هل يعلم الروس، وهل يعلم الايرانيون، ما يعنيه أن تنهار سورية اقتصادياً، وهي تنهار فعلاً… ؟
وهل يعلم العرب الذين بالكاد يعثرون لهم على موطئ قدم (قدم واحدة) في هذا القرن، أي تداعيات لقيام نظام بديل في سورية، ودون أن نرى في الحكم الحالي النظام المقدس؟ تفكيك سورية يعني أن لعبة الدومينو قد انطلقت، ومن العراق الى سائر البلدان العربية، ما دمنا، بشكل أو بآخر، على أبواب…البلقنة!
كل ما هنالك أن سورية تدفع، مثلما ندفع نحن، ثمن رفضها لصفقة القرن (فضيحة القرن).
منذ أيام زئيف جابونسكي تفكيك الخارطة السورية ضرورة توراتية كيلا تبقى الدولة العبرية في نقطة ما بين القبر والخندق.
لمن يعنيهم الأمر، سورية، بحكم تركيبها التاريخي والسيكولوجي، لا يمكن أن تكون نقطة عبور لأي أوبئة أمبراطورية، أو قبلية، ولأغراض جيوسياسية وجيوستراتيجية، حتى وان أحدثت الحرب زلزالاً سوسيولوجياً أدى الى تقويض العديد من القيم التي عرف بها المجتمع السوري، بالبعد القومي (العربي) الذي، وكما قال سيمور هيرتش، «… تندلع فيه النيران». هذا ما يدركه الروس. ما يدركه الايرانيون أيضاً…
سورية التي تحاصرها العقوبات من كل حدب وصوب أمام أيام اقتصادية خطيرة. صراخ الناس في كل مكان، ولا أفق، دون إغفال ما يقوم به ذئاب الداخل الذين زادتهم «أدبيات الحرب» ضراوة. على شاكلة لبنان. ليسوا فقط أكلة لحوم البشر، بل أكلة عظام البشر.
ألا تستحق سورية استنفاراً روسياً، واستنفاراً ايرانياً، لمواجهة تلك العواصف الهوجاء. الدولتان قادرتان على التحدي، أياً تكن الانعكاسات، ولو كانت الانعكاسات العسكرية. ادارة جو بايدن، الغارقة في صراع الأمبراطوريات في الشرق الأوروبي، تتوجس من اندلاع أي حريق في الشرق الأوسط.
لبنانياً، كم تبدو أزمتنا على ترابط عضوي مع الأزمة السورية. ليس هذا ما يعنينا فقط. أي خطر على سورية لا بد أن تكون له آثاره الكارثية على لبنان، وبعدما كان دنيس روس قد قال لوكالة بلومبرغ «ان لعبة الخرائط في لبنان تبقى مستحيلة، أو شبه مستحيلة، لتكتمل حين تصبح الخارطتان اللبنانية والسورية على الطاولة»…
الأمر الذي لا يمكن فهمه، ولو بعيون سوريالية، رهان بعض القوى السياسية، أو الطائفية، على سقوط الحكم في سورية. لو سقط عام 2011، كما كان يجزم كثيرون، أي بديل كان سيقوم على حدودنا (داخل حدودنا) ؟ ديفيد شيلد، نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون، أحصى وجود 1200 فصيل على الأرض السورية. أكثرها له امتداداته الايديولوجية في كهوف تورا بورا.
أن تتحول دمشق تحت حكم «الاخوان المسلمين» الى ولاية عثمانية، اذا ما تذكرنا دعوة الجماعة في مصر الى تسريح العسكريين الأقباط، وفرض الجزية على «أهل الذمة»، أو أن تتفتت ولايات بقيادة أولئك البرابرة الذين طالما قلنا أنهم آتون من ليل الأمم ومن ليل الأزمنة!
سؤالنا، وسط هذه الضوضاء السياسية والطائفية، ماذا كان حلً بلبنان لو ارتفعت الرايات السوداء على حدودنا (هل يبقى هناك من حدود؟)، وقد عشنا التجربة، بكل أبعادها التراجيدية، على سفوح السلسلة الشرقية؟
أشد هولاً من الحرب العسكرية الحرب الاقتصادية. هنا اهراءات روما. اللبنانيون كانوا يقصدون حوران في زمن القحط. السوريون، عبر العصور، لم يشهدوا مثل هذه الأزمة، وهم الذين كانت تحط قوافل الجزيرة على أرضهم كما لو أنها تحط في الجنة، وهم الذين كانت تنتهي طريق الحرير في مدينتهم حلب التي لو لم تنهب مصانعها لكانت النمر في غرب آسيا…
لسنا من عشاق الأنظمة. لكن سورية تعنينا في جدلية البقاء واللابقاء. التهمة «نظام يقتل شعبه»، كما لو أن الغرب لا يحمي الأنظمة الأكثر توتاليتارية في التاريخ، وحيث الكلمة تقود الى حبل المشنقة.
كان يفترض ببشار الأسد أن يسلم مفاتيح دمشق للسلطان العثماني، أو للحاخام الاسرائيلي.
كلامنا الأخير للروس وللايرانيين أين أنتم؟!
الصحفي نبيه البرجي 22كانون الاول 2022