المحاكم الروحية لدى الكنائس المسيحية في سورية
مقدمة توضيحية في القضاء الروحي
“الامتيازات الطائفية”
إن صفة الشمول تلازم القانون، فالمواطنون يخضعون في بلد ما لقانون مدني واحد وقانون تجاري واحد وقانون جزائي واحد، كما يخضعون لقضاء واحد وأصول للمحاكمات هي نفسها بالنسبة إلى الجميع.
إلا أن فوق هذه القوانين الوضعية «شرائع سماوية» تتناول شخص الإنسان وترافقه من المهد إلى اللحد، وهي تؤلف جزءاً مهماً من عقيدته الدينية، إذ إنها إرادة الله المنزلة.
وإذا كان لدولة ما دين بموجب نص دستوري حيث يصبح النظام العام قائماً فيها على أساس هذا الدين فإن ذلك لا يحول دون ممارسة المعتقدات الدينية بما فيها الأحوال الشخصية من قبل أولئك الذين لا يدينون بدين الدولة التي هم من رعاياها، وعلى هذا يفسح للمسلم الذي يعيش في دولة تعتنق الدين المسيحي حق ممارسة أحكام شريعة دينه، ويفسح للمسيحي الذي يعيش في دولة إسلامية حق ممارسة أحواله الشخصية مادامت متصلة بعقيدته الدينية. فإذا كان لا يسمح للمسيحي أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة فإن جمع المسلم أربع زوجات لا يعدّ مخالفاً للقانون في دولة مسيحية لأن الدين الإسلامي يسمح بتعدد الزوجات حتى الأربعة بآن واحد.
وبهذا عرف العالم «امتيازات طائفية» وهي حقوق مدنية نشأت في البلاد التي تختلف ديانتها الرسمية عن مذاهب الشعوب التي خضعت لها،فكانت والحالة هذه اعترافاً من الدولة بالحقوق الإنسانية المتمذهبة بدين غير دينها الرسمي.
من هذا المنطلق فإن قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالشرائع الموجودة لدى كل “طائفة ذات نظام شخصي” لا تنظر أمام المحاكم النظامية Tribunaux de droit commun التي تطبق القوانين نفسها على جميع المواطنين عملاً بمبدأ الشمول الذي يلازم القانون، بل تعرض على محاكم خاصة لمساسها بشرائع دينية سماوية.
أولاً نشأة المحاكم الروحية
إن المحاكم الروحية هي من محاكم «الأحوال الشخصية» التي تلتصق بالإنسان منذ ولادته وتنطلق من الواقع الذي يسود هذه البلاد ـ مهد الأديان السماوية ـ واقع يعترف للمواطنين المنتمين إلى الطوائف المختلفة بممارسة أحوالهم الشخصية كل بحسب معتقده الديني، وأضحت محاكم الأحوال الشخصية التي تنظر في قضاياهم متعددة تعدد تلك الأديان.
وإذا سلّم أن المحاكم الروحية هي وليدة القضاء الديني الكنسي فإنه يحسن عرض لمحة موجزة عن تاريخ هذا القضاء.
1ـ في العهد الروماني
كان الامبراطور الروماني قسطنطين الذي اعتنق المسيحية في عام 312م أول من اعترف بالقضاء الكنسي في دستورين أصدرهما في سنتي 318 و333م.
وقد جاء في الدستور الأول
«يتعيّن على القاضي أن يراعي بكل دقة أنه في حالة لجوء المسيحيين إلى قضائهم الأسقفي فإنه يجب عليه أن يمتنع عن النظر في الدعوى، وأنه إذا أراد شخص أن يقضى في دعواه وفق القانون المسيحي وأقر باحترام الحكم الذي يصدر وفقاً لذلك فإنه يتعيّن أن يجاب إلى طلبه حتى ولو كانت القضية قد بدأ سيرها أمام قاضي الدولة، وأن يعتبر مقدساً ما يصدر فيها من حكم بشرط ألا يؤدي ذلك إلى التعسف«.
وجاء في الدستور الثاني
«يجب أن تنفذ بكل دقة أحكام الأسقف أياً كانت الوسيلة التي صدرت بها، لأنها مقدسة، وعلى محاكم الدولة أن تنفذها، ويكون لكل شخص أن يطلب الفصل في دعواه وفق القانون المقدس. وإذا صدر حكم من الأسقف في أية مسألة من تلك التي تتصل بالقانون البريتوري أو بالقانون المدني فإنه يجب أن يعتبر هذا الحكم غير قابل للطعن ولا للرجوع فيه ولا يسمح بأن يعاد النظر في أية دعوى سبق أن أصدر فيها الأسقف حكماً».
فبمقتضى هذين الدستورين تقرر الاختصاص القضائي الكنسي بنحو جازم، لأن انعقاده لم يكن متوقفاً على رضا الطرف الآخر،كما أن قضاة الدولة كانوا ملزمين بتنفيذ الأحكام التي تصدر عن قضاة القضاء الكنسي.
2ـ قبل الإسلام
لقد ساد في شريعة موسى مبدأ شخصية القوانين ـ Principe de la personnalité des lois ـ في جميع شؤون الحياة وليس فقط في الأحوال الشخصية، فاتحد القانون بالدين وأصبحا متلازمين بحيث يقتصر تطبيق القانون على من يدين بالدين الذي استوحي من القانون. وعلى هذا لم يكن القانون متصفاً بصفة الشمول التي هي سائدة اليوم، بل كان تابعاً للاعتبارات الشخصية.
وجاء السيد المسيح ليفرق بين الدين والدنيا فوضع جسراً روحياً يصل الأرض بالسماء، والمخلوق بالخالق عزّ وجلّ، فالإنجيل المقدس يترك تنظيم الشؤون الاجتماعية والدنيوية للسلطة المدنية:
«أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله».
3ـ في العهد الإسلامي
كان المسلمون يحضرون مجلس قاضي المسلمين من دون أهل الذمة، لأن المسلمين الفاتحين قد أقروا ما كان عليه الناس من قبل ولم يتعرضوا لهم في أي أمر من معاملاتهم أو أحكامهم، لذا اهتم المسيحيون بعد دخولهم دار الإسلام بالقوانين الرومية ” البيزنطية” ونقلها إلى العربية والسريانية. وقد أجاز فقهاء الإسلام قضاء الذمي بين أهل دينه، وكانت المحاكم المسيحية محاكم كنسية يقوم فيها الرؤساء الروحيون مقام كبار القضاة، ولم تقتصر الأحكام في المحاكم الكنسية على مسائل الزواج والاحوال الشخصية من نسب وسواها…، بل كانت تشمل أيضاً مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تقوم بين المسيحيين وحدهم.
4ـ في العهد العثماني
في عام 758هـ/1453م احتل السلطان العثماني «محمد الفاتح» القسطنطينية وقوض الامبراطورية الرومية البيزنطية ونصب نفسه ملك الروم، (ومن الجانب الاسلامي بعد اقل من قرن آلت الخلافة إلى الاتراك/ بني عثمان في عام 1517 في القاهرةعندما تنازل آخر خلفاء بني العباس عن الخلافة الى العثمانيين) وقد اعترف محمد الفاتح بالأسقف جاورجيوس سكولاريوس الذي انتخبه المجمع المقدس باسم «جناديوس الثاني» بطريركاً مسكونياً ورئيساً لأساقفة ـ خلفاً للبطريرك غريغوريوس الثالث الشهيد في الدفاع عن القسطنطينية ـ بطريركياً مسكونياً وقد سوى السلطان ذاته بأمبراطور الروم في تنصيب البطاركة حيث قال للمنتخب جناديوس في تنصيبه:
« يامختار الرب كن بطريركاً حرسك الله وسأوليك عطفي، وتمتع بجميع الحقوق التي مارسها أسلافك».
وقد عدّت السلطات العثمانية البطريرك المسكوني (بطريرك ملي باشي) اي مسؤولاً عن المّلة المسيحية مخولة إياه سلطة زمنية على المسيحيين علاوة على السلطة الروحية، والسلطة القضائية، للنظر في جميع المسائل الإدارية والجزائية وقضايا الأحوال الشخصية، فأصبح من حقه النظر في الخصومات التي تنشأ بين الروم من رعايا الدولة العثمانية. وهكذا تكرست منذ العهد العثماني سلطة الرؤساء الدينيين المسيحيين في القضاء بين أتباعهم ورعاياهم (من ذلك اعتبار البطاركة وفق الدارج مسيحياً وشعبياً انه بمثابة ملك على الطائفة)، مؤكدة احترامها لتلك السلطة في القضاء في عدة مذكرات وخطوط همايونية وفرمانات، ومن أهمها: الخط الهمايوني الصادر عن الباب العالي بتاريخ 18شباط 1856 عقب حرب القرم بين روسيا من جهة وتركيا وإنكلترا وفرنسا من جهة أخرى ليكون تمهيداً لمؤتمر الصلح الذي عقد في ذلك العام بباريس وتم إدخاله في معاهدة الصلح، وقد جاء فيه:
«الدعاوى الخاصة ويقصد بها الأحوال الشخصية مثل الحقوق الإرثية فيما بين شخصين مسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة فتحال، على أن ترى إذا أراد أصحاب الدعوى بمعرفة البطريرك أو الرؤساء أو المجالس، وينبغي تقنين أصول ونظامات المرافعات التي تجري في الدواوين المختلطة…».
ثم صدر عن الباب العالي منشوران لاحقان بتاريخي 8 تشرين الأول/أكتوبر 1868 و20 تشرين الثاني/نوڤمبر 1874، وتوالت بعدهما منشورات أخرى وكلها تؤكد صفة القضاء الكنسي وصلاحيته كقضاء الدولة تماماً.
وقد أيدت المادة (11) من الدستور العثماني الصادر في23 كانون الأول/ديسمبر عام 1876 حقوق غير المسلمين، كما أيدها كل من «بروتوكول» لندن (31 آذار/مارس عام 1977)، ومعاهدة برلين (13 تموز/يوليو 1878).
كما وجه الباب العالي إلى بطريرك الروم الأرثوذكس في اسطنبول وبطريرك الأرمن الأرثوذكس في اسطنبول ايضاً المذكرتين الساميتين في 3 شباط/فبراير 1891 و1نيسان/أبريل 1891 تأكيداً لمذكرته المهمة المرسلة للدول الأوربية في 15 أيار/مايو 1876 والتي جاء فيها:
«إن الدعاوى المرتبطة بالقوانين الدينية والتي بطبيعتها لا تخص غير المسلمين فيما بينهم أو غير المسيحيين فيما بينهم ترفع كما في السابق إلى القاضي الشرعي من المسلمين وإلى محاكم الطوائف الكنسية من المسيحيين، وهذه المحاكم تطبق قوانينها الخاصة».
(«أحكام الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين» للدكتور حلمي بطرس ـ مصر 1956).
وفي الدستور الجديد المنشور عقب الانقلاب العسكري ل”جماعة الاتحاد والترقي” الذي اطاح بالخليفة عبد الحميد الثاني الصادر بتاريخ 19تموز/يوليو 1908 جاء بالمادة (11) منه ما يأتي:
«إن دين الدولة العليّة هو الدين الإسلامي، ومع مراعاة هذا الأساس وعدم الإخلال براحة الخلق والآداب العامة تمارس جميع الأديان المعروفة في الممالك العثمانية بحرية تحت حماية الدولة، مع دوام الامتيازات المعطاة للجماعات المختلفة كما كانت عليه».
هذا وقد ظل القضاء الكنسي قائماً ومستمراً إلى أن دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى عام 1914 فألغت جميع اختصاصات المحاكم الروحية بموجب القانون الذي أصدرته في 25 تشرين الأول 1915 المسمى (قانون الحق العائلي) الذي نصت المادة (156) منه على أن:
«حقوق قضاء الرؤساء الروحيين التي هي بخصوص عقد النكاح وفسخه وما يتبع ذلك من نفقة الزوجات والدراخومة أي الدوطة والجهاز، ملغاة».
5ـ منذ نهاية الحرب العالمية الأولى
عندما انسلخت سورية الواحدة مع العراق… عن جسم الامبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى خلّفت الدولة العثمانية للدول العربية «قانون الحق العائلي» الذي تخلصت منه تركيا نفسها في عام 1926 حينما أصدرت قانونها المدني.
وجاءت بعض المعاهدات التي اختتمت بها هذه الحرب لتؤكد حماية المصالح الدينية، ومنها معاهدة سيڤر sèvre المؤرخة في 10 آب/أغسطس 1920، وصكوك الانتداب المؤرخة في 24 تموز/يوليو 1921، ومعاهدة لوزان الموقعة في 24 تموز 1923.
وكان من باكورة أعمال الملك فيصل الذي نصب ملكاً على سورية تعطيل ما ورد في «قانون حقوق العائلة» من أحكام تتعلق بغير المسلمين، وأصدر بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 1919 قانون التنظيم القضائي الذي نص بالمادة (18) منه على ما يأتي:
«المحاكم الطائفية للطوائف غير المسلمة تحتفظ باختصاصاتها القضائية وحقوقها كما في السابق».
وفي 15حزيران/يونيو 1919 أصدرت الحكومة السورية قرار التشكيلات العدلية رقم 124 الذي نص بالمادة (138) منه على ما يأتي:
«يبقى تأليف المحاكم الطائفية للمجالس المذهبية غير الإسلامية وسلطتها سائرة وفقاً للقوانين المرعية الإجراء الآن».
وعند تشكيل دولة لبنان الكبير(بموجب اتفاقية سايكس بيكو1916 مع الدويلات السورية) من قبل الانتداب الفرنسي عام 1921
أصدر حاكم لبنان الكبير بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 1921 القرار رقم /1003/ الذي جاء في مادته الأولى:
«ألغيت المادة (156) من القانون الصادر بتاريخ 25 تشرين الأول 1915 بخصوص حقوق العائلة».
ونصت المادة الثانية منه على ما يأتي:
«إن كافة الأحكام الصادرة قبل هذا القرار من قبل المحاكم الروحية في المسائل ضمن صلاحياتها المعترف بها قبل قانون 25 تشرين الأول 1915 تنفذ وفقاً لقانون الإجراء».
6ـ في عهد الانتداب الفرنسي
في عهد الانتداب الفرنسي الذي فرض على سورية ولبنان بعد فترة وجيزة من وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها سنة 1918 أصدر المفوض السامي الفرنسي بمقتضى سلطته التشريعية عدة قرارات أكدت سلطة المحاكم الروحية للطوائف المسيحية في سورية ولبنان وصلاحيتها في القضاء بين المسيحيين في منازعاتهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية، منها:
أ ـ القرار رقم /261/ تاريخ 28 نيسان 1926 الذي حدد اختصاص المحاكم الروحية الطائفية بالنظر في الدعاوى الخاصة بأحوال الزواج.
ب ـ القرار رقم /60/ل.ر وتاريخ 13 آذار 1936 المعدل بالقرار رقم /166/ل.ر وتاريخ 18 تشرين الثاني 1938 ويعرفان بنظام الطوائف الدينية، وهو ما يزال القانون الأساسي للطوائف غير المسلمة بالنسبة إلى بعض أوضاعها وهو بمثابة صك تشريعي لايزال معمولاً به حتى الآن.
وقد عدّد هذا القرار الطوائف غير الإسلامية في سورية ولبنان المعترف لها بنظام مستقل لأحوالها الشخصية وهي:
ـ الموارنة (وقد جاءت هذه الطائفة في المقدمة لأنها تمثل أكثر المسيحيين في لبنان).
ـ الروم الأرثوذكس (وهي طائفة أكثر المسيحيين في سورية).
ـ الروم الكاثوليك.
ـ الأرمن الأرثوذكس.
ـ الأرمن الكاثوليك.
ـ السريان الأرثوذكس.
ـ السريان الكاثوليك.
ـ الآشوريون.
ـ الكلدان.
ـ اللاتين (وهم من أصل أوربي).
ـ البروتستنت.
ـ أما اليهود فهم أتباع كنيس حلب وكنيس دمشق وكنيس بيروت.
وبعد هذا التعداد للطوائف جاءت المادة (10) من القرار المذكور لتقول:
«يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى الطوائف المعترف بها ذات الأحوال الشخصية لنظام طوائفهم الشرعي في الأمور المتعلقة بالأحول الشخصية، ولأحكام القانون المدني في الأمور غير الخاضعة لهذا النظام».
7ـ بعد الحرب العالمية الثانية
بعد زوال الانتداب الفرنسي عن سورية أصبحت سيدة قوانينها، وأول ما بادرت به الحكومة السورية هو وضع جهاز لدوائرها العامة، وأصدرت في 30 حزيران 1947 ملاكات لإداراتها المختلفة بموجب عدة مراسيم تشريعية، ومن هذه النصوص التأسيسية المرسوم التشريعي رقم 80 الخاص بوزارة العدلية، الذي نصت المادة (30) منه على ما يأتي:
«تبقى المحاكم الروحية للطوائف غير الإسلامية وصلاحياتها وتنظيماتها القضائية والإدارية خاضعة لأصولها المرعية».
وفي 5 أيلول/سبتمبر 1950 وضعت سورية دستورها الثاني بعد دستورها الأول الصادر في 22 أيار 1930، وعدلت بعض أحكامه بتاريخ 13 أيلول 1962، حيث جاء بالمادة (3) منه نص صريح على صيانة الأحوال الشخصية للطوائف الدينية ومراعاتها.
ويأتي بعد ذلك دستور 11 تموز 1953 متبنياً بمادته الثالثة ما تضمنه دستور 1950 بصدد ما تقدم بقوله:
«الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية».
عندما صدر قانون الأحوال الشخصية السوري بموجب المرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 17 أيلول 1953ـ الذي ما يزال نافذاً في سورية ـ نصت المادة (306) منه على تطبيق أحكامه على جميع السوريين سوى ما تستثنيه المادتان (307 و 308) منه.
أما المادة (307) فقد تضمنت أحكاماً خاصة بالطائفة الدرزية.
وأما المادة (308) فتنص على ما يأتي:
«يطبق بالنسبة للطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق في:
ـ الخطبة.
ـ شروط الزواج وعقده.
ـ المتابعة.
ـ النفقة الزوجية.
ـ نفقة الصغير.
ـ بطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه.
ـ البائنة (الدوطة).
ـ الحضانة.
وعلى هذا يكون القانون المذكور قد حدد الأحوال الشخصية للسوريين غير المسلمين، التي تبقى خاضعة بطريق حصري لولاية الطوائف ومحاكمها الروحية، شريطة أن تكون لدى الطائفة أحكام تشريعية دينية تتعلق بالمسائل المعددة بالمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية، وهذا ما سارعت إليه مختلف الطوائف لإعداد مشاريعها بهذا الشأن بغية تصديقها من المرجع المختص.
واختصاص المحاكم الروحية بالنظر بهذه المسائل هو اختصاص استثنائي محدد، لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه لأنه مرتبط بالنظام العام ومستمد من نص قانوني خاص.
وقد أصدر مجلس النواب السوري القانون رقم 411 المؤرخ في 3 حزيران/يونيو 1957 الذي أخضع تعديلات أنظمة الأديان والمذاهب ـ الواردة بالمادة الرابعة من القرار رقم 60/ل.ر لعام 1936 المتضمن نظام الطوائف ـ لتصديق مجلس الوزراء.
كما أكدت الدساتير المتعاقبة كافة الوضع القانوني للمحاكم الروحية، مثلما اعترف قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953 بوجودها واختصاصها للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية لرعايا الدولة التي تتبعها بموجب النصوص الدينية الخاصة بها وفقاً لأحكام المادة (308) من هذا القانون.
وبقي الوضع القانوني في سورية أثناء الوحدة بين سورية ومصر في نطاق الجمهورية العربية المتحدة (22 شباط 1958) مراعياً ممارسة المحاكم الروحية اختصاصها كما في السابق وفق أحكام قانون الأحوال الشخصية.
8ـ في الجمهورية العربية السورية
بعد انفكاك الوحدة بين سورية ومصر (28 أيلول 1961) صدر قانون السلطة القضائية رقم 98 بتاريخ 15 تشرين الثاني 1961 الذي أورد بالمادة (32) منه تعداداً للمحاكم في الجمهورية العربية السورية وفي مقدمتها «محاكم الأحوال الشخصية»، وهي تتألف وفق أحكام المادة (33) منه مما يلي:
أ ـ المحاكم الشرعية.
ب ـ المحاكم المذهبية للطائفة الدرزية.
ج ـ المحاكم الروحية.
وقد نصت المادة (36) من هذا القانون على أن «تبقى المحاكم الروحية للطوائف غير الإسلامية واختصاصاتها خاضعة للأحكام النافذة قبل القرار رقم 60/ل.ر تاريخ 13 آذار 1936».
ويفضل الأخذ بمبدأ «وحدة القضاء» بدلاً من تعدد جهاته في مسائل الأحوال الشخصية بحيث تحدث محكمة واحدة في كل منطقة للنظر في هذه المسائل على أن تطبق الأحكام التشريعية الخاصة بالطائفة التي ينتمي إليها أطراف الدعوى،وتكون الدائرة المختصة لدى محكمة النقض مرجعاً للطعن بالأحكام التي تصدرها محاكم الأحوال الشخصية توخياً لتأمين استقرار القواعد القانونية وتفادياً لوقوع التناقض في الأحكام القضائية الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية.
وانطلاقاً من حرص الدساتير السورية المتعاقبة (1930ـ1950ـ1962ـ1964ـ1969ـ1973) على صيانة حرية الاعتقاد واحترام جميع الأديان، فقد تم الإبقاء على النصوص التشريعية التي تعترف بشرعية وجود «المحاكم الروحية» في سورية بوصفها جزءاً من النظام القضائي فيها لكي تمارس اختصاصاتها في ضوء المبادئ التالية:
1ـ تطبيق ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية خاصة بها في مسائل الأحوال الشخصية المحددة بالمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953.
2ـ استقلال المحاكم الروحية الطائفية عن المحاكم الشرعية والمحاكم العادية بمقتضى نص المادة (33) من قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961.
3ـ تطبيق قانون أصول المحاكمات الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم 84 بتاريخ 8 أيلول 1953 المعمول به لدى مختلف المحاكم العادية في سورية.
وعلى ذلك يكون المشرع السوري قد احتفظ بالمحاكم الروحية من حيث تشكيلها ولكنه حدد اختصاصاتها مع مراعاة مالدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية، وفرض عليها تطبيق أصول المرافعة المدنية بمقتضى أحكام المادة (33) من قانون السلطة القضائية المشار إليه.
ثانياً ـ تشكيل المحاكم الروحية
من المعلوم أن الأديان السماوية بحسب ظهورها، هي
ـ اليهودية ـ المسيحية ـ الإسلام.
والديانة هي رسالة منزلة يوحي بها الله تعالى من علياء سمائه إلى أهل الأرض.
وفي الأصل تعد كل ديانة وحدة قائمة بذاتها، إلا أنه في الواقع يتبين أن كل ديانة تشعبت إلى مذاهب، والمذهب ماهو إلا أسلوب معين في فهم مبادئ الديانة.
وعلى هذا، يتبين أن المسيحية أصبحت تضم ثلاثة مذاهب رئيسة هي
أ ـ المذهب الأرثوذكسي .orthodoxe
ب ـ المذهب الكاثوليكي .catholique
ج ـ المذهب البروتستانتي (أو الإنجيلي) .protestant
وقد انقسم المذهب ذاته إلى طوائف «communautés»، فهناك طوائف أرثوذكسية وطوائف كاثوليكية وطوائف بروتستنتية.
لن يتم الخوض في البحث بكيفية ظهور هذه المذاهب والطوائف لتعلق ذلك بعلم اللاهوت، ولكن سيتم التطرق إلى تعدادها فقط تمهيداً لبيان الأحوال الشخصية الخاصة برعايا كل منها، والقوانين التي تنظمها توخياً لبلورة وضع القضاء المختص بحمايتها وتشكيل المحكمة الروحية في كل من المذاهب المسيحية الرئيسة.
وغير خافٍ أن الأولاد في سورية يتخذون منذ الولادة ديانة والدهم وطائفته ومذهبه استناداً إلى نظرية حق الدم «Jus sanguinis» التي تتحكم وحدها بذلك، ولا مجال هنا لتطبيق نظرية حق الإقليم «Jus soli» التي تؤدي دورها في تحديد الجنسية.
لا تختلف المحاكم الروحية للطوائف المختلفة المعددة سابقاً في كل من المذاهب الأساسية الثلاثة للديانة المسيحية في جوهرها عن الأشكال التي تتألف منها المحاكم الرئيسة لتلك المذاهب، لذا سيتم البحث تباعاً في تشكيل هذه المحاكم واختصاصاتها وأصول المحاكمات أمامها:
اولاً ـ المحاكم الروحية الأرثوذكسية
1ـ تشكيل المحاكم الأرثوذكسية
بمقتضى أحكام القانون رقم 33 الصادر بتاريخ 27 حزيران 2004م ـ المتضمن تصديق قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس ـ يتكون القضاء الروحي الأرثوذكسي من محكمة الدرجة الأولى وهي محاكم البداية ومحكمة الدرجة الثانية وهي محاكم الاستئناف.
أما محاكم البداية، فتقوم في مركز كل ابرشية من أبرشيات الكرسي الأنطاكي (الأبرشية هي منطقة البطريركية التي فيها مركز البطريرك، ومنطقة المطرانية التي فيها مركز المطران) وهي تتألف من قاضٍ منفرد أو من غرفة بدائية مؤلفة من رئيس وعضوين، وتتولى هذه المحاكم الحكم في القضايا المستعجلة وفق أحكام المادة (78) من قانون أصول المحاكمات.
وأما محاكم الاستئناف فتتألف من رئيس ومستشارين.
أ ـ محاكم البداية
يتولى راعي الأبرشية مهام القاضي المنفرد، ورئاسة الغرفة البدائية، وله أن يعين نائباً عنه لكلا المنصبين، وفي حال تشكيل غرفة بدائية في أبرشيته فإنه يعيّن عضويها الأصيلين وعضوين ملازمين.
يرفع راعي الأبرشية أسماء القضاة المعينين إلى المقام البطريركي لإحاطة محكمة الاستئناف ومطارنة الأبرشيات علماً بذلك، كما يبلغ أسماءهم إلى السلطات المدنية المختصة.
ويمكن بقرار من المجمع المقدس تعديل تشكيل محاكم البداية بتحويل منصب القاضي المنفرد إلى غرفة بدائية وبالعكس.
وإذا تعذر إكمال النصاب في محكمة ما بسبب تغيب راعي الأبرشية، أولأي سبب آخر يكمل البطريرك النصاب بمن يختاره من رجال الاكليروس أوالعلمانيين، ويصار إلى إعلام السلطات المدنية المختصة بهذا التعيين.
هذا ويشترط قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس في القضاة إذا كانوا من غير الاكليريكيين ـ ومن دون تفريق في الجنس ـ أن يكونوا من حملة الإجازة في الحقوق وقد مارسوا المحاماة أو عملوا في القضاء مدة خمس سنوات على الأقل، وأن يكونوا قد أتموا الثلاثين سنة من العمر بالنسبة إلى محاكم البداية.
ويتولى راعي الأبرشية بصفته رئيساً لمحكمة البداية تعيين المساعدين القضائيين والإشراف على أعمالهم وإنهاء خدماتهم، ويحدد البطريرك رسوم الدعاوى وتسدد للأبرشية.
ب ـ محكمة الاستئناف
يتولى البطريرك تشكيل محكمة الاستئناف من رئيس ومستشارين، ويعيّن معهم رئيساً رديفاً ومستشارين ملازمين.
وتتكون محاكم الاستئناف من غرف يُحدد عددها ونطاق عملها بقرار من البطريرك، على أن تكون من هذه الغرف غرفة أولى مقرها مركز البطريركية، أما الغرف الأخرى فيحدد مقرها في قرار تشكيلها.
2ـ اختصاص المحاكم الأرثوذكسية
في ضوء ما جاء بالمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 17 أيلول 1953 لجهة «تطبيق ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية تتعلق ببعض الأمور الخاصة بالأحوال الشخصية لرعاياها»، فقد نصت المادة (93) من قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس على أن تتولى المحاكم الروحية التحقيق والحكم في الدعاوى التالية، مع مراعاة الأحكام الإلزامية الواردة في قانون أصول المحاكمات:
أ ـ الخطبة والحكم بصحتها أو فكها أو بطلانها والعربون.
ب ـ عقد الزواج وأحكامه والالتزامات الزوجية.
ج ـ صحة الزواج وبطلانه وفسخه وانفكاكه (من طلاق وتفريق) وإعادة الحياة الزوجية.
د ـ فصل جميع المسائل المتعلقة بالجهاز والبائنة مادامت العلاقات الزوجية قائمة، أو تبعاً للدعاوى الزوجية القائمة أمامها.
هـ ـ السلطة الوالدية على الأولاد.
و ـ رعاية الأولاد وتربيتهم حتى بلوغهم سن الرشد أي ثماني عشرة سنة كاملة.
ز ـ فرض النفقة الزوجية على أحد الزوجين للآخر وتقديرها أثناء النظر في دعوى البطلان أو الفسخ أو الطلاق.
ح ـ الحكم بالتعويض تبعاً للحكم ببطلان الزواج أو فسخه أو إعلان الطلاق.
ط ـ إعطاء الصيغة التنفيذية للأحكام الروحية الصادرة خارج سورية، ويعود الاختصاص فيها إلى محكمة الاستئناف.
ي ـ تعيين أصحاب الحقوق في الوقف وحق تعيين المتولي وعزله وإبداله ومحاسبته وذلك في الحالتين الآتيتين أو إحداهما
1ـ إذا كان مستحق الوقف مؤسسة دينية أو خيرية صرفاً.
2ـ إذا كان الواقف قد اشترط في صك الوقف التخصيص للسلطة الروحية.
3ـ أصول المحاكمات أمام المحاكم الأرثوذكسية
مع تقيد المحاكم الروحية للروم الأرثوذكس بتطبيق أحكام قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 المعمول به لدى القضاء النظامي والعادي في سورية ـ بوصفه القانون العام ـ بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة أمامها وشروط الطعن في الأحكام التي تصدرها ومواعيده، فقد جاء قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس ببعض الأصول الخاصة للمحاكمات أمامها، يمكن تلخيصها بما يأتي:
أ) ـ تقام الدعوى بخيار المدعي إما في محكمة الأبرشية التي أقيم فيها الزواج وإما في المحكمة التي يتبع لها محل سكن الزوجين المشترك قبل نشوء النزاع، وهذه الصلاحية هي صلاحية مطلقة (المادة 94 من القانون).
ب) ـ إن دعاوى إنهاء العلاقة الزوجية (إبطال ـ فسخ ـ طلاق) هي دعاوى شخصية ينحصر الحق بتقديمها بالزوجين فقط (المادة 95 من القانون).
ج) ـ لا يجوز لأي من الزوجين بعد وفاة الآخر إقامة الدعوى لإنهاء الزواج أو لإبطال حكم قطعي قضى بإنهائه بغية ترتيب آثار مالية على ذلك (المادة 96 من القانون نفسه).
د) ـ للمحكمة أن تقرر حضور المتداعيين وحدهما بغية الوقوف على الحقيقة والسعي إلى التوفيق بينهما، ولها أن تقرر استجوابهما من دون حضور الوكلاء (المادة 99 من القانون).
هـ) ـ للمحكمة قبل إقفال باب المرافعة تكليف كاهن الرعية للقيام بتحقيقات تحددها، كما يمكنها تكليف شخص ثالث بهذه التحقيقات (المادة 100 من القانون)، وإذا لم يكن المحقق المكلف اكليريكياً أو مقيداً في جدول الخبراء المعتمدين لدى المحاكم العدلية فعليه قبل المباشرة بالمهمة حلف اليمين القانونية أمام المحكمة (المادة 101 من القانون).
و) ـ المحاكم الروحية تصدر الأحكام بالإجماع أو الأكثرية، وعلى المخالف بيان أسباب مخالفته في صك مستقل يرفق بالقرار (المادة 102 من القانون).
ز) ـ تنظر المحاكم الروحية في المشاكل التنفيذية التي تعترض تنفيذ أحكامها والتي لا تتعلق بإجراءات التنفيذ (المادة 103 من القانون).
ح) ـ إن جميع الأحكام الصادرة عن محاكم البداية تقبل الاستئناف أمام محكمة الاستئناف، ويكون استئناف الأحكام محصوراً بطرفي الدعوى (المادة 104 من القانون).
ط) ـ إن الاستئناف لا يوقف تنفيذ الحكم بالنفقة والحضانة،على أن يعود لمحكمة الاستئناف قبل إصدار حكمها تقرير وقف تنفيذ الحكم المستأنف كلياً أو جزئياً (المادة 105 من القانون).
ي) ـ رئيس محكمة البداية: هو قاضي الأمور المستعجلة في المواد الداخلة ضمن اختصاص المحكمة،وينظر فيها وفقاً للأصول المحددة في قانون أصول المحاكمات (المادة 106 من القانون).
ك) ـ إن الأحكام القطعية والصادرة بقضايا النفقة لا تتمتع بقوة القضية المقضية، ويمكن طلب إعادة النظر بها من المحكمة التي صدر عنها الحكم. على أن مثل هذا الطلب لا يمكن تقديمه قبل مضي ستة أشهر على الأقل من تاريخ صدوره (المادة 107 من القانون ).
ل) ـ الاعتراض على الأحكام الغيابية وكل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى قانون أصول المحاكمات (المادة 108 من القانون).
م) ـ جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الروحية الأرثوذكسية تصدر باسم الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية المقدسة (المادة 109 من القانون).
تجدر الإشارة إلى أن المادة (134) من دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973 تنص على أن «تصدر الأحكام باسم الشعب العربي في سورية»، وقد استقر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية على أن الحكم الذي لا يصدر باسم الشعب العربي في سورية يعد معدوماً.
درجت المحاكم الروحية على إصدار أحكامها باسم الكنيسة أو باسم الله تعالى وباسم الشعب العربي في سورية، لضمان تنفيذها من قبل دوائر التنفيذ المختصة.
ثانياً- المحاكم الروحية الكاثوليكية
1ـ تشكيل المحاكم الكاثوليكية
صُدّق قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية بموجب القانون رقم 31 الصادر بتاريخ 18/6/2006. وفيما يلي أهم الملامح الرئيسية في تشكيل القضاء الروحي الكاثوليكي المستقاة من أحكام المادة (284) وما يليها من قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية المستنبط من قوانين الكنائس الشرقية.
1ًـ إن الحبر الروماني هو القاضي الأعلى للعالم الكاثوليكي كله، وهو يجري القضاء إما بنفسه، وإما بواسطة محاكم الكرسي الرسولي، وإما بواسطة قضاة منتدبين من قبله.
2ًـ للمشرف العام على ممارسة العدالة ـ المنتخب من سينودس الأساقفة ـ حق السهر على جميع المحاكم القائمة ضمن حدود رقعة الكنيسة البطريركية، وله كذلك الحق في التقرير بالنسبة إلى رد أي قاض من المحكمة العادية للكنيسة البطريركية (المحكمة الاستئنافية).
3ًـ على البطريرك أن يقيم محكمة عادية للكنيسة البطريركية متميزة عن محكمة الأبرشية البطريركية.
ويكون لهذه المحكمة رئيس خاص وقضاة ووكيل عدل، ومحامٍ عن الوثاق، وموظفون آخرون ضروريون، وهؤلاء جميعاً يعينهم البطريرك بموافقة السينودس الدائم. والرئيس والقضاة والمحامي عن الوثاق لا يمكن أن يقيلهم إلا سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية، أما الاستقالة من منصبهم فيمكن أن يقبلها البطريرك وحده.
وتتألف المحاكم الروحية الكاثوليكية على النحو التالي
أ ـ القاضي البدائي في كل أبرشية وفي كل الدعاوى التي لا يستثنيها الشرع بصراحة هو الأسقف الأبرشي (المادة 290 من القانون).
ب ـ يمكن للبطريرك إنشاء محكمة بدائية لعدة أبرشيات من كنيسة ذات حق خاص بموافقة الأساقفة الأبرشيين المعنيين، إذا كان ذلك في أبرشيات ضمن حدود رقعة الكنيسة البطريركية.
في الحالات الأخرى يعود الأمر إلى اتفاق الأساقفة الأبرشيين أنفسهم، مع موافقة الكرسي الرسولي (المادة 291/1 من القانون ).
ج ـ الاستئناف من هذه المحكمة ـ ضمن حدود رقعة الكنيسة البطريركية ـ يكون للمحكمة العادية للكنيسة البطريركية.
أما في الأحوال الأخرى فيكون للمحكمة التي تعينها على وجه ثابت مجموعة الأساقفة، أو التي يعينها الكرسي الرسولي عينه (المادة 291/5).
د ـ يحق لكل محكمة أن تستعين بمحكمة أخرى من أي كنيسة كانت للقيام ببعض الأعمال الإجرائية ما عدا الأعمال التي تتضمن قرارات القضاة (المادة 294).
هـ ـ المدعي يتبع محكمة المدعى عليه ما لم ينص الشرع بصراحة على غير ذلك. أما إذا كان للمدعى عليه محاكم متعددة فيترك للمدعي اختيار إحداها (المادة 295 من القانون).
و ـ تحفظ للمحكمة الجُمعية المؤلفة من ثلاثة قضاة الدعاوى في وثاق الزواج، أما الدعاوى الأخرى فتوكل إلى قاضٍ فرد ما لم يحفظ الأسقف الأبرشي دعوى معينة لمجموعة من ثلاثة قضاة.
وإن لم يكن ممكناً إنشاء محكمة جُمعية في الدرجة الأولى للحكم، وما دامت هذه الاستحالة يستطيع البطريرك بعد استشارة السينودس الدائم السماح للأسقف الأبرشي بأن يكل بعض الدعاوى إلى قاضٍ كنسي فرد يستعين إن أمكن بمساعد ومستنطق (المادة 303 من القانون).
ز ـ على المحكمة الجُمعية أن تجري المحاكمة على نحو جماعي وتصدر الأحكام بأكثرية الأصوات.
وإذا نظرت في دعوى بالدرجة الأولى محكمة جٌمعية يجب أن تحكم فيها محكمة جُمعية أيضاً في درجة الاستئناف، ويجب ألا يكون عدد القضاة أقل. أما إذا نظر فيها قاضٍ فرد فيجب في درجة الاستئناف أن يحكم فيها أيضاً قاضٍ فرد (المادة 204 من القانون).
ح ـ على الأسقف الأبرشي أن يقيم نائباً قضائياً غير النائب العام، يكون له سلطان قضائي أصيل، ويؤلف النائب القضائي والأسقف الأبرشي محكمة واحدة (المادة 305 من القانون).
ط ـ للقاضي الفرد أن يضم إليه في أي محاكمة معاونين ليكونا مستشارين لديه (المادة 308 من القانون).
ي ـ على النائب القضائي أن يعين من بين القضاة الأبرشيين بحسب ترتيبهم وبالتناوب قاضيين يؤلفان والرئيس محكمة جُمعية ما لم يرَ الأسقف الأبرشي مناسباً غير ذلك (المادة 309 من القانون).
وعلى رئيس المحكمة الجٌمعية أن يعين مقرراً أحد القضاة الذين تتألف منهم، ليقدم بياناً عن الدعوى في مجلس القضاة ويصوغ الحكم كتابة (المادة 310 من القانون).
ك ـ يستطيع القاضي أو رئيس المحكمة الجٌمعية تعيين مستنطق للقيام بتحقيق الدعوى وجمع البيّنات وماهيتها وكيفية جمعها (المادة 312 من القانون).
ل ـ في الدعاوى التي يقتضي فيها حضور وكيل العدل أو المحامي عن الوثاق إذا لم يستحضرا كانت الأعمال باطلة، ما لم يحضرا فعلاً وإن لم يستحضرا، أو استطاعا، على الأقل قبل الحكم القيام بوظيفتهما بفحص الأعمال (المادة 316 من القانون).
م ـ يجب أن يحضر كلَّ محكمة مسجلٌ بحيث تعد الأعمال باطلة إذا لم يوقعها هو. وتتمتع الأعمال التي يكتبها المسجلون بثقة رسمية (المادة 320 من القانون).
ن ـ بعد صدور الحكم النهائي يبقى للوكيل حق وواجب الاستئناف إذا لم يأبَ الموكل ذلك (المادة 360 من القانون).
يستخلص من مجمل الأحكام المتقدمة أن القضاء الروحي الكاثوليكي بدوره هو على درجتين: الدرجة الأولى: منوطة بقاضٍ بدائي أو من محكمة جُمعية مؤلفة من ثلاثة قضاة بحسب الحال، والدرجة الثانية: منوطة بمحكمة استئناف تؤلف من قاضٍ واحد إن كان الحكم المستأنف صادراً عن قاضٍ فرد، وعن محكمة جُمعية إن كان الحكم المستأنف صادراً عن محكمة جُمعية في الدرجة الأولى. وتنظر المحكمة الاستئنافية في الأحكام المستأنفة لديها استئنافاً أولاً وثانياً وفي إعادة النظر وفقاً لأحكام البند الثاني من القانون (أي المادة 497) من أصول المحاكمات للكنيسة الشرقية.
وينص القانون /430/ على أن الأحكام التي تدور حول الأشخاص دون استثناء دعوى افتراق الزوجين لا تصير قضية محكَّمة ما لم يصدر فيها حكمان متطابقان الواحد للآخر.
وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الكنسية الكاثوليكية تحكم في الطلبات المستعجلة بالأمور الداخلة في اختصاصها بمقتضى هذا القانون، ولها أن تقرر إلقاء الحجز الاحتياطي وتفصل في دعاوى الاستحقاق المتفرعة عن ذلك (المادة 279 من القانون).
على أن ثمة جدلاً حول بعض القضايا، سيتم تناولها فيما يلي باختصار
1ـ عدّ هذا القانون «أي قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية» بمنزلة تعديل صريح لأحكام المادة (308) من قانون الأحوال الشخصية، التي تحدد المسائل التي تتناولها التشريعات الدينية الطائفية وهي على سبيل الحصر (الخطبة وشروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة ـ الدوطة ـ والحضانة).
فقد تحدث الفصلان التاسع والعاشر من القانون المذكور عن «الوصاية» و«المواريث» و«تحرير التركات» و«الوصية» (المواد من 150 حتى 201)، مخوَّلة المحاكم الكنسية حق النظر بهذه المسائل التي تدخل في الاختصاص العام للمحاكم الشرعية بمقتضى أحكام المادتين (535 و 538) من قانون أصول المحاكمات (م ت 84 لعام 1953)، وتطبق على الطوائف الإسلامية والمسيحية الأخرى، لأنها من متعلقات النظام العام.
2ـ نصت المادة (282) من القانون على ما يأتي:
تقتصر صلاحية محكمة النقض وحدود مراقبتها للأحكام الصادرة عن المحاكم الكنسية وفق مقتضى هذا القانون على ما يأتي:
ـ عدم اختصاص المحكمة الكنسية للنظر في الدعوى.
ـ صحة تشكيل المحكمة الكنسية.
ـ الإجراءات الشكلية للمحاكمة.
ـ ونظراً لأن المحاكم الكنسية تطبق تشريعاتها الدينية الخاصة ولطبيعة تشكيلها الخاص لا يجوز بأي حال من الأحوال تطبيق أحكام المادة (250) أصول محاكمات على أحكامها بحيث تصبح محكمة النقض محكمة موضوع.
وبذلك رفعت يد محكمة النقض بوصفها مرجعاً للطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم المذهبية من البحث والتدقيق والتمحيص في الأمور التالية:
1) ـإذا كان الحكم مبنياً على مخالفة للقانون أو الخطأ في تفسيره.
2) ـ إذا صدر الحكم نهائياً خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم من دون أن تتغير صفاتهم، وتعلق النزاع بالحق ذاته محلاً وسبباً وحاز قوة القضية المقضية سواء أدفع بهذا أم لم يدفع.
3) ـ إذا لم يبنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة النقض أن تمارس رقابتها.
4) ـإذا أغفل الحكم الفصل في أحد المطالب أو حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه.
وقد أخل ذلك بمبدأ »الشمولية« التي يتصف بها قانون أصول المحاكمات الذي يطبق على جميع المحاكم في الجمهورية العربية السورية.
3ـ التبني
وقد بحثت به المواد من (66حتى 86) التي عدّت المحاكم الكنسية مختصة بالحكم بصحة التبني أو بطلانه، والآثار الناشئة منه والمفاعيل المترتبة عليه.
والمعلوم أن القانون السوري لا يسمح بالتبني.
2ـ اختصاص المحاكم الكاثوليكية
تطبق المحاكم الروحية الكاثوليكية ما لدى طائفتها من أحكام تشريعية دينية تتعلق بالمسائل المعددة بالمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، وتنظر في الدعاوى الخاصة بها.
وفوق ذلك ـ وخلافاً لما كان يدخل في الاختصاص الشامل للمحاكم الشرعية بمقتضى أحكام المادتين (535 و538) من القانون المذكورـ أعطى قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية ـ للمحاكم الكنسية لديهاـ حق النظر في المسائل المتعلقة بالوصايا والمواريث وتحرير التركات والوصية، فضلاً عن موضوع «التبني» الذي انفرد هذا القانون بالبحث فيه مخولاً تلك المحاكم الحكم بصحته أو بطلانه كما سلف بيانه.
3ـ أصول المحاكمات أمام المحاكم الكاثوليكية
إلى جانب بعض الأصول الخاصة التي رسمها قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية انسجاماً مع كيفية تشكيل المحاكم الروحية للطوائف الكاثوليكية، تطبق هذه المحاكم أحكام قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953، مع قصر صلاحية محكمة النقض بوصفها مرجعاً للطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف بأمور حددتها المادة (282) من قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية، وقد تمّ بحثها قبلاً في معرض البحث عن بعض القضايا المثيرة للجدل.
ثالثاً-المحاكم الروحية الإنجيلية (البروتستانتية)
1ـ تشكيل المحاكم الإنجيلية
بحث نظام المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في كيفية تشكيل المحاكم الروحية لديها وعددها ودرجاتها، بوصفه السلطة المختصة بموجب المادة (34) من النظام بالترخيص للغرفة الإنجيلية الطالبة تشكيل المحكمة المذهبية الابتدائية في المكان المعين لها برئاسة الرئيس وعضوية الأعضاء المبينين في الرخصة.
وتتألف هذه المحكمة من ثلاثة حكام أصيلين وحاكمين ملازمين، تنتخبهم الفرقة الإنجيلية ويصدق المجمع الأعلى للطائفة على انتخابهم.
أما المحكمة الاستئنافية فإنها تشكل بمقتضى أحكام المادة (35) من نظام المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية من رئيس هو وجوباً رئيس المجمع، وأربعة مستشارين؛ أحدهم وجوباً نائب رئيس المجمع الأعلى، وينتخب المجمع من بين أعضائه أو سواهم المستشارين الثلاثة الباقين وذلك بموافقة ثلثي أعضائه على الأقل في جلسة قانونية.
وقد أجازت المادة المشار إليها للمجمع الأعلى تشكيل محكمة استئنافية ثانية بقرار منه إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة (40) من النظام المذكور أوجبت على المجمع أن ينتخب نائباً حقوقياً عن الطائفة يدافع عن حقوقها ويمثلها بصفة شخص ثالث في المحاكم المذهبية الإنجيلية لزوماً، عند النظر في طلبات زواج المطلَّق والمطلَّقة.
2ـ اختصاص المحاكم الروحية الإنجيلية
بدورها تطبق المحاكم الروحية الإنجيلية مالدى طائفتها من أحكام تشريعية دينية تتعلق بالمسائل المعددة بالمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية رقم /59/ لعام 1953، وبالتالي تتولى التحقيق والحكم في الدعاوى المتعلقة بها.
3ـ أصول المحاكمات أمام المحاكم الإنجيلية
تتقيد المحاكم الروحية الإنجيلية بتطبيق أحكام قانون أصول المحاكمات رقم /84/ لعام 1953 النافذ في الجمهورية العربية السورية، سواء في إجراءات المحاكمة أم في شروط الطعن في الأحكام التي تصدرها المحاكم الاستئنافية ومواعيده.
د ـ المحاكم الروحية الموسوية
إن المحاكم الروحية لدى اليهود هي على درجة واحدة، وتتألف من قاضٍ منفرد يصدر حكمه في الدرجة الأخيرة بالمسائل المعددة في قانون الأحوال الشخصية للموسويين، وهي لا تخرج بصورة عامة عن تلك التي حددتها المادة (308) من قانون الأحوال الشخصية رقم /59/ لعام 1953، وتطبق هذه المحاكم في إجراءات المحاكمة أحكام قانون أصول المحاكمات رقم/84/لعام 1953.
وتكون أحكام هذه المحاكم قابلة للطعن بطريق النقض أسوة بأحكام المحاكم الشرعية في الجمهورية العربية السورية، التي يتم الطعن بها أمام محكمة النقض.
يخلص من هذا البحث إلى أن ثمة ميزات وسمات خاصة يتصف بها القضاء الروحي في سورية، وهي
1ـ إن المحاكم الروحية الطائفية مستقلة عن المحاكم الشرعية والمحاكم العادية، ولا تطبق على قضاتها الشروط المطلوب توافرها لتعيين القضاة لدى المحاكم النظامية، كما أنها لا تخضع للسلطة التفتيشية التي تخضع لها المحاكم الأخرى في الجمهورية العربية السورية.
2ـ إن هذه المحاكم متعددة تعدد الطوائف الدينية الموجودة في البلاد على حسب ما هو مستمد من قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961، الذي يحدد المحاكم في الدولة.
3ـ إن اختصاص هذه المحاكم بالنظر بالمسائل المنوطة بها في نطاق الأحوال الشخصية هو اختصاص استثنائي محدد بنص صريح يجعله مقيداً لا يجوز التوسع فيه عن طريق القياس، أو بأي وسيلة أخرى؛ لتعلق هذا الاختصاص بالنظام العام.
4ـ تطبق المحكمة الروحية (المسيحية واليهودية) المعنيّة بالنسبة إلى الدعوى التي تنظر فيها ما لدى الطائفة التي تتبعها من أحكام تشريعية ودينية خاصة فيما يتعلق بالخطبة وشروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وانفكاك رباطه وفي البائنة (الدوطة) والحضانة والإرث والوصية، وذلك بموجب المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 76/2010 المعدل للمادة (308) من قانون الأحوال الشخصية السوري.
5ـ يطبق بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة أمامها وشروط و مواعيد الطعن في الأحكام التي تصدَّرها القانون العام، أي قانون أصول المحاكمات رقم /84/ لعام 1953 (مع بعض القيود التي تحد من صلاحية محكمة النقض الواردة في قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية).
وبذلك يكون المشرع السوري قد احتفظ بالمحاكم الروحية من حيث تشكيلها، ولكنه حدد اختصاصاتها فارضاً عليها أصول المرافعة المدنية. وإن تعميم أصول المحاكمات على جميع محاكم الأحوال الشخصية الشرعية منها والمذهبية والروحية ـ بمقتضى أحكام المادة (33) من قانون السلطة القضائية رقم /98/ لعام 1961 بقولها:
«تطبق محاكم الأحوال الشخصية أصول المحاكمات الخاصة بمحاكم البداية في القضايا البسيطة» ـ خطوة جيدة في سبيل تقييد هذه المحاكم بأسلوب موحد للمرافعات، مما يسهل مهمة المتقاضين والمحامين ويضع حداً للغموض الذي كان يكتنف هذه الأصول فيما مضى، حيث كانت الطوائف تسير على أصول خاصة بكل منها ويكتفي بعضها بالاستئناس بقانون أصول المحاكمات من دون التقيد به وتطبيق أحكامه.
ولا بد من التنويه إلى أن المرسوم التشريعي رقم (76) المنوه عنه أعلاه كان قد ألغى في مادته الثانية الأحكام التي تنظم الأمور غير الواردة في المادة الأولى منه أينما وجدت في التشريعات النافذة ولاسيما في القانون الخاص بالأحوال الشخصية للسريان الأرثوذكس رقم /10/ لعام 2004 والقانون الخاص بالأحوال الشخصية الروم الأرثوذكس رقم /23/ لعام 2004 والقانون الخاص بالأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية رقم /31/ لعام 2006.