– جيل شرير وأنه لا تعطى له سوى آية يونان النبي. التي تعني الصليب والقيامة من الأموات.
فموت المسيح وقيامته .. هي آية عجيبة لمن يفهم. وموت المسيح فيه موت للخطيئة .. وقيامة المسيح فيه انتصار على الموت .. وهذه هي الآية التي يحتاجها الإنسان لخلاصه.
وإن إبادته للموت .. وإصلاحه الفساد بالقيامة من الأموات هو علامة عظيمة على قوة الكلمة المتجسد، وسلطانه الإلهي.
لقد كانت قيامته علامة كافية .. لإقناع سكان الأرض كلها أن المسيح هو الله. وأنه تألم بالجسد باختياره وقام ثانية آمراً قيود الموت أن ترحل والفساد أن يطرد خارجاً.
وكأن السيد المسيح أراد أن يؤكد لهم .. بأن الآية ليست عملاً استعراضياً وإنما هي عمل إلهي غايته خلاص الإنسان. ويتقدم هذا كله الآية التي حملت رمزاً لدفن المسيح وقيامته من الأموات ليهبنا الدفن معه، والتمتع بقوة قيامته أي آية يونان النبي.
وإن كانت الآيات والمعجزات غايتها حياة الإنسان الروحية. فإن الحياة الفاضلة هي أفضل من صنع المعجزات.
فالله لا يديننا على عدم صنع معجزات، إنما يديننا إن كنا لا نحيا بروحه القدوس الحياة اللائقة كأولاد له. ويؤكد السيد المسيح أنه في اليوم العظيم سيدين الأشرار حتى وإن كانوا قد صنعوا باسمه آيات حاسباً أنه لا يعرفهم.
– كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب .. يا رب :
أليس باسمك تنبأنا ..؟
وباسمك أخرجنا شياطين ..
وباسمك صنعنا قوات كثيرة.
فحينئذ أُصَّرح لهم: إني لا أعرفكم قط، إذهبوا عني يا فاعلي الإثم. فالرب لا يعرف غير صانعي البر.
أما ارتباط يونان النبي بشخص السيد المسيح فهو ارتباط الرمز بالمرموز إليه، فإن كان يونان قد ألقيَّ في بطن الحوت. فالرب يسوع نزل بإرادته إلى حيث حوت الموت غير المنظور ليجبره على قذف الذين كان قد ابتلعهم.
وكما هو مكتوب: “من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم”.
لقد أعطاهم علامة عن تجسده ولاهوته وآلامه وتمجيده بقيامته بعد دخوله إلى الجحيم. ليحرر الذين ماتوا على رجاء القيامة.
وآية يونان ترمز لآلام الرب، وفي نفس الوقت شهادة ضد خطيئة اليهود الخطيرة التي يرتكبوها، وفي نفس الوقت الرحمة حتى لا ييأس البشر من المغفرة إن مارسوا التوبة.
لقد تمتع أهل نينوى بيونان الكارز المنطلق من بطن الحوت. أما نحن فتمتعنا بيونان الحقيقي القادر أن يطلقنا من أعماق الهاوية ويدخل بنا إلى ملكوته السماوي.
وهوذا أعظم من يونان. وهو أعظم من سليمان. الذي لا يحدثنا بكلمات حكمة فحسب، بل يطرد عنا مملكة إبليس.
لقد جاءت هذه المرأة الملكة تطلب أن تسمع سليمان .. وقد تحملت السفر لمسافة طويلة لتحقيق هذا الهدف .. ولتصغي لحكمته الخاصة بطبيعة الأمور المنظورة والحيوانات والنباتات.
أما أنتم فحاضر بينكم الحكمة عينه تستمعون إليه. الذي جاء ليحدثكم عن الأمور غير المنظورة السماوية.
ونلاحظ في المثلين اللذين استخدمهما الرب يسوع المسيح في كلامه وتعاليمه السابقة:
1- نينوى سمعت عن خوف وإضطرار.
2- ملكة التيمن جاءت تسمع عن إشتياق بعد أن سمعت عن سليمان.
أما بني إسرائيل فليس لديهم إشتياق. ولا يحرك قلوبهم الخوف بالرغم من كل ما رأوه وسمعوه من المسيح. مع أن المسيح أتى بحكمة ومعجزات أكثر بكثير من سليمان. ونادى بكلمات أعظم من يونان لكنهم رفضوه.
ونينوى قبلت نبياً غريباً عنهم وسمعت له وأعلنت التوبة. أما اليهود رفضوا الرب المتجسد الذي تكلمت عنه نبوات كتابهم.
لقد طلبوا منه آية من السماء، أما هو قدم نفسه لهم آية. معلناً يونان النبي كرمز لشخصه، الذي انطلق من الجوف كما من القبر قائماً من الأموات. وبكرازة يونان أنقذ أهل نينوى الشعب الأممي.
وأيضاً سليمان الحكيم الذي اجتذب الأممية. ملكة التيمن من أقاصي الأرض. تمثل كنيسة الأمم القادمة لا لتسمع حكمة بل تمارسها وتلتقي مع حكمة الله نفسه. وفي الرمزين ظهرت كنيسة الأمم واضحة. تلتصق برأسها يونان الحقيقي القائم كما من الجوف. وسليمان الحكيم واهب السلام والحكمة.
فالسيد المسيح هو أعظم من يونان الذي اجتذب أهل نينوى للتوبة. وهو أعظم من سليمان الذي جاءت إليه ملكة التيمن من أقصى الأرض تسمع حكمته. فقد صار لنا إمكانية التمتع بالملكوت الجديد.
وهنا يظهر بوضوح سر الكنيسة. شعب نينوى يتوب وتسعى ملكة الجنوب لتتعلم الحكمة.
وتظهر الكنيسة من جانبين :
– ترك الخطيئة وهدمها خلال التوبة (كأهل نينوى).
– وطلب الحكمة والسلام (كملكة سبأ).
فإن كان الله هو النور .. يليق بنا أن نكون السراج الحامل للنور الذي لا يختفي عنه عمل الله النوراني .. بل يكون حاملاً له وشاهداً لفاعليته.
والنور الحقيقي هو المسيح. جاء ليضيء للعالم وجعل تلاميذه يعكسون نوره كما يعكس القمر نور الشمس. فيكونوا كمصباح يضيء للعالم .. يعني أن يرشدوا الآخرين في حياتهم بأن يحيوا بوصايا المسيح. وهذا هو عمل أولاد الله.
والسراج يوقدونه بالزيت وفتيلته تحترق .. هكذا أولاد الله يوقدون بزيت النعمة ويحترقون .. أي يقدموا أجسادهم ذبائح حية .. والروح القدس يشعلهم ويجعلهم نوراً .. وهو يعكس نور المسيح الذي فيهم. والذي يطفىء هذا النور الذي فينا .. هو الخطية وأيضاً الماديات والمقاييس المادية.
فليتنا لا نحبس النور الروحي فينا في غلاف الشهوات الجسدية .. وإنما ننطلق به لنضعه فوق المنارة أي فوق الجسد بكل حواسه .. فلا يكون الجسد مسيطراً بل مستعبداً للنور الحق.
إذن يطالبنا السيد المسيح بأن نعلن النور الإلهي الساكن فينا خلال حياتنا العملية فتصبح حياتنا كسراج على منارة يضيء لكل من في البيت.
ربنا وإلهنا يسوع المسيح
إننا لا نختلف كثيراً عن هذه الجموع المزدحمة التي وصفتها بأنها جيل شرير وقلبها قاسي، لأنك أنت الأعظم من يونان وقريب جداً منا، وموجود على المذبح كل يوم. ومازلنا نبحث عن حلول لمشاكلنا الجسدية والأسرية والاجتماعية والروحية بعيداً عنك.
أعطنا أن نقترب من مذبحك دائماً ..
لنأخذك في داخلنا ونحيا بقوتك.
وأعطنا يداً تعرف كيف ترتفع بالصلاة لك في كل الظروف وتخرج ممتلئة من فيض نعمتك.
أمين.