Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

جرجي جبرائيل البيطار الدمشقي مبتكر فن الموزاييك اي تطعيم الخشب

$
0
0
جرجي جبرائيل البيطار الدمشقي مبتكر فن الموزاييك اي تطعيم الخشب

توطئة

تعتبر الحرف الدمشقية عامة، وخاصة منها الدقيقة والفنية والمصحوبة بالمهارات والابداع من العلامات المميزة للحرفيين الدمشقيين عبر كل العصور ومنهم من رحلته الغزوات معها قسراً كعمال البناء المهرة وكصناع السيف الدمشقي الذين اصطحبهم والكثير من ارباب الحرف الأخرى تيمورلنك المغولي الى عاصمة بلاده من دمشق عام 1400م. فقام عمال البناء والمزخرفون ببناء الأوابد كما في عشق اباد…

ومن جانب آخر وأنه منذ مطلع القرن السابع عشر عندما بدأ اعتماد الكنيات في بلاد الشام فإن كنيات العائلات باتت تدل على المهن والحرف التي كانوا يتوارثونها وابدعوا بها، وهي تعد مصدر رزق وفير لهم، ومنها حرفة الموزاييك التي لم تكن من المهن والحرف التقليدية المعروفة بعد، بل كانت من ابتكار علمنا جرجي جبرائيل بيطار، وهو الذي أبدع حرفة الموزاييك الدمشقي وهي التي صارت تنتج أجمل وأرقى التحف الفنية التي يقبل عليها السياح الوافدون الى دمشق، ويشتريها افراد البعثات الدبلوماسية الأجنبية العاملة في دمشق وصادراتها السنوية 100 مليون ليرة. وتقدمها الدولة السورية في الزيارات الرئاسية و… وفي احتفالات الدولة للضيوف الرسميين في الوطن والسفارات، ومنهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي اقتنى بعضها وهي اليوم في البيت الابيض.

لذا لا مندوحة أمامنا من القول أن مهارة  يد الصانع الدمشقي في تلك المهن الفنية كمفروشات المصدفة وحفر الخشب ونقشه وفن الموزاييك والنحاس والمصوغات الذهبية والفضية والمجوهرات الثمينة ودقة عيارها… والأقمشة الحريرية بدءاً من تحريرها من دود القز الى السدي واللحمة والصباغ حتى النسيج…

هذه اليد الماهرة والفكرالخلاق المشغل لهذه اليد هي التي خلد بها الحرفي الدمشقي /الفنان/ التحف الفنية التي زينت ليست فقط القصور والأوابد الدينية التاريخية والتراثية ودوائر الدولة السورية، بل زينت ايضاً قصور العالم منذ أقدم العصور.

وعلى الرغم من تقدم الصناعة الآلية في العالم الحديث فإن هذا العالم لم يستطع أن يستغني عن ثمرات العبقرية السورية، فاستورد تحف دمشق العربية ليزين قصوره الفاخرة بها. وعلى سبيل المثال ومن تاريخ والدي الحرفي الفنان جورج زيتون في حفر الخشب ونقشه اذكر أنه عندما دخلت الآلة في حفر الخشب الا انه وهو الفنان في حفر الخشب ونقشه، ومبتكر النقش بأزاميل الحفر الكبيرة حيث استغنى بالأخيرة عن ازاميل النقش الناعمة وفي هذا قمة الابداع،

لقد رفض ادخال الآلة الى حفر الخشب ونقشه اذ بالرغم من تردي صحته قلبياً والآلة توفر عليه التعب الجسدي، إلا أنه بقي يستخدم يده الفنية لتخرج قطعاً فنية نال عليها براءات التقدير من وزارات الثقافة والسياحة والاوقاف… ومن فنانين افرنسيين والمان ويونان …زاروه في دكانه المتواضعة الكائن في حارة القيمرية (المريمية) واحد هؤلاء الفنانين الفرنسيين حاول تقبيل يده وقال له بالفرنسية:” هذه اليد حرام ان تموت…” لما عرف ان والدي هو من بقي من هذه الاسرة الفنية المؤلفة من المؤسس جدي فارس، وعمي الفنان نقولا، وشقيقي الشهيد مروان 19 سنة وكان فناناً يفوق عمره،

من يد والدي الفنان وبدون الآلة رمم الكثير من منابر المساجد التراثية وتجهيزاتها الخشبية المنقوشة، ما خلا الكنائس العريقة كالمريمية والصليب وكيرلس والاديرة دير سيدة صيدنايا البطريركي… ودوائر الدولة والقاعة الشامية في القصر الجمهوري… وقبلها مع ابيه وشقيقه ساهموا بحفر خشب البرلمان السوري التي كانت بتعهد الخياط…

من فنون الموزاييك
من فنون الموزاييك

ويعد بيت نظام ومكتب عنبر وقصر خالد العظم والسباعي والقوتلي من أشهر البيوت الدمشقية المزينة بهذه المفروشات الخشبية المطعمة الصدف والحفر والنقش والموزاييك … ولا يكاد يخلو اي بيت من بيوت الشوام الاصلاء وخاصة بيوت الدمشقيين المسيحيين واليهود التي مهما كانت فاخرة ومهما كانت بسيطة مليئة من المفروشات الخشبية الفنية المصدفة والموزايكية التي ابدعها الحرفي في بيته وكانت كل الحرف الفنية على الاطلاق بيد عائلات مسيحية كعائلتنا الرائدة في حفر الخشب… ، وكالبيوت التي تنقلها لنا بعض المسلسلات التلفزيونية التي تتحدث عن البيئة الشامية خاصة والبيئة السورية عامة.

ومن الجدير ذكره التكرار ان معظم الحرف سواء المرتبطة بالخشب والمفروشات أوبصياغة المعادن الثمينة أوالبناء، أو تشكيل المعادن النحاس والحدادة ونحت الاحجار بفنياتها العالية كانت كلها بيد المسيحيين الدمشقيين يتوارثونها بعائلاتهم ويحصرون تعليمها بأفراد العائلة فهي كانت مهنة عائلية كعائلتنا آل زيتون في حفر الخشب ونقشه، وكعائلة النحات التي تركت بصماتها في الكثير من الامكنة لعل اهمها الموجودة في قاعة استقبال بطريركية الروم الارثوذكس بطاولة نفيسة من الخشب المنزل به الصدف اهداها للبطريرك غريغوريوس الرابع، ومثلها في قصر السلطان عبد الحميد في القسطنطينية وأعمال صدفية في الكاتدرائية المريمية وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي بجوار مدرسة الآسية…

أو كانت مهنة طائفية يقصرونها بطائفتهم فقط  فهي عائلتهم الكبيرة، كحال علمنا جرجي جبرائيل بيطار، وكان هو من أعيان الروم الكاثوليك ولكونه مبتكرها جعلها مهنة كاثوليكية للروم الكاثوليك حصراً، حيث لم يستعن في بدء عهده الا بصناع من طائفته، وهؤلاء فعلوا كما فعل معلمهم فهو اقتصرعلى صناع من طائفته علمهم أصولها وأسرارها، وهؤلاء تابعوا بخطه الطائفي عبر عائلاتهم التي توارثت هذه الحرفة…منها عائلات الأشقروعشي و بهيت وشلهوب وشنيارة وصارجي وشامي وحوش وعربش … وغيرها من العائلات الكاثوليكية الدمشقية المعروفة والتي لمع اسمها وامتلكت دور عرض كبيرة اضافة الى الورش، وبالاضافة الى عائلة خباز الدمشقية وهي ارثوذكسية بالمطلق لها اسهاماتها في خدمة البطريركية ومؤسساتها… مع عائلات غيرها من المسلمين في ريف دمشق والغوطة الشرقية… بعد فك الحصر المحكي عنه بتعليم حتى مسلمين.

طاولة رائعة من انتاج الفنان جرجي البيطار
طاولة رائعة من انتاج الفنان جرجي البيطار

ولما كان عصر الانحطاط العثماني قاسياً جداً على المسيحيين وكان يحظر علىيهم كما اليهود الخروج حتى الى المصايف والى المتنزهات لذلك جملوا بيوتهم التي تضم كل العائلة من اعمال ايديهم فجعلوها مشتى ومصيفاً… فصارت آيات من الفن والجمال كقصر النعسان ومكتب عنبر(يهودي) ومن المؤسف ان كل الدور الجميلة والمؤسسات والمعابد قضت عليها نيران التعصب الطائفي في مذبحة المسيحيين 1860

منذ منتصف القرن العشرين خرجت هذه الحرفة كما بقية الحرف وآخرها مهنة الصياغة عن خصوصيتها المسيحية ومنها الصياغة حيث اعتنق احد معلمي المهنة الاسلام لزواجه بمسلمة واورثها لأولاده الثلاثة، وهؤلاء علموا مسلمين الحد الادنى من فن الصياغة بيعاً وشراء وتجارة وحرفة فصارت متاحة للجميع مع غلبة مسيحية حتى الآن، والسبب هو تأنف المسيحيين بكل اسف عن العمل اليدوي في حرف ومهن الاهل، لينصرفوا عند انتشار التعليم الجامعي الى العلم والوظيفة او المهن الحرة كالطب وطب الاسنان والصيدلة والهندسة…!!! وترى مثلاً ابن نقيب صياغ دمشق مثلاً في ثلاثينيات القرن الماضي صار مهندساً شهيراً…الخ او طبيباً…|

فن الموزاييك وأهمية دمشقيته

تطعيم الخشب أو الموزاييك فن خاص دمشقي المبتكر وحرفة دمشقية مميزة ابتكره علمنا جرجي بيطار هذا الحرفي المبدع، عندما قام بصنع أول قطعة موزاييك عام 1860 وذلك بجمع قضبان من الخشب الملون طبيعياً ذات مقطع مثلث أو مربع ثم شرحها على شكل رقائق ولصقها على المصنوعات الخشبية بالغراء الطبيعي واعتمد نماذج لزخرفة المصنوعات الخشبية بها لتنشأ حرفة فن الموزاييك التي تميزت بها دمشق حتى أصبحت محط أنظار الزوار الذين يحملونها إلى بلدانهم كمنتج دمشقي خالص. حيث انك تجد وجوداً هاماً عند بعض المدن للحرف الأخرى الا ان الموزاييك كان فناً دمشقياً خاصاً بمبتكره جرجي بيطاروبتاريخ محدد وهو طوره واقام معارض خاصة به في الكثير من العواصم وخاصة الاوربية…

كان لسان حاله هو “محاكاة المادّة الساكنة بفعل روحي خالص وذهني مفتوح على واحة من الجَمال الزُخرفي والتشكيل الهندسي، في حوار تنطق كلماته وتقول: أنا دمشقية بحقّ.” مثلّثات ومربّعات ودوائر ملوّنة وصغيرة الحجم ومنمنمة كوّنت هذه المهنة فنّية الفريدة الإبداع على يد مؤسّسها الذي أصرَّ على خلق الإيحاء الذاتي ودمجـه بالعمل اليدوي والمتعة الحرفية والتقنية بصيغة مركّبة تتداخل فيها العناصر اللونية والصدفية البيضاء والخشب المطعّم والسطوح الملساء المصقولة، ونزهـة إلى عـالم النجوم وتشكيلاته المعقّـدة في مساحات انتظمت فيها الخطوط والأبعاد.

ورشة الفنان جرجي البيطار
ورشة الفنان جرجي البيطار


بيطار قدم أول قطع صنعها إلى السلطان العثماني عبد الحميد وكانت عبارة عن غرفة جلوس نال عليها وساماً من السلطان وامتيازاً لتعليم هذه الحرفة كما شارك بها في معرض فيينا عام 1891 وفي معرض باريس حيث قام بتزيين كنيسة القديس يوليانوس الفقير كما حاز في مصر عام 1904 الجائزة الأولى للمصنوعات الخشبية وصنع خزانة للبابا بيوس العاشر ومؤخراً حمل جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق عدداً من قطع الموازييك الدمشقي إلى البيت الأبيض.

كان الموزاييك /قبل الحرب الكونية والارهابية المدمرة على سورية في 2011 /يتم تصدير منه ما قيمته أكثر من 100 مليون ليرة سورية (وفق السعر ذاك الوقت حيث كان الدولار يبلغ 40-50 ل.س وهو الآن يقارب 500ل.س) من هذه المنتجات إلى الخارج سنوياً، وبينما يبلغ سعر طاولة الزهر بالجملة في دمشق وقتها نحو 500-1000 ليرة أي ما بين 10-20 دولاراً يصل سعرها في قبرص أو تركيا أو اليونان إلى نحو 2000 ليرة أي نحو 50 دولاراً، كما يرتفع سعر طقم جلوس أو غرفة النوم أو طقم المكتب من 150-200 ألف ليرة أي من 3-4 آلاف دولار إلى نحو 500 ألف ليرة أي نحو 10 آلاف دولار خارج سورية، وفق تلك الاسعار…وفقاً لشهادة نقيب صناع الموزاييك السيد فؤادعربش آنذاك.

والموزاييك هو غير فن التصديف واستخدام الصدف (وكان كما اسلفنا اعلاه) رائد فن الصدف المغفور له جرجي نحات الذي تزين قاعة الاستقبال البطريركية في بطريركية االروم الارثوذكس طاولة متميزة ثمينة جداً هي تحفة رائعة اهدها للبطريرك الشهير غريغوريوس الرابع عام 1906، هي نسخة عن التحفة ذاتها الموجودة في قصر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مطلع القرن العشرين سبق له ان اهداها للسلطان بطلب من والي دمشق ناظم باشا.

كما انه ليس فن تطعيم الذهب والفضة بالخشب المحفور ونقش الخشب وهذه برع فيها اليهود الدمشقيون وكانت تعمل بها بنات العائلات اليهودية…كما قال لي والدي رحمه الله… واعطاني الكثير من الشهادات الشفهية عن الحرف اجمالاً والموزاييك خاصة وكان والده فارس معاصراً وصديقاً لجرجي بيطار، بينما كان والدي صبياً صغيراً يتتلمذ على يد ابيه مع اخوته.

كما انه ليس فن حفر الخشب ولا نقشه وهذه بدورها كانت مع معظم الحرف الأخرى كانت من مهارات عائلات مسيحية ومنها عائلتنا لمؤسسها المرحوم الفنان المحكي عنه جدي فارس وبرع فيها كل من والدي الفنان جورج وعمي الاكبر الفنان نقولا، وشقيقي الأصغر الشهيد مرون 19 سنة الذي كان فناناً بالفطرة والوراثة. ولكن كل العمل يتم لصالح متعهدين لذا بقيت لعائلتنا السمعة مع مستورية الحال المادي وحتى آخر عمر والدي الفنان جورج على المبدأ الشائع”خدمتك بلقمتك”.

الكرستا التي تستخدم في فن الموزاييك
الكرستا التي تستخدم في فن الموزاييك


ولاتزال تتوارث بعض العائلات الدمشقية مهنة الموزاييك الدمشقية كما اوردنا أعلاه بشهادة نقيب المهنة السيد عربش.

السيرة الذاتية

(مأخوذة عن السيد جورج مراياتي مع بعض التصرف)

” رأى جرجي بيطار النُور سنة 1840 في “الحارة الجوّانيّة” في حيّ باب توما بدمشق. ونشأ في كنف والدَيه، جبرائيل ووردة، التقيّين الفاضلين اللذين ربّيا أولادهما الستّة على المزايا الحسنة، وحبّ الخير، والشهامة، والعطاء، في جوّ مشبع بالتقوى، عامر بسموّ الأخلاق، مفعم بالمحبّة

درس في مدرسة الطائفة (الروم الكاثوليك- البطريركية) التي أسّسها البطريرك مكسيموس مظلوم والادق هو غريغوريوس يوسف واسسها عام 1861، في الدار البطريركية واسماها المدرسة البطريركية ثمّ انتقل إلى مدرسة الآباء الفرنسيسكان في باب توما ( وهي دار مطرانية الارمن الكاثوليك بجانب حمام البكري، وقد اهدتها الرهبنة حين انهاء عملها التبشيري والتدريسي في دمشق مع المدرسة الى مطرانية الارمن الكاثوليك كما نعرف)

يتابع السيد مراياتي

” أنتسب إلى أخويّة سيّدة البشارة للرجال في العام 1854، وهو ابن أربعة عشر عاماً، فصارت للعذراء مريم المكانة العظيمة في قلبه، تعبّداً عميقاً وإخلاصاً بنوياً فائقاً.

بعد تحصيله العلمي والأدبي عاشر المعلّمين الفاضلين فسعى معهم إلى خدمة الفقراء براً واحساناً.

حاول أبوه جبرائيل أن يعلّمه صنعة البيطرة (اي الحدادة المختصة بالخيول) – صنعة الأجداد – إلاّ أنّه رأى فيه ميلاً فطريّاً عجيباً إلى النجارة. فاحترم موهبته التي بدأت تنمو شيئاً فشيئاً، حتى افتتح له ورشة صغيرة قُبيل سنة 1859

 أدرك جرجي أنّه إذا ما أتقن صنعته الجديدة، ونبغ فيها، ونجح بالتجارة بها، حقّق مالاً وافراً يخدم به القريب، الفقير والمحتاج والبائس، وهذا ما أراده منذ أن كان طفلاً.

 أسّس مركزاً لفنّ التطعيم في الخشب “منجور الموزاييك” الذي ابتكره. وراح يصنع أصناف الأثاث البديع الفاخر والقطع الفنّيّة الجميلة التي تمثّل الإبداع الإنساني والعراقة السوريّة والفنّ الدمشقي الخالص…”

كيف نشأت فكرة الموزاييك عند جرجي؟

طريقة العمل في الموزاييك
طريقة العمل في الموزاييك

“…وقد نشأت الفكرة لمّا رأى شجرة ليمون يابسة في باحة دَير الآباء الفرنسيسكان، فنشرها قطعاً، وفصّلها، وحفر لوحاً من الجوز “الغامق” ونزّلها فيه عروقاً وزهوراً مختلفة بأشكال هندسيّة دقيقة تنمّ على ذوق رفيع.

 عمل في تزيين كنيسة الآباء الفرنسيسكان وديرهم، وكذلك كاتدرائية سيّدة النياح لطائفته الكاثوليكية، ومن أهم أعماله روائع فنية من الموزاييك باقية حتى اليوم في الكنيسة الكاتدرائية في حارة الزيتون بباب توما وهي منابر في صحن الكاتدرائية وكراسي داخل الكاتدرائية. ناهيك عن أشغاله في بعض البيوت الدمشقية الغنية ذات الهندسة العربية الأصيلة والكثير من البيوت الدمشقيّة، فذاعت شهرته وتخطّت حدود بلاد الشام إلى الغرب، وصار الفنّ الدمشقي مرادفاً لاسم جرجي بيطار. وأخذ يهدي الأديار والمتاحف المسيحيّة تحفه الفنّـيّة العديدة.

 عمل جرجي بيطار، حتى نهـاية حياته، في أصـالة الفنّ، وأمانة الصنعة، ودقّة الإتقـان، فتعلّم منه عـدد كبير من العمّال وتخرّج في مدرسته تلامـذة مشـهورون درَّبوا بدَورهم عشرات الحرفيين الدمشقيين حتى بلغ عدد العاملين في صنـاعة الموزاييك بين العامين 1920 و 1940 أكثر من 1000 شخص. وتطوّرت الصناعة في ميدان تجاري بحت انتشر في العالم كلّه

تأسيسه لجمعية مار منصور

“…في العام 1863 كان أوّل المشاركين في تأسيس جمعيّة مار منصور الدمشقيّة وأصبح فيها عضـواً عاملاً وناشطاً. وصار رئيساً لها (1896 – 1901). وقام فيها بأعمال خيريّة جسديّة وروحيّة، في دمشق وخارجها، للمرضى والعراة والمسجونين، للكبار والصغار، أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، حتى لُقِّب بلقب”مار منصور دمشق”

توقه للرهبنة

 “…نزعت نفسه إلى الترهّب منذ العام 1868، وهو في سنّ الثامنة والعشرين، إلاّ أنّ رؤساء دير المخلّص – لبنان رأوا في عودته إلى عمله وبلده الخير الأفضل فأطاع. وشاءت العناية الإلهيّة أن يكون شقيقه “حبيب” البديل عنه في الانتظام في السلك الرهباني. وقد رُسم كاهناً في العام 1874 وخدم في معلولا.

صورته المعتمدة في جمعية مار منصور كمؤسس للجمعية وأحد رؤساءها
صورته المعتمدة في جمعية مار منصور كمؤسس للجمعية وأحد رؤساءها

مع مزاولته عمله وزيادة موارده ومحبّته الفقراء ووفاة والده الصالح جبرائيل (1872) ووالدته وردة (1874)، ظلّ حلمه في حياة الزهد والسعي إلى الكمال يراوده. فطفق يتحيّن الفرصة المناسبة لإنجاز مشروعه وتحقيق أمنيته. إلاّ أنّ مرشديه أقنعوه مجدّداً بالعدول. فاقتنع وراح يعيش عالمه المادّي بروح زاهدة متعبّدة تفوق أترابها في الأديار. لا بل راح يوقّع رسائله بحرفَي (ب.م) ويعني اختصاراً شعار الرهبان المخلّصيين (باسيلي مخلّصي). وبقي طيلة حياته يحمل توقه إلى دير المخلّص. وقد أرسل ابنه جبران في ما بعد ليصير راهباً مخلّصياً في العام 1909

 بعد أن أُقفل باب الترهّب في وجهه، وقد بلغ الأربعين من عمره، تزوّج في العام 1880 من ماري قاضي صاحبة الجمال والأخلاق والعائلة النبيلة. وقد ساعدته ماري في انسجام تامّ في الحياة الزوجيّة، والتعبّد لله، والانتماء للكنيسة…”

أسرته

“…أنشأ جرجي عائلة كبيرة وصالحة ضمَّت سبعة بنين وثلاث بنات كان من بينهم الراهب والراهبة والطبيب… وكانوا من أهل التضحية والعطاء والخدمة والتواضع والبساطة. وأسّس بعضهم الجمعيّات الرهبانيّة (جمعيّة راهبات أمّ المعونة الدائمة بحريصا)، لما حازوه من علوم وأخلاق ومثال صالح دام طيلة سني حياة والدهم واستمرّ إلى الأولاد والأحفاد.

 بعد أن قطع سنّ السبعين عرف جرجي أنّه قارب السفر من هذا العالم فاشتغل لنفسه تابوتاً محكَماً من خشب السرو ووضع رفات أبيه وأمّه فيه وركنه في جمعيّة مار منصور بانتظار دنوّ أجله…”

وفاته

طريقة تجميع الشرائح الملونة
طريقة تجميع الشرائح الملونة

“…تدهورت حالته الصحّـيّة في إثر صدمة سيارة له (سنة 1927) وعمليّة جراحيّة أُجريت له (1931). وعاش سني حياته الأخيرة والألم يقتحم حياته اقتحاماً.

 في صباح الأحد 28 تموز 1935 ووسط جميع أولاده وأحفاده ومع الصلوات فارق الحياة الأرضيّة في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه.

 انتشر خبر وفاته كوميض في سماء دمشق فتقاطر أهلوها إلى بيته، مسلمين ومسيحيّين، ليودّعوا رجل البرّ والإحسان. وفي الساعة الخامسة من بعد ظهر 29 تمّوز 1935 تجمّعت الحشود في بيت الفقيد (حارة القصبة) لتشييع الجثمان بموكب عظيم وتطواف لا مثيلَ له شاركت فيه الفيحاء برمّتها.

دُفن في مدفن الآباء المخلّصيين شمالي مدخل كاتدرائيّة الروم الكاثوليك في حارة الزيتون، حسب وصيّته الأخيرة. ثمّ نُقل إلى مدفن عائلته لاحقاً.”

ترشيحه للتطويب

( أيضاً من سيرته للسيد جورج مراياتي)

” تحلّى جرجي بيطار بباقة من الفضائل الإلهيّة الأدبيّة وبأخلاق فريدة وصفات سامية، كانت إكليلَ مجدٍ خالداً وهالةَ قداسة. ومن فضائله: إيمانه بالله، محبّته لربّه، محبّته للفقراء، تقشّفه، صبره العجيب، تواضعه، شخصّيته.

 أطلق عليه ذووه وأولاده وأحفاده، وهو بعد حيّ، كلمة “قدّيس” وردّدتها الكثير من السن عارفيه.

أرسل الدمشقيون سنة 1979 كتاباً إلى آباء سينودُس الروم الكاثوليك يرجونهم فيه النظر في قضيّة تطويب جرجي بيطار. وفي العام 1981 فُتح ملفّ هذا الرجل البارّ تمهيداً لطلب فتح دعوى تطويبه. أُدرجت دعوى جرجي بيطار لدى الكرسي الرسولي الروماني بناءً على قرار سينودُس الروم الكاثوليك (1987) إضافة إلى دعوة تطويب كلّ من: ماري بواردي – الأب بشارة أبو مراد المخلّصي – الأخ سمعان سروجي – فتحي عبّود بلدي

 في سياق الدعوى طُرحت فكرة تطويب الزوجين جرجي بيطار وماري قاضي كزوجين في دعوى تطويب رديفة، لما تحلّيا به، معاً، من صفات… أسوة بتطويب والدَي القدّيسة تريزيا الطفل يسوع…” 

انتاجه ومشاركته في المعارض

ادوات العمل في الموزاييك
ادوات العمل في الموزاييك

– شارك في العام 1891 في معرض فيينّا لتمثيل الصناعة الدمشقيّة بعد أن اشتغل لقنصل النمسا بدمشق مكتباً كاملاً عُرِض في معرض فيينا الصناعي في ذات السنة.

 – -سافر إلى باريس في العام 1892 لينصب قطعاً فنّـيّة وأشغالاً وإيقونات كان اشتغلها لكنيسة القدّيس يوليانوس الفقير التي تسلّمتها طائفته هديّة من الحكومة الفرنسيّة العام 1888

– في العام 1895 استدعاه والي دمشق لإرسال هديّة نفيسة إلى السلطان عبد الحميد. فصنع 50 قطعة فنّـيّة وأشرف بنفسه على إيصالها إلى إسطنبول. فوصلت إليها وقد نالت إعجابَ السلطان فنقده مبلغاً وافراً من أجل مشاريعه الخيريّة وأنعم عليه بوسام المجيدي الخامس وبمِدالية الافتخار الفضّـيّة. وقد أبى لتواضعه ومحبّته للخير أن يطلب امتياز الفنّ الذي اخترعه، كي ينتشر بين الناس ويكون مصدر رزق لهم

– في العام 1904 منحته لجنة الجمعيّة الزراعيّة الخديويّة بمصر الجائزة الأولى في المصنوعات الخشبيّة

هدية البابا

 – في مطلع العام 1908 زار مع وفد من طائفته البابا بيّوس العاشر لمناسبة الذكرى المئويّة الخامسة عشرة لوفاة القدّيس يوحنّا الذهبي الفم. فاستقبله قداسته استقبالاً حارّاً وتقبّل منه هديّته النفيسة (خزانة خشبيّة بديعة)، وعبّر له عن شكره وإعجابه بألطف الكلمات وأجملها، ومنحه الوسام الذهبي لفرسان جمعيّة القدّيس سِلْفِسْترُس البابا.

وكان قد اشتغل البيطار صندوقة ذات جوارير أهداها إلى متحف دير المخلص في صيدا

وكذلك مكتبة دير المخلص بدرجها الحلزوني وأروقتها من خشب الجوز المنزّل فيه عروق عام 1883

هدية السلطان 

وفي عام 1895 استدعاه سعيد باشا والي دمشق وطلب منه هدية نفيسة من الموزاييك للسلطان عبد الحميد بمناسبة المعرض الصناعي في اسطنبول وكلفه بنقلها الى اسطنبول وتألفت الهدية من خمسين قطعة من خزائن ومكاتب وطقم كراسي كامل. وكان لهذه الهدية تقدير عظيم من السلطان فأنعم عليه بوسام المجيدي الخامس وميدالية الافتخار الفضية وهي بمنزلة براءة اختراع الآن، فأضحى “موزايقجي الحضرة الشاهانية”.

بعدها نال الجائزة الأولى في المصوغات الخشبية في معرض مصر سنة 1904 من لجنة الجمعية الزراعية الخديوية

ومن أجمل القطع الموزاييكية طاولة البيزك التي انتجها، وهي مركبة من طاولة زهر ورقعة شطرنج ورقعة لعب.

وغرف السفرة والصالون والمكاتب، يحملها السياح وخصوصاً الدبلوماسيين منهم إلى بلادهم كتحفة تحمل عبق دمشق وتميزها. فمن فرنسا إلى المكسيك وصولاً للبيت الأبيض، ومن الأردن إلى أنحاء مختلفة من العالم، يحمل السياح والديبلوماسيون خصوصاً، تلك القطع الفنية التي تحمل عبق التراث وعراقة أقدم مدينة في التاريخ. وقد حمل جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق عدداً من قطع الموازييك الدمشقي إلى البيت الأبيض.

 الخاتمة

يعد علمنا جرجي من أعلام دمشق فقد اثرى بنبوغه الساحة الدمشقية واضاف الى تراثها الفني غنى اسهم كما بقية اعلام سورية في رفع مكانتها…

لذا كان من الواجب علينا ان نترجمه هنا في موقعنا كما ترجمنا غيره…وحافظنا على الكثير من الشهادات التي تحدثت عنه بهوى وميل شخصي…وخاصة لجهة خصاله وايمانه وتعلقه بكنيسته وخدمته لها وهو الشيء المحترم لدينا…

ونختم بالترحم عليه…
مصادر البحث

– جورج مراياتي جرجي جبرائيل بيطار مبتكر فن الموزاييك وخادم الفقراء

– موقع دمشق

– كل شيء عن الشام


 



الشهيد في الكهنة خريستوفورس بطريرك أنطاكية (+967م)

$
0
0

الشهيد في الكهنة خريستوفورس بطريرك أنطاكية (+967م)

ملاحظة: كاتب سيرة القدّيس الشهيد خريستوفورس هو تلميذه إبراهيم بن يوحنا الإنطاكي، وقد كتبها، فيما يبدو، بين العامين 1025 و1035م. لم يرد خبره في أي من السنكسارات المتداولة اليوم. استرددناه من المخطوطات القديمة.

+ من هو؟

اسمه، في أول الأمر، كان عيسى، وهو من مواليد مدينة السلام، بغداد. لا نعرف عن ذويه ولا عن نشأته سوى أنه تلقى بعض العلم في مسقط رأسه فأحكم ما أمكنه من بلاغة القول، وأضحى، في صناعة الخط، حذقاً حتى اقتنى إلى جمال الخط سرعة الكتابة.

انتقل، شاباً، إلى مدينة حلب فاتخذه أبو الحسن علي بن حمدان، الملقّب بسيف الدولة (915 – 967م)، ودفع به إلى أمير كبير من أمراء البادية هو خليفة بن جندي، من ناحية شيزر، في سورية الشمالية، على نهر العاصي، شمالي غربي مدينة حماة.

غيور على قومه

في ذلك الزمان حدثت منازعة بين الروم في مدينة شاش الفارسية، وهم الذين كانوا في طيسفون القريبة من بغداد فرحّلهم الحكّام المسلمون بعدما بنوا بغداد عاصمة لهم سنة 762 للميلاد، والروم الذين اجتمعوا في بغداد على مرّ السنين إلى ذلك الوقت وجلّهم من الأسرى السابقين. وقد طالب روم بغداد بأن يكون “الكاثوليكوس”او “الجاثليق”(مفوض بصلاحيات البطريرك، هي كلمة يونانية تعني الجامع للرعية) لهم لأن بغداد هي العاصمة وطيسفون التي كانت مقر الجاثليق، في الأساس، قريبة منهم، فيما تمسّك روم شاش بالعادة المتبعة منذ نشوء بغداد، وإلى ذلك الحين، أن يستقرّ الجاثليق في مدينتهم. وفيما كان النزاع الكلامي على أشدّه، رقد الجاثليق في شاش، فجاء وفد من روم جرد إلى إنطاكية داعياً البطريرك فيها إلى تسمية جاثليق جديد عليهم وشرطنته. في هذه الأثناء تحرّك الروم البغداديون، من ناحيتهم، فسعوا إلى نيل الحظوة لدى البطيرك وإقناعه بحقّانية مطلبهم. ولما كان عيسى غيوراً على ما لقومه، أهل بغداد، فقد استأذن مخدومه وقدم إلى إنطاكية مناظراً محاججاً مدافعاً عن حقوق أهله. ويقول كاتب سيرته إن الإنطاكيين، مذ ذاك، انفتحت عيونهم عليه لأنه أثبت أنه رجل كبير جلد، وأن له غيرة شديدة على الكنيسة.

اختياره بطريركاً

لم يمضِ وقت طويل على زيارة عيسى لإنطاكية حتى توفي البطريرك فيها، وهو أغابيوس بن القعبرون، فتحرّك الإنطاكيون على الأثر ملتمسين له خلفاً. ويبدو أن اختيار البطاركة، في إنطاكية، منذ الفتح العربي وإلى ذلك الحين، كان من عمل الكهنة والشعب فيها من حيث أنهم المعنيون مباشرة بالموضوع. أما المطارنة والأساقفة، على حدّ تعبير كاتب السيرة، فلا يهتمّون لشيء غير ما يناسبهم، وأما ما يصلح أحوال العامة فلا يهتمّون له. على هذا تداول الإنطاكيون فيما بينهم أسماء عدّة. ثم بعد أخذ ورد “لم يجدوا أوفق لهم ولاأصلح لكرسيهم من عيسى”. فجاؤوا إلى سيف الدولة، الذي كانت إنطاكية من توابعه، وقالوا قولهم لديه فاستحسن رأيهم واستصوب قصدهم لأنه كان بعيسى عليماً. ثم إن عيسى أخذ الشرطونية من المطارنة، حسب الأصول، وتسمّى خريستوفورس، أي الحامل المسيح، كما “ظهر من أفعاله أنه كان مشتملاً على كل صالحة في صدره… وقد ضمّ المسيح في قلبه”. ومع أنه لم يكن قد سبق للبطريرك الجديد أن عرف الرهبانية نظاماً لكنه فاق أهلها صلاة ونسكاً. من ذلك انقطاعه عن أكل اللحم انقطاعاً كاملاً بعد شرطونيته. وكان يصوم كل يوم من أيام السنة، لا يتناول من الطعام شيئاً قبل المساء. لم تكن ألوان الطعام تشغله أو تستهويه في حال، بل اعتاد أن يكتفي منها بما تيسّر ولا يعير إعدادها اهتماماً يذكر. كما كان ينقص مائدته، في أكثر الأحيان، حتى البيض والسمك، لكنه كان يأخذ مع الماء بعضاً من الخمر. قيامه في الصلاة، أيام الأسبوع، كان باكراً جداً، قبل الفجر في عمق الليل. أما في أيام الرب فمن مساء دخول ليلة الأحد وإلى الصباح. الكهنة اتّخذوه قدوة من أجل محبّته الكبرى لله وكبر نفسه. كان ينسى نفسه في الصلاة واقفاً لا يتزحزح حتى بدا لناظريه، مراراً، وقد أشرف على السقوط أرضاً. أما حكمته وحرصه على وحدة شعبه فتجلّت في مواقف شتّى التزمها كموقفه من النزاع بين روم بغداد وروم شاش (روم جرد). فمع أنه قبل صيرورته بطريركاً كان منحازاً بالكلية إلى مواطنيه، فإنه عمد، وقد وضع عليه نير الرسولية الأولى في إنطاكية، إلى جعل جاثليقين أحدهما على مدينة السلام، بغداد، وكان حلبياً اسمه ماجد، والآخر إنطاكياً، على رومجرد، اسمه أفتيشيوس.

إلى ذلك كان خريستوفورس يحرص في ملء الكراسي الأسقفية الشاغرة على أن يكون المقترحون مرضيين لله، بكل ضمير صالح، غير ناظر في أمرهم إلى رشوة أو وساطة ولا عابئاً برضى أمير أو مقتدر يتدخّل لمصلحة هذا أو ذاك مهما كان النافذ عظيماً أو عاتياً مخوفاً. على أنه لم يكن ليفرض أسقفاً على شعب فرضاً ولا يضع يده على مختار إلا برأي المجمع.

صلابته

ومما يروى على صلابته في رفض شفاعة المقتدرين بخدّام الكنيسة ممن سقطوا في ما لا تجيزه الشريعة أن كاهناً طبيباً سقط مرّة في زلّة من الزلات الصغار فجعل عليه البطريرك قصاصاً. فبعث أحد أمراء بني حمدان ممن عرفوا بالعتو وعظم الشأن إلى البطريرك وسأله في أمره، وكان الطبيب عزيزاً عليه، قائلاً: “هب لي أيها البطريرك ذنبه فيه واصفح عنه” فأجابه: “لا يمكنني أن أفعل ذلك يا سيّدي الأمير” فقال: “أما تهابني؟!… ما هو الذي لا يمكنك أن تفعله إذا أمرتك أنا به؟” فأجابه: “ما يختص بديني ومذهبي وناموسي. لأننا نحن في طوعكم وفي أشاء أخرى لا يمكننا أن نخالفكم. أما ما حظّره الدين فنحن به مستعدون للسجن وقواطع السيوف”. فقال: “عرّفني، في كل حال، ما هذه الجناية التي قد تمسّ دينك”. فأجاب: “أما قبل هذا أيها الأمير فقد كانت الجناية صغيرة وإصلاحها متيسّراً. وأما الآن فإنها كبيرة والصفح عنها لا يرام (لأنه ليس جائزاً وأنت مسلم مخالف لنا في مذهبنا أن يستجير بك كاهن في أمر يخص الكنيسة دون سواها). فاغتاظ منه الأمير وقال له: “كن من الآن مدجّجاً بالسلاح واعلم يقيناً أنك ستموت وذلك أني سآخذ رأسك ولو كان في حضن الأمير الكبير” فلم يجزع القدّيس ولا تراجع ولا استسلم، بل وثق بالله وحفظ الإيمان.

رعاية الضعفاء

وكما كان خريستوفورس حاراً في حفظ الأحكام الكنسية غير منثلمة كذلك كان في رعايته للمحتاجين وعطفه على المنكوبين. ومع أن أسباب اليسر كانت تنقصه فإنه كان لا يدّخر جهداً في متابعة شؤون الفقراء والمساكين والمظلومين. هؤلاء كان يهتمّ بأمرهم شخصياً.: يعترف أحوالهم وحاجاتهم ويوعز لفلان ببعض المال ولفلان بالكسوة ولثالث بالطعام. كان يأبى أن يخلد إلى الراحة، كل ليلة، قبل أن يأمر لهم بما يريحهم من أتعابهم ولو قليلاً ويعزّي قلوبهم. مرّة جاءه كاهن من مكان بعيد، وكان بائساً، فأمر له البطريرك بما يكفي عائلته سنة كاملة من القمح والزيت والخمر. ولم يطلقه إلا بعدما أعطاه مالاً أجرة طحن القمح وليشتري من الأدام ما يحتاج إليه. ومرّة أخرى ضرب الجوع إنطاكية فاهتمّ خريستوفورس بجمع أعداد من الشيوخ والمرضى والكهنة والشمامسة والصبية والأيتام وكان يأمر لهم بالطعام ويسقيهم بنفسه الواحد بعد الآخر.

أما المحبوسون ظلماً أو لدَين لم يتسنّ لهم إيفاؤه فكان يؤديه عنهم. وإن قصرت ذات يده ذهب إلى الدائنين مستصفحاً. وإن وقع أحد المساكين تحت ظلم سعى من أجله لدى أصحاب الشأن. من ذلك سعيه إلى التخفيف عمّن كانوا أعجز عن أن يؤدّوا “جزية الرؤوس” وهي الجزية التي تبرئ النصارى من الأذية والملاحقة.وكل مَن لا يؤدّيها يقاد بغير اختياره إلى دين الإسلام. ولما كان الكثيرون فقراء والزمان رديئاً فقد كان البطريرك يسدّد عن العاجزين ما قصروا عنه. ولما قصرت يده هو عن عمل الفداء هذا، ذهب إلى سيف الدولة الحمداني في حلب، وكان يكنّ له إكراماً وتقديراً، فأمر له ببراءات سنوية بقيمة عشرة آلاف درهم. فكان البطريرك كلّما عرف بقاصر محتاج أدّى عنه ما احتاج إليه. على هذا النحو سلك مَن يشبّهه كاتب السيرة بـ “نيقولاوس الجديد” فلم يضطر، ولا واحد من المؤمنين بالمسيح، لأن يتحوّل إلى دين الإسلام عنوة.

اهتمامه بالتعليم

إلى ذلك اهتمّ القدّيس خريستوفورس بجمع أعداد من الأولاد، من الأغنياء والفقراء والأيتام، وجعل لهم معلّمين. وقد اختار من بينهم اثني عشر ولداً لنباهتهم وسلّمهم إلى مَن اهتمّ بتلقينهم العلوم الكنسية. كما جمع من الفقراء والأيتام مئة وخمسين وأوعز إلى معلّميهم أن يلقّنوا كلا منهم ما فيه منفعته. وكان هو، من ناحيته، يمدّهم بالمال والطعام والشراب ويرى إلى تقدّمهم في مراقي العلم والمعرفة عن كثب.

حركة تمرّد

ثم أن سيف الدولة الحمداني أصابه الفالج في السنة 963 م (352 هـ) وزاد البيزنطيون من ضغوطهم في تلك الناحية من سورية الشمالية، فأخذوا بلد الثغر وهي كيليكيا ثم طرسوس التي خرج أكثر أهلها إلى إنطاكية من الجوع. كل هذا أحدث اضطراباً شديداً في إنطاكية فبدأت حركة تمرّد على سيف الدولة بزعامة المدعو رشيق النسيمي وحسن الأهوازي ودزبر الديلمي. وتبع ذلك صراع بين عمّال سيف الدولة في حلب والمتمرّدين في إنطاكية بقي من دون حسم ردحاً من الزمان. في تلك الأثناء آثر البطريرك خريستوفورس الخروج من إنطاكية إلى دير مار سمعان الحلبي لأنه لم يشأ أن يبقى في كنف المتمرّدين لئلا يظن أنه قد جحد الأمانة لسيف الدولة، وما اعتاد أن يكون في حقّ من صدقهم جاحداً. وقد حنق عليه المتمرّدون واعتقلوا أهل البطريركية وختموا عليها، وهدّدوا البطريرك بأسوء العواقب إن لم يعد فلم يجزع منهم ولا استسلم لهم. ولما أتاه أحد أهل الدير المدعو ثيوذولس وتجرّأ عليه فواجهه بالقول: “هل في نيّتك أيها السيد أن تقول بعد هذا في بيعتك: أنا الراعي الصالح؟ تترك غنمك لتخطفها الذئاب؟!” أسكَتَه البطريرك قائلاً له: “أنت لست عارفاً بما تقوله!” وما لبث عمّال سيف الدولة أن أقنعوه بضرورة التصدّي للمتمرّدين فخرج من مدينة ميافارقين وقهرهم في معرّة مصرين القريبة من حلب وفتك بزعمائهم وولى أحد غلمانه، تقي الدين، على إنطاكية.

محبّته لأعدائه

وخرج البطريرك إلى سيف الدولة فاستقبله استقبالاً طيّباً وقدّمه وجعله له صديقاً مشيراً وشفيعاً مقبولاً. وقد سأل البطريرك سيف الدولة العفو عن العديد من الوجهاء المسلمين، فلم يردّ له الأمير طلباً. هؤلاء الذين تآمروا على البطريرك حسداً. وقد أجّج الإحسان غيظهم ولم يطفئه لخباثتهم وهم المنافقون. أحدهم طرح البطريرك بنفسه إلى الأرض لدى سيف الدولة سائلاً إياه الصفح عنه فيما كانت السياط تتتالى عليه عنيفة. والآخر أخذه البطريرك إلى خاصته وضمنه لأنه لم يشأ أن يؤدي عن نفسه الفدية بخلاً وقد كان ثرياً ثرياً. فلما قضى سيف الدولة سنة سبع وستين وتسعمائة، تحرّك الحاقدون على البطريرك ثلاثة، أحدهم يدعى ابن مالك والآخر ابن محمود والثالث ابن دغامة. وقد استصدروا فتوى لدى أحد الفقهاء أباحت سفك دمه بحجّة أنه متآمر “على حصن من حصون المسلمين”. ثم استعانوا بالخراسانيين لتنفيذ مأربهم.

بذل نفسه عن رعيّته

ولكن، جاء أحد المسلمين من ذوي الفضل، ابن أبي عمرو، وأعلم البطريرك بالمكيدة المدبّرة ضدّه وأشار عليه بأن يخرج إلى حلب بسرعة، فلم يشأ لأنه خاف على شعبه. وقد استدعى البطريرك المدعو ثيوذولس وهو الذي عيّره، لما كان في دير القدّيس سمعان الحلبي، إنه لا يحقّ له بعد اليوم أن يقول عن نفسه أنه الراعي الصالح. فلما حضر لديه سأله البطريرك: لقد نقل إليّ فلان كذا وكذا وأشار عليّ بكيت وبكيت فماذا تقول أنت؟ فقال: اعتمد على الله واخرج! هذا أحكم القرار! فأجابه: “إن أنا فعلت هذا كنت أنت أيها الوقح من يهزأ بي فيما بعد… إن الذين يطلبون قتلي حسّاد… وإن لم يقذفوا سمّهم فيّ لم يُبقوا على نصراني ولا على كنيسة… هذا هو الوقت الذي يجب أن أقول فيه يا هذا: ليس أنا الراعي الصالح فقط بل أيضاً: والراعي الصالح يضع نفسه عن أغنامه. وأنت سترى بعد وقت هذه اللحية مخضّبة بدمائي…” وبعث البطريرك إلى ابن مالك يقول له إنه يرغب في زيارته، فاستقبله مساء بعد أن أعدّ العدّة لقتله، وفي داره بالذات. فلما حضر إليه وجّه إليه ابن مالك بضع كلمات متهماً إيّاه بالتآمر ثم نادى على أصحابه فجاؤوا وطعنوه ثم قطعوا رأسه وألقوا بجسده في النهر. وفي اليوم التالي أتى المتآمرون إلى البطريركية فاستولوا على بعض المتاع والأواني الكنسية فيها، لكنهم لم يتعرّضوا لأحد من النصارى بالأذى “لأنه كان من الواجب أن يتمّ مقال أبيهم الذي تقدّم فقاله من أنهم إذا اشتفّوا مني بقتلي وقذفوا السمّ الذي كنزوه في قلوبهم عليّ لن يطلبوا سواي.”

وجاء البيزنطيون

ثم إن البيزنطيين جاؤوا فملكوا مدينة إنطاكية يوم الخميس، الثالث عشر من شهر ذي الحجة ثمان وخمسين وثلاثمائة للهجرة، الموافق الثامن والعشرين من تشرين الأول سنة تسع وستين وتسعمائة. وقد أتي بابن مالك إلى جسر باب البحر من حيث كان جسد البطريرك قد ألقي، وهناك قتلوه وتركوه على الحضيض مأكلاً للطيور والكلاب. أما ابن محمود فقضى شنقاً في السجن. وأما ابن دغامة فثقّلوه بالحجارة وطرحوه في البحر.

رفاته

أما القدّيس الشهيد فكانت شهادته في الثالث والعشرين من شهر أيار من السنة ست وخمسين وثلاثمائة للهجرة (+967 م). وبعد ثمانية أيام من استشهاده ظهر جسده في جزيرة من النهر فنزل بعض النصارى وأخذوه سرّاً ودفنوه في الدير المقدّس المعروف بـ “ارشايا” دون الهامة. ولما تولّى ثيودوروس الراهب سدّة البطريركية (970 – 976 م) نقله إلى الكنيسة الكبرى باحتفال عظيم. وقد جرى نقله ثانية في زمن البطريرك نيقولاوس الثاني (1025 – 1030 م) إلى بيت القدّيس بطرس، رأس الرسل. شفاعته وصلواته “فلتكن لنا مخلّصة وحافظة الآن ودائماً وإلى أقصى آخر الدهور آمين.”

خربشات سياسية 24/5/2018

$
0
0

خربشات سياسية 24/5/2018

– ماذا بعد العدوان الأميركي اليوم على قواتنا السورية في منطقة دير الزور بالقرب من البوكمال فجر اليوم الخميس 24 ايار 2018 بالتزامن مع تحرك لارهابيي داعش في الجيب المحمي اميركياً في تلك المنطقة، وبعد الهجوم الدموي من ارهابيي داعش بالأمس على قواتنا في بادية حمص انطلاقاً من جيب التنف الاميركي المعادي؟

– سؤال يطرح بذاته اليوم على الارض بعد تحرير دمشق ومحيطها من كل الارهاب لمسافة 65 كم من الجنوب والغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، ومع تقدم قُوّات جيشنا الباسل وحلفائه نَحو الجبهة الجنوبيّة لفتح الحُدود مع الأُردن وتحرير الجنوب السوري، لتحرير كامل مدينة درعا واستعادتها واستعادة حوران إلى السِّيادة الرسميٍة، قامت طائرات الحلف الاميركي المعادي فجر اليوم الخميس بالاعتداء على مَواقِع لقواتنا في شَرق البِلاد بالقرب من البوكمال، أوقَع 12 شهيدًا للمَرَّةِ الثانية في أقل من ثَلاثة أشهُر.

– المتحدث باسم قوات العدوان التحالفي بقيادة اميركا نفى عِلمُه بحُدوث هذا القصف، لكن المَرصد العميل المعارض أكد هذا العدوان واعطى هذا الرقم من الشهداء الذين ارتقوا، مِثلما أكًّد وجود جيب تتمركز فيه عصابات داعش، وجاء في بيان لسانا اليوم ان هذا العدوان تزامن مع تحرك لارهابيي داعش باتجاه مواقع قواتنا، ولم يحصل صدام، وان نتائج هذا العدوان الجوي “اقتصرت على الماديات فقط”.

– دِمشق تُؤكِّد دوما حقها بتحرير كامل اراضيها، وكل الدلائل تشيرالى أنّ معركة دَرعا باتت وشيكة، بعد نجاح قُوّات جيشنا الفينيقي الاسطوري في استعادة حي الحَجر الأسود ومخيم اليرموك بعد معارك ملحمية لأكثر من شهر، بعد السيطرة على الغوطة الشرقيّة، وتأمين العاصِمة كُلِّيًّا من أيِّ عدوان مِدفعيّ وصاروخيّ للارهابيين، وبدأت الاستعدادات فِعلاً لشَن عمليّة عسكريّة، كُبرى نِهائيّة، في مِنطقة درعا المُحاذِية للحُدود الأردنيّة جَنوبًا، ومُحافَظة القنيطرة شَمالاً على حُدود الجولان المُحتلَّة.

– بلا شك ان أولويّة الجيش السوري حاليًّا تتلخَّص في استعادة السَّيطرة على مُعظَم الحُدود السوريّة، فبعد استعادته للحُدود مع العِراق ولبنان، باتَ الهدف هو الحُدود الأردنيّة السوريّة التي تُسيطِر عليها مجموعة من عصابات مايسمى الجيش الحر الذي اشترت افراده قطرائيل ومن ثم مملكة الرمال السعودية والعدو الازلي تركيا والعدو الأزلي الكيان الصهيوني. وهو الداعم الاساس في الجنوب.

– تحرير دَرعا ينطوي على أهميّة استراتيجيّة كُبرى بالنسبة إلى الدولة السورية في دِمشق، ليس لأنّها تعني فتح الطريق الدولي المُمتد من دِمشق حتى العاصِمة الأردنيّة عمّان (طوله 90 كيلومترُا)، ممّا يعني مَورِداً اقتصاديًاً مُهِمّاً، وبوّابةً للصَّادِرات السوريّة، ولانعاش الإقتصاد السوري لجهة انفتاحه مجدداً على الاردن،

– وبالمقابل عند الجانب الاردني انتعاش للاقتصاد الاردني الذي خسر كثيراً بتمدد العصابات الارهابية على طول الحدود مع سورية وتحكمها بمعونة القوات الاردنية والصهيونية ومن خلال غرفة الموك الاميركية في الشمال الاردني، ولأسباب مَعنويّة أيضاً، لأن شَرارة الفتنة الدموية انطلقت من درعا ومسجدها الكبيرقبل سَبع سنوات وغذتها اصابع المخابرات الاردنية تنفيذاً للاوامر الاميركية وبتمويل قطري سعودي تركي صهيوني. وبالرغم من هذا الموقف المشبوه الا ان الاردن شعبياً ونقابياً وحتى الدوائر الاقتصادية ترغب بأن يقوم الجانب السوري ببسط سيطرة الدولة السورية على كامل الحدود بشرط عدم وجود عسكري ايراني!!!داعم وحليف للجيش السوري.

– القِيادة السوريّة حريصةٌ بدورها على فتح هذا الطريق الدولي على غِرار ما فعلت بفتحها نظيره الذي يَربِط العاصِمة بحمص بعد تحرير الغوطة الشرقيّة، وطريق دِمشق دير الزور بعد استعادة تدمر، وإخراج عصابات داعش مِنها.

– لذلك أكد السفير الايراني في عمان، في حديثه لصَحيفة ” الغد” الأردنيّة أمس بأنّه لا توجد قُوّات إيرانيّة في الجنوب، ونفى أن تكون قُوّات بلاده شاركت في معارك الغوطة الشرقيٍة واليرموك والحجر الأسود، وهذا يأتي مَحسوباً بِدقَّة في إطار سَحب الذَّرائِع من العدوين الاميركي والصهيوني، والتَّشديد على أنّ مُهمَّة استعادة دَرعا هي مَسؤوليّة الجيش السوري وَحدِه.

– السُّلطات العسكرية والاستخبارية الأردنيٍة تُراقِب معركة دَرعا الوَشيكة بقَلقٍ شديد، وإن كانت تتمنَّى حلاًّ سِلميّاً يُؤدِّي إلى خُروج عصابات الارهابيين إلى إدلب أو جرابلس في الشمال السوري الغربي، يُجنِّب حُدوث الصِّدامات العسكريّة، وما يُمكِن أن تنطوي عليه من اضطرابات أمنيّةعلى الداخل الاردني، وهِجرَة مِئات الآلاف من سُكَّان المِنطَقة الحدودية إلى الداخل الأردني، ممّا يزيد من أعباء الاردن الأمنيّة والاقتصاديّة والخَدماتيّة، في وقتٍ يتضخًّم الدَّين الأُردني العام إلى أكثر من 36 مليار دولار، ويًزيد عدد اللاجئين السُّوريين عن مليون ونِصف المليون لاجِئ داخِل المُخيَّمات وخارِجها، الأمر الذي يفسر سبب رفع المعونة الاميركية للعرش الاردني والمعونات الاميركية هي الاساس الداعم للخزينة الاردنية ولنفقات البلاط لندرة الموارد الاقتصادية الاردنية.

– المصادر المقربة للقيادة في سورية، تؤكد أنّ حسم معركة درعا، وإعادة المدينة إلى سيطرة الدولة السورية، ربٍما يتحقق قبل عيد الفطر، وأنّ تفاهُمات جًرى التوصُّل إليها في هذا الصَّدد أثناء قِمّة سوتشي التي انعقدت الأُسبوع الماضي بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، وحصل الرئيس الأسد على دَعمٍ روسيٍّ كامِل في هذا المِضمار على غِرار ما حصل في الغوطة الشرقيّة، ولكنه على مايبدوكما تشير التسريبات، مَشروط ب”عدم مُشاركة أو تواجد قُوّات إيرانيّة في المِنطقة”، وهذا ما يُفَسِّر تَصريحات السفير الإيراني في عمّان وتَوقيتِها وهذا مافسره المراقبون انه لسحب الذرائع الصهيو-امريكية.

– كيف سيكون الرَّدَّان الإسرائيلي والأمريكي في هذا الصَّدد غير معروف، وكذلك الرَّد الأردني، الطَّرف الثالث، فالجميع يدرك مدى تبعيته لأميركا وللكيان الصهيوني اي عدم تعارضه مع هذين الردين بِطَريقةٍ أو بأُخرى، لأنّ الأُردن لا يستطيع أن يقول “لا” لأمريكا التي رفعت مُساعَداتها الماليّة إليه إلى ما يَقرُب المِليار دولار سَنويّاً، ولكنٍه، أي الأردن يتمنَّى أن يتم فتح الحدود الأُردنية السوريّة بأقل الأضرار لأنّ هذا يعني دُخول خزانته ما يَقرُب من 400 مِليار دولار سًنويّاً كجمارك ورسوم مع البًضائع المارّة في الاتجاهين، وعودة المنتوجات الأردنيّة إلى الأسواق السورية والعكس مايعني انتعاش اقتصاده المخنوق بعد انقطاع تجارة الترانزيت مع دول الخليج، والمُشاركة المُتوقًّعة للشَّركات الأُردنيٍة في عمليّة إعادَة الإعمار، عدا عن موقف التيارات الوطنية المثقفة المؤيد لسورية وانتصارها حتى من داخل البرلمان الاردني والنقابات الفاعلة كنقابة المحامين، وحتى كبار القادة العسكريين الذين سجل لهم مؤخراً رفضهم دعم اي تحرك عسكري تجاه سورية استمراراً لعدة غزوات فاشلة مغطاة من الاستخبارات الصهيونية والاردنية كغزوات الغوطة الفاشلة منذ حوالي اربع سنوات.

– في سورية ومع جيشنا الحبيب والقيادة الحكيمة واسلوب ضبط النفس لامستحيل، فالتحرير يجب ان يشمل كل شبر من الاراضي المحتلة مهما طال الوقت، خاصة وان العدو الصهيوني ومن خلال وزير الامن اليوم طالب معلمه الاميركي ان يعترف بوقاحة موصوفة بان الجولان المحتل خاضع للكيان العبري، كما سبق لترامب واعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

– إن حسم معركة دَرعا وعودتها لحضن الوطن، سيكون مُقدِّمَةٍ لمَعركةٍ أُخرى تكون أكثر أهميّةً، في شرق الفرات، لاستعادة السيطرة على احتياطات النفط والغاز الموجودة في شرق مدينة دير الزور التي تَرفُض قوات العدو الاميركي أي تَقدُّم للجيش السوري باتجاهِها، لذلك تحتفظ بجيب لداعش يضم عشرات القادة فيه تحت حمايتها، اضافة الى داعش الجديدة قسد التي تتقدم بتسويات مع داعش بدون قتال بل بانسحابات من هذه المنطقة الغنية بالحقول النفطية والغازية وكل ذلك بغية اطالة امد المأساة السورية واستمرار التشرذم ونوف الدم السوري، وتريد أن تكون من نصيب الإمارة القبائليّة السنيّة الشمريّة التي تتطلَّع إلى إقامَتها، وتمتد من الحَسكة شمالاً حتى شرق دير الزور، والعدوان الاميركي على المواقِع العسكريّة المتاخمة فجر اليوم الخميس أحد المُؤشِّرات في هذا الصَّدد.

– نحن السُّوريّون نتمتع بنَفسٍ طَويلّ، وصَبرّ لا حُدود له، ويبدو أنّ هذه الاستراتيجيّة بدأت تُعطِي ثِمارها، باستعادة 80 بالمِئة من الأراضي السوريّة بعد مَعارِك طاحِنة على مدى السَّنوات السَّبع العجاف الماضِية، ومِن خِلال المِقياس نفسه من غير المُستَبعد أن تتحرر الاجزاء المحتلة في محافظة درعا مع اطلالة فجر عيد الفطر كما تحررت الغوطة الشرقية فجر عيد الفصح، وان تكون محافظات الجنوب عيونها خضر، ويتم رفع العلم السوري الحبيب في مَيدان درعا الرَّئيس…

السوريون كلهم مع قيادتهم ووراء جيشهم الحبيب يقولون للجيش بفم واحد:

“عندي ثقة فيك وبيكفيك”


مدفع رمضان هذا التقليد الجميل…

$
0
0

مدفع رمضان هذا التقليد الجميل…

لشهر رمضان قصص وحكايات، نسينا بعضها، وبعضها لم يزل يعبق بوجداننا، وحكايات أخرى سمعناها عن الآباء والأجداد…

تكاد دمشق، تنفرد بتقاليد مميزة لشهر رمضان عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية.

يتعايش السوريون عامة والدمشقيون خاصة من كل الاديان والمذاهب مع شهر رمضان والعادات والطقوس التي تمارس في هذا الشهر، فهي معتمدة من الكل، ولعل مدفع رمضان من ممميزات هذا الشهر في بلاد الشام وله قصة وحكاية.

رمزية مدفع رمضان

مدفع رمضان هو مدفع يستخدم للاعلان عن موعد الإفطار والإمساك، وإخبار العامة من الناس عن هذا الموعد.

وهو تقليد متبع في العديد من الدول الإسلامية بحيث يقوم الجيش أو السلطة المختصة في المدينة وبعض القرى بإطلاق قذيفة مدفعية لحظة موعد الإفطار عند مغيب الشمس، معلنوة انتهاء صيام اليوم والبدء بتناول الطعام. وكانت أول مدينة تستعمل المدفع لهذه الغاية هي القاهرة…

تاريخ مدفع رمضان في دمشق

مدفع رمضان على سطح قلعة دمشق
مدفع رمضان على سطح قلعة دمشق

ظهر لأوّل مرّة في دمشق في عهد الوالي أسعد باشا العظم والي دمشق في عام 1742م ؟؟ ففي أحد الأيام ثبتت رؤية هلال رمضان بعد العشاء فأمر بضرب المدافع وكان الوقت عند منتصف الليل وذلك لتنبيه الناس بأنه تم ّ اثبات هلال شهر رمضان، فاستيقظ سكان دمشق على صوت المدفع مذعورين مندهشين، وازدحمت الشوارع وقتها لاستطلاع الخبر، وعندما علمو بالأمر فتحت الدكاكين أبوابها وفي مقدمتهم الأفران ودكاكين السْمانةْ، ثمّ تطوّر هذا التقليد بعدها، وصار شيئا” ملازما” لشهر رمضان والاعياد فيما بعد في دمشق.

مكان المدفع في دمشق

* كان اوّل مكان وضع فيه مدفع رمضان في دمشق هو على سطح قلعة دمشق، وكان يُسمع في أنحاء دمشق كلّها، لصغر المدينة القديمة داخل اسوارها وقتئذ والتي كانت أحياؤها السكنية واسواقها متوضّعة حواليّ القلعة.

و في عهد الانتداب الفرنسي تحوّلت القلعة إلى ثكنة عسكرية للجيش الفرنسي فتمّ نقله إلى هضبة قبة السيّارفي قلسيون المشرفة على ربوة دمشق وعلى سهل جنوبي دمشق.

بعد اتّساع المدينة وخروجها من اسوارها، لم يعد مدفع واحد يكفي لدمشق، فتمّ وضع مدفع آخر عند باب بولس (كيسان) قرب باب شرقي، ثمّ في اماكن أخرى فيما بعد، ليصبح في دمشق 17 مدفعاً.

مكان المدفع في حلب

* أما في مدينة حلب فكان المدفع يطلق من فوق قلعة حلب ليصل صوته إلى أنحاء المدينة التي تحيط بالقلعة.

البدائل في دمشق

* وفي خمسينيات القرن الماضي، تمّ استبدال مدفع الذخيرة الحيّة بمدويّات صوت، كانت توضع في عدد من حدائق دمشق حيث يتمّ وضع اسطوانة في أرض الحديقة وتوضع فيها كميّة من البارود ضمن قطعة قماشيّة ويتمّ إشعال فتيل مرتبط بها، وعندما تشتعل تندفع حشوة البارود عاليا” وتنطلق في الجوّ دون إحداث أي ضرر.

وكانت تطلق من ثلاث حدائق الأولى من “حديقة الجلاء” في وسط المدينة على ضفة بردى قرب جسر فكتوريا، والثانية من “حديقة الأندلس” في جنوب المدينة وتغطي جنوب وغرب دمشق، والثالثة من “حديقة الأرسوزي” في المزرعة وتغطي شمال وشرق المدينة.

اعلان بدء رمضان

* وعند ثبوت هلال رمضان، وبمجرّد أن يعلن القاضي الشرعي الاول بدمشق رؤية هلال رمضان، تبدأ المدافع باطلاق احدى وعشرين طلقة ايذاناً بتبوته، وبعد ذلك تُطلق يوميّاً طلقة واحدة عند موعد الافطار وثلاث طلقات عند موعد السحور، الأولى لتنبيه الناس والثانية لإعداد الطعام والثالثة وقت الإمساك .

اعلان العيد

كما ويطلق عند ثبوت رؤية هلال عيد الفطر وعيد الاضحى احدى وعشرين طلقة مرّة أخرى، وعلى مدى ايّام العيدين ( الفطر والاضحى ) يطلق المدفع طلقة واحدة عند موعد كل صلاة

وعندما انتشرت المساجد في البلدان الإسلامية وتطورت وسائل الاتصال ووسائل الإعلام تم الاستغناء عن “مدفع رمضان” في العديد من تلك الدول ولكن لم يزل “مدفع رمضان” باقياً في بلاد الشام.

الخاتمة

مدفع رمضان موجود في كل المدن والقرى السورية، هو رمز من رموز رمضان في بلاد الشام وتقليد تراثي متبع منذ مئات السنين له تقاليده ومواعيده الدقيقة.


الشماس اسبيرو جبور عاشق انطاكية

$
0
0

الشماس اسبيرو جبور عاشق انطاكية

رقد على رجاء القيامة الشماس اسبيرو جبور في المستشفى يوم الثلاثاء الواقع في 26/3/2018.

أُقيمت مراسم الجناز في الثامن والعشرين من شهر آذار، في دير القديس جاورجيوس ، دير الحرف، برئاسة سيادة المعتمد البطريركي المتروبوليت أفرام (كرياكوس)، وعاونه السادة المطران انطونيوس( الصوري) متروبوليت ابرشية زحلة والبقاع وتوابعهما، والأسقف أثناسيوس (فهد) معاون متروبوليت ابرشية عكار وتوابعها/ مطران طرطوس، والاسقف ثيوذور(الغندور) المعاون البطريركي بحضور عدد من الكهنة والشمامسة والرهبان والأصدقاء.

ألقى سيادة المتروبوليت أفرام عظة أشاد فيها بمزايا الراحل ومما جاء فيها:

” الشماس اسبيرو آية فريدة من نوعها، لاهوتي كبير، يعرف الكتاب المقدس، وتاريخ العقائد باليوم والشهر والسنة والاسم، بالمكان والزمان.

عشق كنيسة أنطاكية، وارتاح الى هذا الدير العريق وإلى صلوات الرهبان وركعاتهم. هذا أعطاه تواضعاً سحيقاً وفقراً وبساطة عيش، موسوعة نقالة، وفي الوقت عينه عاش غريباً على الارض على مثال سيده، ولم يعرف طعم الرفاهية… مايُعزّي قلوبنا أن الشماس اسبيرو وغيره من القامات الروحية، يتركون كنوزاً وافرة من كتاباتهم ومواعظهم وفكرهم…”

من هو الشماس اسبيرو (جبور) هذا الفقير الى المسيح وهذا المعّلِّم الواعظ الذي يتغذى من الكلمة الالهية؟.

السيرة الذاتية

ولد إسبيرو جرجي (جبور) في المزيرعة، اللاذقية صباح الثلاثاء 12 كانون الثاني 1923، أسمته والدته عزيزة الخوري إسبيرو لوقوع ولادته يوم عيد القديس اسبيريدون العجائبي.

درس في مدرسة المزيرعة الرسمية حتى عام 1935.

استوطن اللاذقية في 27 ايلول 1935، ودخل مدرسة الفرير. حصل على البكالوريا السورية الأولى العام 1942.

انتقل الى طرطوس والتحق بالمدرسة الفرنسية وحصل على البكالوريا القسم الثاني.

الشماس اسبيرو جبور عاشق أنطاكية
الشماس اسبيرو جبور عاشق أنطاكية

أتى الى دمشق وانتمى الى كلية الحقوق 1943، كما انتسب الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية العام 1942.

تصدى للحركات البروتستانتية واللاتينية بين 1944 و1946 في اللاذقية.

مارس المحاماة لأول مرة في 2/10/ 1947. سافر الى باريس لدراسة اللاهوت العام 1956، فلم يجد ضالته في معهد القديس سرجيوس اللاهوتي ( للروس البيض) وتوغل بمفرده في الدراسات الكتابية والآبائية، وترك باريس العام 1961.

شموسيته

رُسم شماساً في دير القديس جاورجيوس – الحميراء البطريركي في 3/11/1972 على يدي مثلثي الرحمات المطران الياس (قربان) طرابلس، والمطران الياس (يوسف) حلب وبحضور المطران اليكسي (عبد الكريم) حمص.

التحق كشماس بطريركي تابع لمثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع حتى شباط 1973، وكان كاتباً في في المحكمة الروحية الابتدائية في ابرشية دمشق.

التحق بالبلمند أيام مثلث الرحمات المطران يوحنا(منصور) اللاذقية، ثم عمل في مطرانية جبل لبنان في محكمتها الروحية مدة سنتين.

ذهب الى دير القديس جاورجيوس الحرف، كان آنذاك برئاسة الارشمندريت جورج (شلهوب)، وبقي فيه من خريف 1974 1974 وحتى 16 تشرين الثاني 1975. رافق مثلث الرحمات البطريرك ثيوذوسيوس السادس وجاهد باذلاً نفسه في خدمة الكنيسة الانطاكية المقدسة…

نُفي أكثر من عشرين مرة من سورية وسجن أكثر من سبع مرات. وهذا كله لم يُثنه عن قول الحق والدفاع عن كنيسته…برز في ايام بطريركية المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع، وخاض معه الانتخابات لملء الكراسي الشاغرة.

ذهب إلى حمص وبقي فيها فترة طويلة في كنف مثلث الرحمات مطرانها الكسي (عبد الكريم) وبقي حتى عام 1995 تقريباً وله فيها تلاميذ كثر ، وفيها أنتج معظم نتاجه اللاهوتي والكنسي، ثم عاد الى دير الحرف ونسك مع رفيق دربه الارشمندريت المغبوط الياس (مرقص) المتوفي في 22شباط 2011.

ثم لظرف خاص انتقل الى دير بكفتين مدة سنتين العام 2005 برعاية مثلث الرحمات مطران طرابلس الياس (قربان)، ثم عاد الى دير القديس جاورجيوس الحرف الى يوم رقاده.

ترك مؤلفات عديدة منها ومن أهمها: الاعتراف والتحليل النفسي، وستعرفون الحق والحق يحرركم

غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية مع المعلم اسبيرو عاشق انطاكية
غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية مع المعلم اسبيرو عاشق انطاكية

(يوحنا23:8)، سر التدبير الالهي: التجسد، يهوه أم يسوع، سيرة القديس اسبيريدون العجائبي، من أسقف تريميثوس وخدمته ، الانجيل بحسب يوحنا، الدعاء باسم يسوع، نصف إنسان: قصة، يايسوعاه، الاعتراف الرهباني، المزيفون، قرد أم انسان، قديسون من حمص، طريق النسّاك، قلق وجودي، التجليات في دستورالايمان، الله في اللاهوت المسيحي، المرأة في نظر الكنيسة ، دمشق ولاهوت الايقونة، فادي وذيسبينا، هرطقات معاصرة، ضلالات شهود يهوه والسبتيين، المغالطات اللاهوتية لدى شهود يهوه في التوبة، أنطاكية صنعت اللاهوت الارثوذكسي والكاثوليكي، الشعب ينتخب أساقفته، كنائس الشرق الأوسط، شرح صلاة الأبانا، شهود يهوه معلمون كذبة، سمعان العمودي والقديسون العموديونن سيرة القديس جاورجيوس ، الخليفة العادل عمر بن عبد العزيزويوحنا الدمشقي، القديس مارون الناسك.

وغيرها الكثير من الحالات والدراسات والكراسات والابحاث بعضها منشور وبعضها مسجل، يتقن العربية والفرنسية والانكليزية واليونانية القديمة ونقل منها انجيل متى ويوحنا ولكن ضعف بصره أثناه عن تكملة العمل على بقية العهد الجديد. وبرقاده اليوم تطوي الكنيسة الانطاكية صفحة بيضاء ناصعة، أغنت الفكر اللاهوتي الأكاديمي على مدى نصف قرن من التعب والجهاد وبذل الذات والفقر الاختياري، والعفة والتواضع والمحبة والصلاة المستمرة بشخص الشماس اسبيرو جبور.

– في مايلي حوار اجراه الشماس نكتاريوس (ابراهيم) والأخ طوني عبده العام 2006، بطلب من الارشمندريت انطونيوس الصوري متروبوليت زحلة حالياً لم ينشر من قبل، (وتنفرد مجلة النور بنشره في هذا العدد 3 لعام 2018 ونحن ندرجه في موقعنا هنا ليتعرف اصدقاؤنا الى هذه القامة الأنطاكية الروحية والعلمية في آن.

س1: كيف كان وضع الكنيسة في الكرسي الانطاكي قبيل نشوء حركة الشبيبة الارثوذكسية؟

الشماس اسبيرو جبور عاشق انطاكية
الشماس اسبيرو جبور عاشق انطاكية

– حطم العهد العثماني الكنيسة الأرثوذكسية ايما تحطيم. في تركيا أسلم بعض الأرثوذكس جوراًوبسبب الاضطهاد، اما الكرسي الأنطاكي فبقي صامداً، الا ان المرسلين الغربيين شقوا الكرسي الأنطاكي بسبب ظروف الامبراطورية العثمانية

“المريضة” وبداعي الفقر، فاشتروا من اشترواوحل الانتداب الفرنسي محل العثمانيين فهجّر هو والانتداب الانكليزي الارثوذكس والسريان والارمن وسواهم.

الانتداب الفرنسي صنع دويلة على الساحل السوري فجعلها دائرة انتخابية واحدة فانشق الارثوذكس آنذاك بينما كانوا يؤلفون أكثرية بين المسيحيين في سوريةولبنان، ثم أخضعت فرنسا مطران اللاذقية ارسانيوس فوعدته بتأييده إن رشّح نفسه للبطريركية ولكنها دعمت الكسندروس مطران طرابلس الذي لم يحصل الا على ثلاثة اصوات مقابل ثمانية أصوات. تقول القوانين المسكونية إن الأكثرية المجمعية هي التي تنتخب البطريرك، فانشق الكرسي الأنطاكي الى فئتين، ثم كانت أزمة حمص المعقدة، فحل ارسانيوس في اللاذقية مطران لفئة ضدالفئة التي تمالىء المطران تريفن غريب.

زادت فرنسا على الانقسام السياسي انقساماً دينياً وخلت الساحة من الكهنة. وفي اللاذقية انقلب حماس الارثوذكس الى حماس فئوي وهكذا تراجعت أحوال الارثوذكس كثيراً.

س2: كيف انتسبت الى حركة الشبيبة لارثوذكسية، وماكان دورك في مسيرتها؟

– في الخامس عشر من تموز 1941كتب مارسيل مرقص، الارشمندريت الياس مرقص لاحقاً رئيس دير الحرف رسالة الى صديقه المرحوم جبرائيل سعادة يعرض فيها عليه مشروع نهضة ارثوذكسية.

فلما تأسست الحركة في بيروت، كان جبرائيل سعادة أحد المؤسسين وحين أتى الى اللاذقية لحضور الفصح أعلم مارسيل بالأمرفاجتمع خمسة هم: مارسيل مرقص، جبرائيل سعادة، جبور عطا الله، جورج صالح، وتوفيق زائد، ثم أخذوا يدعون الناس الى الانضمام الى حركة النهضة.

كان جورج صالح زميلي في مدرسة الفرير، وكانوا في صف البكالوريا الاولى. ولما دعاني، لبيت الدعوة فوراً.

كانت الجلسة الثانية في 10 ايار 1944، فجمعت نخبة من الطلاب.

انقسمنا الى فرق حركية. فصار يوجد مركز يترأسه الياس مرقص، وكنا نعقد اجتماعات عامة شهرية.

الارشمندريت الياس مرقص رفيق الدرب في تأسيس الحركة
الارشمندريت الياس مرقص رفيق الدرب في تأسيس الحركة

كنا ايضاً، نلقي الخطابات ونقيم العيد السنوي لتأسيس الحركة. منذ البدء كنت عضوا نشيطاً في الحركة لأنني كنت متضلعاً بالعهد الجديد والصلوات. بصراحة مطلقة، إن صرت شماساً لدى البطريرك الياس الرابع في 3/11/1972، فلأن نضالي الحركي أدى بي الى ذلك. فميلي الأساس، منذ البدء، هو ميل رهباني، لذلك سرنا في التيار الرهبان منذ مطلع العام 1946، الا أن التطورات في الكرسي الأنطاكي كانت لاتشجع لا على الرهبنة ولا على الإكليريكية. لهذا، صرت محامياً في 2/10/1947، ومارست المحاماة باستقامة وصدقٍ في بلد صغير جداً. هذا يعني أن المكسب المادي كان محدوداً، إلا ان مهنة المحاماة مهنة (زعبرة) صبرتُ صبر ايوب في العمل. مع الوقت ترسخت الحركة ترسخاً كبيراً في اللاذقية، فدربنا الشباب على مطالعة الكتاب المقدس والصلوات والخشوع والتقوى.

س3: ماكان دور الحركة خلال الأزمات التي مر بها الكرسي الانطاكي في القرن المنصرم؟

– في العام 1962، تعرض الكرسي الانطاكي لهزة قوية جداً، فانبرى للمعركة الى جانب البطريرك ثيوذوسيوس أربعة رجال هم: المرحوم جورج نقولا خوري الدمشقي، والمرحوم موريس مخايل حداد اللاذقي، البير لحام البيروتي، واسبيرو جبور اللاذقي. وأسلم البطريرك أمره اليهم.

وكان المطران الياس معوض مرتبطاً بصداقة متينة بثلاثة منهم، ثم صار موريس نفسه صديقاً كبيراً لهم جميعاً، كان الكرسي الأنطاكي آنذاك يمر في مرحلة اختناق ولا مبالاة وكانت الكنيسة في اللاذقية مرهقة حركياً سياسياً وطائفياً، إلا ان الله وفقنا في استنفار أرثوذكس اللاذقية، فسارت نساء وبنات وراءنا كديش .

رُشح الأسقف أغناطيوس هزيم والأب جورج خضر والأب كوستا لمطرنة اللاذقية وذلك في 9/5/ 1960

كان هذا الأمر نصراً لخط المنهضة في الكنيسة، وكان لهذا النصر دوي كبير في الكرسي الأنطاكي، فاستيقظ من الموت الى النضال الكبير ضد محاولات السياسة الدولية في التدخل في شأننا الأنطاكي، لكن، تعذر الانتخاب، فانسحب البطريرك ثيوذوسيوس السادس الى دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير في لبنان، فدعمه الرئيس شارل الحلو. أخيراً نجحنا في انتخاب هزيم على اللاذقية.

ثم قضت مصلحة الكنيسة بمعارضة البطريرك الكسندروس الثالث والمطران ابيفانيوس زائدن وقد عارضناهما بعد صداقة. وعارضنا انتخاب المطران باسيليوس سماحة لطرابلس وسواها رغم الأكثرية المجمعية التي كان يتمنع بها.

وعندما اشتد الصراع بين البطريرك ثيوذوسيوس وباسيليوس سماحة في السنة 1962، انبرى الأربعة الآنف ذكرهم الى مساندة البطريرك والمطران الياس معوض. وفي اللاذقية انتمى مطرانها جبرائيل دميان الى فريق باسيليوس سماحة فعارضناه بقوة معارضة جمعت تسعين بالمائة من الشعب الى جانبنا. وفي انتخابات المطارنة في العام 1969، كان للحركة دور قاطع في مساندة البطريرك والمطران معوض. وكان لدلال حداد زوجة الدكتور جوزيف صايغن وهي حركية قديمة، مع زوجها دور مهم بين 1971 الى 1977، والتفاصيل قد تملأ مجلدات.

س 4: هل كان عملكم سهلاً أم لقيتم صعوبات؟

المعلمان الانطاكيان المتروبوليت جورج خضر، والشماس اسبيرو جبور في دير القديس جاورجيوس الحرف
المعلمان الانطاكيان المتروبوليت جورج خضر، والشماس اسبيرو جبور في دير القديس جاورجيوس الحرف

– المسألة أكبر من صعوبات، فقد تعرضنا للاضطهاد وخطر الموت، وهذه قصة يطول شرحها. ولكن، هناك أمر خطير جداً وهو استفحال استخدام الشتائم ضدنا. كان خصومي يعلمون أنني محامٍ طُهريّ لاتغره مليارات الأطنان من الذهب. ولو جمعت شتائمهم ضدي لصارت أطناناً من الورق. في شباط 1968 بدأ التشرد بالنسبة إلي وما زال قائماً حتى اليوم وخلاله تعرضت لمحن لاتحصى.

س 5: ما رأيك بين مانسمعه بين الفينة والأخرى حول عدم الحاجة الى الحركة اليوم بعد أن عمت النهضة الكرسي الانطاكي؟ وماهو جوهر عمل الحركة ؟

– بعد عمر مديد جداً في الحركة وخارجها، لا أرى في إكليروس اليوم مايبرر الاستغناء عن الحركة. نشأنا في الربعينات كجماعة روحانية رهبانية، وقد قلت في 7 /11/2008 لسيادة المطران جورج خضر والبير لحام منشأنا في الاربعينيات روحانيين لا علاقة لنا بالاكليريكية. فوافق على ذلك البير، وقال نحن جماعة روحانيين رهبانيين كما يشهد الصرح الذي نحن فيه ( اي دير القديس جاورجيوس، دير الحرف). واتفقنا على العودة الى الأصول، فالحركة نهضة إلهية روحية، غير موجودة في الاكليريكية، فيها توثب وانطلاق. بينما الإكليريكية تعرف، في الحياة الواقعية التراتبية والخضوع للبطريرك والمطارنة.

لست ضد النشاط الاجتماعي للحركة، ولكن بشرط أن تبقى لَهَبَات الحركة روحية، والا يبعدنا العمل الاجتماعي أبداً عن اللهيب الروحي. نحن جماعة روحانية تسبح في غمار العهد الجديد وآباء الكنيسة. الخروج من هذا المحيط سيميتنا كما تموت السمكة إن خرجت من البحر.

س 6: مارأيك في الحركة اليوم؟

– الحركة اليوم ليس فيها لهيب أربعينات القرن الماضي. عليها أن تعود إلى ذلك اللهيب، ولكن بنضوج الرجال، وبخاصة بعد أن تجاوز الرعيل الأول الخامسة والثمانين من العمر.

الحركة تمر اليوم في مرحلة حساسة ودقيقة. إنها تريد أن تساير الزمن والتطور المزعوم. هذا سيذهب بها مع الرياح. الحق لهيب روحي غير قابل لأن يدخل الأقنية والتعليب أبداً. إن سقطنا من هذا البرج العالي صرنا جمعية كباقي الجمعيات، نحن لسنا جمعية ولا مؤسسة بل تيار روحي نهضوي آبائي لاهوتي رهباني يتجاوز كل المفاهيم التي تجعل منا أناساً ضمن علب ونظام اجتماعي معين. فلا الفلسفات المعاصرة ولا التيارات السياسيةوالاجتماعية المعاصرة صالحة لأن تأخذ بمجامع قلوبنا. لست ضد التنظيم، ولكني ضده إن قتل روحنا الوثابة ، في الأساس نحن صواريخ روحية . الحركة اليوم تمرّ في شيء من الفتور الروحي. يخطىء من يظن أننا مدرسة للتعليم المسيحي. نحن تيار جارف يخطف الروح إلى السماء، فالنظام جيد إن احترم انطلاقتنا الصاروخية.

س 7: مانصيحتك للحركيين اليوم؟

من أجل استمرار الحركة بعد الرعيل الأول، يجب أن يغرف الحركيون من العهد الجديد ومن الصلوات وآباء الكنيسة بحرارة لا تفتر أبداً، وأن يسلكوا بروح الوداد التي كنا نتمتع بها وكانت تجمعنا. الرسميات والشكليات واللياقات وما اليها هي ضد الحركة .

الحركة هي حركة وداد وصراحة وصون واستقامة ولهفة عميقة من دون أن تتحول الحركة الى حزب او جمعية. يجب أن تبقى علاقاتنا روحانية، إذ لايجوز ان تخضع هذه العلاقات للاعتبارات الاجتماعية إن كانت هذه الأخيرة ضد ثوابتنا الروحية. أكرر لست ضد النظام والأصول، لكنني اعرف ان الشكليات تقتل الروحانيات.

استفدنا كثيراً من الاعتبارات الاجتماعية والنظام، ولكننا تجازناهما وانطلقنا…”

(انتهى النص المنشور في مجلة النور لسان حركة الشبيبة الارثوذكسية العدد الثالث السنة الرابعة والسبعون 2018)

وانا أقول

المسيح قام ايها القامة الانطاكية الروحانية الارثوذكسية الرفيعة وقد جاورت عنان السماء…

الشماس إسبيرو جبور نم قرير العين فانطاكية بخير، وكما ازهرت بجهودكم مع رفقة دربك بارغم من جدب الارض ومحلها، هي اثمرت مجدداً وتعيد ازهارها وإثمارها بوجود براعم وأغصان طرية صامدة بالرغم من الاعاصير العاتية التي ضربت الفكر عند بعض الانطاكيين بأنانيتهم ما أثر على موقف الكنيسة الجامع.

مع مساهمة للرياح العاتية التي تضرب سورية طيلة سبع سنوات عجاف رائدها الذبح والدم والدمار ولبنان في عين العاصفة وسائر المشرق، ولكن الله في وسط انطاكية والحركة ستستمر لمجد الارثوذكسية الانطاكية.

عيد العنصرة هو عيد تأسيس المسيح لكنيسته…هو يوم ميلاد الكنيسة على يد التلاميذ في العلية

$
0
0

عيد العنصرة هو عيد تأسيس المسيح لكنيسته…هو يوم ميلاد الكنيسة على يد التلاميذ في العلية

أحد العنصرة المجيد

بنسمةٍ عاصفة وبنوع لسان من نار … يوزع المسيح الروح الإلهي للرسل الإطهار … لقد انسكب الروح في نهار عظيم على صيادي البحار.

مقارنة العنصرة في العهدين القديم والجديد

قد تسلمنا هذا العيد المجيد من كتب العبرانيين لأن كما أن أولئك يعيدون العنصر المعينة عندهم مكرمين العدد السابع وأنهم بعد الفصح أجازوا خمسين يوماً فأخذوا الشريعة هكذا.

ايقونة العنصرة
ايقونة العنصرة

نحن بعد الفصح نعيد خمسين يوماً فنأخذ الروح الكلي قدسه المُشترع والمرشد إلى كل حق والمرتب الأشياء المرضية لله. وليُعلم أن عند اليهود كانت ثلاثة أعياد عيد الفصح والعنصرة والمظال. فأما الفصح فكانوا يعملونه لتذكار عبور البحر الأحمر لأن الفصح يُترجم عبوراً وقد دل هذا العيد عن عبورنا من الخطيئة المظلمة ودخولنا الفردوس أيضاً.

وأما العنصرة فكانوا يعيدونها لتذكار شقائهم في البرية وكيف أنهم بشقاء وضرر كثيرٍ دخلوا إلى أرض الميعاد لأنهم حينئذٍ تمتعوا بثمر الحنطة والخمر وقد دل على شقائنا الذي كابدناه من عدم الإيمان وعلى دخولنا إلى الكنيسة لأنه حينئذ ونحن تناولنا الجسد والدم السيدي. فالبعض إذاً يقولون أنه لهذا السبب تُعيد العنصرة عند اليهود. والبعض يقولون إنه لإكرام الخمسين يوماً التي صامها موسى فاقتبل الناموس المكتوب من الله ومع هذا أيضاً متذكرين ذبح العجل وغيره من الأعمال التي عملها موسى بصعوده ونزوله على الجبل. وخلافهم ظنوا أن العبرانيين استنبطوا العنصرة لإكرام العدد السابع كما قيل لأن هذا إذا ضُرب في ذاته فيعمل خمسين إلا يوماً وهذا الإكرام ليس يعملونه للأيام فقط بل وللسنين التي منها يتولد عندهم ابوفيلاوس (أعني العتق) لأن السبع سنين لما تتضاعف في ذاتها تصير هكذا عندما أيضاً يتركون الأرض بغير زرع ويمنحون الحيوانات راحةً ويأمرون العبيد المبتاعين أن ينصرفوا معتوقين. وأما العيد الثالث فهو عيد المظال الذي كان يُعيد بعد قطف الأثمار أعني بعد خمسة أشهر من عيد الفصح فيكمل هذا لتذكار اليوم الذي فيه أولاً موسى نصب المظلة التي نظرها بواسطة الغمامة في جبل سينا وأتقنت من بسلائيل رئيس النجارين لأن وهؤلاء كانوا يكملون هذا العيد صانعين مظالاً ومقيمين في الحقول وكانوا يجمعون أثمار أتعابهم شاكرين لله. وقد يُظن أن في شأن هذا كتب داود زبورات لأجل المعاصر. وهذا كان رسماً لقيامتنا من الأموات عندما نتمتع بأثمار أتعابنا معيدين في المظال الأبدية بعد انحلال مظالنا الجسدية وانتصابها أيضاً. فيجب أن نعلم أن في هذا اليوم لما كان يكمل عيد العنصرة حضر الروح القدس إلى التلاميذ ومن حيث أنه قد ظهر موافقاً للآباء القديسين أن تتوزع الأعياد لأجل عظمة الروح المحيي الكلي قدسه لأنه هو أحد الثالوث القدوس عنصر الحياة هوذا ونحن في الغد سنتكلم عن كيف حضر الروح الكلي قدسه. فبشفاعات الرسل القديسين أيها المسيح إلهنا ارحمنا آمين.

شروحات حول العيد وأيقونته

ايقونة العنصرة وشرحها
ايقونة العنصرة وشرحها

“ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً” (أع٨:١)

تجسّد الأيقونة حلول الروح القدس على التلاميذ بشكل ألسنة ناريّة، فابتدأ التلاميذ على الأثر يشهدون للرّب دون خوف.

هو عيد تأسيس الكنيسة ومولدها

في هذا اليوم كثيرون قبلوا كلام الربّ بفرح، واعتمدوا، وانضم نحو ثلاثة الاف نفس

وهو في المرحلة الثالثة في الكنيسة، في العهد الجديد

المرحلة الأولى: من البشارة الى الصليب

المرحلة الثانية: من الصليب الى القيامة

المرحلة الثالثة: من القيامة الى العنصرة مروراً بالصعود

– الروح القدس قوّى التلاميذ وأضاء لهم كلّ شيء من جديد. فهموا الكتب، وما جرى معهم من أحداث: “أمّا المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كلّ شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا ٢٦:١٤).

– هو معموديتهم بالروح

– حدث العنصرة يعيدنا إلى برج بابل ولكن هذه المرة بشكل معاكس. في بابل كانوا يتكلّمون لغة واحدة ثم ما عاد الواحد منهم يفهم ما يقوله الآخر، وأمّا الآن فهم يتكلّمون بلغات مختلفة ولكن يفهم الواحد الآخر.

– مكان العنصرة العليّة. وهذا يعيدنا بالذاكرة الى العشاء السرّي في علّية صهيون

ايقونة العنصرة
ايقونة العنصرة

– الرداء الأحمر في الأيقونة من فوق يرمز ويشير الى المجد الإلهيّ الذي كان يظلّل المكان. ونراه في أيقونات عديدة…

– وضعية التلاميذ وعددهم كما في الصعود، هم إثنا عشر تلميذًا بينهم بولس الرسول. ستة تلاميذ من كلّ جهة

– المكان الوسطي الذي يشكّل المكان الرئيس هو شاغر، لأن هذا هو مكان الرّبّ يسوع المسيح رئيس الكنيسة الدائم.

– يجلس التلاميذ على مقعد نصف دائري وكأنّهم في مجلس أعلى، وهذا يذكرنا بما قاله الرّبّ يسوع:” ستجلسون معي وتدينون الأمم.”

– التلاميذ على هذا الشكل

1- من جهة يمين الأيقونة بطرس، متى، مرقس، يعقوب، سمعان، توما

2- من جهة يسار الأيقونة بولس، يوحنا، لوقا، اندراوس، برثلماوس وفيليبس

– على خلاف أيقونة الصعود، لا نجد والدة الإله في أيقونات العنصرة إلّا في بعض الأيقونات، وذلك لأنّه حلّ عليها الروح القدس في البشارة.

– الأناجيل والرسائل في يد الرسل دلالة على ما كتبوه وبشّروا به

– الرجل المسن في الأسفل يمثل المسكونة التي تنتظر البشارة، لهذا نجده داخل كهف مظلم لأن نور المسيح لم يدركه بعد. وهو ملك وشيخ طاعن في السن يمثّل الخليقة جمعاء منذ القدم والرازحة تحت ثقل الخطيئة. يحمل بين يديه قطعة من القماش وضع عليها إثنا عشر ملفاً رمزاً للرسل الإثني عشر الذين حملوا البشارة إلى العالم أجمع.

– طروبارية العنصرة، نجدها في هذه الأيقونة

– الصيادون هم الرسل، المسكونة تتمثّل بالشيخ الذي يقف في الوسط، والروح القدس بالألسنة النارية الهابطة من فوق.

– إنّ معموديّة الروح القدس تنشئ ولادة جديدة: الروح القدس في البشارة، كانت نتيجته ولادة المخلّص، وأمّا الآن فهي ولادة الكنيسة.

+ لماذا حلّ الروح القدس على السّيّد المسيح بهيئة حمامة، بينما حلّ على التلاميذ بشكل ألسنة نار؟

1- النار تستخدم للتطهير، و السيد المسيح لا يحتاج إلى تطهير، لأنّه بلا خطيئة

2- الألسنة من أجل المواهب والسيد المسيح لايحتاج الى مواهب، لأنّ فيه كلّ كنوز المعرفة والحكمة.

3- في بداية الخليقة، كان روح الله يرفّ على وجه المياه

4- الحمامة رمز البساطة والوداعة

5- حمامة نوح تعلن عن البداية الجديدة، وفي المعمودية الولادة الجديدة

6- الحمامة كانت الطير الذي يستخدم في ذبائح العهد القديم

7- الكنيسة توصف في سفر نشيد الأنشاد بالحمامة

” ايها الملك السماوي المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالىء الكل، هلم واسكن فينا وطهرنا من كل دنس، وخلص ايها الصالح نفوسنا.”

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

$
0
0

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

توطئة

لايخفى على احد من المتابعين لتاريخ وحاضر الكرسي الانطاكي المقدس واستشراف مستقبله، لابد له من أن يدرك ان وجود هذا الكرسي الرسولي وثباته بل وارتقاءه في قفزات التوثب في كل عصر، بالرغم من مصيره المتلازم مع منطقتنا المشرقية مع عواصف التجارب والمحن. ان الروح الالهي هو الذي في وسط الكنيسة عامة، وهو المعزي الحق الساكن في هذا الكرسي الذي يرعاه ويسدد خطواته وهو سر المسيح له المجد المؤسس والكائن في وسطها…

فكما كان التأسيس لهذا الكرسي الباعث بشعاع عنصرته من انطاكية وعبر سائر المشرق بيد زعيمي الرسل بطرس وبولس الهامتين، كان الاستمرار من خلال اعلام كانوا اشباه قديسين وأشباه ملائكة كانوا يمشون على الارض بيننا دافعهم اكمال سر المسيح الذي تجسد لأجلنا وقد اختارهم الروح لاكمال هذا السر عبر قيادته وعطائه الذي لم ينضب في التشديد على التقليد النقي والحفاظ على الارثوذكسية الحقة، فكان الألق الأنطاكي بالرغم من فداحة الخطوب والمظالم والانشقاقات التي ضربته خلال الالفين المنصرمتين من عمره ولكنه كان الاول في التأسيس وبقي الاول في استمرار التألق والعطاء وخاصة في تصويب الاخطاء وفي انتاج الشعر والموسيقى والأهم هو في ايجاد قامات كانت خليفة للرسولين المؤسسين الهامتين، هذه القامات التي لعبت هذا الدور القيادي والرائد في اللاهوت والفكر والفن…

الزيارة الاخيرة لغبطة ابينا البطريرك يوحنا الى اللاذقية وهو والمطران يوحنا في قداس مشترك
الزيارة الاخيرة لغبطة ابينا البطريرك يوحنا الى اللاذقية وهو والمطران يوحنا في قداس مشترك

عديدون وأكثر من ان يطالهم العد والحصر وتاريخنا حافل بهم، هم العظماء الرواد الذين اوجدهم الكرسي الانطاكي لخدمته وبنيانه باستمراروهم من كل ركن من ارجائه، ولكن للاذقية المتوسط هذه الغادة البحرية المعطاء المتكئة على خضرة جبالها والناظرة لا بل والسابحة في المياه الزرقاء كان النصيب الأكبر عبر ثلة من رجالاتها الأغيار الذين حركهم الروح الالهي كالمؤرخ الياس صالح وكمؤسسي حركة الشبيبة الارثوذكسية امثال الارشمندريت الياس مرقس والاستاذ جبرائيل سعادة والشماس اسبيرو جبور وعلمنا المتروبوليت يوحنا منصور وتلاميذه الحاليين…وغيرهم ممن لم تسعفنا الذاكرة في جمعهم…

علمنا مثلث الرحمات يوحنا من هذه القامات التي لن تنضب من ارض انطاكية العظمى وابرشية اللاذقية فكان هذا القائد الرمز المعاصر للنهضة الانطاكية الحديثة والمثال اللاذقي الصالح …

برأينا الشخصي والمتواضع الذي بنيناه من العمل المستمرعلى تكشيف وثائقنا البطريركية عامة ووثائق ابرشية اللاذقية خصيصاً وبالأخص منها التي تعود الى زمن مطرانها الرائد ملاتيوس الدوماني( البطريرك) وجدنا ان المؤسس الأساس لما قامت به اللاذقية من تميز روحي، كان اولاً وأساساً بفضل مطرانها الرمز ملاتيوس الدوماني الدمشقي 1865-1998 فمن يعمل على تراث اللاذقية المكتوب في هذه الوثائق سواء كانت رسائل او مخطوطات او سجلات يدرك هذه الحقيقة ويدرك دوره كبناء معمار لأبرشية فقيرة ضربتها الزلازل وشردت شعبها ودمرت بيوته وكنائسه واراضيه الزراعية عام 1870 فكان ملاتيوس مداوياً لجروحات رعاياه المنكوبة،وكان بناءً للنفوس والاجساد فجعلها كنائس حية وهدى كثيرين للايمان الارثوذكسي، وكان معماراً للحجر نشر الكنائس والمدارس في اقصى واقسى الريف الجبلي…خلال 33 سنة وكانت الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الارثوذكسية تنشر المدارس في كل الابرشيات الا في اللاذقية التي لم تكن على جدول اعمالها فقام هو ببنائها، واوجد الجمعيات الخيرية والتعليم الديني والترتيل وكان أول من اوفد من مطارنة الابرشيات الى اكاديمية خالكي اللاهوتية من الشمامسة كمسرة وجبارة وعلى نفقته الشخصية وقد زرع هذه الابرشية وسقى الزرع وحفز ابناءها فكانوا وكان خلفاؤهم ممن ذكرنا.

ولذلك ولاقتداره تم الاجماع عليه كأول بطريرك وطني ليبني كرسي انطاكية المتشظي خلال قرابة قرنين مؤلمين من تاريخه رزح فيها تحت رئاسات غريبة عنه لم تهتم يوماً بنهضته الروحية والعلمية بل كانت نهباً للذئاب بثياب الحملان… فكان المنقذ بطريركاً مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني…

نتذكر بالعرفان ايضاً مطرانها ارسانيوس حداد الذي خلف الدوماني فكان الخلف الصالح للسلف الصالح…

ولابد لنا من الاعتراف بدور مطرانها المعلم اغناطيوس هزيم ابن بلدة محردة بريف حماة الذي خدمها خلال 13سنة زارعاً بدوره من عطائه العلمي والروحي والموسيقي… فأصلح ما اعوج وتابع البناء مع وكيله الارشمندريت يوحنا منصورقبل ان يتسلم علمنا رعايتها عام 1979 عندما تم اختيارمطرانها هزيم بطريركاً.

ان علمنا مثلث الرحمات المتروبوليت يوحنا هو استمرار لمن سبقه من مطارنة اللاذقية العاشقين لانطاكية وقد استمات من اجل بناء الاديرة، وبناء الشبيبة الارثوذكسية وخدمة الرعية على الارض، كما في الرهبنة التي اثمرت رهباناً تعملقوا واكليروساً تميز في خدمة انطاكية العظمى في كل ابرشياتها المتمثل اساساً وعلى سبيل المثال بغبطة ابينا البطريرك يوحنا وشقيقه المطران بولس مطران حلب والاسكندرونة المظلوم والمغيب، والمطران سابا مطران بصرى حوران وجبل العرب، والمطران باسيليوس مطران عكار…والمطران باسيليوس مطران اوستراليا والمطران اثناسيوس خليفته في كرسي اللاذقية… واساقفة ابرشية عكار…وكل منهم أفرع من مدرسته طرابين وزهوراً يانعة من اساقفة، وكهنة ورهبان يعملون بصمت.

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها
المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

السيرة الذاتية

من مواليد بلدة المزيرعة في اللاذقية العام 1927

في 28 آب 1959 رُسم راهباً في دير القديس جاورجيوس الحرف على يد متروبوليت جبل لبنان ايليا كرم.

في 19 ايار 1962 رسمه المطران الياس (قربان) مطران ابرشية طرابلس وتوابعها  شماساً، وعهد اليه برئاسة دير سيدة بكفتين.

في العام 1966عينه البطريرك ثيوذوسيوس السادس معتمداً بطريركياً في ابرشية اللاذقية التي شغرت بوفاة مطرانها جبرائيل دميان وظل فيها حتى العام 1973.

في العام 1973 عينه البطريرك الياس الرابع رئيساً على دير سيدة البلمند البطريركي.

مجاز باللاهوت من معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند العام 1978.

في 21 تشرين الثاني 1979 وفي عهد البطريرك اغناطيوس الرابع انتخبه المجمع الانطاكي المقدس مطراناً لأبرشية اللاذقية خلفاً لمطرانها ( البطريرك) اعناطيوس (هزيم) انتخب مطرانا لأبرشية اللاذقية
بتاريخ 25 تشرين الثاني 1979 تمّت رسامته مطرانا على الأبرشية في الكاتدرائية المريمية بدمشق بيد معلمه البطريرك اغناطيوس الرابع بحضور مطارنة جبل لبنان جورج خضر وطرابلس الياس قربان وحمص الكسي عبد الكريم وحلب الياس يوسف…
وبتاريخ 30 تشرين الثاني 1979 دخل أبرشيته باحتفال جماهيري غير مسبوق، واستلم عصا رعايتها في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

حفل عهده بالعطاء والعمران بكل شيء
اولاً: الأديرة

دير رقاد السيدة العذراء 1984 قرية بلمانا بانياس

دير رقاد السيدة العذراء 1993 أسكران، كسب للمخيمات

دير رقاد السيدة 1995 صلنفة

دير ميلاد السيدة ساعين

دير سيدة الجوزية طريق كسب

مقام مار تقلا في المدينة حي مار تقلا

ثانياً:المؤسسات والجمعيات الخيرية

جمعية التعاضد عام 2005
جمعية دفن الموتى

الجمعية الخيرية

جمعية السامرية

جمعية أصدقاء الفقير

مدارس الأحد الأرثوذكسية

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها
المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

الثانوية الوطنية الخاصة

فندق النور

الجمعية القروية

تهدف هذه الجمعيات والمؤسسات لمساعدة الفقراء والمرضى والتلاميذ والمحتاجين والعائلات المستورة في سجلات وقيود بإشراف لجان خاصة وبدون ضجيج.

مطارنة اللاذقية في العصر الحديث

نثبت هنا تسلسل مطارنة ابرشية اللاذقية منذ حوالي قرن ونصف:

1- المطران ملاتيوس الدوماني 1865 لغاية 1898 (33 عاما ) وبعد 1898أصبح بطريركا ويعد هو زارع غرس النهضة الروحية  الاساس في هذه الابرشية.

2- المطران أرسانيوس حداد 1900- لغاية 1933 ( 33 عاماً )

3- المطران تريفن غريب 1933 ولغاية 1959 ( 26 عاما)(عاصره المطران أبيفانيوس زائد وأحدث الكنيسة المستقلّة)

4- المطران جبرائيل دميان 1959 ولغاية 1966 ( 7 سنوات)

5- المطران اغناطيوس هزيم 1966 – 1979 ( 13 عاما )

المطران يوحنا منصور 1979 لغاية 4-4-2018 ( 39 عاما)ازدهرت فيها النهضة الروحية في أبرشية اللاذقية.

المطران يوحنا وتلاميذه المطارنة سابا وبولس وباسيليوس....
المطران يوحنا وتلاميذه المطارنة سابا وبولس وباسيليوس….

في هذا الشأن وتحت عنوان:

” كنيسة اللاذقية في عهد المطران يوحنا منصورمدرسة رهبانية لاهوتية”

سبق لرفيق دربه في الرهبنة وتأسيس حركة الشبيبة الارثوذكسية الشماس اللاذقي المعلم واللاهوتي الفذ اسبيرو جبور (رحمه الله) ان كتب هذا المقال والذي نشره موقع السراج الأرثوذكسي حيث قال فيه:

“في 30/11/1979 وصل المطران يوحنا اللأذقية وحلّ في المطرانية منذ ذلك التاريخ حتى الآن يوحنا منصور وتلاميذه مدرسة رهبانية لاهوتية أعطتنا دكاترة في اللاهوت والمؤلفين والمترجمين والرهبان والراهبات ومولانا البطريرك الجليل يوحنا يازجي وحبيبنا المطران سابا إسبر الذي ترجماته ومطبعاته صارت مكتبة وسيدنا بولس يازجي أعاده الله لنا بسلامٍ وأمانٍ النشيط البارع وسيدنا الحبيب باسيليوس منصور النشيط العامل أعطتنا أساقفة وعدداً من الأرشمندريتية والكهنة والرهبان والراهبات ودير بلمانا ودير الجوزية الذي يبنى الآن وصارت هذه المدرسة تستحق تاريخاً يحتاجُ إلى قلم المطرانين الجليلين سابا وباسيلوس ليؤرخوا هذه الحقبة الممتلئة بنعمة الروح القدس الكرسي الأنطاكي يحتاجُ إلى عشرات المتبتلين ذوي الكفاءات العالية واللأذقية محدودة القدرات بشرياً ومالياً ومع ذلك أعطت هذه الثروة الرهبانية واللاهوتية وهي ترتبط بالدرجة الأولى باللغة اليونانية وحملة الدكتورات متخرجون من بلاد اليونان ينطقون باليونانية واليونانية هي لغة اللاهوت الأرثوذكسي بخاصة والمسيحي بعامة تحميل اللاذقية أعباء الكرسي الأنطاكي وحدها يلفت النظر يجب أن تساهم جميع الأبرشيات بتحمل هذه الأعباء وتقديم مئات المتبتلين لتكون الإدارة والحياة الكرسي الأنطاكي ممتلئتين من الروح القدس اليوم يعاني الكرسي الأنطاكي من نقص عدد المتبتلين فصارت الشقحذة تحتل مكانةً ما بالكرسي الأنطاكي بدلاً من إلتزام العمل الروحي الصامد الفعال النشيّط القوي ، في العام 2008 زار صاحب السيادة بنيدكتوس مطران عمان اللاذقية حاملاً ذخائر القديس نيكتاريوس وهبت اللاذقية  بخضها وخضيضها وكبيرها وصغيرها لتبارك من هذه الذخائر فأصيب سيادته بدهشةٍ كبيرة لم أرى بحياتي جمعاً كهذا الجمع وخلع الأنكلبيون من رقبته ووضعه في رقبة المطران يوحنا فلماذا لا تغار الأبرشيات الأخرى وتلتف حول مطارنتها للصوم والصلاة والتبرك والنسك والزهد والترهب ودراسة اللاهوت دراسة عميقة الليسانس باللاهوت لا تصنع لاهوتياً والدكتوراة في اللاهوت دقيقاً مئة بالمئة المسألة تحتاج إلى دكتورات وعمل دؤوب متواصل بالمكتبات وبدون اللغة اليونانية كل شيء سطحي بنسبة كبيرة لأن اللاهوت الارثوذكسي يوناني السمات والألفاظ اللاهوتية يونانية يجب أن يفهم المرء مدلول هذه الألفاظ والمصطلحات في اللغة اليونانية بدون اللغة اليونانية يشقشق المرء شقشقةً اللاهوتي الأصيل يقرأ العهد الجديد باللغة اليونانية يستفيد من الترجمات ولكن تبقى اللغة اليونانية هي الأصل في مطالعاته يستطيع أن يقارن بين الترجمات والأصل اليوناني ويستفيد من المترجمين لأنهم بذلوا جهداً كبيراً ليترجموا الأصل اليوناني والمصطلحات نفسها يونانية إن لم نفهم معنى لفظة أقنوم وشخص باليونانية نبقى جاهلين أصول الاشتقاق الألفاظ اللاهوتية وتاريخ هذه الألفاظ ولذلك أمتدح سيدنا الحبيب المطران أفرام كرياكوس شرحِ هذه الألفاظ اليونانية في كتابِ سرّ التدبير الإلَهي وقال ما قال فيه مع العلم أنه صاحب الفضل بالإيحاء إلي بتأليفه فاللاهوت الأرثوذكسي صنعة إستثنائية تحتاج بالدرجة الأولى إلى اللغة اليونانية والغوص في معاني العهد الجديد يحتاج إلى مراجعة الأصل اليوناني الذي يعطينا كماً كبيراً من المعاني وتميزت مدرسة اللاذقية باعتماد اللغة اليونانية أساساً للدراسة والصلوات والترتيل ، اللاهوت  سعّة باسيلوس وغريغوريوس ويوحنا الفمّ الذهب ومكسيموس المعترّف ويوحنا الدمشقي غريغوريوس بالاماس  وسواهم بدون إستيعاب تعاليمهم يبقى الإنسان سطحيٌ في اللاهوت وبدون القديس يوحنا الدمشقي يبقى الإنسان هامشياً في اللاهوت ، اللاهوت الأرثوذكسي مرتبط بالبالاماس ويوحنا الدمشقي ومصادرهما ويوحنا الدمشقي متفوقٌ جداً في الصياغة اللاهوتية بالاماس أعتمد عليه ولكن يوحنا الدمشقي متفوق على الجميع وإن كان بلاماس أوسع من يوحنا بكثير ومكسيموس المعترف قلعة لاهوتية وإن كان فهمه عسيراً منذ أيام كانت أختاً تقرأ عليّ كتابي الاعتراف والتحليل النفسي فاصطدمت بجملة من مكسيموس المعترف فشرحتها لها فإذ بالجملة تدل على نوعية ذهنية مكسيموس المعترف جملة واحدة فقط دلت على ذهنيته والأخت ذكية جداً ولكنها لم تستطع فهما إلا لما شرحتها لها ،  الدخول إلى مكسيموس المعترف يحتاج إلى جهود مضنية جداً جداً شخصيته متعددة الواجهات وجمله مسبوقة بقوةٍ وعسرٍ كبير منذ سنوات قليلة قرأت عن تبدل في رأي الباحثين الألمان في لاهوتي من بلادنا مشهور اسمه ديونيسيوس الاريوباغي طبعاً علمت فوراً مصدر تغيريهم فإذا به محاضرة أو مقال للمرحوم فلاديمير روسكي في العام 1957 في ألمانيا  نشرت حديثاً في مجلة كونتاك فبقي باحثون في ألمانيا عشرات السنين ولم يفهموا ديونيسيوس المذكور ان على ضو هذا المقال اوالمحاضرة للمرحوم فلاديمير روسكي و ديونيسيوس هو أحد مصادر مكسيموس وبالاماس فلذلك فمدرسة اللاذقية أحسنت جداً في توجيه طلابها إلى بلاد اليونان لدراسة اللغة اليونانية وإن كنت لا أكتفي بدكتوراة واحدة فالدكتوراة لا تصنع لاهوتياً عميقاً بل التطلع من آباء الكنيسة هو الذي يصنع اللاهوتي مع إحترامي للدكتوراة أعتبرها ورقة إن لم يرافقها التطلع من آباء الكنيسة لا من  أب واحد فقط بل من الآباء ، فالحصول على الدكتوراة في  باسيلوس وغريغوريوس ويوحنا الفمّ الذهب ومكسيموس المعترّف ويوحنا الدمشقي أو بالاماس لا يعني أن الإنسان صار لاهوتياً عبقرياً يجب أن يتطلع الإنسان على مجموعة التراث الأرثوذكسي ولكن دراسة اللغة اليونانية هي المفتاح للإطلاع على تراثنا اليوناني .

أسألُ الله أن يحفظ اللاذقية أمينةً في هذا التراث اللاهوتي الرهباني وأسأل الله أن يجعل المطران يوحنا منصور ممتلئ من الروح القدس ومن كلمات التسبيح والشكر لله الذي أحاطه بكوكبةٍ من الأبناء الأوفياء المخلصين

قد يستغرب المرء هذا النجاح الباهر في اللاذقية خلال 33 سنة الحقيقة هي أن الأستعداد جرى قبل ذلك لكن الفضل الكبير يعودُ إلى نساء اللاذقية لأنهن يوجهن أولادهن نحو التعليم الديني ونحو الكنيسة ولذلك عدد الأطفال في مدارس الأحد كبير جداً وكثيراً ما نرى الأمهات أنفسهن يقدن الأطفال إلى الكنائس لحضور دروس مدارس الأحد فالمرأة تلعب دور رئيسي جداً في تنشئة الأطفال تنشئة دينية مؤمنة وإن لم تقم الأم بهذا الواجب نشأ المرء بلا دين ، والملحدون  يخرجون بنسبة كبيرة من بيوت فلتانة أما البيوت المحافظة فتخرج أطفالاً ورجالاً متدينين   جدة باسيلوس الكبير صاحبة الفضل الكبير بإنشاء عائلة من القديسين زوجت ابنها من فتاة جيدة جداً فولدت قديسين وكانت ابنتها ماكرينا رئيسة دير فلما مات أبوها أتت أمها إليها وصارت راهبة عندها وكل الفضل يعود إلى الجدة ماكرينا تلميذة القديس غريغوريوس العجائبي في مدينتهم قيصرية أم غريغوريوس اللاهوتي صاحبة الفضل على زوجها وأولادها وأمّ الذهبي الفم أشهر من نار على علمَ  ليبانيوس رئيس المدرسة الأنطاكية  الوثني بخصالها أبدى إعجابه  بنساءِ المسيحيين وأمّ ثيودوسيوس مشهورة أيضاً كان زوجها صاحب أملاك واسعة شاسعة شفاها بطرس الغولاطي الراهب في أحد أديرة جوار أنطاكيا فكرست نفسها للديانة وتحملت مسألة المؤن في الأديرة العديدة في منطقة أنطاكيا ورفضت الحبل ولكن زوجها خشي على الثروة وطاف على الرهبان لإقناعها بالحبل فقال لها الراهب مكدونيوس ستحبلين بعد سنتين وتنجبين الولد فقالت إنها لا تريد الحبل ولكنها حبلت وأنجبت الولد الذي صار راهباً بعد أن وزع أمواله الطائلة على الفقراء فا أوغسطين مشهور بتأثير أمه عليه وغريغوريوس بالاماس مشهور بتأثير أمهِ عليه والسلسلة كبيرة جداً، الأمُّ هي التي تضع الأسسَ الأولى في التدين بحياةِ الطفل متى صار الطفل في الست أو السبع سنوات بدون دين تابع حياته في الكفر والزندقة فلذلك علينا أن نعتني جداً بالأمهات والأطفال لعل الله ينعم على كنيستنا بجيشٍ من المتبتلين والاكليريكيين لنحيا في ظلهم حياة مقدسة بمجد الله آمين .”

انتقال المطران يوحنا الى الأخدار السماوية

وقد نعاه غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر بالبيان البطريركي التالي:

“المطران يوحنا منصور في ذمة الله

على رجاء القيامة والحياة الأبدية، ينعي البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق المطران يوحنا منصور، متروبوليت اللاذقية وتوابعها، المنتقل إلى رحمته تعالى صباح الثالث من نيسان 2018

المسيح قام حقاً قام”

المطران يوحنا في ذمة الله
المطران يوحنا في ذمة الله

جنازة المطران يوحنا منصور

ترأس غبطة ابينا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر الخميس 5 نيسان 2018صلاة الجناز لراحة نفس علمنا مطران اللاذقية وتوابعها يوحنا منصور في كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية – اللاذقية، بمشاركة السادة المطارنة سابا إسبر(حوران)، جاورجيوس أبو زخم (حمص)، باسيليوس منصور(عكار)، أفرام كرياكوس(طرابلس)، أنطونيوس الصوري (زحلة)، ونقولا بعلبكي(حماة)، والأساقفة: أثناسيوس فهد(طرطوس)، ديمتري شربك(صافيتا)، إيليا طعمة(مرمريتا)، كوستا كيال(دير النبي الياس شويا البطريركي)، غريغوريوس خوري(الامارات)، ويوحنا بطش( المعاون البطريركي وهو المدبر البطريركي للابرشية المترملة)، ولفيف من الآباء الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات

حضر صلاة الجنازة ممثل الرئيس بشار الأسد محافظ اللاذقية السيد اللواء إبراهيم خضر السالم، ممثل غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيادة المونسنيور أنطون ديب، وسيادة مطران حمص للسريان الأرثوذكس سلوان نعمة، وشخصيات روحية إسلامية كثيرة، أعضاء مجلس الشعب والحكومة الارثوذكس، وعدد كبير من الشخصيات العسكرية والامنية والفعاليات المختلفة من الاديان والطوائف والمذاهب كافة، ووفد عسكري روسي قيادي من قاعدة حميميم، وحشد كبيرمن أبناء الأبرشية.

وكان الجثمان قد سجي في الكنيسة لمدة يومين، وسط الصلوات على وقع قرع الأجراس والتراتيل التي أدتها جوقة الأبرشية وقراءة فصول من الانجيل المقدس كالعادة، مع توافد الجماهير الباكية لالقاء نظرة الوداع الأخيرعلى هذا الراحل الكبير باني النهضة الروحية اللاذقية.

تأبين غبطة البطريرك يوحنا العاشر
وألقى ابينا البطريرك يوحنا العاشر عظة في معلمه الراحل الكبير اشبه ماتكون ببشرى الانجيلي يوحنا شفيع الاثنين معاً او ميامر القديس الدمشقي يوحنا مجرى الذهب فكانت هذه العظة التأبينية نهر لاهوت يفيض حباً ووفاء للمعلم وباني النهضة قال فيها:

“أيها الأب الحبيب يوحنا، أيها الراحل الكريم، انطلق وامض إلى معشوقك الذي أحببت كل أيام حياتك. أنت ماض إليه، وهو يسمعك صوته العذب قائلا: “نعماً لك أيها العبد الأمين، لأنك كنت أميناً في القليل، فاليوم أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح ربك”. لقد عرفتك منذ خمسين سنة ويدك مشدودة إليه وإصبعك، متمثلا شفيعك، دال عليه ولسان حالك: هذا هو فاتبعوه. كنت تمحي أنت ليزداد هو. من تحنان الله أتيت إلى كنيسته، فاسمك في العربية يعني “حنان الله”، اختبرت الحياة معه أولا في بيتك وفي كنف عائلتك وكنت في طليعة أولئك الشباب الذين سلموا قلوبهم للروح فأسسوا حركة الشبيبة الأرثوذكسية، وأنت في تَفَتُحِ فتوتك. فكنت تقضي أيامك بين التعليم والرياضات الروحية متنقلاً من قرية إلى أخرى. ومع تذوقك حلاوة العيش في حضرة ربك، اختطت البتولية تكرساً كاملاً له، وانتهجت السيرة الرهبانية سبيلا إليه…”

وأضاف: “ذهبت بصحبة رفاقك في الدرب إلى دير مار جرجس الحرف لكي تعيدوا إلى الحياة، الرهبنة التي انقطعت بسبب من أثقال تاريخنا القاسي في هذا الشرق. وعلى جبل عال من جبال لبنان، اخترت مع رفاقك عيشة الرهبنة، وفي الشظف والفقر والنسك، بدأتم بتأسيس الشركة الديرية. هناك في البرية استعذبت عشرة الله، مجتهداً في طلب خلاصك، ومكتفياً بربك، وبه وحده فقط. ومن هناك ساهمت في إنشاء رهبنة دير مار يعقوب الفارسي المقطع في دده الكورة للأخوات الراهبات. غير أن حبك له سرعان ما انعكس فيك حباً لأبنائه، فدعاك إلى السعي وراء خلاصهم هم أيضاً، فاقتفيت أثر آباء كبار في كنيستك الأنطاكية، كالذهبي الفم وباسيليوس الكبير، فانتقلت من العيش في البرية إلى العيش في وسط العالم، غير أنك نقلت معك حياة الصلاة وعيشة الزهد والروح البشارية الحارة باذلاً ذاتك، بالكلية، لخدمة شعب الله وتثقيفه وترقيه…”

وتابع غبطته بالقول لمعلمه المسجى:”…عرفتْ كل من كورة لبنان الخضراء، وهذه المدينة المباركة معظم أعمال جهادك وأتعابه، في سبيل حفظ الأمانة المقدسة، التي استودعتها يوم رسامتك الكهنوتية. كنت أسداً في دفاعك عن الشرعية الكنسية إبان الأزمة التي عصفت بكنيستنا في ستينيات القرن الماضي. ما وَهنتَ مرةً، وما أعاقتك الإهانات ولا العوائق الكثيرة التي وُضعت في دربك خصيصاً لإضعافكْ. في تلك السنوات الأربع، أطلقت في هذه الأبرشية نهضة روحية ما لبثت أن امتدت لتغني الكثيرين بالحياة الفضلى والسيرة الفاضلة. يشهد كرسي هذه الكاتدرائية على الساعات الطويلة التي كنت تتكىء إليه خلالها، واقفا متقبلاً اعترافات المؤمنين التائبين. كما يشهد بابها الملوكي هذا على العظات المغذية للنفس التي أطلقتها منه زوادة للنفوس…”

نظرة الوداع من غبطة البطريرك يوحنا العاشر للمطران يوحنا
نظرة الوداع من غبطة البطريرك يوحنا العاشر للمطران يوحنا

وتابع غبطته مقرظاً الراحل الكبير:”…بذرت في أجيال عديدة محبة الله وخليقته، وغذيت المئات، لا بل الألوف، بكلامك البسيط المليء بفرح الرب، وبإرشادك الروحي العميق. فكان لأتعابك في حراثة حقل الرب واهتمامك بتربية شعبه أن تثمر عشرات من رؤساء الكهنة والكهنة والرهبان والراهبات، عدا عن الكثيرين من المؤمنين، أفراداً وعائلات، ممن ساهموا بدورهم في إكمال مسيرتك ورعاية شعب الله، حتى ليكاد من صاروا، بفضل من تربيتك ومثالك، أساقفة، يشكلون نصف المجمع الأنطاكي الحالي، ومنهم ضعتنا الماثلة أمامك بوقار.”

أضاف غبطته:” في هذه الأبرشية التي لا تزال نار الحب الإلهي متأججة فيها بفضل نفس خدمتك لها، فيذكر من جايلوك، ويذَّكرون الجيل الجديد، بكم الجهد والأسفار والعرق الذي بذلته من أجل استعادة المرحلة الثانوية في الكلية الأرثوذكسية، واسترجاع بستان المطران، ومثابرتك الدؤوبة، عشرين سنة، على تتبع وارثي الدار الكبيرة الملاصقة للمطرانية إلى بلاد الاغتراب في الأميركيتين، إلى أن نجحت وسجلتها للوقف. إلى جانب الكنائس الكثيرة التي نثرت في هذه الأبرشية مدينة وريفاً، والأوقاف العديدة التي بنيتها، والأراضي التي ما كانت قد وهبت لولا ثقة الناس بطهرك الفواح، ونشدانك لمجد الله وعزة كنيسته فقط…”

وتابع غبطته: “…حيثما حللت كنت تبث وهج محبة الله والحياة الحق النابعة من عشرته. كم كنت تفرحنا حينما تقرأ علينا، أيام كنت كاهنا، ما قد نسخته على دفتر جيبك الصغير من أقوال آباء الكنيسة الروحيين. في ذلك الزمان، كنت الكتاب لمحبي الله حينما لم يكن الكتاب الروحي متوافراً. ما بارحك هذا العشق الإلهي يوماً، وما بدء أسقفيتك الطويلة السنين بإنشاء دير للراهبات، واختتامها بآخر للرهبان إلا علامة دامغة على معرفتك الأصيلة والحية للتقليد المسيحي. ولا أنسى يوم قلت في تدشين كنيسة دير سيدة بلمانا: “الآن يمكنني أن أقول، الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام”. وكنت تتابع بكل دقة واهتمام مراحل العمل بكل أشكالها الروحية والرهبانية والمالية وسواها

وأردف: “يؤكد من عرفك أنك قد ضاعفت الوزنات المعطاة لك على أفضل وجه. أما وجهك الباش الوديع وبلاغة تواضعك وبسمتك العذبة في أثناء خدمتك للقداس الإلهي بشكل خاص، فمحفورة بعمق في ذاكرة أجيال كثيرة. سر قبولك لعطايا الله عظيم يا أبي، وهو سر فرحك الدائم وسلامك المطمئن دوماً. لقد نحتك تواضعك آنية خزفية، قابلة للمعطوبية، لكن ربك ارتضى أن يضع فيها الكثير من نعمه. بعدما اقتبلت بكل رضى كل شيء من لدنه، صرت، في شيخوختك الوقورة، مصدر بركة للكثيرين من أبناء وبنات الله…”

وقال: “…إذا ما استذكرنا غيضاً من فيض إسهاماتك الروحية، فنحن لا ننسى مواقفك الوطنية والتي سجلها التاريخ خلال خمسين عاما في الدفاع عن سورية وقضاياها، وعن كلمة الحق في كل المجالات وفي كل الأوقات. ولا ننسى دورك في الحفاظ على أطيب العلاقات مع كل أطياف هذا المجتمع مسلمين ومسيحيين، فكنت واحداً ممن التحموا بحق مع كل أطياف هذا الشعب، وشدوا أواصر لحمته بإعلاء كلمة الحق ومد جسور اللقيا والأخوة والحوار والانفتاح سبيلا للنهوض بالوطن…”

أضاف غبطته:”…ثمة من يرحلون بصمت دونما أثَر، أما أنت فتغادرنا مطمئناً لأن الشتلات التي زرعتها نمت وصارت شجرات وارفة الظلال. منحك ربك سنين كثيرة ولم يشأ أن يخطفك إلى مجده إلا بعد أن أتممت الرسالة بأفضل ما يمكن، وانتشر تلاميذك وأبناؤك حتى إلى أستراليا وإلى أقاصي الدنيا مذيعين بشرى المسيح السارة في أصقاع الأرض…”

وتابع موجهاً تعزيته الى رعية اللاذقية المترملة بوفاة راعيها الكبيربقوله:

“…نعزيكم أيها الأحباء، أبناء أبرشية اللاذقية وتوابعها إكليروساً وشعباً، نعزيكم باسم آباء المجمع الأنطاكي المقدس وكل أساقفته، ونعزي كل أبنائنا في الكرسي الأنطاكي.”

ثم قال للراحل الكبير:”… سيدنا يوحنا، وأنت، من اليوم، في الملكوت السماوي، تسجد مع شيوخ سفر الرؤيا أمام عرش الرب، وفي غمرة أنواره، لا تنس أن تقدم مع بخور صلواتك السماوية، أبناءك وبناتك ورعية الله التي تركتها في هذه الأبرشية. صل من أجلي ومن أجلنا جميعاً ومن أجل كنيسة أنطاكية، صل من السماء مع الملائكة القديسين من أجل أخوينا مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، صل من أجل السلام في كل العالم ومن أجل سلام سورية وأمنها واستقرارها.”

وختم:”…امض أيها السيد وامكث مع الناهض من بين الأموات والذي داس الموت وقام ليقيمنا معه. نرى في وجهك يا سيدنا وداعة حاملات الطيب ووهج وجه يوسف المتقي. وبشوقهم للقيامة يحلو لنا أن نستبق الفصح المجيد ونطرق وإياك عتبات القبر السماوي ونتلمس من الخميس العظيم نور القيامة صارخين: المسيح قام، والموت تلاشى، المسيح قام وعبراتنا عليك معجونة بفرح القيامة، المسيح قام وموتك مسلك نور، المسيح قام ولاذقيتك تودعك بعبق صلاتك وعرفان وصلاة أبنائك، المسيح قام وأنطاكية كلها تشهد لك شاهداً وشهداً من أصالة إيمانها، وأنهي بما كنت أسمعه منك بشكل متواصل وبما كان عزيزاً على قلبك وبما علمتنا أن نردده مستذكراً قولك: “قولوا هذه الصلاة في نصف النهار: سمر خشيتك في أجسادنا ولا تمل قلوبنا إلى أحاديث أو إلى أفكار شريرة، بل بشوقك اجرح نفوسنا” (إفشين الساعة السادسة)، وأستذكر أيضا ما كنت تردد وتقول من سفر نشيد الأنشاد: “…في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته، فطفت المدينة وبحثت عنه حتى وجدت من تحب نفسي فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي” (نشيد الأنشاد 3: 1-4) فأنت الآن تمسك به وهو يقيمك في قلبه فتفرح إلى الأبد، آمين.”

كلمات أخرى
وفي نهاية الصلاة، كانت كلمة للرئيس الأسد ألقاها باسمه محافظ اللاذقية، وكلمة للبطريرك الراعي ألقاها المونسنيور ديب. ثم نقل الجثمان إلى دير سيدة بلمانا حيث ووري في الثرى.

الخاتمة

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها
المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها


كما اسلفنا في مقدمتنا وكما قال غيرنا عنه ونحن بشهادتنا لانضيف جديداً انما نؤكد في بحثنا هنا عنه أن علمنا المطران يوحنا منصور من الرواد الانطاكيين في العصر المعاصر، فقد تابع البناء الذي قام به اسلافه وقد عمل بصمت وتواضع، وأنتج نهضة لاذقية ارثوذكسية سجلت له بامتياز، وأصابت اللاذقية كما أصابت كل الابرشيات التي تولاها تلاميذه ممن ذكرنا في مقدمتنا لهذا البحث، نحن لم نأت بجديد فما عمله هذا البار الذي كان كالملاك الصامت الراهب الحكيم يتحدث بصمته عن كبريات الامور الذي كان في المجمع الانطاكي كما يقولون عنه لايتكلم الا في موضع الكلام وفي حال تكلمه كان ينطق بالصواب.

ذكرياتي عنه

علاقتي بهذا البار كانت من خلال بعض الخدمات التي كنت قد قدمتها لأبرشيته المحبوبة منذ توليه سدة المطرانية وقد تزامن ذلك مع انتقالي الى موقعي الوظيفي الجديد في رئاسة مجلس الوزراء، وهي اي موقع رئاسة الوزراء بموجب القانون السوري هي المتولية لشؤون الاديان غير المسلمة، ويعد رئيس مجلس الوزراء هو وزير الاديان غير المسلمة، وينظر في احتياجاتها لصالح مشاريعها الكنسية والخيرية والوقفية ويوافق(اولايوافق) وفق القانون، الامر الذي مكنني من تقديم الخدمة المطلوبة لكل مشاريعنا الكنسية سواء في المقر البطريركي بدمشق وفي بقية الابرشيات وللجميع ايضاً من الكنائس الشقيقة، وبكل ضمير مرتاح، وكل ذلك ضمن دائرة القانون ووفق الاصول، ممالامجال هنا لذكره فهو ليس للتفاخر لأن الله يرى ويكافىء، لاسيما بالتالي ان المجالس بالأمانات. ولكني هنا لجهة علمنا مثلث الرحمات المطران يوحنا كنت اخجل من شدة شكره لي هاتفياً عندما ابلغه بصدور الموافقات المطلوبة، أووجاهياً عندما التقيه في دار البطريركية، وكنت أخجل من دعوته لي باستمرار لزيارة اللاذقية والحلول ضيفاً مع عائلتي إما في دار المطرانية او في فندق النور الذي كان من الصروح المتميزة ومطرح حكي الناس وإعجابهم به كصرح لاذقي خاص سياحي متميز وقتئذ…

وكما يعرف الجميع كنت أتفانى في الخدمة لدار البطريركية ولسائر الابرشيات السورية لجهة الحصول على الموافقات اللازمة من اجل مشاريع تراخيص الكنائس ومايلزم لبنائها، وأُسعد لذلك جداً كما يتذكرني الكثيرون من الشمامسة والآباء في حينه وصاروا مطارنة اليوم… وكنت كذلك ايضاً كما اسلفت، لكل الكنائس الشقيقة مما قد يتذكره ويعرفه رؤساؤها وآباؤها… ماذكرته هنا لم يكن إلا من باب الوفاء لهذا العَلَم الارثوذكسي الروحاني الكبير والمتواضع بآن والصامت الذي ينضح الايمان من صمته وافعاله وكان يسحب يده بكل تواضع حتى لااقبلها ويلفني ويغمرني بقبلاته الثلاثية…

من محاسن سعدي ذات مرة وكنت في دير القديس جاورجيوس في لقاء شبابي ولم اتمكن من حجز بطاقة عودة الى دمشق، وكان هو من المحاضرين، فعرف بذلك من سائقه فقال لي بالحرف:” يا استاذ جوزيف هل تحتاج الى دعوة لتركب بسيارتي التي كنت وراء حصولي على نمرتها الصفراء؟ تفضل نتشرف بك انازل على البطركية ومافيها منية تفضل.” فخجلت اشد الخجل من هذا الاطراء،وقد رافقته، وكانت تلك الفترة سانحة متميزة حسدت نفسي عليها،فجلست عن يساره في المقعد الخلفي، وتزودت منه بجرعة من الايمان الارثوذكسي الحار من معلم إيمان نادر، وجرعة من المحبة الالهية والحكمة اودعها الله في نفس هذا الكبير رحمة الله عليه مما حدثنا به على ما اذكر ان بعض خريجي البلمند كانوا يفضلون الزواج قبل رسامتهم كهنة فقال لي: “واين الصلاة في حياتنا؟ الا تقينا العثرات؟”

رحمات الله عليك ياسيدنا يوحنا.

كتب احد عارفيه الذكرى التالية عنه وانا انقلها بالحرف بعد بضعة من التنقيحات اللغوية وهي التالية
“…واسمحوا لي باختصار أكثر أن أروي لكم من حكمته هذه الحادثة أيام كان رئيساً لدير البلمند في الحرب الأهلية اللبنانية قبل أن يصبح مطرانا على اللاذقية حيث كان المسلحون يهاجمون بشكل فوضوي غير مسبوق كل مكان وكانوا يدمرون ويحطمون ويحرقون ويقتلون الجميع بدون وازع من ضمير.

وصل هؤلاء المسلحين إلي دير البلمند ليحرقوه ويدمروه ويقتلوا من بداخله لأنهم شكّوا أن أعداءهم مختبئين بداخله داخل الغرف، وحين وصلوا الى باب الدير الخشبي الكبير وارادوا تحطيمه وقف رئيس الدير علمنا الارشمندريت يوحنا منصور أمامهم وخاطبهم مناشداً إياهم بقوله: “أرجوكم إسمعوني، لاتحطموا الباب، أنا سأفتح لك باب الدير على مصراعيه لتدخلوا وتفتشّوا الدير كما تريدون وسوف أمشي أمامكم، ضعوا اسلحتكم في ظهري، وسأفتح لكم الغرف كلها بيدي، فإن وجدتم أحداً من اعدائكم مختبئاً فيها اقتلوني أنا قبل أن تقتلوه، وبهذا نكون قد أنقذنا الدير من الدمار.”

فاستجابوا لمناشدته وفتشّوا غرف الديروكنيستيه، ولما لم يجدوا شيئاً اعتذروا منه وخرجوا متعظين بحكمته التي كانت سبباً في إنقاذ هذا الدير العريق من الحرق والتدمير والقتل.

هكذا كان مثلث الرحمات المطران يوحنا منصور “ملاك اللاذقية الراهب الصامت” يعمل ويثمر دون أن يتكلم…كان قديساً على الأرض…
لو أردنا أن نعدد ماأنجزه من كنائس وأديرة وما وهب برساماته للأبرشية من رهبان وشمامسة أصبحوا اليوم كهنة ومطارنة وبطريركاً، مما جعل رعايا هذه الأبرشية الغالية تعتز وتفتخر براعيها المنتقل، فهنيئا لنا بهذا الإكليروس العظيم وأنت ياصاحب السيادة وإن رحلت ستبقى معنا إلى الأبد واذكرنا بصلواتك.

المسيح قام وذكرك باق الى الأبد.

الشموع في الكنيسة…

$
0
0


الشموع في الكنيسة…
تعبر الشمعة تعبيراً تصويرياً دقيقاً عن وقفة العابد امام الله! فهي تظهر هادئة ساكنة ولكن قلبها يشتعل اشتعالاً بنار ملتهبة تحرق جسمها البارد الصلب فتذيبه إذابة وتسكبه دموعاً، تنحدر متلاحقة تاركة خلفها هالة من نور يسعد بها كل من تأمل فيها أو سار على هداها.
إن الشمعة الموقدة في بيت الله هي دعوة للعبادة الهادئة الحارة المنيرة.
– شهادات تاريخية
* اول ذكر لا ستخدام الشموع في الكنيسة استخداماً طقسياً بعدما جاء في سفر الأعمال (8:20) يأتي الينا من مخطوطات القرن الخامس، وذلك ضمن وصف طقوس إقامة الصلوات في ذكرى الشهداء تكريماً وتحية لأرواحهم التي أضاءت في العالم ساعة ثم انطفأت” لتضيء كالجلد في ملكوت الله.”
* عندما قام أحد الهراطقة ( فيجيلانتيوس) بانتقاد عادة إشعال الشموع لتكريم أرواح الشهداء، انبرى القديس ايرينموس في القرن الرابع وكتب رسالة ضده، يحبذ بها إشعال الشموع في الصلوات والتذكارات التي للشهداء مشبهاً اشعال الشموع بإهراق قارورة الطيب على جسد المسيح المسجى قبيل دفنه.
* إحدى كتابات القديس أبيفانيوس في القرن الرابع وتظهر لنا كيف كانت الكنائس في ايامه تتميز بالشموع المضاءة فيها.
يروي المؤرخون الكنسيون قصصاً واقعية لا حصر لها تفيد ان القناديل التي كانت تضاء امام اجساد القديسين كان يجرى بواسطة زيتها عجائب شفاء كثيرة.
– اقوال الاباء في الشموع
* الشموع الموقدة على المذبح هي علامة نور الثالوث الأقدس، لأن الله لا يسكن الا في النور، ولا يقترب اليه الظلام، لأنه نار آكلة تحرق كل ماهو خطيئة أو شر
* الشمعة الموقدة أمام أيقونة المسيح تعلن أن المسيح نور العالم، ينير لكل انسان آتٍ اليه (يو1:9).

* الشمعة الموقدة امام ايقونة العذراء تعلن أن هذه هي ام النور التي ترشدنا الى ابنها، وهو النور الحقيقي.
* الشمعة الموقدة أمام أيقونة القديس تعلن أن هذا هو السراج المزين المنير، الموضوع على المنارة في أعلى البيت ليضيء لكل من فيه.
* نوقد الشموع أمام ايقونات القديسين عموماً كعلامة رمزية لاشتعالنا بغيرة قداستهم وحبهم وتقديم آية ملموسة من آيات التكريم والوفاء والتسبيح الصامت والشكر على مايقدمونه نحونا من “شفاعة أمام منبر المسيح.”
– تقدمة الشموع
استطراداً لما ذكر اعلاه عن الشموع وقدسية وظيفتها في الكنيسة والطقوس لابد لنا ان نستذكر مقالين (في موقعنا هنا) لنا حول الشموع على انها تقدمة من التقدمات كالقربان والزيت والخمر يقدمها المؤمن من انتاج يديه او يدفع ثمنها.
لذلك فان الشمعة كتقدمة للكنيسة تُقبل من مقدمها ان كانت من عمل يديه، أو سدد من جيبه ثمنها الزهيد لخزينة الكنيسة، بينما هي كتقدمة لاتقبل ولن تقبل في حال العكس من شاعلها الثاني…
وبكل اسف صار هذا العكس سلوكاً دارجاً في الكنيسة في السنين القليلة الاخيرة، وهو اطفاء شمعة الغير(الذي اشتراها وسدد ثمنها وأشعلها تقدمة تكريم لصاحب الأيقونة عن النية التي أضمرها) وتراه يقوم بإشعالها وإطفائها مرات ومرات معتقداً ان في هذا التكرار تقرباً ملحاحاً لله…! وكأن الله بحاجة الى كل هذا الالحاح عبر الإطفاء والإشعال المتكرر ليُقبلْ، الله بحاجة الى فعل إيمان حقيقي، وليس مسرحية ايمان ظاهري.!
– اخي المؤمن

ان لم تقدم للكنيسة قربانك، ومن مالك الشخصي، وهو القربان والشمع والزيت والنبيذ والبخور…، وتبرعك في صينية اللم فان تقدمتك غير مقبولة، الا ان كان وضعك المادي يعرفه الله وان كان دريهمات قليلة ثمن الشمعة او في صينية اللم لن تعوزك ولن تفقرك والرب يسوع اعطانا مثل المرأة الخاطئة حاملة الطيب التي باعت واشترت طيباً جزيل الثمن وسكبته على قدمي يسوع تقرباً لغفرانه.
إن تمويل مذبح الرب يأتي من جيوب المؤمنين… ونفقات هذا المذبح يجب ان تنفق كما كان اجدادنا يفعلون، من تقدماتهم… لأن مال الكنيسة هو من مال اعضائها وابنائها… والكنيسة اساساً ليست البناء العمراني بل هي المؤمنين، وعليهم تقوم نفقة المذبح وان خادم المذبح اي خادم المؤمنين يأكل من المذبح الذي هو من مال المؤمنين بلا فضل ولامِّنة.
– هذا هو ايماننا الأرثوذكسي النقي، وهي سلوكياتنا الحميدة التي علمتنا إياها الكنيسة وتربينا عليها وأهالينا وأولادنا، احترام الكنيسة كبيت الله،المقدس لا اشعال شمعة الغير، ولا شرب الماء في الكنيسة تحت اي ظرف، ولا لف الرجل على الرجل ورد أحدهم عليّ لما لفتُ انتباهه وكان يلف رجلاً فوق الاخرى بقوله: ” اي بس ما مابلشت الصلاة…!” وانزعج لما كررت عليه القول “انك في بيت الله بصلاة او بدونها.”

الشموع في الكنيسة
الشموع في الكنيسة

او فتح الاحاديث في كل الخدمة الإلهية… ولنصبح في معرض للثياب غير المحتشمة، “وبكل اسف قد ما اعطينا من الجرأة منقصر اواعينا لنكون ابناء الموضة” ولا… استخدام الهواتف النقالة…وعلك العلكة… الخ
والا صار دخولنا الى الكنيسة مع كل هذه السلوكيات الشاذة هو لرفع العتب في المناسبات الاجتماعية كالزواج والعمادات والجنازات ليس الا…

واكيد صلاتنا مع سلوكياتنا هذه غير مقبولة.
بارك الله بكم احبتي…


خربشات سياسية…5/6/2018

$
0
0

خربشات سياسية…5/6/2018

– السؤال الآني…

لماذا هاجمت داعش بكل قواتها من الضفة الشرقية قوات الجيش السوري في الضفة الغربية لنهر الفرات بضراوة في اليومين السابقين واليوم وفي البيان العسكري اوضح الجيش عن اندحار داعش واستقرار النقاط العسكرية السورية والحلفاء؟

– الجواب عليه …

الملاحظ ان ثمة تنسيق متكامل كان ومايزال (برعاية اميركية وافرنسية) مابين قوات الداعشين القديمة والجديدة اي قسد، فالأخيرة لاتحرك ساكناً في مواجهة داعش الاصل ان تحركت للهجوم على الجيش السوري لا بل تفتح لها الطريق وتسهل لها كل الامور ويكون الامر تنفيذا لأوامر الحلفاء الاميركي والفرنسي…االذين تقصف طائراتهم المدنيين وقطعات الجيش السوري والحلفاء والغاية هي قطع الطريق بين دمشق وبغداد، وللسيطرة على البوكمال والتحكم في باديتي حمص ودير الزور.

– بعد اكثر من سبع سنوات عجاف ذبحوا فيها سورية كياناً وجيشاً وشعباً واقتصاداً…
لا زلنا نلاحظ ان ثمة خلل في العقل العربي الذي اما يقع بين اسنان الايديولوجيا، او يقع بين احذية البلاط والعروش والعقالات المليئة بقمل التخلف وعصور الانحطاط وبالعودة الى تلك الايام التي نقول عنها بشعبيتنا “تنذكر وماتنعاد والله يقضيا على اهون سبب”.

– لا نقرأ لباحث او لمعلق غربي الا و يلاحظ ان احداً لم يفكر، ولو للحظة، في بنية الدولة السورية ولا في موقعها كنظام حكم داخل نقطة التقاطع بين التوازنات الدولية والتوازنات الاقليمية. والدليل ان تلك الرؤية القبلية، والغرائزية، للبانوراما السورية اشعلت المنطقة بأكثر بكثير مما تصوروا، او توقعوا…لقد تغيرت نقطة التقاطع الى انتصار الدولة السورية على كل هذا المحور الدولي.

حماة الديار عليكم سلام
حماة الديار عليكم سلام

الآن ايضاً بات الجميع على بينة من ضرورة اعادة النظر في السياسات وفي الاستراتيجيات في ضوء انتصارات الجيش السوري بقيادة القيادة السورية ومحور المقاومة الروسي السوري الايراني وحزب الله.

– لو تمكنوا من اسقاط الدولة السورية لكانت الكارثة وبالتالي لتم التقسيم لامحالة وارتاحت اسرائيل وانهار معها النظام الاردني والسعودية وخاصة ان الموارد وضعن على استجرار الاستنزاف الترامبي والخلاف السعودي القطريةي ولتحققت احلام اردوغان بجعل ماتبقى من سورية ولاية عثمانية مجددا وكعبتها الجامع الاموي ليصلي فيه العيد بعدما انكفأ مشروعه منذ اللحظة الاولى، ان الدولة السورية لو تمكنوا من جعلها تتهاوى لتهاوت من الساعات الاولى، او من الاسابيع الاولى، بعدما اطبق عليعلى سورية كل المحيط، وبعدما أنفقت مئات مليارات الدولارات، وبعدما استُجلب شذاذ الآفاق من أصقاع الدنيا، وبعدما جرى توظيف الشاشات الكبرى لغسل عقول الناس وقنوات الدم السوري الخليجية والاميركية والصهيونية واللبنانية ، بل لغسل ضمائرهم، على اساس ان انظمة القرون الوسطى هي التي ستأتي الى السوريين بجمهورية افلاطون.

– لا احد سواء الصهيونية والماسونية ووليدتهما اسرائيل ، ولا احد في الغرب، لا احد بين العربان ، كان يعلم ماذا عليه ان يفعل الآن سوى الرهان على تصنيع المرتزقة من اجل حفظ ماء الوجه، وعلى اساس قولهم:” ان جيش النظام قد انهك اواستنزف، الى الحد الذي يحمل هذا النظام على القبول بهيئة انتقالية، وبحكومة تملك صلاحيات تنفيذية كاملة”

– كان من الواجب على من يسمون انفسهم معارضة سورية ان يخجلوا من تبعيتهم لكافة الايديولوجيات من اخوان مسلمين الى شيوعيين تأسلموا… الى اتباع لنظام سعود …لمقاتلين يموتون تنفيذا لأحلام الطاغية العثماني اردوغان ولترتاح اسرائيل بجيش لحد بديل يحميها وبدل نظام العرش الاردني الذي يثور شارعه اليوم ضد الجوع والضرائب وبدل من ان يساعد في فتح الحدود نراه ينفذ اجندات المعلم الاميركي وحليفه الصهيوني، لا سيما وقد قد ظهر للقاصي و الداني ما هي مقاصد كل الكون المعتدي على سورية واولهم ترامب الذي يريد حصة اميركا من النفط والغاز السوري وفرنسا التي تريد ان تلحس لحسة من الفتات، والمانيا ذات الاطماع في الأمر ذاته واردوغان بتلك الغطرسة المجنونة في بلاد الشام، وفي ارض الخليج، وصولا الى وادي النيل

– اليوم وبعد المباحثات التي تمت بين وزيري خارجية اميركا وتركيا في واشنطن حول منبج والغموض الذي اكتنف ماتم الاتفاق عليه بخارطة طريق نحو منبج ادت الى انسحب مايسمون المستشارين العسكريين لوحدات حماية الشعب الكردية وهم في الواقع من عصابات قسد الداعشية المحمية اساساً من العدو الاميركي (وهنا الصفقة في تخلي اميركا عن هذا الحليف الكردي الذي بذل الدم لتكون اميركا محتلة للشرق والشمال السوري، وكما قلنا قبلاً للأكراد ان الرهان على اميركا كالرهان على طواحين الهواء… )من منبج وبدأت الفصائل المنتمية لدرع الفرات التركية تتحضر للدخول الى المدينة

ووفقا لمعلومات الواقع فإن قادة التنظيم الكردي باشروا الخروج من منبج إلى مدينة عين العرب شرقي نهر الفرات، ليتوجهوا منها إلى بلدة عين عيسى.

– تنص المرحلة الثانية من خارطة الطريق، على تولي عناصر من القوات التركية والاميركية مهمة مراقبة المدينة بعد 45 يوما

– تنص المرحلة الثالثة على تشكيل إدارة محلية في غضون 60 يوما ومن المخطط أن يجري إنشاء المجلسين المحلي والعسكري، اللذين سيوفران الخدمات والأمن في المدينة، حسب التوزيع العرقي للسكان وفي وقت سابق اليوم أعلن وزير الخارجية التركي أن قوات أمريكية وتركية ستدير منبج السورية حتى يتم تشكيل إدارة فيها، وقال إن “وحدات حماية الشعب” ستنسحب من المدينة حتى نهاية فصل الصيف.

– مصدرٌ سوري مطلع على الوضع في الشمال السوري قال إنّه “في حال دخول الأتراك إلى مدينة منبج وخروج ماتسمى “قوات سوريا الديموقراطية” لن يبقى لحلفاء واشنطن أي مكان سيطرة في أقصى الشمال السوري سوى مدينة عين العرب المدمرة على إثر المعارك الضارية التي حدثت بين تنظيم “داعش” والأكراد، لكن لن يكون هناك أي دخول تركي إلى منبج إلا من خلال تسوية تركية أمريكية (كما بدأ يظهر اليوم والتي يتم الحديث عنها حتى من قبل اجتياح الجيش التركي لمدينة عفرين واحتلاله لها،) لكن السؤال يبقى حول حدود هذه التسوية جغرافياً وما إذا كانت يد تركيا ستطلق على المدن والمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية بتنسيق مع أمريكا أم أن الموضوع سيقتصر على منبج فقط دون امتداد تركي.

مولود جاويش أوغلو كان قد أعلن قبل أسبوع عن صفقة بين تركيا والولايات المتحدة إلا أنّ الخارجية الأمريكية نفت وجود أي اتفاق حينها وإنما مشاورات من أجل الوصول إلى حل نهائي حول منبج، والطرفان يُبازِران على أرض سورية وبالتالي هم غازيان يخالفان القوانين الدولية ويعتديان على أرض سورية وفق القانون الدولي وتصريح الرئيس الاسد الأخير وتأكيد الوزير المعلم.

– اجتماعات أستانة تناقش الشؤون الميدانية بشكل بحت، وسيكون لعفرين ومنبج حصة كبيرة من هذا المسار السياسي مستقبلاً بكل تأكيد و سيتم إعادة رسم الخطوط العريضة لهاتين المدينتين ميدانياً وسياسياً بحسب حديث المصدر السوري ذاته الذي أكد أنّ “الحديث عن أي حل للأزمة السورية سيشمل هذه المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية وضمن الإطار السياسي الذي أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد خلال مقابلته الصحفية الأخيرة كما أكد عليه وزير الخارجية وليد المعلم بأن الهدف النهائي هو تحرير كافة الأراضي السورية وفق الأولويات الميدانية التي تحكمها طبيعة الظروف السياسية، وبالتالي ستعود كل من منبج وعفرين لسيطرة الدولة السورية الشرعية في دمشق ولكل ملف أولويته التي تحكمه.

هزيمة الاميركي وثبات الدولة السورية

-تؤكد دمشق العاصمة السورية خلال الساعات الماضية أنها بدعم من حلفائها ليست بوارد التخلي عن القرار المتخذ من جانب القيادة السورية تحت أي ظرف كان بتأجيل أو الرضوخ لكل الابتزازا ت من جانب الولايات المتحدة وحلفائها باستكمال تطهير ما تبقى من مناطق سورية تحتلها المجموعات الارهابية المسلحة او يحتلها الاميركي والتركي، بدءا من الجنوب السوري، وانتهاء بالمناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية، بغض النظر عن طبيعة مواقف أطراف الحلف التأمري أو طبيعة الاحتلالات لهذه المناطق بعد كلام الرئيس الاسد للوكالة الروسية وقوله ان “القوات الاميركية ستغادر سورية ان عاجلاً ام آجلاً…” يؤكد صلابة الموقف السوري.

. – في حديث المعلم وليد المعلم في مؤتمره الصحفي وهو الذي اعتاد المراقبون على ظهوره الا في الظروف الحالكة، نفى التوصل إلى أي اتفاقات بخصوص الجنوب السوري، مؤكدا أن ذلك لن يكون قبل انسحاب القوات الأمريكية من التنف.

دمشق وحلفاؤها يعطون الاولوية لتطهير مناطق الجنوب وصولا الى الحدود مع الاردن ومع الجولان المحتل، وهذه الاولوية تفرضها المعطيات التي يحددها الجيش السوري بالتنسيق والتشاور مع القوى الحليفة التي تشارك في الحرب ضد الارهاب، انطلاقا من مجموعة اعتبارات سياسية واستراتيجية عنوانها الاول توسيع دائرة الامان حول العاصمة السورية ومنع العدو الاسرائيلي من الاستمرار في دعم المجموعات الارهابية وصولا الى اعادة فتح الحدود مع الدول العربية المجاورة، بعد أن جرى في الشهرين الماضيين استعادة الغوطتين الشرقية والغربية ومخيم اليرموك وحيي القدم والحجر الاسود.

-ولذلك، ما هي طبيعة الموقف السوري من قضية تحرير الجنوب السوري في ضوء ما جرى الحديث عنه مؤخرا من أرجحية عقد لقاء ثلاثي في العاصمة الاردنية خلال الايام المقبلة لاستكمال البحث من أجل الوصول الى تفاهم نهائي لقضية اخراج المسلحين من جنوب سورية تمهيدا لاعادتها الى سيادة الدولة السورية؟

وفق المعطيات فإن قرار استعادة هذه المنطقة الممتدة من درعا الى الحدود الاردنية وانتهاء بالحدود مع فلسطين المحتلة بات مسألة وقت…

ولذلك فان موقف القيادة السورية مبني على الثوابت الاتية:

 اولاً: ان استعادة مناطق واسعة في الفترة الماضية من سيطرة الارهابيين، حصل على قاعدة تحرير كل المناطق التي كان يسيطر عليها المسلحون ومن يدعهم في الغرب والخليج، وبالتالي لم تتراجع سورية وحلفاؤهاعن كل ما تحقق من انجازات عسكرية رغم ما مارسته الولايات المتحدة وحلفاؤها بما في ذلك العدو الاسرائيلي من كل أشكال الابتزاز، من المشاركة العسكرية المباشرة لمنع هزيمة الارهاب، الى اختلاق ادعاءات حول استخدام سوريةلاسلحة كيمياوية

 ثانياً: ان دمشق وحلفاءها لم يتركوا وسيلة ممكنة في الفترة السابقة لم يلجأوا اليها في سبيل استعادة المناطق التي يسيطر عليها الارهابيون بالمصالحات والتسويات للابتعاد قدر الممكن عن تعريض المناطق السكنية والمؤسسات العامة للتدمير وبما يؤدي الى التخفيف من معاناة الشعب السوري جراء الحرب الكونية على دولته ونظامه، ولهذا جرى تأجيل او الغاء الكثير من العمليات العسكرية حقنا لدماء السوريين وممتلكاتهم عندما تكون هناك مؤشرات لمصالحات وتسويات

على هذا الاساس، يوضح الزوار أن دمشق تتعامل مع ما يجري الحديث عنه من احتمال الوصول الى تسويات لمناطق الجنوب السوري، بما يتوافق مع ثوابت الدولة السورية المنطلق أساساً من استعادة كل شبر من الاراضي السورية

ثالثاً: ان ما دفع الاميركي للذهاب الى المشاركة مع الجانين الروسي والاردني في اجتماعات عمان منذ فترة، هو ادراكه بمدى الهزيمة التي تعرض لها في حربه ضد سورية.

الخاتمة
– عندما يقرر الجيش السوري… فالمعركة ستبدأ جنوبا رغم التحذير الأمريكي

بدأت ملامح الخطوة القادمة للجيش السوري ترتسم بعد تحرير دمشق وريفها بالكامل من التنظيمات المسلحة، وفي حين اتجهت قوات عسكرية سورية إلى الجنوب السوري، يبقى التساؤل مطروحا حول الموقف الأمريكي من منطقة خفض التصعيد جنوبي سورية وخاصة في ظل وجود قاعدة أمريكية في منطقة التنف، وخاصة في اليومين المنصرمين حين تحركت داعش بقوة في منظقة الشرق غربي دير الزور وهي بحماية قسد زميلتها في الداعشية تحت رعاية واوامر الاميركي والفرنسي.

– اما بخصوص الموقف الروسي الذي نشعر بتراخيه بعض الشيء مؤخراً فنقول ان روسيا تقف جدياً مع سورية وتتمنى إنهاء الحرب لكن المماطلات الامريكية والغربية وأيضاً العربانية والتركية واستمرار دعمهم لهذه الجماعات الإرهابية —إذا نجح هذا الاتفاق- سيؤدي للتخلي عن السلاح والعودة إلى حضن الوطن للجماعات التي تدار من قبل الغرب اضافة الى الاردن المتورط في العدوان على سورية.

– ولكن على الجميع ان يدركوا سواء كانوا من الدول الراعية للارهاب او الجماعات الارهابية ام المعارضة ام قسد عليهم ان يدركوا ان الرهان على امريكا كالرهان على الريح.

الوزير المعلم أكد حرص الحكومة السورية على تحرير “كل شبر من أراضيها إن كان من الإرهاب أو من الوجود الأجنبي.

وتعتبر أنقرة عدوا غازيا لأراضيها، مشددا على أنه لا يحق للولايات المتحدة وفرنسا وتركيا التفاوض حول مدينة منبج الحدودية، ووصف أي اتفاق أمريكي- تركي أو أمريكي- فرنسي بأنه مدان وعدوان على السيادة السورية

وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع “قوات سوريا الديمقراطية”، أكبر حليف للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في البلاد، في المرحلة المقبلة، كرر المعلم تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بأن أمام تلك القوات خيارين لا ثالث، إما التفاوض أو اللجوء إلى العمل العسكري.

وتابع: “أقول بصراحة: لم نبدأ التفاوض ما زلنا لم نجرب الخيار الأول.. نجرب الخيار الأول ثم سنرى.. التواصل موجود لكن لم نبدأ التفاوض حول المستقبل.. نحن ما زلنا نعتبر أنهم مواطنون سوريون يحرصون على بلدهم كما نحن نحرص…

– ويبدو ان الخذلان الذي وقع فيه الاكراد اليوم بعد اتفاق اميركا وتركيا حول منبج وخروجهم منها بأوامر الأميركي، دفعهم كما تشير الاخبار الى نيتهم بارسال وفد للتباحث مع دمشق بدون شروط مسبقة…

ويبقى ان نؤكد ان الامل معقود فقط على تلك الرؤية الصائبة للقيادة السورية ومن خلفها الحلفاء ومعقود ميدانياً على جيش اذهل الكون بصموده اكثر من سبع سنوات دامية وعاد ليأخذ الصدارة في تحرير الارض واستعادتها حتىآخر شبر ماشكل ارقاً صهيونياً اميركيا تركيا عربانيا…

ان الغد لناظره قريب.


أضواء على جنسية ولغة الرب يسوع

$
0
0

أضواء على جنسية ولغة الرب يسوع

يتضمن هذا البحث

  1. مقدمة في تاريخ الكنيسة الأم وفي تراثها.
  2. نبذة في جنسية الرب يسوع وما قيل فيها.
  3. ما قيل في اللغة التي تكلمها الرب يسوع وخاطب بها الناس.

4- خاتمة

مقدمة في تاريخ الكنيسة الأم وفي تراثها

قبل ولادة الرب يسوع بقليل صدر أمر من أغسطس قيصر بإجراء إحصاء “بان يكتتب كل المسكونة”، وكانت المسكونة تعني في تلك الأيام الأمبراطورية الرومانية. وقد اكتتب رعايا هذه الأمبراطورية في مناطقهم وكان منهم العذراء مريم وخطيبها يوسف، ولابد من أن الطفل الإلهي اكتتب هو أيضا فيما بعد.

أما الرسول بولس فعلى الرغم من كونه يهودياً هو أيضاً، إلا أن رعويته كانت تختلف إذ كان من مواليد طرسوس ويتمتع بالجنسية الرومانية من الدرجة الأولى.

على أية حال لقد كانت وحدة الأمبراطورية وإزالة الحواجز بين البلدان التي تتشكل منها، ووجود اليونانية اللغة العالمية الموحدة، من العوامل التي يسرت بشارة الرسل، وساعدت على تأسيس الكنائس الأولى التي تكلمت عنها أسفار العهد الجديد مثل أورشليم، دمشق، أنطاكية، غلاصة، أفسس، تسالونيكية، كورنثوس،… وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة والمقاومات الرهيبة من اليهود ومن الوثنيين وفيما بعد من السلطة نفسها، امتدت البشارة الإلهية بقوة الروح القدس، ومن دون توقف الى كل الأقطار والمناطق في اوسع إمبراطورية عرفها التاريخ، مع العلم أن جميع أعضاء الكنائس التي تأسست ظلت تجمعهم زمنياً، رعوية واحدة هي المواطنة الرومانية على الرغم من الاختلاف في درجاتها والظلم وسوء المعاملة الذين كانت الإمبراطورية تحكم بها في تلك الأيام.

الرب يسوع المعلم
الرب يسوع المعلم

إلى ذلك فإن وجود جميع هذه الكنائس في إطار إمبراطورية واحدة سهل لها الإيمان بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسوليه، بغض النظر عن انتماءاتها الأممية والاثنية والاجتماعية المختلفة ولغاتها الخاصة المتعددة والقول مع الرسول بولس

” ليس يوناني ويهودي ختان وغرلة اسكيثي أو بربري عبد وحر… لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع.”

إلا أن الانقسامات في هذه الكنيسة المدعوة رومية لم تأت من الاختلافات الأممية والاجتماعية بمقدار ماأتت من الهرطقات والبدع التي سبق وحذر منها السيد والرسل وصارعتها الكنيسة بدون هوادة وبمعونة الروح القدس منذ القرن الأول إذ لم يكن الهدف الحفاظ على وحدة الكنيسة فحسب بل وعلى صحة الإيمان الواحد الذي تسلمته جميع الكنائس الأولى من الرسل.

وتجدر الإشارة إلى أن الاضطهادات المريعة التي شنها الأباطرة الوثنيون لمدة ثلاثة قرون ساعدت على تقوية الشعور بالانتماء إلى كنيسة واحدة، إذ تحمل جميع أبناء الكنائس الأولى الملاحقات والشدائد والرعب والتعذيبات، وكانوا يشتركون جميعهم في تكريم شهداء الكنيسة الواحدة، في أي مكان تم استشهادهم فيه، ولأي جنس أو أمة انتموا.

من البديهي أن يؤدي رفع الأمبراطور قسطنطين الاضطهادات عن المسيحيين ورعايته الخاصة للكنيسة مطلع القرن الرابع بموجب براءة ميلانو السنة 313مسيحية إلى فرح غامر عند جميع أبنائها واستعداد أكبر لتجاوزهم فروقاتهم الأممية (وماندعوه القومية اليوم) والاجتماعية وقبولهم به طوعياً كأب وراعٍ للجميع، خصوصاً أنه ألغى من قوانين الدولة التأثيرات الوثنية من ظلم وعقوبات وحشية، وأدخل فيها ما يقترب من وصايا المسيح في العلاقات العائلية والاجتماعية، وقد زاد من تقديرهم له دعوته أساقفة المسكونة من سائر أقطارها وتحمله نفقات سفرهم من اجل حضور المجمع المسكوني الأول الذي انعقد سنة325 مسيحية في نيقية بآسيا الصغرى تلافياً لخطر الانقسام في الكنيسة، والإمبراطورية، الذي سببته الهرطقة الأريوسية، وقد تولت الدولة تطبيق قرارات المجمع وبهذا وضع الأمبراطور قسطنطين القواعد التي دُعيت على أساسها كل المجامع المسكونية اللاحقة لمجابهة الهرطقات الطارئة، وكما أن نقله العاصمة لم يعن بداية لإمبراطورية جديدة، وهي ما اصطلحوا على تسميتها (بيزنطية)، كذلك فإن رعايته للكنيسة الرومية، لم يَعن بداية لكنيسة جديدة، سموها أيضاً بدون حق بيزنطية أو يونانية، فمنذ البداية أي منذ القرن الأول، تأسست الكنيسة الرومية واستمرت دون أي تغيير جوهري في إيمانها أو حياتها الإلهية في القرن الرابع أو غيره ولا تزال هي هي حتى أيامنا هذه، وما أهمية بقاء الاسم الأول سوى كونه إحدى العلامات الخارجية لعدم التغيير هذا للكنيسة الأولى التي أسسها الرب يسوع والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإطار التاريخي الذي وجدت فيه.

نعطي مثالاً عن هذا الارتباط

  • تطور التنظيم الرعائي للكنيسة الأولى والمرتبط منذ البدء بالتقسيمات الإدارية للإمبراطورية الرومية القديمة، بدءاً من الأسقفيات ثم الأبرشيات وفيما بعد البطريركيات.

    وقد صار عدد هذه البطريركيات رسمياَ، خمساً متطابقة مع المراكز الإدارية الكبرى للإمبراطورية الرومية، وهي بحسب الترتيب: رومية القديمة العاصمة الاولى، رومية الجديدة القسطنطينية العاصمة الامبراطورية الجديدة، الإسكندرية عاصمة مصر ووادي النيل وكل الشمال الافريقي وقرطاج ، أنطاكية عين الشرق وعاصمة الشرق كله وكانت دمشق تدخل تحت ولايتها وبالغم من كونها العاصمة الأساس، أورشليم لقدسيتها كونها بلد الرب يسوع الارضي.

    وقد جاء هذا الترتيب الاكرامي بسبب المراكز الإدارية للإمبراطورية وليس لأي سبب آخر، وهو ما تشهد عليه بوضوح قوانين المجامع المسكونية. والواضح أن توقف الاضطهادات هو الذي يسّر نمو انتشار الهرطقات التي زرعت النزاعات والانشقاقات في أرجاء الأمبراطورية الأمر الذي اوجب على أباطرتها الدعوة إلى عقد المجامع المسكونية كان من هذه المجامع(المجمع المسكوني الثالث أفسس 431 مسيحية) الذي حكم على هرطقة نسطوريوس، مما أسفر بالنتيجة عن انفصال الكنيسة النسطورية ( المعروفة اليوم بالكنيسة الآشورية) التي شجعتها الدولة الفارسية ضداً لعدوتها الدولة الرومانية ووليدتها الرومية. والمجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونية السنة 451 للرد على هرطقة اوطيخا.

    وللأسف فقد أدت هذه الانفصالات إلى تشكل كنائس مستقلة حاولت أن تتخذ صفة قومية رافضة بآن معاً للدولة الرومية التي تعتبرها مستعمِرة للمنطقة وضداً لقرارات مجمع خلقيدونية “المحكوم بأمر الملك الرومي”، متهمة شقيقتها بالخضوع لارادة الملك الرومي نظراً لتوافَقَ معتقدها بالطبيعتين والمشيئتين مع معتقد الدولة البيزنطية، وأطلقت عليها بتهكم صفة “ملكية” أي الخاضعة لمشيئة الملك الرومي… وقد ردت عليها تلك بأن لقبتها بلقب اللاخلقيدونية ( لعدم خضوعها لمقررات خلقيدونية) وكنيسة اليعاقية مثلاً نسبة الى يعقوب البرادعي، وهذه الكنائس الشقيقة كانت القبطية والسريانية الخاضعة للحكم الرومي إضافة إلى الأرمنية والحبشية التي تقع خارج حدود الدولة الرومية. ومن المؤكد أن الرافضين لقرارات المجمع لم يكونوا حصراً من أبناء الشعوب التي تنتمي إليها الكنائس المذكورة بل كانت هناك غالبية كبيرة في غرب وشرق الأمبراطورية قبلت قرارات المجمع المذكور ليس فقط من الرومان أو من اليونان بل من جميع الشعوب دون استثناء كشعوب تلك الكنائس الشرقية ذاتها المشار إليها والتي هي على سبيل المثال لا الحصر، كان الموارنة ذوو الأصل السرياني منها.

    وللتأكيد على حقيقة أن أبناء الكنيسة الرومية كانوا من جميع شعوب الأمبراطورية الرومية قاطبة، نشير إلى أن اللغات المستعملة في طقوس الكنائس المحلية لم تكن فقط اليونانية واللاتينية بل وأيضاً لغات الشعوب الأخرى، وقد بقي هذا التنوع اللغوي في القسم الشرقي من الأمبراطورية بعد قرون من انفصال الكنائس المذكورة، ولا يزال حتى اليوم. ويشهد على ذلك مثلاً، في التراث الأرثوذكسي الأنطاكي، بعض الموجود في دائرة الوثائق البطريركية في بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس وفي الأديار البطريركية من المخطوطات والكتب الليتورجية الرومية كالقداس الإلهي لباسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم والمكتوبة باللغة السريانية (اللغة المشتركة لكثير من الشعوب وهي اللغة الطقسية للكنائس الشرقية كالآشورية والكلدانية والسريانية واللغة الكرشونية المستخدمة في الكنيسة المارونية الشقيقة رغم اختلاف كل هذه الكنائس في العقيدة) وكانت تتلى في الكنائس الأرثوذكسية في معلولا، وعين التينة وبخعا قبل إسلام الأخيرتين من منتصف القرن 18 وحتى أوائل القرن 20 ولا تزال اللغة السائدة في هذه القرى هي الآرامية ( أم السريانية). مما يفرض القناعة ان مجرد التكلم بالسريانية لايعني بالضرورة ان المتكلم سرياني العقيدة، بل يتوجب ان يكون العكس اي سرياني العقيدة ويصلي بلغة كنيسته.

    من هنا يمكننا القول أن من ظلوا يُسموَنَ (روم) حتى اليوم هم من جميع شعوب الكنيسة الرومية الذين قبلوا بالمجامع المسكونية السبعة مع غيرها من مجامع محلية وقوانين الرسل وقوانين …من أصول التراث الرومي، ونكرر بان اسم (ملكيون) الذي شاع قديماً في فترة ما، لم يطلقه الخلقيدونيون على أنفسهم بل كان نعتاً تهكمياً أطلقه عليهم أبناء الكنائس الشرقية اللاخلقيدونية لخضوعهم للملك وإرادته في قرار مجمع خلقيدونية. وفي الحقيقة فإن إيمان الكنيسة الخلقيدونية قائم على ما وضعه الرب يسوع وعلى نهجه الذي سار عليه قديسوها وشهداؤها الذين ظللهم المعزي روح الحق.

    الرب يسوع
    الرب يسوع

    هذه هي ذاتها هي الكنيسة الأولى الجامعة التي نشأت في القرن الأول بعد قيام الرسل بتبشير جميع أقطار وشعوب الأمبراطورية الرومانية وتوغلهم في شرق آسية وشرق أوربة وكان تراث هذه الكنيسة الإيماني هو تراث كل هذه الشعوب. وبالنسبة إلى بطريركية رومه القديمة فهي لم تستمر في الانتساب إلى الأمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية (رومه الجديدة) لان القسم الغربي من هذه الأمبراطورية بدأ يقع تدريجياً تحت سيطرة القبائل الجرمانية كالقوط والإفرنج واللومبارديين والأنكلوسكسون…بدأ من سنة 471 مسيحية بعد سنة من سقوط رومة العاصمة والدولة والكنيسة بيد البرابرة الجرمان الأمر الذي أدى منذ ذلك الحين إلى بداية انفصال، وتنازع سياسي وعسكري بين إمبراطورية الروم القديمة اي الرومانية، وما يتشكل في الغرب من دول وإمبراطوريات.

    وعندما تحول المحتلون الجدد عبر قرون إلى المسيحية بعد أن كانوا في معظمهم وثنيين أو آريوسيين انتقل النزاع إلى الصعيدين اللاهوتي والكنسي، ولاسيما بسبب ابتعادهم عن منابع التقليد الرسولي، كل هذه الأسباب أدت في النهاية إلى الانشقاق الكبير بين الكنيستين الذي كان بدأ في مستهل القرن التاسع، وتثبت سنة 1053 بحرم متبادل بين رومه والقسطنطينية.

أما صفة (أرثوذكسية) والتي تعني استقامة الرأي فكانت ومنذ البدء ( ولاتزال) تضاف/ ليس من باب الطائفية/ إلى عقائد الكنيسة لتؤكد استقامتها وصحتها بالمقارنة مع الآراء المنحرفة التي يروج له المبتدعون الخارجون عن المجامع المسكونية السبعة، ثم صارت صفة للكنيسة ذاتها وهي الكنيسة المحافظة على استقامة الإيمان ونقاوته، وخاصة بعد الانشقاق الكبير 1053.

من هو السيد يسوع المسيح؟ ما هي صفته؟ ما هي جنسيته ولغته؟

يقول كلّ منا معلناً إيمانه: “أؤمن…” وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، اله حق من اله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر…”

هذا هو إيماننا الذي نعلنه بصوت متفق في كل صلاة معترفين بربنا وبأنه أسس كنيسته على الأرض والتي أبواب الجحيم لم ولن تقوَّ عليها”، وقد دفعت ضريبته مئات الألوف من الشهداء عبر التاريخ ولم يكن آخرهم (الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي عام 1860 ورفقته وكانوا ألوفاً مؤلفة استشهدوا في دمشق وبلاد الشام وروُوا تربتها من دمائهم الطاهرة دفاعاً عن إيمانهم بالرب يسوع وعن مسيحية ارض الشام وعاصمة كرسيها دمشق).

يسوع هو الكلمة التي بشر بها الملاك جبرائيل الفتاة اللطيمة مريم فأبدت خضوعها العبودي للرب: ” ها أن أمة للرب” وتنبأت “بان جميع الأجيال تغبطها”، فحملته في أحشائها وأنجبته طفلاً بالجسد عاش وترعرع بين ذويه وأقاربه، وامتهن حرفة مربيه يوسف (النجارة)، حتى كان وقت الخلاص فساح في اليهودية مبشراً باقتراب ملكوت السموات، ومنذراً هذا الشعب الردئ هذا الشعب الذي حكم عليه بالموت مؤكداً بأن دمه عليهم وعلى أولادهم من بعدهم.

أو هل يعني ذلك أن المسيح كان الابن البار لإسرائيل وفق قول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1997 في زيارته إلى البوسنة، والتي أتت بعد اعتراف الفاتيكان بإسرائيل كدولة واستقباله في الفاتيكان لاحقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي (وقتئذ) الحالي بنيامين نتنياهو. ومن ثم قوله في عام 1998 أنه يجب على الكنيسة المسيحية، ويقصد الكنيسة الغربية، أن تقدم اعتذاراً لليهودية على ما فعلته بها عبر التاريخ.

وكان البابا الأسبق بولس السادس قد برأ اليهود من دم السيد المسيح في عام 1967، وفي كل مرة كانت تتعالى الأصوات الرافضة من مسيحيين ومسلمين والمحتجة على هذه التبرئة، وأصوات مستحسنة من إسرائيل.

لغة الرب يسوع

تعالت الأصوات، فأكد بعضها أن الرب يسوع من سورية القديمة، وقد تحدث باللغة الآرامية كما ذكر أنطون سعادة وبالتالي هو لم يكن إسرائيلياً.

قال البطريرك السرياني الأرثوذكسي الراحل زكا في عيد الفصح عام 1997 رداً على هذا القول: ” المسيح جاء من أجل الرجاء ولم يأت ليبرر عدواناً أو ليقيم شعباً فوق الشعوب ولن يستطيع أحد أن يحتكره، وظهر في بلادنا بلاد الشام وتكلم لغتنا الآرامية السريانية لغة سورية القديم،ونحن نعتز به ولن ينجح أعداؤه في سرقته منا ولا تشويه طبيعة رسالته.”

كما دوّى صوت بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل شنودة قائلاً: ” إسرائيل في التاريخ كانت مجرد رمزٍ وانتهى… أقصد كانت أيام الأنبياء، الشعب الذي يعبد الله في ظل الأنبياء في وجود الوثنية…ولكن بعد الإيمان الذي يغطي اليوم معظم أنحاء الأرض فإن الرسالة القديمة انتهت وإسرائيل لم تعد شعب الله المختار،شعب الله اليوم كل من يؤمن به.” وقد قال مضيفاً: ” أن لا استطيع أن أحكم على اتجاهات بابا رومة… ولكن هذا الإتجاه هو غير اتجاه المسيحيين في الشرق جميعاً. وكان موقف كنيستنا الأرثوذكسية واضحاً في تأكيد مطران جبل لبنان المعلم جورج خضر:”بأن دولة إسرائيل هي من صنع الصهاينة ولا علاقة لها بكلمة إسرائيل الواردة في العهد القديم…”، ولكنه قال عن الجدل بخصوص هوية السيد المسيح: ” الكنيسة المسيحية لا تبحث في القوميات، وبالتالي لا تنسب المسيح إلى قومية ما، السؤال: المسيح يهودي أم غير يهودي؟ طبعاً يهودياً، هذه ولا تحتاج إلى بحث، القرآن يقول ذلك…

المسيح بجنسه، بلحمه، بدمه، منحدر من امرأة يهودية ينسبها العهد الجديد إلى داود وبولس الرسول ينسبها إلى داود، والناس كانوا يخاطبون المسيح ويتوجهون إليه على أنه ابن داود.

القول أن له قومية، أو أن فلسطين كانت جزءاً من سورية أو غير ذلك – هذا بحث انطلق في القرن العشرين ولا وجود له في تلك الأيام…”

وأضاف المطران خضر رداً على قول قداسة البابا: “إن الفاتيكان دولة تعترف بإسرائيل هذا لا يروق لنا نحن العرب، هي لها مبررات ولكننا نحن الأرثوذكس لا نوافق على مضمون الحوار القائم حالياً حول العهد القديم بين المسيحية الغربية ( الكاثوليكية والبروتستانتية ) واليهودية أن الفكر الغربي يقول أن العبرانيين لا يزالون شعب الله بينما الفكر الأرثوذكسي يقول:هذا تحديد أو مصطلح في الكتاب المقدس وهذه التسمية انتقلت إلى كل من يؤمن بالله…”

وتابع المعلم جورج خضر بالقول:”…هذا الصراع يتجلى بشكل خاص الآن في موقف الكنيسة الأرثوذكسية الأكثر وعياً لمفهوم تخطي المسيحية الديانة اليهودية التي أنجزت رسالتها وتقوقعت على ذاتها فجاءت الكنيسة الأرثوذكسية وتجاوزتها، نحن غير راضين عن هذا الاختلاط الكبير الذي يقوم بين الكنيسة الكاثوليكية واليهودية الذي يحاول جعل المسيحية شعبة من اليهودية”

هنا في هذه النقطة أوضح المطران خضر أن المسيحيين العرب تحركوا كثيراً في أوساط الكنائس لتوضيح هذه الأمور حيث أكدّ أن العدو الألد لليهودية هي المسيحية، وكل هذا النبش لجثث الأموات المصلوبة الذي يقوم به علماء الآثار الصهاينة هو للإيحاء بان يسوع الناصري يجوز أن يكون بين هؤلاء المصلوبين، وبالتالي هو لم يقم من بين الأموات. وطبعاً هؤلاء العلماء مع علماء الدين اليهود وعلماء في ميادين أخرى متجهون لنقض الديانة المسيحية ولجعلها شعبة أو فرعاً من اليهودية، ومن المؤسف أن بعض البروتستانت في أوربا وأميركا يتقبلون ذلك وخاصة مع ازدياد اعداد الشيع البروتستانتية المتصهينة والمتهودة ومحاولتها بالدرهم الرنان مستغلة ذبح سورية واستمالة ابناء الكنيسة ارثوذكسية كانت ام سواها.

مع ضراوة هذه الهجمة الصهيونية ضد المسيح والمسيحية، برز المؤرخ الإسرائيلي آفي خاي من القدس ليعترف بصلب المسيح وبأنه حقيقة تاريخية. وهنا اسمحوا لي بإضافة فكرة قد تكون (عند البعض) ساذجة وهي أن المستهدف من هذه الحملة الصهيونية هي الكنيسة الأرثوذكسية والبلدان الارثوذكسية، ولنتذكر بعض ما مر في الدول الأرثوذكسية خلال القرن العشرين. أو لم تقوض الصهيونية الروسية القيصرية الروسية عام 1917 وكانت الأرثوذكسية الروسية تعد رومه الثالثة ببعدها الكنسي والقيصري الحامي للكنيسة كما كانت رومة الثانية البيزنطية، وأقامت الصهيونية الحكم الشيوعي وأعدمت الاكليروس … وأذكر وثيقة من وثائق البطريركية وهي عبارة عن رسالة من رئيس الأمطوش الأنطاكي في موسكو يصف فيها ممارسات اليهود وكانوا من عناصر الثورة وتدنيسهم للمقدسات والكنائس بإباحية فاضحة مع نسائهم فيها وعلى المائدة المقدسة والمذبح المقدس في كل الكنائس الروسية (وكأنهم رعاع الانكشارية العثمانيين في كنيسة آجيا صوفيا) وأخذهم المصاغ الذهبي الموجود في هذه الكنائس لزوجاتهم.

أو لم تحاول الماسونية ( شقيقة الصهيونية ووجهها الآخر) شرخ بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس إلى قسمين بتشجيع من الانتداب الفرنسي بعد وفاة البطريرك غريغوريوس الرابع فيما دعيت الأزمة البطريركية من 1928 – 1931 إلى قسمين سوري ولبناني وذلك لتفتيت الموقف الأرثوذكسي الوطني الرافض للانتداب بما في ذلك مساعدة الثوار السوريين ميدانياً في الغوطة وسواها.

أو لم تُشن حرب إبادة بحق الصرب الأرثوذكس من قبل الألمان النازيين وحلفائهم الكروات والبوسنيين في الحرب العالمية الثانية أبادوا فيها أكثر من مليون ونصف صربي لا تزال إلى الآن بقاياهم في مقابر جماعية ولكن العالم سكت عنهم، ثم تدخلت أميركا والأطلسي فقضوا على يوغوسلافيا السابقة وفتتوها وشنوا الحرب نفسها على الصرب بشكل ممنهج وأكثر فتكاً، وقلبوا الحقائق فجعلوا الكروات والبوسنيين مجدداً ضحايا للصرب بكذبة مهولة، وهذه هي الذريعة التي دخلوا بموجبها إلى البوسنة وأقاموا دولاً اسلامية في البوسنة والهرسك وكوسوفوواصول هؤلاء تعود الى الاتراك الغزاة، فأصبح الصرب لاجئين في وطنهم الأساس في كانتونات بحماية من القوات الدولية الغازية التي دّمّرتهم، ولكن الأشد إيلاما أن الضحايا الصرب على يد الكروات والبوسنيين الذين يقدر عددهم بمئات الألوف أيضا دفنوا في مقابر جماعية وبالمقابل وقف العالم ولم يقعد تجاه المجازر الصربية بحق البوسنيين والتي اعتبروها مجازر طائفية، وقد اتهموا وقتها في شتى وسائل الأعلام الأجنبية المدارة صهيونياً الكنيسة الصربية بأنها هي التي أفتت بهذا الفتك وباغتصاب البوسنيات… وبكل الأسف انقادت معها وسائل إعلام عربية وإسلامية وكان منها وخلافاً لنزاهة الإعلام السوري، صحيفة سورية محلية أدرجت مقالاً لصحفي سوري تبين لاحقاً انه اختلسه حرفياً من صحيفة إماراتية اتُهمت فيه الكنيسة الأرثوذكسية الصربية بأنها وراء حوادث القتل للبوسنيين وحوادث الاغتصاب للنساء البوسنيات وأن المستند في هذه المنكرات فتوى أصدرتها بطريركية الصرب على حد ادعاء المقال وكاتبه، فرددنا عليه وقتها باسم البطريركية الأنطاكية ورفعنا الأمر إلى القيادة السياسية الحكيمة في سورية والى وزارة الإعلام موضحين كذب وافتراء المذكور، وطالبنا بنشر تكذيبنا لمنع أية حساسية في الشارع السوري وتم إجراء ما يلزم بحق الصحفي المذكور.

أو لم تُستهدف روسيا الاتحادية بحرب انفصالية شيشانية، صُورت على أنها عدوان مسيحي أرثوذكسي روسي على الشيشان المسلمين، في حين انها كانت حرباً قومية بين قوميات وأعراق تتنازع أرضاً واحدة وتدعى كل منها حقها وحدها بها، كما جرى في يوغوسلافيا السابقة ولكن تبين فيما بعد ان من هو وراء الانفصاليين الشيشان وممولهم كان ذاك الملياردير اليهودي الروسي… وان الذي ا كان قد أسهم في تفكيك الاتحاد السوفييتي البابا الراحل يوحنا بولس الثاني والولايات المتحدة الأميركية. ولكل دوافعه وذرائعه. ولكن الخطاب الديني يبقى هو الفاعل في أرضية التعدد الديني والمذهبي، ليس بين الأديان المتعددة فقط بل وبين طوائف ومذاهب الدين الواحد كما هو حاصل اليوم… وما فعله دعاة الربيع العربي بتدبير الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفيفي ليبيا وتونس والجزائر والعراق وفي سورية التي ذبحها الارهاب والتكفير وتهجير المسيحيين بالتعاون مع دول غربية وهذا ما تعزف عليه الصهيونية العالمية لتفكيك العالم والسيطرة عليه ولافراغ الشرق المسيحي الاصيل من مسيحييه.

أو لم تقسم الجزيرة القبرصية من قبل الغزاة الأتراك 1974، وتركيا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط.

وكان المستهدف في كل ما جرى ويجري هو العالم الأرثوذكسي كنيسة وشعباً ومقدسات وهاهي الكنائس والأديار في كل تلك المناطق التي أتينا على ذكرها خربة ينعق فيها البوم ومدنسة…تذكروا معلولا والقلمون وحمص وادلب وحلب والرقة ودير الزور وكسب وحماة والجولان… لماذا؟ لأن الأرثوذكسية وقفت مدافعة عن عقائدها وحافظت عليها نقية عبر 20 قرنا المنصرمة، ولم تتهود، كما حصل لشقيقتيها الكاثوليكية التي تغيرت مواقفها نحو اليهود بتبرئتهم من دم السيد المسيح، والبروتستانتية وخاصة في أميركا والغرب التي تستمتع بلقب المسيحية المتهودة بفرقها ودكاكينها المعروفة وفي مقدمها شهود يهوه والسبتية والاتحاد المسيحي”اصطلاحاً كنيسة يسوع نور العالم” والمعمدانية… الخ والتي كادت ان تفرغ سورية من مسيحييها بتهجير منتظم طيلة ثماني سنوات كما فعلت قبلا في العراق وقبلها في لبنان… وانحيازها الباطني المطلق لإسرائيل ضداً لحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة فيه، وهي دينياً لا تأخذ من المسيحية إلا بعض من الاسم فقط، ولكنها ظاهرة أمام العالم الإسلامي بشكل يؤكد ان المسيحية عدوة للإسلام. ومعروفة التداعيات التي نشأت اولاً في العراق بقتل المسيحيين وتهجيرهم من وطنهم الذي عاشوا فيه بجذورهم الآشورية منذ آلاف السنين والحال عينه في مصر حالياً… وماعشناه في سورية طيلة ثماني سنوات عجاف…

ولا نعلم ماذا يخبئون لها بعد كل ما مر عليها في هذه الحرب الشعواء ولا ما الذي يخبئه لها رأس المال الصهيوني. إن المطلوب هو اختراقها وتهودها لخدمة المخطط الصهيوني، أو اقتلاع أبنائها من أوطانهم بتخويفهم من الشقيق في الوطن، ولكنهم واعتماداً على تاريخهم فهم طليعة ونخبة وطنية تسهم مع هذا الشقيق أياً كان دينه أو مذهبه في بناء الوطن وهذه هي حالنا في وطننا الحبيب الجريح سورية بالرغم مما جري ويجري للمسيحيين فيها وفي المشرق.

جنسية الرب يسوع

حول جنسية الرب يسوع قال بطريرك اللاتين (السابق) في القدس ميشيل صباح:

” يسوع يهودي ولكن شعبه تركه رفضه (جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله) ويقول يسوع نفسه “يأتون من المشارق والمغارب ويأخذون مكان إبراهيم وأبناء إبراهيم” إذاً نحن المسيحيين شعب يسوع نحن الذين قبلناه ونحن الذين نكمل وجوده بعد ألفي سنة واليهود حتى اليوم يرفضونه وبهذا لا يعنيني أن يكون المسيح قد وُلد يهودياً المهم ما الذي حصل بعد ذلك.”

ولكن الأب إبراهيم عياد وهو ابرز كهنة البطريركية اللاتينية في القدس وكان مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات لشؤون الفاتيكان والمسؤول الثقافي لمنظمة التحرير الفلسطينية في أميركا الجنوبية يرى أن المسيح هو فوق الجنسيات الأرضية، علماً أنه ولد وبشر في فلسطين وهناك تألم وتعذب وصلب بالجسد وهذا يجعله أقرب لأن يكون فلسطينياً.”

أعجبني جداً قول الأب عياد التالي:” كانت يهودية مريم العذراء حقيقية، ولكنها صارت أعلى من هذا لأنها أم الله ولهذا لا يمكننا أن نعطيها جنسية أرضية يهودية، عربية أو فلسطينية هي أعلى من هذه الأشياء الصنعية الوطنية.”

وأضاف:” فالمسيح ولد عندما كان في فلسطين يهود رغم أننا نقدر كلام البابا إلا أننا نعتبر أن المسيح لا يحمل أي جنسية فهو أعلى من كل الجنسيات.

لقد كان في فلسطين يهود ولكن، جاء الفلسطينيون قبل اليهود من قرية قرب كريت وسكنوا في الشواطئ الممتدة من عسقلان إلى عكا وأعطوا اسمهم لفلسطين قبل مجيء إبراهيم وعشيرته إليها من أور الكلدانيين في بلاد مابين النهرين.

السيد المسيح لا تحدده أي جنسية ولا أي لغة هو أسمى من أن يكون يهوديًا أو فلسطينياً أو من أي جنسية أرضية لأنه سماوي فهو ملك السماوات والأرض هو الإله غير المحدود” وتابع: ” المسيح لم يتقيد بشعائر يوم السبت بل نقضها لأن الشريعة للإنسان. يحاول أتباع ديانات العهد القديم تفسير كل حادث في حياة السيد المسيح بأنه يتمم دينه على أساس أنه المسيح المنتظر وأنه به تتم نبؤات العهد القديم وفي مختلف اللغات القديمة.

يوحنا ومرقس ولوقا كتبوا بشارتهم باليونانية حتى متى كتب باليونانية والآرامية أن اللغة التي كانت تتداول هي الآرامية ولكنها أي الآرامية ليست لغة قومية، إن الذي يعطي القومية هو المكان أو الأرض التي عاش فيها واللغة هي التي تحدد المكان والمسيح عاش في فلسطين وتحدث بلغتها هذه التي يفاخر الفلسطينيون بأنها الفلسطينية المحكية وهي الآرامية وقد تداخلت فيها مؤثرات فلسطينية. وختم الأب عياد قوله:” بان اليهود يعتقدون أن المسيح لم يجيء والذي جاء كان هو المسيح الدجال.”

ونحن نقول قول الأب عياد ونضيف عليه ان يسوع تكلم كل اللغات المحكية على الارض الفلسطينية فتحدث باليونانية كما الآرامية كما اللاتينية… ولوكان يسوع حل في وسط افريقيا لتحدث بلغاتها وهذا لايكسبه جنسية اللغة التي تحدث بها، بالعكس فان المكان تقدس مع اللغة بتحدث الرب يسوع بها.

أما في الإسلام

فجاء في سورة آل عمران حول البشارة: “إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين”.

إذن عيسى المسيح هو نبي الله وقد شّرفه الله في خلفه بنسبته إلى نسبة تشريف لا نسبة قرابة، ولا نسبة أبوة: “ونفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين”.

الروح هو جبريل وهي من أسمائه ونسبته لله هي نسبة تشريف كما في نسبته، إن الإنسان ينتسب إلى العشيرة التي منها أبوه وما كان لعيسى أن ينسب إلى أب ولا إلى عشيرة، فلا أب له يصله بنسبه إلى الناس، وقد هيأ الله ولادته من أم من غير وطءٍ ولا حَمْلٍ كما تحمل النساء، إنما كان كلمة الله وقولة الحق والمعجزة الإلهية الكبرى، وأي شرف أعظم من أن يكون عيسى آية من آيات الله الدالة على قدرته الباهرة فتكون نسبته إلى الله كنسبة آياته ومعجزاته التي لا حصر لها ولا عد.

أما في اللغة التي تكلم بها الرب يسوع فكانت الآرامية، فمن هم الآراميون؟

الآراميون


هم أقوام عربية تدعى اخلامو خرجت من بادية الشام وتوطنت في أطراف البلاد وفي وادي الفرات حوالي 1500ق.م وهي الموجة السادسة من عشر موجات أو هجرات عربية قديمة خرجت من جنوب الجزيرة العربية بنتيجة القحط والجفاف وضغط القبائل القوية إلى مناطق في بلاد الشام والرافدين أي الهلال الخصيب إضافة إلى وادي النيل وقد أسس الآراميون مجموعات من ممالك المدن من أهمها حامات (حماه)، شمآل في أقصى الشمال، ودمشق التي تزعمت ( ديما شكي) فترة طويلة تلك الممالك ضد الأخطار الخارجية وكان من أبرز ملوكها رصين وبن حدد.

وعلى ذلك سادت هذه اللغة مناطق سورية حسب قول المطران خضر لأن كل اليهود في فلسطين كانوا يتكلمونها بينما كانت اللغة العبرية القديمة هي لغة الكتاب المقدس والتي كان لا يعرفها إلا علماؤهم، أما لغة الشعب والمخاطبة والتجارة فكانت الآرامية، وقد اتخذوها عن بلاد ما بين النهرين عند سبيهم إلى تلك البلاد، فنسوا اللغة العبرية، وعندما عادوا كانوا يتكلمون الآرامية.

وتوضيحاً لهذا القول نقول

ان اللغة الآرامية هي التي شاعت في الألف الأول قبل الميلاد في منطقة الهلال الخصيب، وحلت محل اللغات السامية البابلية والآشورية والفينيقية والعمورية والعبرانية، وكانت تعرف بالآرامية نسبة إلى بلاد آرام أي سورية، أما تغيير التسمية لاحقاً إلى السريانية، ومن آرام إلى سورية، فقد تم بعد اعتناق الآراميين للمسيحية.

أما تكلم اليهود بها بديلاً عن لغتهم العبرانية فقد كان ذلك نتيجة السبيين اللذين تعرض لهما اليهود وكان أولهما على يد الملك الآشوري صارغون الثاني في منتصف عهد الدولة الآشورية التي استمرت من 1100-612 ق.م. وثانيهما تم بيد أشهر ملوك الدولة البابلية الثانية (الكلدانية)نبوخذ نصر أو بختنصر وقد دعي هذا السبي بالبابلي وقد قضى على مملكة يهوذا عندما هاجم أورشليم وسبى اليهود الى بابل لمدة 70 سنة إلى أن قضى على هذه الدولة الملك كورش الفارسي عام 539 ق.م فأعادهم إلى فلسطين وكانوا قد تكلموا الآرامية التي سادت بقوة في الهلال الخصيب بفضل النشاط التجاري ولكونها أكثر تهذيباً من شقيقاتها الساميات حتى يمكننا القول أن جميع تلك اللغات ومنها الآرامية كانت عبارة عن لهجات عربية قديمة من جذر واحد مستمدة من موطن الهجرات العربية الأساس جنوب الجزيرة العربية، وكأنها لهجة المغرب العربي ولهجة المشرق العربي وبقية لهجات الوطن العربي حالياً، فلا يكاد الشامي يفهم اللهجة المغربية إلا بصعوبة والعكس صحيح.

وعندما قام كورش الفارسي باحتلال الهلال الخصيب جعلها اللغة الدبلوماسية ويقول مطران دمشق السرياني الكاثوليكي اقليمس داود مطلع القرن 20: ” إن العرب الشماليين تعلموا صناعة الكتابة من السريان في القرن 5 أو6، وكان الخط الكوفي واخذ عنهم اليمنيون الخط الحميري وعن الأخير اخذ الأحباش”، ويضيف مغالياً:” حتى أن الأرمنية القديمة مأخوذة عن السريانية وأن العبرانيين واليونانيين واللاتين نقلوا الكتابة من السريان، ونختم بالقول أن العقل يضطرنا أن ننسب اختراع صناعة الكتابة إلى الكلدانيين الذين هم السريان الشرقيون”. ولكن مما لاشك فيه أن هذا القول مبالغ فيه كثيراً ومحل نظر لأنه مغالاة قومية وكأن السريان هم وحدهم من كان متعلماً وفي هذا يقول كذلك اهل التلمود عن فرادة اليهود وفي هذا الصدد ينسب فيليب حتي “الأساس الذي شيدت عليه قومية الأمة السورية الحديثة بأنه اللغة السريانية أي أنها لغة لبنان وسورية وفلسطين.”

ولكن كيف وجدت اللغة اليونانية في سورية؟

يعود ذلك إلى ما يسمى حتى الآن” بالمسالة الشرقية” التي تجسد صراع الشرق والغرب والتي بدأت بما دعي “الحروب الميدية” عندما قام داريوس الأول الفارسي بغزو بلاد اليونان وقد هُزم فيها الفرس في معركتي ماراتون البرية وسلاميس البحرية وعادوا مدحورين إلى بلاد فارس ورغب فيليب المقدوني الانتقام من الفرس لكن وفاته جعلت ابنه الاسكندر يقوم بهذه المهمة، وكان الاسكندر تلميذاً للفيلسوف اليوناني أرسطو، وعسكرياً بارعاً. وكان يطمح إلى إنشاء حضارة عالمية ذات طابع يوناني وفق ما غرسه فيه أرسطو، وقد دُعيت هذه الفترة من بداية فتوحاته للشرق وحتى مجيء الرومان “بالعصر الهلنستي” أي الحضارة الشرقية اليونانية، وتابع سلوقس في سورية وبطليموس في مصر بعد وفاة الاسكندر المبكرة عن عمر 33 عاماً.

فبنى أنطاكية على اسم والده انطيوخوس مدينة أنطاكية ثم اللاذقية على اسم أمه لاوذيكياس وكذلك أفامية على اسم زوجته وابيفانيا مدينة حماه، وقليلاً قليلاً شقت اليونانية بثبات طريقها في صفوف الناس ولاسيما في المدن الكبرى سالفة الذكر أو القديمة فأضحت لغة الدوائر الرسمية والثقافة والتجارة حتى أن الآلهة اليونانية أخذت تحل محل الآلهة المحلية فحل زوس كبير آلهة اليونان محل حدد الآرامي كبير آلهة الآراميين. لا بل أن سلوقس جعل مقر هذا الإله قمة الجبل الأقرع لحفظ عاصمته أنطاكية على غرار مقر الآلهة اليونان في جبل اولمب المطل على أثينا…

ولقد تعامل سكان سورية مع اليونانيين وتعلموا لغتهم فصارت اليونانية شائعة على خلفيتهم السامية، بينما لم يتعلم اليونانيون اللغة المحلية بل تركوها لأهلها. ويذهب الأب قسطنطين باشا المخلصي إلى القول بأن سورية صارت يونانية وكذلك أهلها ولا يختلفون عن سكان بلاد اليونان، لا بل أن الأمة اليونانية جعلت مركزها في سورية بعد فتح الاسكندر لها.ولكن معظم البحاثة يرون أن العامة حافظت على لغتها الآرامية وطقوسها الدينية وعاداتها الاجتماعية ولم تذب في الحضارة الوافدة ونحن نقول أن كل الذين تهلنوا وتعلموا اليونانية، وكانوا كثراً، كانوا يهدفون الحصول على حقوق المواطنة ومنها على سبيل المثال المشاركة في الحكم من خلال المجالس الشعبية. وبذا تكون اللغة اليونانية قد تجذرت في الثقافة والآداب والفنون ولم تقو عليها اللاتينية في الفتح الروماني لبلاد الشام سنة 63 ق.م لا بل أبقى الرومان اليونانية لغة للثقافة والفلسفة وحتى للادارة واستمر ذلك الى منتصف عهد الخلافة الاموية…

وقد اشتد عود اليونانية منذ تدشين القسطنطينية في عهد قسطنطين، ثم في عهد ثيوذوسيوس الكبير، وبدأت اللاتينية بالتراجع على الرغم من أنها كانت اللغة التي كتبت بها شرعة ثيوذوسيوس في القرن السادس، وعلى الرغم من أنها كانت لغة التعليم في مدرسة بيروت الحقوقية من القرن 2 إلى القرن 6 ثم سادت اليونانية بعد يوستنيانوس ولم تعد للاتينية في الشرق أرضية مؤثرة.

وفي هذه دخلت المسيحية فكانت اليونانية احدى اللغات التي تكلم بها الرب يسوع في فلسطين، وهي بالتالي لغة التبشير فيها بطول البلاد وعرضها ولغة العهد الجديد الا بشارة متى التي كتبت بداية بالآرامية ولم ترى النور وترجمت بشارته الى اليونانية كشقيقاتها الثلاث مرقس ولوق ويوحنا واعمال الرسل والرسائل الجامعة وكانت اليونانية هي لغة البشارة والآباء والمجامع وحتى القرن 7 وبقيت سورية وفلسطين موطن أكثر الكتبة الكنسيين الذين كتبوا باليونانية وحين سقطت دمشق بيد المسلمين كانت تتحدث باليونانية بدليل كبيرها سرجون النصراني وابنه وحفيده يوحنا الدمشقي.

إلا أن هذا لا يعني انه لم تكن هناك لغات أخرى للشعوب الأخرى إن كان في حياتها العادية أو في عبادتها، ففي كنيسة أنطاكية مثلاً كانت اللغة الآرامية سائدة بين اغلب الشعوب في المنطقة الشرقية فيها واللغة العربية منتشرة في بعض المناطق، لاسيما الولاية الواقعة في جنوب سورية المسماة (العربية) وطبيعي أن يزداد هذا الانتشار بعد وصول المسلمين أن تصلنا كتابات مسيحية باللغة العربية في هذه الفترة مثل كتابات ثيوذوروس أبو قرة أسقف حران الارثوذكسي الخلقيدوني المتوفي سنة 825 م لكنها لم تبدأ في أن تصبح اللغة العامة لشعوب أنطاكية مدنياً أو كنسياً إلا في أوائل القرن 13 وكانت قد بدأت كنسياً في القرن العاشر مع الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي المطران رائد التعريب في الكرسي الأنطاكي المقدس.

وكانت قلة عزيزة قد كتبت بالسريانية قبل القرن الخامس هذا إذا استثنيا الرها التي بقيت فيها السريانية غالبة.

وفي القرن الخامس انشق اليعاقبة على أثر مجمع خلقيدونية 451م فجعلوا السريانية رمزاً لفرادتهم اللغوية ولانصرافهم العقائدي عن القسطنطينية، كذلك فعل الموارنة في القرن السابع بعدما أخذوا بالقول بالمشيئة الواحدة واستبقت ذلك حركة نقل واسعة للتراث المشترك الى السريانية؟

ويقول الارشمندريت المتوحد توما بيطاررئيس دير عائلة الثالوث المقدس في دوما لبنان ما يلي: ” إن القول بان سكان السواحل والمدن كانوا يتكلمون اليونانية في حين كانت السريانية لغة القرى والداخل، ليس دقيقاً، لأنه لا يمكن عزل السكان ضمن هذا التقسيم، حيث أن التحرك السكاني والتفاعل الحضاري الذي طال كل بعد من أبعاد الحياة العامة على مدى تسعة قرون لايسمحان بتوزيع مناطقي فاللغات المتداولة متداخلة لذا برزت ثلاث فئات أساسية:

1- هلينية أصلاً استوطنت المدن والجوار.

2- محلية وهي اكبر عددياً، وتهلنت واتخذت الحضارة اليونانية مع المحافظة على لغتها الأصلية ومخزونها التراثي.

3- محلية ثانية اعتزلت أو كادت وبقيت تتكلم السريانية.”

وعلى ذلك لا يمكن إجراء فصل مناطقي ونحن نؤيد ذلك ونؤيد بالتالي عدم سيادة أي من اللغتين على الأخرى سواء كان ذلك من زمن الحضارة الهلنستية والى ما بعد دخةل المشرق تحت حكم المسلمين وتعريب الدواوين من اليونانية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.

إذ انه وطيلة تسعة قرون لم تتوارى السريانية ولم تنصهر باليونانية إلا أنها زهت وخاصة بعد سقوط دمشق( وقد كان السريان عوناً لخالد بن الوليد في فتح الباب الشرقي بدمشق من خلال الراهب يونان راعي السريان اليعاقبة وقتها نكاية بالحاكم الرومي والكنيسة الرومية طاعنا بذلك مساعي الوجيه سرجون وفتحه باب الجابية صلحا لأب عبيدة بن الجراح كما كان الحال في مصر بقيام الأقباط بنصرة ومساعدة المسلمين بقيادة عمرو بن العاص على الروم الحاكم والشقيق في البطريركية والمسيحية) وقد قّرب الفاتحون المسلمون اليعاقبة السريان في البداية في دمشق واعطوهم مؤقتا كنيسة يوحنا المعمدان وقد انتزعوها من الروم ومنحوهم امتيازات في حين ضيقوا الخناق على الأرثوذكس لوحدة عقيدتهم مع الروم…فحصلت هجرات أرثوذكسية إلى آسية الصغرى، وارتفعت وتيرة الهجرة الأرثوذكسية في العصر العباسي لازدياد حالة العداء بين العباسيين والبيزنطيين مع تقريب أكثر للسريان فازدهرت السريانية على حساب تراجع اليونانية وعمل السريان على نقل التراث اليوناني إلى العربية وخاصة في منطقة جنديسابور (عربستان) وكانت معقلاً لأسرى الروم وأصبح فيها بيمارستاناً يعالج فيه المرضى ويدرس الآراميون العاملون فيه الطب اليوناني باللغة السريانية وكان منهم كبير أطباء السريان جورجيوس بن بختيشوع الذي نزح الى بغداد وصار طبيباً لأبي جعفر المنصور وكذلك مدرستي الرها وحران والكتابة فيها بالسريانية في العلوم والكنسيات.

وبقيت السريانية مزدهرة إلى القرن 13 وقد ترافقت والعربية إلى أن تضاءلت وازدهرت العربية على حسابها مع الإشارة إلى تمسك الأقوام الذي كانت السريانية تمثل إليهم رمزاً دينياً وقومياً وأصبحت بعد القرن 13 لغة العبادة أكثر منها لغة العامة واستمرت كذلك إلى أن زالت من الاستعمال وبقيت لدى بعض الأقوام حتى وقتنا الحاضر(السريان والنساطرة والموارنة) فيما توارت أو كادت من الكنيسة الرومية وخاصة في الارياف كالقلمون مثلاً بدليل المخطوطات الليتورجية الارثوذكسية بالآرامية والكرشونية… وكان الارثوذكس وهم وحدهم سكان المنطقة المسيحيون يصلون بها اضافة للعربية.

ان الشواهد على ذيوع السريانية في بلاد الشام واضحة بما فيها فلسطين والرب يسوع وتلاميذه تكلموا بالآرامية الفلسطينية والعهد الجديد مشبع بالمفردات والتعابير والأسماء الآرامية وما ذلك إلا نتيجة لانتشار هذه اللغة بفضل النشاط التجاري الذي تميّز به السوريون منذ الأزل.

ونقول هنا أن الرب يسوع لو أراد تكريس الآرامية التي بشر فيها لغة عالمية شاملة لكنيسته التي اقتناها بدمه الكريم لفعل ولكنه ليس يوناني ولا يهودي بل الكل في المسيح وأعطى للعالم أجمع البشارة بكل اللغات في يوم العنصرة أن الرب يسوع لم يحصر كنيسته بلغة واحدة حتى لو كانت التي تكلمها لأن الرب يسوع لم يكن قومياً بل هو أرفع من القوميات والجنسيات، أو لم يعط بطرس الحق في تبشير الجميع عندما رمز له في الرؤيا بالحيوانات المختلفة الموجودة في السلة النازلة عليه من السماء “اذبح وكل”.

يسوع تكلم لغة الشعب الذي عاش بين ظهرانيه والبشارة انتقلت الى العالم بلغة العالم المتحضر وقتئذ اليونانية التي أصبحت فيما بعد لغة المجامع المسكونية فإن كانت الآرامية تشرفت بأن الرب يسوع تكلم بها الا انه تكلم ايضا باليونانية وهي لغة العلم في فلسطين وباللاتينية وهي لغة العسكر الروماني الحاكم، إلا أن اليونانية تشرفت بدورها بنقل خبرية الرب يسوع وبشارته وبوضع دستور الإيمان والعقائد والقوانين ومع ذلك لو قلنا مع القائلين بأن القديس يوحنا الدمشقي كان سريانياً فلم ترهب في دير مار سابا اليوناني؟ ولم كتبَ تراثه الخالد، ونظم إشعاره باليونانية، ولحنها وفق الموسيقى البيزنطية ؟ ألا يتوجب عليه أن يكون وفياً لقومه السريان/ طبعاً، مع احترامنا الشديد لهذه الكنيسة الشقيقة/ فيكتب بلغتهم؟ وإن نسينا في هنيهة إلا انه يتوجب علينا الإقرار بأن المسيحية دخلت إلى بلاد العرب مع الحجاج العرب الذين كان بعضهم في العلية يوم العنصرة/ حسب أعمال الرسل/ وتمت البشارة فيها بلغة العرب، ثم ألم يكن نصارى نجران عرباً وشارك أساقفتهم في المجامع المسكونية وخاصة الثلاثة الأولى. وكذلك أساقفة المضارب المتنقلين مع العرب الرحل في مناطق العربية لرعايتهم روحياً، لذا فإن حصر الشرف باللغة السريانية التي تكلم بها الرب يسوع محل نظر ونقد… ولا يجوز إطلاقه،( مع التأكيد على الاحترام الشديد للسريانية كنيسة ولغة وهذه من لغات الكنيسة الأنطاكية الواحدة… والاحترام لكل الكنائس الشقيقة ولغاتها الطقسية لأن الجميع أثروا كنيسة الرب يسوع وخاصة الأنطاكية منها وقدموا الشهادات الحية بالدم والكلمة وقدموا أفواجاً من القديسين) وإلا لما كان المسيحيون غير السريان مسيحيين أو كانت مسيحيتهم ناقصة، أو أدنى مرتبة لمجرد أنهم لم يتكلموا بلغة الرب يسوع، ولعمري أرى أن هذا متماثل مع إصرار البابوية على اعتبار اللاتينية لغة الكتاب المقدس.

وأضيف وبشكل علمي فأقول أن وجود المخطوطات الليتورجية المكتوبة باللغات السريانية والعربية واليونانية وكانت منتشرة حتى في أصغر القرى والبلدات والمحفوظة في دائرة الوثائق البطريركية وفي العديد من الأديرة البطريركية والأبرشية لهو دليل ناصع على أن السريانية وخاصة الطقسية الليتورجية ليست حصراً على الإخوة السريان ودليل جلي على اشتراكنا في هذا التراث كوننا نحن سوريون وأصحاب الأرض مثلهم، جغرافياً، وأنطاكيون لجهة الانتماء الروحي المسيحي ويحلو لي أن أورد مثالين على هذا الاشتراك:

أولهما: لم يوقع الأساقفة الملكيون سنة 1360 محضر انتخاب البطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي باخوميوس الأول إلا بالسريانية.

ثانيهما: في جواب البطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي مكاريوس بن الزعيم على أسئلة سفير الملك الفرنسي لويس الرابع عشر سنة 1671 بشان أتباع كالفن (المخطوط العربي رقم 224 والمحفوظ في مكتبة باريس الوطنية) قال متحدثاً عن الكنيسة الأنطاكية في زمانه: ” نستعمل اللسان اليوناني والسرياني في كنائسنا”.

ولنا شاهد حي إلى ما شاء الله على هذا التراث المشترك، وهو تكلم سكان معلولا بالآرامية وليس فيهم سرياني واحد كانوا كلهم أرثوذكساً ثم تكثلك قسم منهم وحافظوا على الآرامية لغتهم الشعبية إضافة إلى القريتين المجاورتين بخعا وعين التينة القريتين اللتين أسلمتا من منتصف القرن 17 وكانوا كسكان معلولا أرثوذكسا ويتكلمون ولازالوا بالآرامية (وبعض اهل يبرود المسلمين كذلك…) أو هل يمكن اعتبار سكانهما سرياناً كونهم يتكلمون السريانية مع كونهم مسلمين. ومؤخراً وبمبادرة محلية من أهل معلولا قام المرحوم الأستاذ جورج رزق الله (أرثوذكسي) بوضع أبجدية لهذه اللغة ولاق تشجيعاً حاراً من الدولة السورية و فتح معهداً لتدريس هذه اللغة بمباركة من الدولة على أنها لغة الرب يسوع وذلك قبل اجتياح الارهابيين للبلدة 2013.

ونتيجة للنيات الطيبة وبعد مشاورات تم اتفاق رعوي صدر أواخر القرن 20 وصدر بالبيان المشترك المجمعي والبطريركي بين كنيستي أنطاكية الأرثوذكسية والسريان الأرثوذكس.

خاتمة

إننا نفتخر بداية مع بولس الرسول بقولنا:” أما أنا فحاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح.”

ونتمسك بشهادة القديس باسيليوس الكبير بأنطاكية عندما قال فيها:” إنها أجدى نفعاً من كل كنائس المسكونة”، لأنه حتى في الأزمنة التي وصلت فيها أنطاكية إلى أدنى درجات كربها وعوزها وانحطاطها في القرن 19 أعطت سحابة من الشهداء والشهود للمسيح كالقديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته الذي كان لي شرف وفخر نبش سيرته العاطرة وسيرة تلميذه القديس المنسي ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي المتوفي في العقد الأول من القرن 20( وسأنشر سيرته بإذن الله قريباً) وبطريرك الرحمة غريغوريوس حداد والخوري الشهيد نقولا خشة 1918 في مرسين على يد الأتراك القتلة وابنه الخوري الشهيد حبيب خشة 1949 على يد أشقياء شبعا والخوري الشهيد سليمان سويدان عام 1949 الذي اغتيل دهساً مقصوداً بدمشق…

وأختم فأقول لقد حفرت اللغات السريانية واليونانية والعربية عميقاً في وجدان أنطاكية الأرثوذكسية.

إن اللغة إناء يحل فيه السيد بالروح وهي ليست قناعاً، إن هذه اللغات الثلاث لم تمر بنا عبوراً بل استقرت فيما بيننا وفي ذواتنا جيلاً بعد جيل.

اليونانية المسيحية تمشرقت وتسرينت شكلاً ومضموناً وأنّى لنا أو لغيرنا ان نعزل ما هو يوناني عن ما هو آرامي سرياني في تراث الأرثوذكسية حتى تراث القديسين اللاتين كان له نصيب في أرثوذكسيتنا /طبعاً قبل الانشقاق الكبير 1053م/

احتفت اليونانية والسريانية بالإنجيل منذ البدء احتفاف مراتب الملائكة بعرش الله وهذه الليتورجيا الرومية خير شاهد على مابين الاثنتين من تمثل وتماثل وتفاعل وتداخل وما يقال في السريانية يقال أيضاً في اليونانية، فاليونانية طبعت الروح والفكر والوجدان في البلاد السورية بطابع لا يمحى، السريانية تهلنت: يا رب ارحم

” قور يالياصون” أي باليونانية كير ياليسون. اليونانية تسرينت ودخلت في اللغة العربية: مار: قديس، مريم: السيدة.

هذه جعبة أنطاكية العظمى وهذه موهبتها للكنيسة الجامعة المقدسة برمتها، أنها مستودع الثقافة الكنسية والعبادة المسيحية بصورة مميزة.

كان سروري لا يوصف في الجلسة الختامية لندوة الإخاء الديني التي عقدت في مكتبة الأسد بمناسبة الألفية الثالثة لميلاد الرب يسوع بدعوة مشتركة من وزارة الأوقاف وبطريركية الروم الأرثوذكس عندما عقب نقيب الصحفيين السوريين السيد علي عقلة عرسان على طرح لسيادة مطران حلب السرياني يوحنا إبراهيم (المخطوف بيد الارهابيين مع شقيقه مطران حلب الارثوذكسي بولس يازجي والكاهنين الارثوذكسي والارمني الكاثوليكي) بقوله:

” لماذا يُصر البعض على أن المسيح يهودي، ويصر البعض الآخر على أنه سرياني، المسيح ليس يهودياً ولا سريانياً المسيح هو ابن الله”.

 

  • محاضرة ألقيتها في مدارس الأحد الأرثوذكسية بدمشق في 14/2/2000

مزيدة ومنقحة بتاريخ نشرها في موقعنا

المئذنة البيضاء

$
0
0

المئذنة البيضاء


لمَ تقع مئذنة بمفردها فقط بجانب دار البطريركية الارثوذكسية بدمشق…؟

ماعلاقة دار البطريركية الرومية الارثوذكسية ومريمية الشام اول كنيسة في الشام والمشرق كله بالمئذنة…
وكثيرون سألوني هذا السؤال بصفتي امين الوثائق البطريركية وواضع تاريخ المريمية ومنهم العديد من الباحثين في التاريخ والاعلاميين من سورية والعالم.

للإجابة على الاسئلةأعلاه، ولتنوير الأذهان، واولهم اذهان اولادنا ً ثم كل باحث ممن يتناقلون معلومات مغلوطة مغايرة للحقيقة هو الجواب بعد بحثنا الطويل منذ اول الخيط حتى تاريخه

مع تحذير لكل من يريد اخذ المعلومات او اقتباسها ونحلها لاسمه في المواقع والصفحات كما هو جارٍ بكل اسف فهي من حقنا وحق البطريركية وقد عملنا عليها طويلاً…ونأسف لمقاضاته قانوناً…

الصورة

صورة المئذنة الواقعة أمام دار بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وكانت تسمى المئذنة البيضاء …

فذلكة تاريخية…

تعود الصورة الى ماقبل عام ١٩٤٣ وفي عمق الصورة تبدو جرسية الكاتدرائية المريمية…

المئذنة البيضاء كانت جزءاً من مسجد صغير او مصلى صغير، ولما قامت “محافظة دمشق الممتازة” بشق الطريق المار من الشارع المستقيم الى القيمرية ( اي المريمية او حارة مريم لكونها ضمن حرم كنيسة مريم) قامت عملياً بتوسيع درب مريم الممتد من حرم البطريركية الغربي مع حرم المريمية الى الساحة خلف المريمية المسماة “ساحة الخمارات” وكان فيها يقع في العصر الرومي والى مابعد اول الوجود الاسلامي في دمشق دير مريم للراهبات واساسه ديراً لليتيمات الصغيرات الواتي يعتنقن الرهبنة وفي الساحة اقام الدمشقيون عام 1900 المستشفى الارثوذكسي الدمشقي باسم مستشفى القديس بندلايمون بعد مستشفى الروم ببيروت اي مستشفى القديس جاورجيوس بسنة…

باب حرم البطريركية الغربي حين توسيع درب مريم 1943
باب حرم البطريركية الغربي حين توسيع درب مريم 1943

أوردنا ما أوردناه لنثبت وقفية المنطقة برمتها لكنيسة مريم وللصرح البطريركي بما في ذلك حارة المريمية المنسوبة للمريمية (آيوس ماريا اي القديسة مريم باليونانية) ومنذ زمن الوجود الرومي، وليس للشيخ القيمري والمدرسة التي بناها كما تدل يافطة الحي، إذ كانت القيمرية باسمها هذا المحرف عن المريمية ولنا مقال ضاف عن ذلك هنا في موقعنا، وحتى مذبحة المسيحيين حارة مسيحية صرف بسكانها وبورشاتهم لسدي الحرير ونسجه وصباغه والحرف الخشبية من نجارة وحفر ونقش وخراطة الخشب وبرداخ الخشب والمفروشات والصدف ثم الموزاييك لاحقاً وتنجيد المفروشات… وبعد المذبحة بدأ التحول الديموغرافي التدريجي ووفق شهادة جدي فارس ووالدي جورج رحمهما الله وكانت دكانتهما لحفر الخشب في القيمرية منذ 1950 كان لايزال 60% من البيوت والمحلات والورش والخانات مسيحية…

المئذنة البيضاء كانت مدخلاً للبطريركية والمريمية

في عام 1943 وسعت دمشق غرب دار البطريركية والكاتدرائية المريمية كما اسلفنا بتوسيعها درب مريم الذي كان ضيقاً كما هو الجزء المتبقي والواصل من أمام الواجهة الغربية للمريمية الى ساحة الخمارات حالياً…

بهذا التوسيع أزالت المحافظة المسجد الصغير وأبقت فقط على مئذنته الحالية وجددتها بالحجر الأبيض.

لمئذنة البيضاء بمفردها بعد 1943
المئذنة البيضاء بمفردها بعد 1943

قنطرة هذه المئذنة كانت مدخلاً لدار البطريركية الغربي، ومنذ 705م كان يتوجب على البطريرك والاكليروس البطريركي والمصلين وابناء الرعية المرور من تحتها للدخول الى الباب الغربي للمقر البطريركي، ولباب البطريرك الواقع جنوباً… وبالمقابل فقد أزالت المحافظة بتوسيعها الدرب جزءاً كبيراً من مدرسة مار نقولاعلى طول القسم الغربي من الدار البطريركية والمريمية…

مدرسة مارنقولا الابتدائية الارثوذكسية

اساس هذه المدرسة كان كنيسة مارنقولا التي تدمرت مع كنيسة كبريانوس ويوستينة والكاتدرائية الام المريمية عام 1860!!! وقد ضمت مساحة الكنيستين الى المريمية عند اعادة عمرانها مابعد 1862 واستمر البناء الى عام 1868 وبقي جزء من موقع كنيسة مارنقولا اشيد عليه مدرسة مار نقولا للصغار…

كانت مدرسة مار نقولا الارثوذكسية البطريركية تمتد إلى مطعم النارنج (حالياً) هذه (مطعم النارنج) كانت ومع الامكنة الملاصقة ولاتزال كشارع منطقة وقفية أرثوذكسية تابعة للبطريركية والمريمية مع حق المرور فيها كون درب مريم مرفقاً عاماً…
وأخرجت المحافظة من هذه المنطقة قوس النصر الروماني الحالي ووضعته بوضعه الحالي، وكان هذا القوس يشكل تقاطعاً في العهدين الروماني والرومي وأول الاسلامي…بين الشارع المستقيم الحالي بين البابين الشرقي والجابية…أي الغربي والمتقاطع مع الشارع الممتد بين الباب الصغير في السور الجنوبي لدمشق وباب السلام شمال سور دمشق الممتد الى باب توما…ونلاحظ ثمة دكاكين كان منها مقر المطبعة البطريركية التي انشاها البطريرك غريغوريوس حداد 1908 وطبع بها مجلة النعمة بدورها الاول 1909-1914 إضافة إلى اسطبل تابع للمقر البطريركي… مع باب البطريرك…

مريمية الشام الواجهة الغربية
مريمية الشام الواجهة الغربية

كله تغير ببناء ماسمي وقتها بالقصر البطريركي عام ١٩٥٣ بهمة البطريرك الكسندروس طحان عندها بني هذا البناء الجميل واستبدلت تلك الدكاكين والمستودعات ومقر المطبعة والاسطبل بالدكاكين الحالية ووسع حول المئذنة والغي المرور من تحت قنطرتها للدخول الى الدار البطريركية وهي الان حديقة جميلة
لا حظوا كم جميلة هي الشام ومريميتها…!!!

في تاريخ المريمية والبطريركية والشارع المستقيم
السؤال: لكن لم كان هذا المسجد؟

كان هذا المسجد او المصلى الصغير قد بناه المسلمون السنة ٦٣٥ مسيحية عندما دخلوا دمشق…

دخل ابو عبيدة صلحاً من الباب الغربي أي الجابية بهمة ومساعي “سرجون النصراني” الوجيه الاول بدمشق جد القديس يوحنا الدمشقي حقناً لدماء الدمشقيين المسيحيين، وكان الاتفاق شاملاً كل أبواب دمشق المحاصرة من قبل جيوش المسلمين بقيادة الصحابة على كل باب من الأبواب السبعة… وكان جيش الروم قد اخلاها قبل بدء الحصار وانسحب الى منطقة اليرموك حيث وقعت معركة اليرموك لاحقاً وكما انحاز الغساسنة السريان للمسلمين وخانوا جيش الروم والتحقوا بجيش خالد ضراً بالكنيسة الرومية الخلقيدونية،

المريمية من الداخل
المريمية من الداخل

كذلك كانت خيانة من الراهب السرياني يونان راعي وكاهن القلة السريانية اللاخلقيدونية بدمشق ضراً بالكنيسة الرومية الخلقيدونية وهي مذهب كل السكان ومذهب اللامبراطورية البيزنطية الرومية، فخان مساعي سرجون النصراني وطعنه بظهره بدون علم من الاخير، واتفق مع خالد بن الوليد على أن يُدخل شرذمة من جيش خالد من غرفة بيته الكائن بداخل كنيسته، وهي كنيسة الأرمن الأرثوذكس الحالية، وكانت النافذة في السور الشرقي ويدخل منها الى بيت الكاهن ومنه الى الباب الشرقي من الداخل وقت تغيير الحرس الذين كانوا من السكان وليس من جيش الروم، وكان ذلك مقابل وعد حصل عليه من خالد بأن لايصيب طائفته الصغيرة جداً وعددها مع أسرته فقط ٧٠ نسمة أي اذى بل يتم تكريمها…!!! ودخل منتصف الليل المقاتلون المسلمون بقيادة خالد حربا من الباب الشرقي وهم يهللون ويكبرون وانقضوا على السكان المدنيين قتلاً وذبحاً ولم يكن فيها اي جندي رومي، بل تم ارتكاب المجازر بحق المدنيين الدمشقيين المسيحيين، بينما تم تحييد الرعية السريانية عن الذبح بأوامر خالد، (لا بل تم تكريمها بتسليمها كاتدرائية يوحنا المعمدان الارثوذكسية، وتم حرم الرعية الدمشقية منها لأنها على مذهب الدولة الرومية العدوة…)

مشهد بانورامي لدار البطريركية المئذنة  متداخلة مع المحيط الصورة من قوس النصر
مشهد بانورامي لدار البطريركية المئذنة متداخلة مع المحيط الصورة من قوس النصر

في الوقت ذاته دخل ابو عبيدة وجيشه من باب الجابية صلحاً بدون قتال والتقيا عند المريمية فاقيم المسجد تذكار شكر، واعتبرت المريمية بكنائسهاالثلاث والبناء التابع أملاك دولة وأغلقت…بينما حول المسلمون كنائس القسم الشرقي المفتوح حرباً وعددها ١٦ الى مساجد (عدا كنيسة السريان تنفيذا لوعد خالد للراهب يونان) بعكس كنائس القسم الغربي المفتوح صلحاً واولها كاتدرائية دمشق اي يوحنا المعمدان (وكانت دار مطرانية دمشق الارثوذكسية بجانبها…) بقيت كنائس مفتوحة للصلاة لان السكان دفعوا الجزية، ثم بدأ تحويل الكنائس وعددها ١٦ ايضا الى مساجد واخرها كان كاتدرائية مطرانية دمشق الارثوذكسية اي يوحنا المعمدان بأمر الوليد بن عبد الملك وقد صادرها لان الأرثوذكس رفضوا طلبه بتحويلها كلها الى الجامع بعدما كان المسلمون ومنذ اول دخولهم دمشق اقتطعوا جزءاً من الكاتدرائية وجعلوها مسجداً، ولما لم يبق لهم أي كنيسة وكان ذلك عام ٧٠٥ مسيحية تظلموا للوليد فاعطاهم المريمية المغلقة منذ٦٣ سنة كونها من أملاك الدولة بقوله:” اننا نعوض على النصارى بكنيسة مريم بدلاً من كنيسة يحي” وكأن ذلك من حقه ليصادر ويحول ويعطي البديل!!!.

كاتدرائية دمشق الارثوذكسية (كاتدرائية النبي يوحنا المعمدان( ( الجامع الاموي)
كاتدرائية دمشق الارثوذكسية (كاتدرائية النبي يوحنا المعمدان( ( الجامع الاموي)

لذا بقي المسجد ومئذنته جزءاً من بناء المريمية وانتقلت مطرانية دمشق الارثوذكسية من حرم كاتدرائية المعمدان الى حرم المريمية، والتصق جدارها بجدار الجامع وكان لايحق لهم فتح باب للمطرانية والمريمية الا عبر المرور من تحت قنطرة المئذنة…ثم صارت هذه المطرانية هي المقر البطريركي السنة ١٣٤٤ بعد تدمير الظاهر بيبرس لانطاكية كلها، ومنها المقر البطريركي السنة 1268 مسيحية في حربه ضد الفرنج فارتكب كل المنكرات بحق مسيحييها لأنه اعتبرهم كالصليبيين لكونهم مسيحيين!!!! فقتل وسبى مائة الف هم سكانها، وتشرد الكرسي الانطاكي الى عام ١٣٤٤مسيحية فنقل البطريرك اغناطيوس الثاني المقر البطريركي الى دمشق، وبقيت التسمية بطريركية أنطاكية… وصارت البطريركية بدمشق في مقر المطرانية والمريمية كاتدرائية البطريرك الارثوذكسي ( ولم يكن في دمشق الا الارثوذكس مع قلة نادرة من السريان وبضعة من الارمن القديم ولم تكن قد نشأت بعد اية طائفة تتبع لبابا رومية حيث نشأ الارمن الكاثوليك والسريان الكاثوليك في القرن 17 والروم الكاثوليك السنة 1724 فعليا وعام 1835 اعترفت بها الدولة العثمانية رسميا كطائفة مستقلة عن الروم الارثوذكس…
أليست صفحة مؤلمة؟

الباب الشرقي وكنيسة مار سركيس للأرمن الأرثوذكس  وكانت للسريان الارثوذكس حتى العقد الأخير من القرن 19
الباب الشرقي وكنيسة مار سركيس للأرمن الأرثوذكس وكانت للسريان الارثوذكس حتى العقد الأخير من القرن 19

نكرر التحذير

يرجى عدم النقل والاقتباس بدون ذكر المصدرتحت طائلة المقاضاة قضائياً…

د.جوزيف زيتون


قلعة المرقب آبدة سورية خالدة…

$
0
0


قلعة المرقب آبدة سورية خالدة…

من بين أكثر من 80 قلعة وحصناً أثرياً تنتشر على مختلف البقاع السورية، تحتضن محافظة طرطوس وحدها 14 منها نظراً لأن هذه البقعة تعرضت على مر العصور لغزوات خارجية عديدة فكانت حصن الدفاع الأول عن سورية بوجه الطامعين.
ووسط هذه القلاع التي تنتشر في المدينة وريفها تشمخ قلعة المرقب الواقعة على بعد 5 كم شرق مدينة بانياس والتي اعتبرها الباحثون الآثاريون إحدى أهم القلاع التي بنيت في العصور الوسطى في العالم بأسره، كما صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) قلعة تاريخية مهمة لاحتوائها على تراث إنساني عظيم وسجلت على اللائحة التوجيهية لليونيسكو.

تتميز قلعة المرقب بمنظر خلّاب يستوقف كل من رآها؛ وذلك بسبب رسوخها الشامخ كالجبال، تمتلك القلعة سوران، الأول هو الداخلي، والآخر هو الخارجيّ الذي يحتوي على أربعة عشر برجاً دفاعيّاً، وتتألف القلعة من العديد من المنشآت والمباني في الجزء الداخليّ منها كقاعة الفرسان، والقاعة الملكية، وكنيسة بُنيت في القرن الثاني، وخزّانات، وممرّات بين الأسوار، والأبراج، وأيقونات جداريّة  فسيفائية ذات ألوان متعدّدة كأيقونات العشاء السري، وبولس الرّسول، وبطرس الرسول.

تسمية القلعة
عرفت قلعة المرقب من قبل اللاتين زمن الدولة الرومانية باسم “مارغت”، وفي فترة الدولة البيزنطية “مارغوتوم” وأطلق عليها العرب اسم “قلعة المرقب” حيث يقول ياقوت الحموي في “معجم البلدان” معللاً التسمية

“المَرْقَبْ بالفتح ثم السكون ثم بالقاف المفتوحة هو اسم الموقع الذي يرقب منه”

مدخل قلعة المرقب
مدخل قلعة المرقب

موقع القلعة
تقع القلعة على تلة مرتفعة كالعقاب في وكره، ولا يمكن للمسافر القادم من اللاذقية أو من طرطوس مهما كان على عجلة من أمره إلا تلفت انتباهه، وأن يتوقف مندهشاً حين يصل إلى مشارف مدينة بانياس الساحل ليشاهد بين سلسلة الجبال المشرفة على البحر جبلاً مغطى بالغابات والخضرة تنتصب فوقه قلعة ضخمة بشكل مدهش هي قلعة المرقب أميرة حصون وقلاع الساحل السوري.

ووصف أحد الرحالة الأجانب القلعة التي زارها في القرن التاسع عشر بقوله “المرقب أشبه بمدينة فريدة من نوعها تقع على صخرة كبيرة مشرفة على كل ما حولها يمكن الوصول إليها في حالة النجدة ولا يمكن الوصول إليها أثناء القتال إلا النسر والصقر وحدهما يمكنهما التحليق فوق أسوارها”.

توجد قلعة المرقب على مسافة خمسة كيلومترات من الجهة الشرقيّة لمنطقة بانياس الموجودة على الساحل السوريّ التابع لمحافظة طرطوس السوريّة، وتنحصر إحداثيات القلعة بين 35.151111° باتجاه الجنوب، و35.949167° باتجاه الشرق، وتحدّها من الجهة الشرقيّة جبال اللاذقيّة، ومن الجهة الغربيّة البحر الأبيض المتوسط، وتعدّ من المناطق الاستراتيجيّة، وذلك لأنّها محاطة بالجبال، والغابات الكثيفة، وخندق كبير، وبُنيت على تلّة يصل ارتفاعها إلى ثلاثمائة وسبعين متر فوق مستوى سطح البحر.

نبذة تاريخية
يعود بناء القلعة إلى عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد للمرّة الأولى كما يقول البعض من الآثاريين، وتمت عمليّة إعادة بناء القلعة مرةً أخرى بيد رشيد الدين الإسماعيلي، ونظراً لأهمية القلعة في ذلك الوقت استولى عليهاالفرنج خلال عام 1117م، ثم استولى عليها الإسبارتة، ثم السلطان قلاوون، وتتميّز القلعة بحصن كبير أي من الصعب احتلالها، وذلك لأنّه من الصعب الوصول إليها لارتفاعها الشاهق، حتى إنّ صلاح الدين الأيوبيّ، والظاهر بيبرس لم يستطيعا دخول القلعة.

ولكن حسب تقرير أعدته دائرة آثار طرطوس:” يعود بناء القلعة الى السكان المحليين للمنطقة سنة 1062م في اول الأمر”…

مدخل القلعة
مدخل القلعة

دام استيطان سكانها لها حتى عام 1104، حين وقعت بيد الروم البيزنطيين عام 1104م لفترة قصيرة، ثم استولى عليها العرب مرة أخرى وقاموا بترميمها مابين عامي 1116-1118م وبعد مفاوضات تم التنازل عن القلعة من قبل حاكم المرقب ابن محرز إلى أمير أنطاكية روجر مقابل مقاطعة أخرى، ثم تنازل عنها الأخير مقابل فدية إلى عائلة منصور.‏‏‏

في العام 1170م تعرضت القلعة للزلازل واستهلك ترميمها مبالغ كبيرة أنفقت من قبل عائلة منصور. ثم تنازلت عائلة منصورهذه عن القلعة إلى الإسبيتارية مقابل مبلغ من المال وبذلك انتقلت ملكيتها إلى برنارد مارغت.‏‏‏

-في عام 1188 مر صلاح الدين الأيوبي من المرقب آتياً من شمال سورية ولكنه لم يهاجمها، ثم سير الملك الظاهر غازي سلطان مدينة حلب عام 601 هـ (1204-1205) حملة إلى المرقب خربت أبراج السور ولكنها انسحبت إثر مقتل قائد الحملة بعد أن قاربت من الاستيلاء على القلعة. وفي عام 1269-1271 قام العرب بمهاجمة القلعة مرة أخرى ثم كانت هدفا دائماً لحملات الافرنج الغزاة المتكررة التي اجتاحت الساحل الشامي واستمرت حوالي قرنين من الزمان.

الفرنج بفضل موهبتهم في بناء القلاع والحصون وكما في قلعة الحصن وبرج صافيتا وقلعة صلاح الدين… أضافوا عليها ابنية وحسنوها وحصنوها، وتتالت معارك الكر والفر عليها بينهم وبين المماليك خلال فترة حروب الفرنجة ومع سقوط قلعة الحصن المجاورة عام 1275 أجبر فرسان المرقب على التنازل عن جزء من أراضيهم مقابل عدم التعرض للقلعة إلى أن حاصرها السلطان قلاوون عام 1285م وحفر نفقاً تحت الواجهة الجنوبية ثم قصفها بالمنجنيق حتى انهار البرج الخارجي الجنوبي المعروف ببرج الأمل فاستسلم الإسبيتارية، حتى استملكها نهائياً السلطان المملوكي المنصور قلاوون في أيار وأخرجهم منها وكان ذلك عام1285م
بعد استملاك المماليك للمرقب ، صرفت مبالغ كبيرة لإعادة تحصينها وتأهيلها وتحصينها، فظهرت عليها بعض الإضافات الجميلة.

احتفظت القلعة بنفوذها في القرنين 14-15 حيث استخدمت كسجن وفي فترة الاحتلال العثماني تم إجراء تغييرات في القلعة لتلائم وجود الحامية العسكرية العثمانية، والتي سكنت القلعة فترة من الزمن…

ولكن إجمالاً يمكن التأكيد انه بعد خروج الغزاة الفرنج من المنطقة وانتهاء حملاتهم المتعاقبة، بدأت القلعة تفقد أهميتها وانعكس تضاؤل دورها في الفترتين المملوكية والعثمانية على انخفاض التحسينات المعمارية على بنيانها.
وإضافة إلى تضاؤل أهميتها العسكرية شكلت الزلازل عاملا كبيرا أثر على بناء القلعة والتي وقعت خلال أعوام 1202م و1404م و1752م و1759م و 1796م و1833م والتي سببت ضرراً بالغاً في بنيانها.

هندسة القلعة

جانب من سور قلعة المرقب مع البرج
جانب من سور قلعة المرقب مع البرج

وشكلها المعماري عبارة عن مثلث مساحته نحو 60000 م2 تتجه زاويته الحادة نحو الجنوب ويندمج حرفه مع الصخور المشكلة لجبل الأنصارية والتي كانت نقطة ضعف الموقع في الجهة الجنوبية.

كان السبب في زيادة التحصين عند هذه الزاوية الدائرية هو لصد الهجمات المتوقعة من ذلك الاتجاه.

أقسام القلعة

– سور خارجي
تتألف القلعة من سور مزدوج أحدهما خارجي والآخر داخلي لزيادة تحصين القلعة ومناعتها.

– القلعة الخارجية

تشمل كل الأبنية السكنية، والقلعة الداخلية التي تتضمن مجموعة الأبنية الدفاعية المحصنة بأبراج دائرية ومستطيلة يعلوها البرج الرئيسي، والتي تسيطر على مساحة واسعة تمتد إلى كل الجهات.

زودت اسوار القلعة بمرامي السهام والحجارة، ويحيط بالسور الخارجي من الشرق خندق عميق محفور في الطبقة الصخرية.
– القلعة الداخلية

هي عبارة عن بناء مستطيل الشكل تقريباً لها حلقتان من الأسوار تقع على الذروة الجنوبية للقلعة ويفصلها عن القلعة الخارجية قناة مائية عريضة في الجهة الشمالية من الحصن الداخلي.

مدخل القلعة
يتم الدخول إلى القلعة عبر برج البوابة الرئيسي والذي يمكن الوصول من خلاله إلى الحصن الداخلي مشكلا صلة وصل بين السوريين الداخلي والخارجي أما قاعات القلعة فموزعة في ابراجها.

كنيسة القلعة

هي أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسة، وهو بناء موجه باتجاه شرق غرب وبشكل طولاني كما هو حال معظم الكنائس، ومخططها شبيه بمخطط كنائس جنوب فرنسا من الفن القوطي العائد الى القرن الحادي عشر ويمكن أن نعيد بناء الكنيسة للربع الأخير من القرن الثاني عشر

المسجد

قلعة المرقب
قلعة المرقب

بني هذا المسجد بعد استرجاع المماليك لها من الفرنج.

إضافة إلى وجود العديد من الاصطبلات والمخازن والمستوعادت المنفصلة وغيرها
البرج الرئيس

وهو أهم بناء في القلعة ويعد أنموذجاً مثالياً للأبراج الدائرية التي أقيمت في القرن الثالث عشر حيث يبلغ قطره 21 متراً تقريباً.

يتكون من طابقين مع متراس دفاعي…والفخامة التي يتمتع بها هذا البرج من حيث الارتفاع والقطر وسماكة الجدران المجهزة تؤكد أن هذا البناء كان على الأغلب مخصصاً لقائد حامية القلعة.

اتفاقيات دولية

“مشروع اليورميد”

ونظرا لأهمية القلعة تراثياً ودفاعياً وطبيعياً فقد أدرجت على قائمة “مشروع اليورميد” التابع لاتحاد دول اليورميد وهي:” إسبانيا واليونان وسورية والبرتغال والجزائر ومصر” بهدف توثيق التراث الدفاعي لدول البحر الأبيض المتوسط والمحافظة على القيمة الاقتصادية والحضارية للمواقع الدفاعية المطلة على مسطحات مائية.
المديرية العامة للآثار والمتاحف

قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية بتنفيذ العديد من مشاريع الترميم والحماية منذ استملاكها القلعة عام 1959 م وتسجيلها أثرياً على لائحة التراث الوطني.

أعمال الترميم واعادة التأهيل

البنية الانشائية للقلعة

-المرحلة الأولى

بداية ركزت هذه المشاريع على معالجة المشاكل الإنشائية، وترميم المناطق الخطرة والمهددة للسلامة العامة، وترميم وإغلاق الفتحات الخارجية للقلعة، ونكش فواصل وتكحيل جدران، بالإضافة إلى عزل أسطح المباني للحد من تأثير العوامل الجوية عليها.
– تأمين مسارات الحركة فيها والزيارة من خلال تنفيذ حواجز حماية وتهذيب المسارات وتنفيذ تباليط حجرية للممرات.

– إعادة بناء الأدراج الحجرية، وتأهيلها للزوار، وترميم مرامي السهام وتنفيذ أعمال حفر وترحيل ردميات ترابية ضمن مباني القلعة، وذلك للوصول إلى السويات الأثرية واعتمادها في أعمال الترميم والتأهيل وإزالة الأشجار والأعشاب الضارة.
– كما نفذ عامي 2005و 2007م وعلى مرحلتين بقيمة تقريبية عشرين مليون ليرة سورية مشروع تأهيل وترميم تضمنت المرحلة الأولى منه إنجاز المخطط التوجيهي لقلعة المرقب مع كل الدراسات المتعلقة بالموقع ومنها الدراسات المتعلقة بالناحية المعمارية -الطبوغرافية – التاريخية – الجيولوجية- الجيوفيزيائية – المناخية وتقديم المخططات اللازمة لهذه الدراسات مع حلول تدعيمية لأربعة مباني خطرة إنشائياً ضمن القلعة.
المرحلة الثانية للترميم

تضمنت ترميم أحد المباني في القلعة وهو مبنى السرادق الشرقي حيث نفذ تدعيم مؤقت لسقف المبنى وإعادة بناء الواجهة الحجرية الجنوبية و الشرقية و تغطية مؤقتة للسويات الأثرية على السطح وتنفيذ عزل مع صبات ميول
– ركزت أعمال التنقيب في القلعة التي جرت في عام 2002 من قبل بعثة وطنية من دائرة اثار طرطوس على سطح برج البوابة الداخلي حيث توقفت أعمال التنقيب فيها حتى عام 2007 تلا ذلك تشكيل بعثة سورية هنغارية مشتركة مهمتها القيام بأعمال سبر وتنقيب انطلاقا من أهميتها التاريخية.

اهداف الترميم للبعثة السورية – الهنغارية
ومن الأهداف المهمة للبعثة تقديم القلعة بالصورة الأكمل من الناحيتين الثقافية والعلمية بعد تحديد ماهية ووظيفة كل الفراغات في القلعة ليصار إلى إعادة توظيفها واستثمارها بما يخدم الحركة الثقافية في المنطقة وإتاحة الفرصة لتدريب الطلاب السوريين والهنغاريين على العمل في مختلف الميادين.


التقويم اليهودي وتاريخه

$
0
0


التقويم اليهودي وتاريخه 
ترمز التوراة أن يجري تمكين المحكمة العليا لإقامة التقويم والشهور كما قيل: ﴿أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هَذِهِ هِيَ مَوَاسِمِي وَأَعْيَادِي الَّتِي تُعْلِنُونَهَا مَحَافِلَ مُقَدَّسَةً…وَهَكَذَا أَبْلَغَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَعْيَادِ الرَّبِّ﴾ (اللاويين ٢٣ :٢، ٤٤ ترجمة كتاب الحياة وفي التلمود البابلي “رأس السنة” ٢٤أ يجد هذا التعليم استناد إلى الكلمة «تُعْلِنُونَهَا»)

في العصور القديمة، كانت المحكمة العليا قائمة في مدينة أورشليم، في مقر الهيكل (ألبيت ألمقدس) بقاعة اسمها «جازيت».

بعد تدمير الهيكل في عام ٧٠م، هرب القضاة أعضاء المحكمة العليا إلى يبنى (يفنه) وبقوا فيها حتى عام ١٣٢م وهذه (يبنى) مدينة نائية تقع في جنوب فلسطين وكان القضاة يستأنفون أعمالهم الإدارية من هذه المدينة.

في عام ١٣٥ هرب القضاة أعضاء المحكمة العليا إلى الجليل. (تلمود البابلي “رأس السنة” ٣١أ)

التقويم اليهودي

يبدأ اليوم في التقويم اليهودي عند غروب الشمس. وفقا لحكماء التلمود (البابلي “باركات” ٢أ) كان ذلك بناء على الكلمات التي وردت في سرد التوراة لقصة التكوين (تكوين ١: ٥ ترجمة كتاب الحياة): ﴿وَهَكَذَا جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ، فَكَانَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ﴾.

التقويم اليهودي مبني على دورة القمر كما قيل في التوراة ﴿يَكُونُ لَكُمْ هَذَا الشَّهْرُ رَأْسَ الشُّهُورِ وَأَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ﴾ (الخروج ١٢: ١ ترجمة كتاب الحياة) واستناداً إلى فهم مشترك في التلمود الأورشليمي (“رأس السنة” ٥٨ج) وفي التلمود البابلي (“رأس السنة” ٢٠أ) بأن «الشَّهْرُ» المذكور في التوراة هو شهر قمري. يتألف كل شهر من تسعة وعشرين يوماً أو من ثلاثين يوما. يبدأ الشهر بظهور الهلال الجديد ويوجد في السنة القمرية ٣٥٤ يوماً تقريبا، أي أن ألسنة القمرية في التقويم اليهودي هي أقل من السنة الشمسية بحوالي أحد عشر يوماً. ومن أجل ضبط السنة القمرية مع التقويم الشمسي لضمان وقوع الأعياد اليهودية في نفس الموسم، يلزم إضافة شهر ثلاثين يوما سبع مرّات كل تسع عشرة سنة.

تاريخية وتطور اثبات هلال الشهر الجديد

تماماً كما يحصل في الاسلام بشهادة الشهود في اثبات اول صوم رمضان واول ايام عيد الفطر، كذلك في التقويم العبري، ففي اليوم الثلاثين من كل شهر كان القضاة ينتظرون حضور أشخاص (شخصين على الأقل) يشهدون بأنهم شاهدوا هلال الشهر الجديد. وعندما يصل هؤلاء الأشخاص كان القضاة يفحصونهم للتأكد من صحة رؤيتهم. منذ ذلك يعلن ثلاثة قضاة من هذه المحكمة بأنه اليوم الأول من الشهر الجديد («كتاب توسفتا» “سنهدرين” ٢: ١). بعد ذلك ترسل المحكمة العليا رسلاً إلى كل التجمعات اليهودية لإعلان بداية الشهر الجديد. وهم يعرفون جيدا متى سوف تكون الأعياد في هذا الشهر. وإذا لم يحضر الأشخاص للشهادة حتى غروب شمس اليوم الثلاثين، فيكون اليوم التالي بداية للشهر الجديد بصورة تلقائية (مِشنا “رأس السنة” ٢: ٧).

بعد تدمير الهيكل في عام ٧٠م، في هذا الحين بدأت تتأخر الرسل في الوصول إلى التجمعات اليهودية التي كانت تسكن خارج أرض إسرائيل وأصبحت المسافات بينها وبين مكان المحكمة العليا كبيرة، وكان يهود الشتات لا يعرفون متى كانت بداية الشهر الجديد وفي كثير من الأحيان كان الرسل يتأخرون في الوصول إليهم لعدة أسابيع مما يجعلهم لا يعرفون متى سوف يحل يوم العيد.

ولهذا السبب، أصبحت العادة في الشتات أن يحتفلوا بالعيد لمدة يومين لضمان أن أحدهما هو اليوم الدقيق المطلوب في التوراة. أما في أرض فلسطين، كان الاحتفال بالعيد نفسه يستمر يوماً واحداً فقط، لأن كل التجمعات كانت قريبة من مكان المحكمة العليا، وكان الرسل يصلونها في الوقت المناسب.

أما عيد رأس السنة الذي يكون في الأول من شهر “تشري” فكل اليهود الذين في أرض فلسطين والمهجر يعيدون يومين متتاليين إلا في مكان وجود المحكمة العيد هناك يوم واحد فقط، وإذا لم يحضر الشهود لشهادة رؤية الهلال فإن عيد رأس السنة سوف يكون على يومين في كل المناطق.

في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول (ساد ٣٠٦-٣٣٧م) ومن بعده ابنه، قسطنطين الثاني (ساد ٣٣٧-٣٦١م) اللذين اضطهدا اليهود في أرض إسرائيل ولم تتمكن المحكمة العليا آنذاك من إرسال الرسل إلى المناطق اليهودية لإعلانهم عن رؤية الهلال فقد قررت المحكمة العليا في اجتماعها عام ٣٥٨م في مدينة طبرية في الجليل إصدار قرار وهو القرار الأخير لها لاعتماد رأس الشهر والأعياد على الحسابات الرياضية والاستغناء عن شهود الرؤية، وكذلك أن يحتفلوا بالأعياد الدينية ليومين خارج أرض فلسطين (التلمود الأورشليمي “عروبين” ٢١ج التلمود البابلي “يوم العيد”) “أو يوم طوب” ٣ب
مصدر البحث

(صفحة يهود سورية)بتصرف


الوجه المسيحي للحضارة العربية

$
0
0

الوجه المسيحي للحضارة العربية

مقدمة

الحضارة اساساً مواد بناء، هي اولاً معطيات حضارية ترثها الشعوب عما سلفها، فتبني بها صروحها الحضارية، فتاريخ الحضارة وكل حضارة يشمل إجمالاً نشأتها ثم اكتمالها…فانحطاطها…

هذا الشعب الناهض يأخذ في المرحلة الأولى، التركة الحضارية لشعب، ثم يطبعها بطابعه الخاص، وينميها بما يضيف وفقاً لنفسيته الخاصة، وبعد أن يكملها يعيش فيها ويحييها، وكما الناس هكذا الحضارة…

نقول عن الحضارة العربية أن للشعب في هذا المشرق، ولم ميزة استيعاب نادرة ومحبة استطلاع فريدة فهو لم يترك فناً الا زاوله، ولم يلتق بأدب الا وتطرق اليه، فقد أخذ عن اجداه من الشعوب السالفة أرفع ما أبدعت وماكان يتلاءم مع روحه المشرقية، وحاجياته الاجتماعية، وبعد أن صهرها في بوتقتهأخرجها الى العالم حضارة اصيلة تعبر بأجلى تعبير عما يخالج روحه.

حكى لنا المؤلفون العرب كإبن أبي اصيبعة(1) والقفطي(2) وابن النديم(3) والبيهقي (4) وغيرهم (5) قصة غزو العرب للادب الهندي والفارسي وشيئاً من اقتباساتهم للأدب اليوناني والأدب السرياني، كما أن ابن جلجل يذكرؤ بعض المؤلفات التي ترجمت عن اللاتينية الى العربية في الأندلس في القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه المؤلف.

دور المسيحيين المشرقيين

كان قد انصب اهتمام المسيحيين في بلاد الشام والرافدين على تعريب الفكر اللاهوتي الآبائي وسواه عن التراث اليوناني سيما والثقافة اليونانية منتشرة بقوة في بلاد الشام الى مابعد حملة تعريب الدواوين مع عبد الملك في الدولة الأموية، والفكر اللاهوتي الرومي هو المسيطر في كل المشرق ومصر وهو تراث كنيسة انطاكية الارثوذكسية الخلقيدونية كما تراث القسطنطينية واورشليم والاسكندرية وقبرص واليونان… بعيداً عن الجنسية الرومية التي تعني هنا اليونانية فالتماثل هو في العقيدة ولغة العبادة…لذا كان الاتجاه حول التعريب ليفهم الشعب في هذه المنطقة ايمانهم بلغتهم السائدة اي العربية.

كما انشغلوا بتعريب الكتب الفلسفية والمنطق والطب وسائر العلوم والمعارف…

كان أقدم كاتب تعرض له المعربون هو اكليمنضوس تلميذ اول بطاركة انطاكية (45-53) اي بطرس الرسول وصار اول اسقف لرومة(64-66)، كان لاكليمنضوس رسالتين نُقلتا للعربية(6).

وينسب اليه كتاب ” الاسرار” وهو مخطوط في ديرالقديسة كاترينا في سيناء(7)ويرتق الى القرن التاسع أو العاشر المسيحي، أما أغناطيوس الأنطاكي(117م) فله عدة رسائل (8) شاعت بنصها العربي قبل القرن العاشر، وقد ذكرها المطران ساويروس بن المقفع القبطي في مصر واستشهد بها.(9)

عرف العرب ايضاً بوليكربوس اسقف ازمير(155م) من خلال رسالته عن المسيح، اما ايريناوس اسقف ليون وهو من النصف الثاني من القرن الثاني فقد تُجمت مؤلفاته للسريانية ومنها عُربت والجزء الأكبر منها في اربع مخطوطات فاتيكانية تعود الى القرن 13م(10)، مع تفسير للأناجيل عُرِّب ايضاً، ومازالت بعض آثاره محفوظة في مخطوطات الفاتيكان(11)، كما نُقل للعربية شرح التوراة وهي من مؤلفات هيبوليط الروماني حوالي 236م وتفسير انجيل متى وتفسير سفر الرؤيا.

أما غريغوريوس العجائبي 270 فلنا منه معرباً “كتاب الايمان ودحض الهرطقات”، وبعض الخطب والرسائل العقائدية، للاسكندرانيين: ديونيسيوس 264م، والشهيد بطرس 311من واسكندر خليفته على كرسي الاسكندرية 328م…

مؤلفات عدة معربة، منها ماهو منشور، والجزء الأكبر مخطوطاً.

النسخة الأصلية من كتاب نعت الحيوان ومنافعه لابن بختيشوع، تعود للقرن العاشر الميلادي.
النسخة الأصلية من كتاب نعت الحيوان ومنافعه لابن بختيشوع، تعود للقرن العاشر الميلادي.

أما أثناسيوس الاسكندري 373م وهو من كبار اللاهوتيين فقد راجت مؤلفاته المعربة منذ القرن التاسع المسيحي لدى المسيحيين، خصوصاً رسالته ضد الآريوسيين وتفسيره لكتاب الزبور ورسائله، والقسم الأكبر من عظاته التي زادت عن 60 عظة.

تلميذه ثيوفيلوس الاسكندري 412م عُرِبَ له “الاقوال الروحية” والقسم الاول من عظاته.

ثمة بعض تفاسير للأناجيل منها قسم لأوسابيوس القيصري(240م) وديديموس الأعمى (398م) وتيطس أسقف البصرة (ت378م)، معربو هذه مجهولون ولا يستبعد أن يكون هؤلاء ممن تصدوا لكتب فلاسفة اليونان الوثنيين كما يثبت لنا ذلك تعريب اسحق بن حنين 873م لكتاب طبيعة الانسان وقد نسبه لغريغوريوس النيصصي وورد ذكره في ” فهرست ابن النديم” وهو في الحقيقة لنماسيوس الحمصي.

ظهرت مؤلفات أحد الأقمار الثلاثة باسيليوس الكبير 379م اللاهوتية والنسكية باللغة العربية منذ القرن التاسع المسيحي وقام بتعريب الجزء الأكبر من عظاته الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي المطران في القرن الحادي عشر. كما عرب لغريغوريوس النيصصي 394م شرحه لستة ايام الخليقة، كما نقل الى العربية مواعظ كيرلس الأورشليمي 386م (12).

كان ابراهيم بن يوحنا الأنطاكي قد عرب أواخر القرن 10م مجموعة من ثلاثين عظة لغريغوريوس اللاهوتي أو النزينزي 390م اي القمر الثاني.

اما القمر الثالث يوحنا الذهبي وهو من انطاكية عاش فيها ردحاً كبيراً قبل أن يرتقي السدة القسطنطينية، فإنه نال قسماً وافراً من عناية المعربين الذين نقلوا آثاره، وانك لاتجد مجموعة مخطوطات عربية في دير او مكتبة مسيحية خالية من مؤلفاته(13) ولكيرلس الاسكندري(444م) كتاب:”الكنوزن ومجادلة مع نسطوريوس والحرومات، ومقتطفات عدة من كتب لاهوتية وكتابية، جميعها عربت ونالت اوسع انتشار بين المسيحيين(14)

ولقد اورد غراف في كتابه المشهور( تاريخ الأدب المسيحي العربي لائحة كبيرة من المؤلفين واللاهوتيين اليونانيين الذين عُربت مؤلفاتهم منهم:

– بروكلس بطريرك القسطنطينية 446م، ثيودوتوس اسقف أنقرة قبل 446م، ثيوذوريطوس القورشي458م، انسطاسيوس الأنطاكي 569مواوستراسيوس الكاهن القسطنطيني اواخر القرن 6م، ديونيسيوس الأريوباغي، صفرونيوس الدمشقي بطريرك اورشليم وقد طلب حضور عمر بن الخطاب وسلمه مفاتيح اورشليم(ايليا) حقناً للدماء (توفي س(15) وقد عاش في دمشق وحصل ثقافة يونانية رفيعة وترهب في دير ماسابا بفلسطين 638م)، ماكسيموس المعترف662م، اندراوس الدمشقي اسقف كريت740م، جرمانوس بطريرك القسطنطينية 733م ويوحنا الدمشقي 749م نديم الخلفاء الامويين قبل اعتزاله العمل الوظيفي في البلاط الأموي وتنسكه في دير مار سابا بفلسطين وقد نُقلت مؤلفاته الى العربية في القرنين 10 و11م ومن مؤلفاته:” المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي” وكتاب في الفلسفة والمنطق وعلم الكلام(16).

تشريح العين لحنين بن إسحق من كتابه المسائل في العين.
تشريح العين لحنين بن إسحق من كتابه المسائل في العين.

زد على هذا التراث العلمي الضخم كانت قد تركت مجموعات مهمة من المؤلفات الصوفية والنسكية المغفلة الاسم والكاتب:”بستان الرهبان”،” البستان في أخبار الرهبان”،…وغيرها كثير…ويمتد من القرن 3المسيحي وصولاً الى القديس يوحنا السلمي صاحب كتاب “سلم الفضائل” في القرن السابع المسيحي، ومعاصره انطيوخوس الراهب الذي من دير مار سابا مؤلف كتاب” الحاوي”.

كما ظهرت عدة مقاطع من مؤلفات ابوليناريوس اللاذقي قبل 392مسيحية وتلميذيه فيتاليوس وتيموثاوس اسقف بيروت في مجموعة لاهوتية تعرف بكتاب “اعتراف الآباء”.

اما يحي النحوي وهو من النصف الأول من القرن 6 فقد عني المسيحيون بتعريب الكثير من مؤلفاته الفلسفية والروحية حتى ارتفعت منزلته كثيراً عند العرب المسلمين وحيكت حوله عدة روايات حكى لنا البعض منها القفطي(17) وسرد شيئاً من مؤلفاته كرد على نسطوريوس. ومن هذه الحقبة كان البطريرك اللاخلقيدوني اليعقوبي 528مسيحية الذي اهتم اليعاقبة السريان والاقباط بتعريب مؤلفاته العقائدية وعظاته ورسائله وكتبه الطقسية…

هذه المعَرَبات ذات الصفة المسيحية لاتقل شأناً عن المؤلفات اليونانية المعربة في الطب والفلسفة والعلوم الأخرى…

مؤلفات الخلقيدونيين الارثوذكس

ومن الجدير التأكيد عليه ان هذا التعريب كان تياراً حمل الى الحضارة العربية المكناة بالاسلامية (وهو مانرفضه بالمطلق) سيلاً من الكتب اليونانية المسيحية وغير المسيحية.

والملكيون الخلقيدونيون (الروم الارثوذكس في انطاكية واورشليم والاسكندرية) هم الذين اشتغلوا في هذا المضمار بكل حيوية ونهم، وكانت لهم اليد الطولى بالتعريب عن اليونانية، فكنيستهم الارثوذكسية الخلقيدونية هي امتداد للبطريركيات الرسولية الثلاث الاسكندرية، أنطاكية، واورشليم من العالم الرومي الى الدولة العربية، وكان للنساطرة واليعاقبة فضلٌ ثانٍ بنقل الكثير من الكتب عن السريانية والآشورية بأصلها اليوناني الى العربية.

مؤلفات النساطرة والسريان

عربت مؤلفات القديس افرام السوري 373مسيحية ونجدها في مخطوطات تعود الى القرن التاسع المسيحي الى جانب مؤلفات يوحنا سابا المعروف عند العرب بالشيخ الروحاني، والقديس اسحق السوري، ويعقوب السروجي، ويوحنا الرهاوي، وبولس متروبوليت نصيبين وبولس البصيري مطران نصيبين( طبيب الفرس الساسانيين)، وماروتا التكريتي649مسيحية ويعقوب الرهاوي 708مسيحية وداود بن فولس من القرن8م.

مؤلفات الأقباط

ونال الأدب القبطي نصيبه من التعريب اذ انتشرت عربياً في مصر مؤلفات القديس البار انطونيوس أبي الرهبان356مسيحية، وشريكه في تأسيس الرهبنة القديس البار باخوميوس 346مسيحية، وشنودا 451 مسيحية والبطريرك بنيامين الذي استقبل عمرو بن العاص في الاسكندرية وحظي منه باكرام بالغ… وغيرهم كثيرون…(18)

الايقونات الجدارية والسقفية
الايقونات الجدارية والسقفية

– تدلنا هذه اللمحة التي اوردنا على أهم اسماء الاعلام المسيحيين الذين ساعدوا على خلق ذهنية مسيحية عربية لها أبعادها الثقافية وأصولها الحضارية كل ها التراث القديم انتقل الى أيدي العرب فأعملوا فيه الفكر واستلهموه وراحوا يكتبون بهديه صفحات رائعة خلدت ذكرهم. وهكذا نشأت الى جانب المكتبة المعربة مكتبة ثانية خلقها الكتبة المسيحيون العرب، وهي تمثل أبهى تمثيل الأدب المسيحي العربي الأصيل.

المسيحيين المشرقيون مكون أول ورئيس من مكوني الحضارة الموصوفة بالعربية، فقبل ظهور الاسلام كان المسيحيون (خلقيدونيون ولاخلقيدونيون ونساطرة ) منتشرون في كل مكان من المشرق وسورية الطبيعية والعراق وآسيا الصغرى وحتى في الجزيرة العربية فكان لهم كل الوجود في مكة والمدينة ونجران واليمن وقطر وساحل الخليج العربي وتشهد الكنيسة لأساقفة المضارب في كل هذه الرقعة المسماة “العربية” الذي اشتركوا في المجامع المسكونية والمكانية التي نظمت أمور الكنيسة وليس صحيحاً على الاطلاق حصر وجود مايسمى المشركين اي عرب الجاهلية (كيف يمكن تسميتهم هكذا وعندهم كل الشعر الملحمي والمعلقات والفراسة في الفلك والمهارة في التجارة) وبعض التجمعات اليهودية في شبه الجزيرة العربية وبالأخص في التجمعات السكانية الكبيرة كمكة ويثرب…إذ قد دانت قبائل عربية كثيرة العدد ورفيعة المكانة عالية الكعب بين القبائل الأخرى، دانت بالمسيحية كبني كلب وتنوخ وسليح من قضاعة وجذام وتغلب وبكر وتميم والحارث بن كعب وكنده (19) وغيرها، وقام منهم شعراء فحول وفطاحل ندرس شعرهم ماضياً وحاضراً(20) وان كانوا قد تعمد كبار تاريخنا السكوت عن مسيحيته، ولم تقتصر الحياةم، لقد برز فيهم أساقفة كبار وحضروا المجامع المسكونية منذ القرن الرابع المسيحي.

كانت المسيحية زاخرة بالتقوى والصلاة بدليل قيام جماعات رهبانية كان لها أطيب الأثر عند العرب ماقبل ظهور الاسلام وصدره، وانتشر الرهبان النساطرة كالراهب بحيرا وامثاله والرهبان اليعاقبة على طول طريق التجارة بين الشام ومكة بعيداً عن سيطرة الدولة الرومية خصومها في العقيدة، وانتشرالايبونيون ايضاً اي شيعة المسيحيين الفقراء (والذين كانت شيعتهم كالنساطرة واللا خلقيدونية مرفوضة من الكنيسة الرومية الرسمية والعقيدة الخلقيدونية) في مكة والمدينة وكان اسقف مكة ورقة بن نوفل من شيعة الايبونيين وهو ابن عم محمد وخديجة ومعلم محمد وهو من ازوجهما زيجة نصرانية.(21) الأمر الدال على الازدهار المسيحي في الجزيرة العربية.

لم تقتصر الحياة الرهبانية على الرجال فحسب(22)بل قامت أيضاً اديرة للرهبنة النسائية اشهرها دير هند الصغرى(23) أي هند بنت النعمان الأصغر، ودير هند الكبرى(24) أي هند بنت الحارث بن عمر بن حجر، وقد بُني هذا الدير في زمان كسرى أنو شروان، وأفريم الاسقف.

اختلط المسلمون الوافدون من الجزيرة العربية بالمسيحيين سكان بلاد الشام وخاصة المدن الكبرى كدمشق…عندما دخلوها وحكموها، وحتى في الارياف والعشائر الرحل، لم تكن بلاد الشام والرافدين ومصر ارضاً قاحلة العلم يعيش اهلها بتخلف بل كانت تنعم بحضارة عظيمة وفكر متطور شجعت عليه المسيحية والكنيسة اجمالاً وهي من قاد العلم والمعرفة والمدارس كان الواقع الاجتماعي والديني المسيحي مشبعاً بالآداب والعلوم والفنون اليونانية والآرامية والسريانية والقبطية، وكانت اللغة السائدة في بلاد الشام ومصر هي اليونانية وهي لغة الادارة والعلم والثقافة والكنيسة الارثوذكسية وخاصة في المدن، وفي بلاد الشام كانت تنتشر الآرامية في الارياف وهي ايضاً لغة كنسية (كما انها لغة اجتماعية) في الكنيسة الارثوذكسية…

عند دخول المسلمين بدأت اللغة العربية تدخل تدريجيا الى الحياة العامة والمجتمع، لكن اللغة الرسمية في الادارة العامة وحتى عهد عبد الملك بن مروان كانت اليونانية في بلاد الشام عندها امر بتعريب الدواوين في القرن السابع المسيحي، وبرز اعلام شوام مسيحيون كثيرون ضليعون بالعربية وآدابها كتابة وخطابة وتأليفاً نذكر منهم.

1- الملكيون أي الخلقيدونيون الارثوذكس

الحضور المسيحي في بلاط الخلفاء العباسيين
الحضور المسيحي في بلاط الخلفاء العباسيين

ثيوذوروس ابو قره اسقف حران 825مسيحية، ومعلمه القديس يوحنا الدمشقي، تبعه في أوائل القرن العاشر قسطا بن لوقا الذي ناظر مع حنين بن اسحق أبا الحسن علي ابن يحي المنجم، وفي مصر عاش سعيد بن البطريق وهو افتيخيوس الاسكندري بطريرك الاسكندرية الملكي 940 مسيحية له كتاب نظم الجوهر(25)، وعاصره محبوب بن قسطنطين صاحب كتاب “العنوان” وهو كتاب تاريخ تقف حوادثه عند سنة 941م(26). اما انطونيوس(27) رئيس دير مار سمعان العمودي في النصف الثاني من القرن العاشر فقد اشتهر إذ عرب عن اليونانية ميامر القديس غريغوريوس اللاهوتي وعظا القديس يوحنا الذهبي الفمو” الفصول الفلسفية” و” الأمانة المستقيمة” للقديس يوحنا الدمشقي، وكتباً أخرى له مع بعض تعاليم روحانية للآباء نعرف من معاصريه ابراهيم بن يوحنا الأنطاكي(28) وقد عرب عن اليونانية 52 كتاباً للقديس أفرام السوري، وعني بتعريب 30 ميمراً للقديس غريغوريوس النزينزي والقس نظيف بن عين الكاهن والفيلسوف والطبيب البغدادي، وقد اشتهر بتعريب كتب فلسفية يونانية، وله مقالة في “ماهية اعتقاد النصارى”(29)،

من أنطاكية خرج يحي بن سعيد بن يحي صاحب كتاب الذيل لتاريخ سعيد بن البطريق الذي كانت تربطه به قرابة(30)

وتمتد حوادث الذيل من سنة 928 الى سنة 1028 وليَحيَّ أيضاً ثلاثة كتب لاهوتية. وثيوفيلوس بن ثيوفيل الدمشقي أسقف الملكيين الخلقيدونيين في القاهرة، أعاد تعريب الأناجيل عن الأصل اليوناني كما حكى أبو الفرج ابن العسال في مقدمة كتابه عن الأناجيل.

أما الشيخ أبو الفتح إبن الفضل الأنطاكي المتوفي بعد سنة 1052 مسيحية(31)فكانت له اليد الطولى في إعلاء شأن الأدب العربي بما عَّرَّبْ والقى على السواء، ومن معرباته: “سفر الزبور”، و”عظات يوحنا الذهبي الفم”، وبعض مؤلفات باسيليوس القيصري وغريغوريوس انيصصي ومكسيموس المهترف واندراوس الدمشقي( اسقف كريت) ويوحنا الدمشقي واسحق السوري.

أما نتاجه فنذكر منه “كتاب المنفعة” وهو كتاب ضخم يجمع بين دفتيه زبدة العلوم الكلامية والفلسفية للمعتقدات المسيحية، وكتاب الروضة وهو يضم أقوالاً اقتطفها من الكتب المقدسة ومن لاهوتيين يونانيين…الخ.

2- الموارنة

في هذه الحقبة لم يكن سوى المؤرخ قيس الماروني، وكتابه “تاريخ العالم”وتنتهي حوادثه في خلافة المقتفي (904-908)مسيحية(32)

3- النساطرة

برزت أسرة بختيشوع الشهيرة في الطب والفلسفة، وهي من جنديسابور، وقد تناقلت العلم على مدى ثلاثة قرون في العهد العباسي. كبيرها هو جورجيس بن جبرائيل بن بختيشوع، هذه العائلة خدمت المسيحية والطب والفلسفة والمنطق بما عربت والفَّت وتحدث عن افرادها الكثيرون كإبن ابي اصيبعة وابن العبري… ودائرة المعارف الاسلامية.

والمعرب ابو الحسن عيسى بن حكم المسيحي الدمشقي، وابن البطريق المترجم ويوسف ابن داية، وقد بزهم جميعاً في الطب يوحنا ابن ماسويه(33) طبيب المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وجاثليق النساطرة تيموثاوس الكبير 823م (34) الذي بالاضاف الى ترجمته كتاب أرسطو في الشعر له مجادلة دينية مع الخليفة المهدي حول المسيحية والاسلام(35). وحبيب ابن بهريز الذي كان أةلاً أسقفاً على حران ثم على الموسل وعاش زمن المأمون وقد عرَّب كتباً في المنطق والفلسفة كما أن له عدة نظريات قريبة من الاسلام(36)، وحنين بن اسحق الذي قدم للحضارة العربية خدمات جلى بماعرب مع ابنه اسحق وتلميذه حبيش بن الحسن الأعسم الدمشقي(37)

وكان من كبار شراح الفلسفة الارسطية ابي بشر متى بن يونس وقد حكى عنه القفطي فقالعنه:” عالم بالمنطق… وعلى كتبه وشروحه اعتمد أهل هذا الشأن في عصره.”

وكان ايضاً ايليا مطران نصيبين(38) مجالس دينية ومجادلات مشهورة مع صديقه ابا القاسم الحسين ابن علي المغربي كما أن له مؤلفات كثيرة في العقائد الدينية والتاريخ والأخلاقيات والفقه والسريانية والعربية.

وهنالك أيضاً الشيخ عبد الله ابن الطيب وقد كتب عنه القفطي:

“فيلسوف فاضل مطَّلع على كتب الأوائل وأقاويلهم، مجتهد في البحث والتفتيش… وقد أحيا من هذه العلوم (اي فلسفة ارسطوطاليس وطب جالينوس) مادثر وأبان منها ماخفي… وشيخنا ابو الفرج بقي عشرين سنة في تفسير مابعد الطبيعة، ومرض من الفكر فيه مرضة كاد يلفظ نفسه فيها…”(39)

4- اليعاقبة

برز مفكرون كبار يتقدمهم ابو رابطة حبيب ابن خدمة التكريتي المعاصر لأبي قرة أسقف حران والجاثليق تيموثاوس له عدة رسائل دينية نشرها غراف مع ترجمة ألمانية.

كان أشهر منه عبد المسيح بن ناعمة الحمصي معرب المغالطات السقسطائية والسماع الطبيعي لأرسطو والكتاب المتحول” ايثولوجيا” (40)

ويحي بن عدي التكريتي نزيل بغداد 974م وهو قمة في الفكر المسيحي، وقد شهد به القفطي(41) بقوله عنه:”اليه انتهت رئاسة أهل المنطق في زمانه.” ومن تلاميذه الفلاسفة ابن افريم اليعقوبي والحسن بن سوار وأشهرهم ابو علي عيسى بن اسحق بن زرعة1008م وقد كتب عنه معاصره ابو حيان التوحيدي مايلي:” أنه كان حسن الترجمة صحيح النقل، كثير الرجوع الى الكتب، محمود النقل الى العربية، جيد الوفاء بكل ماجَّلَّ من الفلسفة”

5- الأقباط

كان ابو البشر ساويروس ابن المقفع اسقف الأشمونيين بعد سنة 987م وهو اول كاتب قبطي الف باللغة العربية، ناشراً عقائد الايمان ومدافعاً عن انتقادات الغرباء”، وقد ذكر له ابن كبر 26 مؤلفاً(42).

الخاتمة

أخيراً وليس آخراً نقول بتأكيد يخطىء من يزعم ويقول ان الحضارة العربية هي اسلامية فقط، المسلمون عندما خرجوا من الجزيرة العربية لم يكونوا علماء بل مقاتلين ابناء بداوة، بينما كان سكان بلاد الشام وسائر المشرق يحفلون في معارج الحضارة المتوارثة من السلف الى الخلف بكافة تلاوين من حكم هذه المنطقة وبحكم الفسيفساء السكانية فيها… وبوجود مدارسها العلمية والفلسفية والقانونية فيها والتي قاربت في عصرنا الدراسة الجامعية…

ونعم كان للحكام المسلمين في بعض ادوار الخلافتين الاموية والعباسيين الفضل في تشجيع العلم والانفتاح على الشعوب الأخرى (ومن خلال ما قدمناه وهو غيض من فيض) فقد شجعوا النقل والتعريب والتأليف وقام بذلك سكان هذه الارض المشرقية التي كانت تدين كلياً بالمسيحية واستمرت هكذا الى مابعد طرد الفرنج منها ليمثل مسيحيوها نسبة 60% من السكان، هؤلاء هم من أثرى الحضارة التي نؤكد اليوم على عروبتها، لذا ومن باب الانصاف كانت حضارة مسيحية- اسلامية بامتياز… وقد جاهد ائمة عصر التنوير الشوام وكانوا في معظمهم من المسيحيين الذين وقفوا في وجه الغاصب المحتل العثماني الذي كان يقود العامة باسم الدين قرابة اربعة قرون من التخلف والتعصب والاستبداد، لقد جاهدوا ولوحقوا لأنهم طالبوا بالاستقلال عن الدولة التركية واقلها باللامركزية، والكثيرون منهم ومن تلاميذهم كانوا ضيوفاً على مشانق السفاح في 6 ايار 1916 هؤلاء عكسوا جهادهم العروبي على المشرق وسكانه ليؤكدوا القومية العربية وحضارتها هي الحضارة العربية منذ دخول جيوش المسلمين اليها، وقد غلبوا في ذلك النظرة القومية العربية على الانتماء الدينيمسيحيا كان ام اسلامياً، وواكبهم في ذلك نظرائهم من المسلمين في الشام ومصروالجميع بتوافق أضفى صفة العروبة على اطوار الخلافة الاسلامية منذ الراشدين وخاصة في الخلافتين الاموية والعباسية قبل استيلاء الشعوبيين والقوميات والمرتزقة والمماليك على الامارات واخيراً باستيلاء الاتراك على الخلافة الاسلامية.

المسيحيون هم من كان عالماً باللغات اليونانية واللاتينية والفارسية… وساهموا اساساً بنقل تراث حضاراتها ومن سبقها واثروا بها نتاجهم الذي نؤكد اليه انها نتاج تلحضارة العربية وليست الاسلامية…

لذا نتج عنا مانسميه وبضمير مرتاح الحضارة العربية بمكونيها الرئيسين المسيحية والاسلام.

لقد كان المسيحيون في بلاد الشام والعراق ومصر وبتشجيع من الحكام والخلفاء ومنهم من حول بلاطه الى منتديات ثقافية وحتى حوارية في الاديان بكل انفتاح، كان هؤلاء رواد جركة التعريب والترجمة والتأليف، ولم يكونوا مجرد

لاهوتيين او كتاب كنسيين فتلك علوم بقيت في اطار الكنائس التي ينتمون اليها لكنهم بفعل تطورهم الموروث كانوا رواداً في كل العلوم والمعارف التي تشكلت منها الحضارة.

لقد كان المظهر الخارجي للحضارة المشرقية اسلامي بحكم الواقع والحاكم ولكنها كانت في ديناميتها ودمائها مسيحية، وحتى عكس اربابها المسيحيون مسيحيتهم عليها ليس فقط علماً ونبوغاً بل وسلوكاً رفيعاً اعطى مزيداً من احترام الخلفاء لهم .

الحضارة العربية هي مسيحية- اسلامية، وهكذا لعب المسيحيون العرب الدور الرئيسفي بناء الفكر العربي وبالتالي بناء الحضارة العربية…

الحواشي

(1) “عيون الأبناء في طبقات الأطباء” (طبعة مولر الألماني تحت لقب امرؤ القيس بن طحان) القاهرة 1882

(2) “أخبار العلماء بأخبار الحكماء”( القاهرة 1226 ه)

(3) “كتاب الفهرست”( القاهرة 1348 ه)

(4)”تاريخ حكماء الاسلام” (دمشق 1946)

(5) عبد الرحمن بدوي” التراث اليوناني في الحضارة العربية” ( القاهرة 1946)

(6) “مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة” لابن كبر القبطي (نشره الاب سمير خليل اليسوعي- القاهرة 1971)

(7) “الدراسات السينائية” ( نشرته السيدة جيسون ) ج5 لندن 1896ص14

(8) مجلة “كلمة الشرق”- مقال باسيل باسيل (1968-1969)

(9) “تاريخ المجامع” نشره مع ترجمة افرنسية بطرس شبلي في سلسلة الآباء الشرقيين.

(10) المخطوط الفاتيكاني العربي رقم 187، ص65 ومايتبع ورقم 77 ص 194

(11) المخطوط رقم 410

(12) غراف تاريخ الأدب المسيحي العربي بالألمانية.

(13) قسطنطين باشا:” القديس يوحنا فم الذهب في الأدب العربي بالفرنسية

(14) غراف

(15)الأصفهاني: “كتاب الأغاني”.

(16) غراف

(17) القفطي: أخبار العلماء بأخبار الحكماء

(18) غراف

(19)” الرد على النصارى”، طبعة فنكل القاهرة1925 ص15

20 الأب لويس شيخو اليسوعي” النصرانية وآدابها قبل الاسلام” بيروت 1919-1923

(21)سيرة ابن هشام

(22) هنري لامنس” الديارات القديمة في حوران

(23) الأصفهاني” الأغاني ج2″+ ابن فضل الله العمري

(24) البكري :” معجم ما استعجم”+ياقوت الحموي”معجم البلدان”

(25) نشره لويس شيخو بجزئيه في بيروت(1906و 1909)

(26) نشره الاب لويس شيخو في بيروت 1902 واسكندر فاسيليف في باريس

(27) غراف” تاريخ الأدب المسيحي”ج2

(28) ابو البركات ابن كبر، كتاب”مصباح الظلمة”

(29)المخطوط 173 من المخطوطا العربية المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس

(30)ابن ابي اصيبعة:”عيون الأبناء في طبقات الأطباء” ج2، ص87

(31) غراف

(32) المسعودي: كتاب “التنبيه والاشراف”

(33)بركلمان:”تاريخ الأدب العربي”

(34) رافائيل بيداويد:” رسائل البطريرك النسطوري تيموثاوس الأول”

(35) المخطوطات البطريركية الانطاكية الارثوذكسية 165+181+200

(36)ابن ابي اصيبعة:”عيون الأبناء”

(37) القفطي:” أخبار العلماء بأخبار الحكماء”

(38) غراف:”تاريخ الأدب المسيحي العربي”

(39) ” أخبار العلماء بأخبار الحكماء.”

(40) بركلمان:” تاريخ الأدب العربي”

(41) “أخبار العلماء بأخبار الحكماء.”

(42) ” مصباح الظلمة”

(ملاحظة هامة يرجى ممن يود الاقتباس او النقل من هذا المقال ذكر المصدر)


بستان الجرن

$
0
0

بستان الجرن
رداً على سؤال من صديق عن منطقة بستان الجرن في منطقة العدوي…

بستان الجرن اين يقع؟

ان بستان الجرن لايقع في منطقة العدوي كما سأل الصديق بل هومن بساتين القابون التي كانت تمتد الى ساحة العباسيين، واقول جواباً:
منذ وعي عندما كنا اولاداً صغار وكانت دمشق محاطة بغوطتها كان الناس يخرجون في إثنين الراهب وهو اول ايام الصوم الكبير المقدس الى البراري المحيطة وحكماً يخرج الشوام المسيحيون الى البراري المجاورة، وكان آخر حد للعمران بحارة القصاع هو شرقاً الطريق المار حاليا بجانب سوق الهال (كان سوق الهال وقتها غير موجود وكانت البساتين متصلة بجوبر وبلدات الغوطة الشرقية) وكان يتصل مع طريق القصاع وسكة الترامواي ويتصلان بقرية جوبر( حالياً ما بعد ملعب العباسيين) ثم زملكا فعربين فحرستا فدوما، وكانت ساحة العباسيين حالياً شمالا هي آخر حد لعمران حي القصاع، لم تكن الساحة هكذا اطلاقاً هكذا بل كان مجرد شارع ضيق يصل المحافظات الداخلية والساحلية في سورية وكأنه الشارع الحالي شارع فارس خوري، وكانت

حارة الصليب الاولى وتنتهي بكنيسة الصليب هنا كانت ولاتزال تبدأ احتفالات الاعيد
حارة الصليب الاولى وتنتهي بكنيسة الصليب هنا كانت ولاتزال تبدأ احتفالات الاعيد

الخضرة متصلة شمال المنطقة، والى الغرب تتصل الخضرة ببساتين العدوي المدعوة (بساتين ابو جرش)، ولم تكن حارة القصور موجودة بعد انما موجود بضعة قصور او فيلات وسط الخضرة لاتزال الى الآن بعد كنيسة سيدة دمشق، والكنيسة هذه كانت فيلا آل الكزبري وسط (بساتين الكزبري) والكزبري عائلة من اقطاعيي دمشق، وكان يتصل بستانها اليانع ببستان يدعى (بستان الجرن) استطيع ان احدد مكان الاتصال بين بساتين الكزبري وبستان الجرن بنقطة كنيسة القديس ميخائيل في كورنيش التجارة، وهذا الكورنيش لم يكن موجوداً او قد شق في منطقة بستان الجرن.

كان معظم مسيحيي القصاع يخرجون يوم اثنين الراهب الى بستان الجرن القريب نسبياً من حارة القصاع السكنية الهانئة والهادئة (التي لم تكن قد حولت الى سوق صاخب مماهب ودب كالسوق الحالي) ويجلسون مفترشين الارض تحت اشجار الجوز والتوت والمشمش والتفاح السكري والاجاص الصغير… وكانت تفصل بين قطع الارض الزراعية دكوك سميكة من الطين المجفف ويربط بينها جميعا طريق عريض ترابي يمر به الفلاحون مع طنابرهم ودوابهم ويصل الى جسر تورا على نهر تورا وهو النهر المار حالياً من الحديقة المتاخمة لكنيسة القديس جاورجيوس في شرق التجارة.

اثنين الراهب في بستان الجرن
اثنين الراهب في بستان الجرن

احتفال يوم اثنين تراهب
وفي يوم اثنين الراهب وهو اول ايام الصوم الكبير المقدس، وكان يوم عطلة عند المسيحيين وكلهم يستقبلون اليوم الاول هذا منذ الضحى وطيلة اليوم بفرح واغاني ورقص ودق الدربكة وطبخ المجدرة والسلطات والمخلل والمقالي وعلى نار الحطب ثم يعودون مساء ومباشرة الى الكنائس، واذكر كنيسة الصليب المقدس حيث بعد حضورهم أول صلاة في الصوم اي صلاة النوم الكبرى المعروفة شعبيا بصلاة يارب القوات يخرجون مع المساخر التي كانت جزءاً من تراث عائلتنا ومعظم العائلات القصاعية الأصل، وكان جدي فارس رحمه الله يتنكر بزي زعيم الهنود الحمر بتاج الريش الكبير، وحل محله عمي المرحوم جوزيف وكان كل من ابي جورج وعمي الكبير نقولا وعمي الصغير حنين رحمهم الله يتنكرون بلباس العفاريت الأسود واقنعتهم الحمراء واذيالهم وبيد كل منهم شوكة الحصادين…

عمي المرحوم جوزيف متنكراً بزي زعيم الهنود الحمر وبيده القوس والنشاب وحوله متنكرون بألبسة متنوعة منها لباس العفاريت
عمي المرحوم جوزيف متنكراً بزي زعيم الهنود الحمر وبيده القوس والنشاب وحوله متنكرون بألبسة متنوعة منها لباس العفاريت

وبقية شباب ورجال حارة القصاع كانوا يتنكرون مجسدين كل فئات المجتمع ايضاً كالزبال ابو المقشة والمرابي اليهودي والفلاحين وعنتر وعبلة وغيرهم…وكان يترافق هذا الاحتفال البهيج الذي يجعل قاعدته وعروضه وسط القصاع امام باب المستشفى الافرنسي مقابل مدخل حارة عين الشرش حارتنا، ويمتد من السابعة ليلاً حتى العاشرة ليلاً مع عزف فرقة موسيقية طربية وهناك من يغني ويرقص وترقص… مع لعب السيف والترس من نخبة من قبضايات القصاع منهم الأبركسيا ويوسف جبور وابو ميشيل سعيد…الخ رحمهم الله.

من ابنية حي القصاع التي تعود الى نشأة الحي في العقد الاول من القرن 20
من ابنية حي القصاع التي تعود الى نشأة الحي في العقد الاول من القرن 20

وفي بعض السنوات كان فوجنا الكشفي فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي الدمشقي/ الفوج الثاني يشارك بعرض واستعراض وبالموسيقا في هذا الاحتفال العرس الجماهيري……
وقد الغيت هذه الاحتفالات الرائعة مع مطلع الوحدة 1958 مع الغاء احتفالات الشيعة بعاشوراء التي كانت تتم في الجورة وباب توما وحي اليهود والست رقية… وكان الغاء احتفالات الشيعة هو الاساس وقياساً عليها الغوا بعدها احتفالات الكرنفال للمسيحيين في اثنين الراهب لأن الاحتفالات على قولهم ذات طابع ديني على مبدأ المساواة بين المسلمين باحتفالات عاشوراء وكربلاء… والمسيحيين في احتفالات الكرنفال ببدء الصوم الكبير…

تسمية بستان الجرن

اما السبب في تسمية المنطقة ب(بستان الجرن) فكان ان في وسط البستان وفي الطرق المار بوسطه كان جرن كبير موضوع منذ القدم وضعه الفلاحون واهل الخيرمن بساتين الشام، ويضع فيه الفلاحون وهم ينزلون ثمار بساتينهم من خضار وفواكه من كل شيء من بساتين جوبر والقابون وبرزة وحرستا الى حي القصاع والى سوق الهال في منطقة العمارة.. ويضعون فيه ماتجود به أريحيتهم في رمضان ليأكل منها الفقراء وهذه زكاة عن صومهم يزكون بها للفقراء

صورة للكرنفال يبدو فيها جمل وعليه هودج وعبلة وبجانبها عنترة على فرسه يحميها
صورة للكرنفال يبدو فيها جمل وعليه هودج وعبلة وبجانبها عنترة على فرسه يحميها

هذه من مشاهداتي وحتى عام 1959… بعمر سبع سنوات وما اختزنته ذاكرتي بعد ذلك من مرويات ابي وجدي رحمهم الله، علماً اني وانا في هذا السن كنت مع بقية اولاد العائلة نرافق الكبار الى هذه المنطقة لصيد العصافير فالمشهد امامي يتجلى بمافي ذلك معمل تجفيف العرق سوس وهو على نهر تورا مقابل كنيسة القديس جاورجيوس شرقي التجارة اليوم. اضافة الى مساكب الخضاروسواقي المياه وزقزقة العصافير التي كنت اركض لالتقط من تم اصطياده منها لنعود الى البيت الكبير لتتم عملية نتف العصافير وقليها يوم الاحد مع الغداء او شيها على المنقل مع المشوي ان كانت من عصافير التين المدهنة…

من اراضي القصاع محلة الصوفانيةعام 1925
من اراضي القصاع محلة الصوفانيةعام 1925

آمل ان اكون قدمت فائدة
سقى الله ذلك الزمن الجميل وكم كانت الشام جميلة وشوارعها وحارتنا حارة القصاع نظيفة وهادئة ومحترمة بكل شيء…
بعكس واقعها الحالي كسوق…
الصورة: عائلة محتفلة باثنين الراهب+ صورة للغوطة وهي من مدونتي بعنوان غوطة دمشق في موقعي…وصور أخرى من ارشيفي…وارشيف ابن عمي رياض جوزيف زيتون



دير النبي يونان البطريركي

$
0
0

دير النبي يونان البطريركي

دير اليونان

مقدمة في الرهبنة لابد منها

في سلسلة جبال بلودان الواصلة مابين سهل البقاع غرباً والقلمون الشرقي شرقاً مرورا بجبال صيدنايا بقمة الشيروبيم وجبال معلولا كانت تنتشر معابد عديدة ومزارات للآهة المتنوعة في العهود اليونانية القديمة ثم الرومانية ومع براءة ميلان التي اطلقها قسطنطين الكبير المعادل للرسل من ميلانو بايطاليا عام 314 مسيحية وفيها سمح للمسيحيين بحرية العبادة واوقف المجازر بحقهم انتشرت طريقة جديدة للتعبد الصوفي المسيحي هي الرهبنة بدأها القديسان انطونيوس الكبير وباخوميوس الكبير من صحراء مصر وانتشرت في ارجاء شرق الامبراطورية الرومانية…اي في بلاد الشام ومنطقة آسية الصغرى ولم تبق على مكان في الجبال والقفار والبوادي لم تشمله هذه الطريقة ومنها هذه السلسلة الجبلية الوعرة فقطنها الوف الرهبان فأقاموا مناسكهم وقلاياتهم المنفردة مع تجميع لهم في اديرة كان منها تلك المعابد الوثنية ومزارارات الالهة التي تم تحويلها الى اديرة جامعة لهؤلاء الرهبان النساك اقله في الصلوات المشتركة فكان معبد جبل يونان الروماني موضوع بحثنا هنا، اضافة الى معبد وثني كانت تقدم فيه الذبائح البشرية في ظهر جبل معلولا الغربي، وفيه اقدم مذبح للضحايا البشرية وتم تحويله الى دير سرجيوس وباخوس (مار سركيس)… الى معابد يبرود ومنها كنيسة البلدة الاثرية التي صار اسمها على اسم قسطنطين وهيلانة، الى معبد الضمير ودير العذراء في منطقة عدرا حالياً ومن اسم الديرحمل هذا التجمع السكاني اسم بلدة العذراء ومع تمادي الزمان تحولت التسمية الى تسمية العذراء الشعبية وهي عدرا فنقول متشفعين بها ياعدرا…

قمة دير النبي يونان
قمة دير النبي يونان

اضافة الى بناء عشرات الاديرة كالواقعة في منطقة صيدنايا دير الشيروبيم ومارتوما ودير سيدة صيدنايا ودير القديس جاورجيوس ودير القديس خريستوفورس ودير مار الياس في معرة صيدنايا وتحويل المزارات الوثنية في المنطقة الى مناسك مسيحية كاللولبة…ودير مارتقلا في معلولا…

الدير عموماً

الدير هو نبع ماء حيّ، يروي النفوس العطشى الى الروح، والمعذبة في صحراء الدنيا.

الدير هو قلب الكنيسة الذي ينبض ورعاً وصلاة ودعاءً وانسحاق قلب، انه عيش مشترك في بساطة وتواضع وخدمةٍ ومحبة، وحياة مع المسيح، وبالمسيح، وللمسيح.

تاريخية دير اليونان البطريركي

دير رهباني عامر بالرهبنة
دير رهباني عامر بالرهبنة

الاسم الشائع بين اهل بلودان هو دير اليونان والجبل اخذ اسمه من اسم الدير فيسمونه جبل اليونان…

كتب عنه الباحث الفرنسي بيير-لويس غانيه، والباحث السوري ابراهيم عميري من المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق بالفرنسية مايلي ادناه ونقله الى العربية السيد سيمون صيقلي نستخلص منه التالي

” اكتشف هذا المعبد الروماني لأول مرة عام 1872م على يد القنصل البريطاني في دمشق “ريتشارد بورتن” ومنذ ذلك الحين بقي هذا الموقع مهملاً ومتروكاً.

الزبداني وفي صدر الصورة قمة اليونان حيث يقع دير النبي يونان
الزبداني وفي صدر الصورة قمة اليونان حيث يقع دير النبي يونان

يقع دير النبي يونان أو مايسمى أحياناً “دير يونان” في جبال لبنان الشرقية على ارتفاع 2107 م على قمة جبل بين كتل صخرية ضخمة حيث يطل على سهول الزبداني وبلودان وسرغايا وعين حور، كما يطل على سهل البقاع اللبناني.

استطاع القنصل ريتشارد بورتن الذي كان يملك سكنا في بلودان ( سكن للاصطياف)، الوصول الى الموقع سالكاً الطريق الطويلة والوعرة انطلاقاً من بلدة عين حور وباتجاه اعلى الجبل حيث دير النبي يونان.

يذكر بورتن التقليد الذي يربط هذا الموقع نسبة الى شخص يدعى يونان الكتَّابي الذي تعود اليه تسمية هذا الموقع ب(دير النبي يونان)

“Le Monastere du Prophete Jonas”

وصف الموقع

يصف القنصل الموقع على أنه بقايا بناء مستطيل مع حائط طويل من جهة الشمال(8م،66سم) والى الجنوب يوجد سور المعبد ويبعد (1م،95سم).

كما استدل بورتون في الموقع على عدة أكوام حجرية وصف إحداها بكتلة من الإفريز. في حين أن الأكوام الأخرى هي عبارة عن أجزاء من أعمدة وأحجار زوايا، وأكوام حجرية جدارية للزينة، وعوارض أبواب حجرية.

بالإضافة إلى هيكل نذري (للنذور) محفور بكتابات يونانية. يوجد جنوب غرب البناء بئر جافة بعمق (4م، 87 سم)، وبالقرب منها وجد بورتن صليباً منقوشاً على صخرة. وقد لاحظ أن بعض حجارة المعبد الكبير

سهول قرية عين حور
سهول قرية عين حور

استُخدمت ليُصنع منها حجارة أصغر. وهذا يشير إلى أن المعبد قد تم تحويله الى كنيسة أو دير مسيحي، ويؤكد ذلك ارتباط اسمه بكلمة “دير”.

وكان من الواضح أن البناء الذي رآه بورتن مستطيلاً وموجهاً (غرب – شرق)، قد تحول إلى كنيسة في العصر البيزنطي الأول. وبدا ذلك من خلال سد الواجهة الشرقية للمعبد، وبناء الهيكل وفنح الباب من ناحية الغرب.

حيث يمكن تشبيه البناء الذي يصفه بورتن بالمعابد القروية الصغيرة كمعبد النبي حام، معبد عين حرشا، أو معبد الكنيسة التي تتقارب أبعاده مع موقع دير النبي يونان.

يذكر القنصل ريتشارد بورتن في كتاباته أن الدبلوماسي الفرنسي “جوليان جيرار دي ريال” قد قام بزيارة للمنطقة عام 1866، لكنه لم ير الموقع الأثري. وقد ذكر دي ريال الموقع تحت اسم “قصر يونان”، وبأنه ليس موقعاً يونانياً او رومانيا بل هو عبارة عن هيكل لشعوب المنطقة الأوائل او الأقدمين.

أيضاً ثمة مسافر افرنسي آخر، يدعى “دي سولسي”، كان قد مر بمنطقة عين حور عام 1851 قادماً من الزبداني قائلاً أنه قبل الوصول بقليل إلى أعلى القرية رأى من بعيد على منحدر الجبل حفراً لقبور بأعداد كبيرة، كما لوكانت مقبرة ضخمة لمدينة أثرية.

زار هذا الموقع ريتشارد بورتن، والقليل جداً من المسافرين وعلماء الآثار. وأنه من المؤسف التوقف عن استكشاف هذه المنطقة ونسيانها من قبل الأبحاث العلمية، ومايلي يعكس تماماً هذا الأسف، حيث لم يستقبل هذا الموقع الى اليوم أية زوار أو سياح.

احجار من خرائب الدير بأفاريز
احجار من خرائب الدير بأفاريز

قام الجيولوجي “لويس دو برتره” بالتقاط صور فوتوغرافية، لكتابات منحوتة. وهذه الصور تُعّدُّ الشاهد الوحيد على هذه القطع الأثرية التي لاوجود لها اليوم، والتي قام بتفسيرها عالم النقوش “موتيرد” حيث ذكر فيها:” لأجل سلام الأباطرة”، مايعني أن دير النبي يونان، هو دير روماني قروي من الحقبة الإمبراطورية، وهو مشابه للأديرة الرومانية الموجودة في القرى المجاورة على المرتفعات.

كانت رحلة المؤلفين”لويس غاتيه وابراهيم عميري” الى دير النبي يونان بعد الزيارات التي ذُكرت لهذا الموقع من قبل بورتن، دوبرتره وموتيرد… كانت مجرد زيارة قصيرة، وبالكاد استطاعوا التعرف على الموقع، وعلى ما تعرض له من خراب ومحاولات بحث عن كنوز ومقتنيات أثرية. حيث تعرفوا على بعض الأكوام الحجرية التي ذكرها بورتن في كتاباته، كحجر الإفريز وأحجار الزينة الجدارية، وجزء من عارضة حجرية من الإفريز تمتد باتجاه اليسار لتصبح مسطحة، يليها تراجع مشكلاً بروزاً.

كما يوجد أيضاً جزء من عمود وقطع خزفية.

وبسبب هذا التكدس للأحجار الكبيرة لم يتمكنوا من التعرف على المخطط الأساس لتصميم البناء المندرس.

تخصيص البطريركية الأرثوذكسية

سعت البطريركية بدمشق بتوجيه من مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وبنتيجة حماس اهل بلودان والزبداني لاعادته كما كان منذ القديم الى حوزة الكنيسة الارثوذكسية، وبعد تقديم المستندات المطلوبة وطلب التخصيص الى رئاسة مجلس الوزراء في سورية، قامت رئاسة مجلس الوزراء في سورية مشكورة بتخصيص بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بمساحة تقارب العشرين دونماً للإشراف على دير النبي يونان الأرثوذكسي الأصل الواقع عليها، وقامت لجنة من أهالي المنطقة وبتكليف من ابينا مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع بالاهتمام والاشراف على هذا العمل، مقسمين العمل على عدة مراحل، وكان حتى عام 2008 قد تم انجاز المرحلة الاولى من هذا المشروع الرهباني الحيوي الذي يعيد الى الأذهان ازدهار الرهبنة الأنطاكية الارثوذكسية الى محيط دمشق، هذه المرحلة الأولى كانت شق وتوسيع الطريق وذلك

حياة الرهبان
حياة الرهبان

بمساعدة كريمة مشكورة من وزارة الزراعة والهيئة العامة للمصالح العقارية، كما بوشر بالمرحلة الثانية بتسوير الأرض بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في ريف دمشق، وكان الدور الرئيس في هاتين المرحلتين للمحسنين الكرام من اهالي بلودان والزبداني.

ونظراً لندرة المال فقد كان العمل يتم بطيئاً ولكن في الوقت ذاته كان متقنا وبدأت المرحلة الثالثة بوضع الاساسات لهذا المشروع…

توقف المشروع اعتباراً من بدء الحرب الكونية على سورية وتمركز الارهابيين في هذه الجرود، والآن، بعد ان تم تحرير الزبداني وكل الجرود ومحيط الموقع ومحيط بلدة بلودان والجبال المحيطة بها من الارهاب والارهابيين، يتم الاعداد لمتابعة لمشروع في ضوء الاولويات والاحتياجات الملحة…

الخاتمة

مغامرة كشفية لفوجنا الكشفي الارثوذكسي الدمشق عام 1974 الى دير النبي يونان
مغامرة كشفية لفوجنا الكشفي الارثوذكسي الدمشق عام 1974 الى دير النبي يونان

نحن في فوجنا الكشفي الارثوذكسي زرنا الموقع عام 1968 سيراً على الأقدام وكنا مخيمين في اول بلودان ( وقد تغيرت معالم البلدة كلياً) ودام الطريق سيراً في الوعر ثلاث ساعات بدأناها في الساعة الرابعة فجراً ووصلنا اليها في السابعة صباحاً بدلالة دليل من شباب بلودان، وكان مشهداً ولا أروع لهذه الآثار التي رأيناها وكما وردت في وصف بورتن وكنا ننظر من الموقع الى سهل البقاع اللبناني…ثم اقمنا مغامرة كشفية سيراً جديدة لخرائب هذا الديرعام 1974فتعمقنا اكثر وخاصة انا في هذا الموقع وحيث دققت في حجارته المتداعية ولكن شعوري كان فياضاً نحو هذا الموقع الرهباني وبخاصة وأنا اسأل لم لايعاد بعثه من جديد؟؟؟

كانت رحلتان ومغامرتان من العمر تغلغلتا وخاصة الثانية منها كما اسلفت مع اشاعات ومرويات سمعتها من اهل بلودان عن هذا الدير وارتباطه العضوي رهبانياً مع دير القديس جاورجيوس في بلودان بلودان /كنيسة البلدة حالياً، سيما وانه اشيع عن اكتشاف جرس ذهبي وتمثال صغير من الذهب للبقرة…وتزداد المرويات والاشاعات عن الكنوز التي يحفل بها والتي لم يتم التأكيد عنها من اي مصدر وخاصة من الجهة المالكة وهي الهيئة العامة للآثار والمتاحف…

شعار الكرسي الانطاكي المقدس القديسان بطرس وبولس
شعار الكرسي الانطاكي المقدس القديسان بطرس وبولس

المهم في الأمر ان إعادة إحياء موات هذا الموقع الرهباني الارثوذكسي العريق، تعني الدعوة الى زيارته، من كل من يستطيع هذه الزيارة لتسبيح الله الخالق من هذا الموقع الفريد اولاً المشابه لدير الشيوبيم البطريركي في قمة جبال صيدنايا، كما فعلنا يوم زرناه ككشافة قبل نصف قرن مضى وسبحنا الخالق، لما للمكان من جمال طبيعي وروحاني يجعل الزائر يقف مذهولاً من هذه اللوحة الربانية التي خطها الله بيديه القدوستين ولهذا الدير الذي بنته قبلاً تلك الايادي الرهبانية الخالدة التي اختارت هذا المكان القفر والورع لتنفرد بعبادة الخالق، الامر الذي يدفعنا الى حمل المسؤولية مجدداً جميعاً بطريركية وشعب البلدتين الزبداني وبلودان الغيورين والغيورين المخلصين على التراث الرهباني الانطاكي والدمشقي العريق وخاصة القادرين على تقديم كل دعم سواء في الوطن او الانتشار، سيما والآن مع وجود نخبة من الاكليروس البطريركي هم من شباب المنطقة الغيورين على اعادة هذا الموقع وبعث مجده مجدداً وهم كان لهم الفضل في ماتم، وهي أمانة وضعها الله بين أيدينا جميعاً شاكرين للسلطات السورية ماقدمته من تسهيلات بدءاً من رئاسة مجلس الوزراء الى وزارة الزراعة والمديرية العامة للآثار والمتاحف…

الشكر اولاً واخيراً لأهالي المنطقة الغيورين، والرحمة لروح مثلث الرحمات ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع الذي بجهده تم اعادة هذا الموقع للبطريركية صاحبته الشرعية…

وطول العمر لخلفه المعمار ابينا البطريرك يوحنا الذي لايألو جهداً مستطاعاً في اعادة بناء النفوس والحجر وكل مكان كانت ترتفع فيه الصلوات والبخور لله طاله الارهاب بالتدمير…وما اكثر الخراب الذي يحتاج الى بنوك مركزية للترميم واعادة البناء والتعويض عن المنكوبين وخاصة من ابناء كرسينا الانطاكي المقدس والمسيحيين المتضررين في بيوتهم وقراهم التي هُّجروا منها عموماً.

حياة الرهبان
حياة الرهبان

من المصادر

تجربتي الشخصية ومشاهداتي الميدانية…

العددان 7 و8 من النشرة البطريركية 2008

خربشات سياسية 4 تموز 2018من بوابة الجنوب السوري سقطت احلام العدو الصهيوني بتدمير سورية…

$
0
0

خربشات سياسية 4 تموز 2018

من بوابة الجنوب السوري سقطت احلام العدو الصهيوني بتدمير سورية…

الجنوب السوري يتحرر وتخضوضر عيناه من جديد..

دَرعا كامِلة سَتعود إلى الدَّولة الأُم خِلال أيّام، وسيكون السُّؤال المَطروح هو أين سَتكون وِجهَة الجيش السوري المُقبِلَة.. إلى شَرق الفُرات أم إدلِب؟

انهيار المُفاوَضات بين ضُبّاط يُمَثِّلون عصابات “الجيش الحر” وجماعات مُنضَوِية تحت “الجبهة الجنوبيّة” ونُظرائِهم الرُّوس، التي جَرَت في بُصرى الشَّام في رِيف دَرعا الشَّرقيّ لوَقف إطلاق النَّار لم يَكُن مُفاجِئًا، لأنّ “الهُوّة” بين مَطالِب الجانِبَين تَستَعصِي على التَّجسير.

وزارة الدِّفاع الروسيّة أكّدت رسميًّا هذهِ التَّقارير عندما قالت في بَيانٍ لها أنّ الجيش السوري يَتقدَّم في الجَنوب بِشَكلٍ مُتسارعٍ، وأنّ 30 بَلدة وقَرية انضمّت لسُلطَة الدَّولة، وقَرَّرت عناصِر مُسلَّحة مُنضَوِية تحت  ما تسمى فصائِل المُعارَضة تَسوِيَة أوضاعها مَعها، أي مع الحُكومة في دِمشق.

الفصائِل الارهابية المُسلَّحة التَّابِعة للجَبهة الجنوبيّة وَجَدَت نفسها مُحاصَرةً ودُون دَعمٍ أو سَنَد مِن أقرَب حُلفائِها، فقد أغْلَقَ الأُردن حُدوده بالكامِل، وكذلك فَعلت دَولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانَت تدعم بعضها، ولم يَبْقَ أيَّ خَيارٍ آخر غير الاستسلام أو القِتال حتّى المَوت.

بالمُقارنة مع تَجارِب تفاوضيّة مُماثِلة خاصَّةً في الغُوطة الشرقيّة، مِن المُعتَقد أنّ انهيار المُفاوضات لن يكون نِهائيًّا، لأنّ البَدائِل شِبه مَعدومة بالنِّسبةِ للفَصائِل المُسلَّحة، ممّا يُرَجِّح عَودَتها للمُفاوَضات سَعْيًا لخُروج آمِن، وبالأسلحة الخَفيفة إلى إدلب، أو أي مَناطِق أُخرى يَتِم الاتِّفاق عليها، ممّا يعني عَودَة الجيش العربي السوري إلى الجنوب والسَّيطرة مُجَدَّدًا على المَعابِر مع الأُردن، وفَتح الطَّريق الدَّولي بين عمّان ودِمَشق بعد سَبع سَنواتٍ من الإغلاق.

في الوقائع

دَرعا كامِلة سَتعود إلى الدَّولة الأُم خِلال أيّام، وسيكون السُّؤال المَطروح هو أين سَتكون وِجهَة الجيش السوري المُقبِلَة.. إلى شَرق الفُرات أم إدلِب؟

انتصر الوطن
انتصر الوطن

مرحلة جديدة في سورية قادمة لامحالة وهي نقطة النهاية للفصائل الارهابية التي تحمل اسم معارضة كذباً وافتراء وخاصة من يسمي نفسه الجيش الحر الذي قتل اخوته في الجيش السوري بعدما قبض الثمن من السعودية وقطر… وهو ليس الا عصابة اتخذت اسم سورية ظلماً لسورية بينما هي ارهابية سلفية…

الجيش السوري يتقدم نحو الحدود السورية- الاردنية كاملة وهناك قرار بالسيطرة واستعادة سيطرة الدولة على كل الجنوب السوري الى خط فصل القوات في الجولان وصرنا نلاحظ تكرار هذه العبارة من نتنياهو بعد ان اسقطت سورية كل مشاريع الكيان الصهيوني بضم الجولان المحرر الى الجولان المحتل واقامة كانتون لحدي جديد بعدما سلحت النصرة وداعش ومكنتهم مع بقية الفصائل الارهابية من احتلال مقرات الايندوف…

لم يبق من خيارات لما تسمي نفسها معارضة فخياراتها باتت معدومة فقط هي تريد تحسين شروط التفاوض عبر الجيش الروسي مضافاً اليه قصف مدفعي سوري كثيف يومي ارضي مع قصف جوي مكثف… لن يبق امامهم الا الباصات الخضراء…

الفصائِل التكفيرية المُسلَّحة التَّابِعة للجَبهة الجنوبيّة وَجَدَت نفسها مُحاصَرةً ودُون دَعمٍ أو سَنَد مِن أقرَب حُلفائِها، فقد أغْلَقَ الأُردن حُدوده بالكامِل، وكذلك فَعلت دَولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانَت تدعم بعضها، ولم يَبْقَ أيَّ خَيارٍ آخر غير الاستسلام أو القِتال حتّى المَوت.

وان كانت تكابر لتحسين شروط التفاوض بعد خلوها من اي دعم فهي اي الفَصائِل الارهابية المُسلَّحة حسب ما أكَّد “أبو الشيماء”، النَّاطِق باسم غُرفَة العمليّات المَركزيّة التَّابِعة لعصابة الحُر، تُطالِب بِدُخول الشُّرطة العسكريّة الروسيّة إلى مَناطِقها وليس الجيش السوري، بينَما يُصِر الوُسَطاء الرُّوس على ضَرورَة تسليم عَناصِر هَذهِ الفَصائِل لسِلاحِها، وتَسوِيَة أوضاعها مع الحُكومة السوريّة.

الوُسطاء الرُّوس يَتمسَّكون باستراتيجيّة تفاوضيّة اتّبعوها في كُل مُفاوضاتِهم السَّابِقة في الغُوطة الشرقيّة، وقَبلها في حَلب وحِمص، وتَقوم على الاستسلام الكامِل للعَناصِر المُسلَّحة وتَسليم أسلِحَتها الثَّقيلة، والمُغادَرة على مَتن الحافِلات الخَضراء بأسلِحَتهم الخَفيفة باتِّجاه مدينة إدلب، ولذلِك كان من المُستَبعد كَسرِهِم لهذه القاعِدة، وبَقاء الفَصائِل المُسلَّحة في جُيوب مُنعَزِلة وشِبه مُستقلِّة في الجَنوب السوري لا تَخضَع لسَيطرة الجيش السوري.

الوَضع على الأرض، وحَسب آخِر التَّقارير المَيدانيّة الصَّادِرة عن مَصادِر مُستَقِلَّة تُؤكِّد أنّه ليس في صالِح الفَصائِل المُسلَّحة، خاصَّةً بعد أن تَخلَّى عنها جميع داعِميها بِما فيهم الأمريكان الذين أبْلَغوهم رَسميًّا بأنّهم لن يتدخَّلوا لحِمايَتِهم، وأنّ عليهم التَّعاطي مع التَّطوُّرات وِفق مَصالِحِهم

اين كل ذلك الدعم الذي كان من قبل دول العدوان في كل المحيط السوري ففي الجنوب العدو الصهيوني الراغب بتدمير سورية وسلخ جولانها واعتباره ارض اسرائيلية بيد هؤلاء الارهابيين، الاردن تدعم مؤتمرة من السعودية واميركا هؤلاء الارهابيين وخاصة غرفة الموك السوداء وفيها تمثيل للكيان الصهيوني عبر ضباطه والاردني والاميركي والبريطاني والفرنسي اين كل هذا الدعم عندما يقول الاميركيون لارهابيي الجنوب روحوا دبروا حالكم لن ندافع عنكم ولن نسلحكم ولن نحميكم، روحوا قلعوا شوككم بايديكم وماتقوله اميركا يسري على الجميع فهو من الاله الابيض كما اسماه لهنود الحمر وهم يبادون بالحديد والنار …

70 مليار دولار انفقت لاسقاط سورية قدمتها السعودية وقطر بأمر اميركا والكيان الصهيوني …

نتصر الجيش السوري
انتصر الجيش السوري

عند القيادة السورية هناك استعدادات غير مسبوقة اقلقت اسرائيل الداعمة لارهابييها بل قل خافت فهناك الجيش السوري بأعداد فعلاً مقلقة لتحرير الجنوب والروسي يدعم والكيان الصهيوني اساساً ليس في وارد التصعيد سيما وقد سقط رهانه على اسقاط سورية من بوابة الجنوب السوري…

الجيش السوري قال مع قيادته قول الحسم:” لن نسمح باختراق الحدود وهؤلاء من قالوا ان اسرائيل ليست عدوة النظام السوري هو العدو لم يبق لهم الا الاستسلام لهذا الذي اسموه نظاماً…

هل يمكن الوثوق بأميركا واسرائيل؟

لايمكن لأي عاقل ومن دروس التاريخ القريب وعند كل الشعوب، ان يراهن على اميركا وعلى اسرائيل وعلى وفائهما لعصاباتهما التي زرعوها وجنوب لبنان مثلاً وهاهو انطوان لحد في مزبلة التاريخ وهاهو شاه ايران وانور السادات وكل من وقع اتفاقيات كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة كلهم يستجدون درب نجاة… لابل طوق نجاة…

اميركا رذلت شاه ايران كما سبق ورذلت عملاء سايغون في فييتنام، وفي اميركا الجنوبية وكما تخلت عن السادات فلاقى مصيره المحتوم كخائن مهد في خيانته لكل الالم الذي عاشه لبنان الشقيق وفلسطين والعراق وفوق الكل سورية ونفذ شق المؤامرة التي كلفته اميركا بها، وقضى على يد تكفيريي اميركا من عصابة الاخوان المسلمين وقد انتهى دوره…

الكل اليوم (كما مر) تخلى عن التكفيريين “روحوا دبروا حالكم” بعدما عاشوا دلالاً من اميركا واسرائيل

هو ليس قرار اسرائيلي هو اميركي حتى الاردن اغلق حدوده امام المسلحين المدعومين منه اساساً ومن غرفة الموك… وقد تخلوا عن اكراد عفرين، ومنبج وقريباً الرقة وانتهاء دور عصابة قسد الداعشية بعد ان انتهى دور داعش القديمة…وستلحق بها عصابة قسد اي داعش الجديدة وقوات ماتسمى احمد الجربان العميل وتاجر المخدرات…

نعم الجيش السوري قرر الحسم والشعب السوري اليوم بدأ يحس بنوة الانتصار بعدما ازيلت الحواجز كلها تقريباً من دمشق والمدن السورية وبات يسعى لاعادة الاعمار وانشاء المؤسسات والشركات…

لقد صدق اسد الدبلوماسية السورية د. بشار الجعفري عندما نبه اللبنانيين الذين يكرهون السوريين وكانوا يرفضون وجودهم في لبنان وعدم تعيينهم حتى في المراحيض في المطاعم حيث ترى لافتات هنا وهناك تقول ممنوع تعيين السوريين!!!

قال لهم الجعفري انتظروا وستكونون اول الراجين للتعيين والاقامة في سورية عندما تبدأ عجلة اعادة الاعمار وقيام سورية…وكذلك كل الدول التي شاركت في العدوان على سورية وتدميرها وذبح شعبها وجيشها

في المحصلة
الإرهابيون حثاله البشر تخلى عنهم ترامب ونتنياهو وقبلهم عربان الخليج بعد انتهاء مهمتهم القذره بتدمير سورية، وقتل السوريين فهنيئاً لسورية قيادة وجيشاً وشعباً انتصارهم المدوي فدرعا والجولان والسويداء والتنف تتحرر بالتأكيد ولولا التضحيات الجسيمه للجيش السوري الاسطوري والتفاف الشعب حول القياده الوطنية التي أدركت حجم المؤامره الكارثه لما يسمى بالربيع العربي حيث تم حشد عشرات آلاف الارهابيين والمجرمين وقطاع الطرق وخريجي السجون لتدمير سورية لولا ذلك لرأيت الدواعش والنصره واخواتها يبيعون النساء في شوارع دمشق ويقطعون رؤوس معارضيهم

انتظروا ما بعد تحرير درعا والقنيطرة وارياف السويداء والتنف…

الجيش السوري يحرر الجنوب
الجيش السوري يحرر الجنوب

الشعب السوري الذي صمد كل السنوات الثمان العجاف سيعود وهو الخلاق المبدع الى الابداع في نهضة سورية مدعوما من الجيش الحبيب والقيادة الحكيمة المقتدرة والواثقة…

لقد طار كل من قال بتطيير الاسد من الزعماء وبقي الاسد وبعد التحرر سيترجون جميعهم العودة الى سورية وقد بدا ماكرون بتعيين مايمكن في الواقع ان نسميه سفيراً لفرنسا في سورية وهو دبلوماسي محنك في الشؤون السورية ويتقن العربية وسيغزل البقية في اوربة على غزلته.

تحية اكبار للقيادة الصامدة والتي اتقنت فن ادارة الازمة…ولجيش لم يقدم اي جيش مثله ماقدمه من تضحيات حافظت على الوطن…وليس صحيحاً الا القول مع تقديم وافر الشكر لكل الاوفياء من القوى الرديفة والحليفة، ان هذا الجيش وخلال اربع سنوات وهو يدافع عن سورية مقابل عدوان كوني عليها مع اكثر من نصف مليون ارهابي على الارض وبمفرده وانتصر…

نكرر الشكر لكل الاوفياء وقد امتزجت دماؤهم الطاهرة مع دماء الطهارة لسورية على الارض السورية…

النصر الكامل لم يعد بعيداً نصر سورية الحبيبة وعيونها خضراء على كل ارضها…

تحيا سورية وجيشها واشرافها…

الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعودة المظفرة لكل مخطوف…وكل شبر مخطوف من ارض الوطن…


–“احفظوا أسرار بيوتكم…”

$
0
0

قصة وعبرة

– “احفظوا أسرار بيوتكم…”

حُكي أن ملكاً طلع يوماً إلى أعلى قصره يتفرج…
فلاحت منه إلتفاتة فرأى إمرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراؤون أجمل منها.
فإلتفت إلى إحدى جواريه فقال لها: لمن هذه؟
فقالت: يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز.

فنزل الملك وقد خامره حبها وشغف بها…
فإستدعى فيروز…

وقال له: يا فيروز…
قال: لبيك يا مولاي…
“خذ هذا الكتاب وامضِ به إلى البلد الفلانية وائتني بالجواب.”

فأخذ فيروز الكتاب وتوجه إلى منزله…
فوضع الكتاب تحت رأسه، وجهز أمره وبات ليلته، فلما أصبح ودع أهله
وسار طالبا تنفيذ حاجة الملك ولم يعلم بما قد دبره له الملك…

أما الملك فإنه لما عرف بذهاب فيروز قام مسرعاً وتوجه متخفياً إلى داره، فقرع الباب قرعاً خفيفاً…
صرخت إمرأة فيروز من خلف الباب: من بالباب؟
قال: أنا الملك سيد زوجك…ففتحت له…فدخل وجلس.

فقالت له: أرى مولانا اليوم عندنا.
فقال: زائر…
فقالت: أعوذ بالله من هذه الزيارة، وما أظن فيها خيراً
فأجابها محتداً:

ويحك إنني الملك سيد زوجك، وما أظنك عرفتيني…
فقالت: بل عرفتك يا مولاي ولقد علمت أنك الملك
وتابعت بالقول:
أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه
فخرج الملك من كلامها وخرج من البيت، ونسي نعليه في البيت.
هذا ما كان من الملك…

وأما ما كان من فيروز
فإنه لما خرج وسارلتنفيذ مهمته، تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه
وتذكر أنه نسيه تحت فراشه… فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك في الدار…
فطاش عقله
وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله
فسكت ولم يبد كلاماً، وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها. ثم عاد إليه فأنعم عليه بمائة دينار.

فمضى فيروز إلى السوق وإشترى ما يليق بالنساء، وهيأ هدية حسنة .. وأتى بها إلى زوجته وسلم عليها قائلاً: قومي إلى زيارة بيت أبيك…!
قالت: وما ذاك ؟
قال: إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك.
قالت: حباً وكرامة

ثم قامت من ساعتها وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها.
أقامت عند أهلها شهراً،فلم يذكرها زوجها ولم يتصل بها مما اقلق اخيها، سألها ان كان ثمة خلاف بينها وزوجها، فنفت علمها بشيء، وانها هي قلقة بالتالي من تجاهله لها كل هذه المدة.

فأتى إليه أخوها وقال له:
يا فيروز إما أن تخبرنا بسبب غضبك، وإما أن نحتكم إلى الملك
فقال: إن شئتم الاحتكام فافعلوا فما تركت لها علي حقاً

فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم…
وكان القاضي إذ ذاك عند الملك جالساً إلى جانبه.

فقال شقيق الصبية
– أيد الله مولانا قاضي القضاة…إني أجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمره وهدم حيطانه وأخرب بئره…!

فإلتفت القاضي إلى فيروز وقال له: ما تقول يا غلام ؟
اجابه فيروز: أيها القاضي العادل، صحيح اني قد تسلمت هذا البستان ولكني سلمته إليه أحسن مما كان.
فسأل القاضي الشاكي: هل سلم إليك البستان كما كان؟
قال: نعم ولكن أريد منه ان تفتكر بالسبب لردي البستان اليه.

قال القاضي: ما قولك أنت؟
قال: والله يا مولاي ما رددت البستان كرهاً فيه.
ولكني جئت اليه ذات يوم من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني… فحرمت دخول البستان إكراما للأسد…!

كان الملك متكئاً في جلسة التحكيم…فاستوى جالساً وقال لفيروز:
يا فيروز إرجع إلى بستانك آمناً مطمئناً، فوالله إن الأسد دخل البستان، ولم يؤثر فيه أثراً، ولا إلتمس منه ورقاً ولا ثمراً ولا شيئاً، ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس أو إضرار به.

ووالله ما رأيتُ مثل بستانك ولا أشد إحترازاً من حيطانه على شجره. وتابع الملك:”
فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته، ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك…

ما أجمل كتمان سر أهلك
فلا يعلم الناس عنه فيعيبوك مابقي من العمر، حتى لو لم تكن أنت المخطئ فالناس سيقولون ﻻبد أنه بفعله كان سبباً
فاحفظوا أسرار بيوتكم…


سوريون غيروا وجه العالم الدكتور سهيل النجار…المعجزة الطبية

$
0
0

سوريون غيروا وجه العالم

الدكتور سهيل النجار…

المعجزة الطبية
الجميع بلا شك قد سمعوا وشاهدوا في الفترة الأخيرة الفيديو الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن الدكتور السوري سهيل النجار الذي يوصف في اميركا بالدكتور المعجزة نظرا لعلاجه لمرض نادر لطالما أودى بأصحابه الى مشافي الأمراض العقلية…

من هو الدكتور سهيل ؟وكيف بدأت شهرته؟ وأين هو الآن؟
ولد الدكتور سهيل النجار في دمشق ودرس الطب في جامعتها وتخرج منها وهو يحمل شهادة الدكتوراة في اختصاص الأمراض العصبية عام (1983)م
عاش في دمشق لفترة قصيرة ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية و قرر أن يكمل أبحاثه و دراسته في كلية ( ألباني ) الطبية في نيويورك.
وعُين زميلاً في مشفى جامعة نيويورك للأمرض المشتركة في قسم “الصرع و فيسيولوجيا عصبية سريرية.”
ثم عين زميلاً في علم الأعصاب في كلية الطب في جامعة نيويورك.
وهو أحد الخبراء الأوائل في مجال معالجة الإلتهاب الدماغي.
وهو أول طبيب في تاريخ جامعة نيويورك يقوم بتحديد آلية التفاعل بين نظام المناعة والجملة العصبية المركزية.

سطوع نجمه
بدأت قصته في عام (2009) مع صحفية شابة تدعى (سوزانا كاهلان) ذات الـ24 ربيعاً، فقد حيَّر مرض سوزانا العصبي الأطباء في نيويورك، حيث كانت أحوالها تتبدل فجأة وبسرعة بين السعادة والاكتئاب، وبين الهدوء والاضطراب، فلم يتمكنوا من تشخيص حالتها، واعتبرها بعضهم أنها مختلة عقلياً ومريضة نفسياً، وجزموا ألا أمل بشفائها.
وفجأة بعدما كانت عائلتها أصابها اليأس من الشفاء، استجابت العناية الإلهية لدعوات والدتها عندما اقترح احد الأطباء عليهم مراجعة طبيب يدعى سهيل نجار، وهو أمريكي من أصل سوري، لكنه نابغة وعنده دائماً حلول لكل مشكلة، وبالفعل توصلت العائلة إلى هاتفه ورتبت له زيارة للمركز الطبي المحتجزة به ابنتهم الشابة
وبعد الاطلاع على عشرات الأشعة المقطعية على المخ، وعلى تحاليل الدم المختلفة، اقترب من سوزانا وقدم إليها ورقة بيضاء وقلماً مطالباً إياها برسم ساعة
استجابت الشابة بيدين مرتعشتين، ورسمت دائرة ثم توقفت قليلاً ووضعت كل الأرقام من 1 إلى 9 على الجانب الأيمن.
الآن أصبح لدى نجار عدة عوارض رئيسة يمكن أن تكون بداية لتشخيصه، وهي حالات التشنج، ضغط الدم المرتفع، عدد كريات دم بيضاء مرتفع بالنخاع الشوكي، إضافة إلى الرسم المضطرب للساعة.
توصل نجار إلى تشخيص مبدئي بأن سوزانا تعاني من اضطراب بالجانب الأيمن بالدماغ، الذي يتحكم بالجانب الأيسر من الجسد، وتولدت لديه قناعة بأنها تعاني عارض نادر للغاية تهاجم فيه جسيمات مضادة نظام المناعة مسببة التهاب الدماغ، وللتأكد من صحة تشخيصه المبدئي أرسل عينة دم، وعينة من النخاع الشوكي لتحليلها بمعامل جامعة بنسلفانيا. إضافة إلى إجراء جراحة بسيطة في المخ.
بعد أسبوعين وصلت نتائج التحليل إيجابية، لتثبت صحة التشخيص، إذ رصد البروفيسور (جوزيف دالمو) من الجامعة أجساماً مضادة نادرة تعرف طبياً
(Anti NMDA)

وتعني تعرض المستقبلات في الفص الجبهي الأمامي (المسؤول عن الإدراك والوعي لدى الإنسان) للمهاجمة من قبل أجسام غريبة، وتبع ذلك تأثر الجانب الأيسر المسؤول عن مركز العاطفة بالمخ ما تسبب في خلل بالجهاز المناعي.
كان البروفيسور دالمو من جامعة بنسلفانيا هو أول من نجح في اكتشاف هذه الأجسام المضادة بالعام (2007) وحتى وقتها كان المرضى المصابون به يعاملون على أنهم مختلون عقلياً، يودعون مراكز الرعاية الصحية بدون أمل في الشفاء
وبحسب دراسة دالمو فإن النساء هن الأكثر عرضة للإصابة بهذه الجسيمات المضادة ربما لأسباب جينيه، وبيئية…
وحتى الآن لم ينجح الأطباء في تشخيص 90% من الحالات المصابة، و10% فقط كتبت لهن النجاة وأغلبهن ممن ساقتهن العناية الإلهية لمراجعة الطبيب سهيل نجار الذي لم يضع وقتاً لبداية علاج (سوزانا كاهلان) معتمداً على جرعات من الغلوبولين المناعي لمقاومة الأجسام المضادة المهاجمة للمخ، مع جرعات عالية من (steroids)

لمقاومة الالتهاب، مع استخدام آلة بلازما طبية لاستخراج الجسيمات الضارة عبر أنبوب متصل بوريد دقيق بالرقبة.
استغرق علاج كاهلان أسبوعاً واحداً، سمح لها بعدها بمغادرة المستشفى إلى منزلها مع الانتظام بتناول عقاقير طبية محددة، ومراجعة الدكتور نجار على مدار الستة أشهر التالية، وبعد قرابة العام أعلن الأطباء شفاء كاهلان تماماً من حالتها الغريبة النادرة بعد ما كان من الممكن احتجازها بمصحة عقلية مدى الحياة.
وقامت الصحفية الشابة سوزانا في أواخر عام (2012) بتأليف كتاب بعنوان:

“دماغ مشتعل””Brain on fire”

فحقق المرتبة الأولى من حيث عدد المبيعات لنيويورك تايمز شرحت فيه سوزانا معاناتها مع المرض وقالت إنه كان يمكن أن تقضي حياتها في مصح عقلي، لولا خبرة ومهارة الدكتور سهيل نجار، في معرفة مرضها الحقيقي وعلاجه جراحياً
وفي نهاية عام (2016) تم إنتاج فلم مستمد من الرواية التي ألفتها سوزان ويحمل نفس الاسم.
وتوجد حالات طبية مستعصية عديدة مماثلة لحالة سوزانا، قام بعلاجها وشفائها، ما جعله أحد عباقرة الطب في أمريكا
يشغل حالياً رئيس قسم علم الأعصاب في مشفى ( لينوكس هيل ومشفى جامعة ستاتن إسلاند) ورئيس و أستاذ علم الأعصاب في كلية ( هوفسترا نورث شور لي ) للطب.
لمثلك دكتور تُرفع القبعات ونفتخر بأمثالك ممن غيروا وجه العالم
الصورة للدكتور سهيل النجار مع غلاف الكتاب الذي يحكي القصة الشهيرة


خربشات سياسية 15/7/2018…مالنتائج المتوقعة من قمة هلسنكي؟

$
0
0

خربشات سياسية 15/7/2018…

مالنتائج المتوقعة من قمة هلسنكي؟

غداُ الاثنين 16/7/2018 لقاء القمة المرتقب بين بوتين وترامب في هلسنكي / وهو لِقاء القمّة الأوّل الذي يجمعهما ولمدة ثلاث ساعات، وترامب كما يصفونه هو في أسوأ حالاتِه، فقد حاصَرته المُظاهَرات الصَّاخِبة في كُل بُقعَةٍ زارَها في بريطانيا احتجاجاً على سِياساتِه العُنصريّة التي تقود العالم إلى حافّة الهاوِية بعيداً عن كل قانون دولي، بينما خَسِر في الوَقتِ نَفسِه ثِقَة مُعظَم حُلفائِه الأُوروبيين أثناء مُشارَكتِه في قِمّة حلف الناتو في بروكسل، حيت تَطاوَل عليهم، وتعاطى معهم كتلاميذ صِغار، وعايَرهم بالتَّنعُّم بالحِماية الأمريكيّة مَجّانًاً.

إذا كان الزُّعَماء الأُوروبيّون يَلتَقون ناخبيهم على أرضيّة الكراهيّة لترامب، ورفض غطرسته وتعاليه وعُنصريّته، فإنّ لقائه مع الرئيس الروسي سيكون أكثر صُعوبةً، فالرئيس بوتين يتَّسِم بالدَّهاء، وبُرودَة الأعصاب، ويتعاطَى مع غريمه الأمريكي كشَخصٍ أحمق، وسِمسار عقارات، وزير نساء، ويتطلّع لانتزاع أكبر قَدرٍ مُمكنٍ من المكاسِب في هذا اللقاء، فهو لا يُمكِن أن ينسى، أي الرئيس بوتين، أنّ ترامب وقبل أقل من شَهرين أقدَم على إبعاد حواليّ 50 دبلوماسيًّا روسيًّا تَضامُنًا مع بريطانيا التي اتّهمت جِهاز المُخابرات الروسي بتَسميم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وابنته بغاز الأعصاب.

لا يتَّسِع هذا الحيّز ومدته ثلاث ساعات لمُناقَشة جميع القضايا المَطروحة على مائِدة البحث، مِثل الخِلاف حول سورية ودور الحلف الذي تقوده اميركا في سورية بذريعة محاربة داعش، والقضية الشائكة بين روسيا وكل الحلف الاطلسي بزعامة اميركا حول أوكرانيا وشِبه جزيرة القرم، ومايشاع وسط قرف اميركي رسمي وشعبي من ترامب حول التَّدخُّل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة وانتصار ترامب على هيلاري كلينتون، والقضية الكورية الشمالية، ونَجِد لِزاما عَلينا التركيز على القَضيّة الأهَم في رأينا وهي القضية السوريٍة، والوُجود الإيرانيّ، والاتِّفاق النوويّ، واحتمالات الحَرب المُتوقَّعة بين أمريكا وحُلفائِها من ناحِيةٍ، وإيران وحُلفائِها في الخَندق المُقابِل.

وجود الرئيس الدكتور بشار الأسد في قِمّة السُّلطة السورية لم يَعُد موضوعًا للنِّقاش في هَذهِ القِمّة، أو غيرها، والشَّيء نفسه يُقال عن هزيمة المَشروع الأميركي ليس في سورية وحدها إنّما في مُعظَم مِنطَقة الشرق الأوسط، فروسيا مَلأت الفراغ، وأصبح رئيسها بوتين يَملُك اليَد العُليا، وبعد سيطرة الجيش السوري على المَناطِق الجنوبيّة وفتح الحُدود مع الأُردن والبدء بتجرير منطقة القنيطرة وتحرير بلدة مسحرة اليوم وهي نقطة الربط بين الجولان الاوسط شرقي القنيطرة ومدينة درعا وتلها غاية في الأهمية الاستراتيجية، وقَبلها تحرير جنوب دمشق ومخيم اليرموك من داعش والنصرة و…وقبلها تحرير الغُوطة الشرقيّة،وقبلها دير الزور والبوكمال وقبلها حلب… وتَخلِّي أمريكا عن المُعارضة السوريّة المدنيّة والمُسلَّحة، بدأت سورية جديدة مُختَلِفة تَطُل بِرأسِها بقُوّة من وَسَطِ الأنقاض.

النَّغمة السَّائِدة التي يُمكِن رصد “ذَبذَبتها” من خِلال مُتابَعة التسريبات الغربيّة، تقول بوُجود “مُقايَضة” ربٍما تحتل حيّزًا كبيرًا في المُفاوضات بين الزَّعيمين، عُنصرها الأساسي انسحاب القُوّات الأمريكيّة كُلِّيًّا من سورية (2200 جندي) مُقابِل احتواء روسيا للوُجود الإيرانيّ.

اللافت أنّ هَذهِ التَّسريبات لم تَعُد تتحدَّث عن “إخراجِ” القُوّات الإيرانيّة، وإنّما تتحدَّث عن احتوائِها، أي السَّيطرةِ عليها، والحُصول على تَعهّدات بعَدم استخدامِها للأراضي السوريّة كنُقطَةِ انطلاقٍ لأيِّ هُجومٍ ضِد دولة الاحتلال الصهيوني، وفي حالِ قُبولِ الرُّوس بهذهِ المُقايَضة فإنّ ترامب سَيُعلِن انسحاب جميع القُوّات الأمريكيّة من سورية، ونِهاية الحَرب فيها.

وما يَجعلنا نُرَجِّح طَرح هذا السِّيناريو، وليس نجاحه قطعاً، أنّ بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني اتصل هاتِفيًّا بالرئيس ترامب قبل القِمّة، ربّما لتَوجيه بعض المَطالِب، وفرض لائِحة من الإملاءاتِ عليه، وهو العائِد للتَّو من موسكو.حتى ان بعض المحللين يرون ان ترامب سيخفق لأنه يحمل هذه الاملاءات الصهيونية الى بوتين بالنيابة عن النتن ياهو

لا نَتوقَّع فُرَص نجاح كبيرة أو صغيرة لهَذهِ المُقايَضة، لسَببٍ بسيط وهو أنّ الرئيس بوتين يذهَب إلى هَذهِ القمّة وهو أكثر قُوّة من أيِّ وَقتٍ مَضى، فقد حسم الحرب في سورية وِفق أهدافِه ومُخطَّطاتِه، وحسم مسألة ضَم شِبه جزيرة القُرم نِهائيًّا، وعَزّز وجود حُلفائِه الانفصاليين في شَرق أوكرانيا، وأخيرًا تحقيق نجاح باهِر وغير مسبوق في تنظيم نِهائيّات كأس العالم (المونديال) ودُون وُقوع حادِثةٍ واحِدةٍ لافِتَة والحفل الختامي ومباحاثاته مع ماكرون اليوم الاحد تدل على انتصار روسي يلعب بشكل اكثر فعالية في قمة ترامب-بوتين في هلسنكي.

القُوّات الأميركيّة ستُجبَر على الانسحاب من سورية ان عاجلاً او آجلاً بالرغم من انها تطلب من حلفائها تعبئة فراغ خروجها من سورية وبمجرد خروجها سينكسر الحلفاء وتكرت سبحة انسحاباتهم من سورية سيما وان عديد قواتهم اقل بكثير من القوات الأميركية، وبالتالي انسحابها من العِراق دون أيِّ “مُقايَضة” ليس فقط لأنّ المشروع الأمريكي تلقّى هَزيمةً قاتِلة، وإنّما لأنّ موازين القِوى لم تَعُد لصالِح واشنطن، وما حَدث في العِراق على يد المُقاومة الباسِلة سيَتكرّر حَتمًا، وقَريبًا في الشرق السوري حيث القوات الشعبية والعشائر السورية ولاسيما وان الهام احمد الرئيسة المشتركة لما تسمى قسد تعلن عن حوار مع الدولة السورية لاعادة تشغيل الدولة لسد الفرات ولاعادة بعث مدينة الطبقة مجدداً بعد تسليمها للدولة السورية واعادة خدمات الدولة اليها.

معروف قدرة الدبلوماسية الروسية على الاحتمال وعلى برودة الاعصاب وحِبال صبرها في سورية والمِنطَقة طويلة، بل طويلة جِدًّا، والهَيمنة الصهيونية بَدأت تتآكَل بِسُرعة، وحالة الهَلع التي تُسيطِر على نِتنياهو وحكومته وبخاصة ليبرمان والمتشددين من جرّاء التغيير على الأرض باتَ من السَّهل رصدها، دونَ عَناء، فإذا كانت الطائرات الورقيّة على حُدود غزّة بَندًا مُهِمًّا على رأسِ بُنود الهُدنة، وإذا كانت الطائرات السوريّة المُسيّرة (بُدون طيّار) التي لا تُكلِّف أكثر من 300 دولار تُسقِطها صواريخ “الباتريوت”الصهيونية كما حصل مرتين مؤخراً التي قيمة كُل واحِد منها سبعة ملايين دولار، فكَيف سيستطيع رئيس الوزراء االصهيوني وأعضاء حُكومته الأمنيّة المُصَغَّرة الكابينه النَّوم؟

لِقاء القمّة الأهَم في نَظرِنا ليس الذي سيُعقَد غدًا في هلسنكي، وإنّما الروسي التركي الإيراني الذي سيَلتَئِم في طِهران أواخِر هذا الشَّهر، وهي القِمّة الثُّلاثيّة التي سَتَرسُم خَريطة المِنطَقة الجديدة، الخالِية أو شِبه الخالِية، من الوُجود الأمريكيّ، بشقّيه السِّياسيّ والعَسكريّ، وبعود الحال كما كان…

علينا ان نؤكد ثانية ان ماسيترتب من نتائج لهذه القمة محورها الصمود السوري القيادة والشعب والجيش والانتصارات المتالية وفتح الحدود مع الاردن وهو الصنبعة الاميركية وتوجه القوات السورية نحو القنيطرة وتحرير مسحرة كأول الغيث هو اساس انتصار بوتين في قمته مع المأزوم ترامب.

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>