كانت منطقة إسكندرون تابعة لولاية حلب زمن الاحتلال العثماني ، مشكلة مرفأها على البحر، ومُثلت في المؤتمر السوري العام، ورغم اعتبارها دولة مستقلة في أعقاب صدور مراسيم التقسيم، غير أنه أُعيد ربطها بالدولة السورية عام 1926 بجهود الرئيس الداماد أحمد نامي بك، وعاصرت إطلاق الجمهورية السورية الأولى، عام 1938 قامت فرنسا «بخطوة غير مسبوقة واستفزازية» إذ أعادت منح اللواء حكماً ذاتياً مع بقائه مرتبطاً من ناحية شكلية بالجمهورية السورية، ثم أعادت إلغاء هذا الرباط الشكلي؛ وفي العام التالي 1939، انسحبت فرنسا بشكل نهائي، في حين دخلت اللواء قوات تركية، وقامت بضمه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت اسم “هاتاي“(نسبة الى الحثيين حيث يكذب الأتراك على العالم وعلى انفسهم انهم من سلالة الحثيين سكان المنطقة قبل ثلاثة آلاف عام ليعطوا لأنفسهم شرعية احتلال اللواء، في حين ان الكون كله يعرف انهم من سهوب وصحارى آسيا الصغرى وتركستان)، وهو ما يعتبر مخالفة لصك الانتداب الذي يُلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها.
غالبية سكان اللواء كانت من عرب سورية الموزعين بين السنة، والعلويين، والمسيحيين، بالإضافة للأرمن، ولم تتجاوز نسبة التركمان والأتراك فيه 39.4% حسب إحصاءات 1939.
بعد سلخ اللواء، نزحت إلى دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، أعداد كبيرة من عرب اللواء وأرمنه، مع استثناء صغير من الارمن نزح لبلدة كسب ذات الأغلبية الأرمنية التي كانت تابعة للواء، فعدّلت المفوضية الفرنسية الحدود بحيث تتبع محافظة اللاذقية. أفضى سلخ اللواء لإنطلاق احتجاجات 1939 التي أطاحت بحكومة جميل مردم بك، ثم استقالة الرئيس هاشم الأتاسي نفسه، في السنوات التالية اعتبر اللواء أرضاً سورية محتلة، وساهم هذا الاعتبار في إبقاء سورية خارج مشاريع على مستوى المنطقة مثل (حلف بغداد) لكون تركيا عضواً فيه، توترت العلاقة مع تركيا مجدداً عام 1957، لدرجة إرسال الاسطول المصري إلى اللاذقية للدفاع عن سورية في حال إندلاع حرب، ولم يحدث على مستوى الحكومات المتعاقبة أي اعتراف بشرعية كون اللواء جزءًا من تركيا.
في سورية الأنطاكية، كانت انطاكية «عاصمة اللواء» عاصمة سورية ومركزها، ومقر بطريرك انطاكية وسائر المشرق، بطريرك الكنيسة الانطاكية التي كانت تشتمل على آسيا الصغرى وجنوب شرق آسيا، ومنه خرجت شخصيات بارزة على مستوى العالم مثل القديس اغناطيوس الأنطاكي، والقديس يوحنا الذهبي الفم،والقديس باسيليوس الكبير والقديس سمعان العمودي ،… أما في سورية المعاصرة فقد خرجت منه مجموعة من الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً على الصعيد المحلي مثل رئيس الدولة صبحي بركات الخالدي، والمفكر زكي الأرسوزي، والشاعرسليمان العيسى.
جغرافية لواء الاسكندرون
يقع في الجزء الشمال الشرقي للبحر الابيض المتوسط (شمال غرب سورية ) مساحته تزيد عن 4500 كيلومتر … قامت تركيا بتقسميه ل 12 مدينة اهمهم انطاكية و اسكندرونه…تبلغ مساحة اللواء 4800 كيلومتر مربع، يطل على خليجي الاسكندرون والسويدية في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، ويتوسط شريطه الساحلي رأس الخنزير الذي يفصل بين الخليجين المذكورين. أهم مدنه أنطاكية واسكندرونة والأوردو والريحانية والسويدية وأرسوز.
اللواء ذو طبيعة جبلية، وأكبر جباله أربعة: جبال الأمانوس وجبل الأقرع، وجبل موسى وجبل النفاخ، وبين هذه الجبال يقع سهل العمق. أما أهم أنهاره فهي: نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية ونهر عفرين ونهر الأسود الذين يصبان في بحيرات سهل العمق.
تاريخ اللواء
نبذة في تأسيس مدينة أنطاكية
كان سلوقوس نكتاروس(الظافر) وهو أحد قادة الاسكندر المقدوني الأربعة قد تقاسم مع القادة الثلاثة الآخرين امبراطورية معلمهم العالمية بعد وفاته، فكانت منطقة الشرق حتى بلاد السند تحت ولايته، كما آلت الاسكندرية وسائر الشمال الافريقي الى رفيقه بطليموس، وذلك في العام 300 ق.م.
– أراد سلوقس أن يبني عاصمة جديدة له تتمتع بالحصانة بخلاف السويدية (على مصب العاصي)، فصعد الى الجبل الأقرع في 23 نيسان 300 ق.م وقدم الضحية للاله زوس فجاء النسر وحمل الضحية، وطار بها الى جبل سيليبوس وألقاها هناك. ثم عاد في أول ايار فصعد الى الجبل الأقرع وقدم الضحية مجدداً للاله زوس، فجاء النسر ثانية وحمل هذه الضحية وطار بها الى موقع حصين على سفح جبل سيليبوس محمي من ظاهره بجبل آخر، فأدرك أن الاله زوس أرشده الى مكان عاصمته المنشودة. فبنى هذه العاصمة، وأسماها أنطاكية على اسم والده انطيوخوس.
تميز موقع هذه المدينة بوقوعه على منحنى نهر العاصي، وقد جمع بين فوائد البر والبحر الذي كان قريباً، والعاصي كان صالحاً آنئذ للملاحة، حتى أن المراكب (مهما كان ثقل غاطسها) تمخر مياهه الى أنطاكية، وهناك كان يتم افراغ حمولتها. وربط سلوقس أنطاكية ببابل (وكانت أعظم مدن الشرق وهي عاصمة الشرق للاسكندر) بطريقين معبدتين تسهيلاً لنقل الجيوش، وتشويقاً لانتقال التجار والسلع. وسعى لتهلين الشرقيين من رعاياهم، فسهل لهم الاقامة في منطقة العاصي.
نشأت أنطاكية أربعة أحياء يحيط بكل منها سور منيع مزدوج لاتزال آثاره بادية حتى الآن، وقد سميت ” تترابولس” (المدن الأربع) باليونانية. وجدير ذكره أن سلوقس أنشأ أربع مدن هي أنطاكية (على اسم والده انطيوخوس) وسلوقية (على اسمه) وآفامية (على اسم زوجته) ولاوذيكياس(اللاذقية ) على اسم أمه.
– وفي سنة 64 ق.م، فتح الرومان بقيادة بومبيوس سورية، فجعل انطاكية عاصمة ولاية سورية، ودعاها عين الشرق كله، وجعلها مقراً للحاكم الروماني العام، وربط بها فلسطين مع استقلالها الذاتي لخصوصية اليهود. واستمر الوجود الروماني بشكله الرومي الى حين دخول المسلمين الى سورية
- وصل العرب المسلمون بزحفهم العسكري عام 16 هـ إلى جنوب جبال طوروس وضموا المنطقة الجنوبية من اللواء إلى حكمهم.
- في العهد العثماني كان اللواء سنجقًا تابعًا لولاية حلب.
- عام 1915 احتوت مراسلات الشريف حسين مع مكماهون على إشارات واضحة بتبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس إلى الدولة العربية الموعودة (تعيين للحدود الشمالية للدولة على خط يقع شمال مرسين ـ أضنة الموازي لخط 37 شمالاً الذي تقع عليه مدن البيرة وأورفة وماردين وفديان وجزيرة ابن عمر وعمادية، حتى حدود إيران).
- مع بدء الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان تبع اللواء ولاية حلب.
- كان لواء اسكندرون في اتفاقية سايكس بيكو داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي بمعنى أن المعاهدة اعتبرته سورياً وهذا يدل على أن هذه المنطقة هي جزء من سورية.
- في معاهدة سيفر عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة منطقتي الاسكندرون وقيليقية (أضنة ومرسين) وارتباطهما بالبلاد العربية (المادة 27).
- كان اللواء جزءا من المملكة السورية العربية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون.
- بعد توحيد الدويلات السورية التي شكلها الانتداب الفرنسي، ضُم لواء الاسكندرون إلى السلطة السورية المركزية.
- في 29 أيار 1937 أصدرت عصبة الأمم قراراً بفصل اللواء عن سورية وعُين للواء حاكم فرنسي.
- في 15 تموز 1938 دخلت القوات التركية بشكل مفاجئ للرأي العام السوري إلى مدن اللواء ((واحتلتها))، وتراجع الجيش الفرنسي إلى أنطاكية وكانت مؤامرة حيكت بين فرنسا وتركيا، أخذت بموجبها فرنسا ضمان دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
- في عام 1939، أشرفت الإدارة الفرنسية على استفتاء حول الانضمام إلى تركيا فاز فيه الأتراك وشكك العرب بنتائجه وخصوصا أن الاتراك لعبوا بالاصوات لصالحهم، وكانت تلك المؤامرة حيكت علينا، وابتدأت سياسة تتريك اللواء وتهجير السكان (العرب) سكان الأرض الاصليين إلى بقية الوطن السوري، ونشأت مشكلة الأراضي، حيث سرقت كل أراضي السوريين الزراعية في تلك المنطقة دون أن تدفع تركيا أموالاً للعرب المتضررين ثم قامت تركيا بتغيير كافة الأسماء من العربية وهي اللغة الأصلية إلى التركية وهي لغة الدولة المحتلة، وظل هذا الأمر مصدراً للتوتر الشديد في العلاقات بين تركيا وسورية طيلة سبعة عقود وإلى يومنا هذا. واليوم يشكل العرب الأغلبية في أغلب محافظات الاسكندرون (من أصل اثنتي عشرة قطعة قسمتها تركيا كي تصبح عودتها إلى سورية أصعب).
- كان الإجراء الفرنسي بإعطاء اللواء إلى تركيا مخالفاً لصك الانتداب نفسه، حيث نصت المادة الرابعة من صك الانتداب على إلزام الدولة المنتدبة باحترام وحدة البلاد الموكلة إليها والحفاظ على سلامة أراضيها، وهو ما لم يتقيد به الفرنسيون. وما زالت سورية تعتبر لواء الاسكندرون جزءا من ترابها الوطني
- قاطع العرب الاستفتاء الذي أجرته السلطات الفرنسية المحتلة، وأعطى هذا غلبة كبيرة للأتراك من حيث عدد المسجلين للاستفتاء سنة 1938 الذين كانت أعدادهم كما يلي
- اتراك: 35,847
- سورين علويون: 11,319
- سوريون أرمن: 5,504
- انطاكيون ارثوذكس (سوريون ويونان): 2,098
- سوريون مسلمون سنة: 1,845
- آخرون: 359
- التوزع العرقي – الديني في لواء إسكندرون، لعام 1939
المجموعة العدد النسبة تركمان – سنّة 75,900 39.4% عرب – علويون 54,800 28.5% أرمن – مسيحيون 23,600 12.3% عرب – سنّة 20,400 10.6% عرب – مسيحيون 14,300 7.4% أكراد – سنّة 1800 0.9% شركس – سنّة 1100 0.6% يهود 500 0.3% يسكن الإقليم حالياً حوالي مليون نسمة، ولا يوجد أي تعداد للنسبة العربية من سكانه بسبب السياسة التركية القمعية للأقليات القومية، ويشكو سكان الإقليم العرب من القمع الثقافي واللغوي والعرقي الذي تمارسه تركيا عليهم والتمييز ضد الأقلية العربية لصالح العرق التركي في كل المجالات وهو متابعة نحو التتريك الكامل للواء.
وهناك تواصل مستمر في مناسبات خاصة كالأعياد بين سكان اللواء وبين أقربائهم في الأراضي السورية المجاورة، وما زالت سورية تعتبر لواء الإسكندرون جزءا من ترابها الوطني، وما زالت الخرائط السورية تظهر لواء الإسكندرون على أنه منطقة سورية محتلة.