Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

يُدين القرآن اليهودية والمسيحية

$
0
0
يُدين القرآن اليهودية والمسيحية

الكتاب المقدس عند المسلمين … يزعم أن الله مسخ اليهود العصاة قِرَدَةً خَاسِئِينَ (سورة البقرة: ٦٥، سورة الأعراف: ١٦٦) والْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (سورة المائدة: ٦٠). (سبنسر ٢٠١٣)

كثيرًا ما يستخدم المبشرون والأكاديميون والشخصيات الإعلامية الذين يهاجمون الإسلام مصطلحات مثل «الفاشية الإسلامية»، ويقرنونه ﺑ «صراع الحضارات» لإظهار الإسلام دينًا غريبًا أجنبيًّا معاديًّا لليهودية والمسيحية. وأحيانًا ما يُوصف محمد، نبي الإسلام، بأنه عدو «التقليد اليهودي-المسيحي». وفقًا لهذا الرأي، يكون القرآن، الكتاب المقدس الذي يعتقد المسلمون أنه موحًى به من الله من خلال محمد، بالنسبة إلى الكتاب المقدس بمنزلة عدو المسيح بالنسبة إلى المسيح.

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٠٨، كما ذكرنا في الخرافة السابقة، ظهر جون ماكين في لقاء تليفزيوني مع رود بارسلي، المبشر التليفزيوني وراعي كنيسة ورلد هارفست بمدينة كولومبوس، بولاية أوهايو. يفرد بارسلي في كتابه «كفانا صمتًا» (٢٠٠٦) فصلًا بعنوان «الإسلام: مخادعة الله»، يحذر من «الحرب بين الإسلام والحضارة المسيحية»:

لا أعتقد أن بلادنا يمكنها أن تنجز حقًّا غرضها الإلهي حتى نفهم صراعنا التاريخي مع الإسلام … الحقيقة هي أن أمريكا قد أُسِّست جزئيًّا بغرض رؤية هذا الدين الزائف مدمَّرًا، وأنا أعتقد أن ١١ سبتمبر ٢٠٠١ كان دعوة جيلية إلى الأسلحة لا يمكننا تجاهلها بعدُ. (٢٠٠٦: ٩٠)

وفي صيف ٢٠١٠، أعلن القس تيري جونز، راعي «دوف ورلد أوتريتش سنتر» بمدينة جينزفيل، ولاية فلوريدا، أن ١١ سبتمبر ٢٠١٠ سوف يكون «اليوم العالمي لحرق القرآن»؛ فقد ذكر أن إتلاف نسخ من القرآن على الملأ سوف يُظهر احتقار المسيحيين السليم ﻟ «دين الشيطان». وبعد مناشدات من الرئيس باراك أوباما وكثير من القادة الدينيين، ألغى القس جونز الحدث. لكن بعدها بستة أشهر، عقد جونز محاكمة أطلق عليها «القاضي الدولي ويوم القرآن»، منصِّبًا نفسه قاضيًا، مرتديًا رداء القضاة. وكانت التهمة الموجهة للقرآن هي «إثارة العنف»، وبعد ست ساعات، وجدت هيئة المحلَّفين القرآن مذنبًا. ونفذ العقوبة — وهي التدمير حرقًا — القس وين ساب.

تعود هجمات من هذا النوع على القرآن ومحمد إلى زمن سحيق في التاريخ المسيحي؛ فبعد قرن واحد من وفاة محمد عام ٦٣٢، ندد يوحنا الدمشقي، آخر آباء الكنيسة اليونانيين، بمحمد باعتباره نبيًّا زائفًا ومهرطقًا. نشأ يوحنا في دمشق، في سوريا، في ظل حكم المسلمين. ويتناول الجزء الثاني من عمله البارز «ينبوع المعرفة»، بعنوان «بشأن الهرطقة» (تشيس، ١٩٥٨: ١٥٣–١٥٩) معظم الهرطقات في عجالة، إلا أنه يتوقف عند الإسلام فيُفرد له صفحات عديدة. وإذ يُشير إلى المسلمين ﺑ «الإسماعيليين»، يُطلق يوحنا على الإسلام خرافة ونذيرًا بمَقْدِم أعداء المسيح. ويتتبع الجذور القديمة للمسلمين حتى إبراهيم وجاريته هاجر. لكن، بدلًا من أن ينظر إلى هذا النَّسب على أنه صلة تاريخية تؤكد أصالة التقليد، مثلما يفعل المسلمون، يقول يوحنا إنهم كانوا عبدة أصنام، وإن محمدًا كان نبيًّا زائفًا. وبعد وصفه القرآن بأنه مجموعة من «المؤلفات السخيفة»، يسخر يوحنا من إجازة القرآن تعدد الزوجات، والتسرِّي، والطلاق، إلى جانب بعض القصص الغريبة غير الموجودة فعليًّا في القرآن، كما يرفض السورة الثانية من القرآن بأكملها، مشيرًا إلى أنها تعج «بالأمور السخيفة والحمقاء» بقدر أكبر مما يستحق عناء سردها. ثم يُقدم يوحنا زعمًا زائفًا تمامًا بأن الشريعة الإسلامية تشترط ختان النساء، ثم يُعبر عن حنقه من أن المسلمين لا يتعمَّدون، أو يلتزمون بيوم راحة المسيحيين (تشيس، ١٩٥٨).

ومِن ثَمَّ يصف هذا المؤلَّف المسيحي الأصيل الأول عن الإسلام محمدًا بأنه مهرطق فاسق يقول «أمورًا سخيفة وحمقاء»، ورافض للمسيحية. تفاقمت المنافسة السياسية بين الإمبراطوريات المسيحية الأوروبية والإسلامية الشرق أوسطية، مفضية في آخر المطاف إلى سلسلة من الهجمات الأوروبية في الشرق الأوسط، بدءًا من عام ١٠٩٦ — الحروب الصليبية. في سياق هذه الحروب أظهر المسيحيون المسلمين بصورة شيطانية باعتبارهم وثنيين، وازدادت قصص رفض محمد للمسيحية شططًا. وفقًا لواحدة من القصص الشعبية، كان محمد كاردينالًا محبَطًا بشدة لأنه لم يُنتخَب بابا، حتى إنه بدأ حركة الإسلام الجديدة.

قد لا يكون هناك مثال للاقتناع بأن محمدًا كان عدوًّا للمسيحية أفضل على الإطلاق من مثال «الكوميديا الإلهية» لدانتي، التي يعتبرها بعض الناس واحدة من أعظم أعمال الأدب الغربي. يصف المجلد الأول، «الجحيم»، تسع دوائر من الجحيم للخطايا المتعاظمة. يجثم في الخندق التاسع من الدائرة الثامنة «زارعو الشقاق»؛ أي الأشخاص الذين يمزقون نسيج المجتمع. والمثل الرائد هنا هو محمد وابن عمه وصهره علي. ولما كان العقاب في «الجحيم» يناسب الجريمة، فعقوبة محمد وعلي هي أن يمزقهما شيطان بسيف مرارًا وتكرارًا إلى أبد الدهر.
لا حتى برميل مكسور الغطاء أو الحواف يظل فارغًا كالمخلوق الذي رأيته مبقورًا من عنقه إلى مخرجه.
بين ركبتيه تدلت أحشاؤه. وأيضًا رئته وكيس النتن الذي يحوي فضلات البشر.
وبينما أنا أمعن النظر مدَّ يديه فاتحًا بهما صدره وقال لي: انظر كيف أتمزق. انظر إلى مَآلِي أنا محمد! وهذا علي أمامي ينوح مفلوق الرأس من جبينه إلى ذقنه.
كل روح تلمحها هنا، عاشت ناشرة للرذيلة والتفرُّق لذا تراها هنا ممزقة الأجساد.
وخلفنا شيطان يزيننا بهذه الطريقة الوحشية، ويمررنا نحن وكل معذَّبي هذا الوادي تحت سيفه البتار إذا أكملنا دورتنا في درب هذه الآلام. ذاك لأن جراحنا كلما تندمل نعود ثانية نحوه.
(دانتي ٢٠٠٢، الأنشودة ٢٨، ٢٢–٤٢)
على مرِّ القرون، اتسعت الرقعة التي تضم أعداء محمد لتشمل إلى جانب المسيحيين اليهود أيضًا. ونتيجة لذلك انتشرت صور محمد وهو يتعذَّب في الجحيم. وأحد الأمثلة العشوائية المعاصرة لهذا:

ومَن أكبر زراع للشقاق في جحيم دانتي؟ ليس سوى محمد … الذي كان، كما لحظت مرارًا، أكبر كاره ومولِّد للكراهية في التاريخ، «هتلر الناجح» الذي ظل يعلِّم المسلمين على مدار الألف والأربعمائة سنة الماضية أن غير المسلمين جميعهم هم أعداء لله فاسدون يستحقون القتل بجريمة إنكارهم الله ونبيه؛ الرجل الذي شن حرب المسلمين ضد كل البشرية من غير المسلمين التي لا يمكن أن تنتهي ما دام ظل الإسلام موجودًا. («فيو فروم ذي رايت»، على الإنترنت)

ومع هذا، فالواقع أن محمدًا لم ترفضه تعاليم المسيحية ولا اليهودية. كان هناك في القرن السابع في شبه الجزيرة العربية، حيث عاش محمد، تنوع ديني كبير. كان بعض الناس متعددي الآلهة، والبعض يهودًا، والبعض مسيحيين، والبعض صابئين (ديانة توحيدية قديمة)، والبعض كانوا موحدين غير طائفيين. عبد هؤلاء «الأحناف» إلهًا واحدًا — إله إبراهيم — لكنهم لم يُعرِّفوا أنفسهم على أنهم يهود أو مسيحيون أو صابئون. يذكر القرآن كل هذه الجماعات وأنبياءها، ويقدم محمدًا على أنه نبي يدعو الناس إلى تذكُّر تعاليم التوراة والإنجيل واتِّباعها. تعني كلمة «إسلام» «الخضوع»؛ ولله يدعو القرآن كل شخص أن يخضع. وعلى عكس فكرة أن القرآن يرفض اليهود والمسيحيين؛ فإنه يحتضنهم باعتبارهم «أهل الكتاب» الذين تلقَّوا الوحي من الله الواحد الأحد.

يقدم القرآن محمدًا على أنه يواصل ويُنقِّي التقليد الذي بدأه الأب الجليل إبراهيم المذكور في الكتاب المقدس. وهذا هو السبب في تسمية اليهودية والمسيحية والإسلام تقاليد «إبراهيمية». ومثلما بدأ يسوع تبشيره بوصفه مصلحًا في نطاق التقليد الإبراهيمي الذي سُمِّي فيما بعدُ «اليهودية»، وبدأ دينًا إبراهيميًّا جديدًا سُمِّي فيما بعدُ «المسيحية»، هكذا لم يكن محمد يبدأ دينًا جديدًا منفصلًا عن التقاليد الإبراهيمية الأخرى. على النقيض، كان يسعى إلى جعل الناس يَحيَون وفقًا لهذه التقاليد. ما كان ينادي به هو الرسالة الأساسية للكتاب المقدس — لا إله إلا الله، وهو خلق البشر ليفعلوا مشيئته بإقامة مجتمعات عادلة. وفي القرآن، لم يؤمر المسلمون بحماية المساجد وحسب، ولكن أيضًا المعابد والكنائس لأنها يُذكر فيها اسم الله.

لمَّا بدأ محمد دعوته في مكة، موطنه، رأى اليهود والمسيحيين حلفاء طبيعيين. وبعد انتقاله إلى المدينة عام ٦٢٢، وضع «دستور المدينة»، اتفاقًا بين الجماعات الموجودة هناك، ومنها كثير من القبائل اليهودية. كفل هذا الدستور حقوقًا متساوية؛ منها الحرية الدينية، ما دام الجميع يحترمون الدستور. وكانت ضمانات دستور المدينة للحرية الدينية تُستَخدم نموذجًا للحرية الدينية أينما طُبقت الشريعة الإسلامية.

وبينما يُعيد القرآن تأكيد أن التوراة والإنجيل وحي الله، فلديه اختلافات مع بعض التأويلات اليهودية والمسيحية لهذين الكتابين. يرفض القرآن الزعم بأن لليهود علاقة حصرية مع الله، مؤكدًا أن جميع الناس لديهم فرص متساوية للوصول إلى الله. كما يرفض أيضًا الاعتقاد بأن يسوع هو الله وأن الله هو ثالوث من ثلاثة أقانيم. من وجهة نظر القرآن، هذه الادعاءات تخرق فكرة التوحيد. يؤكد القرآن صحة الكتابين المقدَّسَين السابقَين له وأصالتهما، ويدعو الناس ببساطة إلى فهمهما على نحو صحيح والعيش وفقًا لتعاليمهما.

كل الأنبياء مقدَّمون في القرآن باحترام كبير، وخصوصًا عيسى الذي يصفه القرآن بأنه واحد من أعظم الأنبياء، وصانع معجزات، والمسيح. يقول القرآن إن عيسى وُلِد من عذراء، وشفى العُمْي والمرضى، وأحيا الموتى. بل ويذكر أيضًا معجزة لم ترد في الأناجيل — خَلْق طائر من الطين ثم نفْخ الحياة فيه (سورة آل عمران: ٣٩؛ سورة المائدة: ١١٠). وتوجد سورة في القرآن على اسم مريم، أُم يسوع. وهي المرأة الوحيدة المذكورة باسمها في القرآن، ويرد اسمها في القرآن أكثر مما يرد في الأناجيل.

يدعو القرآن الناس كلهم إلى معرفة الله الأحد وتنفيذ إرادة الله إقامةَ مجتمع عادل، ليُنشِئوا في المجتمع المساواة التي يتقاسمها جميع الناس في أعين خالقهم. وهو يزعم أن جميع المؤمنين، سواء اليهود، أو النصارى، أو الصابئون مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة: ٦٢؛ سورة المائدة: ٦٩). إذًا، المهم من وجهة نظر القرآن ليس هوية المرء الدينية، ولكن ما إذا كان المرء يعتقد الحق ويتصرف بالعدل. يقول القرآن بالتحديد إنه ليس كل اليهود ولا النصارى سواءً؛ فالبعض منهم يعتقد ويسلك على نحو صحيح، والبعض الآخر لا يفعل هذا (سورة آل عمران: ١٠٩-١١٠). من ثم فالمسلمون مأمورون بألَّا يجادلوهم. ويستطرد قائلًا: وقولوا لهم: إِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (سورة العنكبوت: ٤٦).

ينتشر على نطاق واسع الاعتقاد بأن القرآن يُدين المسيحية واليهودية لدرجة أن بعض المسلمين يصدقونه. ربما يرجع هذا إلى قراءة نصوص معينة من القرآن خارج السياق. على سبيل المثال، جاءت لحظة في الأيام الأولى للإسلام كان المسيحيون واليهود يسخرون فيها من الإسلام. وعلى الرغم من ذلك، أراد بعض أفراد المجتمع الإسلامي إقامة تحالفات معهم. في هذا السياق نصح القرآن المسلمين بألا يتخذوا هؤلاء اليهود والنصارى أولياء (سورة المائدة: ٥١). هناك أيضًا نص عن بعض أفراد المجتمعات الذين سبق أن تلقَّوا الوحي في الماضي ولكن ارتدُّوا عنه، و«كعقاب»، و«عبرة» للآخرين، حوَّلهم الله إلى قِرَدَة (أو قِرَدة وخنازير في إحدى الإشارات) (سورة المائدة: ٥٩-٦٠، سورة البقرة: ٦٣–٦٥، سورة الأعراف: ١٦٦).

لكن آيات أخرى تبيِّن أن القرآن لا يُدين اليهود والمسيحيين كافة. في حقيقة الأمر، يؤكد القرآن أن اليهود والنصارى لَيْسُوا سَوَاءً. بعضهم صالحون؛ ولذا فليس هناك ما يمنع مُوادَّتهم (سورة آل عمران: ١١٣-١١٤، سورة آل عمران ١٩٩). إن القرآن شديد الوضوح في قبوله التنوع الديني. بل يخلص في الواقع إلى أن التنوع الديني جزء من التدبير الإلهي:

لِكُلٍّ [المجتمعات الدينية] جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [للممارسة] وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الكتب المقدسة الثلاثة] فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. (سورة المائدة: ٤٨؛ قارن بسورة هود: ١١٨)

المراجع
قراءات إضافية
  • Reeves, M. (2003) Muhammad in Europe: A Thousand Years of Western Myth-Making, New York University Press, New York.
  • Sonn, T. (2010) Islam: A Brief History, second edition, John Wiley & Sons, Ltd, Chichester.
  • Tolan, J. (2002) The Saracens: Islam in the Medieval European Imagination, Columbia University Press, New York.
مؤسسة هنداوي

Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles