لماذا نطلق على سوق بيع الخضار بالجملة تسمية سوق الهال؟
سيخطر في البال أن كلمة الهال مقصود بها حب “الهال” المعروف من البهارات التي تضاف إلى القهوة ، على أن الحقيقة خلف تسمية أسواق الخضار عالمياً بأسواق “الهال” تقف خلفه حكاية أخرى من الثقافة و الميثولوجيا السورية.
حيث يذكر الباحث والمؤرخ “عامر رشيد مبيض” أن “هال وهيلانة وهيلاس، كلمات آرامية سورية، معناها إله “نضوج الخضار والفواكه وسنابل القمح”، وأن باب الجنان بحلب كان أوَّل سوق هال كان يبيع جملة الخضار في التاريخ والعالم”.
وتعتبر “هالة” و”هيلانة” من صفات الشمس، والشمس في المعتقدات الأمورية والآرامية السورية القديمة، هي الإله السوري “حدد” (بعل شمين)، وهليوبوليس (الشمس والمطر).
وبنى الأموريون السوريون مدينة “هليوبوليس” في مصر لإلههم “حدد”، كما شيّدوا في أوربة مدناً على أسماء آلهتهم، أو مواقع ومعابد لتمجيدها، ومن هنا انتقل اسم “الهال” بمعناه إلى الأسواق العالمية.
كان الأموريون والآراميون السوريون يعبدون الشمس، ولم تكن الشمس تذكر باسمها احتراماً ووقاراً، بل بصفاتها “هال ـ هيلانة ـ هيلاس”.
اكتُشف معبد الإله الأموري الآرامي السوري “حَدَد” في قلعة حلب 1996 وفي موقع كاتدرائية دمشق حيث حوله الامبراطور ثيوذوسيوس الكبير عام 387 م الى كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان ورأسه فيها والذي حولها الوليد الى الجامع الأموي في دمشق العام 705م ، ويُعدُّ المعبد الأقدم في التاريخ والأكبر في سورية وما حولها واطلال ابواب المسكية شاهد على عراقته.
وتؤكد الموسوعة الفرنسية أنَّ الذين أسسوا مدناً على ضفتي البحر المتوسط أتوا من سورية، ونشروا عبادة إلههم “حَدَد”، الذي اشتهر باسم “زوس” في اليونان، و “جوبتير” في روما .
ويأتي حرف السين في كلمة “هيلاس” للتعظيم، ومعنى الهلس: الخير الكثير، حيث يأتي المزارعون بمحاصيل جنانهم “الجنان” إلى سوق الهال (باب الجنان: الخيرات الكثيرة)، ويقدمون التقدمات للشمس، ومن أغانيهم “الهيلا الهيلا” .
ومن حلب انطلقت حضارة الهال، هيلان هيلينستية وهي الشمس رمز القوة الإخصابية للأرض، ولكن بعض المستشرقين جعلوا “هيلاس” جدّاً لليونانيين الأوروبيين رغم أنف التاريخ .
وفي كل المدن التي شيدت فيها معابد للشمس، كان سوق “الهال”، فالشمس تساعد على مزيد من التجفيف وزيادة المساحات المزروعة، وأصبحت أعظم الآلهة في جميع البلدان الزراعية.
ويذكر أن السوريين أول من نسبوا الألوهة للشمس والقمر والكواكب، وإن النبت في الشهر السادس الذي يبلغ فيه القيظ ذروته كان يعد شهراً مقدساً مكرساً لهذا الإله، فإن النبت في هذا الشهر يعطي أكله وثمره.