“لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر”
تقيم كنيستنا المقدسة في اليوم التالي لعيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد عيداً جامعاً لوالدة الإله.
في ذلك العيد الجامع نكرم العذراء الطاهرة دائمة البتولية، فقد جاء في النص الإنجيلي في بشارة الرسول متى:
“ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (متى٢٥:١)
بعض الناس يُخطئ عن براءة او عن قصد في تحقير العذراء وانكار طهارتها وبتوليتها الدائمة وخاصة في كنائس أخرى كالبروتستانتية بشيعها وبالأخص الانكليكانية لاتهتم بالعذراء وباستمرار عذريتها بعد ولادتها يسوع وان دامت بتوليتها او لا…! فهي عندهم مجرد امرأة انتهى دورها في عملية الولادة ومنهم من يصفها بدارج الكلام الشعبي :” لمَ نكرمها فقط نكرم المسيح الرب، هي نكرمها مؤقتاً كونها حملت به وانتهى دورها، فما هي إلا كوارة وفرغت”…!
في تفسير هذه الآية ” لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” يزعمون وعند اول حوار عن العذراء بقولهم أن يوسف خطيب والدة الإله مريم أقام علاقة مع والدة الإله كزوجة له بعد ولادتها ليسوع، وانجب منها اولاداً، وبالتالي يكون للرّب يسوع المسيح إخوة في الجسد.
ويبنون زعمهم هذا على كلمتي “حتى” و “بكر”، ويدعمونه بعبارة “إخوة يسوع” التي ترد في الإنجيل.
كلمة حتّى
أوّلًا، لغويًّا
كلمة حتى سَواءٌ في اللغة العربيّة أو في اللغة اليونانيّة التي كُتبت فيها الأناجيل
والرسائل
، ἕως οὗ” لا تعني بالضرورة انتهاء أو توقّف الحالة التي قبلها
فمثلًا: “عيوننا نحو الرّبّ إلهنا حتّى يترأف علينا” (مز٢:١٢٣)
فهل نتوقّف عن طلب الرحمة من الله بعد أن ننالها؟ بالطبع لا…
وفي الكتاب المقدّس أمثلة كثيرة على هذا النحو…
ثانيًّا، لجهة البتولية
تتمسّك الكنيسة ببتوليّة والدة الإله ليس تحقيرًا للزواج، ولاتنظر إلى العلاقة الزوجيّة الطاهرة كأنّها دنسة.
على العكس، الكنيسة تقدّس الزواج وتباركه، وهو سرٌ قائمٌ فيها بحد ذاته. سر مقدس ويتمم بالبركة الكنسية، وهو باكورة عجائب الرّبّ يسوع المسيح كانت في تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل.
وإنّما التمسّك ببتوليّة العذراء، هو شهادةٌ حقيقيّةٌ وصادقةٌ لما كانت عليه مريم إنطلاقًا من رغبتها بتكريس نفسها بالكليّة منذ صغرها، روحًا وجسدًا، لخالقها.
كلمة بكر
البكر هو الولد الأول، وليس من الضرورة أبدًا أن يتبعه إخوة أو أخوات (عدد١٥:١٨).
الخلاصة بعجالة وبدون توسع
عبارة “إخوة يسوع”، لا تعني بالضرورة إخوة في الجسد، فهي في اللغة الساميّة تشير إلى القربى، وحتّى الرفقة، وفي المجتمع اليهودي تنصرف الى الاقارب، وتنصرق هنا الى أبناء يوسف من زواجه سابقاً قبل ترمله، كما تنصرف الى ابناء قريبات ونسيبات العذراء الطاهرة اللواتي كن معها على الدوام وقد عاش يسوع طفولته وصبوته معهم كالاخوة، ورافقوه في تجواله في ارجاء فلسطين، لذا هم يصدق عليهم وصف الاخوة.
ومجرد التفكير ان يوسف الصديق كان شيخاً طاعناً في السن، وهو بعيد كحال كل البشر تقريباً عن موضوع الزواج، عدا عن انه كان ورعاً جداً وخاف عندما شاهد بوادر الحمل بيسوع على العذراء هم بتخليتها سراً، ولما عرف من الملاك ان الحمل هو من الروح القدس وان المولود هو المسيح المنتظر عمانوئيل ، فكيف به ومع كل ورعه ان يقدر ومع كونه شيخاً طاعناً في السن ان يقيم علاقة زوجية مع العذراء علماً ان خطبته منها كانت بمثابة زواج بدون عرس تبيح له شرعاً المعاشرة الزوجية.
فكفى طعناً وتجريحاً بالعذراء أمنا فهي دائمة البتولية قبل الحبل بيسوع، واثناء الحمل، وبعد الولادة بدليل النجوم الثلاث على جبينها وكتفيها في الايقونات رمزاً لبتوليتها الدائمة.
وعلى كل الاحوال فإن العذراء الطاهرة تستطيع الدفاع عن بتوليتها وطهارتها بأفعالها مهما نحن دافعنا بالكلام، وهي مجترحة العجائب والشفيعة الحارة في إيماننا الارثوذكسي القويم.