دير مار الياس شويا البطريركي
حاضرة ارثوذكسيّة روحية تحتضن جثمان مطران غير متحلّل منذ مئات السنين!
تمهيد
دير بطريركي يتبع لبطريرك انطاكية وسائر المشرق وكان يعد مقرا بطريركيا صيفبا لاقامة البطريرك بعد دير البلمند.يعود في تاريخه مابين القرنين الرابع والسادس المسيحيين
موقع الدير
على تلّة مرتفعة في منطقة شويّا المتنية تحكي الحجارة المرصوفة عليها قصّة دير مار الياس شويا البطريركي للروم الارثوذوكس، وهو أشبه بقلعة شامخة تكلّل القمة بالحجر الرملي. استخرجت حجارته من المرتفع المجاور له وهو يبدو للناظر إليه عن بعد كإمتداد طبيعي للمنحدر الجبلي. أصبح هذا الدير مع الزمن محجّة للمؤمنين ويعود الذكر الأقدم له في المخطوطات الى حوالي 800 سنة قبل المسيح من هنا يرجح أن يكون عمر تأسيسه من عمر تلك المخطوطات.
كنيسة ذات رواقين
بين القرن الرابع والسادس تنسّك ثلاثة رهبان على التلّة التي شيّد عليها دير مار الياس شويا فيما بعد، وحفروا في حينها كنيسة الدير القديمة التي لا تشبه باقي الكنائس الارثوذوكسية الموجودة اليوم فمن يقصد ذاك المكان وتلك الكنيسة بالتحديد يلاحظ الشكل الهندسي المميز لها، فهي وللنظرة الأولى تأخذ المؤمن بالذاكرة الى العقود القديمة سواء بالحجر الصخري القديم الذي صممت منه أو بغياب الايقونوسطاس-الجدار الحامل للأيقونات والذي تميزت به الكنائس الارثوذوكسية الحديثة وأخيراً “بالدهاليز” التي تساعد على العبور من غرفة الى أخرى. هنا يشرح الأخ الراهب بولس رزق أن “العلماء أثبتوا أن هذه الكنيسة هي “ذو رِواقين” أي أن هناك كنيسة وكنيسة أخرى بجانبها، وهي تعدّ من أقدم الكنائس في الشرق الأوسط”، لافتا الى أنه “وبعد حرب الإيقونات في القرن السابع ظهر الجدار الحامل لها، ومن هنا يرجّح أن يعود تاريخ إنشاء هذه الكنيسة الى ما بين القرن الرابع والسابع” المسيحيين.
الهروب من الاضطهاد
يشير الأب أنطونيوس عبر “النشرة” الى أن “الرهبان الذين شيّدوا الكنيسة حفروا في نفس الوقت الدهاليز على شكل غرف وكلما مررنا من واحدة الى أخرى تنخفض “عتبة” الباب تدريجيا”، لافتاً الى أن “فترة اضطهاد المسيحيين وهندسة الدهاليز كانت لمنع وصول العثمانيين الى تلك الغرف خصوصا وأنهم كانوا يدخلون على الأحصنة التي لا
تستطيع الركوع للعبور”، ومضيفاً: “السبب الآخر لتشييد الدهاليز بالشكل الذي هي عليه هو السعي للمحافظة على حرارة الغرفة ومنع الرطوبة من الدخول اليها للمحافظة على المزروعات”.
الايقونة العجائبية
يحتوي الدير على قلّة من الإيقونات المتنوعة، وأقدمها الأيقونة العجائبية التي يعود تاريخها الى حوالي 1100 سنة. ولهذه الأيقونة قصة طويلة، يرويها الشماس أراكيلوس، لافتاً الى أنها “كانت موجودة في الدير إبّان فترة احتلال العثمانيين”،
ومشيرا الى أنهم “دخلوا الدير فوجدوا الرهبان يصلون أمامها فقاموا بالتنكيل بها وطعنها بالسيوف ولا تزال آثار تلك الطعنات بارزة عليها حتى اليوم”، مضيفاً: “جرّوا الرهبان الى خارج الدير وربطوا الإيقونة بالأحصنة لتشويهها أكثر ولإقناع الرهبان بأن لا أهمية لها وأن مار الياس لا يستطيع أن يفعل شيئاً وفي النهاية وضعوها في الحديقة وحاولوا حرقها ليقوموا بعدها بذبح الرهبان واحدًا تلو الآخر ورميهم في فجوة تحت الدير حيث لا تزال عظامهم موجودة هناك حتى اليوم”.
جثمان غير متحلّل
كثيرة هي الأمور التي تميّز هذا الدير وتسمح له أن يكون مقصدا للمؤمنين من كل ناحية ومن أهمّها جثمان مطران غير متحلّل ومسجّى في الكنيسة السفلية له وقد اكتُشِف هناك منذ حوالي تسعين سنة وعمره حوالي 350 سنة ويعود لمطران بيروت مكاريوس صدقة. وهنا يلفت الأخ الراهب بولس رزق الى أنه “تم العثور على هذا الجثمان بعد إكتشاف المقبرة الجماعيّة التي تحتوي على عظام الرهبان الذين نَكّل بهم الأتراك”، ويشير الى أن “وصية المطران كانت أن يدفن في دير مار الياس شويا”.
أثر رهباني روسي ارثوذكس
برز أثر رهباني روسيّ قويّ في دير مار إلياس شويّا مع بداية أواخر القرن التاسع عشر، حيث قَدم رهبان روس في ذاك الوقت الى الدير عندما عاد البطريرك غريغوريوس الرابع حدّاد من روسيا في العام 1913 عندما ترأس احتفالات اسرة رومانوف على مرور 300 سنة تملكهم العرش الروسي، بدعوة من القيصر نيقولا الثاني لغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع ، وباذن منه بالتنسيق مع بطريركية موسكو وكل الروسيا بعدما طلبوا الاذن من غبطته ( الوثائق البطريركية) وبقوا فيه ما يقارب خمس سنوات مُدخلين عليه إضافاتٍ وتعديلات عدّة. ويلفت الأب أنطونيوس الى أنهم “شيّدوا مبنى من أربع طوابق الى يمين مدخل الدير: يضمّ كلّ طابق علويّ ثلاث غرف، والطابق الأرضيّ مقسّم إلى إسطبلات وأقبية تستعمل اليوم لتخزين أخشاب الوقود”، ويردف الى أن “الرهبان الروس بنوا مدافئ في جدران الغرف تشتعل بواسطة مواقد صغيرة تعمل على الحطب لا تزال موجودة حتى اليوم”.
يشكّل الدير مركز الحياة الدينية والثقافية في المنطقة، فهو بصموده كل تلك الاعوام يؤكد أن المسيحيّة التي واجهت عدّة أنواع من الاضطهادات والظلم في الماضي تمسّكت بتاريخها وهي لا تزال وستبقى متمسّكة به رغم الصعوبات التي تلحق بالمسيحيين في المنطقة.
ايقونوسطاس الكنيسة
حامل الإيقونات هو حجاب الهيكل الذي انشق عند صلب يسوع المسيح من أعلى إلى أسفل، فصار يُمثل الوحدة بين الله والناس، حيث العالم المادي والروحي يلتقيان.
وبحسب ترتيب الجدار توضع أيقونة المسيح دوماً على يمين الباب الملكي، وعلى شماله أيقونة والدة الإله “قامت الملكة عن يمينك…”، وعن يمين أيقونة المسيح توضع أيقونة يوحنا المعمدان. أمّا بالقرب من أيقونة العذراء التي هي عروس الله والتي تمثل الكنيسة فنرى أيقونة القديس شفيع الكنيسة. وعلى الباب الملكي ترسم أيقونة البشارة التي فيها حصل اتحاد الله بالبشر، أما على البابين الآخرين ترسم أيقونة رئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل وفوق هذه الأيقونات التي عادة ما تكون بمقاس الحجم الطبيعي للإنسان، توجد ثلاثة أو أربعة صفوف من الأيقونات الأصغر حجما وعددها يتوقف على كبر الكنيسة أو صغرها.
أطلق كلمة أيقونة على الرسومات ذات الطابع الروحي التي تعكس حقيقة إلهية، وما عداها فهي لوحات وفنون شعبية، ولقد أوجدتها الكنيسة واضعة لها قواعد للرسم لتكون لقاء مع الخليقة الجديدة، والمسيح هو رأسها.
ولد مكاريوس عبدالله صدقة في 12 نيسان سنة 1730 سيم راهباً في دير سيدة الناطور المريسة في في 23 شباط 1757 وأصبح مطرانا على صور وصيدا في آذار من العام 1762 وفي 18 أيار 1774 انتقل الى أبرشية بيروت، وتوفي في 19 آب 1798 في قرية المحيدثة ودفن في دير مار الياس شويا.