مثلث الرحمات المطران بولس بندلي…
أيقونة انطاكية كتبت حديثاً
توطئة
تخوننا الكلمات إن أردنا الحديث عن السيرة الشريفة المتقدسة لهذا الراعي الجليل الذي عرفناه في دمشق وكيلاً بطريركياً خلال ثلاث سنوات وتعلمنا منه جميعنا معنى التواضع والمحبة ونكران الذات والتضحية والجود بمافي جيبه الخاوي في معظم الاحيان لصالح المحتاج والمستورة واليتيم…
السيرة الذاتية
هو قيصر اسكندر بندلي مواليد الميناء بطرابلس 1929 والميناء مع طرابلس والكورة يشكلون ابرشية طرابلس والكورة وتوابعها وهي ابرشية ارثوذكسية تمتع بالغيرة الايمانية على الكنيسة، مر ثلاثة بطاركة من سدتها الاسقفية هم غريغوريوس حداد 1906-1928 والكسندروس طحان1931-1958 وثيوذوسيوس ابو رجيلي 1959-1969 وماهوالا دليل على شدة ايمان ابنائها الارثوذكس وتمسكهم بكنيستهم وبايمانهم القويم، اضافة الى كوادر عظيمة الحضور من مؤسسي ومتابعي حركة الشبيبة الارثوذكسية ولايزالون كان منهم المشهور كوستي بندلي شقيق علمنا…
توفّي والده المرحوم اسكندر عام 1941 وكانوا يومها خمسة أولاد أكبرهم كوستي وهو في السادسة عشر من عمره.
نشأ في بيئة مؤمنة وعائلة مجاهدة ككل ابناء هذه الابرشية الانطاكية العزيزة.
توفي شقيقه الصغير مرسيل عن عمر خمسة وثلاثين عاماً.
دراسته
حصّل علومه الابتدائيّة والمتوسّطة والثانويّة في مدرسة “إخوة المدارس المسيحيّة” أي الفرير.ثم حاز الاجازة الجامعية في الفيزياء.
كان من الذين اجتمعوا مع المطران جورج خضر ابتداءاً من 1944 حين بدأت حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة تنتشر في الميناء بعد عامين على تأسيسها. وكان قيصر يومها في أواخر تحصيله العلمي في المرحلة التكميليّة.
انخرط في العمل النهضويّ في حركة الشبيبة الأرثوذكسية، واضطلع بالعديد من المسؤوليات.
الكهنوت
نتيجة لعشقه للكنيسة وللكهنوت دخل الحياة الكهنوتيّة متأثراً بأجواء النهضة الأنطاكيّة وشرطن شماساً عشية 28 آب 1959 في دير القديس جاورجيوس – دير الحرف
شرطن كاهناً لله العلي في كنيسة القديس جاورجيوس الميناء في 6 أيلول 1959 على يد المطران المطوّب الذكر ايليا كرم مطران جبل لبنان، الذي كان قد شرطنه شماساً أيضاً.
مارس مهنة التعليم المدرسي وهو كاهن في مدرسة مار الياس ثمّ استلم ادارتها عام 1957.
انتسب الى معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في السنة الاولى لتدشينه بيد مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع عام 1971 وحصل على اجازة في اللاهوت عام 1975 بتميز وقد شغل المسؤول الداخلي في المعهد فحاز محبة كل الطلاب والاكليريكيين لصفاته.
في الوقت ذاته خدم كاهناً في ماركبتا ، قارابش ثم رعيّة الميناء في طرابلس.
اسقفيته
في عام 1980 انتخبه المجمع المقدّس أسقفاً،وكيلاً بطريركياً في دمشق خلفاً لسيادة المتروبوليت الياس عودة الذي انتخب متروبوليتاً على ابرشية بيروت وتوابعها ، فخدم إلى جانب غبطة البطريرك أغناطيوس في الصرح البطريركي وكان بمثابة ملاك المحبة في ابرشية دمشق وتوابعها.
ونظراً لفضائله وورعه وتقواه وعظيم اطلاعه ومعارفه فقد انتخب بالاجماع متروبوليتا على ابرشية عكار وتوابعها المترامية الاطراف بقسميها السوري واللبناني خلفاً لراعيها مثلث الرحمات المتروبوليت ابيفانيوس زائد. وكان ذلك في 26 كانون الثاني 1983 دخل ابرشيته بمعية مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس ومطارنة حمص وحماة وحلب واللاذقية وجرى له استقبال عز نظيره حتى ان الجماهير حملت سيارة غبطته وكان معه فيها في مدخل بلدة الحواش واكتسى الوادي الجميل بلافتات الترحيب مبارك الآتي باسم الرب وكان عرساً لدى ابناء هذه الابرشية بعريس ابرشيتهم المطران المغبوط بولس بندلي.
نبذة من ذاكرتي عنه
تقضي الامانة ان نذكر هذا الانسان الملاك عندما تعرفنا عليه في دمشق، لست انا فقط بالرغم من مرافقتي له في الكثير من خدماته الكنسية والاجتماعية (في حال طلب ان أكون برفقته)
لقد تأخرت في الكتابة عنه، وانا اخذت على عاتقي توثيق اعلامنا، ربما ما سأكتبه عنه في شهادتي هنا، يعرفه كثيرون، وقد لايرى فيه كثيرون مجالاً للمديح والاطناب، لكن من عاش مع هذا البار يدرك كم هو بار…
هو الواجب الذي يملي علي توثيقه بحق ذكرى هذا البار، وانا كنت من الموجودين في البطريركية منذ تنصيب مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع اي عام 1970 متطوعاً للخدمة بأي شيء وكوني كنت قائداً للفوج الكشفي الارثوذكسي الدمشقي/ الفوج الثاني جاورجيوس
وبالتالي كانت رغبتي الجامحة اعتناق الكهنوت الشريف وخاصة عند وفاة غبطته وتنصيب البطريرك اغناطيوس الرابع 1979… لذلك كان وجودي مستمراً في البطريركية حتى كان عام 1987 وقتما كلفني مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع بأمانة الوثائق البطريركية والمكتبة. وكنت قبل الظهر في الوظيفة العامة.
ماقصدته بكلامي هو وجودي الدائم تقريباً/ وحتى الآن/ في الصرح البطريركي ومعرفتيبكل نزلاء الصرح البطريركي، فالاكليريكيين جميعهم اصدقاء واخوة ومنهم من ارتقى الى الاخدار السماوية ومنهم اليوم من هو متروبوليتاً و… واعرف دار البطريركية ببنائها القديم ومكاتبها البسيطة… في حين كان فقط البناء الجنوبي مع جزء شرقي وجزءغربي، الذي بناه البطريرك الكسندروس الثالث 1953 وفيه كان مكتب البطريرك واقامته وصالون الاستقبال، وفيها كان مكتبي رفيقي علمنا، مثلثي الرحمات الاسقفين اثناسيوس صليبا (خال المتروبوليت الياس كفوري) رئيساً للديوان البطريركي والاوقاف، وغفرئيل فضول (الذي كان اسقفاً في تشيلي في زمن الازمة الانطاكية والانشقاق الذي انهاه بحكمته مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وتمت تسوية القضية والمصالحة وتسوية اوضاع الاساقفة الذين تمت رسامتهم بمعزل عن موافقة البطريرك الياس والمجمع الانطاكي) كان منهم المطران فضول معاوناً بطريركياً رئيساً للمكتب البطريركي. وكان مكتب كل منهما في البناء الحديث على مقدار من اللياقة.
فيما كان مكتب المطران بولس البار الذي اولي الوكالة البطريركية بكل ثقلها في البناء القديم الجناح الغربي المتداعي …كان مكتباً بسيطاً شكلاً واثاثاً بكل المقاييس واقل من كل مكاتب البطريركية رغم كونه الوكيل البطريركي ويرفض بلباقة وتواضع اي حديث عن ضرورة ان يكون مكتبه لائقاً، “إذ الافضل ان تُخصص النقود لخدمة المحتاجين”، وهو مترفع عن البيروقراطية كأنه يعيش في زمن سابق لعهده او كأنه كاهن او راهب بسيط…
لم يكن المطران بولس بندلي يميز بين احد، بل كان المقام الاكبر عنده للفقير والمحتاج.
كان يبدأ دوامه اليومي الساعة 8 صباحاً بعد ان يدخل الى الكاتدرائية المريمية او كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الساعة 7 صباحاً ليصلي ثم يجتمع والاسقفين مع غبطة البطريرك اغناطيوس يومياً لتبادل المعلومات وتلقي التوجيهات البطريركية، ويعود الى مكتبه، وكان بابه مفتوحاً على الدوام لجميع الناس وبدون شماس او سكرتير لتنسيق المواعيد والزيارات… مستقبلاً الجميع بكل محبة وتواضع وخاصة ذوي الحاجات، ويستمر حتى الساعة11 صباحاً، ثم ينطلق في تجواله الرعائي والاجتماعي لخدمة الناس، ليعود لاستقبال الناس من الساعة 3وحتى آخر الليل، وكم زار بيوت فقراء سراً واعطاهم مابجيبه من نقود قليلة…وخاصة في الاعياد، لم تكن لديه سيارة ولم تكن لديه القدرة على اقتناء سيارة لضعف الموارد فقط كانت ثمة سيارة لغبطته، واخرى للمطران اثناسيوس احضرها معه من اميركا حيث خدم كاهناً قبل انتخابه اسقفاً معاوناً بطريركياً.
وكانت رواتب الاكليروس في البطريركية، وعائدات الخدمات قليلة جداً ذاك الزمن، فيذهب علمنا سيراً على الأقدام الى الطبالة والدويلعة والقصاع، فإن تأخر عن الموعد على غير عادته، كان يستقل سيارة اجرة على الماشي، ولايشعر بحرج ان استقل شاحنة صغيرة سوزوكي ليصل في الموعد… وكان بكل الطريق يسلم بتواضع واحناء الرأس على كل الناس يعرفهم او لايعرفهم، حتى الصغار فيتسابق الناس الى السلام عليه والوقوف معه محاولين تقبيل يمينه وهو يتمنع، وخاصة في الشارع المستقيم من البطريركية الى باب الشرقي، كان هذا المشهد مألوفاً عن هذا البار ويُشعرنا بتواضعه وبشموخه بآن. في وجوده بالشام التي احبته جداً عائلات ورعايا ومؤسسات وبادلها المحبة فقد اعطانا دروساً في التواضع ونكران الذات وكيف يتوجب ان يكون الاكليروس عامة والاساقفة خاصة.
كان يضع المشاركة في خدمة الجناز في أوّل سلّم أولوياته وقبل اي واجب آخروخاصة للفقراء، وكثيراً ماكان يرأس صلوات الجنازات بدون اي تكليف او دعوة، ويعتبر ذلك من واجبات الكهنة، لذا كان يزور المحزونين مقدماً لهم التعزية باسم غبطته وباسمه شخصياً لذلك صار مضرب المثل بحسه الرعائي المتميز.
وكان يذهب مع قاصديه من ذوي الحاجات الى اصحاب القرار في اي موقع كانوا، متوسطاً لتحقيق مطالبهم ويتبناها، بقوله للمسؤول “ان هذا الانسان المحتاج هو ابنكم كما هو ابننا” (وكم قالها لهم امامي) ولذلك كان مصير وساطاته النجاح…
اما لجهة الخلافات الزوجية فكان قد حد منها كثيراً بمحبته ومتابعته بجمعه الزوجين المختلفين في مكتبه مع كاهن الرعية وزيارته المتكررة لهما لأنه كان يقول دوماً “ان ماجمعه الله لايفرقه انسان”.
لم يتأخر للحظة عن اي واجب رعائي مهما كان وفي اي وقت كان حتى ولو في ساعة متأخرة ليلاً.
ذات مرة وقع حادث لأحد الشباب في جوقتنا، وقد صدمته سيارة مسرعة وتأذى كثيراً، وخسر ساعة يده، فقمنا بجمع ثمن ساعة جديدة، فطلب مني ان اذهب معه انا والشباب لعيادته في بيته، وسألني عما يأخذ بيده، فقلت له عن مشروعنا بجمع ثمن ساعة جديدة بديلة، فأجاب على الفور انه هو من سيدفع ثمنها، وطلب مني ارجاع ماجمعناه الى الشباب لكنهم رأوا ان نقدمه لزميلنا للشاب الذي تعطل عن العمل…
الملفت انني من غير ان ينتبه، لاحظت ان لانقود مع المطران بعدما انتحى جانباً وبحث في كل جيوبه بدون نتيجة، لم استغرب ذلك لتكرر هذا الموقف مرات ولم اكن اعلم كيف كان يتدبر المبالغ ويقدمها للناس المحتاجين، ومنهم هذا الشاب الذي كانت فرحته وفرحة اهله ان المطران بولس اتى لعيادته على رأس الجوقة، وقدم له الساعة.
كان راعياً محباً لكل مؤسسات الكنيسة وبخاصة للشباب من كشافة ومدارس الاحد واخويات السيدات ومدارس الآسية ويوحنا الدمشقي والجالية اليونانية، ويتفانى في رعاية انشطتها واجتماعاتها بشكل لم نشهده قبلاً لذلك كان الالم كبيراً على انتقاله مطراناً لأبرشية عكار ولكنه كان موازياً لفرحة الجميع له بتوليه ابرشية مستقلة وخاصة ابرشية عكار المحتاجة لحنانه ورعايته.
بعدما استلم ابرشيته اقمنا مخيم الفوج في اراضي دير مار الياس الريح في الصفصافة اواخر صيف 1983، بعد الحصول على اذن من رئاسة الدير، فبادرت للاتصال بسيادته لأعلمه بذلك كون الدير تابعاً له، ولم استغرب وخاصة انا من يطلب ذلك منه ان اجد ترحيباً كبيراً منه، ورجوته حضور حفلة نار المخيم التي ستكون تحت رعايته بحضور اهالي الاولاد الذين سيحضرون يومها من الشام فوعدني.
في الساعة المحددة وصل سيادته، وجرى له استقبال حافل بالموسيقى من الفوج ومن الاهالي، وفي ختام الحفلة القى كلمة ترحيبية بنا في ديره، وتحدث بحديث روحي اخاذ عن دور الكشافة والشباب في الكنيسة الارثوذكسية، وشكرنا على تخييمنا في هذا الدير وفي ابرشية عكار، وماقمنا به من خدمة عامة في اراضي الدير (كعادتنا في كل مكان نخيم به)، وخصني رحمه الله بالشكروبالبركة واصفاً اياي بالصديق.
الملفت ان سائق سيادته اقسم لي باليمين الحاسمة ان لهما ثلاثة ايام لم يناما والمطران يتنقل من مكان لآخر في عكار بين القسمين السوري واللبناني لتفقد الاحوال والرعاية وانه اصر على تلبية دعوتي بهذه الحفلة معتبراً انها من اصول الرعاية والضيافة…
هذه بعض من شهادتي وخبرتي الشخصية مع مثلث الرحمات المطران بولس ايقونة انطاكية الحديثة.
اعماله في ابرشية عكار
أسّس العديد من المؤسسات والجمعيّات الصحية والاجتماعية منها المدرسة المهنية الأرثوذكسية، ومركز القديس بولس للخدمات الشاملة، ومركز القديس جاورجيوس للخدمات الصحيّة والاجتماعيّة، ولعلّ المشروع الأبرز هو اطلاق المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة عام 1984التي أمست بمدّة قياسيّة الأولى في عكار ومن كبريات مدارس لبنان.
عرفت عكّار في عهده نهضة روحيّة وفكريّة وثقافيّة، وكان مرافقاً لانطلاقة حركة الشبيبة الأرثوذكسية فيها وكان راعياً لها، كما أسّس وأطلق مجالس الرعايا ورافق اجتماعاتها ونظّم أعمالها.
انتقاله الى الأخدار السماوية
انتقل الى رحمة الله الثلاثاء 3 حزيران 2008 رئس خدمة الجنازة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وشارك في تشييعه المطارنة اسبريدون خوري يوحنا يازجي وبولس يازجي وسابا اسبر باسيليوس نصور…وكل الاكليروس في ابرشية عكار وحمل جثمانه الطاهر في نعش مكشوف من قبل الكهنة الى مدفن المطارنة في مطرانية عكارحيث وري الثرى
شهادة احد اصدقائه به هو السيد أنطوان ألفرد حبيب في ذكرى رحيله
“تؤكد شهادتي وخبرتي معه:
لقد عرفته منذ صغري في مدينة الميناء التي ننتمي اليها، وتعمقت معرفتي به عندما أصبح مطراناً لعكار وتوابعها، وكنت آنذاك مديراً عاماً لمؤسسة عصام فارس.
ولا بد لي من تسجيل واقعة حية حصلت معي قبل عدة سنوات، حتى تتكون في أذهاننا ماهية هذا الرجل الكبير الذي كان رمزاً للمحبة والتواضع والايمان، وقد رواها أحد الاصدقاء، جهاد نافع، في احدى الصحف المحلية والتي أذكرها كما يلي:
ألمت وعكة صحية بالمطران بندلي، وشئت ان أعوده في دار المطرانية، دخلت مع صديقي جهاد الى غرفة نومه حيث كان يرتاح، وكان المشهد مفاجئاً لنا.
غرفة نومه عبارة عن سرير حديدي اكل الدهر عليه وشرب، تكاد تتساقط أطرافه، خال من اي مظهر حديث.. يهتز يمنة ويسرة، والى جانب السرير طاولة قديمة جداً صغيرة وضع عليها أدويته وبعض أغراضه الخاصة..
ما عدا ذلك تخلو غرفة النوم من اي اثاث، حتى من السجادة التي تحتاجها اي غرفة نوم في فصل الخريف..
دخلنا.. ورغم مرضه ابى الا ان ينزل عن سريره ليقف مسلّماً بمسحة من خجل رسولي، فكان العجب العجاب.. انه يرتدي ثوب نوم مهلهلاً ممزقاً على جانبيه، وباتت المزق واضحة كأن الثوب الذي يلبسه منذ عهده الاول في الكهنوت..
كان السؤال، فكان الجواب المفحم: “أتريدني ان أصرف من مال المطرانية والكنيسة وهناك من أحوج اليهم مني؟ أنا مرتاح الضمير والنفس، وليس المهم أين أنام وكيف أنام بل المهم ان أخدم الرعية وكل انسان محتاج”.
علماً ان دولة الرئيس عصام فارس، الذي يكن للبنانيين جميعاً، وخصوصاً لأهالي عكار، وبالتحديد للمطران بندلي، محبة مميزة، كان يطلب مني دائماً ان اضع بتصرفه جميع امكانيات مؤسسة فارس حتى يستطيع ان يخدم من خلالها.
وكلمة حق تقال ان المطران بندلي لم يميّز أبداً بين انسان وآخر، وشملت محبته الابوية أبناء الشمال وبالتحديد عكار ومن جميع الطوائف المسيحية والاسلامية.
هكذا عاش المطران بندلي حياته، وهكذا رحل كبيراً، متواضعاً ومحباً الجميع.
سنفتقدك يا “أبونا بولس”، كما أحببتَ دائماً ان أدعوك، عندما كنت في مينائنا العزيزة، وسيفتقدك رجل الكرم والانسانية دولة الرئيس عصام فارس الذي أحبّك وعلّمنا ان نحبك ونخدمك بدون اي منة.”
(انتهت الشهادة)
خاتمة
يامثلث الرحمات…
لن أقتبس شعارات التبجيل والرفعة بحقك وفعلاً تستحق لقب مثلث الرحمات أيّها السيّد العزيز، لأنّك ما آثرت يوماً غير التواضع والمحبة، وعشت على غرار السيدله المجد تنفذ وصية المحبة، ولولاها لما اختارك الروح القدس راعياً لابرشية عكار الخزان الشعبي الارثوذكسي المهمل رعائياً وروحياً ربما لقرون مضت، فكنت انت الزارع والساقي، واليوم بدأ موسم الحصاد فيها من خلال هذه النهضة الروحية التي قمت بها في هذا الوادي الجميل وصافيتا وطرطوس وسهل عكار اللبناني…كنت في جلساتك الروحية معنا ايها البار تذكرنا دوماً بأن:
“المسيح هو الحقّ والحياة… لا يضلّنكم أحدٌ ولا تقهرنّكم ضيقاتٌ أو تجارب… لا مفرّ من كأس الموت حتى نتلذّذ بالحياة الأبديّة… وطبعاً إيماننا باطل إن لم نؤمن بالقيامة…”
سيدنا بولس البار انت كنت اميناً على القليل في كل مكان خَدمته وخاصة في السنوات الثلاث في ابرشية دمشق العطشى الى تعاليمك ياعاشق المسيح، فحملت بمحبّةٍ وصمتٍ صليبنا وصليبك مع المسيح… تألّمت لأتراحنا، كما لم تغفل عن أفراحنا فعمّدتنا وكلّلتنا وانا كنت من المباركين برفع اكليلي بيمينك المقدسة على رأسي ورأس زوجتي فكنا مباركين طيلة هذا العمر على اسم الآب والإبن والروح القدس.
أنت ذاهبٌ اليوم إلى حيث لا يضيع حقٌّ… إلى حيث لا يُهلّل لك إلا مَن الصديقين لحماً ودماً… فادخل إلى فرح السيّد حيث ستكون أميناً على الكثير…
صلِّ لأجلنا ايها البار…
لقد اعتدنا ان يقدم قديسونا دماءهم شهادة نقية لأجل الرب يسوع، ولكن ايضاً ثمة قديسون كثر فعلوا مافعلت انت ولكن الفارق اننا في عصر المادة الاجوف وانت كنت تعيش بالروح النقية التي سحقها الروح القدس فصيرها نقية لانسان قديس هو بولس بندلي…
صل لأجلنا ايها البار المغبوط…
ليكن ذكرك مؤبداً