بستان الجرن
رداً على سؤال من صديق عن منطقة بستان الجرن في منطقة العدوي…
بستان الجرن اين يقع؟
ان بستان الجرن لايقع في منطقة العدوي كما سأل الصديق بل هومن بساتين القابون التي كانت تمتد الى ساحة العباسيين، واقول جواباً:
منذ وعي عندما كنا اولاداً صغار وكانت دمشق محاطة بغوطتها كان الناس يخرجون في إثنين الراهب وهو اول ايام الصوم الكبير المقدس الى البراري المحيطة وحكماً يخرج الشوام المسيحيون الى البراري المجاورة، وكان آخر حد للعمران بحارة القصاع هو شرقاً الطريق المار حاليا بجانب سوق الهال (كان سوق الهال وقتها غير موجود وكانت البساتين متصلة بجوبر وبلدات الغوطة الشرقية) وكان يتصل مع طريق القصاع وسكة الترامواي ويتصلان بقرية جوبر( حالياً ما بعد ملعب العباسيين) ثم زملكا فعربين فحرستا فدوما، وكانت ساحة العباسيين حالياً شمالا هي آخر حد لعمران حي القصاع، لم تكن الساحة هكذا اطلاقاً هكذا بل كان مجرد شارع ضيق يصل المحافظات الداخلية والساحلية في سورية وكأنه الشارع الحالي شارع فارس خوري، وكانت
الخضرة متصلة شمال المنطقة، والى الغرب تتصل الخضرة ببساتين العدوي المدعوة (بساتين ابو جرش)، ولم تكن حارة القصور موجودة بعد انما موجود بضعة قصور او فيلات وسط الخضرة لاتزال الى الآن بعد كنيسة سيدة دمشق، والكنيسة هذه كانت فيلا آل الكزبري وسط (بساتين الكزبري) والكزبري عائلة من اقطاعيي دمشق، وكان يتصل بستانها اليانع ببستان يدعى (بستان الجرن) استطيع ان احدد مكان الاتصال بين بساتين الكزبري وبستان الجرن بنقطة كنيسة القديس ميخائيل في كورنيش التجارة، وهذا الكورنيش لم يكن موجوداً او قد شق في منطقة بستان الجرن.
كان معظم مسيحيي القصاع يخرجون يوم اثنين الراهب الى بستان الجرن القريب نسبياً من حارة القصاع السكنية الهانئة والهادئة (التي لم تكن قد حولت الى سوق صاخب مماهب ودب كالسوق الحالي) ويجلسون مفترشين الارض تحت اشجار الجوز والتوت والمشمش والتفاح السكري والاجاص الصغير… وكانت تفصل بين قطع الارض الزراعية دكوك سميكة من الطين المجفف ويربط بينها جميعا طريق عريض ترابي يمر به الفلاحون مع طنابرهم ودوابهم ويصل الى جسر تورا على نهر تورا وهو النهر المار حالياً من الحديقة المتاخمة لكنيسة القديس جاورجيوس في شرق التجارة.
احتفال يوم اثنين تراهب
وفي يوم اثنين الراهب وهو اول ايام الصوم الكبير المقدس، وكان يوم عطلة عند المسيحيين وكلهم يستقبلون اليوم الاول هذا منذ الضحى وطيلة اليوم بفرح واغاني ورقص ودق الدربكة وطبخ المجدرة والسلطات والمخلل والمقالي وعلى نار الحطب ثم يعودون مساء ومباشرة الى الكنائس، واذكر كنيسة الصليب المقدس حيث بعد حضورهم أول صلاة في الصوم اي صلاة النوم الكبرى المعروفة شعبيا بصلاة يارب القوات يخرجون مع المساخر التي كانت جزءاً من تراث عائلتنا ومعظم العائلات القصاعية الأصل، وكان جدي فارس رحمه الله يتنكر بزي زعيم الهنود الحمر بتاج الريش الكبير، وحل محله عمي المرحوم جوزيف وكان كل من ابي جورج وعمي الكبير نقولا وعمي الصغير حنين رحمهم الله يتنكرون بلباس العفاريت الأسود واقنعتهم الحمراء واذيالهم وبيد كل منهم شوكة الحصادين…
وبقية شباب ورجال حارة القصاع كانوا يتنكرون مجسدين كل فئات المجتمع ايضاً كالزبال ابو المقشة والمرابي اليهودي والفلاحين وعنتر وعبلة وغيرهم…وكان يترافق هذا الاحتفال البهيج الذي يجعل قاعدته وعروضه وسط القصاع امام باب المستشفى الافرنسي مقابل مدخل حارة عين الشرش حارتنا، ويمتد من السابعة ليلاً حتى العاشرة ليلاً مع عزف فرقة موسيقية طربية وهناك من يغني ويرقص وترقص… مع لعب السيف والترس من نخبة من قبضايات القصاع منهم الأبركسيا ويوسف جبور وابو ميشيل سعيد…الخ رحمهم الله.
وفي بعض السنوات كان فوجنا الكشفي فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي الدمشقي/ الفوج الثاني يشارك بعرض واستعراض وبالموسيقا في هذا الاحتفال العرس الجماهيري……
وقد الغيت هذه الاحتفالات الرائعة مع مطلع الوحدة 1958 مع الغاء احتفالات الشيعة بعاشوراء التي كانت تتم في الجورة وباب توما وحي اليهود والست رقية… وكان الغاء احتفالات الشيعة هو الاساس وقياساً عليها الغوا بعدها احتفالات الكرنفال للمسيحيين في اثنين الراهب لأن الاحتفالات على قولهم ذات طابع ديني على مبدأ المساواة بين المسلمين باحتفالات عاشوراء وكربلاء… والمسيحيين في احتفالات الكرنفال ببدء الصوم الكبير…
تسمية بستان الجرن
اما السبب في تسمية المنطقة ب(بستان الجرن) فكان ان في وسط البستان وفي الطرق المار بوسطه كان جرن كبير موضوع منذ القدم وضعه الفلاحون واهل الخيرمن بساتين الشام، ويضع فيه الفلاحون وهم ينزلون ثمار بساتينهم من خضار وفواكه من كل شيء من بساتين جوبر والقابون وبرزة وحرستا الى حي القصاع والى سوق الهال في منطقة العمارة.. ويضعون فيه ماتجود به أريحيتهم في رمضان ليأكل منها الفقراء وهذه زكاة عن صومهم يزكون بها للفقراء
هذه من مشاهداتي وحتى عام 1959… بعمر سبع سنوات وما اختزنته ذاكرتي بعد ذلك من مرويات ابي وجدي رحمهم الله، علماً اني وانا في هذا السن كنت مع بقية اولاد العائلة نرافق الكبار الى هذه المنطقة لصيد العصافير فالمشهد امامي يتجلى بمافي ذلك معمل تجفيف العرق سوس وهو على نهر تورا مقابل كنيسة القديس جاورجيوس شرقي التجارة اليوم. اضافة الى مساكب الخضاروسواقي المياه وزقزقة العصافير التي كنت اركض لالتقط من تم اصطياده منها لنعود الى البيت الكبير لتتم عملية نتف العصافير وقليها يوم الاحد مع الغداء او شيها على المنقل مع المشوي ان كانت من عصافير التين المدهنة…
آمل ان اكون قدمت فائدة
سقى الله ذلك الزمن الجميل وكم كانت الشام جميلة وشوارعها وحارتنا حارة القصاع نظيفة وهادئة ومحترمة بكل شيء…
بعكس واقعها الحالي كسوق…
الصورة: عائلة محتفلة باثنين الراهب+ صورة للغوطة وهي من مدونتي بعنوان غوطة دمشق في موقعي…وصور أخرى من ارشيفي…وارشيف ابن عمي رياض جوزيف زيتون