اولاً منشور موقع جسور للدراسات بعنوان: جماعة القبيسيات – النشأة والتكوين
جماعة القبيسيات…. النشأة والتكوين
ظلت دراسة الجماعات الدينية النسائية بشكل عام وجماعة “القبيسيات” بشكل خاص موضوع الدراسة هذه بعيدة عن اهتمامات الباحثين والأكاديميين الاجتماعيين والمهتمين بالحركات الدينية حقبة من الزمن، ويعود ذلك إلى عوامل متعددة؛ إما متعلقة بالجماعة نفسها كونها اتخذت من الانكفاء على نفسها منهجاً لها، أو عوامل تعود لطبيعة الحالة السورية الخاضعة لقبضة أمنية قمعية شديدة طالت مجالات الحياة كافة حتى مجال البحث العلمي، وعوامل أخرى تتعلق بالظروف السياسية لسورية وللدول العربية والعالم والتغيرات الطارئة عليها.
إن أغلب ما كُتب عن جماعة “القبيسيات” لم يكن موضوعيا فأغلب ما كتب صدرته تيارت مناوئة فكريا ومنهجيا للقبيسيات فغلب على كتاباتها طابع تصيد العثرات والزلل ولم يكن منصفا ولا متتبعا للسيرورة التاريخية لنشأة هذه الجماعة، كما أنه لم يراعِ الحالة الاجتماعية والدينية والسياسية للمجتمع السوري، ولم يبحث في الظروف الاجتماعية المحيطة بالجماعة ولا الظروف السياسية التي عاصرتها ،فنوقشت الظاهرة القبيسية وكأنها منعزلة عن المجتمع وعن الجماعات الدينية الأخرى وأُهمل كونها_كغيرها_ متأثرة بتقاليد وأعراف متجذرة في المجتمع السوري ومرتهنة بشروطه التاريخية والاجتماعية والأمنية. فبدت وكأنها الجماعة الوحيدة التي تمارس نشاطات أو سلوكيات وُصمت بالخاطئة أو البعيدة عن جوهر الإسلام.
وغالباً ماكان النقد الموجه لجماعة القبيسيات يسقط الفروق الفردية الشخصية لقياداتها واتجاهاتها النفسية والفكرية وخلفياتها الاجتماعية والتربوية وتفاعلاتها مع فكر الجماعة، ما أدى إلى إطلاق تعميمات في الأحكام جانبت الصواب واعتمدت ما هو مسبق ونمطي منه، وطغى الكثير من الجدل والاتهامات في تقديم صورة هذه الجماعة وأفرادها.
تنطلق الاتهامات والانتقادات لنهج “القبيسيات” من إشكاليات عريضة ثلاث؛
الأولى تطال توجهها الفكري وتكوينها العقدي، باعتبار أن مؤسِسة الجماعة الآنسة “منيرة القبيسي” تتلمذت على يد الشيخ “أحمد كفتارو” المشهور باتباعه الطريقة النقشبندية، حيث أخذت القبيسي عنه الطريقة كما يُتداول، واُتهمت الطريقة النقشبندية الصوفية هذه بأنها مغرقة بالشطحات والبدع في نظر التيارات والجماعات الإسلامية الأخرى مثل التيار السلفي أو الوهابي أو الطرق الصوفية الأخرى كبعض أصحاب الطريقة الرفاعية (الأحباش).
الإشكالية الثانية فتتمحور بحسب البعض من كون أن جماعة القبيسيات كغيرها من الجماعات الدينية تعمل تحت ظل الحكم السوري في سورية ما يشي بوجود حالة رضا وعلائق نفعية متبادلة بين الطرفين. يقول د. “طيب تيزيني” عن أن مصدر شرعية هذه الظاهرة أنها من قلب “البنية السوسيوثقافية والاقتصادية في البلد، حتى حين يتم إنتاجها بأيدي النظام السياسي الثقافي القائم” .
أما الإشكالية الثالثة فتتمركز على اتهام الجماعة بسعيها إلى أسلمة المجتمع السوري (وفق رؤيتها الخاصة) من خلال سيطرتها على الفتيات والنساء وممارسة نشاطاتها الدعوية في المنازل بعيدا عن أماكن الدعوة المشهورة كالمساجد، حيث يصف العلمانيون الجماعة بأنها جماعة “إرهابية تكفيرية” وذلك في استنادها إلى مواقف تكفيرية من الطوائف الأخرى أو من العلمانيين! .
إن فكرة تسليط الضوء ممن كتبوا في هذا الشأن على وجود ممارسات نسوية دينية تعليمية دعوية في المنازل والادعاء بخطر هذه الجماعة لأجل ذلك النهج كونها ستكون بعيدة عن أنظار الأمن في سورية، إنما هي نتاج تبني رؤية الحكم؛ فمن المعلوم أن نظام المشيخة وعلائقها ونشاطاتها وكيفية تلقي العلوم الشرعية وغير الشرعية متجذرة في تاريخ سورية (بلاد الشام) سواء في مجتمع الرجال أو في مجتمع النساء، وأن المجتمع السوري في طبيعته يحتضن العديد من النشاطات الدينية الدعوية، بل وتعتبر من خواص الأسر السورية المحافظة؛ فالدروس الدينية والموالد النبوية والاحتفالات الدينية الأخرى والمناسبات الاجتماعية كالزفاف وغيره كان حيزها في البيوت أو المساجد.
ثم إن الكثير من نقاد الجماعة يشكك في جدوى وجود مثل هذه الجماعة ودورها في المجتمع، فالمدارس بكل مراحلها حسب زعمهم تُقدم في مناهجها مادة التربية الدينية، ومن أراد التخصص فعليه الانتساب إلى مدارس ومعاهد شرعية، على اعتبار أن المادة الدينية في المدارس كافية من حيث المضمون والمحتوى، وهو غير صحيح وغير دقيق تماماً، عدا عن إغفال مسألة حاجة الأسر المحافظة لتعليم بناتها الدين والقيم الروحية دون الانتساب إلى مدارس ومعاهد شرعية متخصصة..
يعود تاريخ تأسيس جماعة “القبيسيات” إلى ستينيات القرن الماضي، على ما يبدو، وقد نهجت جماعة “القبيسيات” نهج المدارس الدينية الدمشقية الأُخرى مثل مدرسة حسن حبنكة الميداني ومن بعده مدرسة جامع زيد ومدرسة كفتارو، ونهج الشيخ فرفور وجماعته في التركيز والاستناد إلى الطبقة الاجتماعية الغنية والمتوسطة والمرتبطة مع طبقة رجال الأعمال، حيث اتسمت علاقات القوة والسلطة والنفوذ في سورية بنوع من النفعية وإيلاء مسألة تبادل المصالح على رأس العلاقات بتأثير من سياسة البعث التي عززت هذا النوع من العلاقات من جهة، ومن جهة أخرى بسبب طبيعة المجتمع الدمشقي خاصة، والذي يعتمد على حلف مقدس بين طبقة البرجوازية السنية والإسلام المعتدل ،ولذا فمن المنطقي انتقال بنية هذه العلاقات وشكلها إلى فئات المجتمع ومجالاته كافة بما فيها الجماعات الدينية كونها تمثل جزءاً من تركيبة هذا المجتمع المديني.
حرصت الجماعة في ذلك الوقت أن تكون اتجاهاً موازياً يمارس شيئا من الندية الفكرية للحركات النسوية النهضوية التحررية التي سعت لرسم صورة المرأة العربية وتحديد أدوارها في المجتمع والتي اختلطت أفكارها بالعديد من الأفكار الاشتراكية والبعثية والشيوعية، ولكنها لم تستطع أن تكون مكافئة لها سياسيا وانتشارا وبقي دورها محصورا في إطار تحصيني من الأفكار للفتيات المسلمات.
يشكك كثيرون في اعتبار جماعة القبيسات جماعة بالمعنى الحركي أو الهيكلية التراتبية ولكن القيادات التأسيسية أرادت أن تجعل من الإسلام نمطاً كاملاً للحياة، من عبادات وأخلاق وقيم وفضائل، ونشر تعاليمه بين صفوف الفتيات منذ نشأتهن، والحث على التقيد بالفروض الدينية والعبادات التي كانت من أهم الأولويات، وذلك في محاولة ربما غير مقصودة أو مخطط لها بشكل مدروس ومنهجي ، للخروج عن التنميط الديني الذي رسمه الحكم السوري والذي اقتصر على الحاجة الاجتماعية والنفسية لوجود الدين بحدودها الدنيا لطبقة واسعة من السوريين، ونظراً للظروف الأمنية والملاحقات ونهج الترهيب والرعب والقمع الذي فرضه النظام على المجتمع السوري لم تستطع الجماعة التحرك إلا ضمن أُطر محددة كما رُسم لها في الغالب .
إن سياسة القمع والترهيب التي مورست لعقود في سورية نجحت في خلق جيل واسع من الشخصيات المطيعة على كافة الصعد يحكمها الخوف والرهاب من كل ما قد يمس الحكومة والسياسة، ما انعكس على نمطية المواد العلمية والمنهجية التي تُقدم في الحلقات التدريسية للجماعة؛ فكثيراً ما كانت تلك القضايا والأفكار المتداولة فيما بينهم لا تخرج أن تكون مواد نظرية مطوية في كتب ومؤلفات تعود إليها الطالبات لمجرد العلم بالشيء دون محاولة لملامسة الواقع أو التقريب بين النظري والتطبيقي؛ كالقضايا السياسية وقيم العدل والكرامة والحرية… وغيرها من القضايا المنتشرة في قصص الأنبياء وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتي تدرسها الفتيات بشكل واسع، مع ذلك فقد ظلت مثل هذه القضايا حبيسة الكتب والمجال النظري ومُنع على الطالبات حتى الاستفسار أو فتح باب النقاش أو الخوض بعمق فيها، بل وعوقبت كل من تجرأت وفتحت هذا النوع من النقاشات أو كل من اعترضت على كتب معينة بأسلوب القطيعة الكلامية أو التأنيب بين حين وآخر. هذه المنهجية كانت السبب في ترك الكثيرات الجماعة كما حدث مع النساء اللاتي أجرينا معهن المقابلات في دراستنا هذه.
مع وصول الأسد الابن الحكم وما رافق ذلك من انفتاح نسبي سياسيا وإعلاميا ومع شيوع ثقافة الانفتاح الحذر طرأت بعض التغيرات على استراتيجية الدولة تجاه مظاهر التدين الشعبي في سورية، فلوحظ تقارب حذر للحكم من الرموز الدينية التقليدية، كما فعّل نشاطات معاهد تحفيظ القرآن، وسمح بافتتاح معاهد شرعية للذكور والإناث بشكل موسع مع الاحتفاظ بسياسة التحكم وبسط نفوذ الأجهزة على نشاطات المدارس الدينية المختلفة في سورية. وكان لجماعة القبيسيات نصيبها من تلك الانفراجة فقد فتح لها الحكم المجال العام وقدم لها مساحة من حرية التحرك وممارسة النشاطات الدينية والاجتماعية والدعوية، متكئا بذلك على علاقة جيدة مع أبرز المشايخ وعلماء الدين المشرفين عليها.
منهجية الدراسة
ينحصر النطاق الزمني للدراسة في رصد ظاهرة الجماعة الدينية النسائية من خلال أبرز صورها والمتمثلة في جماعة القبيسيات منذ نشأتها إلى بداية الأحداث السورية في آذار 2011، وتعتمد المنهج الوصفي التحليلي لدراسة الظاهرة. ولن تدخل الدراسة في مسائل تقييم فكر الجماعة عقدياً، فهذا يحتاج إلى اطلاع واسع على عقيدتها من خلال الكتب المتداولة فيما بينها، وعلى أصول العلوم الشرعية التي تُدرس في حلقاتها، علاوة على أنه لا بد وأن يكون هناك حد أدنى من معاصرة الجماعة ليصار إلى نقدها نقداً علمياً وهذا يحتاج إلى مختصين بتلك العلوم الشرعية. وسنكتفي هنا بالإشارة إلى من نقدها من التيارات الإسلامية دون الوقوف على ذلك مطولاً لعدم مناسبة مقامنا لذلك.
اعتمدنا في دراستنا هذه على بعض اللقاءات الشخصية مع فتيات وسيدات كنّ ناشطات في الجماعة وتركنها لأسباب مختلفة، وقد لا تتنكر “القبيسية” السابقة للجماعة في شهادتها بشكل كامل، فتعرج على الإيجابيات تارة والسلبيات تارة أخرى ، بينما ترفض إحداهن الجماعة رفضاً كاملا، كما أننا لم نركز كثيراً على شهادات منشقات أو تابعات للجماعة مجهولات الهوية نُشرت شهادتهن على مواقع الشبكة العنكبوتية. وكنا نأمل مع محاولتنا الحثيثة لو وافقت إحدى القبيسيات اللاتي لازلن في الجماعة للإدلاء بشهادتها، إلا أننا لم نتلق إلا الصدود والتمنع والالتزام بالصمت مما انعكس صعوبة على دراستنا.
الدراسات والأبحاث السابقة
لم تُتناول ظاهرة القبيسيات تناولاً علمياً دقيقاً كدراسة جادة، وأبرز ما وصل إلى أيدينا من دراسات وأبحاث عن جماعة القبيسيات هي كتاب لممثل جماعة الأحباش الدكتور أسامة السيد بعنوان “دراسة شاملة عن التنظيم النسائي الخطير” (2003) وهي دراسة غلبت عليها نبرة حزبية ندية في سياق التنافس الدعوي على سيدات المجتمع اللبناني ولذا فقد خلت من النبرة العلمية الدقيقة، و”موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة” لعلي بن نايف الشحود حيث خُصص الباب 23 للرد على القبيسيات، ولوحظ فيها افتقار الباب إلى تأصيل علمي شرعي، أو إسناد دقيق وتحقيق، فقد نسب إلى الجماعة القول بالحلول ونظرية “وحدة الوجود” الصوفية دون أن يأتي بأي دليل نقلي لإثبات ما ذهب إليه، ويكتفي بالنقل والاقتباسات عن بعض من نقلوا ما جاء في كتاب “مزامير داوود” المنسوب للجماعة، والذي تتقاطع فيه بعض الأفكار مع كتاب “المتاح من الموالد والأناشيد الملاح” لنوال أبو الفتوح المتداول بينها.
وهناك كتاب بعنوان “تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية، الكويت” وهو من إعداد لجنة من الباحثين، إضافة إلى كتابات أخرى قليلة بعضها كُتب على عجالة، والبعض الآخر غير دقيق علمياً وأقرب ما يكون إلى تقارير صحفية أو مقالات رأي موجودة على الشبكة العنكبويتة والتي سنقتبس من بعضها هنا.
المبحث الأول ماهية الجماعة تنظيم أم حركة نسوية أم جماعة دينية اجتماعية؟
يحار الباحث حول الإطار التصنيفي لجماعة القبيسيات، بين كونها جماعة بالمعنى التنظيمي، أم حركة دينية نسوية، أم تنظيم مهيكل سريا، أم مجرد نشاط اجتماعي ديني يحمل بعدا إصلاحيا… ولماذا اُصطلح على تسمية الأخوات بـ “القبيسيات” أو أُطلقت على دعوتهن بالدعوة القبيسية؟
من المعلوم أن الجماعة لم تطلق على نفسها اسم “القبيسيات”، إنما تعود هذه التسمية إلى الداعية “منيرة القبيسي” مؤسسة الجماعة وشيختها الكبيرة، وبات من الملاحظ أن هناك تشويش والتباس في تصنيف هذه الجماعة، فبعضها عدّها حركة باطنية سرية تنشط باسم الإسلام، والبعض الآخر خلع عليها صفة السياسة بغطاء ديني، بينما صنفها بعض المفكرين الإسلاميين بأنها جماعة دينية إصلاحية إحيائية…
وهناك من شطح بعيداً وألبسها لبوس الحركة النسوية الإسلامية لمجرد أنها مكونة من مجموعة من النساء، ومن المعلوم أن مصطلح “نسوية” لا يُطلق على جماعة لمجرد أنها مكونة من نساء، فإذا كان تعريف النسوية هو “حركة ثورية ذات مضمون فكري يسعى لهدم الصور النمطية عن المرأة ويحمل لواء الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ليخلصها من الحالة المتردية والتبعية الاجتماعية والفكرية للرجل وهيمنته عليها”؛ فإن الحركات النسوية قامت على الوقوف ضد الخطاب الذكوري والمطالبة بتفسير النصوص الدينية والتراثية تفسيراً أنثوياً/ نسوياً، والتي تخرج عنها في بعض الأحيان منشورات (كتب ومقالات) تحاول فيها النسويات تفسير التراث أو النصوص المقدسة تفسيراً نسوياً، على اعتبار أن رجال الدين احتكروا تفسيرها ما أدى إلى غياب حضور المرأة في المجتمع وحرمانها من حقوقها. وبهذا المعنى فإننا لا نستطيع أن نطلق على حركة “القبيسيات” بالحركة النسوية أو بالتيار النسوي. عدا عن أن جماعة القبيسيات ذكورية إن صح التعبير في نشأتها وبنيتها ونشاطها ومرجعيتها… لم تخرج عمّا يقدمه الخطاب الديني الرسمي”الذكوري”. والواقع أنه لا يوجد في سورية حركات نسوية بالمعنى السابق لا جماعة ولا فرادى، إنما يمكن القول إن ماهية الجماعة تعود إلى طبيعة المجتمع العربي الإسلامي الذي كان نظام التعليم فيه خاصاً ظل متوارثاً وفاعلاً عبر العصور رغم وجود المدارس والمعاهد والجامعات، فوجود مدرسات وفقيهات وعالمات دين يدرسنّ الفتيات والفتيان في المنازل مقبولاً في مجتمعنا إلى يومنا هذا.
وغالباً ما يتم نفي مصطلح “التنظيم” عن الجماعة لعدم وضوح هيكلية تنظيمية وآليات تصعيد الكوادر فيهاولم يعرف لها آليات إدارة الموارد الكبرى التي تردها ولم يشتهر ارتباطها بأية أغراض أو أجندات سياسية على اعتبار أن المصطلح يشير إلى حركات الإسلام السياسي أو الحركات الجهادية كتنظيم الإخوان المسلمين أو تنظيم القاعدة وبهذا فهي تفترق عن الجناج النسائي للحركات الإسلامية بالمعنى العام(مع ملاحظة أنه غدا للجماعة ارتباطات ومواقف سياسية حيال الثورة السورية ليست محل بحثنا )… وبهذا الصدد يقول د. حبش (أحد علماء الدين المدافعين عن الجماعة) بأن القبيسيات لا علاقة لهن بالسياسة أو بجهات سياسية معينة أو بالجماعات التكفيرية، وأنهن “منظمات ولكنهن لسن تنظيماً، وحتى لو كنّ تنظيماً فإن هذا ليس خطأ أو شيئا محرما، بل هو شيء يحث عليه الدين” .
بقي أن نشير إلى أنه من الممكن أن تندرج الجماعة ضمن الحركات الاجتماعية؛ فإذا كانت الحركة الاجتماعية تتشكل حول مبادئ ومصالح معينة مادية وأخلاقية وروحية بهدف الدفاع عنها، أو للسعي من أجل تحقيقها، فإنه يمكن أن نطلق على القبيسيات بأنها حركة اجتماعية إصلاحية، مضافاً إليها أنها حركة دينية لأن همها الأول التعليم الديني ونشر الأخلاق الإسلامية في المجتمع بين فئات النساء كافة.
المبحث الثاني النشأة والظروف التاريخية المحيطة
في ذروة انتشار أفكار قاسم أمين ورفاعة طهطاوي رائدي تحرير المرأة العربية ،وفي أوج ظهور ثقافات هجينة عن المجتمع السوري كالشيوعية والليبرالية نشأت الشابة منيرة القبيسي في بيئة مستقرة اقتصاديا محافظة دينيا بنبرة إنفتاحية منحتها الجرأة لإرسال ابنتها للتعليم بالمدرسة في وقت كان المتدينون يضيقون ذرعا بالمدارس الرسمية ذات النفس الليبرالي وقلما يجدون مبررا لتعليم البنات أصلا في ظل الثقافة الشرقية المهيمنة وقتها،كانت منيرة محل اهتمام رفيقاتها نظرا لدماثة طبعها ولكنها كانت محل شفقتهم واستغرابهم كونها كانت المحجبة الوحيدة بمدرستها حينها.
بدأت “منيرة القبيسي” (مواليد دمشق عام 1933) في ستينيات القرن الماضي نشاطها الدعوي والديني في دمشق، وذلك خلال تدريسها مادة العلوم الطبيعية في مدارس دمشق، ومع إحساسها بدورها الدعوي الاجتماعي بشكل أكبر دخلت كلية الشريعة بدمشق بالتزامن مع قربها من حلقات الشيخ “أحمد كفتارو” حيث تربت على يديه ونهلت منه العلوم الدينية. ثم انفصلت “القبيسي” عن جماعة الشيخ كفتارو بسبب بعض المضايقات التي واجهتها كما يقول د. حبش و”كما هي عادة كثير من الجماعات الدينية في ممارسة الوصاية على أفرادها فقد قاموا بمنابذة هذه السيدة الناجحة العداء، وبالفعل تعرضت لسلسلة من المضايقات اختارت بعدها الاستقلال عن جماعة الشيخ كفتارو دون أن تقطع صلتها بالشيخ نفسه الذي كان في الحقيقة أستاذاً لوالدها وعمها السيد أبو الخير القبيسي الذي يعتبر أحد أبرز تلاميذ الشيخ أحمد كفتارو”.
وقيل إن السبب الرئيس لانفصال الآنسة منيرة عن جماعة كفتارو هو بروز دور ابنة الشيخ أحمد كفتارو “وفاء” في جامع أبي النور كداعية إسلامية، وظهور “منافسة حادة” بينهما دفع بالآنسة إلى الابتعاد وتأسيس “منهجها واتباعها في شكل مستقل مادياً وفكرياً”، إلا أن ابن الشيخ أحمد نفى وجود هذه المنافسة بسبب أن الآنسة وفاء كانت تلميذة القبيسي وتصغرها بحوالي عشرين سنة.
بدأت تحركات الجماعة المحدودة تنشط في فترة تاريخية حرجة بالنسبة للمجتمع السوري المتدين في أغلبه، حيث طغى الفكر العلماني والليبرالي وقيم الشيوعية على سورية بشكل عام، عايشت منيرة هذه الفترة بقسوتها محاولة تخفيف آثارها الثقافية على بنات عصرها، وساعية في تحصين المقربات منها من ذاك الفكر.
لقد كان التدين حينها بالنسبة لغالبية الشعب السوري حاجة فطرية طبيعية، تبرز مظاهره إلى العلن تارة وتفتر تارة أخرى، كونه يحقق أولاً قيمة الانتماء وتحقيق الذات في ظل مجتمع لم يراع هذه الحاجة لا على الصعيد الاجتماعي ولا على غيره من الصعد حيث تفشى فيه أخلاق الفردية والأنانية والاغتراب الثقافي وبرزت فيه أشكال الانفتاح.
وعليه، ومع تنامي نشاط الجماعة اجتماعياً ودينياً، استطاعت جذب الكثير من الدمشقيات كون أغلب القيادات النسائية الأولى فيها كانت من العائلات الدمشقية المعروفة، وتدريجيا أخذت تشكل حلقاتها الدينية الدعوية الخاصة المتسمة بالاعتدال تارة وبالتشدد تارة أخرى، وحملت على عاتقها مسؤولية توعية النساء اجتماعياً ودينياً في بيئة اقتصر الوعي الديني والتعليم الشرعي فيها على المدارس والمعاهد الشرعية التابعة للمؤسسات الدينية الرسمية مثل معهد بدر الذي أُسس عام 1964 الخاص بتعليم الإناث والتابع لمجمع الشيخ كفتارو. ثم في العام الذي يليه عام 1965افتتح معهد الفتح (الذي أسسه الشيخ محمد صالح فرفور) فرعاً للإناث لتعليمهن العلوم الشرعية وإعدادهن للدعوة والتي عُدت المبادرة الأولى للنهوض بالفتيات دينياً وتربوياً في دمشق.
في سبعينيات القرن المنصرم ومع تصاعد صوت الحركية الإسلامية على يد الاخوان المسلمين ومع إيلائهم قضية الدعوة النسوية حقها برزت حالة انتعاش لتيار القبيسيات ضمن بنات الإخوان المسلمين لكن الخلفية الفكرية المتأثرة بالسلفية لإخوان دمشق ممثلة ب عصام العطار حالت دون الانفتاح الكامل على جماعة القبيسيات فكان دورهم تنسيقياً دعوياً بالمعنى العام.
في ثمانينيات القرن الماضي خبرت النساء السوريات أحداثاً جسام طالت حياة أزواجهن وآبائهن وإخوانهن في احداث حركة الإخوان المسلمين آنذاك، ولكل من كانت له علاقة بها من قريب أو بعيد. ومع ذلك لم تقفهؤلاء النسوة مكتوفات الأيدي في ظل هذه الظروف الأمنيةآنذاك، ويسجل للقبيسيات حينها أنهن استطعن وبسبب طبيعة حياتهن المنعزلة عن المجال العام أن يكن الحامل والحافظ للتعاليم الدينية وباتوا الموجه الأخلاقي شبه الوحيد للنساء بتلك الفترة، وأسهمن بشكل ما في إعادة المجتمع السوري لطبيعته المحافظة الملتزمة بالدين ونشر القيم الإسلامية والتأكيد على الالتزام بالعبادات وحفظ القرآن ودراسة الفقه والسيرة النبوية.
بالتزامن مع جماعة القبيسيات وُجدت نشاطات نسائية دينية أخرى أبرزها كانت تعود لجماعة الشيخ أحمد كفتارو والتي عُرفت بـ”الكفتاريات” والتي ترأستها وفاء كفتارو ابنة الشيخ أحمد، حيث تلقت تدريباً “على مسار المشيخة والقيادة على يد والدها ومشايخ وشيخات آخرين، وهي تترأس معظم الفرع النسائي من الطريقة الكفتارية، كما كانت مشرفة على المدارس والجامعات التابعة لمجْمع أبو النور الإسلامي لفترة طويلة. كما كانت الزوجة الثانية للشيخ كفتارو، صباح الجبري والتي تزوجها الشيخ بعد وفاة زوجته الأولى عام ١٩٩٢ تكتسب تأثيراً كبيراً ضمن النشاط النسائي. كما تم تعيين كل من ابنته وزوجته كمعلمات رسميات في المساجد عن طريق وزارة الأوقاف الإسلامية، وذلك بالرغم من كون المناصب الثابتة محدودة جداً وغير متاحة عادةً للنساء” .
وبالإضافة إلى المعاهد الشرعية الرسمية وحلقات الدروس الدينية في المنازل سواء التابعة لجماعة القبيسيات أو غيرها، نشأت حركات تجديدية تنويرية كما تطلق على نفسها نشطت فيها الفتيات ولو بنسبة أقل بالمقارنة مع الذكور، كحركة فكر جودت سعيد التي شاع صيتها في دمشق خاصة ومدينة داريا بشكل أدق، أواسط التسعينيات من القرن الماضي. دعت هذه الحركة إلى التغيير التدريجي والسلمي من خلال أنشطة مدنية وتعلم الدين وتعاليمه ضمن منهجية اللاعنف ونشر السلام والمحبة ومحاربة الفساد، وكان الشيخ عبد الأكرم السقا (إمام وخطيب مسجد أنس بن مالك في داريا) من أبرز أنصار هذه الحركة والذي ألف كتباً فقهية عدة، ودرس فيه الفقه والقرآن والتجويد (ضمن حلقات معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم). ومن النساء برزت حنان اللحام كداعية دينية وناشطة في نشر فلسفة اللاعنف حيث فتحت بيتها لاستقبال المريدات والمريدين من أنصار التغيير السلمي.
في نهاية عام 2000 عممت وزارة التربية والتعليم في سورية على المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية السماح للطالبات بارتداء الحجاب خلال الدوام المدرسي وفي الفصول الدراسية، بعد أن كان ممنوعاً على الطالبات الاحتفاظ به داخل المدارس، بموجب قرار عام 1983 وبالتزامن مع الحملة الإجبارية في 29 أيلول 1981التي قام بها رفعت الأسد (أخ حافظ الأسد) بواسطة مظليات رفعت الأسد وسرايا الدفاع أُجبرت من خلالها البنات والنساء على خلع الحجابات في شوارع دمشق ومدارسها، وبسبب الموقف الشعبي الضاغط الرافض لهذه الحملة خرج حافظ الأسد معتذراً أو هكذا خُيل للشعب وقتذاك قائلاً: “هؤلاء أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، نحن نحترمهن… بعض بناتنا المتحمسات لا يرضيهن ما يحدث للمرأة من تهميش وانغلاق… يجب أن تقوم المنظمات الشعبية وبخاصة الاتحاد النسائي بدورها في تربية جيل متحرر” .
شكلت مسألة الحجاب قضية مركزية لدى القبيسيات ولدى غيرهن من النساء المحافظات، فالحكم السوري استخدم الحجاب استخداماً وظيفياً ما بين نزعه وبين السماح به على مضض ما أثر لاحقاً كثيراً على الأسر السورية المحافظة ودفع بالكثير منها إلى إجبار الفتيات على ترك المدرسة بسبب منع الحجاب، بينما اعتمد البعض الآخر على فتاوى تُولي التعليم أهمية كبيرة. هذه الحالة المقلقة دفعت بالقبيسيات إلى تحدي مبطن للحكم من خلال إنشاء البديل عن المدارس لتلقين الفتيات مبادئ دينهن وتعليمهن تعليماً شرعياً، والحث على التمسك بالحجاب في الأماكن العامة. ثم إن سياسة منع المحجبات من الظهور في المجال العام في موقع قيادي ما في المجال السياسي أو الحكومي أو الإعلامي على سبيل المثال، وفرض شرط نزع الحجاب إن أرادت إحداهن الوصول إلى تلك المراكز، خلقت حالة من تهميش المحجبات وجعلتهن في أطر ومجالات محددة وقامت بعزلهن في جماعات خاصة بهن منغلقات على الجماعات الأخرى، وعلى أفراد المجتمع الآخر المخالف.
المبحث الثالث الانتشار … وقياديات الجماعة وآنساتها
تعتبر دمشق هي الحاضن والمنشأ الفعلي لمجموعة الأخوات وفيها استقرت صورتها النهائية ورؤيتها الفكرية ومنها استمدت المرجعيات، ولازالت الوفود النسوية تحج لرؤية الآنسة الكبيرة بدمشق ،كما عمل وجود الجامعة الكبرى بسورية في العاصمة على توسع الاحتكاك بين الدمشقيات والطالبات من محافظات أخرى اللواتي شكلن رسلا مباشرين للدعوة ومرتكزات صارت فيما بعد أعمدة الجماعة في مناطقها وتجمعاتها، وتعتبر كلية الصيدلة في جامعة دمشق أحد أهم معاقل القبيسيات التي تخرجت منها شخصيات قيادية نسوية ذات مستوى تعليمي عالي في محافظاتها استطعن نقل الأفكار وتطبيق التجربة ذاتها.
تأتي مدينة حمص بعد دمشق من حيث انتشار جماعة القبيسيات ضمن مستوى اجتماعي أرستقراطي ويحسب لها كذلك المحافظة على تدين الفتيات بعد فترة أحداث الإخوان المسلمين ، وتتبعها قيادة حمص القيادة المركزية من حيث تلقي التعليمات والمناهج وطريقة التدريس والتطوير وآليات التغلغل المجتمعي، إلا أن الجناح الحمصي قد اختط طريقته الخاصة في التفاعل عبر اختراق مؤسسات مجتمعية موجودة أصلا ومرخصة قانونيا، فيما يفسره البعض بطريقة غاية في الدهاء للهروب من التبعات القانونية فقد عملوا على اختراق الجمعيات الخيرية والمنظمات المجتمعية وعملن تحت مظلتها وارتقى بهن الحال تدريجيا حتى وصلوا لمراحل قيادية في هذه المؤسسات، غير أن انقسام المرجعية ظهر للعيان في مدينة حمص رغم محاولة التكتم عليه لسنين فهي تنقسم إلى قسمين متخالفين نشاطا ورؤية:
الأول تابع للآنسة وفاء حمدون وهي مدرسة لغة عربية تنحدر من أسرة جذورها إخوانية وقُتل أخوها وهذا المجموعة يغلب عليها العنصر النسوي الشاب وعملت على التنسيق مع جمعية البر والخدمات الاجتماعية ويحسب لهذا التيار انفتاحه الفكري نسبيا.
والثاني تابع للآنسة أمية أبو زيد، في مدينة حمص التي اخترقت المجتمع الحمصي من خلال مدرستها المميزة علميا (طلائع النور) والتي حازت على زيارة خاصة ومباركة من أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري، ويحسب لهذه المدرسة نمطيتها الفكرية المتماهية مع عقلية القبيسيات من حيث المبالغة في احترام الآنسة لدرجة قد تبلغ التقديس أحيانا، وقد انشقت عن ظاهرة القبيسيات بحمص مجموعة صغيرة (مجموعة روضة الثناء) فاتخذت منحى غريباً عن المجتمع السوري، لكنه يتقاطع مع فكر القبيسيات الصوفي الأشعري المذهبي. فاتجهت لمجموعة الأحباش اللبنانية كنوع من التعويض عن حالة النبذ التي مورست عليها من قبل القبيسيات ورموزها، وقامت إحدى رموز هذه المدرسة بكتابة مؤلف يتقاطع مع أفكار المدرسة الحبشية إلا أن هذا التيار لم يلق قبولا ولا رواجا شعبيين.
أما في حلب “فلم تستطع هذه الجماعة اختراق الجماعات الدينية النسائية فيها بشكل كثيف، وذلك لعدة أسباب من أهمها: عراقة المدارس والطرق الصوفية وتنوعها في المدينة حيث لكل حركة جناحها النسائي الخاص، وهكذا تمترست الحركة الدينية النسوية بحلب خلف المؤسسة الدينية التقليدية.
تحولت ظاهرة القبيسيات بمرور الزمن من ظاهرة إصلاحية محلية إلى مؤسسة دينية متكاملة الأركان، حيث تمدد نفوذها ونشاطها بالإضافة إلى سورية إلى البلاد العربية في لبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج عامة، وحتى في بعض دول الغرب نشهد بعض الانتشار لها. ويعتبر الانتشار الأوسع لها في الكويت من بين دول الخليج، حيث أسست أميرة جبريل جمعية “بيادر السلام” في عام 1981 ومن هنا سميت القبيسيات في الكويت باسم بنات البيادر، وذلك بمساعدة الكويتي يوسف سيد هاشم الرفاعي، وهي جمعية مرخصة من قبل الحكومة الكويتية، وتابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتشرف على عدد من المدارس التعليمية والتربوية. واليوم بتنا نسمع أصواتاً من دول الخليج تحذر من انتشار هذه الجماعة وخطر أفكارها على نساء المسلمين.
وتأتي سلسلة من الأسماء البارزة للآنسات القبيسيات اللواتي شكلن أعمدة قامت عليها الحركة حيث يمكننا أن نورد منهن: خير جحا والتي تلي الشيخة منيرة في رتبتها ومكانتها الروحية في الجماعة، ودلال شيشكلي (التي كانت مهددة أمنياً كونها إحدى اللاتي خرجن من سورية في ثمانينيات القرن الماضي)، ونهيدة طرقجي، ودرية العيطة التي شكل كتابها فقه العبادات على المذهب الشافعي أحد أهم المراجع الدينية لدى الطالبات، ولازال كتابا له حظوته رغم كثير من النقد الفقهي الذي وجه له، وسميرة الزايد التي اشتهرت بموسوعيتها حول السيرة النبوية التي سنذكرها لاحقا، وسعاد ميبر التي كتبت كتابا اختصاصيا في قضايا الاعتقاد، واعتبر جرأة منها في اقتحام مثل هذا الباب على تعقيده، ومنى قويدر، وفائزة الطباع، ورجاء تسابحجي، ونبيلة الكزبري، وفاطمة الخباز التي تعد اليد اليمنى للشيخة الكبيرة.
وتُعد “أميرة جبريل” من الآنسات القبيسيات المقتدى بهن، ومن الآنسات في الصفوف الأولى المقربات إلى الآنسات الكبيرات، وعُرف عنها أنها من أشهر تلميذات الشيخة منيرة والتي تملك حضوراً وتأثيراً كبيرين. ويعود لها الفضل في انتشار الجماعة في لبنان والكويت. وفي جدل من سيخلف الشيخة منيرة فإن جبريل من المرشحات القويات للخلافة كما يقول عبد الرحمن الحاج لامتلاكها ما يؤهلها لتكون العقل المفكر للقبيسيات، وهذا ما يفتح أبواباً من التساؤلات عن مصير هذه الجماعة في حال موت الآنسة الكبيرة.
كما ساهمت الزيجات من مغتربين سوريين في بلاد غربية عدة في انتشار الجماعة وممارسة نشاطاتها هناك، ومن المعلوم أن ترتيب هذا النوع من الزواج ليس خاصاً بالجماعة فهي تحدث في الأوساط المحافظة وفي المساجد، فكثيراً ما يلجأ شاب متوسط الحال يريد الزواج إلى إمام المسجد لتأمين له ترتيبات الزواج كافة بدءاً من اقتراح عروساً له إلى جمع المال لمساعدته في مسلتزمات الزواج.
المبحث الرابع أصولها الفكرية ومصادرها المعرفية
قلنا سابقاً إن جماعة القبيسيات لسن من أتباع حركة الإسلام النسوي، المتأثرة بالحركة النسوية العالمية في تفسير النصوص الدينية، واللاتي أخذن على عاتقهن التحرر من الخطاب الذكوري في تفسير النصوص المقدسة ومحاربة الأدوار النمطية للمرأة المسلمة، أو اللاتي نادين بإعادة قراءة القرآن قراءة نسوية. إنما هي جماعة عُرف عن أغلب آنساتها الأوائل اتباعهن المنهج الصوفي/ النقشبندي، منذ بداية نشأتها نظراً للبيئة الدينية والاجتماعية المحيطة بهن في سورية آنذاك، ولذلك فمن غير المستهجن وجود بعض السلوكيات الصوفية واعتماد بعض الأذكار والموالد والأدعية المستوحاة من الطرق الصوفية مثل الطريقة النقشبندية تحديداً، كونها الطريقة الأكثر انتشاراً في سورية والطريقة التي أخذتها الشيخة “منيرة” من الشيخ أحمد كفتارو في بداياتها، إلا أنه لا يمكننا الجزم بأن الجماعة ظلت على هذا الخط طوال مسيرتها، حيث غلب على الآنسات الجديدات ومنذ تسعينيات القرن الماضي ابتعادهن عن التصوف ومنهجه بطابعه “الدرويشي” الساذج المنتشر بين صفوف الشعب البسيط، والذي يجد في روحانيات التيار الصوفي “الدرويشي” ملاذاً آمناً مريحاً من صخب الحياة وهروباً من ماديتها، وبات واضحا اللغة التجديدية في الخطاب الصوفي التي تتوخى الحذر في المرويات الدينية والتاريخية وتراجع كثيرا من المسلمات السابقة وتعيد إنتاجها بصورة أكثر علمية.
في مسيرتها الدعوية كان للجماعة مصادر قوة أطالت في عمرها وساعد على انتشارها وتمددها؛ الأول: دعماً معنوياً ودينياً من أغلب المدارس والتيارات الدينية التقليدية، كمدرسة الشيخ أحمد كفتارو قبل الانشقاق والابتعاد، كما نهلت من المرجعية الفكرية الدينية للدكتور البوطي، حيث قال في حضرة الدفاع عن القبيسيات من كونهن “يمثلن الإسلام الحضاري والوطني الواعي، البعيد عن الغلو المترفع عن النفاق”. بالإضافة إلى ذلك فقد أخذت الجماعة من أساتذة معهد الفتح (مفتي دمشق عبد الفتاح البزم ود. حسام الدين فرفور) ومن جماعة الشيخ عبد الكريم الرفاعي العلوم الشرعية والدينية، ومن فقه د. وهبة الزحيلي.
وثانيهما فتمثل بالتعامل الأمني المعتدل معهم من قبل الدولة قياسا بغيرهم من التجمعات الدينية، فمنذ أربعين عاماً والقبيسيات يمارسن نشاطهن الذي شابته السرية في لحظات تاريخية ولكن غلب عليهن اشتهار نشاطاتهن العامة ومعرفة رموزهن ومؤسساتهن التربوية في الأعم الأغلب، وتلك حالة لم تكن تخفى على الحكم السوري فيما يفسره البعض بحالة رضا ضمني عن الأنشطة القائمة التي لا تتسبب بشكل مباشر بصدام مع الحكم ،ويفسره آخرون في سياق استيعاب الحكم لمثل هذه التجمعات وعدم الاصطدام مع فصيل ديني لايحمل رؤية سياسية، بخلاف حالة اللواتي كن يتبعن لتنظيم الإخوان المسلمين بشكل مباشر ممن عوقبن، ويضاف لذلك أن الجماعة كانت شديدة الحرص في البعد عن السياسة فكرا أو ممارسة، فقد كان يُمنع أحيانا على الأخوات أو من هنّ من أقارب الإخوان المسلمين الالتزام مع القبيسيات أو الانتساب إليهن، بل تُحظر أية فتاة من الانتساب من اللاتي اعتُقل أي شخص من أسرتها لأي سبب كان، والتبرير لذلك يأتي من باب تغليب مصلحة الجماعة على أي اعتبار آخر.
في بداية نشأتها وبسبب محافظة الجماعة على العلاقة الطيبة مع معظم الجماعات والمدارس الدينية في سورية، مع احتفاظها على مسافة بعيدة من بعضها الآخر كجماعة كفتارو في وقت مبكر من نشوء الجماعة، بدا أن الجماعة تنهل علوماً ومعارف من مصادر دينية وشرعية مختلفة ومتنوعة. ثم سرعان ما اتخذت الآنسة منيرة منهجاً تربوياً استند إلى مصادر علمية ودينية خاصة بهن، ومنعت مريداتها من حضور دروس أو المشاركة في النشاطات الدينية في مجمع أبي النور أو أي جامع تابع للمجمع، بل وأي مجمع أو جامع آخر تابع لأية جماعة أخرى، ومن تفعل ذلك تُوبخ وتُخير بين أن تلتزم مع الجماعة بشكل تام أو تتركها إن أرادت التنقل بين الجماعات الدينية الأخرى، وغدت تلك الطريقة منهجا متبعا سيطر على طريقة الجماعة في التعامل مع مريداتها مما تسبب بحالة إغلاق فكري واضح للطالبات، وعليه غلب على الجماعة احتكارها للدين أو الادعاء بأن بناء صلة سليمة مع الله تعالى لا بد وأن تكون من خلال الجماعة وحسب، ويأتي التبرير دائماً من الخوف على التأسيس الديني للطالبات من التشويش والاضطراب، إلا أنه يبدو أن هناك نظرة أخرى عن “الكفتاريات” أو حتى عن الجماعات الدينية النسائية الأخرى والتي اتسمت بين صفوف القبيسيات بالنظرة الدونية أو وسمهن بأنهن في درجة أقل منهن من الناحية العلمية والشرعية والاجتماعية، حتى طالت النظرة الدونية تلك إلى طريقة اللباس والهندام للأخريات . بالإضافة إلى ذلك وُجدت علاقة حيادية مرتابة من منهجها الدعوي جمعت الجماعة مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني الذي عبر المسؤول عنها أن وجود مدرسات قبيسيات في قسم الإناث من معهد بدر الدين الحسني هو “أمر لم يكن يحظَ بترحيب خاص ولا حرج فيه طالما أن المدرسة تقوم بواجبها التدريسي بمهنية وحياد” .
وبشكل عام تتبع جماعة القبيسيات المنهجية نفسها لحلقات الدرس الديني النسائية منها والذكورية، حيث تكون على شكل إلقاء دروس دينية بشكل وعظي دعوي خال من العمق العلمي أو التأصيل الشرعي الدقيق، حتى بلغ الأمر أن أطلقت بعض آنسات الجماعة الفتاوى جزافاً ودون تأصيل أو عودة إلى الفقهاء وعلماء الدين. وكون الجماعة دعوية محضة فإنه من الطبيعي أن تنقصها المرجعية الفقهية الرصينة، حتى شبهها البعض بجماعة التبليغ والدعوة، من حيث تركيزها على الرقائق والعبادات وطريقة نشر الفضائل الإسلامية بين أفراد المجتمع ومذهبها الصوفي الذي يعتمد على العبادة الفردية الروحية والبعيدة عن الشأن العام وخاصة المجال السياسي.
يختلف إذن منهج القبيسيات في طريقة دراسة العلوم الشرعية في المعاهد والكليات الدينية، كما أنهن لا يملكن مشروعاً فكرياً واضحاً أو أفكاراً تجديدية للدين، بل انصب نشاطهن على التركيز على القيم الإسلامية ونشرها بين صفوف النساء من خلال مدارسة سير الأنبياء والصحابة والتابعين، وحلقات لحفظ القرآن والتجويد حيث تحصل الطالبة في نهاية الدورة الشرعية على “إجازة القرآن”. وقد اتخذن الوسائل الفنية الحديثة ووظفنها لصالح نشر الدعوة والتعاليم الدينية، حيث مارسن فنون التمثيل والإنشاد المستقى من ألحان الأغاني الدارجة واُدمجت فيه كلمات دينية وجمل تتحدث عن القيم والأخلاق الإسلامية.
الكتب والمؤلفات
من الكتب التي تُدرس ضمن الجماعة كتاب “المتاح من الموالد والأناشيد الملاح” الذي ألفته نوال أبو الفتوح والذي يُقال إن فيه الكثير من عبارات الحلول والاتحاد ومن الأشعار والمدائح النبوية، وهو كتاب لا يُتداول إلا في المراحل المتأخرة من الدروس وفي حلقات خاصة حيث يكون انتقاء الحاضرات دقيق. ومن المعلوم بين أوساط القبيسيات أن كتاباً أقدم من الأخير وهو محل إشكال كبير من حيث المضمون يحمل عنوان “مزامير داوود”، على شكل نوتات وقام على تأليفه حفنة من الآنسات كان يُدرس في تلك الحلقات، يحتوي على أناشيد ذكر صوفية مليئة بالتشبيب الإلهي وبأشعار رمزية تُقدس فيها الشيخة .
عُرف عن الجماعة سعيها لصياغة هوية شخصية مستقلة بها سواء من الناحية الوعظية أم من الناحية الشرعية في محاولاتها للاستقلال الفكري النهائي والتخلص من تبعات الارتهان لبعض الرموز والتيارات الدينية والتخلص من حالة الابتزاز الجماعاتي الديني الذي كان يمارس عليهن فشجعت رموزها على خوض غمار الـكتابة العلمية الاختصاصية فقدكتبت بعض قيادات الجماعة مؤلفات خاصة بهن تُعنى بفقه العبادات، حيث اختصت كل آنسة بمذهب فقهي معين، فالآنسة درية العيطة كتبت في فقه العبادات على المذهب الشافعي، ونجاح الحلبي على المذهب الحنفي وسعاد زرزور على المذهب الحنبلي وكوكب عبيد ألفت فقه العبادات على المذهب المالكي ورغم ما وجه لبعض تلك الكتب من نقد علمي أو ملاحظات منهجية إلا أن ذلك سجل كسبق جرئ في ميدان غلب على الاشتغال به رموز دينية من الرجال.
وأولت الجماعة قضية العقيدة اهتماما خاصا فقد حرصت على تأكيد (أشعريتها ) العقيدية ومنهجها الصوفي (فكرا) والمذهبي (عبادة) فجاءت الجماعة تقليدية بصورة واضحة في التعاطي مع جميع محاولات التصنيف، وحرصت على مراعاة الشمولية العلمية في كتابة منهاجها، فقد كانت تُدرس في مناهج الجماعة : “جوهرة التوحيد في العقيدة” للبيجوري وهو عمدة الفكر الشعري المعاصر، و”المقدمة الجزرية” مع شروحها، و”إحياء علوم الدين للغزالي” في التربية والسلوك ، و”منهج النقد في علوم الحديث” لنور الدين عتر، و”مختصر تفسير ابن كثير” للصابوني، و”فقه السيرة” للشيخ محمد سعيد البوطي، و”رياض الصالحين”، وكتب للشيخ أبو الحسن الندوي مثل “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” والذي كان يُدرس سراً وبين حلقات خاصة لاحتواءه على حياة وفكر مشايخ وعلماء دين ممن يُجرم ذكر اسمهم في سورية كالشيخ ابن تيمية وحسن البنا، وكتاب “دلائل الخيرات”، وكتاب “فتح الباري” لابن حجر العسقلاني، والذي اُستعيض عنه بكتاب “عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة” لمدرسة معهد الفتح سعاد ميبر الذي كان يُدرس بشكل سري وللخاصة من الفتيات اللاتي بلغن المرتبة العليا في دراستهن، و”نجوم في فلك النبوة” لأسماء الطباع (2004)، وكتاب “السيرة” لابن هشام، والذي اُستبدل بكتاب “الجامع في السيرة النبوية” (جزءان) لسميرة الزايد قدم لمختصره البوطي قائلاً: “أهنئ الآنسة التي عكفت على إخراج هذا الكتاب طبق النهج العلمي الأمثل في خدمة السيرة النبوية والسنة المطهرة والفقه وأحكامه والثقافة الإسلامية عموماً وهو جهد سبقت فيه بحمد الله الرجال في هذا العصر” .
المبحث الخامس الهوية والبنية
الهوية الفكرية
تتفانى المريدة في طاعة آنستها أو شيختها القبيسية لاعتقادها أن ذلك يقربها من الله ورسوله، وهو سلوك متعارف عليه بين الأوساط الصوفية سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، وكون الجماعة تابعة للمدرسة الصوفية التقليدية التي تولي تزكية النفس وتطهيرها الأولوية الكبرى، فإن طريقة تلقي العلوم الإسلامية غالباً ما تكون على الطريقة الصوفية أي من طريق شيخ/ة إلى مريديه/ا. إن حالة الاحترام المفرط تجاه المشايخ يعدها البعض ممن هم في سلك المشيخة أنها مجرد تعبير عن الشارع السوري فهو “شارع ديني أو متعاطف مع الدين ويحترم العلماء، وهذا الاحترام لا يصل إلى حد التقديس، أنا أقبّل يد العلماء، بالتالي أقبّل الفكر والحكمة وليس كل عالم تُقبّل يده أو يدها، ولكن لا نقصد بالاحترام تقبيل اليد أو الأرجل، أما أن نركع ونسجد لشيوخنا فهذا ليس من الدين”.
ومن باب هذا الاحترام المشيخي، فإن الفتيات في جماعة القبيسيات تستشير الآنسات في مسائلهن الشخصية كافة؛ كالزواج والدراسة والوظائف وحتى الكتب المراد قراءتها كما أكدت لنا السيدة أمل، إما احتراماً وتقديراً لخبرة الآنسات في الحياة وعلمهن بشؤون الدين أو نوعاً من التقرب والتودد تقوم به الطالبات تجاه الآنسات كي ينالوا مكانة خاصة عندهن مع التأكيد على مراقبة الآنسات بشكل دائم من قبل من هنّ أعلى مرتبة منهن كي لا تستميل الآنسة الطالبات إليها وتُعلق قلب الفتيات بها لشخصها، ومن تفعل ذلك تُوبخ وتنقل من حلقة إلى أخرى أو تفصل من الجماعة حسب شدة السلوك. وينطبق الأمر نفسه على المريدات، فمن لُوحظ عليها تعلق ما وعاطفة جارفة اتجاه آنسة ما فإنه سرعان ما تُنقل إلى حلقة آنسة جديدة، وتُؤمر بقطع أية علاقة مهما كانت صغيرة مع الآنسة الأولى.
اتخذ هذا الاحترام المفرط مع الوقت أشكالاً شاذة ومتطرفة من الخضوع والاستكانة والتسليم المطلق للآنسات، ما خلق صورة سلبية مستلبة للطالبات وكأنهن منقادات دون إعمال للعقل أو أدنى حدود من الحرية، ولرغبة بعض الآنسات في السيطرة على الطالبات ربما بدافع خيري إلا أنه بأسلوب سيء اتخذ شكلاً من أشكال السيطرة، حيث كانت بعض الآنسات تحول العديد من الفتيات المقربات إليهن إلى مخبرات تكتبن التقارير وتنقلن ما يُتداول بين الطالبات من أخبار وأفكار ونشاطات وتحركات شخصية… لتستغل الآنسة ذلك من أجل فرض نفوذها على الفتيات وتقديم صورتها وكأنها من أهل الكشف والولاية والكرامة الخاصة بالأولياء العارفين، يطلعها الله سبحانه وتعالى على ما يدور في سرائر الفتيات، فتعرف كل تفاصيل تحركاتها من أجل مصلحة الفتيات أنفسهن للحفاظ على دينهن ولإرشادهن إلى الطريق القويم كلما حاول الشيطان الدخول في النفوس!
ثم تطرف الأمر أكثر حيث عُدت مقابلة الشيخة الكبيرة أو إحدى المقربات منها من الطبقة الأولى أنها مسألة تتعلق بالاصطفاء والامتياز من الله تعالى، ومن حُرمت من اللقاء فذلك لأن الله لم يرد لها هذا الاختيار! كما ونشهد شططاً كبيراً في احتكارهن العلم وطريق الوصول إلى الله وحصره باتباع طريقهن ومنهجهن وحتى طريقة حجابهن، وأنهن وحدهن يمثلن أتباع الطريق الحق.
البنية التنظيمية والهيكلية القيادية
إننا نلمس وضوحا في التراتبية الهرمية بين الأخوات القبيسيات ليست بطريقة الجماعات والتنظيمات التقليدية والهيكلية المؤسساتية بل تتجسد بالمظهر والمضمون؛ فالمظهر يبدو من خلال طريقة اعتماد اللباس المكون من “المانطو” وألوان غطاء الرأس (التي تشي بوجود تراتبية ما، فالأبيض والأزرق والأسود حسب رتبة الدرجة العلمية والتحصيل الشرعي الحاصلة عليه القبيسية) ، ويعود أصل هذا اللباس إلى دراسة الآنسات والشيخات الكبيرات لأنسب طريقة للباس الشرعي يمكن أن يكون مقبولاً اجتماعياً وأمنياً ويحمل هوية دينية معتدلة، ومن ثم لا يخالف الدين الإسلامي حسب ما ارتأين بالتزامن مع تأكيدهن على عدم التبرج والتقيد بمظاهر تشي بالتزام العفة والحياء في المشي وخفض الصوت وعدم إطلاق النظر على المحرمات.
أما التراتبية الهرمية بالمضمون فمن حيث رتبة الآنسة وماهية علاقتها مع الآنسات الكبيرات ومكانتها في الجماعة، كل ذلك من الممكن أن يُظهر القبيسيات وكأنهن ضمن تنظيم إداري وهيكلي معين. ومع أنه لا وجود لشروط وآليات محددة للانتساب، فإنه يمكن تصور التراتبية البنيوية للجماعة على النحو التالي
“الحجَّات”: وهن الطبقة الأولى والنواة المركزيّة والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها وتضع الخطط والبرامج وتشرف على التنفيذ العام وتُرفع إليهن التقارير وترجع إليهن الآنسات في كل شؤونهن ولا تستطيع الطالبات الوصول إليهن إلا بعد المرور بمرحلة زمنية من الالتزام مع الجماعة وتزكيات خاصة وثباتٍ على المواظبة وظهور الولاء المطلق للجماعة.
الآنسات/ الخالات الكبيرات: وهنَّ الذراع التنفيذية للخطط والبرامج وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وهنا تكمن سلسة تراتبية من الآنسات يتمايزن بألوان حجاباتهنّ من الأزرق السماوي إلى الكحلي الغامق وما بينهما من درجات.
المريدات/ التلميذات: وهنَّ القاعدة التي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كلّ حلقةٍ لآنسةٍ فيما يشبه الخليّة التنظيميّة التي تلتقي بشكلٍ دوريٍّ ويقدّم لها منهاج مدروس ومقرر من الآنسات الكبيرات أو “الحجّات” وينتقلن تصاعديًّا من آنسةٍ إلى أخرى؛ أي إلى حلقةٍ جديدة بعد تحقيق شروط معينة وإنهاء مناهج محددة.
إن تقرب المريدة من الآنسات يخضع إلى شروط دقيقة، فلا يكفي أن تكون من حفظة القرآن أو تكون سريعة في تعلم أصول الفقه أو فقه العبادات أو العلوم الشرعية الأخرى… بل لا بد أن تخضع إلى دراسة صارمة حول حالتها العائلية وعلاقاتها، فمن كانت من أسرة تضم فيها رمزاً سياسياً أو بعثياً فإنه لا يُسمح لها بالتقرب أو الانتقال بين الحلقات الدراسية بأريحية، وتُلقن العلم الشرعي بحدوده الدنيا دون التوسع مع عدم منحها امتيازات لحضور حلقات توجد بها آنسات من الطبقة الأولى أو الثانية للجماعة أو حلقات يُتدارس فيها كتباً ممنوعة، فنوعية الكتب والمواد تختلف حسب الفتاة ومرجعيتها العائلية.
وتغدو التلميذة آنسة على حلقة دراسية أخرى وعلى فئات عمرية أصغر، بعد قطعها لمرحلة تعليمية معينة تؤهلها لممارسة التعليم الشرعي وتحفيظ القرآن وتجويده مع وجود شرط ضروري وهو سماح الآنسة لها بممارسة التدريس وتشكيل حلقات لتحفيظ القرآن.
ومما يؤخذ على الجماعة من حيث هويتها ومنهجها أنها تفتقد إلى رؤية تسعى إلى نهوض فكري بالمجتمع يُساهم في نهوض أمّة . وهذا ما لا يمكن حصره بالجماعة وحدها، وذلك لسببين: الأول؛ أن الجماعة ابنة بيئة سورية دمشقية الأصل منغلقة، خبرت سنيناً من القبضة الأمنية والمراقبة المخابراتية الشديدة، حيث عاش أغلب المجتمع السوري حالة من الاغتراب والرهاب والخوف طال فئات المجتمع كافة. الثاني؛ أنها جماعة تضم نساءً ولم يسجل التاريخ وجود جماعة نسائية تملك رؤية عميقة ومستقبلية تحمل هموم الأمة، بل كانت جلها جهوداً تركز على التربية الروحية وتزكية السلوك مع وجود بعض الحالات الفردية التي جعلت نصب أعينها قضية الأمة الإسلامية أساس فكرها ونشاطها. والعكس صحيح، فمن الممكن القول بأن النهوض الذي ساهمت فيه هذه الجماعة يمكن أن يصب في الجهود التي سعت للحفاظ على عفة الفتاة وعودة مظاهر التدين إلى مجتمع المرأة السورية في بعض المدن التي سجلت فيها حضوراً كبيراً. ومن اللافت للنظر أن معظم “القبيسيات” من خريجات الجامعات العلمية كعلوم الطب والهندسة والعلوم الطبيعية… ومعظم الآنسات موظفات في القطاعين العام والخاص، ويقل هذا المستوى العلمي العالي كلما ابتعدنا عن المدن الكبيرة كدمشق.
أما الانعزالية الاجتماعية التي تسم هوية جماعة القبيسيات فيمكن أن تظهر في اقتصار علاقاتهن الاجتماعية ونشاطاتهن الدينية والدعوية على الحلقات القريبة جداً وعلى كل من هي داخل مجال الجماعة، حتى لنجدهن كمجتمع صغير في قلب المجتمع النسائي السوري. أما الانعزال في العبادة أي الاعتكاف واتخاذ أغلب القبيسيات مكاناً قصياً بعيداً عن العائلة من أولاد أو أهل أو زوج من أجل الصلاة والعبادة والأذكار والأوراد والتي قد تؤدي إلى إهمال الأسرة أحياناً، فهي ليست خاصة بالأخوات في الجماعة، إنما هو سلوك يتبعه أصحاب الطرق الصوفية المنتشر في المجتمع السوري، بأفراده من الرجال والنساء.
وبخصوص الانعزالية السياسية فالقبيسيات بعيدات عن الحياة السياسية بشكل كبير، ويمتنعن عن التحدث إلى وسائل الإعلام أو إجراء حوار مع باحثين للكتابة عنهن بهدف تبيين ما يُتداول خطأً عنهن، والدافع الأول لهذا الانعزال يعود ربما إلى دواعٍ أمنية بحتة، فحتى بعد الانفتاح النسبي والخروج إلى المجال العام (المساجد تحديداً) ظلت السرية صفة خاصة طبعت سلوك الجماعة ونشاطاتها.
وفيما يخص مسألة الزواج والعنوسة التي تكاد تطبع سلوك الجماعة، فلم يُقدم إلى الآن على حد علمنا تفسير واضح دقيق حول ظاهرة عزوف نساء هذه الجماعة عن الزواج، فمن قائل إن ذلك مرتبط بظاهرة العلماء العزاب، الذين يتخذون من نشر الدعوة مساراً حياتياً كاملاً كون الزواج قد يلهي عن هذا الهدف السامي، وإعلاء قيمة التقرب إلى الله عبر العبادات، علاوة على وجود حواجز نفسية وعاطفية راسخة بين صفوف الفتيات. وبسبب التربية الدينية الصارمة والفصل التام بين الجنسين وتصوير الرجل وكأنه كائن مادي غرائزي لن يتوان عن الانقضاض على كل أنثى حوله، (ومن هنا أتى أيضاً ترك الفتاة مظاهر الأنوثة وتبني مظاهر وسلوك ذكوري في كثير من الأحيان) تصبح الفكرة العامة عن الزواج (خاصة الحياة الزوجية الحميمة) أقرب إلى الحياة الدنيوية المادية الغرائزية… كل ذلك خلق نوعاً من النفور لدى الفتيات من الرجال ومن فكرة الزواج، وهذا بالضبط ما جعل أغلب “القبيسيات” الكبيرات غير متزوجات، أي طغيان المبادئ الصارمة من قسوة وحزم وترهيب على النهج التربوي للجماعة، الأمر الذي أبعد الفتيات اللاتي يتأثرن بالآنسات عن فكرة الزواج، عدا عن أغلب الآنسات القبيسيات يتمتعن بقوة الشخصية والاستقلال، ما يجعل الخضوع لرجل حتى ولو كان شريك العمر أمراً صعباً. ومن هنا رماهن البعض بظاهرة الرهبنة المسيحية، أو اتهمن بإصابتهن بعقد نفسية مختلفة.
المبحث السادس نشاطات الجماعة بين المجال الخاص والمجال العام
يعد البعض القبيسيات جماعة أدركت دور المرأة كونها عنصر مهم في المجتمع، وأنه من الضرورة بمكان التركيز عليها ليصار إلى تربيتها وفق مبادئ ومبادئ الجماعة المستقاة من الشريعة، كون المرأة هي نفسها الأم والزوجة والمربية وتقع على عاتقها مسؤولية تنشئة جيل كامل على الأخلاق الإسلامية، والمسألة هنا فيما نعتقد لا يجب أن تُفهم من باب نشر فكر الجماعة إنما نشر الإسلام وتربية الفتيات على الأخلاق والقيم الإسلامية في مجتمع يذهب إلى العلمانية والإلحاد والتفلت الأخلاقي في كثير من الأحيان تحت مظلة البعث الحاكم.
فخلال ما يزيد عن أربعة عقود عملت بها”القبيسيات” كانت الصورة الغالبة عليهن سعيهن إلى إحياء الدين الإسلامي ونشر الأخلاق والفضائل الإسلامية بالسر والعلن، فالهدف المشترك للناشطات في الجماعة هو إعادة نشر الإسلام وتعاليمه وعلى رأس الأولويات قضية الحجاب، فالحجاب وطريقة اللباس يأخذ حيزاً خاصاً ومهماً في نشاط الجماعة، مع التأكيد على أن خاصية هذه المسألة ليست مقتصرة عليها، فمن المعلوم أن المجتمع السوري بمجمله مجتمع محافظ ويعتبر مسائل الحشمة والحياء والعفة من أهم المسائل المرتبطة بتربية الفتيات.
لدى فتيات الجماعة قناعة وإيمان بأن مظاهر التدين والإسلام بشكل عام لم يكن ليوجد لولا الجماعة، فمنذ ظهور الجماعة مروراً بالمحطات الكثيرة التي مرت على سورية؛ إما في محاربة مظاهر التدين أو في صعودها (منذ 2000 إلى 2011)، كان للجماعة الفضل في المحافظة على القيم والأخلاق الإسلامية في المجتمع السوري المحافظ، من خلال الحض على الحجاب، وحفظ القرآن والتعليم الروحي… وفي الواقع للآنسات القبيسيات الفضل في تعريف البنات بأمور دينهن التي قد تتحرج الأمهات من الخوض فيها، ففي ظل غياب دور الأم التربوي والتنشئة الدينية الملتزمة وانعدام التعليم المدرسي الديني لأصول الدين والشريعة، فإن الجماعة تقوم بهذا الدور في تأسيس الفتيات دينياً وأخلاقياً. كما حققت للفتيات شعوراً بالانتماء في جو اجتماعي بين حلقات الآنسات والمريدات أو بين المريدات فيما بينهن، وعن طريق المدارس الخاصة يحاولن خلق حدٍ مقبول من الالتزام الديني. وفي نظر علماء الدين والمشايخ فإن وسائلهنّ ومناهجهن التعليمية الدينية أفضل من الوسائل التعليمية الحكومية، على الرغم من أنه لا وجود لأية خطوة أو حركة تتم خارج الاتفاق مع وزارات نظام الأسد الثقافية والتعليمية.
تشجّع الجماعة الفتيات على قيام الليل وإقامة الفرائض والورد الليلي والتسابيح اليومية والأذكار وعدم الاختلاط وتحري الشبهات في السلوك والقول من خلال دروس دينية على شكل حلقات تُعقد بشكل دوري في المساجد أو منازل إحدى الآنسات والداعيات، غالباً ما تكون مغلفة باحتفالات دينية كليلة القدر ومنتصف شعبان والمولد النبوي وحفلات تكريم للفتيات اللاتي أتممن حفظ أجزاء من القرآن أو ختم القرآن كله… و”هناك حلقات تقام في المساجد للداعيات الكبيرات لدى الداعية منيرة وهي خمس مساجد وحصلوا على ترخيص رسمي من وزارة الأوقاف، ويمتلئ حرم هذه المساجد عندما تعطى هذه المحاضرات”. كما تحرص على تنمية شخصية الفتاة وتقويتها، وحثها على طلب العلم والوصول إلى المراتب العليا وخلق حالة من التنافس الشريف، وتولي بعنايتها اكتشاف مواهب وطاقات وقدرات البنات وتنميتها بشكل يخدم الجماعة وممارسة نشاطاتها الدعوية بشكل منظم وهادف.
لا تعتمد الناشطات الداعيات في نشاطاتهن للإعلان عن الجماعة بطريق المطويات أو المناشير الورقية أو التغيير الفكري فلا يوجد لهن مراكز دعوية خاصة أو مؤسسة معينة وإنما اعتمدن على الدعوة الفردية التي تؤدي إلى التغيير السلوكي، بل اعتمدت دعوتهن على شبكة علاقات اجتماعية واسعة. والطالبة التي تجلب فتيات جديدات إلى الجماعة تنال حظوة كبيرة عند الآنسة. ويتم التقرب من الفتيات المراد إرشادهن إلى الطريق عن طريق الحفلات الاجتماعية، أو الدينية كالمولد النبوي، أو مناسبات الموت والعزاء، أو في مدارس البنات وذلك من خلال إظهار الاهتمام الشديد وتقديم المساعدة وحسن المعاملة لحل المشاكل أو الخدمات المختلفة وزيارة منازل البنات والتعرف على الأهل ثم دعوتها إلى منزل إحدى الآنسات لتلقي التعليم الديني. وكان لوجود الآنسات ذات الحضور القوي والمؤثر اللاتي امتلكن فن الخطابة والقدرة على التأثير العاطفي أثر كبير في نفوس النساء مما ساعد على قبولهن في أوساط تلك العائلات.
ومما ساعد على انتشار الجماعة دخولها بين طبقة الأغنياء والطبقة ذات المكانة الاجتماعية المرموقة وبين نساء أصحاب النفوذ ورجال الأعمال حيث قدمت مصداقية وقبولية لصورتهن في الأوساط النسائية بشكل واسع، ولم يكن التقرب من الأغنياء استراتيجية تعتمده الجماعة للتأثير في السياسة، فهذا النهج اُتبع من قبل أغلب التيارات والجماعات الدينية في سورية، خاصة في المدن المركزية، حيث عُد نشر الدين وتعاليمه بين أفراد الطبقة الغنية إنما هو بمثابة نصر للجماعات الدينية كون أفراد تلك الطبقة قد تكون غارقة في حياة من الترف والدعة والبذخ تجعلهم بعيدين عن الدين. هذا النفوذ المديني والممتد إلى طبقة الأغنياء طالت فئة من المسؤولين في الدولة حيث فُتح لهن المجال واسعاً لجمع مبالغ من أجل التبرع للأعمال الخيرية، مع الإنجاز بسرية كي لا تكتسب الجماعة حاضنة شعبية وتتوسع أكثر فتفتح أعين المخابرات على نشاطهن الخيري فيُلاحقن ويُضيق عليهن.
تشرف جماعة منيرة القبيسي على نصف مدارس تحفيظ القرآن ، كما تدرس أكثر من 40 آنسة داعية في مساجد سورية والمرخص لهن العمل في المساجد، عدا عن المدارس الخاصة التابعة لهن، فمنذ الثمانينات “قامت منيرة القبيسي بالانتباه إلى ثغرة هامة في الواقع التعليمي، وهو وجود عدد من الرخص القديمة لمدارس خاصة متهالكة، بدأت القبيسيات بشراء هذه الرخص أو استثمارها ومشاركة أصحابها، عبر شبكة علاقات لأزواجهن من رجال الأعمال، وخلال نحو ثلاثين عاماً أصبحت منيرة القبيسي وتلميذاتها يمتلكن نحو مائتي مدرسة خاصة في سورية، وتميزت هذه المدارس بالتفوق الكبير على الحكومة على الرغم من تعرضها المستمر للمضايقات… . ومن المدارس الابتدائية الخاصة بالجماعة نذكر: “دار الفرح” في حي المهاجرين في دمشق التي تديرها منى قويدر، و”دار النعيم”، و”مدرسة عمر بن الخطاب”في المزة، و”عمر عبد العزيز” في الهامة، و”دوحة المجد” في المالكي، و”البشائر” في المزة، و”البوادر” في كفرسوسة.
أما المساجد التي فُتحت للجماعة لتحفيظ القرآن وتجويده في دمشق فمنها جامع الوزير في المهاجرين، والأبرار في مشروع دمر، والرحمن في المزة فيلات غربية، وجامع بدر وجامع الحسن وجامع زيد وجامع سعد في المالكي، وفي حمص فنذكر: مسجد عمر بن الخطاب بحي الحمراء (بشكل متقطع)، ومسجد القاسمي بالسوق المسقوف، والروضة بالوعر. هذه النقلة من البيوت إلى المساجد شكلت خطراً أكبر على الجماعة فأصبح المجال مفتوحاً بأن يدخل من شاء إلى المسجد دون رقابة أمنية من قبل الجماعة مما خلق الكثير من الضغوط النفسية غير المريحة على الآنسات والطالبات واقتصرن على دراسة فقه العبادات في المساجد، بينما تُؤجل قراءة الكتب الأخرى الممنوعة في سورية مثل كتاب الندوي أو كتب العقيدة إلى حلقات خاصة كانت تُعقد في المنازل وتحت حذر شديد.
أما بخصوص المواد العلمية فيؤخذ على الجماعة أنها تركز على تعليم الدين تعليماً خالياً من المضمون، بآليات ومنهجية أقرب للتلقين والحفظ عن ظهر قلب دون فهم وإدراك حقيقي للنصوص خاصة القرآن الكريم، وبدورنا نذكر أن هذه المنهجية ليست خاصة بجماعة القبيسيات وحسب، فأغلب التعليم الديني تقليدي بهذا المعنى ويتخذ الأسلوب نفسه. كما وأن الجماعة لا مانع لديها من تكرار المناهج ودراسة الكتب بشكل متكرر والتي اجتازتها الطالبة مسبقاً دون إدخال كتب أو مناهج جديدة كما يحدث في حمص.
تعمل الجماعة على تشجيع العمل في القطاعات العامة والخاصة، خاصة في مجال التعليم مما يساعد على نشر نفوذهن بشكل أكبر وفتح مجالات واسعة لممارسة الدعوة والإرشاد والتوجيه الديني. وقد استطاعت الجماعة ومن خلال علاقاتها الناجحة مع وسطاء بإمكانهم الوصول إلى مراكز القرار والمسؤولين ورجال الأمن افتتاح مدارس خاصة بهن تتبع وزارة التربية والتعليم السورية في مناهجها وآلية إدارتها، لكن لكل مدرسة مساحة خاصة بها تمكنها من إضافة بعض الدروس الدينية وإقامة النشاطات والحفلات الدينية والاجتماعية ويتم التركيز على الفضائل والأخلاق الإسلامية، مما رغب الطبقة المتديّنة الوسطى في إرسال أولادهم إليها، وبالإضافة إلى البعد الأخلاقي والديني لعب البعد الاقتصادي كذلك في رغبة شريحة واسعة من الطبقة الوسطى في تسجيل بناتهم في تلك المدارس حيث كانت رسوم تلك المدارس منطقية ومقبولة بالمقارنة مع المدارس الخاصة الأُخرى ذات الرسوم المرتفعة.
امتد نفوذ الجماعة في المجال العام إلى تقديم مساعدات خيرية وبعض الخدمات الطبية، وأشرفت بعض الآنسات القبيسيات على جمعيات خيرية مثل جمعية البر في حمص التي أُنشأت من تبرعات بعض تجار مدينة حمص وأقيم فيها مشاريع للأيتام ومشفى ومكتبات ومشغل وروضة ومركز لغوي خاص بالجمعية، وأقيمت فيه حملات لجمع الثياب المستعملة وتوزيعها على الفقراء.
المبحث السابع سرية الجماعة شعبياً وعلنيتها أمنياً
من غير المنطقي الحديث عن حركة أو جماعة أياً كان توجهها ناشطة داخل سورية في حكم الأسد الأب والابن بشكل سري؛ فكل الحركات والأحزاب والجماعات، على اختلاف توجهاتها سواءً كانت إسلامية أو علمانية، اُخترقت أو اُكتشفت ولوحق بعض أفرادها وأبعد الآخر ووضع غيرهم تحت المراقبة، فكيف بحركة نسائية دينية دعوية وفي قلب العاصمة دمشق!
مع ذلك وبعد الانفراجة الدينية الممنهجة وانتشار مظاهر التدين وافتتاح معاهد تحفيظ القرآن في مختلف المدن السورية، ظلت الجماعة تتحرك بسرية، كما قلنا سابقاً، ويحق لنا هنا أن نتساءل لماذا ظلت هذه السرية ملازمة لتحركات الجماعة في ظل بيئة أمنية ومجتمعية أصبحت شيئاً فشيئاً تقبل بوجودهن ونشاطاتهن؟ لدرجة أن وصلت مسألة السرية حداً من الطقس المتعارف عليه يُتداول بين الطالبات المستجدات وكأنه من شروط الانتساب؟ مع أن اللباس الموحد بين القبيسيات كفيل بأن ينفي عنهن تهمة السرية، فمن السهل الدلالة عليهن وهنّ في الشوارع أو المساجد أو الجامعات أو في الأماكن العامة، إلا أنهن اتخذن من الحذر منهجاً دائماً في تنقلاتهن فكن لا يخرجن جماعات بعد الانتهاء من الدروس بل إما فرادى أو على شكل فئة قليلة (ليس أكثر من أربع طالبات)، كما أن الدروس والحلقات الدينية وجلسات الذكر التي كانت تعقد في بيوت إحدى الآنسات أو التلميذات كانت بغطاء مناسبات واحتفالات اجتماعية في أغلبها وبشبه سرية.
وتفسر هذه الظاهرة بأنها سرية بالمعنى الشعبي؛ أي أن عامة النساء والرجال بطبيعة الحال لا يملكون الكثير من المعلومات عن الجماعة وليسوا على مسافة قريبة منها. ونظراً لحالة الرهاب المجتمعي الذي طال المجتمع السوري برمته، وتداول قصص التعذيب والاعتقال والاختفاء والسجن في الجلسات الخاصة، وخاصة بعد ثمانينيات القرن الماضي، فإن الجماعة كانت تعمل على حذر شديد وابتعدت عن أي ارتباط سياسي أو حزبي، وطوال تاريخها لم تحاول التفكير ربما في تأسيس حركة إصلاحية دينية اجتماعية منظمة على شاكلة ما تم في مجتمع الرجال.
ظلت الجماعة إذن تعمل في المجال الخاص إلى أن استلم بشار الأسد السلطة عام 2000، عندما تواسط بعض المشايخ لخروج الجماعة إلى العلن وممارسة نشاطاتهن في المساجد والمدارس الخاصة بهن، أحد الذين تبنوا رأي انتقال الجماعة من السر إلى العلن كان د. محمد حبش الذي يقول: “خلال خدمتي في مجلس الشعب تبنيت مبدأ إخراج القبيسيات من الغموض إلى العلانية، وكان موقفي يستند إلى قناعتي بأن المجموعة هي في الواقع مجموعة تعليمية ناجحة لا تمتلك أي برنامج سياسي وأن ممارسة إرعابها ومحاصرتها قد يدفع كثيراً من أبناء الجماعة للتطرف، وبالفعل فقد تمكنت من الحصول على عدد من الرخص لشيخات قبيسيات لممارسة العمل العلني في المساجد في سورية وكان ذلك بداية خروجهن إلى العلنية منذ عام 2005”. كذلك د. البوطي الذي أوضح أن عدداً من المشايخ أبلغ السلطات بأنه “من مصلحتكم أن تعطوا الموافقات للعمل بالعلن. أعطوهن المواثيق للعمل العلني لأن عملهن مستقيم ووطني ليس فيه أي شائبة ولا علاقة له بالسياسة”. واتفق نجلا كفتارو والبوطي على أن “الأخوات القبيسيات يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة”. وزاد البوطي: “ولاؤهن للوطن كبير”. ثم استطاعت القبيسيات التدريس في المدارس الحكومية والوصول إلى مراكز حساسة فشغلت مناصب حكومية عالية في وزارة الأوقاف مما ساعدهن على المساهمة في صياغة المناهج الدينية. (لاحقا وصلت إحدى الآنسات لمنصب معاون وزير الأوقاف)
ولا بد من القول أنه في الوقت الذي كان فيه الرجال المشتبه بارتباطهم بنشاطات إسلامية يعتقلون ويستجوبون ويسجنون، لم تستطع الأجهزة الأمنية من ممارسة النهج نفسه إزاء النساء لدواع إجتماعية بحتة، وإن كانت الاستدعاءات الأمنية تتم أحيانا فكانت المعاملة لائقة، وإن حاول الأمن مس إحداهن فإن ذلك سيسبب باعتراضات من قبل الأهالي والرموز الدينية وحتى بعض المسؤولين والمتنفذين في الدولة.
بالسياق نفسه لايسع الباحث إلا أن يتساءل عن هذه الانفتاحة الأمنية على القبيسيات فيما كانت تمنع بعض المؤسسات النسوية من ممارسة أنشطتها بينما ومنعت الكثيرات من تأسيس جمعيات نسائية خاصة بحقوق المرأة، وتم التضييق على جمعيات المجتمع المدني في إشارة واضحة إلى توظيف الدين والمتدينين ومظاهر التدين لصالح الحكم ومصالحه الخارجية في تقديم صورة عن الحالة الاجتماعية والدينية في سورية، وأنه الراعي الرسمي للتدين المعتدل تارة، حسب زعمه، أو أنه الوجه المشرق لعلمانية يحلم بها الغرب في بلد عربي كسورية تارة أخرى.
وعليه يمكننا القول، إن جماعة القبيسيات أدت إلى حدٍ ما الدور نفسه الذي كان للجماعات والتيارات الدينية في سورية من كونها مثلت صمام الأمان في وجه أي انفجار لحراك اجتماعي أو سياسي أو ثوري قد يطرأ على المجتمع من خلال تعزيز منهجية الفكر الديني الذي يركز على أخلاق الفرد والتركيز على علاقة الفرد الخاصة مع الله، دون الالتفات كثيراً إلى الشأن العام.
إلا أن منهج الجماعة في الانكفاء الكبير والانفتاح المدروس، وممارسة الدعوة الدينية الناعمة المنعزلة عن وسائل الإعلام والبعيدة عن الدراسات البحثية أدى إلى خلق هالة من الأسئلة وإشارات الاستفهام حول هذه الجماعة وفكرها وآنساتها، ما فتح الباب للمجال الصحافي والتلفزيوني لاقتحام هذه الجماعة وهتك أسرارها. وقد لوحظ اهتمام كبير في الإعلام حيث قدمت سلسلة من المسلسلات تسلط الضوء على الجماعة ففي عام 2004 “عرض مسلسل “عصي الدمع” نقداً لأفكار القبيسيات وتصوراتهم الدينية (التي عرضها المسلسل باعتبارها تصورات منغلقة)، ثم في رمضان 2006 عُرض مسلسل “الباقون” في ثلاث حلقات بعنوان “البرزخ” سلط فيها الضوء على الأسلوب التبشيري الذي تتبعه القبيسيات لتعزيز انتشارهن، والتصورات الفكرية التي تنتشر في أوساطهن”44. أما مسلسل “ما ملكت أيمانكم” والذي يتناول أيضاً القبيسيات بأسلوب سيء ومهين، فقد طالبت وزارة الأوقاف ود. البوطي بضرورة وقف بثه إلا أنه لم يتم الأمر، وبعد أن هاجم البوطي المسلسل عدل من رأيه وصرح أنه سيترك الأمر إلى المشاهد ليحكم فيه. وتسليط الإعلام الأضواء على جماعة القبيسيات له دلالة واضحة على الانتشار الواسع لهذه الجماعة وبروزها كأحد الظواهر الاجتماعية الواضحة في تحديد هوية المجتمع ،كما أنه يؤكد ما تسرب من تململ التيارات العلمانية في سورية من هذه الظاهرة ومحاولة التحريش بينها وبين السلطة للحد من نفوذها ولاسيما أن المخرج (نجدت أنزور ) الذي تصدى لبسط هذه الظاهرة مشتهر هو وفريقه باللادينية المفرطة.
المبحث الثامن النأي بالنفس عن السياسة… سياسة
إن غياب التصور الشامل لدى جماعة القبيسيات عن الواقع والحياة وضمور فكرة التغيير الشامل لديهم كما في أدبيات الجماعات الأخرى ،يضاف إلى ضمور دراسات الفكر الإسلامي عموما لديهم وغياب المممارسة السياسية والتنظيمية بالمعنى الحركي أدى إلى ضبابية الموقف السياسي من الأنظمة الحاكمة التي يحيون في كنفها وخصوصا النظام السوري وبقيت العلاقة معه لفترة طويلة علاقة متوجسة متحفظة من الطرفين ،تقوم على كثير من البراغماتية تمارسها الجماعة نتيجة استشارات وتوجيهات مشيخية ذكورية كما في نصائح الحبش والدكتور البوطي،وعلينا هنا أن نفرق بين موقف قياديات الجماعة وبين الآنسات والتلميذات اللاتي غالباً ما كنّ إما مع الشيخة أو الآنسة الكبيرة قلباً وقالباً أو ربما قد نجد فئات تخالف هذه المواقف، وهذا ما تجسد جلياً في ترك العديد من الآنسات والتلميذات الجماعة.
ولا بد أن نعي ونحن نطلق حكماً على موقف الجماعة السياسي حالة الخوف الشديدة من الجهاز الأمني والمخابراتي التي سكنت النفوس رجالاً ونساءً، وبات الأمر مضاعفاً بالنسبة للنساء لكونهن الجهة الأضعف في المجتمع ولهن خصوصية يشكل انتهاكها دمارا للفتاة.
علاوة على ذلك فإن موقف القبيسيات السياسي هو موقف أغلب المشايخ في مختلف الجماعات والمدارس الدينية التقليدية في سورية نفسه، الذين إما نأووا بأنفسهم عن السياسة تحت ذرائع عدة أهمها الحفاظ على سيرورة العمل الدعوي كما هو حال أغلب المدارس التقليدية ، أو كانوا على مذهب طاعة الحكام وولي الأمر ونهوا عن الخروج عليه، وشرّعوا عدم الخوض في الشأن العام وتكرار الخطاب السياسي للنظام من زاوية دينية؛ بالتالي فإن تشجيع هذا النوع من التدين الشعبي والسماح للجماعة بممارسة نشاطاتها الدعوية والتربوية، وإن كان على شكل حركات وجماعات مثّل ضرورة أمنية لحكومة الاستبداد كونها بعيدة عن ما يعرف بالإسلام السياسي أو التدين الحامل لأجندات سياسية، عدا عن الدور الاجتماعي والديني المهم المنوط بالجماعة كون القبيسيات شكلنّ صمام الأمان للمجتمع واستقراره ضد أية حركة أو جماعة من الممكن أن تلعب دوراً في زعزعة الركود المجتمعي والسياسي الذي اجتاح سورية طيلة 50 سنة.
ويمكننا كذلك قراءة موقف الجماعة في أن سياسة النأي عن السياسة “حمى الأخوات في أحلك الظروف التي مرت بها سورية والمنطقة حتى لا تتهم الجماعة بممارسة الإسلام السياسي المبطن بالتالي يتم القضاء على الجماعة وإنهائها في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية تتصاعد فيها أصوات الإسلامفوبيا وتترصد نشاطات تحركات كل جماعة دينية في العالم العربي”، وأنه “سُيكتب لها أن تلعب دوراً إيجابياً في تنمية المرأة في العالم العربي إذا بقيت على الحياد السياسي، واستمرت في تطوير نفسها وعلاقتها مع معطيات العصر وتقنياته بشكل خلَّاق”. الغريب في هذه الرؤية ربط تنمية المرأة في العالم العربي بالبعد والنأي عن السياسة، أفلا يتبادر أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ مع مصطلح التنمية مشاركة المرأة في الحياة العامة وتمكينها سياسياً؟ كيف يكون تنموياً وإحدى وجوه التنمية، السياسة مثلاً، مغيباً وممنوعاً على المرأة؟ ثم أليس في ذلك تثبيت للاتهام الذي يؤخذ على الجماعة من أنها تركز على الحيز الفردي والرقائق والروحانيات دون الاهتمام بالشأن العام أو بقضايا التنمية كما يسميها الكاتب؟
إن طبيعة العلاقات الاجتماعية السلطوية الدينية الثلاثية في سورية في مجتمع الرجال الديني والسياسي يُسحب على مجتمع النساء كذلك الأمر، فالعلاقة النفعية والمصلحية بين التجار ورجال الأعمال وبين مخابرات نظام الأسد بواسطة المشايخ وعلماء الدين، هي العلاقة المتفق عليها بوعي أو دون وعي لمزاولة النشاطات الدينية بدعم رأسمال رجال الأعمال وبمباركة من الأجهزة الأمنية والتي تتقاطع مصالحها مع طبقة التجار وتتحالف معها في كثير من الأحيان.
وفي شهادة أسماء كفتارو على الجماعة، على سبيل المثال ومن زواية مخالفة لرأي كاتبنا السابق، نلمس تسويغاً مبطناً لهذه العلاقة الثلاثية، فمن الضرورة بمكان الاعتماد على الأقوياء (من رجال سياسة أو أصحاب النفوذ الديني أو رجال الأعمال) للوصول إلى الأهداف المرجوة، فالقبيسيات “سيدات يعشقن الدين، أصبح لديهم حب السلطة على الناس ليس أكثر، وليس حب السلطة السياسية، ليس لديهم جسور ممدودة مع أشخاص لديهم ميول سياسية، شخصياً أقول كل إنسان يحب أن يصل إلى نقطة معينة يستند فيها إلى الأقوياء، القوة في العمل مهمة جداً”.
ورغم أننا نوافق أنابيله بوتشر في دراستها عن تأثير الكفتاريات والقبيسيات على المجتمع السوري دينياً واقتصادياً إلا أننا لا نوافقها على تأثيرهن وانخراطهن في نشاطات فاعلة على الصعيد السياسي، علاوة على أنها لم تحدد نوعية هذه النشاطات السياسية، إلا إذا كانت تعتبر أن كل إسلام اجتماعي له امتداد وتوسع وعلاقات نفعية بين فئات المجتمع كافة هو إسلام سياسي بوجه من الوجوه!
من الممكن القول إنه لا يمكن تحميل الجماعة أكثر مما هو متاح في حيز الإمكان، فهنّ نساء ولهن جذور ومصالح كبيرة في سورية وخاصة في مدينة دمشق ولا يمكن لهنّ الجهر بأي موقف سياسي محدد، وأكبر همهنّ انصب على تربية البنات والنساء على تعاليم الدين الإسلامي، إلا أنهن في المقابل لازلن يستندن إلى الفقه الذي يحرم الخروج على الحاكم مهما فجر وطغى ما لم ينطق بكفر بواح أو يمنع تطبيق التعاليم الشرعية، ومن وجهة نظر الجماعة ينتفي الشرطان الداعيان للخروج على الحاكم أو المشاركة علناً بأي نشاط ضده، هذا إن أحسنا الظن واستنطقنا موقفهن من خلال الفقه الذي يستندن إليه القائم على فرضية هاجس الفتنة التي سيطرت على حس الفقهاء قديما وحديثا .
مع ذلك فإن طاعة الحاكم على المنشط والمكره والدعاء له على المنابر وفي الحلقات الدرسية لن يكون إلا موقفاً سياسياً بحد ذاته، والجماعة تدرك يقيناً أن النظام السوري بسماحه لها بمزاولة نشاطاتها والخروج إلى العلن كان بدافع خلق حاضنة شعبية نسائية سنية دينية، وأنه لن يجد خيراً من القبيسيات الذي يظهر سكوتها ونأيها عن الخوض في المجال العام والسياسي بشكل خاص وكأنه تعبيرٌ عن حالة رضا وقبول عن أداء الحكومة والنظام السياسي في البلاد في مقابل السماح لها بالتحرك بحرية وإن كانت لازالت تنتهج السرية في تحركاتها.
خاتمة
ترسم جماعة القبيسيات كحال الجماعات الدينية في مجتمع الرجال صورة دقيقة عن واقع التدين ومظاهره واتجاهاته ومواقفه في المجتمع السوري في ظل حزب البعث، وتقدم لنا فكرة واضحة عن كم التشوه الديني الذي طال الخطاب الديني للجماعات الدينية في بعدها عن جادة الحق وفي استكانتها لأشكال من الظلم والعنف والتجهيل لمجرد تبنيهم مبدأ عدم الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً وموغلاً في الطغيان ومرتكباً لجرائم ضد الكرامة الإنسانية.
في المقابل، فإن جماعة القبيسات كأية جماعة دينية قد تنحرف في بعض مساراتها على طول الزمن إن لم تجرِ مراجعات دورية ووقفات نقدية وتطوير وتجديد بشكل مستمر. ونقول إنه ليس من الخطأ والمعيب الوقوف بشكل دائم مع الذات لإعادة تقييمها وتصفية ما علق فيها من شوائب وتشوهات تلحق بأية جماعة أو إيديولوجيا أو تيار بمسارها الزمني، بل من المعيب أن تظل أية جماعة متشبثة بآراءها مدعية أنها لازالت تحتفظ بنقائها وبريق مبادئها الأولى دون القيام بالمراجعات والتدقيق، مع أن ذلك حدث مع القبيسيات بشكل جزئي عندما تم إيقاف تدريس كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي الذي عُرف عنه احتواءه للعديد من الأحاديث الضعيفة المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما ابتعدت الجماعة عن المنحى الصوفي المغرق في الفردية والاستلاب المجتمعي.
ويظل الموقف السياسي منوطاً بالفقه الذي استندت إليه الجماعة وهو ما كان ليس بالإمكان تغييره أو تطويره أو الخروج عليه طالما ظل المجتمع قابعاً تحت قبضة أمنية شديدة تحالفت معه أغلب المدارس الدينية التقليدية حيناً وابتعدت أو صمتت المدارس الدينية الأخرى عن أي مشاركة في الحياة السياسية.
———————————————————————————————————————-
ثانياً موقع صيد الفوائد بعنوان: “القبيسيات… تنظيم خطير تجهله النساء!!”
لفوزية الخليوي عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
كثر الجدل مؤخراً عن منيرة القبيسى التى ظهرت منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن في دمشق فمن هى؟؟؟
نفوذها
.. بشكل خاص في سورية ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، ووصلن الى كندا وأمريكا!!وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً ,وتلقب بالأنسة!! وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن نسبة الى فادية الطباع، والسّحَريات في لبنان نسبة الى سحرحلبى، وأميرة جبريل، وسعاد ميبر …، وبنات البيادر في الكويت. ووجدت هذه الحركة رعاية خاصة مادية ومعنوية. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية وخاصة الثريه، تشرف «القبيسيات» على تدريس مئات الآلاف من التلاميذ منذ نعومة أظافرهم وبطريقة محافظة تلازمهم في المراحل اللاحقة عبر الدروس أو المساجد، وصولاً إلى رعايتهم عبر المساعدات الخيرية والأهلية وتقديم بعض الخدمات الطبية في مستشفى «سلامة» الواقع خلف السفارة الأميركية والتابع لهن بلغ عدد «اتباعها» اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ. ،(صحيفة الحياة اللندنية – يومية – 3 أيار/ مايو 2006) ) وسمحت السلطات السورية أخيراً للداعيات التابعات لـ «الآنسة» منيرة القبيسي، اللواتي يلقبن بـ «القبيسيات»، بإعطاء دروس دورية في عدد من المساجد في دمشق -2006/05/03الرأى
علاقتها بالصوفية
كانت من مدرسة مفتي سورية الشيخ أحمد كفتارو شيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سورية، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. _قال نجل كفتارو صلاح الدين مدير مجمع أبو النور أن الانسة طلبت منه أن تختلي بجثمان كفتارو في مستشفى دار الشفاء، لدى رحيله في نهاية عام 2004، وقال:
بقيت تبكي هناك أكثر من ساعة ونصف الساعة) صحيفة الحياة اللندنية – 3 أيار/ مايو 2006)
وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي لها لكون الأحباش من أتباع الطريقة الرفاعية.
*وهى على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع محمد سعيد رمضان البوطي، بل انه من اكثر المتحمسين قال عنهن: «الاخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا”
لباسهن
ويوضح البوطي: «انهن يرتدين الحجاب الكحلي لتمييزهن عن غيرهن. وغطاء الوجه ليس اجبارياً. ليس هناك إجبار على ذلك إلى ان يصير ثبات ديني عند الفتاة، بعدها ممكن ان تلبس المنديل اذا شاءت )صحيفة الحياة اللندنية – 3 أيار/ مايو 2006) وأيضاً يلبسن البالطو القصير وهذا من شعارهنّ، وهذا اللبس يلزم به الصغار والكبار؟؟
من عقائدهن القول بالحلول ووحدة الوجود
وتعظيم أئمة الصوفية القائلين بهذا القول كابن عربي والحلاج . *ومن كلام الآنسة الكبيرة “منيرة “: فقد عرف الحلاج الله حتى ذاب في حبه، كان يخفي في ملابسه قال: ” مافي الجبة إلا الله “. وكذلك الشيخ محي الدين بن عربي لم يعد يعرف الفرق بينه وبين ذات الله حيث كان يقول: أنا من أهوى.. من أهوى أنا.. نحن روحان حللنا جسداً؟!!! * قال أحدهم: تم احراق كتيب اركب معنا للدكتور العريفي عندما قمت بتوزيعة هناك من قبل بعض المتصوفات اعتراضاً على قولة ابن عربى ضال وفاجر واشهد الله على حصول هذا الموقف لى شخصيا ( نقلا من منتدى الأمارات) * زهرة منصور سمعت من سحر حلبي أنها قالت: أن الله موجود في الكعبة لذلك الناس يذهبون للحج. * الآنسة رضا ي . وهي من تلميذات سحر حلبي ومن مدرساتهن في إقليم الخروب في لبنان قالت في درس لها بعد أن سألتها إحدى الحاضرات [ الله موجود بلا مكان ] فقالت رضا ى: الله موجود في هذه الشجرة وهزت الشجرة بيدها؟؟؟ امرأة من بيت شجاع دخلت إلى مجلـس سحر حلبي فوجدت تلميذاتها في حالة صمت وسكون، فأرادت أن تتكلم فقيل لها اسكتي الآن ينزل الوحي عليها .؟؟؟؟ نقلا من كتاب التنظيم السرى الخطير منيرة القبيسى ..لأسامة السيد * نوال أ . ألفت كتابًا سمته (( المتاح من الموالد والأناشيد الملاح )قولها في ص 378 عن الله وهذا من الحلول:
يـــا جـــــــــمال الـــــــموجود طــــــاب فيـــــــك الشــــــهود
ثم قولها: أنـــــت فــي مــهجتي وضــــلوعـــي التــي عشــقها غايتـــي
ثم قولها: ذاب كـــــلي علـــــيك وانتـــسابـــي إليــــــك والورى في يديــــك
ثم قولها ص 57 عن الله: وأنــــت مــــرءاة النــــظر عــــين الـــــعيان انـــــظر جـــمالي شـــاهدا فــــي كــــل إنســــان كـــالمـــاء يـــجري نــافــذا فـــي أصـــل الأغـــصان
ثم قولها ص 63: أعــد من مشرق التوحيد نورًا يتم به اتحاد العالمــينا
ثم قولها ص 77: ما في القلب سوى الله
ثم قولها ص 91: أنــــت طب يا رب فينا وبلسم .
ثم قولها ص 96: أنـــت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن.
ثم قولها ص 158: مافي بقلبي غير الله .
ثم قولها ص 175 عن الله: ياظاهرًا في كل شئ .
ثم قولها ص 348 عن الله: يا حي يا قيوم قد بهر العقول سنا بهائك . عجـــبا خفاؤك في ظــــهورك أم ظـــهورك في خــفائك
ثم قولها ص 372 : يا إلــه الــــكون يا ســـندي أنـــــت لــي بحـــــر ّ من الرغــــد يا نــــعيم الـــروح يا أمــــلي ) التنظيم النسائى الخطير لأسامة السيد) .
• تعظيم الشيخة
في معتقد ” القبيسيات” بأن شيختـهن لا يجوز مناقشتها؟ ، وأمرها مطاع!!، وطاعتها من طاعة الله، وأن حبها من حب رسول الله صلى الله وسلم ؟؟، وأن المريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة ” الآنسة ” وكلما تفانت التلميذة في حب الآنسة كلما قربت من الله، حتى تصل إلى درجة الكمال، وإلى معـرفة الله عز وجل .. وعندها تنتقل من مرحلة العوام إلى الخواص، ومن خلال هذه المفاهيم فهن يقمن بتقبيل يدها ويتاسبقن لشرب فضلات كاسها من الماء ، أما من ينالها شرف التوبيخ من حضرة “الآنسة الكبيرة ” فقد نالت شرفاً كبيراً من الله ساقه إليها، وفي سبيل غرس هذه المفاهيم يُطلقن بعض الشعارات مثل : “لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية ” ويجب أن تكون العضوة كالميتة بين يدي آنستها وتكشف لها كل ما عندها حتى تستطيع أن تأخذ بيدها “، كقولهم: ( ومن قال لشيخه : لم ؟ لم يفلح أبداً )!!! ويحكى أسامة السيد فى كتابه عدة نقولات فى هذا الشأن: قال شيخ لبناني أنهن يقلن عن الآية (ونجيناهم بسحَر)ٍ أن معناها أن الله نجاهن من الضلال بسحر أي بسحر حلبي ..
• حكم زيارة الشام
تعد زيارة الشام واجباً أو لنقل حلماً لكل من يتم لها الإذن بذلك من نساء التنظيم اللاتي يدعين أن رحلة الحج والعمرة هي “رحلة كعبة المباني” ورحلة الشام هي “رحلة كعبة المعاني” هكذا، وفي هذه الرحلة يتم مقابلة ” الآنسة الكبيرة ” ويتلقي الإرشاد والتوجية منها، ولذلك تحتال بعض نسـاء التنظيم على ولاة أمورهن للذهاب إلى ” كعبة المعاني” * من شهادة أخرى عضوة سابقة في بيادر السلام :تقول أنها ذهبت معهم إلى الشام في رحلاتهم السنوية الدائمة، ورأيت هناك جلسات الذكر الجماعي وقد حدث هناك أن رأيت الفتيات الكويتيات قد قبلن قدم الآنسة !?? فتجلس الآنسة في مقعد مرتفع، و يجلس الجميع على الأرض فتقول: أنت يا فلانة مظلمة و انت يا فلانة معتمة و انت يا فلانة” الله موراض عنك”، و كان الجميع يأخذ كلامها بمحمل الجد و كما لو كانت تعلم الغيب و العياذ بالله.
كتبهن (1) جماعة منيرة قبيسي كان لهنّ كتاب يتداولنه يسمى {مزامير داود} وهذا الكتاب ليس عليه اسم من ألّفه؛ وإنما منيرة قبيسي وجماعتها لفقنه من مصادر شّتى وزدن فيه من عندهن مثل قولهنّ: ” شيختنا معنا أينما كنّا لا تضيعنا “؛ وليس عليه اسم مطبعة من المطابع. ومنذ نحو أربع وعشرين سنة كان شاب في ذلك الوقت يدعى أحمد الرفاعي مؤذنًا بالزبداني، فأهدته بنت من أهلها هذا الكتاب المسمى { مزامير داود } فاطلع عليه ووجد فيه بعض هذه الأقوال الفاسدة فردّ على هذه الأقوال، وأعطاه لها لكن هي خافت أن تواجه آنستها التي تدرسها بهذا؛ ثم نزل إلى صاحب مكتبة الفارابي وأخبره عن الكتاب فقال له أنا أبيع هذا الكتاب لهنّ، ولا يشتريه من عندي غيرهن؛ فأعطاه أحمد الردود ليوصلها لهن. قال صاحب مكتبة الفارابي لأحمد الرفاعي بعد ذلك هن عملن اجتماعًا في الشام مع منيرة قبيسي واتفقن على إنكار نسبة هذا الكتاب إليهن. وقد استمرت هؤلاء النسوة في تداول هذا الكتاب بعد ذلك ويدلّ على أنه لهن كلام اللاتي كنّ مع هذه الجماعة وتركنها فإنهن حصلن على هذا الكتاب منهن؛ * وقد كانت أميرة جبريل تبيع هذا الكتاب لما كانت في الجامعة العربية في بيروت. * وشهدت الحاجة سلمى صندوقة في الأردن أنها اشترت هذا الكتاب من مجلس فادية الطباع قبل خمس عشرة سنة.
وفي هذا الكتاب كلمات ضد عقيدة أهل السـنة والجماعة منها (كل ما تهواه موجود في ذات الله) وفيه ألفاظ باسم الاستغفار فيها هذه الكلمة ( أستغفر الله من تركي للمعصية) وفيه: ( قــل الله وحده في الـكثرة ما ترى سواه في كل كائـنة )
ومعنى هذا الكلام الأخير أن الله هو البشر والبهائم والأرض والشمس والسماء ، أي أن العالم هو الله والله هو العالم وكل هذا كفر صريح بلا شك نقلاً عن( كتاب التنظيم السرى الخطيرمنيرة قبيسى..لأسامة السيد) . (2) واحدة منهن اسمها نوال أ . ألفت كتابًا سمته ((المتاح من الموالد والأناشيد الملاح)) أكدت فيه هذه المؤلفة أن ما ذكرناه من أن الكتاب المسمى (( مزامير داود )) لهن هو كذلك حيث إنها تذكر العبارات عينها الموجودة في هذا الكتاب الفاسد. وتزيد عليه أشياء تؤكد عقيدتهن الفاسدة عقيدة الحلول !!!.
( الجامع) لسميرة الزايد ان الدكتور البوطي قدم الطبعة الأولى في العام 1994
والآن منهن واحدة اسمها سمر .ع ألفت كتابًا سمته (( المدخل )) وكتابًا آخر سمته (( مجلس النور في الصلاة على الرسول )) وواحدة اسمها سميرة .ز. ألفت كتابًا سمته (( مختصر الجامع في السيرة النبوية )) وواحدة اسمها نجاح . ح . ألفت كتابًا سمته ( فقه العبادات على مذهب الحنفي ) الأذكار
و لديهن ذكر يطلق عليه الصلاة النارية ولفظه “اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستقي الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس عدد كل معلوم لك” . وتقرأ هذه “الصلاة النارية ” بأعداد خاصة مثل (4444) مرة في أوقات خاصة قراءة جماعية أو فردية لجلب مصلحة ما أو دفع ضرر ما عن الدعوة.
وقد حدثتنى أحدى الأخوات والتى تسكن بجانب جامع النور فى دمشق حيث تتم القاء الدروس وقالت: يتم اطفاء الأنوار ويبدأ الذكر الجماعى مئات المرات والتى تصرع يحتفى بها فهذا نوع كرامة!! ويتم أيضاً ضرب الدفوف فى المسجد مع الذكر حتى أنهم أنشدوا الآذان مع الضرب بالدف ؟؟؟
علاقة جمعية بيادر السلام فى الكويت
قد طالعتنا مجلة النور في عددها الصادر في آذار 1996: باستطلاع عن زيارة الشيخ أحمد كفتارو حيث يفتخر بنفسه و يقول ” أنا صوفي نقشبندي سلفي ” كما أشارت المجلة إلى أن الشيخ كفتارو قد خص عضوات بيادر السلام بلقاء خاص وهذا شأنه في كل زيارة للكويت كي يمنحهن البركة في شرب فضلة كأسه حيث التسابق عليه، و يبشرهن أن مستقبل الدعوة في المرحلة القادمة للمرأة فتوى اللجنة الدائمة حول القبيسات رقم (16011) وتاريخ: 18/5/1414هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده… وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من مستفتي من الكويت والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (11-16) وتاريخ (18/5/1414). وقد سال المستفتي سؤلاً هذا نصه
(بشأن جماعة من النساء في الكويت يقمن بنشر الدعوة الصوفية على الطريقة النقشبندية، وهن يعملن تحت إطار رسمي ” جمعية نسائية ” ولكنهن يمارسن هذه الدعوة في الخفاء ويظهرن ما لا يبطن وقد حصل أن اطلعنا على كتاباتهن وبعض كتبهن واعتراف بعضهن ممن كن في هذا التنظيم . وذلك يتمثل بعضه بالآتي:
يقولون من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة، ومن قال لشيخ لم، لم يفلح أبدا، ويقولون بالوصل بعملية الذكر الصوفي مستحضرين صورة شيختهن أثناء الذكر ويقبلون يد شيختهن والتي يطلقون عليها لقب الآنسة وهي من بلد عربي من خارج الجزيرة، ويتبركن بشرب ما تبقى في إنائها من الماء، ومن كتاباتهن لأدعية خاصة، وأني وجدتها بعد ذلك مقتبسة من كتاب اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان، ويقومون بتأسيس المدارس الخاص بهم لاحتواء الأطفال على طريقتهن ويعملن في مجال التدريس مما يعيطهن مجال لنشر هذه الدعوة في صفوف بنات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية.
وقد فارقت بعض من هؤلاء النسوة أزواجهن وطلبوا الطلاق عن طريق المحاكم عندما أمرهن هؤلاء الأزواج بالابتعاد عن هذا الطريق الضال.
السؤال
(1) ما هو الحكم الشرعي في عقيدة هؤلاء النسوة مع إصرارهن على هذه الطريق؟
(2) هل يجوز الزواج منهن؟
(3) ما حكم عقد النكاح القائم بأحداهن الآن؟
(4) النصيحة لهن وترهيبهن من هذا الطريق. وجزاكم الله عنا كل خير. وبعد دراسة اللجنة له أجابت
الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية، كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إياكم ومحدثات الأمر، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة”.
بل إن الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة مع ما في البدعة من الضلال، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله، واعتقاد أن لهم تصرفاً في الكون، وقبول أقوالهم من غير نظر فيها، وعرضها على الكتاب والسنة.
ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: من لا شيخ له فشيخه الشيطان. ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة، ومن قال لشيخ لم، لم يفلح أبدا.
وهذه كلها أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة، لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى: (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ))، وقوله تعالى: (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
أما غيره من البشر مهما بلغ من العلم، فإنه لا يقبل قوله إلا إذا وافق الكتاب والسنة، ومن زعم أن أحداً تجب طاعته بعينة مطلقاً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد عن الإسلام، وذلك لقوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)).
وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله:
طاعتهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، كما روى ذلك في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه, فالواجب الحذر من الصوفية رجالاً ونساءً، ومن توليتهم التدريس والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين.
والواجب على الرجل منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولاها الصوفية أو يدرسون فيها حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسر من التفكك وإفساد الزوجات على أزواجهن، ومن اعتنق مذهب الصوفية فقد فارق أهل السنة والجماعة، وإذا اعتقد في شيوخ الصوفية أنهم يمنحون البركة، أو ينفعون أو يضرون فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، ودفع الأضرار أو أنهم تجب طاعتهم في كل ما يقولون ولو خالفوا الكتاب والسنة، من اعتقد ذلك فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة. لا تجوز موالاته ولا مناكحته لقوله تعالى: (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )) إلى قوله: (( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا )).
والمرأة التي تأثرت بالتصوف إلى حد الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوج بها ابتداء ولا إمساكها ممن تزوجها إلا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله.
والذي ننصح به النسوة المذكورات هو التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء والتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح. كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.!!
لم يذكر اسم الجمعية في هذه الفتوى حفاظا على مبدا النصيحة و لكن بعد الفحص و التدقيق تبين ان هذه الجمعية النسائية هي جمعية بيادر السلام لسببين هما ان جمعية بيادر السلام فضحت نفسها و قامت بالرد على هذه الفتوى و بعد الرد قام احد الموقعين من علماء المملكة و هو الشيخ ابن منيع حفظه الله بالتصريح باسم جمعية بيادر السلام و كل هذا موجود بالصحف.
ثالثاً موقع الجزيرة نت “القبيسيات.. تنظيم ديني “نسوي” لا يدخله الرجال”
ليلى الرفاعي
“على الطالبات إخبار آنساتهن بكل ما يجري معهنَّ.. لأننا هنا في مستشفى إيماني والمريض في المستشفى يجب أن يُطلع بيبه على كل شيء ليتداركه”
(قاعدة قبيسية)
بقدرِ ما كانت أحداث الاخوان المسلمين في سورية من القرن الماضي والتي تُوّجت بأحداث حماة انتهاءً لحقبةٍ من العمل السياسي الإسلاميّ، إلَّا أنَّها كانت أيضًا مبعثًا لولادةِ عملٍ جديد ومنطلقًا لرسم خارطة دينية سياسية جديدة في سورية؛ فبدأت شخصيّاتٌ وجماعات دينية كـ”البوطي” و”الفرفور” وجماعة “زيد” وجماعة “كفتارو” وجماعة “القبيسيات” تطفو لتشكل كيانات وحالاتٍ دينية جديدة أو تعيد تشكيلَ كياناتٍ قائمة وتغيّر في وسائلها وتكتيكاتها، وتتبنى التدين التعليمي الشرعي الصامت البعيد عن السياسية. وبدأت في نشر تديِّنٍ شعبيٍّ أو علميّ تخصصّي أو مسجديٍّ حلقيّ يتلاءم بتنوّعاته مع معطيات البيئة المحيطة اجتماعيًّا وسياسيًّا.
واحتضن الحكم السّوريّ عبر مؤسساته وجِهَاتِه الحكوميّة التنفيذيّةِ المتمثّلة بوزارات الأوقاف والتعليم العالي والتربية المتحكّمة صورةً، هذا التدين وسيطر على أربابه وبالتالي سيطر على المجتمع المتعلق بأرباب هذه الجماعات والمتأثر بأقوالها وأفعالها.
والتّصوف على اختلاف أنواعه ودرجاته، كان ومازالَ سمةً للسلوك الديني في المجتمع السوري، والمسلك الأكثر انتشارًا وقبولًا، وهذا النّمط الدّيني المسالم في الحالةِ الطُّرقيّةِ المغرقة البعيدة عن العلم الشرعيّ الشّامل والوعي السياسيّ كان عاملًا في استقرار الدولة عن طريق إخضاع الناس لسلطة روحية تعزلهم عن السلطة السياسية وتشرعن لها ممارساتها بطرق مباشرة وغير مباشرة، وما الذي تريده دولة مستبدة أفضل من إبعاد الإسلام عن المجتمع وحبسه بين جدران مسجد وإبعاد المجتمع عن الإسلام من خلال اجتزاء تعاليمه وحصرها في شخصٍ مقدّسٍ يغدو هو المرجعُ لا النّص الشّرعيّ؟!
القبيسيات
جماعة دينية إسلامية دعوية نخبوية نسوية تعتمد هيكلية شبه تنظيمية غير مُعلنة، نواتها من طبقة أثرياء دمشق ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطبقة.
بدأت الجماعة في دمشق وانتشرت بها انتشارًا واسعًا خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي ثم امتدت إلى دولٍ عربيةٍ وإسلامية وأوروبية أخرى.
وقد جذبت الشبكة العنكبوتية لجماعة القبيسيات المتوغّلة في طبقات الأثرياء والأمراء والمسؤولين والطبقة الجامعيّة اهتمام الأجهزة الأمنية والسياسية، وأما أفكارها وانتماؤها الصوفي فقد أثار حفيظة السلفية والتوجهات الدينية الراديكالية وحركات الإسلام السياسي الجهادية، كما أثار توجّس بعض المدارس التي تنتهج الصّوفيّة العلميّة ووقفت ترقب وتفتّش باهتمام عن خلفيّات ومحرّكات هذه الجماعة التي تكتسح ملعبهم.
التسمية والتَّشكّل
تعود التسمية إلى “الآنسة الأم” منيرة القبيسي المولودة في دمشق عام 1933م، خرّيجة قسم العلوم الطبيعية، وقد ابتدأت طريقها بالتدريس في حي “المهاجرين” الدمشقي، وفي بداية الستينات بدأت ممارسة النشاط الدعوي مع التعليمي؛ وذلك إثرَ اقترابها من “جامع أبي النور” التابع لمفتي سورية الشّيخ الراحل “أحمد كفتارو” القريب من الحكم السّوري والرّئيس حافظ الأسد؛ والجمع بين الدعوي والتعليمي أدّى إلى منعها من التدريس بالمدارس الحكومية حيث كان التوجّه العام للدولة في الثمانينيات وبداية التسعينيات أن من له نشاط دعوي يبعد عن التدريس في المدارس الحكومية، وذلك من آثار أحداث الثمانينات التي ما زالت تلقي بظلالها، وهذا الإبعاد عن التدريس ساهم بإقبال القبيسي على التعلم على يد كفتارو، واتجاهها إلى دراسة العلوم الشرعية في كلية الشريعة في جامعة دمشق.
وفيما بعد بدأت القبيسي ممارسة نشاطها الدعوي الخاص وتأسيس منهج مستقلٍّ هيكليًّا ومادّيًّا وفكريًّا؛ مع استمرار الوفاء للشيخ المربي الأول أحمد كفتارو.
قد جاء في تقرير لصحيفة الحياة أن مما ساهم في توسيع نشاط القبيسي محافظتها على الصلة والعلاقة مع الجماعات السورية كلها تقريبًا؛ ورفضها خوض مواجهة مع أحد منهم؛ فهي رغم علاقتها الجيدة مع كفتارو ومجمعه الفكري وطريقته الصوفية، كانت على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، بل إنه الأكثر حماسًا إلى “الأخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا”، وكذلك على علاقة جيدة مع “جماعة” الشيخ عبد الكريم الرفاعي التي يدير شؤون مؤسسته نجلاه الشيخ سارية والشيخ أسامة الرفاعي، وفي تواصل لميدان مع مكتب الشيخ أسامة الرفاعي -رئيس المجلس الإسلامي السوري أبرز المكونات الشرعية في الثورة السورية- وسؤاله عن مدى دقّة المعلومات الواردة في صحيفة الحياة كان الجواب “علاقتنا مع جميع الجماعات الإسلامية جيدة، علاقات منفتحة مع الجميع، نساعد الجميع”.
ولم تبتعد القبيسي آنذاك كثيراً عن “معهد الفتح الاسلامي” التابع لجامعة الأزهر ومديره مفتي دمشق الشيخ عبد الفتاح البزم ومن أبرز رموزه الدكتور حسام الدين فرفور، وموقفهما مؤيد للحكم.
إضافة إلى علاقتها مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني والمسؤول عنه الشيخ الدكتور محمد أبو الخير شكري، وفي اتصالٍ لميدان مع الشيخ الدكتور أبي الخير شكري – المقيم في إسطنبول وعضو مجلس أمناء المجلس الإسلامي السوري- وضَّح أنه لا علاقة شخصية بينه وبين جماعة القبيسيات بوصفها كيانًا، وأنّ وجود مدرسات قبيسيات في قسم الإناث من معهد بدر الدين الحسني هو أمرٌ لم يكن يحظَ بترحيبٍ خاصٍّ ولا حرج فيه طالما أنّ المُدرِّسة تقوم بواجبها التدريسي بمهنية وحياد.
ويقول الدكتور محمد حبش -أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أبو ظبي حاليًّا- إن معظم، إن لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات “القبيسيات” وقد قال هذا أيام كان نائبًا في مجلس الشعب السوري.
من الظِّلِّ إلى الضوء
في العقود الأولى من عمر الجماعة كانت تعملُ سرًّا وتعقد حلقاتها الدعوية في البيوت، وكانت كذلك خارج نطاق اهتمام الشأن العام في سورياة وخارجها باستثناء الهجوم الذي شنته عليها جماعات السلفية في الكويت والأردن وجماعة الأحباش في لبنان.
وبدأ الاهتمام الفعلي بهنَّ بعد تولي بشار الأسد منصب الرئاسة خلفاً لوالده عام 2000؛ وذلك بسبب ازدياد انتشارهن وتأثيرهن في المجتمع السوري. ثم طال الاهتمام بهنَّ حيز الإعلام على شكل مسلسلاتٍ كوميدية ودرامية ناقدة على شاشات التلفزة المحلية السورية والقنوات الفضائية العربية:
البداية كانت عام 2002 في المسلسل السوري “بقعة ضوء” الذي خصّص إحدى حلقاته للقبيسيات مُرَكِّزاً على اختراقهنَّ طبقة الأثرياء الارستقراطية، إضافةً إلى استغلال العمل الدعوي – بحسب المسلسل- لتحقيق مصالح اقتصادية شخصية. وفي عام 2004 عرض مسلس “عصي الدمع” نقداً لأفكار القبيسيات وتصوراتهنَّ الدينية المنغلقة حسب تصوير المسلسل. وفي رمضان 2006 عُرض مسلسل “الباقون” إخرا “نجدة أنزور” بثلاث حلقات تحت عنوان “البرزخ” سلط فيها الضوء على الأسلوب التبشيري الذي تتبعه القبيسيات لتعزيز انتشارهن، والتصورات الفكرية التي تنتشر في أوساطهن.
وفي العام نفسه بدأت الصحافة بكتابة تحقيقات صحافية تحاول التعرف من خلالها على هذا التنظيم، فنشرت عنها صحيفة الحياة تقريراً مطولاً بعنوان “يرتدين الحجاب الكحلي ويملكن شبكة تدريس ونفوذ واسعة: “الآنسات القبيسيات” يباشرن في سورية انخراط النساء في الدعوة الإسلامية بموافقة السلطات”، وكتبت صحيفة النهار اللبنانية تقريراً صحفياً بعنوان “رجال العمائم أكثر حضوراً من المثقفين” ركز فيه على الاهتمام الأمني لظاهرة القبيسيات، ومنذ ذلك التاريخ لوحظ اهتمام الصحافة العالمية مثل نيوزويك ونيويورك تايمز وغيرها بهذه الظاهرة كلما تُحُدِّثَ عن الخطر الإسلامي والإسلام السياسي في سورية.
ثم في الـ2006 سُمح لهن بنقل نشاطهنّ الدعوي من حلقات واجتماعات وحفلات ومجالس ذكر من البيوت سرًّا إلى المساجد علنًا وبشكلٍ أوسع تحت إشراف الحكم.
والأمر المستغرب ههنا وفق شهادة الأستاذة سهير الأومري -التي كانت عضوًا في الجماعة ما يقارب 12 عاما- لميدان أنَّ الجماعة أيَّامَ نشاطها السّري كانت تعدّ الذّهاب إلى المسجد “جريمة”، وتذكُرُ الأستاذة سهير أنَّه بناء على هذا كانت أختها تضطر إلى الذهاب بسريَّةٍ تامَّة في رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد خوفًا من الجماعة، وتتحدث الأستاذة سهير أيضًا أنَّ الجماعة أرسلتها مرّةً في مهمة رسمية لإقناع إحدى الطالبات التي كانت معهنَّ في دروس الجماعة وبدأت تتردد إلى مسجد بأن تختار إمّا دروس الجماعة وإمّا المسجد؛ فمَن تحضر في المسجد ممنوع عليها أن تحضر معهنَّ، بحجة أنَّ هذا السلوك فيه تشويش؛ لأن المرء لا يستطيع أن يوفق بين مصدرين للعلم حسب تبريرهنّ.
وفي 2010 بدأ عرض مسلسل “ما ملكت أيمانكم” من إخراج نجدة أنزور وهو يتعرّض بشكلٍ واضحٍ شبه مفصل لنشاطات القبيسيات وإلى بعض من سلوكياتهن الاجتماعية العامة والخاصة بينهنّ داخل جسم الجماعة، ولاقى المسلسل هجومًا واسعًا من الشيخ البوطي ومن وزارة الأوقاف لما فيه من تهجّم على الدّين وتشويه له، وقد طالبت وزارة الأوقاف بإيقاف بث المسلسل لكن المؤسسة الإعلامية لم تتوقف عن عرضه حينها، وتراجع الشيخ البوطي عن رأيه السلبي بالمسلسل بعد زيارة المخرج أنزور له!
الهيكلية التنظيمية
لا يوجد للقبيسيات هيكلية تنظيمية معلن عنها، كما لا يوجد لجسم الجماعة ذراع ناطق باسمها، مما جعل الكثير من الشائعات والتكهّنات تدور حول الجماعة ولا تنفيها الجماعة أو تثبتها، وتقول الأستاذة سهير الأومري لميدان إن جماعة القبيسيات لا تقدم منهجية لمنطلقات أو نظام داخلي أو قواعد انتساب لمن أرادت الالتحاق بهنّ إنّما يكون الانتقال تلقائيًّا -بعد الانتقاء- من الدرس العام بعد المواظبة عليه أسبوعيًّا إلى الدرس الخاص، وبناء على هذا الكلام وعلى شهاداتٍ أُخرى ميدانية فإن التصوّر للهيكلية التنظيمية هو
– التسلسل الإداري الهرمي
مجلس الإدارة “الحجَّات”
وهن الطبقة الأولى والنواة المركزيّة والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها وتضع الخطط والبرامج وتشرف على التنفيذ العام وتُرفع إليهن التقارير -تقارير العمل وتقارير تقييم حال الأعضاء- وترجع إليهن الآنسات في كل شؤونهن ولا تستطعن الطالبات الوصول إليهن إلا بعد المرور بمرحلة زمنية من الالتزام مع الجماعة وتزكيات خاصة وثباتٍ على المواظبة وظهور الولاء المطلق للجماعة.
الآنسات
وهنَّ الذراع التنفيذية للخطط والبرامج وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وهنا تكمن سلسة تراتبية من الآنسات يتمايزن بألوان حجاباتهنّ من الأزرق السماوي إلى الكحلي الغامق وما بينهما من درجات وهو تمايزٌ مُستَشفٌّ من استقراء لباس الآنسات وآلية التعامل بينهنَّ منذ بدء نشاط الجماعة في دمشق حتى الآن، غير أن الجماعة لا تُصرّح بهذا كما بيّنا.
الطالبات
وهنَّ القاعدة التي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كلّ حلقةٍ لآنسةٍ فيما يشبه الخليّة التنظيميّة التي تلتقي بشكلٍ دوريٍّ ويقدّم لها منهاج مدروس ومقرر من مجلس الإدارة “الحجّات” وينتقلن تصاعديًّا من آنسةٍ إلى أخرى؛ أي إلى حلقةٍ جديدة بعد تحقيق شروط معينة وقطع المناهج المحددة.
– أنواع الدروس وآليَّات تنفيذها
الدرس العام: وهو درس وعظي أسبوعي مفتوح لكل نساء المجتمع، وهذا الدرس يقوم على مبدأ التداعي الحر في الإلقاء بعيدًا عن العمق الفكري أو التأصيل الديني للمعلومات، أو اتباع منهجية علمية، وفق استطلاعات رأي خاصة بميدان، ومن الواضح أن هذا النوع من الدروس يهدف إلى جانب الدعوة العامة إلى أن يكون ميدانا للاستقطاب والاستكشاف تعرُّف المتميزات حتى يكنَّ محلَّ الاهتمام الخاص في دائرة الاستهداف المركَّز.
الدرس الخاص: حلقات خاصة لحفظ القرآن والإجازة فيه ودراسة التجويد، وحلقات لدراسة كتب تُعنى بها الجماعة، وهي دروس بنائية تستهدف طالبات الجماعة ممن أصبحن بناتها الخاصات.
ووفقًا لتصريحات الأستاذة سهير لميدان، مع شهادات عدة من طالبات التزمن مدة طويلة مع الجماعة، فإن الطالبة بعد التزامها بحفظ القرآن والمواظبة على التسميع للإجازة ومدارسة التجويد يُضاف إلى حلقتها مدارسة كتب دأبت الجماعة على تدريسها وهي:
رجال حول الرسول – نساء حول الرسول – فقه السيرة – الجامع في السيرة – العقيدة لسعاد مبير
مع امتحانات دورية بهذه الكتب، ويُشار إلى أنَّه أثناء إجازة القرآن تُكلَّف من أبدت جدّيةً ببعض المهام من التسميع للأطفال وبعد الإجازة تبدأ تباشر بالتسميع للطالبات الجدد بين يدي تأهيلهن للإجازة، وهذه النشاطات والتقسيمات تمارس في المساجد الآن كما كانت تتبع في البيوت سابقًا.
وهي كتب بعيدة عن أي عمق اختصاصي أو فكري، وإنما الهدف من مدارسة الكتب الحظوة ببركة المجالس كما في شهاداتٍ لميدان حيث ذكرت ملتزمة سابقة مع الجماعة أنها طلبت من الآنسة مدارسة كتاب أكثر تخصّصًا في التفسير فكان الرد: المهم بركة المجلس.
رؤية الجماعة الدينية والمظاهر التي تولدت من الأساليب
من المعلوم أن توجّه الجماعة هو دينيٌّ دعويّ بحت وكثيرًا ما كان يتردّد على ألسنة الآنسات أنهنّ جماعة تُعنى بالشأن الديني للنساء الشاميات في دمشق بمعزل عن أي أهداف سياسية، أو اتباع نهج الحركات الإصلاحية الاجتماعية بالمعنى التنظيمي الحزبي.
فالجماعة إذن تُعنى بالتزكية الروحية الفردية وإصلاح النفس عن طريق التركيز على أمور تعبدية محضة، يتضّح هذا من قواعدها السلوكية التي تتبعها وتحثّ المنتسبات عليها كتربية الأولاد على حفظ القرآن، وإلزام المنتسبات أيضًا بألفيّات من الأذكار وأوراد صباحية ومسائية وعدد صفحات معينة يومية من القرآن الكريم مع المحافظة على السنن المؤكدة وغير المؤكدة. ومنع الطالبات عن طريق الترهيب من سماع الأغاني وحضور الأعراس غير الدينية والاختلاط مع الشباب في الجامعة وغيرها وعد ارتكاب ذلك من الموبقات.
وحسب الأستاذة سهير أومري وشهادات أُخرى لميدان فالهدف الأول هو بناء مسلمة طاهرة نقيّة على أنَّ هذا يمارس بطريقةٍ تؤدي إلى تغييب الشعور الأنثوي عند أعضاء الجماعة، كما تؤدي إلى فناء الذات ونسيانها لصالح الآنسة إذ تسعى الفتاة لإرضاء آنستها عنها فـ”رضاها من رضا الله”.
وتسعى الجماعة بدأبٍ كبير إلى توسيع قاعدتها العامة من الطالبات، فترى نشاط الآنسات منصبًّا على استقطاب عدد أكبر وعلى تشجيع الطالبات على جذب ما استطعن من فتيات وإعطاء ميزات للطالبة التي تستطيع إحضار مجموعة جديدة مع متابعتهنّ متابعةً حثيثة.
كما أنَّ الحجاب يعد أساسًا تسعى الجماعة لنشره بين أوساط الفتيات من الأعمار كافّةً، وهي تقيم حفلات خاصة للفتيات من أجل تحجيبهنّ وتشجيع الأُخريات على اتّخاذ هذه الخطوة، غير أنَّ هذه الخطوة قائمة على عملية ظاهرية لا عمق وراءها؛ إذ لا تُغرسُ في نفوس الفتيات قيم حقيقة وفكر أساسية تشرح لهنَّ أهميّة الحجاب عقلًا وإقناعا إلى جانب فرضيّته الدينية، ناهيك عن الأفكار التي تزرع في الفتيات بوعي وبلا وعي وتقوم على نبذ غير المحجبات ورسم صورة ذهنية مشوهة لهنّ كما تقول الأستاذة سهير.
وعلى هذا فإنَّ الجماعة تفتقد لرؤية تسعى إلى نهوض فكري بالمجتمع يُساهم في نهوض أمّة، فلا يوجد همُّ حقيقيُّ تربّى الفتيات عليه بوصفه أثرا لحفظ القرآن والتزكية النفسية واستقطاب الفتيات، وكل عمل يقوم به أفراد الجماعة هو عمل من أجل الجماعة نفسها، وعلى نطاق أضيق فإن الجماعة لا تسعى للتكامل مع الجماعات الأخرى العاملة في الساحة الدمشقية، تذكر الأستاذة سهير لميدان أنها في أيامها الأخيرة مع الجماعة كثيرًا ما كان يقال لها “يشم منك رائحة الجماعات الأخرى” وهذه الجملة فيها من الدلالة على ضيق الأفق ما فيها.
وهذه الرؤية للجماعة مع المنهجية الدعوية المتبعة ولّدت سلوكيات شكّلت ظواهر باتت تتسم بها الجماعة؛ منها:
– الاستشارة المنحصرة والاتباع الأعمى
نظرًا للخلفيّة الصوفية للجماعة فإنها قائمة بأساسها على فرض سلطة روحية مطلقة من الآنسات على الطالبات، كسلطة الشيخ والمريد في نطاق الرجال، هذه السلطة المطلقة شرعنت لإعطاء الآنسات تفوّقا دينيا وسلطويا كهنوتيّا يمكّنهن من التدخّل بأخص خصوصيات الطالبات ولا سيما المقرّبات اللواتي أعلنّ الولاء والطاعة، ويفرض بالتالي على الطالبات إعلام الآنسة بكل ما يتعلق بهنّ واستشارتها بالأمورِ خاصِّها وعامِّها، وممّا ذُكر لميدان أثناء استطلاع رأي بين الفتيات الملتزمات مع الجماعة، أنّ الفتيات يستشرن ويطلعن الآنسات على ما يتعلق بكل مناحي حياتهنّ الخاصة مثل قصِّ الشعر والخطبة واختيار الفروع الجامعية من أجل الدراسة وأشياء أخرى تتعلق بخصوصيات البيت والزواج للمتزوجات، وتذكر الأستاذة سهير أن مقالًا أرادت كتابته لجريدة تشرين احتاج منها أن تستأذن الآنسة منيرة التي رفضت ذلك وما كان على المريدة إلا أن تسمع وتطيع دون أن تسأل عن السبب، وهذه الطاعة المفروضة كانت سببًا لترك عدد من الفتيات الالتزامَ مع الجماعة.
– الوسيط الرباني والتقديس
ثمة مكانة دينية عالية تحظى بها الآنسات، وكلما علت رتبة الآنسة علا شأنها الدّيني وزادت هيبتها وقدسيتها المزروعة في نفوس الطالبات، والآنسات على اختلاف رتبهنّ يمثّلن صدًى إلهيًّا في رضاهنّ وسخطهنّ، فـ”رضا الآنسة من رضا الله وغضبها من غضبه”؛ أي: غضب الآنسة من طالبة ليس نابعًا من غضبٍ ذاتيّ بقدر ما هو دلالة دامغة على غضب الله، الأمر الذي يؤثّر سلبًّا على نفسية الطالبة التي ثبت غضب الآنسة منها، فتراها باكية مستغفرة تعيش في حالةٍ من الجحيم والكآبة جائلة المرام بحثًا عن سبيلٍ يُرضي الآنسة عنها، وسط شفقةٍ ولومٍ من صويحباتها على تقصيرها غير مفهوم الأسباب.
هذه الوساطة الربانية جعلت الفتيات يُقبلن بطواعيةٍ على البوح بذنوبهنَّ مهما بلغت للآنسات على نهج كرسيّ الاعتراف الكنسيّ، وممّا منح الآنسات قدسيّةً على الطالبات ألزمتهنّ بطأطأة الرؤوس في حضرة كبار الآنسات.
– السيطرة العاطفية “التعلق”
حيثُ التزمتُ مرّةً -أو مرّاتٍ فالمشهد تكرر باختلاف أمكنة التزامي- كانت الفتيات يَهِمنَ بآنساتهنّ هُيامًا حقيقيًّا شفيفًا يصحبه بكاء لذكرها وخفقان وهيجان بمرورها، وأرق من جفائها، وتعليقًا على هذا حدّثتنا مدرّستُنا أنّ الظاهرة صحيّة ولا بد منها؛ فكلُّ أنثى تملك بطبيعتها وهجًا عاطفيًّا لا غنى عن تفريغه، وتعلّق الطالبة بآنستها يفرّغ هذه العاطفة وهو أفضل من أن تتعلّق بشابٍّ هنا أو هناك.
كان ثمّة هيمنة عاطفيّة عجيبة وتعلّق من الفتيات أشدُّ عجبًا، ممّا يخلق مُناخًا غير صحيٍّ من التنافس بين الطالبات والتناحر في حب آنسة، هذا التعلّق الذي يسلخ الفتيات وجدانيًّا من كلِّ ما هو محيط ويجعلهن يدُرنَ في فلك آنستهنّ المحبوبة فقط.
أثر الجماعة اجتماعيًّا ودينيًّا
لا تخطئ عين الداخل دمشقَ حالة المحافظة “الظاهرية” في اللباس التي تسم النساء الدمشقيات وكذلك الالتزام بالحجاب، ويعود الفضل في هذا التدين الظاهري بين النساء إلى الجماعات الدينية الممتدة في عمق المجتمع السوريّ ذات الأذرع النسوية وإلى الجماعات النسوية المستقلة كالقبيسيات، وقد خرَّجت الجماعة جيلًا مهتمًّا بحفظ القرآن ومدارسة التجويد والفقه لاسيما قسم الطهارة والعبادات، ومن نقاط العلّام الدّالة على أثر القبيسيات ووجودهن الاجتماعي اليوم:
– معاهد خاصة في دمشق
حسب استطلاعاتٍ خاصة بميدان فإنه في السنوات الأربعة الأخيرة -أي خلال سنوات الثّورة السورية- بدأت الجماعة بنشاط جديد لها وهو افتتاح معاهد تعليميّة خاصة في دمشق تقوم بتدريس اللغة العربية نحوًا وصرفًا والعلوم الشرعية إضافة إلى خط، وهذه المعاهد تتبع نظام الدورات الذي يعتمد على مدارسة كتب معينة لكل مادة وأداء اختبارات بها تؤهّل إلى البدء بكتب جديدة.
– الهيمنة على دار الحديث النورية
تقع المدرسة في الزاوية الشمالية الشرقية من الجامع الأموي وقد تأسست بقرار وزارة الأوقاف السوريا عام 2005، ووُضعت مناهجها بإشراف الدكتور نور الدين عتر رئيس قسم علوم القرآن والسنة في جامعتي دمشق وحلب سابقاً، وافتُتحت رسمياً في 23-4-2006 م، وتهتم هذه المدرسة بتدريس علوم الحديث الشريف ومصطلحه إضافة إلى إحياء حفظ أصول السنّة السبعة غيباً.
وفي استطلاعات خاصة بميدان فإن المدرسة تعتمد نظام الدورات؛ دورات بـ:
علوم الحديث.
رياض الصالحين شرحًا وحفظًا، وقراءة البخاري.
حفظ القرآن ومدارسته، وعلم التجويد.
دورات لعلوم شرعية مختلفة: (فقه، تفسير، تاريخ إسلامي، لغة عربية..).
وإضافة إلى الدورات الدائمة فقد أصبحت المدرسة “معهدًا تخصصيًّا للحديث النبوي الشريف وعلومه للإناث”، أي ثمة قسم حديث فيها للدارسة الأكاديمية مدته 4 سنوات تمنح الطالبات بعدها شهادة موازية لشهادة الجامعات الخاصة، وفيه الأقسام التالية:
قسم الشريعة – قسم حفظ الأصول السبعة – قسم اللغة العربية – قسم القراءات العشر.
وقد تمكنت الجماعة من الهيمنة على الطابع العام للمدرسة حيث إنّ إدارة المدرسة والنسبة الغالبة على مدرِّساتها وعلى طالباتها من القبيسيات.
– المدارس
تُظهر إحصائيات أن القبيسيات يمتلكن أكثر من 50% من المدارس الخاصة التي تنتشر في أحياء راقية من دمشق، تُدرِّسُ هذه المدارس منهاج وزارة التربية السورية، مع تركز أكبر على حصص التربية الدينية، وتُعدَّ هذه المدارس مكانًا خصبًا لانتقاء فتيات جدد من أبناء الطبقات الثرية؛ ومن أشهر مدارسهن الدمشقية مدرسة “البوادر” في منطقة كفرسوسة وهي أكبرها، ومدرسة “دار الفرح” في منطقة المهاجرين و”دار النعيم” و”مدرسة عمر بن الخطاب” في المزة و”عمر عبد العزيز” في الهامة و”دوحة المجد” في المالكي و”البشائر” في المزة[6].
وكذلك كان لهن مدارس خاصة بهن في كلٍّ من حمص والأردن والكويت. ومع هذا ورغم التَّملّك الكامل لمدارس ومؤسسات فهنَّ يشكّلن عنصرًا أساسيًّا في مدارس دمشق وريفها غير الممتلكة لهن أو التابعة للجماعة.
– حلقات العلم العامّة في المساجد
في دمشق هناك أكثر من أربعين مسجداً تقوم عليها “القبيسيات” في أحياء دمشق الراقية، أهمها جامع “الوزير” في حي المهاجرين، جامع “الأبرار” في منطقة مشروع دمر وجامع “الرحمن” في المزة فيلات غربية[7]، تُقام في هذه المساجد دروس وعظية أسبوعية عامّة تستهدف شرائح المجتمع السوري النسوية كافّة، وهي تلقى قَبولًا وارتيادًا كبيرًا.
– سكن طالبات
أسست القبيسيات مساكن لطالبات الجامعة، وكانت هذه المساكن على قدرٍ عالٍ من الانضباط، ولها نظام داخلي صارم من تُخالفه تعرّض نفسها للطرد وفق شهادات لميدان.
– مشاريع
اشتهرت القبيسيات بإقامة الحفلات المدفوعة الثمن والمُبالغ فيها كمًّا ونوعًا، في مناسبات دينية واجتماعية مختلفة، وريع هذه الحفلات يُشَكِّل المورد المالي للمؤسسات الخيرية والخدمية اللاتي يشرفن عليها. كما يقدمن بعض المساعدات للأسر الفقيرة، والمساعدات الطبية في مشفى السلامة التابع لهنّ في دمشق.
الانتشار
اختلف الاسم الذي يُطلق على الجماعة باختلاف الجغرافيا والمرجع للجماعة فيها، على أنَّ كل المصطلحات الآتية تدلّ على جماعة واحدة عبرت الحدود وتجاوزت المكان المعقل الأم:
– المركز/دمشق “قبيسيات”
كانت دمشق العاصمة المعقل الأوّل للقبيسيات، وقاعدة الانطلاق لهنَّ، ثم بعد انتقالهنَّ من البيوت إلى المساجد بدأت النشاطات الدعوية لهنّ تطال ريف دمشق؛ لكن بفاعليّة أقلّ، وفي المرتبة الثانية من حيث الوجود والفاعلية كانت مدينة حمص.
وأمّا في حلب فلم تستطع الجماعة اختراق النسيج المجتمعي فيها بسبب سطوة الطّرق الصّوفية الممسكة بتلابيب المجتمع هناك[9].
– لبنان “السَّحَريات”
عملت أميرة جبريل – فلسطينية الأصل شقيقة أحمد جبريل – على تأسيس نواة للقبيسيات في لبنان، وبعدها سلّمت زعامة الجماعة في لبنان للبنانية سحر حلبي فأصبحن يُعرفن بالسَّحَريات نسبةً لها، وكانت سحر قد تتلمذت على يد منيرة القبيسي في سورية.
– الأردن “طباعيات”
قامت فادية الطّباع بنقل نشاط القبيسيات شكلًا ومضمونًا إلى الأردن، وحقّقت أثرًا بالغًا في استقطاب نساء من طبقات راقية من عائلات الأردن وعائلات سوريا مقيمة بالأردن[10].
– الكويت “بنات البيادر”
وكان لأميرة جبريل ههنا اليد الأولى والطولى في بناء الجماعة أيضًا، التي تأسست بعدها 1981م “جمعية بيادر السلام النسائية” وهي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان؛ وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية[11].
وبفعل الهجرة القديمة والحديثة فإن القبيسيات وصلن إلى دول أوروبية وعملن بها داعيات لكن بشكل أقل انتشارًا وتأثيرًا؛ فقد لوحظ نشاطٌ لهنّ في إسطنبول وأمريكا وأستراليا وفرنسا وانكلترا لا سيما عقب الثّورة السورية.
النشاط السياسي
– قبل احداث 2011اتسم سلوك الجماعة بالغياب من حيث الظاهر عن العمل السياسي قبل الثورة والتأكيد الدائم على النأي بالنفس عن السياسة وأن الجماعة لا خطط سياسية لها، بل كانت الجماعة ملاحقة من قبل الأمن السوري أيامَ كان نشاطها سريًّا، فثمة مصطلحٌ شائعٌ أيامها وهو مصطلح “القطعة” أي انقطاع الدروس في البيت زمنًا طويلًا بسبب منع الأمن أو ملاحقته للدرس.
وفي المدارس العامّة التّابعة للحكومة السورية كانت المدرّسات اللواتي يلبسن زي القبيسيات يتعرّضن لمضايقات وترفع بهن تقارير دورية للمخابرات وفق حديث الأستاذة سهير لميدان.
– بعد الاحداث
رؤوس الجماعة مَن تتلمذن على أيديهنَّ مباشرة لم يلحق بركب المعارضة وإنما اصطففن إلى جانب الحكم السوريّ وهذا حال الجماعة بوصفها كيانًا كاملًا وأما ما كان من بعض القبيسيات من الوقوف ضد الحكم فهن يؤكدن أن هذه حرية شخصية لا علاقة لها بموقف الجماعة.
هذا وقد كانت سلمى عياش أول امرأة من الداعيات القبيسيات تُعيّن في منصب معاون وزير الأوقاف في سورية، وذلك في ربيع عام 2014 في خطوة تمثّل مكافأة من الحكم للجماعة على مواقفها من جهة واستخدامها سياسيا في ظل المعارضة للحكم من جهة أخرى.
والمفاجئ ربما هو ظهور انشقاق في الحركة النسوية الإسلامية “القبيسيات”، تحت ضغط وتأثير تطور الأحداث، فقد عملت الجماعة بشكل شديد الوضوح على الابتعاد عن أي موقف سياسي مع المعارضة أو مع الحكم، إلا أن ما يجري على الأرض لم يكن يسمح بضبط كامل للتنظيم، فقد كان لا بد للبعض من اتخاذ موقف واضح ضد الحكم. هكذا ظهرت حالةٌ نسوية جديدة تحت اسم “حرائر القبيسيات” في نهاية (تشرين الثاني) 2011، تعمل على دعم الحراك ضد الحكم، لكن من غير الواضح حتى الآن مدى تماسكها وتأثيرها.
وهكذا فإنَّ هذه الجماعة التي صبَّت اهتمامها على النساء من الطبقة الثريّة والطالبات الجامعيّات عموما لا سيما التخصصات التي تحظى بمكانة اجتماعية خاصة كالطب والصيدلة والهندسة والتي تقتصر في مناهجها على التزكية القلبية والأخلاقية مع شيء من التخصص العلمي الشرعي؛ تغيبُ عن الواقع المتغيّر من حولها فكريًّا اجتماعيًّا وسياسيًّا ممَّا يسهّل استخدامها وتوظيفها سياسيًّا من حيث تشعر أو لا تشعر، إضافة إلى غياب جهاز ناطق باسمها ومعبرٍ عنها سواء من الرموز أو وسائل الاعلام يجعل كثيرًا من اللغط يدور حولها دون أي نفي أو إثبات مما يجعل المدافعين عنها في موقف غير قويّ يعتمد فقط على المعرفة الشخصيّة المباشرة.
ورغم ذلك فإنّ الجماعة التي تمتدّ في النسيج الاجتماعي السوريّ بشقيّه الموالي للدولة أو الخاضع لسيطرته كما في دمشق العاصمة، والمعارض له كما في الأردن وإسطنبول ولبنان ما تزال تثير اهتمام المتابعين وتلقى دعمًا من طرفي الصّراع الحكم والمعارضة في جزء غير يسير منها مما يؤهلها للاستمرار في عملها ودورها في حال تغير الواقع السياسي في سوريا بخلاف من أحرقت الثورة أوراقهم وأسقطتهم من معادلة المستقبل.
المصدر : الجزيرة/ ليلى الرفاعي
———————————————————————————————————————-
رابعاً: رأي مركز شام للدراسات شرق أوسطية
نصف الحقيقة التي لا تقال
دراسة تحليلية اجتماعية لتنظيم
( القبيسيات )
جملة واحدة من آيات القرآن الكريم دافع قوي و مؤثر جداً في تشكيل تنظيم القبيسيات
وجود جماعة القبيسيات النسائية الكبيرة المنتشرة في بلدان كثيرة من الشرق الاوسط و حتى بلدان اجبية ك كندا وووو .
ولكن
الكثير من اللغط و التناقض و الاختلاف في الرأي بين البلدان و المنظمات و الاطراف الدينية و السياسية و الاستخباراتية حول الدور الذي تلعبه و تقوم عليه و من اجله
( جماعة و تنظيم القبيسيات )
باختصار شديد
هي نتاج عملي لما جاء في الاسلام بأن الرجال قوامون على النساء
و تبادل دور العلاقة بين المرأة و الرجل في الليل و النهار
بكل ما تحمل هذه الجملة من مدلولات .
فمن المعروف في مجتمعاتنا الشرقية
و حتى في العالم عموماً
و ( حصراً ) الاسلام الذي جعل الرجال قوامون على النساء .
فالكل يعلم تاريخ و كيف نشأت منظمة القبيسيات في ستينيات القرن الماضي .
و الكل تناولها بتحليل سياسي ديني .
و بما أن المنظمة نسائية اسلامية فقط و بالمطلق .
ف جميع أعضائها نساء مسلمات .
المرأة المتحجبة هي قوامها
و صورتها .
و قرآنها هو الصورة الخارجية لها ك منظمة دينية لها طابع سياسيي .
و لكن حتى الآن لم اقرأ او أرى أيا من الكتاب أو اي جهة تناولت تلك الحركة كما هي في نصف حقيقتها الآخر .
لذلك أردت أن اضيء على الجزء الذي لم يأتي احد على النظر اليه و دراسته في نشوء تنظيم القبيسيات لما له اهمية في ساحة الوطن السوري .
التحليل النفسي الاجتماعي لهذه المنظمة :
( المرأة ) و اخص المحجبة المطيعة المؤمنة ( في المظهر )
إذا ما نظرنا للمرأة و اهميتها ك وسيلة من وسائل وصول الرجل لغاياته و مآربه .
منذ عهد امتلاكها ك جارية أو سيدة حرة على حد سواء
و تأثير ليل المرأة في نهار الرجل .
كان للمرأة دور فعال جدا و مؤثر في قرارات الرجل
حق كانت أو باطل
خير أو شر
مكيدة أو امانة
و إن لم ينفذ ماتريد بشكل صريح و واضح و بشكل مباشر .
فرغباتها و افكارها و آرائها و أهدافها
تنفذ من نافذة اللاوعي إلى قناعات و مدارك و عقل الرجل
من خلال النزوات الجنسية و الرغبات الحسية عند الاغلبية الساحقة من الذكور .
و يقومون بتنفيذ ما تريد الانثى من دون تفكير بشكل كلي أو جزئي .
و الامثلة كثيرة على ذلك اقربها للعقل :
سيطرة الزوجة على الرجل و ابعاده عن أهله و اخوته .
أو حالات الجاسوسية و تجنيد المرأة و استعمالها ك طعم لصيد الرجال و استخدامهم لخيانة اهلهم و اوطانهم من خلال تجنيدهم ك عملاء باستغلال رغباتهم الجنسية .
و من ينكر الخروج الكبير و سطوة المرأة التي اخرجت سيدنا آدم من الجنة على مافي الكتب .
و من ينكر سيطرتها و تحكمها في عقل الرجل في الفراش ليلاً و بنسبة 90% و حتى و لو كان ( شهريار ) .
فهو منافق
و بما أن ( الاسلام ) قد جعل الرجل و بشكل جلي لا لبس فيه
قائد للمرأة و مالك لها في بعض حالات الرقيق
و منحه حق امتلاك أربعة منها دون ان تلبس ب بنت شفا .
و لكن هذا في العلن ( النهار ) .
أما في الليل فالحالة النفسية و المزاج يتبدل عند الاغلبية الساحقة من الذكور أكثر من الاناث .
و هذا الامر حقيقة علمية في بحوث علم النفس و ليس تكهن .
و بالذات في بحث ( المحرك الرئيس لتصرفات شخصية الانسان )
بين غريزة القوة ( العقل )
او الغريزة الجنسية ( اللبيدو )
انثى كانت أو ذكر .
و من هنا تبدأ عملية تبادل الادوار
و التأثير في الآخر بين الطرفين ( الذكر و الانثى )
و تلعب العوامل و العادات و الموروثات الاجتماعية و القوانين
و التشريعات الوضعية
و الدينية دور فعال في هذه المسألة .
و منها جاء تأثير الاسلام في الحالة القبيسية
شاء من شاء
او اعترف من اعترف
و رضي من رضى أو لم يرضى .
لقد حكم الاسلام الرجل بالمرأة فوق الطاولة و في النهار و الليل و لكن بشيء جزئي .
ليترك لها حيز لعب لا بأس فيه في الحياة الفاعلة على أرض الواقع و تلعب دور يؤهلها لنيل المكافأة
و اخذ فرصتها في نيل الرضى من القائم عليها في الاسلام على الاخص
لنيل حصتها من الاهداف المادية أو النفسية من المشغل ( الرجل )
ك ( المال و الرغبات الجنسية و الظهور و السلطة )
و احيان تتبادل الادوار في ذلك بطريقة متوازية و متزنة أحيانا و مضطربة احيانا اخرى .
ك ( نيل الرضى و المعاملة الحسنة ) من السيد في الاسلام .
ك تحقيق المتع و الرغبات أو
كما جاء في الآية عن سلطته بالعظة و هجر الفراش و الضرب و النهر .
و لاجل كل هذه المكتسبات و المنح الذكورية .
تفعل المرأة أكثر ما تستطيع .
احياناً من كل ما اوتيت به من رغبة و قوى تمتلكها
و أحيانا خوفا
و لنيل رضى صاحب الامر .
و احيانا للأمرين معاً
و خير مثال على ذلك من الواقع الحقيقي الحالي :
قدوم المرأة السعودية
بالقبول و الرضى بامر القوامون على النساء .
المفتي السعودي ل نساء مسلمين الخليج البدوي
بنكاح آلاف المجرمين المسلمين المرتزقة المقاتلين في الربيع الاسرائيلي في سوريا لشد ازرهن في القتال ضد الجيش السوري .
لنيل رضى أزواجهن اصحاب أمرهم و مالكيهم
ك حجة معلنة فوق الطاولة .
و تحت الطاولة لميول خاصة اشباعاً لرغباتهم الجنسية .
و من هنا نعلم أن الرجال فعلا في هكذا مجتمع قوامون على النساء و لو باستغلالهم و استخدامهم لأعمال لا انسانية و لا اخلاقية .
و ما ينسحب على هذا ينطبق على ذاك .
و هنا اعتقد أن الاسلوب و الامر مختلف
بين ( القبيسيات و العاهرات الخليجيات )
اللواتي اتين لنكاح قممامة خنازير العالم من اجل قتل اطفال سوريا .
و لكن بقاسم مشترك .
هو استخدام أساليب العنصر الأنثوي في التأثير في ساحة الاحداث و الواقع لاسباب و اهداف مختلفة .
و لكن يبقى نوع من اساليب استغلال المرأة لاهداف ما .
لانه و بكل بساطة .
المرأة لم تندفع و تأتي من نفسها من حواكير الخليج لنكاح المجرمين المسلمين في سوريا .
بل اتينا بفتوى من شيخ و أمر زوج ( ذكر )
قوام على النساء في مجتمعه .
و كذلك القبيسيات .
لم يأتو
و لم تشكل السيدة الداعية الراحلة ( منيرة القبيسية )
من بنات افكارها و بنفسها هذا التنظيم .
بل من تعاليم ( الشيخ محمد كفتارو )
مفتي الجمهورية السورية أنذاك و دعمه لها لغاية لا اريد الولوج اليها الآن .
و لقت المتابعة و التشجيع و المباركة من الراحل المعتدل العلامة الطيب المتحضر ( محمد سعيد رمضان البوطي ) رحمه الله .
الذي اغتالته اليد الغادرة المرتزقة الاسرائيلية في مسجد الايمان الدمشقي عام ٢٠١٣ م .
أما لماذا و لأي هدف قام هذا التنظيم الصوفي وما الغاية منه و ما مراميه البعيدة.
فهذا شأن ديني لا اود الخوض فيه .
كل ما أردت التويه عنه و جئت على ذكره .
انه تنظيم استخدم ( المرأة ) بأساليبها و طرقها الفعالة في التأثير في رجالات و اوساط مجتمعات
بكل ما تملك من وسائل تأثير و عن قبول و رغبة لتحقيق اهداف الرجال لقضية حق او باطل .
و لمنفعة و رضى متبادل بين الطرفين و تلبية لرغبات خاصة أو قضايا عامة هامة .
و لكن ما كانت لتكون واقع على الارض لولا أفكار و مباركة ولي الامر و التأثير و االدهاء السياسي الانثوي .
انها القبيسيات .
( صنعت من صلب أفكار الرجال و ولدتها رغبة النساء )
لا يهمنا إن كانوا نساء الطبقة المخملية من الاغنياء او الفقراء .
و لا يهمنا حياتهم الشخصية
و لا يجب ان نهتم باللغط و المهاترات و التخمين و التبصير و تقييمهم و التحدث عنهم و كأنهم بديل الماسونية .
فلا يهمني ذلك .
كل ما يهمنا منهم افعالهم
ولائهن للوطن
بما يعملن على الارض بأمانة و وفاء و اخلاص .
. مهيب مخائيل ملوحي .
———————————————————————————————————————-خامساً موقع صور /” القبيسية نوعٌ آخر من النسوية/ إنصاف نصر
“إن ما أثار دهشتي هو اعتقاد الطّالبات بمقدرات «الخالة الكبيرة» الرّوحيّة؛ فما زلتُ أذكرُ كلام إحداهنّ عندما قالت لي: «الخالة تستطيع قراءة أفكارنا…»، وحذّرتني من تحدّثي في سِرّيّ عنها، لأنّها ستسمع ما أقول، والغريب في الأمر أن باقي الطّالبات أكّدنَ كلامها”.
هذا الاقتباس هو من مقالٍ للكاتبة لمى راجح في موقع الجمهوريّة، وهي تتحدّث عن تجربتها خلال حلقات القبيسيّة، والخالة الكبيرة بحسب كاتبة المقال هي “الشّيخة” وتعتبر الخالة في أعلى الهرم التّراتبي لحلقات القبيسيات.
تزداد السّرديات يوماً بعد يومٍ حول القبيسيات، ودورهنّ الحقيقي في المُجتمع السّوريّ، وخاصّةً مع شروع النّظام بتقديم الدّعم لهنّ، وظهور رأس النّظام “بشار الأسد” في اجتماعاتٍ متعددةٍ معهنّ، وهنّ يجددنَ له البيعة والطّاعة. ويبالغ البعض بإضفاء صفاتٍ سحريةٍ على الشّيخات اللّواتي يستطعنَ جذب البنات إليهنّ، وخاصّةً المتعلمات والمنحدرات من الأُسر الغنيّة، للحدّ الّذي يُذكرنا بجاذبية داعش بالنسبة للمنتسبين إليها، بل إن هنالك بعض الدّراسات حاولت رصد هذه الظّاهرة منذ بدايات القرن التّاسع عشر وربطها بالماسونيّة العالميّة، فمن القبيسيات؟ وكيف نشأت حركتهنّ؟ وما أهم محطات انتشارهنّ في سوريا والعالم؟ وكيف استطاع النّظام أن يجعلهنَ ورقةً رابحةً في يده؟
أحداث حماه في الثّمانينات.. مَصائِبُ قومٍ عِندَ قومٍ فَوائِدُ
انتهت احداث حماه بالقضاء على المجموعات الإسلاميّة المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، مما دفع الدولة للتفكير في ضبط الجماعات الإسلاميّة، وإعادة تشكيل خريطتها بشكلٍ يضمن عدم انفلاتها من سيطرته، ترافق ذلك مع بروز أسماءٍ وشخصياتٍ دينيّةٍ لهم جماعاتٍ خاصّةٍ بهم منها “البوطي” و “كفتارو” وجماعة القبيسيات وغيرهم، وكانت مهمّة هذه الشّخصيات والجماعات تأسيس حالاتٍ دينيّةٍ جديدةٍ، وتشكيل كياناتٍ تعمل في المجال الدينيّ، وتبتعد ما أمكن عن التّدخل في السّياسة إلا في حالات الدّعم لولي الأمر، لذلك احتضن الحكم السّوريّ – متمثلاً بأجهزته الأمنيّة، والمخابراتيّة، وجهاته الحكوميّة؛ من وزارة الأوقاف، ووزارة التّعليم العالي. – احتضن تلك الجماعات وسيطر على ولاتها وولائهم له، وقد كانت لهذه الجماعات قوةٌ فاعلةٌ على الأرض من حيث جاذبيتهم، وتأثيرهم على شرائح واسعةٍ من المجتمع السّوريّ الّذين خضعوا لسلطةٍ روحيّةٍ متمثّلةٍ بأشخاصٍ يتمّ تقديسهم حتى على حساب النّصّ القرآنيّ في الكثير من الأحيان .
ملعبٌ جديدٌ لحركةٍ دينيّةٍ نسويّةٍ
تُعتبر القبيسيات جماعةً دينيّةً إسلاميّةً نخبويّةً نسويّةً هيكليةً شبه تنظيميّةٍ غير معلنةٍ، نواتها طبقة أثرياء دمشق، ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطّبقة. لذلك بدأ انتشار هذه الجماعة في دمشق، وتوسع بشكلٍ واضحٍ جداً خلال العقد الأخير من القرن العشرين وحتى الآن، كما أنه امتد إلى مجموعة دولٍ عربيّةٍ وإسلاميّةٍ وأوروبيّةٍ أخرى. وبسبب قدرة هذه الجماعة – على التّوغل ضمن طبقات الأثرياء والمسؤولين وانضمام طالبات الجامعات إليها- فقد جذبت انتباه الأجهزة الأمنيّة والسّياسيّة، ثم ما لبثت أن وُضِعت تحت عين المجهر من قبل المخابرات، وكذلك من قبل بعض حركات الإسلام السّياسيّ الجهاديّ.
إنّ مصطلح القبيسيات، وبحسب تقارير عديدةٍ؛ يعود إلى الآنسة الأم منيرة القبيسي المولودة في دمشق عام 1933م، والّتي بدأت حياتها في التّدريس ضمن حيّ المهاجرين الدّمشقيّ، ومنذ أوائل السّتينات بدأت ممارسة النّشاط الدّعويّ والتّعليميّ، مما دفع النّظام لإيقافها عن ممارسة التّدريس في المدارس الحكوميّة، حيث سادت في تلك الفترة هواجس أمنيّةٍ في إبعاد أيّ شيءٍ له نشاطٌ دعويٌّ من داخل المدارس الحكوميّة بعد التّجربة المريرة للنظام مع جماعة الإخوان المسلمين في حماه، وكان لتوقف “منيرة القبيسي” عن النّشاط التّعليميّ والدّعويّ كبير الأثر في توسيع نشاطاتها الدّعويّة، وتأسيس منهجٍ مستقلٍ هيكليّاً وماديّاً وفكريّاً، بعد أن أقبلت على التّعلم على يد كفتارو” مفتي الدّولة السّوريّة الرّاحل، والّذي كان مقرباً من حافظ الأسد، لذلك جاءت كلّ نشاطاتها وفيّةً لمعلمها “كفتارو”، وبالتالي ساهم ذلك في سيادة جوٍّ من الاطمئنان بينها وبين الأجهزة الأمنيّة، ومما ساهم كذلك في توسيع نشاط “منيرة القبيسي” هو بقاؤها على مسافةٍ واحدةٍ وجيدةٍ من جميع الجماعات الإسلاميّة السّوريّة ورفضها خوض أيّ مواجهةٍ مع أحدٍ منهم.
وقد جاء في تقريرٍ لجريدة الحياة أن القبيسي كانت على علاقةٍ وطيدةٍ وقويةٍ مع الشّيخ العلّامة الرّاحل “محمد سعيد رمضان البوطي” بل وكما وضّح التّقرير أنّ “البوطي” كان شديد التّشجيع للجماعة والحماسة لهنّ حتى أنّه قال عنهنَّ: “الأخوات اللّواتي ضربنَ المثل في الحضارة والدّين والوطنيّة والمُثل العليا”. وكذلك كانت علاقة القبيسي جيدةً مع جماعة الشّيخ “عبد الكريم الرفاعي”، وجماعة “معهد الفتح الإسلاميّ” التّابعة لجامعة الأزهر ومديره الشّيخ عبد الفتاح البزم، وهو من أكبر المؤيدين للنظام السّوريّ خلال مسيرة الثّورة السّوريّة.
الهيكليّة والتّنظيم والتّراتبيّة
كما يوجد لأيّ تنظيمٍ سياسيٍّ أو مؤسسةٍ اجتماعيّةٍ تراتبياتٍ ورتبٍ بين أفرادها، كذلك يتبدى التّنظيم النّسويّ ضمن تراتبياته الهرميّة الّتي تنقسم إلى
أ– مجلس الإدارة
هو الطّبقة الأولى والنّواة المركزيّة والمرجعيّة النّهائيّة الّذي يُدير الجماعة وحلقاتها، ويضع الخطط والبرامج ويشرف على التّنفيذ العام وتُرفع إليه التّقارير -تقارير العمل وتقارير تقييم حال الأعضاء- وترجع إليه الآنسات في كلّ شؤونهنّ ولا تستطعنَ الطّالبات الوصول إليه إلا بعد المرور بمرحلةٍ زمنيّةٍ من الالتزام مع الجماعة، وتزكياتٍ خاصّةٍ وثباتٍ على الالتزام وإظهار الولاء المطلق للجماعة.
ب- الآنسات
وهنَّ الذّراع التّنفيذيّة للخطط والبرامج وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية استقطاب الفتيات، والوصول إلى الشّرائح المستهدفة، وهنا تكمن سلسلةٌ تراتبيّةٌ من الآنسات يتمايزنَ بألوان حجاباتهنّ من الأزرق السماويّ إلى الكحليّ الغامق.
ج- الطّالبات
وهنَّ القاعدة الّتي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشّريحة المستهدفة، ويتمّ تأطيرها في حلقاتٍ تتبع كلّ حلقةٍ لآنسةٍ فيما يشبه الخليّة التّنظيميّة الّتي تلتقي بشكلٍ دوريٍّ، ويُقدّم لها منهاجٌ مدروسٌ ومقررٌ من مجلس الإدارة ويكنينَ ب “الحجّات”، وتنتقل الطّالبات تصاعديًّا من آنسةٍ إلى أخرى أيّ إلى حلقةٍ جديدة بعد تحقيق شروطٍ معيّنةٍ وقطع المناهج المحددة. (7
الرّؤية الدينيّة للتنظيم.. كيف حقق التّنظيم خصوصيته ضمن كافة التّنظيمات الأخرى؟
تُعنى الجماعة القبيسية بالتّزكية الرّوحيّة الفرديّة وإصلاح النّفس عن طريق التّركيز على أمورٍ تعبديّةٍ محضةٍ، يتضّح هذا من قواعدها السّلوكيّة الّتي تتبعها، وتحثّ المنتسبات عليها، كتربية الأولاد على حفظ القرآن، وإلزام المنتسبات أيضاً بألفيّات من الأذكار، وأوراد صباحيّةٍ ومسائيّةٍ، وعدد صفحاتٍ معيّنةٍ يوميّةٍ من القرآن الكريم مع المحافظة على السّنن المؤكدة وغير المؤكدة. ومنع الطّالبات عن طريق التّرهيب من سماع الأغاني، وحضور الأعراس غير الدينيّة، والاختلاط مع الشّباب في الجامعة وغيرها، وعدّ ارتكاب ذلك من الموبقات، وكلّما كانت الطالبة مسلّمةً أمرها للآنسة كلّما اعتبرت الطالبة أكثر قرباً من الله؛ فالقرب من الآنسة هو تقربٌ لله، وللآنسات تأثيرٌ شديدٌ على طالباتهنّ يصل حتى في اختيار الأزواج لهنّ.
تسعى الجماعة بدأبٍ كبيرٍ إلى توسيع قاعدتها العامّة من الطّالبات، لذلك فإنّ نشاط الآنسات يكون منصبّاً على استقطاب عدد أكبر منهنّ، وعلى تشجيع الطّالبات على جذب ما استطعنَ من صديقاتهنّ من خارج التّنظيم، وإعطاء ميزاتٍ للطالبة الّتي تستطيع إحضار مجموعةٍ جديدةٍ مع متابعتهنّ متابعةً حثيثةً.
ويُعتبر الحجاب ركيزةً أساسيّةً تسعى الجماعة لنشره بين أوساط الفتيات من الأعمار كافّةً، وهي تقيم حفلاتٍ خاصّةٍ للفتيات من أجل تحجيبهنّ، وتشجيع الأُخريات على اتّخاذ هذه الخطوة، ناهيك عن الأفكار الّتي تزرع في الفتيات بوعيٍ وبلا وعيٍ، وتقوم على نبذ غير المحجبات، ورسم صورةٍ ذهنيّةٍ مشوهةٍ لهنّ وخاصّةً ما يوضع تحت بند أنّ عقيدة غير المحجبات باطلةٌ حتى لو كنّ تقيّاتٍ.
جنّة الإرادة المسلوبة.. جحيم التّبعيّة!
إنّ الجماعة القبيسية ذات خلفيّةٍ صوفيّةٍ وهي قائمةٌ بأساسها على فرض سلطةٍ روحيّةٍ مطلقةٍ من الآنسات على الطّالبات، وهي تشبه تبعيّة الرّجال المريديين للشيوخ، هذه السّلطة المطلقة شُرعنت حتى تمتلك الآنسات التّفوق الدّينيّ والسّلطويّ والكهنوتيّ الّذي يمكّنهن من التّدخّل بأخصّ خصوصيات الطّالبات، ولا سيّما المقرّبات اللّواتي أعلنّ الولاء والطّاعة، ويفرض بالتالي على الطّالبات إعلام الآنسة بكلّ ما يتعلّق، بهنّ واستشارتها بالأمورِ خاصِّها وعامِّها تصل حتى الاستشارة بقصِّ الشعر والخطبة، واختيار الفروع الجامعيّة من أجل الدّراسة، وأشياء أخرى تتعلّق بخصوصيات البيت والزّواج للمتزوجات، وهو بدوره ما كان يفتح مجالاً للعديد من الحالات السّيكوباتيّة غير السّوية الّتي كانت تمارس من الأعلى إلى القاعدة، في حال قامت إحدى الطّالبات بالقيام في أمرٍ ما دون استشارة آنستها، وذلك من حيث تصوير أمرٍ كذلك، وكأنه معصيةٌ للخالق، وهذا ما حدا بالعديد من الفتيات لمغادرة الجماعة، وهنّ لمّا يواظبنَ على دوامهنّ أكثر من شهرين.
مع ذلك هناك مكانةٌ دينيّةٌ عليا تتحلى بها الآنسات، وكلّما علت رتبة الآنسة علا شأنها الدّينيّ؛ وزادت هيبتها وقدسيتها المزروعة في نفوس الطّالبات، والآنسات على اختلاف رتبهنّ يمثّلنَ صدىً إلهيّاً في رضاهنّ وسخطهنّ، فـ”رضا الآنسة من رضا الله، وغضبها من غضبه”؛ أي: غضب الآنسة من طالبةٍ ليس نابعاً من غضبٍ ذاتيٍّ بقدر ما هو دلالةٌ دامغةٌ على غضب الله، الأمر الذي يؤثّر سلباً على نفسية الطّالبة الّتي ثبت غضب الآنسة منها، فتراها باكيةً مستغفرةً تعيش في حالةٍ من الجحيم، والكآبة مرهقة التّفكير بحثًا
.عمّا يُرضي الآنسة عنها، وسط شفقةٍ ولومٍ من صديقاتها على تقصيرها غير مفهوم الأسباب
إنّ تحويل الآنسة نفسها كوسيطةٍ ربانيّةٍ؛ جعلت الفتيات يُقبلنَ بطواعيةٍ على البوح بذنوبهنَّ -مهما بلغت- للآنسات على نهج كرسيّ الاعتراف الكنسيّ، وممّا منح الآنسات قدسيّةً على الطّالبات ألزمتهنَ بطأطأة الرّؤوس في حضرة كبار الآنسات. (8)
بحسب تصريحٍ لـ “ياسمين د” وهي من المنتميات السّابقات للجماعة فإنّها تقول لـ مجلّة “صور”: كانت الفتيات يحببنَ آنساتهنّ لحدّ الوله، وتستطيع الآنسة منهنّ أن تكسر قلب أيّ فتاةٍ كما لو أنّه عشيقٌ يكسر قلب معشوقته للحدّ الّذي يصحب ذكر إحدى الآنسات بكاءً وخفقان وهيجان، ويصحب مرورها الخوف والحبّ والتّوتر وانتظار كلمةٍ عابرةٍ، كما تصاب الفتيات بأرقٍ من جفاء الآنسة، ويبدو كلّ شيءٍ كما لو أنّه تحويرٌ لعدم قدرة الطّالبات على أن يعشنَ علاقةً طبيعيةً مع شابٍّ، فكلُّ أنثى تملك بطبيعتها وهجاً عاطفيّاً لا غنى عن تفريغه، وإن تعلّق الطّالبة بآنستها يفرّغ هذه العاطفة، وهو أفضل من أن تتعلّق بشابٍّ سوف يدنّس شرفها في حال اقتربت منه.
إن هذه الهيمنة العاطفيّة العجيبة تخلق مُناخاً غير صحيٍّ من التّنافس بين الطّالبات والتّناحر في حبّ آنستهنّ، كما أنّه يسلخ الفتيات وجدانيّاً عن كلِّ ما هو محيطٌ بهنّ من علاقاتٍ أو مؤسساتٍ أخرى ويجعلهنَ يدُرنَ في فلك آنستهنّ المحبوبة فقط ممّا يرسخ أجيالاً كاملةً من الفتيات التّابعات وغير الفاعلات اجتماعيّاً، واللّواتي يأتمرنَ بسلطةٍ دينيّةٍ أصبحت منذ الثّورة السّوريّة تابعةً بدورها للسلطة السّياسيّة الّتي أيّدتها، ودعمتها من أجل الحصول على دعمٍ مقابلٍ.. ولنا في هذا حوارٌ آخر.