ديك الجن الشاعر الحمصي الحاذق
هو الشاعر عبد السلام بن رغبان، أو كما لقّبَ نفسه بـ ديك الجن ؟!
شاعر مميز اشتهر بزمانه بين العرب وكان له قصصٍ وحكاياتٍ غريبة فشخصيته المتقلبة والغريبة جعلته يستحق لقبه “ديك الجن”!
لمحة عن حياة الشاعر العربي ديك الجن
ولد ديك الجن الحمصي في مدينة حمص عام 161-235 هـ /777-849 م، أصله من السلمية وهو من قبيلة تميم، كان جده الأعلى قد أسلم على يد حبيب بن سلمى الفهري، اشتهر بين شعراء حمص ولكنه كان ذو طبعٍ غريبٍ وفريد، حيث كان يحيّر كل من حوله فهو محبٌ وعاشقٌ رومانسي ولكنه أيضاً قد يقتل حبيبه عند الشك به! وكان ذو طباعٍ حادة وذو إبداع كبيرٍ مع رقةٍ مميزة وبالمقابل كان ذو لسانٍ سليط إن مسه أحدٌ بسوء، وهكذا كان لقب ديك الجن لقباً لائقاً عليه كجني في صورة إنسان!
وكانت مدينة حمص قد اشتهرت وتعلّقت بهذا الشاعر حيث صوّرت له لهوه وأنسه وخاصةً على ضفاف العاصي، فلم يكن شاعراً عادياً من شعراء حمص بل كانت له قصةٌ مختلفة.
ويُقال بأنه عاش كل حياته في مدينة حمص، موجوداً فيها بين مكانين إما منزله الذي يقع في حي باب الدريب الحالي جنوب شرق المدينة القديمة
(تحديداً في شارع الملك الأشرف في حارة الشرفة قرب الساحة المعروفة بصليبة العصياتي)
وإما في متنزه الميماس على نهر العاصي.
ديوان ديك الجن
بالرغم من كون ديك الجن من أشهر شعراء حمص إلا أن ديوانه بقي مطوياً ومتناثراً في أعماق الكتب التراثية، ولكن مجموعة من العلماء في عصرنا الحالي قرروا جمعه ليكون باسم ديوان ديك الجن الحمصي.
وطُبع في مدينة حمص عام 1960 م وكان من نشراه هما الأستاذان (عبد المعين الملوحي) و(محي الدين درويش)
وطُبع من جديد في دمشق من قبل (دار طلاس) عام 1984م، وقد تصدرته مقدمة للأستاذ الراحل (أحمد الجندي)
أما الديوان الذي طُبع في بيروت عام 1964 م باسم ديوان ديك الجن فكان ذو مجهودٍ رائع من قبل الأستاذين (أحمد مطلوب) و(عبد الله جبوري)
حيث اعتمدا على مخطوطة للشيخ (محمد السماوي) 1950م، وكان قد جمع بها الاشعار وسماها ” الملتقط من شعر عبد السلام بن رغبان_ ديك الجن”، وأكملا ما نقص من عدة مصادر مختلفة استطاعا العثور عليها.
ونُشر بعده ديوان ديك الجن الحمصي من قبل الأستاذ (مظهر الحجي) في دمشق عام 1987م
ليكون ضمن سلسلة إحياء التراث التي تصدرها وزارة الثقافة السورية.
قصة ديك الجن المشهورة مع شمس القصور
كان لديك الجن شعراً مشهوراً له قصة قد تفاجئك، فقد كان الشاعر المشهور في مدينة حمص قد وقع في حب جارية نصرانية وكانت تسمى بـ”ورد بنت الناعمة”، وقد أُغرم بها أشد الغرام
حتى حال به الأمر بأن يدعوها إلى الإسلام ليتزوجها فوافقت على ذلك، وكان من شعره بها :
أنظر إلى شمس القصور وبدرها وإلى خزاماها وبهجة زهرها
وردية الوجنات يختبر اسمها من ريقها لا ما يحيط بخبرها
وقد كان لهذا الشاعر لهوه الشديد والذي تحدث عنه ابن أخيه (أبي وهب الحمصي) ووصفه بقوله:
“كان عمي خليعاً ماجناً عاكفاً على القصف واللهو ، متلافاً لما ورث عن آبائه ، وكان له ابن عم يكّنى أبا الطيب ، يعظه وينهاه عما يفعله ، ويحول بينه وبين ما يؤثره من لذائذ حتى هجاه ديك الجن فعدل عن عذله.”
وحصل مع زواجه ما لم يكن متوقعاً ولا يخطر على بال! ففي أحد الأيام ذهب ديك الجن إلى (السلمية) طالباً مساعدةً من (أحمد بن علي الهاشمي)، فأقام عنده لوقتٍ طويل،
وخلال هذا الوقت أشاع ابن عمه أبو الطيب خبراً صادماً! وهو خيانة امرأة ديك الجن لزوجها! فعاد عبد السلام أدراجه إلى حمص ليتأكد من الخبر…
وكانت هنا المكيدة
حيث أرسل ابن عمه، من أشاع خبر خيانة زوجته أحد غلمانه، ليدّس الرجل الذي رماه بها، وقال له بأن ينتظر عبد السلام حتى يدخل إلى منزله فيقف على بابه وكأنه لا يعلم بقدومه وينادي باسم ورد، وإن سأله عن اسمه فيقول فلان!
وهكذا عاد عبد السلام إلى منزله بالفعل وسأل زوجته عما سمع فأنكرت وأجابت بأنها لا تعرف شيئاً عن ذلك.
وبينما كانا يتحادثان قدم الرجل وطرق الباب وفعل ما أُمر به فما كان من عبد السلام إلا أن شتم زوجته واستلّ سيفه ليضربها به ويقتلها ومن ثم يحرق جثتها!!
وتقول بعض الروايات بأن الشاعر عبد السلام قد صنع من رماد جثة محبوبته كوزاً بقي يشرب منه طوال حياته.
وبمناسبة هذه الحادثة يقول د. شوقي ضيف :
“ليس من شك أن أروع أشعار (ديك الجن) ما نظمه في بكاء صاحبته متحسراً نادماً كما لم يندم أحد”.