تراجيديا المرأة … تراجيديا الاسلام
نبيه البرجي
الى جانب بعض المصطلحات الشائعة حول تأويل النص القرآني (التأويل الدموي , التأويل الميكانيكي , التأويل القبلي …) , نحاول ـ ربما عن جهل ـ استحداث مصطلح آخر لتوصيف الحالة الراهنة “التأويل التوتاليتاري للنص”بعدما بدا أن الايديولوجيات تحولت الى أديان في القرن العشرين , وأن الأديان تحولت الى ايديولوجيات في القرن الحادي والعشرين .
كل ديكتانور لديه فقهاء غب الطلب لتبرير صلاحياته الالهية باعتبار أن الرعايا مخلوقاته هو لا مخلوقات الله . كل يجتهد على هواه . حتى في المسيحية أزمة لاهوتية . في خلاصة لكرّاس دوري تصدره “اللوموند” الفرنسية (Le Monde des religions ) أن الدين بات تفسير الدين . ما يقوله البشر لا ما يقوله الله …
ماذا تفعل “طالبان” بالمرأة , بل ماذا تفعل بالاسلام ؟ اسلام ما قبل الاسلام , اسلام ما دون الاسلام . امام أحد المساجد التابعة لـ”الاخوان المسلمين” لاحظ أن “الله أمر بمعاقبة المرأة حتى يوم القيامة” . حجته أن حواء أغوت آدم فكان الهبوط من الجنة الى الأرض , “… ولو أخذتنا باغواء المرأة لهبطنا من الأرض الى الجحيم” !
المرأة للغواية . ألهذا شعار السلطة في أفغانستان , وفي أمكنة أخرى أيضاً ؟ “يا كور ياقور” . اما البيت أو القبر . حيث يحظر على الفتيات الدخول الى الجامعات . هنا لا منزلة بين المنزلتين . اما أن تكون الليدي غاغا بمفاتنها الصارخة أو تكون خيرية صابر , زوجة بن لادن , حيث العودة الاحتفالية الى ثقافة الكهوف . النقاب قبراً …
جاك بيرك , المستشرق الفرنسي , الذي كتب بلغة التعاطف (التعاطف العقلاني) مع الاسلام , رأى أن أحد الأسباب الجوهرية لتخلف الدول , والمجتعات , الاسلامية تحويل المنزل , بالأبواب المقفلة , وبالنوافذ المقفلة , الى زنزانة . الرجل من يمسك بحبل المشنقة . ما على المرأة الا أت تكون الخليلة ليلاً القهرمانة نهاراً .
معاناة المرأة لم تقتصر على المجتمعات الاسلامية . الأميركية لم تحصل على حق الاقتراع الا عام 1920 , أي بعد نحو قرن ونصف من النضال والقهر . البريطانية عام 1948 , الفرنسية عام 1944 . أما أول امراة حظيت بحق الاقتراع والترشح فكانت النيوزلندية (1893 ) . عربياً , اللبنانية عام 1952 , والسورية عام 1953 . الحق في الاقتراع أم الحق في الحياة؟
ثمة بلدان اسلامية وصلت فيه المرأة الى أعلى المراتب . تانسو شيلر , رئيسة للوزراء في تركيا , وان على أرضية أتاتوركية . بنظير بوتو في باكستان وقد انتهت اغتيالاً . الهندوس كانت لهم انديرا غاندي , في الهند , والبوذيون سيريموفا بندرانايكا في سريلانكا . في أوروبا , المسألة باتت عادية . المراة الملكة , والمراة رئيسة الوزراء .
لكننا لم نر أي امرأة رئيسة للولايات المتحدة , بعدما كانت هيلاري كلينون قد لامست أسوار البيت الأبيض في المواجهة مع دونالد ترامب . كذلك في فرنسا . كثيرات دخلن الى الماتينيون (مقر رئاسة الحكومة) ما لم يحدث , قطعاً , في الاليزيه , وان حققت مارين لوبن خطوات هامة في الطريق اليه أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
لا تظنوا أن “طالبان” فقط تئد البنات وهنّ على قيد الحياة في بلد تباع القاصرات في السوق ببضعة مئات من الدولارات , ليتمكن الأب من تأمين القوت لبقية أولاده .
المرأة العربية لا تزال تحت الحصار في أكثر من بلد عربي . لا رئيسة للجمهورية , ولا رئيسة للحكومة , ولاحتى … ملكة . نظرة فوقية الى المرأة التي عرفناها في زنوبيا , وفي كليوباتره , وحتى في ليلى (قيس) وبثينة (جميل) وعزة (كثيّر) .
تراجيديا المرأة انعكاس بانورامي لتراجيديا الاسلام الذي يخضع للنزوات النرجسية لأصحاب الايديولوجيات الميتة والأدمغة الميتة , دون أن يعني ذلك التخلي عن القيم التي تكرس انسايتنا , ولا تضعها في سوق النخاسة .
ولكن أليس الرجل أيضاً ضحية تلك التوتاليتاريات التي تشد عقارب الساعة الى الوراء , وان كان علينا الاقرار بالاختلاف في التشكيل البيولوجي لكل من الرجل والمرأة التي تبقى , وعبر الأزمنة , ملكة القصيدة وحتى … ملكة الاسطورة ؟
لا الرجال , ولا النساء , يمكن أن يكونوا الألواح الخشبية في مستودعات الأنظمة . حتى الألواح الخشبية تصرخ .