Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

ميليغر الشاعر وغدارا ( 140 ـ 60 ق. م) او الشاعرالسوري –الهلنستي ميليغر، أو ميلياغروس

$
0
0
ميليغر الشاعر وغدارا( 140 ـ 60 ق. م)  او الشاعرالسوري – الهلنستي ميليغر، أو ميلياغروس
ميليغر الشاعر وغدارا( 140 ـ 60 ق. م) د. احمد غسان سبانو
بعد فتح الاسكندر المقدوني لسورية بدأت الجاليات اليونانية تظهر في المنطقة، وعندما استقر احد قادة الاسكندر سلوقس بسورية وأسس الدولة السلوقية وأصبح ملكها، وجدَ في سورية شعباً صقلته الحضارات التي عاشها وتسلسلت لديه منذ أن وجد الإنسان وقد سار على نهج الاسكندر في هلينة الشعوب وصقلها بالثقافة اليونانة اعتماداً على نظرية معلمه الفيلسوف سقراط بأمبراطورية عالمية واحدة تسودها الثقافة اليونانية، فأقام سلوقس المدن الجديدة اللاذقية وأفاميا وأنطاكية… التي أسكن فيها السكان الأصليين ومعهم حاميات يونانية وبعض من الميديين والفرس والعيلامين.
وأخذ الفينيقيون والآراميون… من الحضارة اليونانية والفارسية لتمتزجا معاً مشكلة فترة تاريخية صعبة سميت بالفترة الهلنستية أو الحضارة الهلنستيه.
اصطبغت تلك الحضارة أو الفترة بالطابع اليوناني في كل شيء. فكانت اللغة الرسمية هي اليونانية أما لغة الخطاب فبقيت الآرامية والفينيقية، وقد انتشرت اليونانية بسرعة في سورية على عادة أهل البلاد بتعلمهم اللغات الأخرى بسرعة ويسر وسهولة.
وقد استمرت هذه الفترة لما بعد انتصار روما وضم الامبراطورية السلوقية وبقيت اليونانية لغة الكتابة والأدب والعلم حتى دخول المسلمين للبلاد،  في الامبراطورية الرومانية الشاسعة لم تكن اللغة اللاتينية سوى لغة القانون فقط ولدينا مدرسة بيروت الحقوقية الشهيرة واللغة الدراجة لدى القطعات العسكرية والمنشآت الرسمية، بينما بقيت السيادة للغة اليونانية في الثقافة والادارة.
وقد صبغت اليونانية ثقافة العصر وأمتد تأثيرها حتى على أسماء الأشخاص والمدن سواء المدن القديمة أو المحدثة، فكانت الأسماء اليونانية منتشرة مثل الاسكندر، وبيرنيس، وزينون، وديونيسوس، وبطليموس، وفيليبوس، وأفلاطون وغيرها..
وكذلك تم  تحويل الأسماء المحلية إلى صيغة يونانية مثل ملكوا ومالك التي تحول إلى مالغوس، ومثالنا على ذلك مالخوس الذي حول اسمه أخيراً إلى فرفريوس وهو الفيلسوف الشهير، وأخذت المدن القديمة باسمها المعروف لدى الإغريق فكانت تير تعني صور، عيدون لصيدا، بيوتيوس لبيروت، وشيوز عرفت باسم لاويسا، وبالميرا لتدمر وحماة إيطاليا، نسبة إلى اسم أنطيوخس الرابع أبينان وهكذا.
أما المدن الجديدة فقد أخذت الأسماء اليونانية مثل أفاميا وإسكندرونه وأريسا ونعييبس (نعيين).
وقد تابع التعليم انتشاره في كل أنحاء القطر فكانت المدارس الابتدائية والثانوية تنتشر في كل المناطق وظهرت جامعات كبيرة عالمية ولعل أهمها جامعة صور وإنطاكية وكبادوكيا، ثم ظهرت أخيراً مدرسة بيروت للحقوق.
إلا أن صفة الحكم اليوناني للمنطقة وانتشار اليونانية لا يعني أن اليونان  قد أخلوا السكان الأصليين وسكنوا بدلاً عنهم مع أن تتبع هجرة اليونان إلى المنطقة تظهر مقدار قلة عددهم وقلة انتشار في البلاد.
ورغم ذلك فقد أرغمنا على اعتبار الحضارة والعلوم في ذاك العصر على أنه يوناني أو من إنتاج اليونانيين (أو الرومان)، يضاف عامل آخر على ذلك هو كثرة انتقال الناس وعلى الأخص الأدباء والشعراء إلى سائر العالم اليوناني أو الروماني مما ضيع اصلهم وافقد صلتهم مع وطنهم الأصلي.
كذلك وجود التزاوح بين السكان المحليين مع الجالية اليونانية أو الرومانية ووجود عنصر جديد يسود فيه العنصر المحلي، من ذلك وجب إعادة النظر في تدوين تاريخ تلك الفترة وإعادة الحق إلى نصابه لإنصاف حضارتنا الضائعة وتراثنا المفقود وإعادة نسبه إلى الأصل.
في هذه الفترة نشأ في مدينة جدوه أو جداوا أو (غدره) وهي حالياً (غدره) على ضفاف نهر اليرموك طائفة من الشعراء والفلاسفة الذين بلغوا شأناً كبيراً، وحصلوا شهرة عالمية أدت إلى إطلاق اسم أثينا على بلدتهم، فعرفت في تلك الفترة باسم «أثينا سورية» وهي تقع على بعد (5 أميال) (8كم) جنوب شرق طبرية.
وقد وصفها المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأنها مدينة عظيمة، ووصفها المؤرخ أوسابيوس بأنها واقعة شرق الأردن مقابل طبرية، وتمتاز جداوا بموقع جغرافي عظيم هيأها لتكون حديقة تجارية ذات فن وترف، وقد احتلها أنتيوخوس الثالث السلوقي عام 218 ق. م واحتلها اليهود بين عامي 103 ـ 67 ق.م ثم احتلها الرومان عام 63 ق.م، ومن ثم اعتبرت من المدن العشرة التي ترتبط فيما بينها بروابط ومعاهدات ميزتها عن سواها من المدن وهي بالأصل كان قد وصلها السيد المسيح في تجواله واختارمنها بعض تلاميذه من صيادي السمك، وكان يطلق على هذه المدن العشرة اسم «المدن اليونانية الحرة»، إلا أنها فقدت حريتها عندما أعطاها الإمبراطور أوغوسطوس تقدمة للملك هيرود، وحوالي عام 325م أصبحت غداوا مركزاً مسيحياً مهماً جداً. وقد أهملت المدينة وخاضت الحروب فتهدمت، وعندما وصلها المسلمون كانت غداوا أطلال وأثار لذلك لم يرد ذكرها في المصادر الإسلامية.
وقد ورد ذكر جداوا في الكتاب المقدس في إنجيل متى 8/28 ـ 34، وإنجيل مرقس 5/1 ـ 20 وإنجيل لوقا 8/26 ـ 39 وذلك باسم  كورة الجرجسيين، وزراها السيد المسيح كما اسلفنا عدة مرات وفيها حدثت معجزة شفاء الذي به شياطين كثيرة، فشفاه ودخلت الشياطين في قطيع خنازير القى نفسه من الاعلى الى طبريا حيث مات كله، وفي هذه المدينة كانت أول انطلاقة قام بها السيد المسيح خارج إطار اليهودية،
وفي غدارا مياه معدنية حلوة وما تزال تحوي أثاراً رومانية إلى الآن، وهي مركز منطقة تدعى جورجيسيون، وقد اشتهرت غدارا بمدارسها وأساتذتها ومؤلفيها وشعرائها وفلاسفتها ومسارحها التي كانت صدى ذكريات المسرحيات اليونانية القديمة.
ونخص بالذكر في هذا البحث ثلاثة من شعرائها وهم
الشاعر هجاء الجريء مينبوس وقد لمع أسمه حوالي عام 280 ق.م وكان بالأصل عبداً ثم اصبح بعد ذلك من معتنقي المدرسة الفلسفية، ويعتبر مينبوس فيلسوفاً فكاهياً كان يكتب بلهجة تهكمية تمتاز أحياناً بإيراد مقاطع شعرية تشبه «المقامات العربية» وقد عالج في شعره حماقات البشر وخاصة الفلاسفة منهم، وقد دعي باسم أبو الأدب الرخيص.
ويعتقد مينبوس أن كل شيء عدا الحياة الصالحة باطل، وقد كان مثالاً احتواه لوسيليوس وفارو، وهوارس، ومن تلاميذه أيضاً ميلياغر.
ملياغروس أو ميلياغر أو ميليغو بن أيوكزاتس وهم أعظم شعراء غدارا وأعظم شعراء اليونانية خلال القرن الأول والثاني قبل الميلاد، وكان فيلسوفاً من أبتاع المدرسة الكلبية وقد لقب بـ «اكريون زمانه»
ولد في غدارا عام 140 ق.م من أب يوناني وأم سورية وقد كان يتكلم الآرامية الفلسطينية وعرف الفينيقية أثناء دراسته في صور إضافة إلى اليونانية لغة والده وهي لغة الدولة الرسمية، ولغة الأدب والعلم في ذاك العصر.
أخذ علومه الابتدائية والثانوية في غدارا، وقد تتلمذ على يد أستاذه مينبوس كما يقول في شعره ثم سافر إلى صور حيث تابع دراسته العليا عام 120 ق. م وكان في حوالي العشرين من عمره، وفي صور عاش حياة الدعة والرفاهية فكان يعشق الكثير ويقضي أوقاتا بالشراب والغناء والرقص والملذات، بعد ذلك سافر إلى جزيرة كوس ليتكسب بعيشه حيث تتفتح الآفاق أمامه هناك وقد كان موضع سخرية واستهزاء من أقوامه وحساده لكونه سورياً، إذا كانوا يعيرونه بذلك وقد رد عليهم بقصيدة شرح فيها حياته بأبسط المعاني وأدقها وأقلها وبنفس الوقت أعظمها وفيها تظهر نزعته الإنسانية والعالمية إذ يقول: «أن جزيرة صور هي مربيتي، إلا أن وطني الذي أنتجني هو مقاطعة الاتيك التي أنشأت مدينة غدارا في سورية، لقد انبعثت عن يوكواتس أنا ميليخو (اي مليكواو مالك )  سرت بجانب هوائس مينبوس بمساعدة آلهة الشعر، فإذا كنت سورياً فليس في ذلك غرابة، أيها الغريب أنني لست أجنبياً لأننا نعيش جميعاً في وطن واحد هو العالم، وشيء واحد أنبت كل البشر».
امتاز شعر ميلياغو بالقوة في التعبير والدقة في الوصف والمقدرة الفنية، وكان يكتب النثر أيضاً، وله فيه رسالة تدعى «رسالة عن الحور»، وقد استخدم فيها أسلوب مينبوس النثري ذو المقاطع الشعرية مستخدماً السخرية والحكمة فيها بأن واحد.
لقد كان ميليافر شاعراً غزلياً من الطراز الأول وهّجّاء مراً وأسلوبه اليوناني جيد بالرغم من أنه يتكلف أحياناً، وقد اشتهر بنزواته الغرامية وبفطنته وسفسطته، وكان شعره مشهوراً حتى كان له حسادٌ كثيرون نتبينهم من لهجة خطابه وصياغة شعره، حتى أنه كان من المألوف أخذ مقاطع من شعره لكتابتها على شواهد القبور وإحدى هذه القطع.
«سر بهدوء أيها الغريب فالرجل المسن ينام بين الموتى الأنقياء يلفه النوم الذي هو نصيب الجميع هذا هو ميلغو بن أيوكراتس الذي قرن آلهة الحب الدامعة العذبة وآلهة الشعر مع العرائس لقد ربته صور التي ولدتها السماء وتراب جدرة المقدس حتى بلغ اشده ورعت كوس المحبوبة من الميروبس شيخوخته، فإذا كنت سورياً فأقول لك السلام، وإذا كنت فينيقياً أقول لك نايديوس وإذا كنت يونانياً أقول لك «أي السلام» وقل أنت نفس القول.
ومن قصائده الغزلية
«ما أحلى ابتسام الكأس الحبيب، بعد أن مسها فم زنوفيلا الجميل، وما أسعدني إذا وضعت شفتيها الورديتين على شفتي، وعبت روحي عبا في عناق طويل».
ومما قاله متغزلاً بحبيبته (هليودورا) التي أحبها في صور قائلاً:
سأجدل البنفسج الأبيض والآس الأخضر.
سأجدل النرجس والزنبق اللامع..
سأجدل الزعفران الحلو والسنبل البرى الأزرق.
سأجدل آخر الأمر الورد رمز الحب الأكيد.
حتى يتألف منها جميعاً تاج من الجمال.
خليق بأن يزين غدائر هوليودور الحلوة.
والآن وقد اختطفها الموت وثوت الثرى زهوتها الناضرة.
فإني أتوسل إليك يا أمنا الأرض أن تكوني رحيمة.
حتى تضميها إلى صدرك..
ونرى من مطالعة هذه القصيدة رفعة شعر ميلغر وعذوبة كلماته وجمال صوره، وتتحرى حرفة الحب لديه وفاجعته الأليمة وتتحسس صدق عاطفته وإخلاصه، وخوفه على محبوبته حتى بعد أن ضمها القبر فنراه يتوسل إلى الأرض أن تكون رحيمة حين تضم حبيبته إلى صدرها وهو يتخيلها أم حقيقية تضم أولادها بحنو إلى صدرها الدافىء.
إلا أن ما خلد ذكر ميلغو وأعطاه هذه الشهرة الواسعة هو فكرة خطرت له في جزيرة كوس إذ جمع ديواناً شعرياً سماه الإكليل أو التاج« » وقد ضم فيه مختارات من خيرة أشعاره الكتاب الأوائل وحتى زمنه، فجمع نحو خمسين شاعراً من الأوائل حتى معاصريه مختاراً منهم نحو /130/ قصيدة وذلك اعتباراً م سابقو، وأكثر القصائد أن لم يكن جميعها في الرثاء، وقد شبه كل منها في شعر من عنده بزهرة جميلة أو شجرة أنيقة وقد قارن كل قصيدة في المقدمة بزهرة فكان الكل باقة كاملة يقدمها إلى حبيبته هيليودورا.
ومن أبيات هذه المجموعة ما يحي ذكرى الموتى من عظماء الرجال أو يخلد ذكرى تماثيل مشهورة أو أقارب فارقوا الحياة وقدم نعوات ذاتية منها مثلاً كتبت امرأة ماتت وهي تلد ثلاثة أطفال معاً مودعة الحياة قائلة: «وبعد هذا فلتطلب النساء الأبناء» ومن مختاراته ما هو موجه للأطباء والنساء السليطات ومجهزي الموتى للدفن ومعلمي الأموات وهي كالسهام الموجهة إلى صدورهم وإلى صدر بخيل نائم أفاق من إغفاءته عندما شم رائحة فلس، أو النحوي الذي ظهر له حفيد ذكر ثم أنثى ثم أنثى وذكر معاً «خنثى» ويقدم صورة ملاكم محترف يترك الملاكمة ليتزوج فتقوم زوجته بكيل الكلمات له بأكثر مما كان يلاقيه في حلبة الملاكمة.
ويقدم صورة «اليس» المرأة التي رمت مرآتها بعيداً بعد أن أصبحت المرأة العديمة الفائدة لأنها لا تظهرها الصورة التي كانت عليها من قبل ومقطوعة تمجد اثر النبيذ في توسيع شرايين الإنسان.
وهو باختصار يقدم ماورد في الأدب في ذلك العصر عن آلام العاشقين وسواهم ويقدم صور عن الحياة الاجتماعية في ذاك العصر، إلا أن التاج هذا لم يبق على حاله كما وكأنه دونه ميلغير فقد ضم غليه الكثير من الأشعار حتى صار يربوا على أربعمائة قصيدة معظمها يمتدح جمال النساء والغلمان ويتغنى بنشوة الحب الموجعة.
فتصف إحدى القصائد الموضوعة باقة من سبعة أولاد من صور شبيههم بالزنبقة الجميلة والبنفسجة البيضاء والوردة والكرمة والبرعم والزعفران ذي الضفائر الذهبية وغصن الزعتر وغصن الزيتون الدائم الإخضرار وقد قدم آله الحب هذه الباقة إلى أفروديت.
كذلك ضم إلى التاج بعض الأشعار المسيحية هي توكيدات ليوم البعث والحساب وقد ضم إكليل «تاج» ميليغو في القرن السادس الميلادي إلى ديوان شعر كله تغزل في الكلمات جمعه استرابون السرديني (50 ق.م) وضمت إليه فيما بعد مقطوعات أخرى معظمها من اشعار المسيحيين، وأخذ ديوان الشعر اليوناني شكله الذي هو عليه الآن في القسطنطينية حوالي عام 920 م كذلك ضمت حوالي ثلاثين قصيدة من شعر فيلوديوس في مجموعة التاج وأشرف عليها فيليبوس أمالونيكي حوالي عام 40 ق. م.
صحيح أن مجموعة ميليغر لم تكن الأولى من نوعها في العالم فقد سبقتها محاولات ناقصة جداً أو غير مجدية، ومن الإكليل نشأت دواوين الشعر اليوناني، وفي الإكليل نجد أن المقطوعات قد لفتت النظر كثيراً وكانت النموذج الذي اقتدى في المجموعات المتأخرة ولا سيما المجموعتين الشهيرتين اللتين قام بجمعهما قسطنطين كينالوس «الذي ازدهر عام 917» وماكسيموس بالانواديس في عام 1301 وهما عمل عظيم على أية حال.
لقد وصف جورج سارتون بكتاب تاريخ العلم جزء /6/ صفحة /81/ ميليغر بأنه كان أعظم شعراء القرن الأول والثاني قبل الميلاد إذا ما قورنوا بداً أصغرهم وكبر ميليغر.
وقال عنه د. سليم عادل عبد الحق في كتابه روما والشرق الروماني صفحة /482/ «كان شاعراً هجاءاً لعبقريته مضاء صخور اليرموك البازلتية وقد ملك التعبير في نوع المقطوعات وصور بأشعار خالدة عواطف حية ورغبات ممتازة ودمعات مراقة».
ووصفه فيليب حتي في تاريخ سورية ولبنان وفلسطين جزء /1/ صفحة /286/ بأنه «أكثر الشعراء طرافة في عصر غير شعري»
وقد أجمع كل من كتب عنه وكذلك لاروس وموسوعة أريكانا وقاموس الأسماء والأعلام الرومانية واليونانية على أنه مؤسس علم الإنتولوجيا وكان الرائد في ذلك.
توفي ميليغر وهو شيخ في حوالي عام (70 أو 60) ق.م.
ومن شعراء غدارا أيضاً: فيلوديمس الذي ولد في أوائل القرن الأول قبل الميلاد في جدره، ثم انتقل إلى روما في عهد شيشرون الذي مدحه لحماسه وقال عنه: «أن ثقافته في الفلسفة والآداب لكبيرة جداً». وكان تلميذ زينون وقد ترك كتباً مختلفة في المنطق والخطابة والشهر والموسيقى والأخلاق وقد انتشر نشره في كل مكان، ووجد بعض من آثاره في حفريات هوكولاتوم.
قصائده في مجموعة التاج في طبقتها الثانية وعددها حوالي /30/ والتي أشرف عليها فيليبوس السالونيكي (حوالي 40 بعد الميلاد).
ومن شعره
«لقد وقعت في حب ديموس بانوس، وليس مايدهش في ذلك، ثم أحببت ديموس ساموس ولم يكن ذلك أمراً كثير الأهمية وللمرة الثالثة أحببت ديموس ناكسوس ولم تعد القضية مجرد نكتة، وفي المرة الرابعة أحببت ديموس أورغوس، ويبدوا أن الأقدار ذاتها قد اسمتني فيلوديمي (محب الناس) لأنني أشعر دائماً برغبة ملحة لشخص باسم (ديمو).
ويقول متغزلاً بمحبوبته زينثو:
«ياذات الخدين الأبيضين كلون الشمع، والصدر الناعم ذي العطر الشجي، والعينين اللتين تعشش فيهما ربات الفن، والشفتين الحلوتين اللتين تفيضان بإكمال اللذات… غني لي أغنيات يازينثو ياذات الوجه الشاحب غني… ما أشرع ما تتقطع الموسيقى، أعيدي النغمة الحلوة الحزينة مرة بعد مرة، ومس الوتر بأصابعك العطرة، يابهجة الحب، يازينثو الشاحب غني»…
بتصرف واضافات كثيرة
ميليغر الشاعر وغدارا ( 140 ـ 60 ق. م)  او الشاعرالسوري - الهلنستي ميليغر، أو ميلياغروس
ميليغر الشاعر وغدارا ( 140 ـ 60 ق. م) او الشاعرالسوري – الهلنستي ميليغر، أو ميلياغروس

ميلياغروس… لكلّ شاعرٍ اسم زهرة

أ.تيسير خلف

ترك الشاعر السوري – الهلنستي ميليغر، أو ميلياغروس، في ثنايا قصائده، نُبذاً من سيرته الشخصية، وبعضاً من معتقداته 

الفلسقية التي تمثّلها من ابن مدينته مينيبوس، أحد أكثر المؤثّرين في الفلسفة الكلبية ذات النزعة المغرقة في إنسانيتها وتشاؤمها، وأرسل رسائل بليغة حول هويته السورية، ولكن مغلّفةً بنزعة أُممية تتكامل مع أفكاره الرافضة لسلطة  المجتمع وأعرافه وقيمه.
 
وُلد ميليغر حوالي عام 140 قبل الميلاد في جدارا، وهي مدينة تشرف من سفح جبل على بحيرة طبريا، وتقع حالياً ضمن أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، ثم انتقل إلى مدينة صُور على ساحل البحر المتوسّط، حيث نضج وتعلّم في أكاديمياتها، لكنّه أمضى شطراً كبيراً من حياته بعدها في جزيرة “كوس” اليونانية المقابلة لشواطئ آسيا الصغرى، حيث عاش عمراً تجاوز السبعين عاماً.

ورغم غزارة إنتاجه الشعري، لم ينج له من التعصّب البيزنطي سوى مئة وأربعين مقطوعة شعرية قصيرة كُتبت على نسق “الإبيغراما”؛ وهي قصائد قصيرة كانت تُنقش على شواهد القبور لإحياء ذكرى الميت، أو على تمثال منحوت لأحد الشخوص، وقد تحوّلت هذه الإبيغراما إلى نوع شعري قائم بذاته، وتطورّت كثيراً على يد ميليغر ذاته. 

الإكليل

إلى جانب قصائده الشعرية، جمع ميليغر ودوّن باقةً من “الإبيغراما” لشعراء من القرن الثالث قبل الميلاد سمّاها “الإكليل”؛ وهي أوّل أنطولوجيا شعرية معروفة في تاريخ البشرية جرى تداوُلها بين 110 و90 ق.م. وقد منح لكلّ شاعر اسم زهرة، عرف من بين شعرائها إسكليبياديس وكاليماخوس بوسيديبوس وهيديلوس. وقد جمع ودوّن هذه القصائد في جزيرة “كوس”، وهي جزيرة لها شخصيتها الأدبية الخاصّة بها، وقد عاش فيها كلٌّ من الشاعرين فيليتاس وثيوكريتوس في القرن الثالث قبل الميلاد.

لقد أثّر “الإكليل” في حركة الشعر العالمية حتى العصور الحديثة، فقد تشرّبه كتولوس وسائر كتّاب المرثيات الرومان، كما تأثّر به الشعراء الإنكليز والأميركيون أيّما تأثُّر، خاصّةً في مرحلة الريادة الشعرية في بدايات القرن العشرين. وقد امتنع الشعراء اليونانيون التالون لميليغر عن استعمال التشابيه الإيروسية للإغراء، لأنّه، على ما يبدو، قد استنفدها مؤقّتاً بكلّ احتمالاتها، باستثناء الشاعر المواطن أيضاً لميليغر، فيلوديموس الجَداري، وهو أصغر من ميليغر بثلاثين عاماً تقريباً، وكان فيلسوفاً أبيقورياً وشاعراً اشتهر في القرن الأول قبل الميلاد حين كتب أربعاً وثلاثين إبيغراما.

وبالإضافة إلى الشعر والأنطولوجيا الشعرية؛ كتب ميليغر مقالات متعددة جمعت في كتاب سُمّي “الصلوات” حول مواضيع فلسفية، ولكنّها مكتوبةٌ بأسلوب اعتمده الرومان وسمّوه “السخرية المينيبية” نسبة إلى مينيبوس، وفي هذا المجال، يُعتبر عمل ميليغر استمرارية لأسلوب مواطنه مينيبوس الذي يمزج بين فنَّي الشعر والنثر لإيصال محتوى فلسفي. 

ولكن، في ظلّ غياب كتابه “الصلوات” الذي لم تنجُ منه سوى اقتباسات ظهرت في مجموعة أعمال آثينايوس الأدبية المتنوّعة “ديبنوسوفيستاي”، فإنه من المتعذّر أن نحكم على مدى تأثُّر قصائد ميليغر بهذا الأسلوب. فأسلوب السخرية المينيبية لم يؤطَّر بشكل مدرسة منهجية موصوفة بالمقارنة مثلاً مع أسلوب المدرسة الأبيقورية، بل فسّرها أتباعُها كلٌّ بحسب مفهومه.

العالم بلد واحد

في قصيدته “بلدٌ واحد هو العالم”، يلخّص ميليغر سيرته الذاتية، فيُحدّثنا عن مكان ولادته في جدارا التي يسمّيها “أثينا السورية”، نظراً لوجود أكاديمية فلسفية خرّجت عدداً من الأسماء المهمّة، ويُخبرنا أنه ترعرع في صيدا على ساحل فينيقيا، وأنه سار مع ربّات الشعر على خطى الفيلسوف مينيبوس، ابن مدينته. ثم يردف مخاطباً قارئ الإبيغراما: “إنْ كنتُ سورياً ما العجب في ذلك أيها الغريب. إنّنا نسكن بلداً واحداً هو العالم، من السرمد نفسه أتينا جميعاً، والآن، وبعد أن أثقلت كاهلي السنون، حفرت هذه السطور قبل أن أدلّى في القبر، لكن كجار قريب لهذه الهاوية، ألقِ تحيّتك عليّ إذا أردت، أنا محدّثك العجوز، من الجائز أن تصبح محدّثاً عجوزاً أنت أيضاً”.

وتوحي عبارته حول انتمائه السوري بأنّه كان يتعرّض للكثير الأسئلة المستهجنة، ويبدو أنه كان يخوص كثيراً في هذا الأمر، محاولاً تصويب بعض الأفكار المسبقة عن أبناء قومه، ولذلك كان يُذكَّر محدّثيه من الميروبيين، سكان جزيرة كوس، بـ”أنّنا سواء أكنّا سوريّين أم يونانيّين أم غير ذلك، سوف نموت في النهاية، وندلَّى في القبر”، وهي حكمة وجدت طريقها إلى قصائد الكثير من الشعراء الذين أتوا بعده، أبرزهم في أدبنا العربي أبو العلاء المعري وقصيدته “تعب كلُّها الحياة”  التي يقول فيها: “خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الأرض إلّا من هذه الأجساد”، ربما كان آخرهم إيليا أبو ماضي في قصيده الشهيرة “جئت لا أعلم”.

الهوية السورية والسمك المقدَّس

ينظر الآن بعض الباحثين إلى أنّ ميليغر تأثّر بالإبيغرامات النبطية والفينيقية، وخصوصاً في قصيدته ذائعة الصيت “إن كنت سوريّاً سلام”، والتي صاغها وفق هذا الأسلوب النبطي الذي ينتهي بلفظة سلام. حيث يقول في مقطعها الأخير: “إن كنت سوريّاً: سلام، إن كنت فينيقياً “نايديوس، إن كنت إغريقياً خايري، وقبل أن تبارح هذا المكان قل سلام”. وقد كتب عبارة سلام كما تُلفظ حالياً بالعربية.

حظيت هذه القصيدة بالكثير من الاهتمام في أوساط الدارسين المعاصرين، إذ رأى فيها أحدهم “تعبيراً مباشراً وعميقاً عن انتمائه إلى مجموعة العظماء المشرقيّين المغتربين عن مساقط رؤوسهم، والمستقرّين في جزيرة كوس وغيرها من جزر اليونان، وأنّ الجو متعدّد الثقافات الذي عاش فيه، يمكن تفسيره من خلال فهمنا مدى فخر ميلياغروس بهويته السورية من جهة، وتعاطفه مع تيار الفلاسفة الكلبيّين من جدارا من جهة أُخرى”. 

وثمّة إشارة مهمة تتعلّق بهويته السورية، متضمَّنة في إحدى مقالاته المجموعة في كتاب “الصلوات”، حيث يقول: “باعتباري سوري الأصل، فإنّني أمتنع عن أكل السمك، حفاظاً على العادات السورية، رغم كثرة السمك في بحر الدردنيل المحيط بهم”. والامتناع عن أكل السمك واحد من عناصر الهوية السورية، نظراً لأنّ السمك كائن مقدَّس عندهم.

وأصلُ هذا المعتقَد شرحه الفيلسوف السوري- الهلنستي لوقيانوس السميساطي في كتابه بالغ الأهمية “الربة السورية”، حيث ذكر أنّ السمك محرَّم على السوريّين لأسباب تتعلّق بعبادة الربّة السورية أترغاتس، والتي كان معبدها الرئيس قائماً في مدينة هيرابوليس، وهي منبج الحالية في سورية. وقد حاول لوقيانوس تفسير هذه الحرمة وعلاقتها ببركة الماء المقدَّسة القائمة في المعبد، وهي البركة التي امتصّت مياه الفيضان العظيم الذي اجتاح الأرض في زمن سحيق، ولم ينج منه سوى من صعدوا على ظهر السفينة من بشر وحيوانات.

وكان لافتاً أن يذكر المؤرّخ ثيودورس الصقلّي أنّ العبيد السوريّين الذين ثاروا على روما بقيادة إيونوس السوري عام 136 قبل الميلاد، وأقاموا مملكة يورية المقدّسة على أرض جزيرة صقلية لمدّة خمس سنوات، كانوا يعاقبون منتهك شريعة حرمة أكل السمك بالإعدام. 

لقد بات عنصر الهوية واحداً من العناصر المهمّة التي بدأت تؤخذ بنظر الاعتبار عند دراسة أدب ميليغر، ولم يعد الحكم المسبق حول يونانية هذا الشاعر كفيلاً بإغلاق الباب على هذه القضية، اعتماداً على الاسم المفترض لوالد الشاعر يوقريطس، فقد بيّنت النقوش والمخطوطات المكتشفة في المنطقة العربية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين أنّ الكثير من السوريّين والعرب من أبناء تلك العصور كانوا يحملون أسماء يونانية، حيث وإلى الزمن الذي كان يُعدّ فيه الاسم اليوناني أو الروماني دليلاً على يونانية أو رومانية الشخص.

المصادر 

د.احمد غسان سبانو 

أ. تيسير خلف


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>