تركية وسورية و روسية: استقرار الوضع في المنطقة بالاعتماد على الأسد
يبدو أن سورية حصلت على قدر من الضمانات الروسية حتى قبلت تطوير اللقاءات الأمنية مع تركيا إلى حوار بين وزارات الدفاع كما جرى في لقاء وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا في موسكو الأسبوع الماضي حيث تم بحث سبل تحقيق (استقرار الوضع في المنطقة ) كما تناول البحث (سبل الحل في سورية ومسألة اللاجئين وجهود محاربة الإرهاب) كما جاء في خبر وكالة الأنباء السورية (سانا) عن اللقاء.. دخلت سورية في مسار استعادة الحوارومن ثم التعاون مع تركيا من أجل بلوغ سورية وتركيا مرحلة جديدة تطوي صفحة الحرب لتفتح صفحة التعاون.
في الحقائق الحاكمة انه بدون تحقيق متطلبات الأمن القومي التركي لا يمكن إنجاز أي تقدم. كما أنه بدون الالتزام بسيادة سورية الكاملة لا يمكن إنتاج أي جدوى من الحوار. وإذا كان الإعلام التركي يركز على إبعاد قسد عن الحدود التركية لأكثر من 30 كيلو متر كان تفصيلياً وواضحاً حول المطلوب التركي شرق الفرات. بينما سكت الجانب التركي عن مطالبه في ما يتعلق بضرب الشمال الغربي السوري (إدلب). بالمقابل فإن أصرار سورية على وضع مطالبها في إطار حقها بالسيادة الشاملة يتضمن خروج الجيش التركي من كل الأراضي السورية أو جدولة هذا الخروج. كما يتضمن حق السيادة السورية عودة سيطرة الدولة على كل ذرة من التراب السوري وكل مؤسسة من مؤسساتها وكل افراد الشعب السوري. وتندرج قضية اللاجئين ضمن إطار السيادة الشاملة للدولة السورية. وهكذا وبسبب الدور الذي لعبته تركيا في الحرب على سورية فإن قضايا الحوار معها شائكة ومعقدة و تستلزم من أنقرة الصدق و الالتزام تجاه أساس أي علاقة مع سورية (السيادة الشاملة)، كما يستلزم من الحكومة السورية تقديم طلباتها التفصيلية في مختلف الجوانب بشكل يؤمن إمكانيات التنفيذ العملي لها و المؤدي لتحقيق الحق الشامل في السيادة، ومعالجة كل التعقيدات التي يمكن أن تعرقل هذه النقطة أو تلك.
وإذا كانت أمريكا تعيق تحقيق المطلوب في شرق الشمال السوري، فإنه وأثناء التعاون لإيجاد حل يبعد التأثير الأمريكي عن مناطق الجزيرة السورية، يجب أن يكون الإنجاز في غرب شمال سورية متاحاً لأن الأمر بيد تركيا وسورية فقط. ويمكن بدء العمل للتعاون السوري التركي في خروج القوات التركية من شمال الغرب السوري واستعادت سورية سيادتها الشاملة.
طبعا المسألة ليست بهذه البساطة، وهذا ما يستدعي الجدولة العملية بإبعاد أو تسليم قادة المنظمات الإرهابية، وتسوية أوضاع الفصائل المعارضة غير الارهابية .فهل يمكن أن تبدأ نتائج الحوار التركي السوري بالتحقق من المناطق المتاحة مثل غرب الشمال السوري مع العمل على دفع الإنجاز في الشرق الشمالي أيضاً.
مهما كانت أسباب توجه تركيا للحوار مع سورية فإن جوهر هذا التوجه اقتناع أردوغان أن حقائق الواقع تجاوزت أحلام (الربيع العربي) في ترسيخ أهمية دور الدولة السورية في تحقيق استقرار الوضع في المنطقة. و ضمن الاستراتيجية السورية القائمة على (المضي قدماً ..استناداً إلى السيادة الشاملة الكاملة)، أي لابد أن يتضمن هذا الاقتناع التركي المتجاوز لتوجه (إسقاط الدولة السورية) إلى ترسيخ دورها ، لابد أن يتضمن تجاوز القراءة الأمريكية للقرار 2254 إلى القراءة العملية التي تستند في الحل السياسي إلى الدولة السورية. وكما أكد أردوغان أن ( لا صداقات دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة) عليه أن لا ينسى أن الأوضاع الحالية لا تحل بمعالجة أوضاع سابقة. وقرار ميزان قوى العام 2015 لا يناسب أبدا أوضاع وحقائق وميزان قوى العام 2022 – 2023 لذلك من المرجح أن تقبل تركيا البراجماتية الحل السياسي العملي المستند إلى دور الدولة في سورية. وهذا ما يجعل الطريق التركي إلى نجاح الحوار مع سورية سالكاً ومجدياً. ويبدو أن هذا ما جعل أردوغان ينطلق لينتقل من سياسات( ليس بوجود الأسد) إلى سياسة ( بالاعتماد على الأسد) كما تمارس الدولة التركية حاليا، و كما صرح دبلوماسي تركي رفيع و معني بالشأن السوري ..
سربت وسائل الإعلام التركية أن الإجتماع بحث إمكانية مرور البضائع التركية في سورية. وتجاه ذلك يتسائل السوريون، لماذا لا تبادر روسيا إلى إيصال النفط والغاز إلى سورية عبر تركيا ؟؟!! خاصة وان السوريين بحاجة ماسة للمحروقات. وتسهيل تركية لإيصالها يساهم في بناء الثقة بين البلدين سيما وأن تركيا لا تعبأ كثيرا بالعقوبات الأمريكية عندما تريد، وهذا ما تفعله مع روسيا وإيران.
إن بحث استقرار (الوضع) في المنطقة خلال الاجتماع يحمل معاني مهمة فعبارة (الوضع في المنطقة ) تشير إلى الدول بحدودها المعترف بها حسب القانون الدولي أي أن منطلق الاجتماع قائم على تأكيد وترسيخ وحماية دول المنطقة ضمن حدودها الدولية المعترف بها. وفي هذا اعتراف تركي بضمانة روسية بأن أي اتفاق أو أي مادة في الاتفاق ستقوم على حفظ وصيانة والتزام الحدود الدولية لسورية، وهذا يعني سيادة الدولة السورية الكاملة، وخروج كل الاحتلالات من ضمن هذه الحدود. كل احتلال تركي أو غير تركي..
اجتماع وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري في موسكو ليس إلا بداية ربما تتحول إلى مسار إذا خلصت النيات. وهذا يرتب على تركية عدم اعتبار سورية قضية أمنية أو دعاية انتخابية. كما يرتب على سورية تجاوز أن تركيا عدو الحرب. وعليهما معا المضي قدما لترسيخ استقرار الوضع في المنطقة تمهيدا للإسهام في نظام إقليمي جديد يقوم على التعاون والتفاعل وحسن الجوار. وهذا ما يستدعي مبادرة من الدول العربية خاصة الفاعلة في الإقليم للانخراط في هذه الفعالية. ولكن هل ستسكت أمريكا عما يجري و هل ستعيقه؟؟؟ أم أنها وراء الإندفاع التركي للتعامل مع الدولة السورية والاعتماد على الاسد ؟؟؟؟؟ … مازلنا في البداية. ومازلنا نكتشف النوايا وحقيقة التوجهات. ومازلنا ننتظر من الدول العربية الفاعلة دوراً في ترسيخ استقرار الوضع في المنطقة بالاعتماد على الدولة السورية…
د. فؤاد شربجي
بوابة الشرق الأوسط الجديدة