سورية: الانتداب الفرنسي واتفاقية سايكس بيكو
في أعقاب هزيمة الأمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقعت سورية تحت الانتداب الفرنسي، رغم تعهدات البريطانيين والفرنسيين بالاستقلال خلال الحرب العالمية الأولى، الخيانة التي شوهت علاقات سورية مع الغرب حتى يومنا هذا.
حرصاً على ضمان الدعم العربي ضد العثمانيين، عرضت بريطانيا دعمها لحركة قومية كانت ناشطة في ذلك الوقت في الأراضي العربية من الإمبراطورية العثمانية. تفاوضت لندن في 1915-1916 مع الشريف حسين بن علي شريف مكة المكرمة. ومقابل ثورة عربية كبرى ضد الأتراك، وافقت بريطانيا على الاعتراف باستقلال الأراضي العربية عن الإمبراطورية العثمانية، ضمن حدود معينة. كما اشترطت بريطانيا تطبيق استقلال الأراضي العربية فقط حيث لا يتعارض مع مصالح حليفتها في الحرب: فرنسا، ووافقت على ان يكون الشريف حسين ملك العرب.
في حزيران عام 1916، أطلق الشريف حسين الثورة العربية بدعم لوجستي من البريطانيين (بمن فيهم توماس إدوارد لورنس، “لورنس العرب”). وبعد أن سيطر الثوار على الحجاز، تحرّكوا نحو سورية الكبرى بقيادة الأمير فيصل الابن الثالث لحسين، حيث عملوا بالتعاون مع الجيش البريطاني الذي كان قد غزا فلسطين على طول الساحل من مصر. في تموز1917، استولى فيصل على العقبة الواقعة على رأس البحر الأحمر وحررها من الاستعمار التركي، وفي أيلول حرر مدينة عمان التي كانت وقتها أكبر قليلاً من قرية كبيرة. وسقطت القدس في يد البريطانيين بعد ثلاثة أشهر، وتم تحرير دمشق في تشرين الأول عام 1918.
اتفاقية سايكس بيكو
في الوقت الذي كانت فيه لندن تحث العرب على الثورة، مع وعود بالاستقلال، كانت تتفاوض بسرية على اتفاق معاكس مع فرنسا وروسيا. وأبرمت في أيار عام 1916 ما يسمى باتفاقية سايكس- بيكو، التي قسمت المنطقة إلى مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية. كان من نصيب فرنسا لبنان وسورية وشرق تركيا وشمال العراق الحالية، وبريطانيا فلسطين والأردن وجنوب العراق الحالية. وخضعت القدس وجزء من فلسطين إلى شكل من أشكال الإدارة الدولية، تقديراً لأهميتها الدينية.
في الوقت ذاته، في 2 تشرين الثاني عام 1917، وبعد مفاوضات مع الحركة الصهيونية، أصدرت لندن وعد بلفورالذي اعلنه وزير الخارجية والمستعمرات البريطاني آرثر بلفور بعد اتفاقه مع اللورد روتشيلد زعيم الحركة الصهيونية، والذي نص على نظرة البريطانيين “بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
في أيلول عام 1918، أعلن أنصار الثورة العربية إنشاء حكومة عربية برئاسة فيصل بن الشريف حسين، رغم احتفاظ بريطانيا بالسلطة الحقيقية في سورية، وابرقوا الى بيروت لرفع العلم العربي على سرايا بيروت.
عام 1919، وافق مؤتمر السلام في باريس على إدارة الممتلكات السابقة للألمان والعثمانيين المهزومين كمناطق انتداب، وتحت إشراف الهيئة الدولية الجديدة: عصبة الأمم. وقد تقرر انتداب فرنسا على سورية (بما في ذلك في لبنان الحالي بعد انشائه عام 1920 من قبل الجنرال غورو / المفوض الفرنسي في سورية وكيليكيا) وبريطانيا على فلسطين وشرق الاردن(الأردن الحالي) والعراق.
الأمير فيصل ملكاً على سورية
انعقد مؤتمر سوري عام (المؤتمر السوري العام) ضم شخصيات وطنية من كل سورية بمافيها فلسطين وحتى من العراق في دمشق في آذار عام 1920، لاستباق المخططات الفرنسية، وانتخب فيصل ملكاً على سورية الكبرى باسم الملك فيصل الأول، أي الأراضي التي تجزأت لاحقاً بموجب اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور تشمل سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن. وأعلن التسعة والعشرون عراقياً الحضور عبد الله الأخ الأكبر لفيصل ملكاً على العراق المستقل. إلا ان كل ذلك كان دون جدوى. ولإضفاء الطابع الرسمي على ما تم الاتفاق عليه في باريس، عقدت بريطانيا وفرنسا في سان ريمو اجتماعاً على عجل للمجلس الأعلى لعصبة الأمم.
وفي 5 أيار1920، حصلت فرنسا على انتداب سورية ولبنان، وبريطانيا على فلسطين والعراق. لم يأت ذكر شرق الأردن بشكل صريح، وهي الأراضي الواقعة شرق نهر الأردن، ولكن ولكونها كانت تشكل جزءً من منطقة النفوذ البريطاني في معاهدة سايكس بيكو، كان من المسلم به أنها كانت تشكل جزءً من انتداب فلسطين. تحركت القوات الفرنسية إلى سورية من لبنان، واحتلت دمشق في 24 تموزعام 1920 بعد هزيمة ميسلون بالقرب من دمشق وكان الجيش السوري بقيادة يوسف العظمة قليل العدد مفتقرا الى التسليح امام احد اكبر الجيوش وقتئذٍ والذي يضم الدبابات والمدفعية والطائرات والمنتصر في الحرب العالمية الاولى. واضطر الملك فيصل إلى الذهاب إلى المنفى فذهب الى شرق الاردن، إلا أن البريطانيين قاموا بتعيينه ملكاً على العراق في العام التالي.
سياسة فرّق تسُد
اعتمدت فرنسا سياسة فرّق تسُد في سورية، فقسمت البلاد إلى دويلات شبه مستقلة.
تشكيل دولة لبنان و الدويلات السورية
في عام 1920، تم تشكيل دولة لبنان الكبير عن طريق إضافة المناطق الواسعة، المسلمة بشكل أساسي، إلى منطقة جبل لبنان، حيث يهيمن المسيحيون الموارنة، والتي كانت تشكل في العهد العثماني وحدة إدارية منفصلة تعرف بالمتصرفية (متصرفية جبل لبنان). وفي العام ذاته، تم تقسيم ما تبقى من سورية إلى دويلات دمشق وحلب وجبل العلويين (كانت هذه الأخيرة في شمال غرب سورية، على طول الساحل، وهي منطقة مأهولة بالسكان إلى حد كبير من قبل الطائفة العلوية). عام 1921، تمت إضافة دويلة جبل الدروز، التي تركزت على معقل الدروز جنوب سورية.
بموجب اتفاقية أنقرة بين فرنسا وتركيا في تشرين الأول عام 1921، تم ضم سنجق (لواء) اسكندرونة، المختلط السكان من الأتراك وهم اقلية والأرمن والعرب، إلى سورية في ذلك العام كمقاطعة تتمتع بحكم ذاتي. وعلى خلفية مطالبات تركيا الملحة بالمنطقة، في عهد مصطفى كمال (دعي لاحقاً بكمال أتاتورك)، تم ضم لواء اسكندرونة إلى ولاية حلب عام 1923 مع الاحتفاظ بوضع إداري خاص. عام 1938، دخلت القوات التركية لواء اسكندرونة وطردت معظم سكانه العرب العلويين والمسيحيين والأرمن. وفي العام ذاته، تم إعلان استقلال لواء اسكندرونة تحت اسم دولة هاتاي، إلا أن المجلس التشريعي في هاتاي صوّت عام 1939 لصالح الانضمام إلى تركيا باسم مقاطعة هاتاي، وميناؤها الرئيسي اسكندرون، اسكندرونه سابقاً. وفي تموز من ذلك العام، غادره الفرنسيون الضامنون وتركوا السكان العرب والارمن لمصيرهم، كما سبق وفعلوا في كيليكيا (1920-1924) عندما احتلتها تركيا وغضت فرنسا الطرف عن الاحتلال والضم في حين انها دولة منتدبة كما ادعت وضامنة للسكان الاصليين.
في 1922-1924، اتحدت دويلات جبل العلويين ودمشق وحلب في اتحاد سوري. وفي كانون الثاني عام 1925، اتحدت دمشق وحلب في دولة سورية واحدة، في حين حافظت دويلة جبل العلويين على شبه استقلالها.