أطفال بيت لحم الشهداء…
أول الشهداء بالمسيح والمسيحية
تقيم كنيستنا المقدسة الارثوذكسية الرسولية في 29 كانون الاول من كل عام تذكاراً جامعاً لأطفال بيت لحم الشهداء الاربعة عشر الفاً
من هم؟ وماقصة استشهادهم؟
– في ذلك الزمان، أتى إلى مدينة أورشليم مجوس من المشرق الى هيرودس ملك اليهودية قائلين: “أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له” (متى2:2).
هيرودس ملك اليهودية
اضطرب هيرودوس الملك، المعروف بالكبير، واضطربت أورشليم معه. كان الملك مريض النفس، شديد الخوف على ملكه، ظنّاناً ، شكاكاً بأهل بيته وأعوانه، بكل قريب وبعيد، حاسباً الجميع متآمراً عليه. ولم يكن خوفه من دون مبرّر ولو بلغ لديه مبلغ الوسواس. فقد احتسبه اليهود مغتصباً لأنه آدومي من غير جنسهم، رغم أن الآدوميين كانوا قد اقتبلوا اليهودية عنوة كمذهب منذ بعض الوقت (في حدود السنة125ق.م).
كان هيرودوس قد تزوّج عشر نساء فقد أنجبن له ذكوراً كثراً، كلهم اشتهى خلافته، حتى بات القصر مسرحاً لعشرات المؤامرات والفتن.
في هذا الجو الموبوء، المشحون، الحافل بالمؤامرات والمكائد، لجأ هيرودوس إلى التصفية الجسدية، ففتك بأبرز أعضاء مشيخته وبزوجته مريمني وأمِّها الكسندرا وابنيها وورثته وخيرة أصدقائه. وكان مستعداً للتخلّص من أي كان إذا ظنّ أنه طامع بملكه. لهذا السبب كان لخبر المجوس عليه وقع الصاعقة، فاستدعى، للحال، رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح. قبل ذلك كان الجو عابقاً بالحديث عن المسيح الأتي. ولم يكن هيرودوس غريباً عن أحاديث الناس، لاسيما وقد ارتبطت صورة المسيح في الأذهان باسترداد المُلك المغتصب وعودة اليهود إلى الواجهة. لهذا كان هيرودوس معنياً بالأمر بصورة مباشرة.
القصد الخبيث
لما فهم هيرودس أن بيت لحم اليهودية هي المكان المقصود، اصطنع حيلة للقضاء على الصبي، فاستدعى المجوس، سراً، واستعلم منهم منذ كم من الوقت ظهر لهم النجم. لأن هذا كان من المفترض أن يعطيه فكرة عن عمر الصبي. وتظاهر بأنه مثلهم مهتم بالسجود له كما هم يريدون، فأطلقهم إلى بيت لحم ليبحثوا عن الصبي، ومتى وجدوه أن يرجعوا إليه ويخبروه.
خرج المجوس إلى بيت لحم لا يلوون على شيء. لكن كانت للآخذ الحكماء بمكرهم حكاية أخرى معهم. فإن ملاك الرب هداهم، بهيئة نجم، إلى موضع الصبي فسجدوا وقدّموا له هدايا. وإذ همّوا بالعودة إلى بلادهم عن طريق أورشليم، أُوحي إليهم في حلم الليل فانصرفوا في طريق أخرى. أما الصبي وأمه فأخذهما يوسف، بأمر الملاك، وانحدر بهما إلى مصر. انتظر هيرودوس بفارغ الصبر عودة المجوس فلم يعودوا ولا أرسلوا له خبراً بشأن الصبي. ولما طال انتظاره، على غير طائل، تيقّن أنهم سخروا به وخدعوه، فاستبدّ به غضب شديد، وقام فأرسل إلى بيت لحم والتخوم وقتل جميع الصبيان فيها، من عمر سنتين فما دون، على حسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس.
اول الشهداء بالمسيح
هؤلاء هم الشهداء الأوائل الذين ارتقوا باسم يسوع بعد ولادته بالجسد. كم كان عددهم؟ لسنا نعلم. قيل أربعة عشر ألفاً وقيل مائة وأربعاً وأربعين ألفاً (الأقباط). وهذا عدد رمزي، إشارة إلى المائة والأربع والأربعين ألفاً الواردين في سفر الرؤيا. والرقم برأينا مبالغ فيه بكثرة فبيت لحم كانت مجرد بلدة، واكيد ليس فيها هذا العدد الكبير من الاطفال الذكور من عمر سنتين فمادون…
النص الانجيلي
تفرد الانجيلي القديس متّى في بشارته بذكر هذه الحادثة المؤلمة: (مت ٢ : ١٣ – ٢٣) في الاصحاح الثاني…
13- ” بَعْدَمَا انْصَرَفَ الْـمَجُوسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ.15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».16حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ.17حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ:18«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».19فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ20قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ».21فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.22وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ.23وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ:«إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا”.
العهد القديم
- اعتبر متى الإنجيلي الذي أورد خبر أطفال بيت لحم بتفرد دون سائر الإنجيليّين، أن استشهاد الصبيان هي في خط مرثية أرميا النبي القائل: “صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنهم ليسوا بموجودين” (15:31). إرميا كان يتحدث عن القبائل المنتمية إلى راحيل، كأفرام ومنسّى، وهي في طريق السبي إلى آشور، وربما بابل.
نذَّكِّر بأن قبر راحيل كان قريباً من بيت لحم وان إرميا بعدما أشار إلى بكاء راحيل أردف قائلاً: “هكذا قال الرب. امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملك يقول الرب… ويوجد رجاء لآخرتك…” (إرميا31:16-17). ثم أضاف، في الإصحاح عينه: “ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً… أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً… سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم لأني أصفح عن إثمهم…” (إرميا31:31-34). من هنا يبدو استشهاد أطفال بيت لحم رسماً لمعاناة الشعب المعاند لله في كل تاريخه وإيذاناً بتمام وعود الله بأنبيائه في شخص الصبي الالهي يَسوعَ.
الليتورجيا
-نصوصنا الليتورجية الارثوذكسية تقول عنهم إنهم “مقدِّمة للحمل الجديد الذي سيتألم ويُذبح لأجل خلاصنا” (صلاة السحر- قطعة الأبوستيخن الثالثة).
وقد حصلوا ذبيحة أولى لميلاد المسيح الإله الطاهر وقُدِّموا له كعناقيد، وصار لهم أن يتهلّلوا” لأنهم ذُبحوا من أجل المسيح” (صلاة الغروب – ذكصا الأيوستيخن).
وقد قال القديس يوحنا الانجيلي:”انه رأى نفوس هؤلاء الأطفال وهم يصرخون قائلين حتى متى ايها السيد القدوس والحق لاتقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الرض فأعطوا كل واحد مناثياباً بيضاء، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم ايضاً العتيدون أن يُقتلوا مثلهم وقد قيل ان التسبحة التي يسبح بها الاربعة الحيوانات والشيوخ لايعرفها الا المائة والأربعة والأربعون ألفاً هؤلاء الابكار الذين لم يتنجسوا من النساء لأنهم أطهار، وهم مع الرب كل حين، ويمسح كل دمعة من عيونهم.
فطوبى لهم وطوبى للبطون التي حملتهم، شفاعتهم تكون معنا ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين.”
من هنا يبدو استشهاد أطفال بيت لحم رسماً لمعاناة الشعب العبراني المعاند لله في كل تاريخه وإيذاناً بتمام وعود الله بأنبيائه في شخص الصبي الالهي يَسوعَ، الذي عاقبوه على محبته لهم بكل مافعله من الخير له فكانوا كملكهم هيرودس القاتل قتلة فصلبوه “اصلبه …اصلبه… دمه علينا وعلى اولادنا…” ولكنه قام من بين الاموات منتصراً…
وتابع أحفاد القتلة غزاة فلسطين منذ 1948 وحتى الآن في قتل إخوة يسوع الكبار والصغار في سورية والمشرق وفلسطين…
هذا هو حالهم…