدام يمكن أن تخلق شهداء تصبح ذكراهم محور جذب لتعبئة منظماتهم. وبالنسبة للرجال والنساء المستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل عقائدهم – من قبيل الانتحاريين – فإن من غير المرجح أن يؤدي الإعدام إلى ردعهم، بل ربما يشكل حافزاً لهم

كما استخدمت جماعات المعارضة المسلحة تطبيق الدول لعقوبة الإعدام كمبرر للانتقام، مما يؤدي إلى استمرار دورة العنف.

ألا يعتبر زج السجين خلف القضبان لفترات طويلة أو مدى الحياة وخاصة الاشغال الشاقة المؤبدة أشد قسوة من إعدامه؟

ما دام السجين حياً، فإنه يظل يحدوه الأمل في تأهيله أو تبرئة ساحته إذا تبين لاحقاً أنه بريء. لكن الإعدام يلغي إمكانية التعويض عن الخطأ القضائي أو تأهيل المجرم.

إن عقوبة الإعدام تمثل شكلاً فريداً من أشكال العقوبة تترتب عليها ظروف غير متوفرة في عقوبة الحبس، من قبيل قسوة الإعدام نفسه، وقسوة اضطرار الشخص إلى الانتظار في قائمة المحكوم عليهم بالإعدام – وغالباً ما يستغرق ذلك عدة سنوات – يقضيها السجين فيتأمل إعدامه المرتقب.

منظمة العفو الدولية

ترحب بتعددية الخطابات المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تستند إلى الثقافات والأديان المختلفة، وتعتقد أن الرؤى المختلفة تسهم فهم حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، تؤمن المنظمة بأن حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ويعتمد بعضها على بعض. ومع أنها ربما تكون قد تطورت في سياق غربي، فإنها ليست غربية من حيث مضمونها، وإنما هي مستمدة من تقاليد مختلفة وعديدة، وتعترف بها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كمعايير وافقت على التقيد بها.

وينبغي الإشارة إلى أن الدول المتعددة التي أقلعت عن استخدام عقوبة الإعدام تنتمي إلى مناطق وثقافات مختلفة. ولذا لا يمكن الادعاء بأن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام جاءت من جزء واحد من المجتمع العالمي.

هل تعني معارضة منظمة العفو الدولية لعقوبة الإعدام أنها تنتقد، ضمنياً، الأديان الرئيسة في العالم التي تُجيز استخدام هذه العقوبة؟

إن الأديان العالمية الرئيسة تؤكد في تعاليمها على مبادئ الرحمة والعطف والغفران. وإن دعوة منظمة العفو الدولية إلى وقف عمليات الإعدام تتسق مع هذه التعاليم. ونشير إلى أن جميع المذاهب الدينية الرئيسة موجودة في الدول التي ما زالت تستخدم عقوبة الإعدام في شتى مناطق العالم. وبالمثل، فإن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، سواء في القانون أو في الممارسة، موجودة في شتى أنحاء العالم وعابرة للحدود الدينية. إن عقوبة الإعدام ليست محصورة في دين معين، ومن هنا فإن من الخطأ تفسير حملة منظمة العفو الدولية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام على أنها تمثل هجوماً على دين معين. فمنظمة العفو الدولية متعددة الأعراق والثقافات، وهي منظمة غير سياسية يقوم عملها على الحقوق الإنسانية الدولية. كما أن عضويتها العالمية تأتي من العالم أجمع وتنتمي إلى أديان عديدة.

كيف يمكن للدول أن تلغي عقوبة الإعدام في الوقت الذي تؤيدها أغلبية الرأي العام؟

إن أسباب ما يبدو أنه دعم شعبي قوي لعقوبة الإعدام قد تكون معقدة ولا تستند إلى أساس من الحقائق. فلو تم تبصير الجمهور تماماً بحقيقة عقوبة الإعدام وكيفية تطبيقها، لأصبح العديد من الناس أكثر استعداداً لقبول إلغائها.

أما استطلاعات الرأي التي غالباً ما يبدو أنها تُظهر تأييداً ساحقاً لعقوبة الإعدام، فإنها تميل إلى تبسيط تعقيدات الرأي العام، وإلى أي مدى يستند هذا الرأي العام إلى فهم دقيق لأوضاع الجريمة في البلد المعني وأسبابها والوسائل المتاحة لمكافحتها.

وغالباً ما يقوم التأييد الشعبي لعقوبة الإعدام على الاعتقاد الخاطئ بأنها تشكل إجراء فعالاً ضد الجريمة. إن ما تريده الأغلبية الساحقة من الجمهور العام هو اتخاذ تدابير فعالة حقاً لتقليص الإجرام. فإذا دعا السياسيون إلى استخدام عقوبة الإعدام كإجراء لمكافحة الجريمة، فإن الجمهور سيطالب بذلك أيضا، اعتقاداً منه بأن هذا الإجراء سيحل المشكلة. إن مسؤولية التصدي للجريمة بشكل فعال ومن دون اللجوء إلى انتهاك حقوق الإنسان من خلال عقوبة الإعدام، إنما تقع على عاتق الحكومات.

أما الرأي العام المتبصر فيتشكل عبر التربية والقيادة الأخلاقية. إذ ينبغي أن تقود الحكومات الرأي العام في مسائل حقوق الإنسان والسياسة الجنائية. وينبغي أن تتخذ الحكومة والمشرعون القرار المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام. ويمكن اتخاذ مثل هذا القرار حتى لو كانت أغلبية الجمهور مؤيدة للعقوبة، وهو ما حصل تاريخياً في هذا الصدد. وعند إلغاء عقوبة الإعدام، لا يحدث عادةً احتجاج شعبي كبير على ذلك، وتظل العقوبةملغاة دائماً تقريباً.

ولا يمكن تبرير إقدام حكومة ما على تعذيب سجين سيئ الصيت أو اضطهاد أقلية عرقية غير محبوبة شعبياً، لا لشيئ إلا لأن أغلبية الجمهور تطالب بذلك. فقد كانالرق ذات يوم مشروعاً ومقبولاً على نطاق واسع. وجاء إلغاؤه عبر جهود بذلها على مدى سنوات طويلة أولئك المعارضون لها على أسس أخلاقية.

 السؤال قبل الأخير

هل الحقنة المميتة هي الطريقة الأقل إيلاماً والأكثر إنسانية لقتل الشخص؟

لقد ظهرت مشاكل في استخدام الحقنة المميتة. ففي أول عملية إعدام بالحقنة المميتة في غواتيمالا في 10فبراير/شباط 1998، بدت العصبية على المكلفين بتنفيذ الحقنة المميتة ضد مانويل مارتينيز كورونادو (ذُكر أن سبب ذلك، جزئياً، كان العويل الأليم لزوجة السجين وأطفاله. وقد كان المنفذون عصبيين لدرجة أن عملية ربط الأنبوب الموصل للسم استغرقت وقتاً طويلاً. ثم أدى انقطاع التيار الكهربائي أثناء عملية الإعدام إلى وقف تدفق السم. واستغرقت وفاة السجين مدة18دقيقة. وقد بُثت صور المحنة بأكملها مباشرة على التلفزيون الحكومي. وفي الولايات المتحدة، تعثَّر عدد من عمليات الإعدام بالحقنة المميتة، حيث ظهرت مشاكل بسبب سوء حالة أوردة السجين الناجم عن تعاطيه المخدرات عن طريق الأوردة.

أما أنخيل نيفيس دياز، وهو مواطن من بويرتو ريكو، حُكم عليه بالإعدام بسبب ارتكابه جريمة قتل في العام 1979، فقد استغرقت وفاته بالحقنة المميتة 34دقيقة، في 13كانون الأول 2006. وقد تطلب الأمر جرعة ثانية قبل أن يعطي طبيب كان يرتدي قناعاً على وجهه لإخفاء هويته إشارة إلى أن أنخيل دياز قد فارق الحياة.

وقد مضت عملية الإعدام قدماً على الرغم من أن أحد الشهود الرئيسيين للادعاء العام قد تراجع عن شهادته في المحكمة ضد أنخيل دياز، الذي ظل يعلن براءته حتى النهاية. وقبل ساعة واحدة من وقوع الإعدام رفضت المحكمة العليا الاستئناف النهائي الذي كان أنخيل دياز قد قدمه بخصوص هذه القضية، بالإضافة إلى الطعن في دستورية إجراءات الحقنة المميتة في فلوريدا.

في 15كانون الأول 2006، أمر حاكم فلوريدا، جيب بوش، بوقف عمليات الإعدام، وعيَّن لجنة لتقييم ما إذا كان الإعدام بالحقنة المميتة يشكل انتهاكاً لحظر العقوبة القاسية وغير العادية في ولاية فلوريدا. ولن يتم توقيع أي موافقات على الإعدام إلا بعد أن تقدم اللجنة تقريراً بشأن النتائج التي ستتوصل إليها في آذار 2007. وهناك ولايات أخرى تعكف على فحص البروتوكولات الخاصة بالحقنة المميتة، مما يعزز الرأي الذي يقول إن هذا الأسلوب “الإنساني” لتطبيق عقوبة الإعدام لا يقل قسوة وتعذيباً عن أي أسلوب آخر.

لقد أدخلت الولايات المتحدة أسلوب الإعدام بالحقنة المميتة قبل نحو 30عاماً، وطبقته أول مرة في العام 1982. ومنذ ذلك الوقت، قُتل نحو 900سجين بهذا الأسلوب في الولايات المتحدة، وحلَّ محل الأساليب البديلة – الكرسي الكهربائي، الشنق، الإعدام بالغاز،إطلاق النار. وبعد 20عاماً من إدخال هذا الأسلوب في قانون الولايات المتحدة، تم تبنيه من قبل كل من الصين وغواتيمالا والفلبين (مع أن الفلبين ألغت عقوبة الإعدام في العام 2006)، وتايوان وتايلند.

إن أسلوب الحقنة المميتة يتجنب العديد من الآثار المقززة لأشكال الإعدام الأخرى، من قبيلالتشويه الجسدي والنـزف الناجم عن قطع الرأس، ورائحة اللحم المحترق في الإعدام بالصعق الكهربائي، والمناظر و/أو الأصوات المزعجة في أسلوبي الغاز المميت والشنق، ومشكلة التغوط والتبول اللاإراديين. ولهذه الأسباب، يمكن أن يكون هذا الأسلوب أقل إيلاماً بالنسبة للأشخاص المشاركين في تنفيذ الإعدام. بيد أن الحقنة المميتة تزيد من مخاطر تورط المهنيين الطبيين في عمليات القتل لصالح الدولة، وهو ما يشكل انتهاكاً للمبادئ العتيدة لآداب مهنة الطب.

إن كل شكل من أشكال الإعدام هو لاإنساني. وجميع الأساليب المعروفة يمكن أن تكون مؤلمة، ولها خصائصها المقززة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن نتذكر أن عقوبة الإعدام لا تتعلقبالدقائق التي يجري خلالها إحضار السجين من الزنزانة ثم قتلهفحسب، بل إن السجين يعيش مع شبح عقوبة الإعدام الذي يظل يخيِّم عليه ابتداء من اللحظة التي يُعلن فيها حكم الإعدام بحقه وحتى لحظة غياب الوعي والوفاة.

إن البحث عن طريقة “إنسانية” لقتل الأشخاص يجب أن يُنظر إليه كما هو على حقيقته – أي على أنه بحث عن إمكانية جعل عمليات الإعدام مستساغةبالنسبةلأولئك الذين ينفذون عملية القتل، وللحكومات التي ترغب في الظهور بالمظهر الإنساني، وللجمهور الذي يتم تنفيذ عملية القتل باسمه.

وأخيراً ما هي العلامات التي تشير إلى تحقيق الانتصار في معركة إلغاء عقوبة الإعدام؟

في منقلب القرن الماضي، لم تلغِ عقوبة الإعدام على جميع الجرائم وبشكل دائم سوى ثلاثة بلدان. أما اليوم، وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، فإن ثلثي بلدان العالم ألغت العقوبة في القانون والممارسة. ففي العقد المنصرم وحده بلغ معدل عدد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون، أو التي ألغتها على الجرائم العادية، ومضت نحو إلغائها على جميع الجرائم، أكثر من ثلاثة في كل عام. وعلاوة على ذلك، فإن العقوبة نادراً ما يُعاد العمل بها بعد إلغائها.

وهناك علامات أخرى، هي:

ظهور أوربة كمنطقة خالية من عقوبة الإعدام، ومن ثم بروز دورها في الدعوة إلى إلغاء العقوبة في سائر أنحاء العالم.

قارة أفريقيا أصبحت قارة خالية من الإعدام إلى حد كبير، حيث عُرف أن ستة بلدان فقط، من أصل 53بلداً، نفذت عمليات إعدام من قبل الدول في العام 2006

الولايات المتحدة الأمريكية تتحول ببطء ضد عقوبة الإعدام. فقد أُوقفت عدة حالات إعدام في عدد من الدول خلال العام 2006بسبب الطعون القانونية وبواعث القلق المتعلقة بإجراءات الحقنة المميتة. وثمة تأييد شعبي قوي لتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام في ولاية نورث كارولينا، حيث وقَّعت نحو 40حكومة محلية وما يربو على 40,000 شخص عريضة تطالب بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام. وفي نيويورك، وجدت أعلى محكمة في الولاية في عام 2004أن القانون الأساسي الخاص بعقوبة الإعدام في الولاية غير دستوري. وبحلول مطلع العام 2007، لم يكن قد تم استبدال ذلك القانون. وفي نيوجيرسي 2006، اتخذ المجلس التشريعي قراراً بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام، وأنشأ لجنة لدراسة جميع جوانب عقوبة الإعدام في تلك الولاية. وفي تقريرها النهائي الذي صدر في كانون الثاني 2007أوصت اللجنة بإلغاء عقوبة الإعدام

– ارتفاع مستوى الاتصال والتعاون بين المنظمات الداعية إلى إلغاء العقوبة، كما ظهر في عقد المؤتمرات العالمية الثلاثة لمناهضة عقوبة الإعدام، وإنشاء الائتلاف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، وتشكيل ائتلافات وطنية في عدة بلدان، ومنها شبكة التحرك الخاصة بمناهضة عقوبة الإعدام في آسيا.

– انتشار المعايير الدولية (بما في ذلك اعتماد معاهدات ملزمة خاصة بإلغاء عقوبة الإعدام، والمصادقة عليها من قبل عدد متزايد من الدول)، واتخاذ إجراءات من قبل آليات الأمم المتحدة، وصدور قرارات وتوصيات من جانب المحاكم الدولية وهيئات مراقبة المعاهدات.

– يعكس هذا الاتجاه الوعي المتنامي بأن ثمة عقوبات بديلة لعقوبة الإعدام، وهي عقوبات فعالة ولا تنطوي على قتل إنسان مع سبق الإصرار والترصد وبدم بارد من قبل الدولة باسم العدالة.

رأينا الشخصي

نكرر ما اوردناه في المقدمة بأن ما اوردناه من مواقف معارضة لعقوبة الاعدام من دول ومنظمات دولية وخاصة منظمة العفو الدولية لايعني بالضرورة اننا نتبنى هذا السعي فلكل مجتمع خصوصيته ولكل دولة مشرعها الذي يستنبط مايحتاجه المجتمع…وردع الرافضين لأمنه وسلامه كما في واقع سورية والكل يعرف حتى المعادين لها حجم مؤامرتهم عليها وصمودها وماقدمته من تضحيات ودماء بريئة طالت اكثر من مليون من ابنائها…ودمرت اقتصادها الذي كان يُراهن ان يجعلها خلال ثلاث سنوات من بدء ذبحها في مصاف دول البريكس… اليوم نوابغها من فعاليات علمية وحرفية ومهنية يشكلون ثلث شعبها في المهاجر يعملون في الدول التي شنت الحرب على سورية بعد ان أهلتهم سورية وجعلت منهم النوابغ…

انا مع الابقاء على عقوبة الاعدام بحق الخونة ومدمري الوطن وقاتلي جيشه وشعبه البريء…

د. جوزيف زيتون

دكتور في الحقوق الدولية العامة

ملاحظة هامة

نرجو ممن يريد الاقتباس اوالنسخ او اللصق ذكر المصدر والموقع للخدمة العامة…

ترقبوا قريباً القسم الثاني


(وهو “اضواء على عقوبة الأعدام وفق المنظور المسيحي”)ً


عقوبة الاعدام…القسم الثاني…أضواء على عقوبة الاعدام من وجهة نظر مسيحية

$
0
0

عقوبة الاعدام…

القسم الثاني…

أضواء على عقوبة الاعدام من وجهة نظر مسيحية

توطئة

يتطلب هذا الموضوع التأمل في لاهوت الكنيسة بعيداً عن الرؤى الطائفية، سيما والكل مجمع على المشيئة الالهية في خلق الانسان وتجميله بكمالاته…

“على صورة الله ومثاله”.

ودور الانسان في المحافظة على خلقة الله فيه، وفق “قصة الخلق الالهية” في الكتاب المقدس/ التكوين/، وما اراده الله من خلقه لهذه الخليقة الجميلة وهي الانسان آدم، والذي زوده بشريك لحياته هي حواء استلها ضلعاً من اضلاعه، ووضعها معه لتكون رفيقة دربه وشريكة حياته في الفردوس الالهي.

ترى المسيحية أن الله نفخ في الانسان نسمة حياة فخلقه”على صورته”، “…على صورة الله خلقه ذكراً وانثى خلقهم: وقال لهم انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها…”( تكوين 1 :27-29).

وبذلك فالمسيحي مدعوٌ لأن يمارس فضيلة المحافظة على صورة الرب الخالق فيه الكاملة في جوهره وفي جوهر قريبه، في أن يحافظ على حياته وحياة قريبه وأن يثمن ذلك.

القريب

القريب في النظرة المسيحية، هو الانسان، أي إنسان …الانسان بالمطلق، بغض النظر عن دينه ومعتقده، وجنسه، ولونه أو جنسيته وقوميته…

الانسان من وجهة نظر مسيحية، هو الحامل لصورة الله ومثاله، فالعلاقة بين الانسان والله ( اي العلاقة العمودية) لاتكتمل الا بعلاقة الانسان بالانسان (العلاقة الأفقية)…

آية لأشعياء النبي من الكتاب المقدس
آية لأشعياء النبي من الكتاب المقدس

الانسان المسيحي هو الحامل في كينونته سمات الرب يسوع، الذي اتى عالمنا الخاطىء بجسدنا بكل انسجته ودمائه وحواسه ومشاعره ( ماخلا الخطيئة).

وبالتالي ليس من خلاص في المسيحية الا بتلاقي الأفقي والعمودي معاً فيشكلان صليباً يُجَّسد المسيحي عليه رسالته في الأرض وهي:

” خدمة البشرية المتالمة والمعذبة التائقة الى استمطار النعمة الالهية”.

الاعدام قتل باسم العدالة؟؟؟

حياة الانسان هبة من لدن الله والاعدام- وان تفنن الجلادون بطرقه – هو جريمة قتل ألبسوها قناع القانون والعدالة تحت شعارات ابتكرها المشرعون لتبرير جريمتهم مثل: تحقيق العدالة، حماية القانون، حفظ الأمن، توطيد الاستقرار…

هنا يكمن التناقض : بين القتل…وتحت اسم العدالة..!!

هل تُقَّوَمْ الجريمة بجريمة؟؟؟

هذا الموضوع بحاجة الى موقف حاسم جريء. فالقتل مهما تعددت أسبابه وأنواعه هو خطيئة تنهي حياة القريب التي اكتسبها كهبة إلهية وليست بشرية، منذ لحظة تكوينه كجنين في جوف أمه.

وبذلك تعتبر المسيحية حق العيش والتمتع بالحياة هو حق الهي ليس لأي كائن بشري الحق في الحد من نمائه او التقليل من أهميته.

تعريف الاعدام في المسيحية

هو جريمة قتل متعمد مع سبق الاصرار والترصد، وهو جريمة موجهة قبل كل شيء ضد الحضور الالهي في الانسان.

الكتاب المقدس يرى ان القتل خطيئة فادحة موجهة ضد الله الساكن في القريب المقتول والمعدوم، ويعتبرها خطيئة صارخة الى السماء:” فقال ماذا صنعت؟ إن صوت دماء أخيك صارخ إلي من الارض” ( تكوين 4/10) في قتل قايين لشقيقه هابيل…

مظاهرات في باكستان ضد قرار اعدام امرأة باكستانية مسيحية
مظاهرات في باكستان ضد قرار اعدام امرأة باكستانية مسيحية

لعن الله قايين لأنه قتل أخاه وكل من يقتل مثله، يكون ملعوناً سبعة أضعاف (تكوين 15:4).

ان احدى وصايا الله العشر وهي الشريعة الاساس قضت بزجر”لاتقتل” لأن من قتل يستوجب الدينونة (متى5/21).

اذن القتل – ويدرج به الإعدام أيضاً – هو خطيئة قاتلة لنفس القاتل لأنها تلاشي الجوهر الذي سكب الله فيه صورته ومثاله، والقاتل ( القاضي، الجلاد، القانون، والمشرع…) يعيق العمل الالهي ويحد من نمائه وتطوره وأساساً العدل الإلهي، ويسلب القريب حقاً لم يحصل عليه من أي انسان آخر، بل كان الله قد أنعم عليه به، الا وهو حق الحياة والعيش، وبالتالي فالاعدام يغلق باب الرحمة بالتوبة للقريب الماثل أمام الله سائلاً انسكاب الرحمة الالهية عليه.

الاعدام بالتالي هو ملاشاة لوصية الله الاساسية وهي المحبة، ومحو لحق الانسان في بناء العائلة والمجتمع كما ارادها الله ” انموا واكثروا واملأوا الارض…”، وامِّا دينونة منفَّذِه فهي نار جهنم…

بعض من قوانين الكنيسة المتعلقة بعقوبة الاعدام

في المقام الاساس يجب ان نتذكر ان الرب يسوع نفسه قد أمر بالنهي عن عقوبة الاعدام، بالرغم من ان شريعة موسى كانت ترى اعدام الزانية رجماً بالحجارة حتى الموت.

“فأتاه الكتبة الفريسيون بامرأة أُخذت في زنى فأقاموها في وسط الحلقة وقالوا له يامعلم إن هذه المرأة أُخذت في الزنى المشهود، وفد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها، فأنت ماذا تقول؟.

فلمَّ الحوا عليه في السؤال انتصب، وقال لهم “من كان منكم بلا خطيئة فليبدأ ويرمها بحجر…”

“وأما اولئك فلمَّ سمعوا طفقوا يخرجون واحداً فواحداً… وبقي يسوع وحده والمرأة قائمة في الوسط، فانتصب يسوع وقال لها يا امرأة أين الذين يشكونك أما حكم عليك أحدٌ.؟ قالت لا يارب فقال لها يسوع: ولا أن احكم عليك اذهبي ولا تعودي تخطئين.”

(يوحنا8/3-11).

مجمع انكيرا ( انقرة في العام 314 مسيحية اي في سنة براءة ميلان)

اعدام مسيحي بيد داعش بقطع رأسه
اعدام مسيحي بيد داعش بقطع رأسه

لقد نص القانون 23 لمجمع انقره المنعقد في العام 314مسيحية في عهد الأمبراطور قسطنطين الكبير وليكينيوس: ” وأما الذين يقتلون غير متعمدين فقد صار حكم سابق بأنهم يُقبلون في الشركة التامة بعد قضاء سبع سنوات في التوبة حسب الدرجات المذكورة ىنفاً، على اننا نجعل في هذا القانون مدة العقاب خمس سنوات”.

وقد نص القانون 21 للمجمع ذاته على “عقوبة قاتل الجنين بقضاء عشر سنوات في التوبة.”

” وقد حُدِّدَ في قانون سابق أن تُقطع اللواتي يجهضن الأطفال أو يصنعن العقاقير للاجهاض من الشَّركة (شركة الكنيسة) حتى الموت، وقد وافق البعض على هذا، ومع ذلك فنحن نرغب في أن يُعاملَ ببعض الشفقة، ولذلك قد حددنا بأن يقضين عشر سنوات في التوبة حسب الدرجات المذكورة”.

وأما القانون 22 للمجمع ذاته فقد حدَّد عقوبة القاتل بتعمُّدٍ بالقطع من الشركة

حتى آخر حياته” ليبق القاتلون عمداً مع الراكعين ولا يسمح لهم في الشركة التامة إلا في آخر حياتهم.”

ويعتبر القديس باسيليوس الكبير (329-379مسيحية) قي رسالته القانونية حول القتلة، أن ” من يقتل آخر فهو مجرم سفاك” (القانون 8)، ويحدد مدة عقاب القتلة عن غير تعمد بعشر سنوات، وأما مدة عقاب القتلة عن تعمد فعشرين سنة:” إن من يقتل عمداً ثم يندم، يفرض عليه القصاص بالقطع من الشركة عشرين سنة. اربع سنوات يوح فيها على خطيبته خارج باب الكنيسة متوسلاً الى المؤمنين وهم داخلون الى الكنيسة أن يصلوا من أجله، وخمس سنوات يكون فيها مع السامعين ويخرج معهم (1)، وسبع سنوات مع الراكعين ويخرج معهم، واربع سنوات يقف فيها مع المؤمنين دون أن يُسمح له بالشركة حتى نهاية العشرين سنة، فيتقدم إذ ذاك إلى تناول القرابين المقدسة” ( القانون 56).

وأما ” الذي قتل كرها قيكون محروماً من شركة المقدسات مدة عشر سنوات، فيكون سنتان مع الباكين، وثلاث سنوات يقف فيها مع السامعين، واربع سنوات يكون راكعاً، وسنةً واحدةً فقط يقف فيها مع المؤمنين. وبعد ذلك يُقبل في شركة المقدسات” ( القانون 58).

بعض النصوص التى تجرم القاتل وتحرم القتل ومنها الاعدام فى الانجيل
1- فى انجيل (متى 5 : 21 : 26) وتعاليم المسيح فى الموعظة على الجبل التى هي دستور المسيحية…”

21 – “قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم…”

اعدام مسيحيين بيد داعش ذبحاً
اعدام مسيحيين بيد داعش ذبحاً

22 – “وأما أنا فأقول لكم ان كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم”.

“ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم”.

23 – 24 “فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك.”

25- “كن مراضيا لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق، لئلا يسلمك الخصم الى القاضي، ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير”.

المسيح اتى بشريعة وعهد المحبة وحرم القتل مطلقا فى كلامه

الذى سردته ولن اشرح فيه لانه موضح نفسه فكلمات المسيح ما أروعها للقلب .

ان المسيح هذا الذى صلبوه حرم القتل مطلقاً وبل خرج الى ما هو أكبر من هذا وقال ان كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم…

أى شرع اتى بهذا، واى حب أتى به المسيح حتى انه فى كماله خرج عن نص القتل، وقال لبني البشر “لايغضب احد على احد، ومن يغضب على اخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم، ومن قال لاخيه يا احمق يستوجب نار جهنم…”

هذه هى عظمة الرب يسوع المسيح الهنا

فما بال من يقتل ليس له حياة أبدية أي الى جهنم أي انه ليس مني ولايعرفني فهو ليس مسيحياً على الاطلاق.

لان المسيحى هو من يؤمن بكلام المسيح وينفذ وصاياه.

فقال يسوع لا تقتل.لا تزن.لا تسرق.لا تشهد بالزور. (مت 19: 18) هذه هى المسيحية بنصوصها التى يقول جهلة القوم انها تحرض على القتل كما تطالعنا مواقع تافهة بكتَّابها… تلتهي بالقشور ولاتفهم مضمون الانجيل…!!!

2 – لماذا تنهى المسيحية عن القتل؟

بصليب الرب نلنا الحياة الابدية
بصليب الرب نلنا الحياة الابدية

– كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس، وانتم تعلمون ان كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه. ( يو1 3:15) فالمسيح له المجد اتى برسالة عجيبة وفريدة وغريبة عن نوعها، لذا لم يصدقه العالم هو اتى ليموت على اداة العار وهي الصليب كما قيل: “ملعون كل من علق على خشبة”

يسوع له المجد اخذ هذه اللعنة ليرفعنا نحن من مجد إلى مجد، أتى ليرثي لضعفاتنا ويحررنا من عبودية إبليس، ونصيرمجدداً عبيداً لله الخالق. لذا فهو قد نهى عن القتل لانه اتى بحب الى العالم فاتحا ذراعيه فى الصليب مصالحا العالم مع ابيه السماوي… يسوع القائل “كل من يقبل الي لا اخرجه خارجا…”

هذا هو المسيح له كل المجد… فالمسيحية التي تتشرف باسمه، تنهي عن القتل ومثالها الاعدام لان كل قاتل ليس له حياة أبدية ثابتة أي لايرث ملكوت الله، ويسوع الذى قال “من يبغض اخاه فهو قاتل نفس…” فهو يحاسب على القلوب وما بها وليس على الافعال فهو تخطى الافعال المادية لانها ترجمة القلب والفكر الى العقل فهو بعلمه المطلق أدان مجرد التفكير فى الخطأ فهل يعقل ان المسيح الذى يقول هذا يتكلم عن القتل…؟!

3 – ما هو موقف المسيحية من القتل؟

– قال المسيح لبطرس حينما استل سيفه في بستان الزيتون مدافعاً عنه، وقطع اذن عبد رئيس الكهنة (مت 26: 52) فقال له يسوع:” يابطرس رد سيفك الى غمده، لان كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون.” واخذ اذن العبد ملخس هذا ووضعها في مكانها وبرأت فى الحال…

يسوع له المجد هو الهنا الطبيب الذي شفى الناس واقام الموتى وجبر بخواطر امهاتهم وهو الاله الحنون الذي لايقتل ولا يأمر بالقتل وليست عنده آيات للقتل ولا نسخ آيات للقتل كما يدعي المبغضون التافهون والتكفيريون الذين لايفقهون شيئاً من المحبة التي في الكتاب المقدس (وخاصة في هذه الآونة)، فيسوع اتى بشريعة الحب فاتحاً ذراعيه مصالحاً العالم كله بدمه على صليب آثامنا .

“فلما راى الذين حوله ما يكون قالوا يا رب أنضرب بالسيف…؟ وفعلاً وبتدبير وتصرف فردي قام واحد منهم هو بطرس وقد اخذته الغيرة فضرب اذن عبد رئيس الكهنة فقطعها.

فأجاب يسوع وقال: “دعوا اليَّ هذا.” ولمس اذنه وأبرأها…

هذا هو الرب يسوع فى محبته العجيبة للعالم، لقد أبرأ اذن عبد رئيس الكهنة وقال لبطرس:” رد سيفك الى غمده، من يأخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ.

“ولما استيقظ حارس السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة استل سيفه وكان مزمعاً ان يقتل نفسه ظاناً ان المسجونين قد هربوا. لكن بولس صاح عليه ومنعه…” (أع:16:27) لان قتل النفس فى المسيحة خطيئة كبيرة جداً فهي موجهة ضد الله الخالق القدوس.

فالمسيحية نادت بأبسط التعاليم وأثقلها على الخاطىْ فهى التى أدانت القتل وتجرأت ونادت ب”ان من ينظر الى اخيه باطلا يستوجب حكم المجمع…”

هذه هى المسيحية المتهمة الان، وفي كل آن، من البشرالخاطئين الكارهين لمحبتها، بأنها ديانة عنفية تحرض على القتل…

كمسيحي مؤمن لايعوزنى ان أبرهن على ان مسيحيتي هي ذاتها المحبة وهي مستمدة من ابن الله الخالق المحب الذي بذل نفسه على الصليب حباً بنا وهي تدين القتل”ان كل قاتل ليس له حياة ابدية ثابتة في المسيحية” وتحتاج الى كفارة وتوبة كما مر معنا في قانون مجمع انكيرا 314مسيحية، وما هي الا دليل كبير على ان المسيحية حرمت نهائياً قتل النفس ومثاله الحكم بالاعدام لا بحق ولابدون حق كما يدعى البعض.

4 – ماهو مصير القاتل ومثاله الاعدام برموزه( المشرع والقانون والقاضي والجلاد…؟

– حسد، قتل، سكر، بطر،عهر… وأمثال هذه في حكم الاعدام “إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله( غل 5: 21 ) (رؤ 13: 10) ان كان احد يجمع سبيا فالى السبي يذهب. وان كان احد يَقتل بالسيف فينبغي ان يُقتل بالسيف.هنا صبر القديسين وإيمانهم (رؤ 18: 24) وفيها وجد دم أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الارض.

موقف الكنائس من عقوبة الاعدام

الكنائس كلها تقف موقف شبه موحد من عقوبة الاعدام وخاصة منها

1-الكنيسة الارثوذكسية بعائلاتها (القسطنطينية والاسكندرية والانطاكية والاورشليمية واليونانية) مع بطريركيات الكنائس الروسية والصربية والسلافية والجورجية …(كما اوردنا اعلاه) ترفض الاعدام جملة وتفصيلاً، ومنذ براءة ميلان314 (وفيها انتصار للمسيحية بفضل قسطنطين الكبير) حيث تعتقد أن القتل أمر خاطئ في كل الظروف… وتعتمد مؤتمر انكيرا وتتبنى من نشأتها بالفطرة قضية حقوق الانسان وحقه في العيش وبكرامة.

2- كذلك تبعتها عائلة الكنيسة الشرقية ( القبطية والسريانية والارمنية والآشورية…) وموقفها متوائم مع موقف الكنيسة الارثوذكسية اعلاه.
3- الكنيسة الكاثوليكية،
وموقفها كالكنيسة الارثوذكسية، وقد اصدر البابا بنديكتوس السادس عشرفي حزيران 2004 مذكرة الى اساقفة الولايات المتحدةالتالي نصها:

 “لا تتمتع جميع القضايا الأخلاقية المرتبطة بالقتل بالأهمية نفسها التي تتمتع بها قضيتا الاجهاض والقتل الرحيم، قد يكون هناك تباين في مشروع الرأي حول شن الحروب وتطبيق عقوبة الاعدام .

ولكن ذلك غير صحيح فيما يتعلق بقضية الإجهاض والقتل.

كانت الكنيسة في ما مضى، تقبل بعقوبة الاعدام إتباعاً لدراسات القديس توما الأكويني الذي اعتبر “عقوبة الإعدام إجراءً رادعاً ، ولكن لايمكن استغلاله كوسيلة للثأر والانتقام…”

“…وفي انجيل الحياة ترى الكنيسة ان عقوبة الاعدام يجب تجنب تطبيقها مالم تكن الوسيلة الوحيدة لحماية المجتمع من المجرم الصادرة بحقه هذه العقوبة، وأنه بالنظر الى قانون العقوبات المستخدم حالياً فإن وجود موقف كهذا يتطلب الاعدام  ويعد شيئا نادر الحدوث او مستحيلاً.”

 كذلك، تتبنى التعاليم الشفهية للكنيسة الكاثوليكية موقفاً مشابها لذلك.

4- وكذلك الكنيسة البروتستانتية ( وتناسخ كنائسها بشكل يتيح تكاثرها بشكل غير مسبوق، وقد سجلت اليوم في الولايات المتحدة وجود اكثر من 700 طائفة تسمي نفسها “بروتستانتية” لكل منها رؤيتها بالنسبة لعقوبة الاعدام) وان كانت في أساس الاصلاح الديني لدى البروتستانت (المحتجون) على يد مارتن لوثر وكالفن تدافع في تعاليمها الى حد ما عن عقوبة الاعدام، وهي طريقة التفكير التقليدية التي تدافع عن تطبيق هذه العقوبة… كما ان اوجسبرج قد دافع بوضوح عن تطبيق هذه العقوبة. ولكن طوائف منهم عارضت إباحة تطبيق عقوبة الاعدام اعتماداً على “الموعظة على الجبل” بمبدأ اللاعنف ” من ضربك على خدك الأيمن الايمن فدر له الأيسر.”

الكنيستان الانكليكانية والاسقفية وهي من الكنائس البروتستانتية لهما موقف واضح من عقوبة الاعدام…

فقد ادان مؤتمر لامبيت لأساقفة هاتين الكنيستين عقوبة الاعدام في عام 1988

“… يحث الكنيسة التحدث علنا ضد … جميع الحكومات التي تمارس عقوبة الإعدام، وتشجيعها على البحث عن طرق بديلة لمحاكمة المخالفين بحيث يتم احترام الكرامة الإلهية لكل إنسان وفي نفس الوقت تطبيق العدالة…”

في الختام

نحن مع قضية بحاجة الى موقف جريء، فقضية حقوق الانسان قضية تكتنفها تعقيدات كبيرة. وبعيداً عن حقوق الانسان والديمقراطية وثنائية الممارسة والانتهاك لحقوق الانسان، وثنائية الانسان السياسي والانسان العادي، مع ملامسة اهم ثنائية في الموضوع “ثنائية التناقض بين الفكر والفعل” أو بين ” النظري والتطبيق”.

فالنظري الذي على الورق شيء، وانما التطبيق فهو شيء آخر. الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان هي أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وهي دول كاملة السيادة ومن حقها أن توقع او لاتوقع هذه الاتفاقيات، (وكذلك المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية كما بينا موقفها الرافض بقوة لعقوبة الاعدام في القسم الاول من بحثنا هنا) لا أحد يلزمها بذلك، ولكنها اذا وقعت وصادقت فمن المؤكد انها تلتزم. وتكون ملتزمة ببنود الاتفاقية الدولية فتُدخلها في تشريعاتها المحلية وتصبح قانوناً محلياً، وهنا تكمنُ مشكلةُ كل الذين مثلنا المدعوين للاهتمام بحقوق الانسان.

كيف يمكننا أن نقرب النظرية من التطبيق؟ ماذا نعمل لردم الهوة بينهما؟

هذه هي مساحة الكفاح والنضال من أجل تجسيد حقوق الانسان، ان نجعل النظرية التي على الورق تطبق في الواقع العملي، وهذا يستلزم قدراً كبيراً من تجرد الانسان فيعلو فوق مصالحه ونزواته الخاصة، فلا يكبر عقله في هذه الحالة، بل قلبه أي وجدانه، وبالتالي يناضل ويقدم التضحيات في سبيل تقريب النظرية من التطبيق، وهذا النضال يتطلب وضع خطط لمسيرة عملانية، علينا ان نتوقع في مسيرة هذا التطبيق انتكاسات، الا ان بعد كل انتكاسةٍ يأتي فرج، وحركة حقوق الانسان هي ليست استثناءً من منطق التاريخ.

اذن، القتل هو خطيئة قاتلة لنفس القاتل لأنها تلاشي الجوهر الذي سكب الله فيه صورته ومثاله.

حواشي

(1) أي مغادرة الكنيسة حيث لايحق لهم المشاركة في الصلوات مع المؤمنين.

مراجع البحث

– الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

– أضواء على عقوبة الاعدام ( المنظور المسيحي) الارشمندريت د. قيس صادق النشرة البطريركية لبطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس دمشق 2004العدد الثالث

– الأقباط متحدون/ القتل في المسيحية

-عقوبة الاعدام- ويكيبيديا الموسوعة الحرة


بين أنطاكيا ودمشق: ماذا حل بمدينة الله العظمى؟

$
0
0

بين أنطاكيا ودمشق: ماذا حل بمدينة الله العظمى؟

 10 أيار 2015 21:002446







المحور الأول


المحور الأول

غسان الشامي: مساء الخير.

انتقلت بطريركية الروم الأورثوذكس من أنطاكية إلى دمشق في غرّة القرن الرابع عشر الميلادي. وتنقّل السريان الأورثوذكس في بلاد الشام منذ القرن الحادي عشر الميلادي ثم استقرّوا في دمشق. وأنشأ مار مارون بطريركية أنطاكية المارونية في لبنان في غروب القرن الرابع. الأنطاكيّة اليوم ما هي؟ أين تكمن رموزيّتها؟ ما هو وهج هذه الأنطاكيّة؟ وهي في التقليد المسيحي مدينة الله العظمى، وفيها سُمّي أتباع الجليلي مسيحيين. في الأنطاكيّة، في حضورها، في سورية وموقعها من الأنطاكيّة وكنسيّتها، في دور العلمانيين في الكنيسة، نحاور من دمشق الباحث في تاريخ الكنيسة الدكتور جوزيف زيتون.

دكتور زيتون، أهلا بك في “أجراس المشرق”. هناك خمس بطريركيّات تحمل اسم أنطاكية، وهي خارج أنطاكية. فعليّا ما هو تاريخ هذه المدينة التي تتردّد في الذهن المسيحي كثيرا؟ وغادرتها أيضا هذه البطريركيّات ولا تزال تحمل اسمها. ما هو تاريخها؟

جوزيف زيتون: مدينة أنطاكية العظمى، كما تفضّلتم، كانت عاصمة ولاية الشرق كله، وكانت تدعى عين الشرق كله. لذلك، اتّجه إليها تلاميذ الرب يسوع مرورا بدمشق إلى أنطاكية. وهناك، كما تفضّلتم، أسّس بطرس الرسول مع بولس الرسول، وكلاهما من هامة التلاميذ، أسّسا الكرسي الأنطاكي المقدّس الذي لم يكن وقتها قد تشرذم كما وصّفتم الحال. في عام 42 تم تأسيس الكرسي. في عام 45 جلس بطرس الرسول كأوّل بطريرك على أنطاكية واستمرّ حتى العام 53 حين خلفه تلميذه أفوديوس في ما بعد. مدينة أنطاكية لأنه كانت فيها جالية يهودية كبيرة، كان توجّه التلاميذ بدايةً قبل أن يستبينوا أن البشارة يجب أن تتناول كل المسكونة، كانوا متّجهين نحو اليهود على أساس أنهم أكثر تقبلا لفكرة المخلّص المنتظر، مسيّا المنتظر. وكانت فيها جالية يهودية كبيرة. لذلك اتّجهوا نحوها. يهود الشتات كانوا ينظرون غير يهود الداخل الذين كانوا في فلسطين. الذين كانوا في فلسطين كانوا ينظرون على أن المسيح هو قائد عسكري سيخلّصهم من الرومان. بينما الذين كانوا في الشتات كانوا يتقبلون أن هذا جاء ليخلّص من الخطيئة. ولذلك، انتشرت المسيحية في مدينة أنطاكية العظمى من خلال هذا الوهج البشاري الذي تمثّل ببطرس وبولس ومتاهين وعدد من التلاميذ السبعين الذين حلّ عليهم الروح القدس. ولا تزال مغارة القديس بطرس في مدينة أنطاكية شاهدا حيّا على هذا التجمّع الذي كان يعيشه المسيحيون الأوائل في تلك المدينة التي فيها نال المسيحيون شرف هذه التسمية، ومنها انطلقت إلى كل العالم. بينما كانوا في البداية يلقَّبون بالناصريّين.

غسان الشامي: أو الجليليين.

جوزيف زيتون: أو الجليليين نسبة إلى أن المعلّم هو جليلي. هذه المدينة استمرت وزهت خصوصا بعد أن (…) طبعا ككل المدن وكل المناطق، تعرّض المسيحيون لاضطهادات عنيفة، حتى كانت براءة ميلان التي أطلقها قسطنطين الكبير.

غسان الشامي: في عام 313.

جوزيف زيتون: في عام 313 من مدينة ميلانو، أباح فيها حرّيّة التعبّد لكل أبناء الدولة الرومانية. وزاد على ذلك في ما بعد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير بأن جعل المسيحية الديانة الرسمية في الدولة وأبطل عبادة الوثن وصادر كل ممتلكات الأوثان من معابد وخلافه.

غسان الشامي: وسلّمها للمسيحيين.

جوزيف زيتون: وحُوّلت الأماكن إلى المسيحية. هنا تأسّست في مدينة أنطاكية مدرسة لاهوتيّة كبرى. هذه المدرسة تأثّرت بالفلسفة لأن الوجود الفلسفي اليوناني الإغريقي كان بسبب خلفيّتها كونها من مفرزات الهلنستيين، إذاً فيها الفلسفة اليونانية واختلطت مع التعاليم اللاهوتية الموجودة هناك. لذلك نجد أن في الكرسي الأنطاكي نشأت العديد من الشِيَع التي أثّرت فيها بشكل أو بآخر هذه الفلسفات.

غسان الشامي: وحصلت هذه الانشقاقات وهذه الرؤى داخل المسيحية.

جوزيف زيتون: تماما، تماما. بقي الأورثوذكس الوحيدون الذين يعتبرون أنفسهم مؤتمَنين على العقيدة القويمة أو المستقيمة الرأي.

غسان الشامي: أنطاكية بقيت عاصمة لسورية التاريخية والثقافية طيلة عشرة قرون.

جوزيف زيتون: بالتأكيد.

غسان الشامي: طيلة عشرة قرون في عمر التاريخ هو أمر كبير جدا. أين يتجلّى الآن إرثها الثقافي والروحي حاليا معاصَرةً في الأدبيّات السوريّة؟

جوزيف زيتون: في الأدبيات السورية بكل أسف لا يوجد أي حديث عن أنطاكية سوى أنها عاصمة اللواء السليب.

غسان الشامي: لواء الإسكندرون.

جوزيف زيتون: لواء الإسكندرون السليب. عشنا، أمضينا طفولتنا، وحتى الآن نحن نتغنّى بهذا اللواء السليب الذي سلخه الأتراك. إنما كأدبيات لا يوجد. نحن ندرس نضالات الرجال الذين وقفوا في وجه الاستلاب التركي لهذه المدينة ولهذا الإقليم ككل، ووقفوا في وجه الفرنسيين بدايةً. الكنيسة هي المرتبطة بكل طوائفها، بكل أسف أقول طوائف، الكنيسة بكل تشعّباتها، بكل ما ذكرتَ، هي مرتبطة بأنطاكية كرمز روحي. هناك نشأت، ومن هناك انتشرت، وكل منهم انتهج أو نحا منحى معيّنا. إنما كأدبيات، بكل أسف، لا يوجد إلّا البعض من الذين مرّوا عليها من القديسين كما قلت في ما يتعلق بالكنيسة. القديسون الأنطاكيون معروفون. كان لهم تاريخ. وجميعهم تتلمذ في هذه المدرسة اللاهوتية. منهم القديس يوحنا الذهبي الفم الذي تعرّض إلى ما تعرّض إليه عندما تولّى بطريركية القسطنطينية.

غسان الشامي: سأعود إلى مناقشة الأمر لأنه فعلا ضروري، أدبيات أنطاكية. بعد الفتح العربي منذ الدولة الأموية باتت دمشق عاصمة سورية ولم تعد أنطاكية. وأخذت دمشق كل هذه البيئة كمركز انطلاق ثقافي وروحي أيضا، إسلامي ومسيحي. ماذا أخذت دمشق من أنطاكية؟ فعليّا، ماذا بقي من أنطاكية في سورية؟ هي عاصمة سورية الأولى.

جوزيف زيتون: تماما.

غسان الشامي: ما الذي بقي في الذهن الشعبي حتى؟

جوزيف زيتون: عندما نتحدث عن سورية نتحدث عن أنطاكية إجمالا، بشكل عام. الكرسي الأنطاكي ولايته، كما تفضّلت، كانت تشتمل على كل هذه الرقعة الجغرافية، وجميعها تدعى الكرسي الأنطاكي. دمشق من الناحية الروحية تأتي تاليا بعد مدينة أنطاكية. نالت شرفا بدايةً من خلال تنصير بولس الرسول فيها، شاول المضطهِد، فحصل هذا الانقلاب على مشارف دمشق كما يقول الفرنسيون عنه الطريق إلى دمشق عندما غيّر من هذا المضطهد فجعله (.مسيحياً..) إذاً دمشق أدّت دورا في البداية وحتى عندما انتقل إليها الكرسي الأنطاكي المقدّس، أدّت دورا هائلا وخصوصا في المراحل الأولى بعملية التبشير والانطلاقة نحو المسكونة. أسقف مدينة دمشق يأتي بعد البطريرك في مدينة أنطاكية إجمالا. وكونها مدينة حصل فيها هذا الانقلاب لبولس الرسول فتعتبر في أدبياتنا الأنطاكية مدينة مقدّسة أي دمشق. وبقيت محافظة على هذا الشأن حتى وقتنا الحالي. والآن نعلو بصوتنا عن دمشق على أنها وريثة مدينة الله أنطاكية العظمى. لأنها مقدّسة ولأن البطاركة في يوم من الأيام قرّروا نقل الكرسي الأنطاكي المقدّس في عام 1344 إلى مدينة دمشق لأنها، كما أسلفت، هي المدينة الأقدس بعد ( اورشليم…)

غسان الشامي: وفي دمشق أول مطران للمسيحية هو القديس حنانيا.

جوزيف زيتون: تماما. طبعا حنانيا الرسول كان من التلاميذ السبعين الذين شهدوا معجزة الروح القدس. وهو جاء إلى فلسطين وكان الرب يسوع لا يزال على الأرض وشاهد المعجزات التي فعلها الرب يسوع وعاد ليؤسّس هذه المجموعة أو الطريقة المسيحية، الطريقة التابعة للمسيح، في مدينة دمشق، وأسّس أول جماعة مسيحية ورعاها وكان أول أساقفة دمشق كما تفضّلتم. واستمرت بسبعين أسقفا لمدينة دمشق إلى أن توحّدت مع البطريرك بلقب واحد.
أصبح بطريرك أنطاكية وأسقف مدينة دمشق في عام 1344 مع البطريرك اغناطيوس الثاني.

غسان الشامي: دمشق كانت عاصمة فينيقيا الثانية. الناس تظن أن فينيقيا هي فقط على الساحل. ولكن فينيقيا الثانية عاصمتها دمشق، وكانت تضمّ 23 أبرشيّة تابعة لها. هنا أريد أن أسأل ربطا بأنطاكية، وأنت قلت إن دمشق هي وريثة أنطاكية: هل فقط لهذا السبب، مع أن المسيحية كانت في حلب والمسيحية كانت في القدس، ولكن لماذا فعليّا لم ينتقل الكرسي البطريركي من أنطاكية إلى القدس على الرغم من رموزية القدس؟ ولكنه جاء إلى دمشق.

جوزيف زيتون: القدس هي المدينة الأقدس لأنها شهدت للرب يسوع، وهي أمّ الكنائس. ولذلك كانت فيها رئاسة أساقفة تحوّلت في ما بعد…الى بطريركية

غسان الشامي: بعد الـ451 أصبحت بطريركية. لم تكن بطريركية.

جوزيف زيتون: فالتركيب الأسقفي الذي حصل، التركيب البطريركي الذي حصل ما قبل الانشقاق الكبير وخروج روما عن الكنيسة الجامعة كان عبارة عن روما ثم الإسكندرية فأنطاكية فأورشليم، أربع بطريركيات. عندما أقام الإمبراطور قسطنطين مدينة القسطنطينية وأقيم فيها الكرسي القسطنطيني، البطريركية المسكونية، فهو أصبح.. جميع الأساقفة، جميع البطاركة هم متساوون في الرسامة وفي كل شيء. لكن هما المتقدّمان: بابا روما لأنه كرسي العاصمة الرومانية، وبطريرك القسطنطينية هو أيضا أصبح بعد سقوط مدينة روما في القرن الخامس بطريرك العاصمة.
فنفس الكرامة أخذها. إذاً، صارت لدينا خمس بطريركيات. نعود إلى القدس. القدس أورشليم فيها بطريركية، فكيف سينتقل إليها الكرسي الأنطاكي؟ لا سيما أن مدينة دمشق، كما تفضّلتم في بدء الحواريّة، هي كانت العاصمة.
فمن الطبيعي، إضافة إلى القدسية التي تمتّعت بها مدينة دمشق، وإضافة إلى المكانة التي كان يحظى بها أسقفها، فهو التالي المتقدّم بعد البطريرك الأنطاكي، هي كانت عاصمة المنطقة، عاصمة سورية. لذلك، من الطبيعي أن تنتقل إليها. لا يُنكِر المرء وجود جماعة كبرى في حلب، والدليل على ذلك هذا الكم من الأوقاف الموجود فيها.

غسان الشامي: وهناك فينيقيا الساحلية عاصمتها صور، وكانت جماعة كبيرة أيضا.

جوزيف زيتون: تماما. إنما في أدبيات تاريخ الكنيسة، كما أسلفت، لأن دمشق أيضا عاصمة بلاد الشام.

غسان الشامي: برأيك، هل أصبحت الأنطاكيّة، بين مزدوجين، بعد الظاهر بيبرس والتدمير الذي حصل سنة 1268 ومن ثم تيمورلنك ومن ثم المغول ومن ثم العثمانيون ثم الاحتلال التركي عام 1934، هل أصبحت الأنطاكيّة مجرّد لفظة ثقافية فقط؟

جوزيف زيتون: بكل أسف نعم. أصبحت الأنطاكيّة كأنّي أتغنّى بمدينة شهيدة، انتهى دورها. بكل أسف هذا هو الأمر. ما عدا، كما قلت في البداية، إن العاطفة جيّاشة نحو منطقة سليبة، وتُعتبَر هذه المنطقة من أجمل مناطق سورية ولها تاريخها وتراثها كمدينة عظمى. بكل أسف، هذا هو واقع المدينة. اليوم نحن نتغنّى بمدينة أنطاكية لأنها هي التي تجمعنا كأنطاكيّين. فيها شهدنا للمجد المسيحي طيلة القرون التي تحدّثت أنت عنها وهي العشرة قرون زاهية.
بقيت هي العاصمة. اليوم أشبّهها بالقسطنطينية الشهيدة أيضا بدورها والتي استشهدت، بالتالي الناس اليوم يعتبرون أن الكرسي المسكوني هو الأول في العالم الأورثوذكسي ولكن ليس له لا قوة ولا هذا الوضع التنفيذي العالي سوى أنه حالة شرفيّة ليس إلّا. والثانية كانت عبارة عن عاصمة للمجد الرومي المديد لمدّة عشرة قرون أيضا زاهية وسقطت بشكل مؤلم جدا.

غسان الشامي: الأنطاكيون الأورثوذكس وغير الأورثوذكس الذين انتقلوا من المشرق إلى أميركا.. ففي أميركا هناك انتشار للأنطاكيين. هل فقط مجرّد هذه الكلمة تجعلهم يرتبطون بهذه المنطقة من العالم؟ هل هي الرابط الوحيد مثلا؟

جوزيف زيتون: لا أبدا. في قناعتي، وكما قلت قبلا، أنا عندما أقول أنطاكية أقول سورية حكما، وسورية الطبيعية قبل تجزئتها بسكّين سايكس-بيكو. هؤلاء انتقلوا ونقلوا معهم إلى المهاجر والانتشار أبسط عاداتهم، وكانوا ولا يزالون، وتدلّ الأدبيات سواء كانوا شعراء وغيرهم من الكتّاب تدلّ على هذا التوق والحنين إلى مدينة أنطاكية كرمز كنسي وإلى الشام ككل لأنها هي مبعثهم إلى ذاك المكان البعيد وأسّسوا وعادوا وأنشأوا المؤسسات الخيرية والاستشفائية وكل ما هنالك. المغتربون الموجودون في الانتشار الأنطاكي واكبتهم الكنائس. وحتى إذا كان في أوقات حالكة لم يكن هناك إمكان لتنتقل الكنائس، وأتحدث تحديدا عن الولايات المتحدة الأميركية، كيف أنهم استقدموا الهواويني ليقيم الكنيسة.

غسان الشامي: الهواويني غير الهاون.

جوزيف زيتون: روفائيل هواويني. روفائيل هواويني كان مغضوبا عليه من البطريرك الأنطاكي اليوناني لمواقفه التي كانت عروبية. لم يعترف بالبطريرك الأنطاكي سبيريدون. فهذا الإنسان بقي في قازان في روسيا. هو درس هناك. درس في خالكي بدايةً ثم تابع دراسته في قازان. بقي هناك مجرّد مدرّس. الجالية السوريّة أو الإرساليّة السوريّة كما كانت تسمّي نفسها في ذلك الوقت كانت تضمّ عددا من الأغنياء.

غسان الشامي: استقدمته.

جوزيف زيتون: تريد كاهنا، فوجدوا أمامهم… هم كانوا تابعين للانتشار الروسي. كانت بطريركية موسكو هي التي تتولى الانتشار الأورثوذكسي بعد قمع الأتراك البطريركية المسكونية. فتولّت البطريركية الموسكوفيّة رعاية الانتشار الأورثوذكسي في كل أنحاء العالم.

غسان الشامي: ماذا بقي من التبدّيات الروحيّة من يوحنا فم الذهب الأنطاكي، من الفن المعماري الكنسي، من الموسيقى التي طلعت من أنطاكية في الذهن المشرقي حاليا؟

جوزيف زيتون: هي لم تخبُ. إنما إذا كانت الحياة العامة بأكملها خبت في عصر الانحطاط العثماني، لا تنسَ أربعة قرون مذلّة كانت وخصوصا في القرون الأخيرة، كانت حالة مذلّة جدا للمسيحيين عندما يُمنع المسيحي من أن يمرّ على الأرصفة ليسير في الطريق. فهي لم تنتهِ، إنما خبت نسبيا إلى أن بدأ مع البطريرك ملاتيوس الدوماني في عام 1899…

غسان الشامي: دوماني من دوما. هنا أو في لبنان؟

جوزيف زيتون: لا أعلم. لكنّي أقول نقطة مهمة جدا إن الغوطة بما فيها مدينة دوما كانت تغصّ بالمسيحيين.
اليوم الوجود المسيحي أصبح فيها وجودا رمزيا في مدينة عربين وفيها كنيسة حيّة على الرغم من قلّة عددها، ووجود تنامى في ما بعد عندما توسّعت مدينة حرستا، فيها وجود مسيحي. كان هناك في زملكة وجود مسيحي. في دوما كان هناك وجود مسيحي. ما يدلّ على هذا الوجود الكنى الموجودة. مثلا هناك كنية فليون وهي إشبين. وأنا أقول: ربما كان من دوما الغوطة.

غسان الشامي: إذاً اسمح لي أن نتوقف مع فاصل. أعزائي، فاصل، ولكن قبله سنقدّم لكم تقريرا عن أنطاكية، ثم نعود لمتابعة الحوار مع الدكتور جوزيف زيتون، الباحث في التاريخ الكنسي. انتظرونا إذا أحببتم الاستماع.

التقرير

لم تعد أنطاكية ثالث أكبر مدن العالم القديم ومسقط رأس المسيحية المسكونية ومدينة الله العظمى ومقرّ بطاركة المشرق وعاصمة سورية لألف عام موئلا للمسيحية. مذ أسّسها سلوكوس نيكاتورا عام 300 قبل الميلاد، شهدت أنطاكية ولادة ثقافات، وفيها أسّس بطرس كرسيّه سنة 36 وجعلها بولس وبرنابا قاعدة انطلاق للتبشير، وباتت مركز الصراعات اللاهوتية. امتلأت بالمدارس والكنائس والمسارح. ومنها البطريرك اغناطيوس ويوحنا الذهبي النطق. وتبعها في القرن الخامس 153 أسقفا، وامتدّت بطريركيّتها من جبال طوروس حتى حدود مصر. ولذلك سُمّيت ببطريركية أنطاكية وسائر المشرق.

غادرها بطاركة المشرق بعد احتلال الفرنجة وحلّوا في دمشق بعدما دمّرها المملوكي الظاهر بيبرص عام 1268 وتحوّلت إلى قرية منسيّة بعد استلاء العثمانيين عليها عام 1489 ونالت نصيبها من التتريك بعدما أهدتها فرنسا لتركيا عام 1939.

بقي المسيحيون في المدينة، لكن معالم مسيحية قديمة زالت. فكنيسة بطرس وبولس صارت للسياحة ونُزع الصليب عنها. وفي ريفها عشرات الكنائس الخربة، بينما أسماء الجبال والسهول والقرى حولها لا تزال تُفصح عن هويّتها الأنطاكيّة السوريّة.


المحور الثاني


المحور الثاني

غسان الشامي: أهلا بكم من جديد في “أجراس المشرق”.

دكتور زيتون، ماذا فعلت البطريركيّات الأنطاكيّة لاستعادة ولو بعض كنائسها في أنطاكية؟

جوزيف زيتون: مؤخرا كنت في حديث مع صاحب الغبطة البطريرك يوحنا عن أبرشيّاتنا الشهيدة في آسيا الصغرى، وهي أبرشيّات أنطاكية. لنا ثلاث أبرشيّات أنطاكيّة شهيدة هي أرض روم وماردين ديار بكر وكيليكيا. لا يزال بعض الوجود في كيليكيا المشمول برعاية لواء الإسكندرون برعاية المطران المغيّب بولس يازجي.

غسان الشامي: بولس يازجي، مطران حلب.

جوزيف زيتون: أي برعاية أبرشيّة حلب ومطران أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعها. لا تزال كيليكيا تابعة.. زرتها وزرت المناطق هذه بزيارة صاحب الغبطة المثلّث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع في عام 1992 بمناسبة مرور مئة سنة على آخر زيارة قام بها البطريرك ملاتيوس الدوماني الذي كنا نتحدث عنه. فلا يزال فيها وجود مسيحي يمارس طقوسه.

غسان الشامي: ماذا يفعلون لاستعادتها؟ الكنائس التي أصبحت أماكن أخرى، ماذا يفعلون؟

جوزيف زيتون: ليس من استعادة. فكنت في حديث مع صاحب الغبطة. تحدّثنا عن أبرشيّة أرض روم. فتَسمّى الأسقف الجديد الذي نُصّب أسقفا على أسقفيّة أرض روم، قيس صادق، فذهب، سمعت أنه ذهب إلى أبرشيّته أو التي تَسمّى عليها أسقفا فلم يجد أي شيء. بكل أسف، تعلم أن كل المناطق التي كانت فيها كنائس جميعها تحوّلت إمّا إلى مستودعات أو زرائب للحيوانات بأسف شديد جدا. ملاتيوس قطّيني، مطران ديار بكر، في عام 1928 زار أبرشيّته الشهيدة فوجد مقرّ المطرانيّة والكنيسة عبارة عن خان، ملحق به الكنيسة عبارة عن اسطبل.

غسان الشامي: كما كانت الكنيسة التي أصبحت متحفا في طرطوس.

جوزيف زيتون: تماما. الكنيسة التي أصبحت متحفا في طرطوس حصل نزاع عليها. فلذلك قرّرت الدولة…

غسان الشامي: لا، قبل. أنا أقصد أنها أصبحت كرنتينا في العهد الفرنسي، قبله في العهد العثماني كانت زريبة، للأسف.

جوزيف زيتون: تماما، تماما.

غسان الشامي: وفيها أول مذبح للسيدة العذراء.

جوزيف زيتون: تماما. وهذا الأمر اليوم تراه في القسم المحتلّ من قِبل تركيا في قبرص، ترى الكنائس هناك.
بينما بكل أسف ترى المساجد الموجودة في القسم اليوناني محافَظا عليها ولها قيّم وتراعى. لذلك لم يبقَ…
أحد الأصدقاء قال لي في يوم من الأيام، وهو باحث في الآثار، قال لي إنه وصل إلى قمّة الجبل الأقرع ونظر إلى المنطقة الممتدة إلى الحدود السوريّة.

غسان الشامي: أي فوق كسب.

جوزيف زيتون: تماما. إلى الحدود السورية. هناك كان في كل مرة يمرّ عليها قد يجد آثارا لدير. أنت تعرف كم كانت هناك من أديار. ازدهرت الرهبنة في هذه المنطقة وفي وادي العمق وفي جبال أنطاكية، بلمح البصر تُجرَّف للقضاء على كل ما يمتّ بأثر للمسيحية الأنطاكية الموجودة في تلك المنطقة.

غسان الشامي: أنا أريد أن أسألك هنا ما دام جئنا على ذكر أنطاكية وأسميتها الأسقفيّات الشهيدة. نحن الآن في ذكرى الإبادة، ذكرى المذابح التي حلّت بالأرمن والأشوريين والسريان. ولكن أيضا هناك أنطاكيّون ذُبحوا في هذه الإبادة لم يتكلّم عليهم أحد. وأنا أعرف أنك عملت في التوثيق الكنسي. هل يمكن إطلاع السادة الذين يشاهدوننا الآن على نوعية المذابح التي حصلت ضد الأنطاكيّين؟

جوزيف زيتون: منطقة آسيا الصغرى هي بالأساس من الوسط إلى الغرب بأغلبيتها يونانية مع مسيحية أورثوذكسية سوريّة، شاميّة بالمطلق. لذلك كانت الأبرشيات هي هناك تابعة للكرسي الأنطاكي. عندما بدأت المذابح بحق الإخوة الأرمن والسريان والأشوريين المعروفة باسم مذابح سيفو.

غسان الشامي: سيفو.

جوزيف زيتون: نعم. كان الأمر ذاته يحصل لليونان (البنطس ….) وبالتالي، لأن العقيدة واحدة مع المسيحيين الأورثوذكس عوملوا المعاملة نفسها. وكان القضاء، كما قلت، على هذه الأبرشيات التي كانت تتشكّل نصف نصف من مسيحيين سوريين، أنطاكيين، ومن يونانيين تابعين للكرسي الأنطاكي. لمَ سكتت المصادر؟

غسان الشامي: هل هناك أعداد؟ هل هناك أرقام؟

جوزيف زيتون: الأرقام التي وصلتني نحو مليونين ومئة ألف من الروم الأورثوذكس بشقّيهم اليوناني والسوري.

غسان الشامي: هذا أكثر من…

جوزيف زيتون: تماما.

غسان الشامي: ولكن اليونان يتكلّمون على ذلك، ولكن عن السوريين الأنطاكيين ليست لدينا أية أرقام. وهذه للمرة الأولى تقال على ما أعتقد.

جوزيف زيتون: تماما، تماما. حتى إن صاحب الغبطة سألني عن هذا الأمر، وأنا أتابع البحث لأصل إلى الأرقام الحقيقية والوثائق. أنا مؤخرا سمعت أن أرمينيا اعترفت بهذه المذابح التي جرت بحقّ…

غسان الشامي: هل هناك تحديد لأرقام الأنطاكيين السوريين؟ ولكن هو رقم ثابت للاثنين معا؟

جوزيف زيتون: ثابت للاثنين معا.

غسان الشامي: اليونان كم يقولون؟ كم لديهم؟ اليونان كم يقولون لديهم؟

جوزيف زيتون: هناك نحو مليون ونصف المليون.

غسان الشامي: إذاً هناك نحو مليون أنطاكي سوري ذُبحوا؟

جوزيف زيتون: تماما.

غسان الشامي: والتاريخ يسكت عنهم.

جوزيف زيتون: نعم.

غسان الشامي: لننتقل من المذابح إلى أمر آخر، وهو ضروري جدا. لنأتِ إلى المعاصرة. أنت أحد العلمانيين العاملين في الكنيسة.

جوزيف زيتون: نعم.

غسان الشامي: ما هو واقع العلمانيين في الكنيسة المعاصرة؟

جوزيف زيتون: في البداية علينا أن نعود قليلا إلى ما قبل الآن. هناك وجود علماني كان على نظام الطوائف المعمول من خلال المجالس المِلِيّة.

غسان الشامي: نظام المِلّة العثماني.

جوزيف زيتون: نظام الملّة العثماني. كانت هناك المجالس الملّيّة. كانت عبارة عن شبه برلمانات لهذه الطائفة.
طبعا نحن نرفض كلمة الطائفة، نقول كنيسة. والعلمانيون في ذاك الوقت كانوا مشاركين في انتخاب الكاهن وانتخاب الأسقف المطران وحتى انتخاب البطريرك.

غسان الشامي: في ذلك الوقت.

جوزيف زيتون: في ذاك الوقت. واستمر هذا الواقع حتى الأزمة الأنطاكية التي حصلت ما بين 1928 و1931 للكرسي الأنطاكي بين البطريركين أرسانيوس حدّاد مطران اللاذقية وألكساندروس طحّان مطران طرابلس.
وقتها، الأغلبية من مطارنة الكرسي كانت قد أيّدت المطران أرسانيوس بأحقّيّته، انتخبته. حصل الانتخاب في وقت واحد. أرسانيوس انتُخب في دير القدّيس جاورجيوس الحميراء في وادي النصارى، وألكساندروس انتُخب في مدينة دمشق في البطريركية. في الوقت ذاته حصل الانتخاب. هناك سبعة أو ثمانية مطارنة بمن فيهم المطران حدّاد انتخبوا المطران حدّاد بطريركا، وهنا في دمشق ثلاثة انتخبوا البطريرك طحّان مع العلمانيين.

غسان الشامي: ومن وقتها توقّف حضور العلمانيين في الانتخابات.

جوزيف زيتون: تماما. من وقتها توقّف الدور المعطى للعلمانيين. إنما لاحظ أن أبرشية نيويورك بموجب ما حصل…

غسان الشامي: لها قانون آخر. الأبرشية الأنطاكية في نيويورك لها قانون آخر.

جوزيف زيتون: هناك يوجد ترشيح شعبي. هناك تفاوت في القانون؛ مرة نطبّق القانون، ومرة لا نطبّق القانون.
يجب أن تكون هناك حداثة في القوانين. في تطبيق القانون يجب أن يتم انتخاب البطريرك، انتخاب ثلاثة من المطارنة يُجمع على ترشيحهم الشعب، ينتخب المجمع المقدّس بطريركا منهم، من هؤلاء الثلاثة.

غسان الشامي: إذاً، الإكليروس لم يترك مكانا للعلمانيين. مثلا، في كاثوليكوسيّة بيت كيليكيا للأرمن العلمانيون ينتخبون الكاثوليكوس، البطريرك في لبنان. هل أدّى هذا إلى أن يصبح العلمانيون في أنطاكية حالة تزيينيّة للكنيسة؟

جوزيف زيتون: لا، لا، بالتأكيد لا. الدليل على ذلك أن للعلماني دورا مهمّا جدا في كنيستنا الأنطاكيّة. ولنأخذ ذاك الإشعاع الذي نشأ مع حركة الشبيبة الأورثوذكسية التي اعترف بها المجمع المقدّس كإحدى أهم المؤسسات الشبابيّة التي تهتمّ بالشباب، وهي التي رفدت الكرسي الأنطاكي بعدد كبير، ولا تزال، من الإكليروس. بالعكس. ربما في ما يتعلق بموضوع انتخاب البطريرك أو الأساقفة كما كانت العادة دارجة، هذا أصبح غير شائع. إنما في بقيّة الأمور، من خلال المؤسسات والجمعيات والأخويّات وكل الدوائر، المؤسسة هي في كنيستنا الأورثوذكسية شاهد على تفعيل دور الكنيسة، ويقوم فيها الشعب. هنا العلمانيون يقومون بهذا الدور.

غسان الشامي: الجمعيات.. هل هناك مثلا هيئة استشاريّة من العلمانيين لدى البطريركيّة؟

جوزيف زيتون: هذه نسمّيها مجالس رعايا. مجالس الرعايا موجودة. بشكل أو بآخر موجودة، وحتى إن صاحب الغبطة يشكّل لجانا استشاريّة لمتابعة القضايا، ومن بينها كل ما يحصل اليوم في وقتنا الحالي كله من خلال لجان.

غسان الشامي: في الأزمة السوريّة الحالية من خلال لجان؟

جوزيف زيتون: نعم، نعم، تماما. وهناك لجان، لجان مالية، لجان إنشائية، لجان تراثية، لجان ثقافية، كلها الآن حاصلة.

غسان الشامي: نحن أمام حالة.. مثلا لنأخذ سورية، ليس فقط في الكنيسة الأنطاكية الأورثوذكسية، هناك الروم الملكيون الكاثوليك وبقية الكنائس موجودة في سورية. ولكن هذه الكنائس كانت لديها مدارس. في لبنان لديها مدارس ومستشفيات. هذه المدارس اختفت بالتدريج. هل هناك مطالبات بعودة هذه المدارس التي هي في الحقيقة تقدّم الخدمة التعليمية لكل الناس بغضّ النظر عن دياناتها. هل هناك مطالبات بأن تعود هذه المدارس من جديد على سبيل المثال؟

جوزيف زيتون: نحن في كرسيّنا الأنطاكي المقدّس مدارسنا لا تزال قائمة. مدارسنا موجودة. لدينا مدرسة الآسيّة وهي موجودة منذ عام 1635، وتُعتبَر من أقدم المدارس في الشرق. وأنا كتبت كتابا عنها. وحدّثها القدّيس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي، يوسف مهنّا الحدّاد الذي استشهد في أحداث 1860. وكنتَ سألتَ في ما يتعلق بالموسيقى وغيرها، هو أنشأ أيضا مدرسة عليا للموسقى تابعة للمدرسة هذه، وأيضا كانت تدرّس موادّ جامعية كأنها ست كلّيّات جامعية إضافة إلى أن المأمول كان أن تقام جامعة.

غسان الشامي: ولكنها الآن مجرّد مدرسة.

جوزيف زيتون: لكنها مدرسة كبيرة تضمّ خمسة آلاف طالب.

غسان الشامي: حتى الثانوي؟

جوزيف زيتون: طبعا. ولها فرع ثانٍ موجود في مدينة جرمانا حيث تجمّع كبير هناك ونحو ثلاثة آلاف طالب.
لدينا مدرسة القديس يوحنا الدمشقي أيضا في القصاع، مدرسة ابتدائية. هذه المدارس موجودة من أساسها ولا تزال إلى الآن موجودة. إنما كانت ثمة مدرسة للجالية اليونانية، حصلوا على ترخيص لها من المفوّض السامي الفرنسي في عام 1920، واستمرت موجودة حتى ما قبل عقدين تقريبا من الزمن وتوقّفت. المدارس الكاثوليكية لم تصادَر كلها أو لم توقَف كلها. بقيت هناك مدارس. على سبيل المثال: مدرسة الراهبات “البيزونسون”، مدرسة الرعاية الخاصة، لا تزال موجودة. إنما كانت هناك مطالبات لاسترجاعها. لا أعلم إلى أين وصل الأمر.

غسان الشامي: هذا يقودني أيضا إلى مناهج التعليم. في التعليم هناك تدريس للدين الإسلامي لوحده وللدين المسيحي لوحده. مصر الحالية أوقفت التدريس الديني وأقرّت مادّة الأخلاق. ألم يؤدِّ التدريس الديني المنفصل إلى عمليات انفصال داخل المجتمع؟ تدريس الديانات بشكلها المنفصل من دون تيسير بينها، ألم يؤدِّ…؟

جوزيف زيتون: المفروض أن يكون هناك تيسير لأن الدين هو مهذِّب للأخلاق. إنما إذا سُيّس هذا التعليم فبكل أسف تحصل ضغائن. أنا شخصيا من أنصار إلغاء مادة التربية الدينية من المدارس، وخصوصا في الشهادات إن كان الإعدادية أو الثانوية علامتها مُبعَدة عن المجموع العام للعلامات. أنا من أنصار إلغاء تعليم الدين، ومن نفس تيّار السيسي في عملية استبدالها بمادة الأخلاق.

غسان الشامي: برأيك، بعد هذه الأزمة الحاصلة في المجتمع في البنية السوريّة، هل من طريقة لإعادة النظر في قراءة التاريخ، بتعليم الدين، بإعادة ضخّ الشخصيات حتى المسيحية السورية؟ لماذا لا يُضخّ يوحنا فم الذهب؟ يوحنا الدمشقي؟ صفرونيوس؟ كل هؤلاء. هل من طريقة لإعادة زجّ هؤلاء وهم من إرث سورية في سياق العملية التدريسية في التاريخ …؟

جوزيف زيتون: برأيي أنه، إن شاء الله، عندما تنتهي حالة ذبح سورية، يجب إعادة الهيكلة في كل شيء في المجتمع وترميم.. نحن نحتاج إلى 20 سنة من العمل لترميم فقط الأجيال الصاعدة بعدما عاشت كل هذا الذي نشاهده من تدمير فكري ومنهج أخلاقي وتربوي في أفكار الأطفال والأحداث. على مستوى الدولة السورية اليوم يعاد النظر بعملية رعاية فاقدي الرعاية الوالديّة، اليوم على مستوى الدولة السورية حاليا، وعملية كيف ننظّف ما علق من هذه الآلام في أذهان الناشئة.

غسان الشامي: وأيضا، وفي آخر هذا الحوار، هناك مهندسون معماريّون سوريون ابتداءً من أبولودوروس الدمشقي حتى العظيم في الإعمار الكنسي ماركيانوس كيريس، جوليانوس، هذا النموذج المعماري الذي قدّم الحضارة السوريّة. سمّاها هوردو كروسبي بتلر “المعمار الوطني السوري”. هذا ألا يجب إعادة ضخّه مثلا؟ هل فكّرتم بذلك؟ هل قدّمتم دراسات؟

جوزيف زيتون: حتى الآن لا. إنما هنا أقول إنها تدرَّس في جامعة دمشق. هذا الفن المعماري يدرَّس ومن خلال هؤلاء الأعلام الذين تحدّثت عنهم.

غسان الشامي: هل موجود مثلا ماركيانوس كيريس الذي قدّم  (… … …؟ )

جوزيف زيتون: نعم، موجودون.

غسان الشامي: أنا أريد أن أشكرك جدا.

أعزائي، إن لم نتعلّم من وقائع التاريخ يصبح التاريخ حكايات وربما أساطير. فالتاريخ الذي لا يعظ المستقبل هو حكايات عنترة والمهلهل.

شكرا للدكتور جوزيف زيتون على حضوره في “أجراس المشرق” وتقديمه هذه الصورة عن الأنطاكيّة.
شكرا للزملاء في “الميادين”: نيكول كماتو وجهاد نخلة ويارة أبي حيدر وجمال حيدر على قرعهم معي أجراس المشرق من دمشق التي نتمنى لها كل الخير والأمان.
شكرا لكم على محبتكم ومتابعتكم واقتراحاتكم.

ودائما، سلام عليكم وسلام لكم.


أجراس المشرق

/


خربشات سياسية 28/8/2018البحث عن الهوية…

$
0
0

خربشات سياسية 28/8/2018
البحث عن الهوية…

كنا مع عبد الناصر نتغني بنشوة لا تقاربها نشوة…ونقول: بافتخار” دمشق قلب العروبة النابض.”… وواءمنا القول بالفعل وضحينا لأجل العروبة اقتصاداً وتنمية ودماء…
ولكننا اليوم ندرك ومع نزار نقول: “انا ياشام متعب بعروبتي…”
وأيدي ابناء العروبة تقطر دماً من دماء ابناء وطني سورية وقد ذبحوها من الوريد الى الوريد… ……وخسرنا الاستقرار و وصرنا مطرحاً لا معقولا للتهجير وهجرة الابناء وثلث الشعب السوري في تيه عالمي وفي المحيط وفي الداخل…
لذلك صار الواحد منا في سورية يجادل حتى مع نفسه… وليست فقط المناظرات والندوات الجماهيرية… وعلى الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب بل مع وسائل التواصل الاجتماعي ويسأل نفسه عن هويته هل هي سورية؟ أوهل هي عربية؟
وغالى الكثيرون ليخلعوا عنها ثوب العروبة وصار البعض يعيدنا الى تسمية آرام والآخر الى آثور وثالث الى آشور ورابع الى الآراميين وخامس الى السريان والسادس الى الاسلام والسابع الى الطائفة والمذهب، والكل يطالب بأن تكون سورية له وحده والدولة دولته طبعا عند المغالين أكثر…
وبرز بالمقابل تيار العروبة ومشاركة كل ابناء سورية في حضارتها الماضية والمرتقبة في هذا المخاض العسير…
الحق مع الكل نظرا لمافعله العربان بنا من ذبح وتنكيل وحرب كونية وأحضروا لنا المرتزقة الوهابيين والتكفيريين والحرب الكونية منذ ثمان سنوات ولاتزال… ودول الغرب تلغبص بأظافرها القذرة ووجود قواتها الاحتلالية مع تركيا في سورية… وتمويل سعودي وقطري بمئات المليارات…

لاشك ان البيئة لاعتبارات منها طائفية ومنها الفقر ومنها الفساد…وعدم تكافؤ الفرص وفقدان الحرية… كانت جاهزة لتكون حاضنة لهذه الفورة العهرة المسماة كذبا وزوراً وبهتاناً “ثورة الحرية والكرامة” وكما اسموها ثورة الربيع العربي وخاصة مفبركها الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي…
ولكن ثمة سؤال يفرض ذاته في هذه العجالة وهو
لا شك ان اي حديث عن الهوية في سورية يجب ان يسبقه الحديث بالتأكيد عن الحرية…
الحرية بكل مضامينها…

عندما تتحقق الحرية تنتفي كل المبررات عند كل من تنكر لسوريته، والكثيرون منهم ضعاف النفوس والانتماء ويبحثون عن ذريعة للنشوز…!
ولكنه سؤال حق ونحن في خضم الولادة الجديدة في سورية بمواجهة عدو كاره شرس يحول دون تلاحمنا لئلا ننتصر فيفشل مشروعه الصهيوني وصفقة القرن عدو وغد شرس يريد لنا التفتت والانهزام …

هل حققنا الحرية؟ لنتحدث عن الهوية… انا هويتي ناقصة…
لأبُسِّطْ الموضوع قليلاً وبالارتكاز الى الدستور السوري الذي اتخذ منذ ثلاث سنوات واقولها بصراحة وبساطة (يجب الغاء المادة الثالثة منه) وهي النص على دين رئيس الجمهورية وهو الاسلام…

متى كان الدين هو المعيار للوطنية وقيادة الوطن؟ لماذا هذا التمييز وكلنا سوريون وكلنا قدمنا الغالي والنفيس لسورية وهي أمنا، انا من عائلتي شهيدان… أخ وابن عم… وفقدنا الارزاق والاولاد وما أكثر من الأضرار… وغيري اكثر او اقل… لايهم  كله فداء عيون امنا سورية القديسة…لتبقى هويتنا سورية، لم لايحق للمسيحي ان يكون رئيساً للجمهورية هل ان هويته ناقصة بمجرد مسيحيته وهوية الشقيق المسلم مكتملة ذاك لايحق له ان يكون رئيساً وهذا يحق له والفيصل هو الدين…؟؟؟!!!
هل نحن في سورية الشمس ام في افغانستان وجبال تورا بورا… وفي الصومال وباكستان؟؟؟هل حكم الوطن يتم على الدين والطائفة والمذهب؟ كم ناضلنا وكم حكينا اثناء الاستفتاء وقتها ولكن لاحياة لمن تنادي…
يجب الغاء مادة التربية الدينية من المناهج ووقف المدارس الدينية والمعاهد وكل يوم تتناسل هذه المعاهد والدعاة وقال السيد وزير الاوقاف سعيداً ان لديه 85000 داعية سيدة تعلم في البيوت هذا طبعاً غير الدعاة الذكور وخطباء المساجد الذين يوغرون في لصدور حقداً ومقتاً طائفياً و…المّْ نتعظ …؟قبل 30 سنة قدمنا زهرة شباب وادمغة الوطن وضباطه بمجازر الاخوان المسلمين وهم اليوم أساس هذه الفورة ومنذ ثمان سنوات وأيديهم والاتراك والصهاينة ومملكة الرمال وقطرائيل واميركا وبريطانيا وفرنسا وحماس… مغمسة بدماء السوريين الابرياء من كل الأديان والطوائف…

هل محكوم على سورية انها في كل 30 سنة يجب ان تتعرض لسيف التكفير وتدخل على الخط كل قوى العدوان العالمي…

فهل حققنا الحرية لنتحدث بالهوية؟؟؟
وللمغالين… وكل يرى الحق في جانبه عن مستنده في التاريخ واللعب في التاريخ وتزييفه مدعياً بالقول ان الوثيقة كذا تقول… والمؤرخ فلان يقول كذا…وعمر كياننا كان كذا الف سنة…

اقول انا أعتز بتاريخ أمنا سورية اياً كانوا ابناءها من فينيقيين او كنعانيين او آراميين او سريان او يونان أوآثوريين وآشوريين وارمن وعرب واكراد… مسيحيين ومسلمين فالكل بنوا تاريخها وحضارتها والكل كانوا ابناء لهذه الام التي لولا صمود شعبها هذا بكل اطيافه التي ذكرت لما انتصر ابنها هذا الجيش الحبيب وهو الذي اليوم يغير المعادلة ليست فقط الشرق اوسطية بل حتى العالمية بصموده الأخاذ…. بدلاً من التغني فقط بتاريخ القوم والطائفة وادعائه بأن سورية ملك له ولقومه… وارضها ملك له ولقومه والباقي كمالة عدد…!!!اصبح الفكر داعشي بطرق اخرى…
وماعدا ذلك وهو الاهم ان امة لاتملك ماتفاخر به الا تاريخها دون حاضرها ومستقبلها وتقدمه فقط للعالم على انه ومضة حضارية هي فقط تنتج افلاساً مدقعاً وستبقي في آخر الامم والشعوب…
فكفانا القول ان سورية هي لفلان ولعلان…ول… سورية هي للكل وام الكل اياً كان تاريخهم…
سورية في المحصلة هي ولادة لهذاالشعب الخلاق بكل اطيافه واثنياته واديانه وطوائفه وهي هذا الجيش العظيم والمضحي … المدافع عن امه سورية…
سورية هي هي في كل ادوار تاريخها بكل اشكاله، وهي صانعة مجدها، وهي الحضارة والصمود والابداع وهنا مربط الفرس وهنا هويتها…

تحيا سورية
تحيا سورية

في زبدة الكلام

انا سوري وافتخر بسوريتي (بعيداً عن العنعنات الاثنية والتغني بالتاريخ والدين والطائفة…) وسورية هي حاضن للعروبة وافتخر بها… وافتخر بأنها قلب العروبة النابض ايضا…
ومن سورية انطلقت فكرة القومية العربية ومن قلب الاضطهاد العثماني لتصبح هي قلب العروبة النابض المضحي على اعواد مشانق 6 ايار 1916 ضد الاحتلال العثماني البغيض بعد قهر ومذابح واضطهاد اربعة قرون وقبلها قرون مملوكية ارذل منها… وضد الانتداب الفرنسي وضد الاحتلال البريطاني لفلسطين ضد سايكس بيكو ووعد بلفور وضد تهويد فلسطين وتتريك لواء الاسكندرون وكيليكيا وكل وطني في آسيا الصغرى…
سورية هي ترس الامة وسيفها… ولو كانت كل امة العربان لاتدانيها شرفاً ومجداً
تحيا سورية…

الأسقف ميخائيل خلوف 1890- 1965

$
0
0

مقدمة واجبة:

علم من اعلام انطاكية العظمى المجهولين عند معظم الناس رغم خدمته الطويلة وجهاداته الحارة النقية لمن اختاره راعيا لخراف كنيسته…
ورد ذكره في وثائق أبرشيات الإغتراب الانطاكي في الاميركيتين (1)، ولما كنت (ولا ازال) اتصدى لكتابة تراجم أعلامنا (وخاصة الذين خدموا الإغتراب والشتات الأنطاكي وعنصرته في المقلب الآخر من العالم) في مجلة “النشرة البطريركية” منذ إحداثها عام 1992 لتعريف ابناء الكرسي الانطاكي عنهم فقد حاولت جاهداً مع هذا العلم فلم اجد مايساعدني لكتابة سيرته، ولا سيما انه تنقل بين اميركا الجنوبية مؤسساً للرعايا وانتقل مؤقتاً الى اميركا الشمالية.
الآن وبعد كل ذلك الوقت الذي مر، وبعدما استكملت سيرته بحدها الادنى حان الوقت لتعريف أبناء البيعة الانطاكية، وخاصة كنائس الاغتراب التي خدمها سواء في زاويتي في النشرة البطريركية “أعلام ارثوذكسيون” او في موقعي هنا راجياً ان اكون قد وُفقت في سعي الطويل لتكريمه وتكريم غيره من أعلامناوليتعرف ابن الكنيسة والوطن على هؤلاء الابرار.
استعنت اساساً بكتيب وضعه وطبعه وهو بعنوان “كيف صرت راعياً”(2)
يحلو لي في بداية مقالي عنه أن أُدرج في مقالي عنه توصيفه هو لقريته “بملكة” ولبيوت القرية ومنها بيت العائلة الريفي البسيط الذي ولد فيه علمنا وعاش فيه طفولته(3)
وصف بملكه وموقعها وبيوتها
“في تلك القرية الجميلة الموقع التي تبعد عن مدينة طرطوس نحو ثمانية اميال وتقع على هضبة تعلو عن سطح البحر 400م، وكانت كل بيوتها وقتئذ من حجارة بسيطة وطين، خالية من الشبابيك ماعدا خمسة اوستة بيوت.
وكان للبيت باب في غاية البساطة يسمح للهواء بما فيه من الخروق والشقوق ان يدخل الى البيت ليلا ونهارا ولو كان مغلقا.
في نصف البيت موقدة للنار يلتف حولها اهل البيوت وضيوفهم اتقاء للبرد في فصل الشتاء الذي لايطول كثيرا ولايقسو كثيرا. وفي السقف فوق الموقدة كوة يسمونها الروزنة./
من هذه الروزنة يخرج دخان النار ومنها يدخل الهواء النقي الى البيت ويتحد مع الهواء الذي يدخل من شقوق الباب فيجعل البيت دائماً مشبعاً بالاوكسيجين الضروري للحياة.
وكان البيت كناية عن ثلاثة أقسام تحت الحفة، وفوق الحفة، والجوانية.
اما تحت الحفة فهو كما يدل اسمه أوطى من القسم الثاني بنحو ثمانية أنوثة (نحو 20 سم) وفيه يخلع أهل البيت والزوار أحذيتهم كما يخلع الغربيون “كالوشاتهم” في الهال اوفي مقدمة البيت، وهو يستعمل أيضاً لأغراض أخرى.
أما فوق الحفة فهو أهم قسم في البيت ويستعمل لأهم الأشياء والأشغال التي تحتاجها العائلة أي للجلوس ولاستقبال الضيوف وللطبخ (في الشتاء) ولتناول الطعام، والمطالعة والخياطة والسهر، وأيضاً للمنامة. اما الجوانية وتسمى ايضاً “بيت المونة” فهي القسم المخصص لحفظ الحبوب والطحين والزيت والسمن والخبز واللبن وغير ذلك من متطلبات المعيشة. ويفصل الجوانية عن قسم فوق الحفة صف من الخلايا المصنوعة من الطين الأبيض وهي تشبه البراميل الكبيرة ولكنها غير مستديرة بل مفلطحة تقريباً. وفيها يوضع الطحين والحبوب وما أشبه لأن كل عائلة تعجن لذاتها وتخبز تقريباً يومياً مايحتاجه اعضاؤها. وكان الناس في ذلك الوقت ينامون على بساط يُفرش على حصيرة مفرومشة على ارض فوق الحفة. وهو يتسع لأكثر من خمسة أشخاص يستلقون أحدهم بجانب الآخر. واذا كان سكان البيت اكثر من ذلك وهذا هو الأرجح في العائلة السورية في ذلك الوقت فالحاجة تدعو الى بساطين أو أكثر أما الأسِّرة فلم تكن توجد الا في بيوت قليلة جداً.
ويمكننا أن نقول بدون تردد ان تسهيلات المعيشة العصرية كانت مفقودة داخل بيوت بملكة وبيوت تلك الناحية وكل المنطقة.
ولا أبالغ (وهنا القول لعلمنا) إذا قلت انها كانت مفقودة في ذلك الوقت في معظم بيوت القرى السورية. على أن عقدة العقد ومشكلة المشاكل هي قلة الماء ولاسيما ماء الشرب الذي يصير قليلاً جداً في الصيف، اي عندما تعظم الحاجة له. والماء كما هو معلوم من أهم عناصر الحياة، وهو أهم من الطعام لأنك قد تمتنع عن تناول الطعام لسبب ما نحو اربعين يوماً(4) ولكنك لاتستطيع أن تستغني عن شرب الماء الا اياماً قليلة جداً. فمبلكة لم تكن محظوظة بالحصول على كل ماتريده من الماء بالسهولة الكافية أولا لأنه يشح في الصيف “كما ذكرت آنفاً” (على لسان علمنا في كتيبه) وثانياً لأن نبعيه بعيدان عن القرية فلم يكن من الهَّين على كل عائلة أن تستقي منه بالبحبوحة المشتهاة.
(في ختام فذلكتنا ومن كتيب علمنا المنوه به ومن كلامه…حيث يقول فيه)
“هكذا كانت بملكة في سني حداثة الكاتب. أما اليوم فقد أصبحت غير ما كانت عليه بفضل ابنائها الذين هاجروا الى العالم الجديد (اميركا الشماليةوالجنوبية) وجدوا فيه مجالاً حراً للعمل بالجد والنشاط فجنوا من أثمار اتعابهم ما أهلهم لن يعودوا الى بلدتهم بالمال الكافي لتشييد بيوت حديثة تحوي من التسهيلات العصرية مالذ وطاب…”
“… وكان لنا في هذه الأرض أشجار تين اشتهرت بلذة أثمارها وكبر حجمها ومنها الجنس المسمى بالغرزاوي ولكنها لسوء الحظ أصابها بعد هجرتنا مايصيب كل رزق متروك. وقد أخنى عليها الدهر فاندثرت تماماً.
اما النعمة الدائمة التي من الله بها على بملكه فهي جودة المناخ وحسن الموقع. فقد حباها الله مناخاً صحياً جميلاً ومناظر خلابة تبعث في النفس انشراحاً عظيماً. فاذا تطلعت منها الى الغرب رأيت مدينة طرطوس الجاثمة على شاطيء البحر المتوسط وهو يلاطم صخورها بدون هوادة ويرتد عنها كليلاً.
ورأيت أيضاً جزيرة أرواد(5) وهي رابضة قبالة طرطوس في البحر تهزأ بتهديدات أمواجه التي تثور غضبى أحياناً وتحاول أن تمحو تلك الجزيرة الصغيرة من الوجود فلم تستطع بالرغم من مرور أجيال كثيرة جداً على تلك المحاولة، فقد غرقت، واختفت جزيرة اتلانتا، ولم يبق لها من أثر كما اختفى غيرها. واما هذه الجزيرة الصغيرة أرواد فلا تزال ثابتة ولايزال المؤرخون يأتون على ذكرها في حوادث هامة.
وقد ذُكرت ايضاً مراراً في أقدم كتب العهد القديم (التوراة) مما يشهد لها أنها عريقة جداً في القدم.
واذا تطلعت منها (أي من بملكه) نحو الجنوب الغربي صباحاً او عصارى النهار أو قبل الغروب أمكنك أن ترى بكل وضوح طرابلس والمينا وماحولهما والمسافة لاتقل عن 38 ميلاً. واذا تطلعت جنوباً رأيت سلسلة طويلة من جبال لبنان وبعضها يظل مكسواً بالثلج شتاءً وصيفاً والمسافة بين بملكه وتلك الجبال شاسعة. واذا تطلعت الى الشرق رأيت “قلعة الخوابي” الفريدة من نوعها و”قلعة الحصن” الشهيرة. واذا تطلعت الى الشمال أمكنك أن ترى سلسلة طويلة من الجبال حتى مدينة اللاذقية وهي تبعد عن “بملكه” أكثر من خمسين ميلاً. ويمكنك أن ترى من “بملكة” البواخر التي تمر بالقرب من أرواد ان كانت مسافرة شمالاً وجنوباً. كما انك ترى بنفس السهولة سفناً كثيرة شراعية تصطاد السمك والاسفنج وغيرذلك.
(انتهى الاقتباس)…
السيرة الذاتية
ولد علمنا في 20 تموز سنة 1890 في قرية “بملكة” في محافظة طرطوس وهو ابن اسرة ريفية فقيرة جداً، ولكنها كانت غنية بما لايقاس بإيمانها الأرثوذكسي الحار والنقي الذي كان بدون حدود…حتى انها كانت تصوم الصوم الكبير المقدس كله على الماء فقط.
والده سليمان خلوف ووالدته ابنة الخوري سليمان المعروف في كل أنحاء ريف طرطوس بتقواه وشدة تمسكه بالإيمان الأرثوذكسي وصوته النادر المثال في جماله واتقانه للترتيل الرومي.
كما هو معروف فانه بحسب العوائد كان يجب ان يتسمى الطفل المولود على إسم قديس اليوم اي على اسم “النبي الياس”، ولكن بما أن اسم ابيه كان الياس فلم يكن مسموحاً ان يعطى الاسم ذاته بالتالي ايضاً للإبن لذلك تسمى بإسم “رئيس الملائكة ميخائيل”، وكان الوالدان قد رُزقا قبله بأربع بنات وصبي هو “يوسف”، وكان علمنا هو الصبي الثاني في العائلة، ومع ذلك فقد لوحظ من الجميع مدى تعلق والده به وإيثاره على ابنه البكر يوسف، ويقول علمنا في سبب ذلك(6) ” كان سبب ذلك ان محبته لأخي كانت محبة محضة فحسب، أما محبته لي فكانت ممزوجة بالشفقة عليّ نظراً لما أُصبت به من ضيق التنفس النادر الهائل. ويظهر انه نوع من (الديسبنيا)…”
النذر
لما كانت والدته إبنة الكاهن سليمان مشهوراً في كل تلك الأنحاء بتقواه وشدة تمسكه بالإيمان الأرثوذكسي الحار، وكان عند الجميع يكفي لتثبيت الكلام بقسم بإسم الخوري سليمان، ولم يكن له صبيان وكانت أم علمنا هي بكر بناته، وعلى غاية من التدين والتقوى. فلما رأت ان ابنها ميخائيل مصاب بضيق التنفس بتلك الدرجة الهائلة، وخافت عليه من عاقبة وخيمة، عزمت ان تنذره لخدمة “دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي” في وادي النصارى مدة سنتين مجاناً إذا شفي من تلك العاهة. فخرجت ووقفت على عتبة البيت وكشفت عن رأسها حسب عوائد الشعب في ذلك الوقت، وبسطت ذراعيها نحو السماء، ونذرت نذرها… وكان هو التالي:
“يامار جرجس أرجوك أن تبتهل الى الله لكي يشفي ولدي الحبيب بصلواتك من هذه المصيبة التي حلت به، ونغصت عيشه وعيشنا، وانني أنذره أن يخدم ديرك سنتين مجاناً لوجه الله تعالى متى بلغ الثانية عشرة من عمره.”
ولكن الوالد عندما عرف بحقيقة النذرولخوفه على إبنه من أن يشغله رئيس الدير بأعمال غير مستحبة كراعي غنم مثلاً، ولكن بسبب تقواه وتربيته الدينية كغيره من أهل القرية في ذلك الزمان خاف أن يبقى النذر كما هو بدون ان يفيه فيما لو شفي، فكان عليه ان يحل النذر بطريقة قانونية دينية، فوقف في المكان ذاته الذي وقفت فيه زوجته ونذرت، وكشف بدوره عن رأسه، ورفع ذراعيه باسطاً اياهما نحو السماء، ثم قال :” يا مار جرجس ياقديس الله ليس لك أي حق عند ولدي الحبيب ميخائيل فليكن محلولاً من رباط النذر الذي نذرته أمه اليوم، فإن أردت أن تشفيه بصلوات بدون نذر وكان ذلك كرماً منك.
وهكذا حله أبوه من هذا الرباط فأراح ضميره، وأرضى عقيدته وقال لزوجته:” ميخائيل لن يرعى…”.
في هذا الجو الايماني الحار جداً لجهة والديه ولجهة جده الخوري سليمان نشأ علمنا…
ميخائيل يتيم الاب
توفي والده وكان لايزال بين الخامسة والسادسة من عمره، وكان عمراخيه الكبير التاسعة، وكان له إخوة أصغر منه لكن ليس من يستطيع أن يخلف أبيه في فلاحة الأرض وزراعتها واستثمار أرزاق العائلة كبقية أهل القرية، وكانت والدته تسلم الارض لبعض الأقارب والمعارف ليستغلوها ب”الحصة” او لقاء اعطائهم ثمر شجرة تين، أوشجرة زيتون من أرزاق الاسرة.
وكان الأولاد يساعدون الأم الارملة في قطاف مابقي لهم من أشجار الزيتون أو التين أو قطف ورق التوت لتربية دود القز، وغير ذلك من الأشغال التي يستطيعون القيام بها.
ميخائيل الصغير مدرساً
مارس التدريس بعد ان تلقى العلم في طفولته من عمر 8 سنوات الى 12 سنة في قرية “دويرطه” معاوناً لأخيه البكر المعلم يوسف بمساعي أخته الكبيرة ستوت المتزوجة من رجل متنفذ في بلدة ساعين، ثم وبمساعي أخته الثانية مريم انتقل مدرساً الى قرية “بغمليخ” وايضاً مساعداً لأخيه المعلم يوسف .
اللقاء بمطران اللاذقية
لما زار مطران اللاذقية ارسانيوس حداد بلدة “بملكة”، جاء ميخائيل اليها (وكان يساعد اخيه في التعليم بالقرية المجاورة)، جاء ليشاهد المطران وجاهياً وليتعرف كيف يكون المطران…
وصل المطران وحاشيته المرافقة ( الشماس الكسي حنا، والشماس افتيموس عفيش، والقواص ممتطين الخيول الأصيلة، يتقدمهم القواص فاستقبله جده الخوري سليمان بحلته الكهنوتية بالقرب من القرية حاملاً المبخرة يرافقه الخوري نقولا ومعهما جمع غفير من أهل القرية وبعضهم يحمل الصلبان والمراوح.
وكان ذلك اليوم سبت، وسيقدس في اليوم التالي الأحد.
في يوم الأحد دخل الولد ميخائيل الهيكل باكراً قبل دخول المطران ليخدم قندلفتاً مع جده الخوري سليمان، وكان هدفه الأساس مشاهدة المطران ارسانيوس وحلته الحبرية، وتاجه المرصع، وصولجانه… وكان يتخوف أن يطرده المطران من الهيكل.
بدأ شماسا المطران يلبسانه حلته الحبرية… واعطاه الولد ميخائيل عصاه الرعائية، ثم سلمه بعدئذ صولجانه ليحمله، فأدرك الطفل ميخائيل أنهم بحاجة له ولخدمته في الهيكل، وكان سعيداً انهم طلبوا منه أكثر من مرة ان يقدم له المبخرة ويعيدها الى الحامل، وكذا يحمل الشمعة وغير ذلك من الخدمات التي يقوم بها القندلفت في الهيكل عادة…
وكانت سعادته أن المطران نفسه عندما كان يفرغ من التبخير كان يسلمه صولجانه ليحمله…
في نهاية القداس، قال له المطران ارسانيوس حداد: “ياولد تعال الى هنا.” فاقترب الولد وبدأ الخوف من جديد يستحوذ عليه بعد كل هذه الطمأنينة التي عاشها يخدمه في الهيكل
” أتعرف أن تقرأ؟” فأجابه الولد ميخائيل انه متعلم هو وشقيقه يوسف وقد حفظ العلم كله، اي أنه حفظ المزامير والأكطويخس، والخط و الارقام الهندية و العمليات الحسابية مع جداول الضرب عند المعلم جرجس برهوم والقسمة، والقراءة المشكَّلة عندالمعلم ابراهيم البروتستانتي وانه الان يمارس التعليم في بعض القرى بمعية اخيه الأكبر وروى له ذلك.
عند وداع الرعية لمطرانها قام أبناء الرعية بتقبيل يمينه وطلب بركته كالعادة، ثم اصطف الاولاد، ولكن ميخائيل لم يقبل يد المطران كبقية الاولاد.
وهنا سأل المطران :” ابن من هذا الولد؟” فقالوا له ابن الياس خلوف، سأل المطران ان كان اهله يقبلوا ان يرسله الى اللاذقية ليضعه في مدرستها حيث رآه قابلاً للعلم. فأجابه القوم ان أباه متوفين وأن أمه تتولى تربيته وإخوته بعد ترملها، وانها ابنة الخوري سليمان الورع، والكل افتى بقناعته انها بالتاكيد لن تمانع، وبدأ أهل القرية يمدحون الولد ميخائيل، ويقولون أنه معلم بالرغم من صغر سنه، وقالوا أيضاً:” الولد ياسيدنا فهيم، وعاقل ومربى تربية تعجبك”.
فلما سمع المطران أن الخوري سليمان جده، اي انه ينتمي الى عائلة كهنوتية قال: طالما ان جده الخوري سليمان ارسلوه الى قرية “دوير طه” “لأني سأسافر اليوم الى هناك”.
قال له الناس انه مقيم في دوير طه مساعدا لأخيه في التعليم بمدرستها.
دراسته في اللاذقية
بعد المشاورة مع أمه وجده قبلا بسفره الى اللاذقية ليتعلم.
من دوير طه ارسله المطران الى قرية “متن عرنوق” وهناك سلمه الى رجل من قرية صايا كان منتخباً ليصير كاهناً في قريته. واعطاه المطران رسالة الى مدير المدرسة الروسية(7) يوصيه فيها الاعتناء به الى حين رجوعه ( المطران) من جولته الرعائية في ابرشيته.
سافرا سيراً على الأقدام الى جبلة، منها الى اللاذقية، حيث دخل فوراً مدرستها عام 1902 تحت عناية مديرها المعلم عيسى داود وفق توصية المطران، ولنباهته انهى صفوفها بسنتين.
في البلمند
في خريف 1904 ارسله المطران ارسانيوس الى دير البلمند مع خليل غريب شقيق تريفن غريب (المطران لاحقاً). لكن علمنا لم يكن همه الالتحاق بالكهنوت بل الاستزادة في التعلم لذا رجى المطران ارسانيوس ان يرسله الى اوربة الى احدى جامعاتها اللاهوتية ليحصل على شهادتها، وقد خدمه لقاء ذلك عدة سنوات بصفة سكرتير بدون أجر وهو شماس انجيلي تمت رسامته في ايلول سنة 1908.
الدراسة اللاهوتية في روسيا
اوفده معلمه للدراسة اللاهوتية العليا في اكاديمية قازان اللاهوتية في روسيا، وسافر يوم عيد رقاد السيدة في 15 آب 1912، ورافقه في ايفاده الدراسي الشماس اسكندر جحى من قرية بشمزين (الكورة) (مطران حمص لاحقاً) والشماس انطونيوس خوري من أنطاكية (صار استاذاً في جامعة دمشق).
درس بداية كمرحلة تمهيدية في السيمنار لمدة سنتين اللغة الروسية وبعض المواد اللاهوتية التي لاتدرس في البلمند.
ثم تابع في الاكاديمية الروحية حيث درس فيها اربع سنوات، وقدم اطروحة التخرج وكانت في “الدفاع عن الارثوذكسية” وقد نالها بتفوق بالرغم من كثافة اطروحات التخرج القيمة للخريجين، ولكن اطروحته هي التي كانت قد نالت هذا الاعتبار. ونصحت ادارة الاكاديمية الروحية ان تطبعها على حسابها وتوزعها على المبشرين اجمالا لتكون لهم عونا ومرجعا يستندون اليه في عملهم التبشيري
العودة الى الوطن
عاد من روسيا الى اللاذقية نهاية عام 1920 حيث عينه معلمه المطران ارسانيوس مديراً للمدرستين الارثوذكسيتين للصبيان والبنات مع توليه رعاية كل التلاميذ والتلميذات في المدرستين وشرطنه كاهناً في اول شباط 1921 وعاد راعياً…
ازدهرت المدرستان في عهده كما يشهد معاصروه، ثم رفعه الى رتبة ارشمندريت.
في الأرجنتين
ثم سافر الى الارجنتين/ كوردوبا في فترة الثلاثينات، وتولى الوكالة البطريركية ورئاسة الرعية الانطاكية المتنامية هناك.
يشهد عنه معاصروه انه كان راعياً بحق ليس للمهاجرين من الديار الشامية أبناء كنيسته فقط بل كل الرعايا ومن مختلف الكنائس حتى المسلمين مقتدياً بالراعي الصالح.
في تلك الفترة عكف على دراسة الطب بشكل ذاتي وكان همه علاج رعاياه وخاصة الفقيرة منها، ولولا قلة المادة لكان قد حقق حلمه باقامة مستشفى خيري لرعاياه، ولكنه لم يستطع ذلك وان كان حلمه الذي رافقه حتى آخر عمره.
سافر الى اميركا الشمالية عند احتدام الأزمة بين مطران سلفكياس جرمانوس شحادة الموجود هناك والذي كان يترأس الرعية المنتمية الى الكرسي الانطاكي، ورئيس الاساقفة افتيموس عفيش الذي كان قد رسمه عام 1933 مطران آلاسكا الروسي تابعاً للكنيسة الروسية خارج الحدود، وبعد قيام عفيش بالزواج وهو اسقف وتجريده طلب منه الفريق المشايع لروسيا ومطران آلاسكا ان يرسمه اسقفاً، الا انه لم يقبل بذلك.(8)
عاد الى الارجنتين مجدداً ليخدم فيها ويعود بعدها خادماً في رعية بوتيكا نويورك عام 1959.
اسقفيته
رسمه البطريرك ثيوذوسيوس ابو رجيلي اسقفاً عام 1960وسلمه رئاسة الرعية الأنطاكية كمعتمد بطريركي في جمهوريات اميركا الوسطى، وكان يتقل بين كل هذه الارجاء، زائراً ابناء الوطن متعرفاً على احوالهم وهمومهم مواسياً ومعزياً ومشدداً لهم في اغترابهم، وكان نصير الفقراء خاصة، ساعياً بلا حساب وراء الرعية وجمع شملها…
فقام بتنظيم الامور ووضع الاساس لمشروع الابرشيات لاحقاً فأنشأ الرعايا في كل مكان يتواجد فيه الانطاكيون واقام لهم مجالس رعايا وجمعيات ومؤسسات…
رتب أمورالرعايا في كل جمهوريات اميركا الوسطى كما كان قد فعل قبلاً في كل الارجنتين وبالأخص كوردبا المقصد الرئيس للمهاجرين الانطاكيين. رعايا ومؤسسات وراسماً لهم كهنة نشر التعليم الارثوذكسي حيث بقي فيها مجاهداً في سبيل الكرسي الانطاكي في الانتشار حتى عام مطلع عام 1965
العودة نهائياً الى الوطن
تقاعد من منصبه كمعتمد بطريركي بداعي المرض، وعاد الى الوطن نتيجة الأمراض الكثيرة التي بات يعاني منها، واستقر نهائياً في قريته بملكة بعد ان خدم الإنتشار الانطاكي أكثر من ثلاثة عقود ونصف.
في بملكة صار بيته محجة للمؤمنين للكهنة ومطارنة الابرشيات ومنهم الاسقف اغناطيوس هزيم يزورونه للاطمئنان.
انتقاله الى الأخدار السماوية
وعندما ساءت حالته نقل الى المستشفى وهناك فاضت روحه الطاهرة الى بارئها في 3تموز 1965 عن عمر يناهز 75 سنة.
جرى له ماتم حافل في بملكة برئاسة مطران عكار ابيفانيوس زائد ومطران حمص الكسندروس جحى (رفيقه دراسته اللاهوتية في قازان) بتكليف من البطريرك ثيوذوسيوس السادس وبمشاركة عدد كبير من الاكليروس.
استقبل اهل بلدته الجثمان استقبالاً لائقاً وشيعوه من مدخل البلدة وحتى الكنيسة مرفوعاً على الأكف…
ابنه المطران ابيفانيوس بكلمات رقيقة اوفاه بها حقه، ثم وبموجب وصيته دفن تحت الكنيسة.
صفاته وآثاره المطبوعة
تميز علمنا بالهدوء والتقى والورع والتفاني بدون حدود في سبيل الرسالة المسيحية الارثوذكسية مجاهداً في الدفاع عن الارثوذكسية كما كانت اطروحته…
ترجم الى الاسبانية كتاب خدمة القداس الالهي لمنفعة كهنة اميركا الجنوبية وخدام الكنائس هناك.
كما الف كتاباً ضخماً موضوعه:”التطبيب في الصوم” اعتماداً على دراسته الطب على ذاته وقبلاً ممارسته مع الأهل ومنذ الطفولة الصوم الكبير فقط على الماء.
له كتيب “كيف صرت راعياً”
الخاتمة
نحن امام مجاهد حديث من مجاهدي كرسينا الانطاكي المقدس في الوطن والاغتراب خدمه دينياً وعلمياً ومعرفياً.
الاهم ان نذر والدته لما كان طفلاً صغيراً مريضاً بالخدمة سنتين مجاناً وبالرغم من ان والده وحرصا عليه قد احله من نذر امه ولكن الخدمة تحققت فقد خدم في دار مطرانية اللاذقية وهو ابن 12 سنة وكان النذر لو تم بحرفيته لكانت الخدمة في هذا السن في دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي ولسنتين اثنتين…
النذر تحقق بشكل اوبآخر منذ ذاك السن وحتى الرمق الأخير من حياته راعياً من التلمذة الى الشموسية فالكهنوت فالارشمندريتية وكيلاً بطريركياً وبعد مضي مدة طويلة في الخدمة وخاصة للفقراء رُسم اسقفاً ووكيلاً بطريركياً لأبرشية وضع لبنتها الاولى وهي جمهورية اميركا الوسطى…
هؤلاء القديسين المستترين تعذبوا كثيراً عبر تاريخهم الطويل الحافل بالرعاية الحقة فعلينا ان نذكرهم دوماً بالعرفان…
الحواشي
(1) الوثائق البطريركية التي كنت من 1987 والى الآن اقوم بتكشيفها وهي مستند تاريخ الكرسي الانطاكي في العصر الحديث.
(2) “كيف صرت راعياً” طباعة بوتيكا نويورك 1959 بقلم علمنا من القطع المتوسط ومؤلف من 64 صفحة، يحكي به عن سيرته الذاتية، وكان لما كتبه وطبعه وهو برتبة ارشمندريت…
(3) الارشمندريت ميخائيل خلوف “كيف صرت راعيا”
(4) ان (علمنا) يثبت صحة هذا الكلام بالخبرة فلقد صام هو نفسه سبعة وأربعين يوماً عن كل أنواع الطعام طبقاً لكتاب ترجمه عن اللغة الروسية الى العربية والاسبانية وقد اقتدى به كثيرون غيره …( المرجع السابق ذاته)
(5) وقد لعبت ارواد (وهو المرجع السابق ) في الحرب العالمية الأولى دوراً مهماً جداً. وقد كانت وقتئذ تحت الحكم العثماني البائد الذي اشتهر حكامه وأخصهم جمال باشا بالاستبداد والقساوة النادرة في معاملة الرعايا. فقد هلك خلق كثير من شراسة المعاملة والجوع والتشريد. ففضل بعض العرب الالتجاء الى حمى أجنبي على البقاء تحت حكم ليس عليه مسحة من الرحمة والشفقة. وكان الافرنسيون قتئذ قد احتلوا جزيرة ارواد. فصارت ملجأ أميناً للذين أستطاعوا أن يهربوا من الظلم الفاحش. حتى أن بعضهم قصدها سباحة على مافي ذلك من الخطر. ولاشك أن بعض هؤلاء قد غرقوا قبل أن يصلوا اليها.
(6) المصدر ذاتهز
(7) المدرسة التي فتحتها الجمعية الامبراطورية الفلسطينية – الروسية الارثوذكسية التي فتحتها وغيرها في ابرشية اللاذقية وكانت برعاية هذه الجمعية الرائدة بمساعي المطران السابق ملاتيوس الدوماني ( البطريرك) كان مديرها في اللاذقية عيسى داود من رام الله في فلسطين، وكان يقيم في دار مطرانية اللاذقية.
(8) الازمة في ابرشية اميركا الشمالية الأنطاكية بين الانتماء للكرسي الانطاكي او التبعية لبطريركية روسيا مابعد وفاة المطران القديس روفائيل هواويني والانقسام لثلاثة احزاب انطاكية واستمرار الازمة الى زمن المتروبوليت فيليبس صليبا ومن ثم توحيد الابرشية وقد صار مطران توليدو اوهاية ميخائيل شاهين معاوناً له في مطلع الثمانينات.

آداب الأكاليل والعمادات…

$
0
0

 

آداب الأكاليل والعمادات…

مما لاشك فيه ان الكنيسة هي فرح رعاياها ولكن مما لاشك فيه ان فرحها هو الاكليل، لأنه سر الزواج الالهي، والفرح الأكبر هو سر العماد بأسراره الالهية الثلاثة ( العماد والميرون والمناولة)

في الاكليل والعماد تفرح الكنيسة كلها اي الرعية بتأسيس اسرة مسيحية جمعها الله، لايفرقها انسان وفرح العماد بابن لهذه الاسرة هو غرسة ايمان وطهارة للكنيسة والوطن…

كما جرت العادة كان سرا الزواج والعماد يتمان في الكنيسة، لأن لبناء الكنيسة هيبتها مكملة لهذين السرين العظيمين ولهما هيبتهما وقدسيتهما، وكان سر الزواج يتم عادة في القداس الالهي اة بعد القداس الالهي، وكذلك العماد بحضور كل ابناء الرعية وسط فرح شامل بتأسيس عائلة جديدة، واضافة خروف جديد ناطق الى حظيرة المسيح.

وليس حفل الاكليل او العماد كسر مقدس يتم في الكنيسة، هو نفسه حفل الكوكتيل الذي يتبعه بكل اناقته، او ابتذاله. وليس مايفرض أن النادي او الفندق او المنتجع… الذي يتم فيه الكوكتيل نفسه مكان عرض الأزياء المغالية في قلة الحشمة، وهو امر يرتبط بالمرأة بصفتها القائدة لنصف المجتمع، والمرأة التقية محتشمة في كل مكان، في بيتها والمجتمع والكنيسة، وتعد قلة الاحتشام  هي تحرر من كل رادع اخلاقي ويجرد المرأة كصنيعة الهية جميلة من هذه الصفة الالهية.

وكمقارنة بين مجتمعنا المحافظ، والورع في الأصل، والمجتمعات الاوربية ومايميز الأخيرة في الغرب ان المرأة تظهر بالزي العاري في الحفلات فقط، وليس في المعابد او حتى في قصور الزواج ذات العراقة والاناقة، لذلك… وبالعودة إلى إتمام سر الزواج في الكنيسة الذي كان يتم قديماً في القداديس الالهية او بعدها مباشرة، فهذا يعني انه ليس فيه احتمال للتعري والعراء وقلة الاحتشام.

في الغرب تحديداً تحتج الحركات النسائية المعاصرة على الإعلانات التي تظهر المرأة في الاعلان عن أبسط المنتجات بحالة من العري في الشوارع والاذاعة والتلفزيون وحتى في النت…الخ وتعتبرها سلعة، وتغضب أن ينظر اليها كذلك.

ولكن على رأي الكنيسة ورجالاتها ومعهم نقول من ارغمها أن تجعل نفسها سلعة في الأكاليل والعمادات؟

للعيون حرمة، والعري اقتحام الآخرين في عفتهم، وفي هذا الشأن المحط من قدر أمنا وأختنا وزوجنا …المرأة نساعد العيون الجائعة على اقتحام عفتها…

في هذا نحن لانقلد الأوربيات في الأعراس، والحقيقة الناصعة انهن في اوربة صرن اكثر تأدباً واحتشاماً من المرأة لدينا، التي صارت تغالي في قلة الاحتشام وتتفانى في اظهار مفاتنها، وتسمح بدون قيود للعيون والنفوس ان تقتحم حشمتها التي صارت مبتذلة لدرجة الوضاعة، بعكس الغرب واوربة.

فاللباس في الكنيسة وقصر الزواج هناك يختلف عن لباس الحفلة والكوكتيل.

عندنا في مشرقنا عموماً وكنيستنا خاصة، يعد هذا تحرش في الرجال صارخ ومعيب، هذه المرأة الخارقة لكل القواعد ليست في الاكليل والعمادة اي في حالة الصلاة، والعرس هو صلاة والعمادة كذلك وليست لالتقاط الصور والعمادة هي اتمام لثلاثة اسرار الهية وبموجبها يصير المعتمد وفقاً لايماننا ابناً للملكوت، والملكوت يسيئه هذه الحالة المبتذلة لجسد المراة الذي صنعه الله.

العرس والعمادة ليسا مجرد احتفال دنيوي بل فرح الهي

هو فرح ايماني لذا فيه بركة واكليل وانجيل، ويجب ان يسبقه حضور العروسان قبل الاكليل القداس الالهي والمناولة، وفي العماد تقديس الماء وسر العماد وسرالميرون وسرالافخارستيا والانجيل.

الاشبين او العراب

الاشبين  في العماد هو المتعهد لهذا الطفل ليصيره انساناً كاملاً في الايمان، في حين ان معظم الاشابين لايفقهون معنى دورهم الروحي وحتى هم لايعرفون مجرد الصلاة الربانية، عندهم الاشبنة هي للفخر…أو واجب في العائلة… بينما الاشبين في الاكليل هو شاهد على الزواج وليس له من دور روحي له بين العروسين العاقلين الراشدين اللذين يجب ان يبادرا الى تأسيس اسرة مسيحية تفيد الكنيسة والوطن…

الاساءة الثانية لآداب الأكاليل والعمادات 

هي هذا الإكثار المزعج من التصوير الفوتوغرافي والمرئي…عبر جمهرة من المصورين يعيقون عمل الخدمة وينطون من مكان الى مكان على منصة العرس وحول المائدة بما في ذلك وبسبب من جهلهم لأبسط قواعد الايمان يدخلون ويخرجون الى الهيكل من الباب الملوكي… ويصبحون هم الآمر والناهي في كل الخدمة بأصوات مرتفعة تفرضها طبيعة العمل، والكاهن المكلل ينتظر تعليماتهم للعروسين ليتابع خدمته…لأن المصور هو مخرج مسرحية التصوير التي باتت تكلف مئات الالوف ان لم تكن الملايين من الليرات.

عدم احترام الموعد والتأخر هي الاساءة الثالثة

يبدأ الخلل في التأخير في مجيء العروس الى الكنيسة، ومعظمه، او كله، بأمر طاقم التصويربدأاً من الخروج من البيت متأخرين عن موعد الاكليل المحدد الى التجوال في الشوارع الى وقوف سيارة العروس وخاصة ان كانت مكشوفة كعرض واستعراض لكل من هب ودب في الطريق مع كل هذا اللباس الفاضح… والاكليروس ينتظرون في الكنيسة…

تأخيراً مبتذلاً للخدمة لالتقاط المزيد من الصور، ربع ساعة ونصف ساعة وأكثر، وهي إساءة الى الكنيسة كمفهوم روحي ودورها في الرعية، واساءة الى الاكليروس وخدم الكنيسة، فالكنيسة ليست دكاناً تجارية مشرعة الابواب كل اليوم والكاهن والمرتل والقندلفت هم مجرد عمال فيها، ورب قائل منهم بتهكم، ماذا يفعلون؟ وماذا وراءهم؟ وعم يقبضوا ثمن هالكام كلمة يقرأوها على مر الاجيال…!!!

هذا عيب شنيع فكلمة الله واسراره لاتقابل بالمال، وبغض النظر ان كان ثمة اعراس لاحقة، يجب احترام الموعد، والحضور الى الكنيسة،  ويستغرق دخول العروسين الكنيسة وفق تعليمات المصور عشرات الدقائق والاكليروس ينتظر، وبالرغم من كل التنبيه لانزال مع هذه القلة من الاحترام.

وهي إساءة في الوقت ذاته الى المدعوين الجالسين، ماقبل موعد الاكليل الذين ينتابهم الملل، فيحولون الكنيسة الى نادٍ للصراخ وإنشاء الاحاديث والقهقهة بصوت عالٍ ولف الرجل على الرجل والحديث باجهزة الخلوي متناسين انهم في كنيسة لها حرمتها مزينة بأيقوناتها الشاهدة على هذا الاسفاف… ويكثر صراخ الاطفال وتفتل الصبايا بلباسهن اللا محتشم بدون مبررجيئة وذهابا في طول الكنيسة وعرضها للاستعراض وبأيديهن الموبايلات وزجاجات الماء…

على منصة العرس في صحن الكنيسة وحول مائدة الاكليل كاميرات منصوبة منها العادي ومنها المرتفع ومثلها متحركة للفيديو والفوتوغراف، ويصبح كرسي الاسقف الثابت مطرحاً للكاميرات والعدسات ومنصات التصوير.

أثناء قراءة الانجيل المقدس، يوعز المصور للعروسين للالتفات اليه لتصوير اللقطات في حين يجب ان يكونا بأشد حالات الورع امام بركة الانجيل الذي يتلى…!

والويل لمن ينبه المصور الى أخطائه،  فلن يتوانى عن الرد بوقاحة والكلمة الاصغر “شو عم تعلمنا مانحنا ولاد الطائفة”

ينتهي العرس فتبدأ عاصفة التصفيق وهمروجات الزغاريد لنقع في فولكلور قبلات العروسين الفموية ونعيدها مراراً لالتقاط اللقطة الاجمل. ويطول انتظار الخروج من الكنيسة خاصة ان كان اكليل آخر وتحتاج الكنيسة الى تزيين جديد…

والكنيسة لاتحتاج الى تزيين فهي مزينة بأيقوناتها…

غير ان هدر آداب الاكليل تبدأ ببطاقات الدعوة التي ينفق عليها الكثير لجهة النوعية واستئجار خطاط والحبر الذهبي الغالي وما الى ذلك من انفاق عبثي لاضرورة له، ولاينتهي بماينفق على ورود كلفت في بعض الاعراس اكثر من مليوني ليرة سورية، نروراً بثياب مكلفة جداً ومعظمها شنيعة وبدون ذوق المهم ان تكشف ما أمكن من الاجساد سواء كانت تليق بهذه الاجساد او لا…

صارت تضاف الى هوبرة الاعراس المكلفة جداً عراضات خارجة عن تقاليدنا واعرافنا وروحانيتنا  آتية من مجتمعات متزمتة …! مع الطبل والزمر ورفع السيوف والاصوات المنفرة والعديات المرفوضة كنسياً…” صلوا على…”و”شنكليلة والله يعينه على هالليلة …” وبعض النساء بلباسهن غير المحتشم يرقصن سواء في مدخل بناية العروس… ثم في مدخل الكنيسة على تلك الانغام والعراضات المبتذلة. وعيون اصحاب العراضة تلتهمهن ونعرف مايقولون بعد العرس من كلام اقله قلة ادب بحق بناتنا… وهذه  ايضاً مكلفة بمئات الالوف من الليرات…

واخيراً تلك الحفلة المكلفة عند البعض…

واقل الرسوم هي هي رسوم الكنيسة، وهي التي تشكل مورداً يعيش منه الكهنة وكل خدم الكنية ومنها يتم ترميم وتحديث التجهيزات…ومع ذلك ينفق اهل العرس والعمادة بسخاء حاتمي على كل شيء ويغصون برسوم الكنيسة فهم يبلعون الجمل ويغصون بالبعوضة…

شهر عسل خرافي عند البعض، كله لإرضاء العروس والعائلة والتباهي امام المجتمع ان شهر العسل تم في جنوب شرق آسيا او اوروبة او تركيا او شرم الشيخ…والأقل في المنتجعات والفنادق المحلية…

مصاريف لافائدة منها، والناس جياع وخاصة والوطن ذبيح وملايين الضحايا…

المشكلة الناشئة كظاهرة عامة ان العروسين بعد كل هذا البذخ والانفاق، وعند اول الزواج وبهزة بسيطة بين العروسين لاختلاف الطباع في كثير من الأحيان يبدأ الصدام بين العروسين لأسباب شتى، ويتدخل فيه الاهل وقلما يعلو صوت المنطق والعقل، ويتدخل فيه الكاهن لاصلاح ذات البين في هذه العائلة المسيحية الجديدة والا وكما هو ملاحظ نراهم ومع وكلاء محامين لهم في ردهات المحاكم الروحية للفصل…ونحن ننسى ان ما جمعه الله لايفرقه انسان وهو سر الهي تم ببركة الكنيسة ومؤسسها الرب يسوع.

كلمة أخيرة

العرس خلوة إنسانية عميقة شرعها الخالق بين شخصين لعيش واحد يترك فيه الطرفان الاهل ويصيران جسداً واحداً، وليست عقد نكاح ولا متعة هو سر الهي مقدس ببركة الاكليل والانجيل…

العرس ليست مناسبة انفلاش في اللباس الغالي جداً، وخاصة المبتذل والعراء المتزايد، والفخفخة في الزينات والعراضات المنفرة والمرفوضة والولائم العامرة واستعراض سيارات والتصوير…

العرس ليس استعراض غنى أو جمال، مع كل هذا الاحترام لكل هذا الجمال المجمل بالنفخ ومبضع الجراح، والكل متشابهون في الشفاه والعيون والخدود…فتحية لمبضع الجراح وتحية له لما يأخذه من اجور تفوق الوصف، وانا اعرف سيدات وحتى بنات معوزات  اقترضوا لأجل التجميل علماً انهن على قدر محترم من الجمال…فقط هي غيرة من الغير…

سر الزواج هو جمال هذا الزواج كسر الهي:” انموا واكثروا واملأوا الارض”

جمال الله الذي جعلنا على صورته ومثاله…

علينا في العماد كاشابين تولي الطفل المعمود بالرعاية الروحية لينبت شتلة مؤمنة بكنيستها ووطنها والاشبنة ليست للتباهي بقدر ماهي واجب رعوي تعليمي لطفل علينا ان نتعهده بالايمان…

وعلينا في العرس كعروسين نلنا بركة الاكليل وهي اثمن البركات ان نرجع الى الله مبدع هذا السر في قانا الجليل بدون ضجة كما فعل هوبتحويله الماء الى خمر…في رجوعنا الى الله نقترن بالمسيح اكليل الكنيسة وتاجها.

 

 

 

 

خربشات سياسية…15 ايلول 2018

$
0
0

 

خربشات سياسية…15 ايلول 2018

  السؤال التالي: ماهو السر الذي يجعل روسيا هذه الدولة العظمى لتقاتل بكل قوتها الضاربة في سورية وتدافع عن هذه الدولة الصغيرة البعيدة جغرافيا عنها وتدعم وحدة اراضيها وتقدم الشهداء والجرحى واكلاف باهظة من خزينتها لمعركة عن الغير لاناقة لها فيها ولا جمل؟

 الجواب عند بعض السياسيين

– ان هذا القتال يجعل من روسيا وكأنها تخوض معركتها الوطنية معيدة الى الأذهان كفاحها في تاريخها ضد بونابرت وضد الدولة العثمانية وضد هتلر…

وكأننا مع بوتين يعيد تشكيل امبراطورية بطرس الأكبر…وامبراطورية الاتحاد السوفيتي بعظمته وهو الذي اسقط النازية والفاشية ودخل برلين…

الحق يقال انها حكاية هذه الحكاية الروسية في سورية هي من ذلك النوع من الحكايات التي تشد السامع  والناظر…فالجيش الروسي بكل امكاناته واسلحته والدبلوماسية الروسية بكل ضراوتها وهدوئها وبالرغم من كل العقوبات الاقتصادية  التي اوقعتها اميركا معلقة بها… والحروب الجانبية التي زجتها بها من الشيشان الى جورجيا الى اوكرايينا والقرم… ووصول الاطلسي بقواعده الى رومانيا وبلغاريا واوكرايينا و… اي الاحاطة بروسيا…

 روسيا تقاتل بضراوة كما لو أنها تستعيد لحظات معركة ستالينغراد بكل ضراوة في ادلب مع كل الحكمة الدبلوماسية وخاصة مع الغادر التركي…

محللون آخرون

 يقولون عن مبررات قرار روسيا بأنها اضطرت للخروج من سيبيريا للقتال في سورية، قبل ان تضطر لقتال الارهابيين داخل حدودها…وهي في حالة الضربة الاستباقية قبل ان تعاجلها الخطة الغربية باطلاق الوحوش الاسلامية داخل روسيا بعد ان تزنرها بحزام عملاق من الدول الاسلامية الفاشلة التي تصبح مصانع وقواعد واسعة لاطلاق موجات من الارهابيين نحو روسيا كما كان الحال مع الشيشان … وفي الواقع فقد تعرضت موسكو والكثير من مدنها الرئيسة الى هجمات ارهابية شيشانية اسلامية

 – محللون آخرون ايضاً

يسندونها على مبررات تاريخية عند روسيا فهي ومنذ الامبراطورة كاترين تعتبر سورية منطقة نفوذ تاريخية وحيوية وحصرية لها لن تسمح لأحد بالاستيلاء عليها…للوصول الى المياه الدافئة في المتوسط في معرض لعبة الأمم قبل قرون…

محللون يقولون بالبعد المسيحي الارثوذكسي

الذي يربط روسيا بمسيحيي الشرق عموما ًوأرثوذكس الكرسي الانطاكي الذي يدين له الروس بنشوء المسيحية فيها وعمادهم على يد المطران ميخائيل السوري ودور بطريرك انطاكية في قيام البطريركية الروسية في القرن 15 ودور روسيا في الاستشراق واقامة الجمعية الفلسطينية الروسية الارثوذكسية بمدارسها التي نشرتها في كل سورية الطبيعية ووقوفها الى جانب ارثوذكس الشرق في انطاكية وفي فلسطين لمنع البعثات التبشيرية من كثلكتهم بكل ماتعنيه سورية الطبيعية من حضور ارثوذكسي تعتبر روسيا الارثوذكسية ذاتها امتداداً طبيعياً له، فهي رومة الثالثة…بعد سقوط رومة الاولى بيد البرابرة الجرمان والغزو العثماني للقسطنطينية عاصمة المجد الرومي الارثوذكسي الزاهي لعشرة قرون متصلة. الآن دور روسيا رومة الثالثة في القيادة الارثوذكسية  العالمية وحماية الارثوذكس…

آخرون يأخذون البعد الاقتصادي

فيؤكدون ان سبب الحراك الروسي في سورية أنها تحمي خطوط غازها عبر الامساك بالعقدة السورية لنقل أنابيب النفط من الخليج الى اوربة…

والكثير الكثير من التحليلات والتأويلات واعمال القياس والتفسير التي حاولت ان تقارب الحالة التي تجعل روسيا تقاتل كما تقاتل الأم دفاعا عن ابنتها وحلت محل فرنسا في الشرق التي كانت تعتبر نفسها الأم الحنون للمسيحيين الشرقيين وبخاصة لبنان ولكون فرنسا قائدة الكاثوليك المشرقيين… فاذا بالام الحنون الفرنسية تترك الشرق ومسيحييه نهبا للاسلاميين والصهاينة والاميريكيين ينكلون بهم مع الارهابيين المسلمين عند كل عقدين او ثلاثة بعد طردها من سورية ولبنان… واذا بروسيا تندفع للدفاع عن الشرق كله بمسيحييه ومسلميه…

الواقع المنظور والملموس

الحقيقة ان كل هذه التحليلات قابلة للقبول، ولكن السلوك الروسي يدل على ان القضية أبعد كثيراً من أهداف آنية وقصيرة المدى ومناطق نفوذ…لكن واقع الحال يقول ان المعركة الحالية في سورية هي الفصل التالي للحرب الباردة بين السوفييت والغرب بعد أن استفاق الروس على حقيقة انهم خسروا معركة الحرب الباردة…

لذلك اندفعوا نحو الهجوم المعاكس في رد على أول مواجهة مع الأميريكيين في سورية… ورغم ان الرئيس بوتين يقول في خطابه للشعب الروسي انه لم يأخذهم في مغامرة من مغامرات الشيوعيين القدامى بل كان عليه ان يقاتل على اسوار دمشق كيلا يضطر الشعب الروسي للقتال على تخوم موسكو لأن دمشق هي خط دفاعه الحيوي والأخير…الا ان معركة فلاديمير بوتين في سورية كان قرارا في غاية الخطورة لأنه وضعه وجها لوجه مع أشرس عتاة الشر في العالم وفلاسفة الحروب من الغربيين ومن حلفائهم العرب الذين جندوا العالم الاسلامي وساقوه كالقطيع في مواجهة روسيا بكل مشاعره وطاقاته الارهابية وانضم الى الحفلة الماسونية العالمية اتحاد علماء المسلمين والحرم المكي والأزهر والاخوان المسلمون وورثة العثمانيين وكل ممثلي الحقب الاسلامية مجتمعين .. حتى ان الحج في احدى السنوات خصص الدعاء فيه على جبل عرفات يوم العيد لإهلاك روسيا التي “تقتل المسلمين في سورية”…ومع ذلك فان بوتين لم يتزحزح قيد شعرة عن تحالفه المتين مع الدولة السورية وثبت أكثر حتى عندما استهدفت طائراته المدنية كما في اكثر من دولة وفي داخل روسيا حتى اضافة الى استهداف طائراته العسكرية وكان ذلك في تهديد صريح له من انه سيدفع الثمن غالياً…وهذا كله لايفسره منطق المصالح الروسية وحده لان المساومات والعروض التي وضعت على طاولة بوتين تكاد لاتصدق وتحديداً من قطر في نظامها المخلوع ونظام تميم الحالي، ومحمد بن سلمان بالتحديد وغلامه الجبير مؤخراً  في روسيا ويسيل لها لعاب اي رجل يبحث عن المصالح والصفقات الكبرى… ولو كان ترامب لكان استكان وخضع وباع المبدأ…

بوتين طبعا ليس تحت تأثير لوبي سوري يعاكس اللوبي الصهيوني في أميركا…لكنه كان يتحدث أحيانا بانفعال وغضب وهو يدافع عن الموقف السوري ضد إملاءات الغرب مستندا في تبريراته الى انه يدافع عن الأخلاقيات والمبادئ البسيطة في السياسة من أن من حق الشعوب حصرياً حق تقرير مصيرها وشكل حكمها وليس للأمم المتحدة ولا للولايات المتحدة أي دور في ذلك ولايجوز ان يكون لها دور… بعدما اتضح دور الامم المتحدة الخانع لأميركا ومنظماتها الانسانية ومنظمة حظر السلاح الكيميائي …وهو في الحقيقة في موقفه وموقف وزير خارجيته لافروف وكل الطاقم الدبلوماسي والسياسي والعسكري  استندوا الى موقف أخلاقي صلب جدا في هذا…ولكن اللوبي الذي يحرك بوتين ليس سورياً طبعا وهو أكثر صلابة من أخلاقيات الموقف الظاهر.

بوتين يرى في معركة سورية من وجهة نظره كقائد عالمي يسعى لبناء مكانة روسيا كما كانت زمن الاتحاد السوفياتي، أنه يستأنف معركة قديمة مع أميركا العدو الأزلي لروسيا الذي لن يهدأ حتى تموت روسيا .. وهي ليست معركة ثأر بل هجوماً معاكساً تشنه روسيا بكل معنى الكلمة…ويهدف الى تحييد قوة اميركا كثيرا في المحيط الروسي،  أي تنظيف النطاق المحيط بالأمن الروسي، لأن أميركا لن تخرج من محيط روسيا الا بتحييدها في الشرق الاوسط أولا كي تتوقف عن حصار روسيا الذي حكينا عنه، لأن الشرق الأوسط  بثرواته وعمائم عروشه المحمية من اميركا هو نقطة ارتكاز أميركا الأقوى التي تستند اليها كل نقاط ارتكازها حول فضاء روسيا .. ولذلك لاشيء يعادل الهجوم المضاد في أقوى نقطة ارتكاز أميركية .. وهذه المعركة بدأت في سورية ولن تتوقف .. وادلب هي معركة صغيرة تلت معارك في الحرب الكبرى التي وضعتها روسيا في مشروعها الكبير الذي التقى مع المشروع السوري الايراني الكبير في بناء جدار مقاوم لأميركا ومن يتبعها…

اليوم وبعد ان عشنا هذا التجاذب الغربي في معركة سورية ومعركة شد الحبل في آخر متر في ادلب بين الغرب وبين الروس صارت الأمور تتبلور أكثر .. وهي ان روسيا تخوض في سورية واحدة من أهم معاركها التاريخية بعد معارك الحرب العالمية الثانية حتى آخر متر وهي معركة تحجيم قوة أميركا كليا في الشرق الاوسط والمحيط الروسي متكئة في ذلك على تحالف ايران وسورية اللتين التقطتا اللحظة الروسية المناسبة في توقيت دقيق جدا ومهم جدا لهما وتعملان مع روسيا بشكل يكمل كل منهما الآخر…

بالمقابل تستميت اميركا لافشال هذا التلاحم  في محاولة البقاء والتشبث بالشرق الأوسط الذي يتم دفعها خارجه بالتدريج…عبر ماتعده دوائر البنتاغون والصقور في الادارة الاميركية للتثبت في الشرق السوري وفي ادلب لأطول فترة ممكنة، وانتظار أي تحول في معادلات المنطقة المتغيرة… وعندها تتم العودة الى الخطط الاساس لأن الهدف لايتغير بل تتغير وسائل الوصول اليه وطرق التنفيذ وآلياتها والهدف هو تقسيم سورية الى كانتونات عرقية ودينية متباغضة ومتعادية وجميعها خاضعة لاسرائيل…

ولذلك فان القبول بالمماطلة مع الغرب وتركيا في تحرير ادلب ريثما تهيىء ظروف تتغير فيها معادلات ومعطيات الصراع، سيعني للسوريين وحلفائهم الروس والايرانيين ان كل ماانجز من تحرير في حلب والغوطة وتدمر والجنوب سيظل ناقصاً، وكأنه لم يتم. بل وماهو أهم من ذلك ستتعثر عملية إخراج الاميريكيين من الشرق السوري ومن التنف لأن ادلب ستشكل مسماراً ساماً بيد الاميركي وبدعم تركي يثبته بابقائها نقطة ملتهبة تقيح الجسد السوري المحيط، وترد على اي تحرك او ضغط لاسترداد الشرق السوري سلماً او حرباً… كما هو جيب داعش الباقي حول التنف والذي تم تحريكه نحو السويداء في توقيت ماحول معركة الجنوب ودرعا…أي ان جيب ادلب الكبير سيتم تحريكه باستفزازات ورسائل ضاغطة وابتزازبة اذا ما تحركت سورية وحلفاؤها في اي اتجاه لايريح اميركا واسرائيل، فهي بؤرة ابتزاز  سورية واقليمية ضاغطة… ستبقى كل سورية رهينة بسببها…

من هذا كله  ووفق آراء الاستراتيجيين.. نجد انه لامناص لروسيا قبل سورية من خوض معركة ادلب من أجل تعبيد الطريق نحو الفضاء الروسي النظيف والذي قد يتعرقل ببقاء مشروعها رهينة في ادلب وشرق سورية

ولذلك يجب الاستعداد لأي استماتة أميريكية لجعل التحرك نحو ادلب متعثرا ولكن في نفس الوقت يجب ألا نعطي تهديدات الغرب اي اعتبار هام يغير من عزمنا وتحركنا لأن الغرب يدرك ان معركة ادلب ليست معركة سورية فقط .. بل معركة في مشروع فضاء روسيا الحيوي… الذي تبنيه روسيا للقرن القادم… الذي سيعني لها الانطلاق نحو فضاء أوراسيا الذي من أجله تبني تحالفاتها مع الصين والهند وباكستان وايران وسورية والعراق…وبمعنى أخر يقوم الروس بعملية كنس ناعمة وخشنة معا وتدريجية للنفوذ الاميريكي في الفضاء الروسي .. وقد لايصدق البعض ان سورية -وبالتالي ادلب – هي في صلب هذا الفضاء لأن معركتها ستحدد عملية خروج ونزوح اميريكة كبرى من سورية ومن ثم العراق خلال السنوات القليلة القادمة…مما يجعل المعركة في ادلب صعبة ديبلوماسياً وسياسياً رغم انها عملية سهلة عسكريا لانها تستعد بحشود سورية هائلة وكثافة وازدحام للسلاح الروسي لم يسبق لها مثيل .. ستجعل مسلحي اميركا وتركيا هباء منثوراً

وكما يقولون العارفون بالسياسة الاميركية وموقفها من ادواتها بعد انتهاء دورهم انها لن تهتم بهم كثيراً ولن تفعل شيئاً لانقاذهم في المستقبل ستدرس التكتيكات والسلاح والذخائر الروسية المستعملة في اكاديمياتها العسكرية، لمعرفة تأثيراتها على أجسادهم وتحصيناتهم وحجم الخسائر التي ستسببها في الجسد الارهابي المسلح فهم فئران التجارب الاميريكية…فئران اسلامية للتجارب لكل مشاريع أميركاالمستقبلية وسيرتدون الى تركيا الحاضن الاساس والممول وهذا مايجعل تركيا من زعيمها الى كل معاونيه في هستيريا تدفعهم الى تهديد اوربة بنقلهم اليها والحكايات ستحكي عن الأسرار التي تحشد العالم على ارضنا وتتداول الأحداث .. وستؤرخ لكل شيء…

في الختام نقول

صحيح ان روسيا بكل قوتها هي الضامن لانتصار سورية وانتصارها هي ومحور المقاوم لكن الضامن الأكبر هو هذا الجيش السوري المناضل الذي تكرس خلال ثمان سنوات من النضال…

والنصر له…

من أساطير التاريخ الإسلامي…ثعبان يبتلع فيلاً وخليفةٌ تُعرض عليه أوربة مجاناً…

$
0
0

من أساطير التاريخ الإسلامي… ثعبان يبتلع فيلاً وخليفةٌ تُعرض عليه أوربة مجاناً…

لا ينكر أحدٌ أن الإمبراطوريات الإسلامية ظلت لقرونٍ هي الأقوى في العالم، بل كانت القوةَ الكونيةَ العظمى المسيطرة والوحيدة في أوقاتٍ كثيرة، إلا أن هذا الواقع القوي لم يكتفِ به المؤرخون المسلمون، ولجؤوا أحياناً لتضخيمه وإضفاء طابعٍ أسطوريٍّ عليه.

ربما تشير قصة الوفد الدبلوماسي الذي أرسلته الملكة “بيرتا” Bertha ابنة ملك إيطاليا لوثر الثاني، إلى الخليفة العباسي المكتفي عام (293هـ 906م) لطلب صداقته والزواج منه مثالاً على ذلك.

وصلت القصة إلينا عبر مصادرٍ مختلفةٍ، منها كتاب “الذخائر والتحف” للقاضي الرشيد بن الزبير، الذي كان أكثرَ المصادر تفصيلاً لها.

ويوضح كتاب القاضي الرشيد أن بيرتا بعثت رسالةً مكتوبةً على الحرير إلى المكتفي، نصُّها التالي:

 “بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله بسلطانه أيها الملك، الجيد العهد، القوي السلطان من كل أعدائك، وثبَّت لك ملكَك، وأدام سلامتَك، في بدنك ونفسك منذ الآن وإلى الأبد.

أنا برتا بنت الأوتاري، الملكة على جميع الفرنجيين، أقرأُ يا سيدي الملك عليك السلام. إنه جرتْ بيني وبين ملك أفريقية (تقصد دولة الأغالبة التي حكمت جزءاً كبيراً من شمال أفريقيا باسم الدولة العباسية) صداقةٌ لأني لم أكن أتوهم أن ملكاً يكون فوقُه، يملك الأرض إلى هذه الغاية.

إن مراكبي كانت خرجتْ فأخذتُ مراكب ملك أفريقية، وكان رئيسها خادماً له، يقال له “عليّ”، فأسرْتُه و150 رجلاً كانوا معه في 3 مراكب، وبقوا في مُلكي 7 سنين. ووجدته عاقلاً فهماً، فأعلمني أنكَ ملكٌ على جميع الملوك

وكان قد صار إلى مملكتي خلقٌ كثيرٌ، فلم يصدقْني منهم عنك إلا هذا الخادم الذي يحمل إليك كتابي هذا. وقد بعثتُ معه هدايا مما في بلدي، وجعلتها تكرمةً لك، واستجلاباً لمودتك”

هدايا الخلفاء الأسطورية

الهدايا التي أرسلتها بيرتا أسطوريةٌ، وربما بعضها لا يُصدَّق، وهي:

50سيفاً، 50 ترساً (درعاً)، 50 رمحاً فرنجيةً، 20 ثوباً منسوجةً بالذهب، 20 خادماً صقلبياً، 10 خصيانٍ، 20 جاريةً صقلبيةً، حساناً لطافاً، 10 أكلبٍ (كلاب) كبارٍ، لا يطيقها السبعُ ولا غيرُه، و7 بزاةٍ، و7 صقورٍ، ومضربٌ حريرٌ بجميع آلته.

ما سبقَ قد يكون عادياً، لكن العجيبَ من الهدايا كان 20 ثوباً معمولةً من صوفٍ يكون في صدفٍ يخرج من قصر البحر هناك (من وبرٍ مُستَخرجٍ من داخل محارٍ يوجد في أعماق البحر بدولة الفرنجة)، هذا القماش يحمل كلَّ ألوان قوس قزح، ويتلون بواحدٍ منها على مدار الساعة طوال اليوم.

العجيب أيضاً في الهدايا بحسب نصّ الكتاب: 3 أطيارٍ (طيور)، إذا نظرتْ إلى الطعام والشراب المسموم صاحتْ صياحاً منكراً وصفقتْ بأجنحتها حتى يعلمَ ذلك (أي تستطيع أن تخبرَ صاحبها بالأكل والشراب المسموم قبل أن يمدَّ يدَه إليه)، وخرزاً تجذب النصولَ والأزجةَ بعد بناءِ اللحم عليها بغير وجعٍ، (أي تستخدم في استخراج رؤوس السهام والحراب من الجسد دون ألم).

دخول أوربة مجاناً

نلتمس الجزء الأسطوري في القصة أيضاً، في المبالغة المفضوحُة حيث تقول الرسالة:

“…وعرَّفني (عليّ) أن بينكَ وبين ملك الروم المقيم بالقسطنطينية صداقةٌ، وأنا أوسعُ منه سلطاناً وأكثر جنوداً، لأن سلطاني على أربع وعشرين مملكةً، كل مملكةٍ لسانها مخالفٌ للسان المملكة التي تليها، وفي مملكتي روميةُ العظمى (روما) والحمد لله.

ما عرضتْهُ الملكة على المكتفي ربما مكَّنه من حُكم جزءٍ كبيرٍ من أوروبا، أو إذعانه هذا الجزء له على الأقل، وهو عرضٌ – إن صدق- لا يُرفَضُ، حيث تقول:

“وأنا أسأل الله العونَ على مصادقتك والصلحَ بيننا ما أحببتَ من السنين، فإن الأمرَ في ذلك إليك، والصلح شيءٌ لم يطلبه أحدٌ من أهل بيتي ولا قراباتي ولا جنسي قط. ولم يكن أحدٌ يخبرني عن جيوشك وكراماتِك التي أنت فيها على ما أخبرني به الآن هذا الخادم الذي أرسلتُ به إليك. فعليكَ يا سيدي في محبة الله أكثرُ السلام.

وأكتبُ إليك بصحتك وفي حوائجك في مملكتي وبلدي مع “عليّ” هذا الخادم، ولا تحبسه قِبَلك ليجيبني عنك، فإني متوقةٌ لموافاته. وقد حمّلته سراً يقوله لك إذا رأى وجهكَ وسمع كلامكَ، ليكون هذا السرُّ بيننا (تقصد الزواج منه)، لا أن يقفَ عليه أحدٌ غيرك وغيري وغير هذا الخادم. وعليك أكثرُ سلام الله وعلى جميع من معك، وكبتَ اللهُ عدوَّك وجعله وطءَ قدمِك. والسلام.”

ردّ المكتفي

استدعى الخليفة وزيرَه العباس بن الحسن، والمترجم حنين بن إسحاق، لترجمة الرسالة، وكتب الوزير رداً لبيرتا، لكنه لم يرُقْ للخليفة لخشونته، فطلب من الوزير أن يكتبَ رداً أكثر ليناً.. وجاء في الردّ أن الهدايا لم تصلْ إليه لأن “عليّ” خاف أن يصلَ خبرُه إلى “الأغالبة” فيعترضوه في الطريق ويسلبوه ما حمل

ثم أبدى لها ودَّه وتقديرَه لودِّها، لكنه أكد أن كلَّ الأمم والعظماء يسعون إليه ويرغبون في ودِّه، وهو يضع كلَّاً منهم في مكانته، وإنه يعلم مقدارَها أيضاً مقارنةً بما قالته عن مكانتها بالنسبة لإمبراطور بيزنطة، وأخبرها أنه أرسل رداً مع الخادم “عليّ” على السرّ (الزواج منه) الذي أرسلتْ به إليه، بحسب القاضي الرشيد.

بالطبع كانت فرصةً للمكتفي للسيطرة على وسط أوربة – إذا صدقَتْ القصة- لكن الواقع كان غيرَ ذلك، فمما يطعن في الرواية أن بيرتا في تاريخ إرسالِ البعثةِ المزعومة إلى المكتفي عام 906، كانت متزوجةً من أدلبرت من توسكانا، وفي نفس الفترة تزوج من قطر الندى ابنةِ خمارويه بن أحمد بن طولون، حاكمِ مصر، بحسب تاريخ الطبري. في هذا التوقيت كانت بيرتا تبلغ من العمر 47 عاماً، بينما كان المكتفي في عمر الـ27

أعدت الباحثة في التاريخ الإسلامي “آن كريستي

 Ann Christys” ورقة بحثية بعنوان “ملكة الفرنجة تقدم هدايا للخليفة المكتفي – The queen of the ،Franks offers gifts to the caliph al- تناولت فيها القصة بالتحليل، واتجهت لاعتبار القصة ملفقة.

بين قوة الإسلام وقوة التيجان

القصة يتم التعاملُ معها في التاريخ الإسلامي، كواحدةٍ من عشرات القصص التي يتم التفاخرُ فيها بمجد المسلمين وقوتهم ونسَبهم العربي وبالأحرى الهاشمي، في مواجهة الغرب الخاضع لهم، والذي تتحكم فيه نساءٌ “ذواتُ سمعةٍ سيئة”، ما يستند لفكرة “الرجولة” مقابل سيرة النساء، في معادلة تساوي الأولى بالقوة والعظمة، وتضع الثانية موضع الريبة.

ربما ساعدَ على رواج القصة “عربياً” سمعةُ بيرتا التي قدمت على أنها امرأة لعوب ماكرة ذات أصلٍ مشين، بمعايير القرون الوسطى، فقد كانت ابنةَ لوثر الثاني من إحدى محظياتِه، التي تزوجها عام 862، رغم أن بيرتا ربما ولدت قبل هذا التاريخ. وقد اعترضت تيتبيرغا زوجته الأولى على هذا الزواج، وألغى البابا نيقولاس الأول” الزواجَ وحرّمه، فصارت بيرتا ابنةَ زنى.”

عاشت بيرتا حتى عام 925 وظلَّت تتدخلُ في شؤون الحكم الإيطالية. وكان مألوفاً أن تمارسَ الملكة السلطة في إيطاليا نيابةً عن زوجها في غيابه. غير أن بيرتا أثارتِ استياءَ حاكم كاريمونا (شمال إيطاليا)، الذي عزا نفوذَها إلى “مكرِها، وعطاياها السخيةِ، وممارستِها الممتعةِ على سرير الزواج”.

في المصادر العربية التي تناقلت قصةَ “بيرتا

Bertha”

ورسالتَها إلى المكتفي، تظهر مرةً واحدةً باسم تورنا ومرة واحدة باسم تورتا

 “Turta” و “Turna”

وقد يكون من المهم أن هذا الأخيرَ قد يعني “الزانية” بالعربية.

لكن لا يبدو أن أصلَ أو سمعةَ بيرتا المريبة قد أضرّتْ بمستقبلها. فزوجها الأول كان ثيوبالد حاكمَ مقاطعة آرل الفرنسية، وولد لهما “هيو”، الذي صار ملكاً على إيطاليا. وبعد وفاة ثيوبالد عام 890م، تزوجت من أدلبرت الثاني، حاكمِ توسكانا وولد لهما 3 أطفالٍ آخرين.

وبعد وفاتِها بسبع سنواتٍ تلقى كهنةُ سانت مارتن في لوكا واحدةً من أكبرِ التبرعات التي تلقوها، من ابنها الملك هيو في ذكرى والديه. كما أشادت مرثيةُ بيرتا في الكنيسة بأصلها الكارولينجي، ودعمها لبلادها، بحسب كريستي…

هدايا الملكة ليست بجديدة... إليكم الأغرب

استعانت كريستي بمصادر عربية تعدد قصصاً أقربَ إلى الخيال، وجميعها تحكي عن حالةٍ أقربَ إلى التسابق بين الحُكام الأجانب، لإرسال غرائب وعجائب الهدايا لحكام المسلمين طمعاً في رضاهم.

من هذه القصص إرسالُ الملك الهندي “داهمي

بعثةً إلى الخليفة العباسي المأمون (813م-33)، ومعها من الهدايا “جاريةٌ يبلغ ارتفاعها سبعةَ أذرعٍ”، و”ثعبانٌ يمكنه ابتلاعُ الفيل، وكلُّ من يجلس على ظهره مدةَ سبعةِ أيامٍ يُعالَج من المرض.”

هدايا بيرتا تبدو هزيلةً أيضاً بمعايير “كتاب التحف والذخائر” بجانب ما أرسله أميرٌ متواضعٌ من خراسان إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله، حيث أرسل 120 صبياً من العبيد، قطعاً لا حصر لها من القماش، وأثاثاً كاملاً لخمسِ غرف، و1000 قطعةٍ من جلود حيوان السمور، و50 طائرَ سنقر، و300 جملٍ

في هدايا الملوك قد تكون الرسالةُ نفسها رائعةً وهديةً في حدِّ ذاتها “بحسب كتاب الذخائر”، كالرسالة التي بعثها رومانوس الأول إمبراطور بيزنطة إلى الخليفة العباسي الراضي بالله عام 938م، والتي وصفت بأنها مكتوبةٌ بنسختين إحداهما باليونانية (الرومية) وهذه كُتبَت بالذهب، والثانية ترجمةٌ عربيةٌ لها وكُتبَت بالفضة.

وأرسل رومانوس إلى الراضي بالله، أيضاً هدايا من الذهب والفضة والكريستال الصخري واللؤلؤ والأحجار الكريمة، في قائمةٍ تمتدُّ كتابتُها على 3 صفحاتٍ

لكن مهما كانت هدايا الحاكم الأجنبي رائعةً، يمكن للخليفة أن يتفوقَ عليهم دائماً بردٍّ مضادٍّ. وهكذا أجابَ الخليفة المأمون على الإمبراطور البيزنطي (غير المعروف) و”أرسل له هديةً أكبرَ من هداياه مائةَ مرة، حتى يدركَ مجدَ الإسلام والنعمةَ التي منحنا الله إياها عبرها”، بحسب كتاب “الذخائر والتحف”.

تأريخ وأدب

في “ألف ليلة وليلة”، نلاحظُ قصةَ ورود وفدٍ دبلوماسيٍّ بيزنطي إلى الملك المسلم “الخيالي” عمر النعمان، وفيها يُقبّلُ السفراءُ البيزنطيون الأرضَ أمام النعمان، ثم يسلمونه هدايا ملكهم.

الهدايا كانت 50 فتاةً بكراً من أرض اليونان، و50 مملوكاً ملفوفين في أقمصةٍ من الديباج، مشغولةٍ بالذهب والفضة، كل منهم يرتدي في أذنيه قرطاً من الذهب وزنه ألفَ مثقالٍ، وبه معلقاتٌ من اللؤلؤ الفاخر. كذلك تزينتِ الفتياتُ بطريقةٍ مماثلة، وكانوا يرتدون أشياءَ ثمنُها يعادلُ خزائناً من المال.

وهنا نلحظ تشابهاً بين تلك القصة الخيالية وبين السفاراتِ الدبلوماسيةِ إلى الحُكام المسلمين، والتي أوردها المؤرخون، كسفارةِ بيرتا إلى المكتفي.

العلاقة بين الأخبار والأدب معقدةٌ، والتمييز بينهما في الواقع غيرَ واضحٍ، فأحيانًا كانت تسقط الشخصياتُ التاريخيةُ على حكاياتٍ غيرِ معقولةٍ أو حتى خياليةٍ.

إشكالياتٌ حول كتاب “الذخائر

هناك شكوكٌ حول طريقةِ تأليف كتاب الذخائر نفسِه، فالمخطوطةُ التي أُخذ عنها، تحمل اسمَ الناسخِ ابن دقماق (تـ. 1406)، القائلِ إنه كان يستخدمُ نصاً جمعه معاصرُه العوضي (تـ. 1408)، الذي يعملُ في تركيا العثمانية.

من الواضح أن المحتوى هو سلسلةٌ من المقتطفات من واحدٍ أو أكثرَ من الأعمال السابقة، يقرأ النص: “هنا ينتهي ما اخترناه من الأجزاء الباقية من كتاب الذخائر”. ومثل هذه الأعمال المُجمَّعة من غيرها مع عنوانٍ مختارٍ، كانت شائعةً.

وهو في بعض الأحيان، الشكلُ الوحيد الذي تبقى فيه النصوصُ التي ترجعُ إلى القرون الوسطى – والتي تحولت إلى مجلداتٍ باقيةٍ إلى يومنا. كذلك فإن مؤلفَ كتاب الذخائر القاضي الرشيد، هو مسؤولٌ في الدولة الفاطمية (تـ. 1167م)، أي أنه لم يعاصرْ القصة، وإنما رواها عن عدد من المصادر.

صحيحٌ أن القصةَ نقلها قبلَ القاضي الرشيد ما يُعرفان بـ”الخالديان”، نسبةً إلى الخالدية قرب الموصل في العراق، وهما أبوعثمان سعد -أو سعيد- (تـ. 1000) وشقيقُه أبو بكر محمد (تـ. 990)، في مخطوطٍ لهما عن الهدايا والتحف، لكنهما لم يتحدثا إلا عن الرسالةِ التي أرسلتها بيرتا فقط، دونَ باقي تفاصيلِ القصة.

رغم أن “الخالديان” كانا أقربَ زمنياً إلى القصة وجغرافيا بحكم ولادتهما بالعراق، مقرِّ حكم العباسيين، إلا أن القصةَ وصلتْ إليهما أيضاً بشكلٍ “شفهي”، ولم يشاهدا الرسالةَ، حيث جاء في مستهلِّ القصة: “حدَّثنا الوراقُ المراغي”.

جهود المسلمين في الكتابة والتوثيق

ما سبق لا يجعلُنا ننكر جهودَ المسلمين في كتابة وتوثيق الرسائل، فقد كان “ديوان الإنشاء” بارزاً في مصرَ الفاطمية. وفي كتاب “الأفضليات” الذي أُهدي إلى الوزير الفاطمي الأفضل بن بدر الجمالي (1094-1121)، قسَّم ابنُ منجب الصيرفي المسؤولين إلى 12 فئةً، منهم “سكرتير المراسلات” أو المسؤول عن مكاتبات الملوك، بحسب ما تعترف به كريستي.

كما ألَّفَ ابنُ الصيرفي كتابَ “فنون ديوان الرسائل”، ليكون دستوراً يُرجَع إليه عند اختيار العاملين في ديوان الرسائل. وكتب القلقشندي (تـ1418م) كتابَه الأشهر “صبح الأعشى في كتابة الإنشا”، وفيه كتبَ عدةَ ملاحظاتٍ حول كتابة المراسلاتِ بين الحُكام، منها استخدامُ النصِّ المُحَقّق، بدلاً من المتلقى.

فالنصوصُ الحرفيةُ تستخدمُ فقط في الأمور الهامة، مثل التعييناتِ والتسجيلاتِ والمنح الخاصة بالممتلكات، والتي يُقصدُ الاحتفاظُ بها لأجيالٍ، كذلك في حالة الرسائل الموجهة من الملوك إلى الملوك والتي يجب أن تشيرَ إلى أهمية المرسِل والمرسَل إليه. وكانت هناك قواعدٌ خاصةٌ للمراسلات مع الحكام غيرِ المسلمين.

وفي النهاية يتمُّ نسخُ الرسالة بعد وضعِ تاريخ اليوم والشهر والسنة عليها، وتحفظ نسخةٌ منها في ديوان المحفوظات في ملفٍّ يحوي رسائلَ نفسِ السنة، بحسب الصيرفي.

المصدر

(محمد حسين الشيخ، موقع رصيف 22)

 

 

 

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>