(العود) سلطان الآلات الشرقية وعنوان الطرب الأصيل، ترجم بلغة أوتاره قصص الفن السوري وإبداعات أبناء هذه الأرض الذين يعتبرونه جزءاً أساسياً من تراثهم الثقافي اللامادي الموروث عن أجدادهم، ويعملون على تطوير المعارف والمهارات المتعلقة به.
اشتهرت سورية بصناعة العود والعزف عليه ومع مهارة صناعه بات العود يكنى بموطنهم، فدرجت تسمية العود الشامي نسبة إلى بلاد الشام حيث يعد أجود الأعواد وأطولها عمراً.
العود الدمشقي الذي أبدعته عائلات تخصصت بصناعته ومنها آل المغفور له كبيرها عبده نحات وهو ورث هذا الفن عن عائلته وطوره من قبل عام 1800فأبدع اساساً كنجار ادخل الصدف والعظام والاخشاب الملونة ثم الموزاييك لاحقا والتي ابتدعها جرجي بيطار مخترع الموزاييك، تميزت اعواده بالجودة والدقة والمتانة وانتظام المقاسات وباتت صناعته فناً عريقاً. وعلم اولاده النجارة التي حكينا، وصناعة الاعواد، وكل من افراد اسرته اعطى فن صناعة الاعواد من روحه، وانتشرت اعوادهم بين ايدي كبار فناني القرنين ال19 و20 ومطربيه ومطرباته.(1)
هنالك إبداع عند الصانع لا تعرفه الآلة، خاصة في الجزء الذي يسمى (الطاسة) وهي التي تضخّم الصوت بعد الضرب على الوتر، هذه لا يمكن صناعتها آليا، فيها انحناءات تتطلّب صناعة دقيقة، حيث يعمل الحرفيون على لصق هذه الريش الخشبية بدقة متناهية وبشكل يدوي متعب، لكنه أصيل وجميل.
تقاس جودة العود بنوعية الخشب أولا وتنتهي باللحن
اكتسبت آلة العود الشهيرة تسميتها من اللغة العربية، فالعود هو: كل خشبة، دقيقةً كانت أَو غليظةٌ، ورطبةً كانت أَو يابسةً. وهو آلة وترية موسيقية تأخذ شكل فاكهة “الاجاص” المقطوعة بشكل طولي، بصندوق عميق، وتحتوي على لوحة نقر الأصابع لإصدار الأصوات عبر ريشة العزف على أوتارها المثبتة والمشدودة إلى مشط الآلة، وتظهر مفاتيح ضبط النغمات على جانبي صندوق المفاتيح.
أوتار آلة العود التقليدية والشائعة تتكوّن من أربعة أزواج، ولكن هناك أنواع تحتوي على خمسة أو ستة أزواج.
وتتطلب صناعة العود مهارة ودقة بدءاً من الوتر وانتهاء بالوتد، حيث يصنع من خشب الجوز لقابليته للتطويع وألوانه المتدرجة والصوت الصادر عنه (أحن)، إضافة إلى شجر السرو.
ويستخدم الحرفيون في زخرفة آلة العود رموزاً مستوحاة من حياتهم وثقافتهم المتوارثة عن الأجداد، ولا تزال هذه الآلة حاضرة في العديد من المناسبات الاجتماعية والثقافية، كما استطاعت موسيقاها أن تنتقل من جيل لآخر وتتطور دون التخلي عن أصالتها لكونها عنصراً رئيسياً في التراث الثقافي اللامادي للمجموعات والأفراد والحفاظ عليها يعني صون جزء كبير من ذاكرتهم ومرتكزات هويتهم الثقافية.
عرفت الآلات الموسيقية الخشبية في سورية منذ زمن الفينيقيين
وفي الواقع فإن أقدم نوتة موسيقية تاريخية تم اكتشافها في مدينة أوغاريت الفينيقية على الشواطئ الشمالية للساحل السوري.
استمر فن صناعة هذه الآلات الموسيقية بالتطور إلى القرن التاسع عشر في الوقت الذي أخذ فيه العود الدمشقي شكله الحالي.
أما اليوم، فإن القليل من الحرفيين الدمشقيين مازالوا يعملون في صناعة هذه الآلة الموسيقية الهامة والتي تستخدم بشكل واسع في الموسيقى السورية والعربية.
ويعود أقدم ظهور لآلة العود إلى العصر الأكادي نحو 3000 عام قبل الميلاد في منطقة ما بين النهرين “بلاد الرافدين”، وهو ما أكده علماء الآثار من خلال المكتشفات الأثرية والرسوم الجدارية
واستخدمته مصر أول مرة بالمملكة الحديثة في 1500 قبل الميلاد
وفي سورية ظهر العود بالقرن 15 قبل الميلاد.
في حين انتشر في فلسطين وشبه الجزيرة العربية وبلاد الإغريق بالقرن الرابع قبل الميلاد، وصار بعدها معروفا في جميع الدول العربية.
ومن الدلائل التاريخية لوجود آلة العود هو ما ذكر في مزمور للنبي داوود الذي عاش في 2300 قبل الميلاد يقول (رنموا للرب بالعود والكنارة وسبحوه ومجدوه)، مما يؤكد أن كلمة عود معروفة منذ ذلك التاريخ لكن تطور شكله مع الزمن وفقاً لاحتياجات المجتمع، والذي كان بدايته مقترناً بالطقوس الدينية ومرافقاً لصوت المؤدي.
كان العود مرافقاً لصوت الإنسان أو التخت الشرقي أو الجلسات والسهرات، أما اليوم فباتت له مدارس مختلفة من “دمشقية ومصرية وخليجية وغيرها”.
وطورت الالة في المدارس الحديثة ومنهم الموسيقار فريد الأطرش الذي عمل على إضافة وتر، حيث صار هناك تنفيذ للموسيقا بأوسع أبوابها ولم تعد محصورة بمغن أو تخت شرقي، وإنما وصل انتشارها لتقديم مؤلفات خاصة بالعود في حواريات قد تكون مع البيانو والأوركسترا، و حسب حاجة المؤلف أو العازف تتم إضافة أوتار إضافية بهدف الوصول إلى ما يحقق مساحة صوتية للعلامات الموسيقية.
ومن أشهر صناع العود السوري قديماً .. عائلة نحات الدمشقية كما اسلفنا ومن ماقبل 1800 الى حوالي منتصف القرن 20 في البرازيل (كما اوردناه في كتابتنا سيرتهم هنا في موقعنا (2)) الذين وصلوا لمرحلة إبداع كاملة بصنعة الآلة والمعروف أنه قبل عام 1900 كانت قياسات العود غير منتظمة ليتميز عمل هذه العائلة من أبناء وأحفاد بالدقة والمتانة والجودة وانتظام المقاسات، إضافة للناحية الجمالية للعود، حيث أدخلوا عليه حرفة الموزاييك مستخدمين الألوان الطبيعية من الأخشاب المصنعة للعود من الجوز والسرو والمشمش والورد، ناهيك عن تغنيهم بالفتحة الصوتية التي تميزت بدقة لا متناهية، وأخذت أشكالاً مختلفة مع الحفاظ على جودة وقوة ومتانة الآلة.
ومن أشهر صناع العود الدمشقيين قديماً سنباط بدروسيان وعبد المجيد الحموي والإخوة القضماني…
وفي المرحلة الوسط كان منهم قربيت بيدروسيان ومحمد صافي وعلي خليفة الجد، وفي العصر الحديث يعمل الحفيد علي خليفة بهذه المهنة، حيث نسخ المدرسة الدمشقية وطورها مع ملاحظة أنه قديماً كان العمل يدوياً.
ومن حلب كان منهم ميشيل خوام وجميل قندلفت الذي صنع عوداً من الصدف، وقدمه لفريد الأطرش ونعيم جرجي دلال الذي تميز عوده بالفتحات الصوتية
وفي حمص عادل أديب ومصطفى العوير
ويذكر أن صانع العود كان لا يتقن العزف عليه، أما اليوم فباتوا موسيقيين محترفين، وهم أيضاً صناع أعواد مهرة، ما جعل التطور واضحاً ومتقناً لكون (العازف المصنع) أقدر على معرفة الأخطاء وتلافيها.
إن صوت العود الدمشقي يتميز عن باقي المدارس بتكنيكه وصوته وما يميز صوت العود الدمشقي كونه مبنياً على الشجن والصوت الرخيم والدفئ فهو صوت حنون”.
مطربون عرب عزفوا على العود الدمشقي
ومن أشهر المطربين العرب الذين عزفوا على العود الدمشقي :
• الموسيقي الكبير محمد القصبجي، حيث وثقت تغني القصبجي بالعود الذي حمله وهو ببصمة صانع العود عبدو نحات ويعرف بالعود (الأميري) النادر، حيث تميز بكونه تحفة فنية مطعمة بالزخارف والنقوش.
• وممن عزف على العود الأميري أيضاً الموسيقار محمد عبد الوهاب إضافة لعزفه على عود من صناعة الدمشقي قره بيت بيدروسيان.
• الموسيقار فريد الاطرش من الأعواد التي اقتناها وعزف عليها عود من صناعة الدمشقي جرجي نحات كما عزف على عود من صناعة ابن حلب جميل قندلفت.
• ومن الموسيقيين العرب الذين عزفوا على العود الدمشقي فليمون وهبي وعوده كان من صناعة آل نحات.
• وعزف الموسيقار بليغ حمدي على عود من صناعة محمد الصافي، أما المطرب الكبير وديع الصافي فعزف على عود من صناعة آل نحات.
• ومن المطربات اللواتي عزفن على العود الدمشقي المطربة نجاح سلام حيث عزفت على عود من صناعة توفيق نحات.
حواشي البحث
1- انظر عبده النحات وعائلته في موقعنا هنا باب اعلام ارثوذوكسيون
2- انظر المصدر ذاته في الحاشية -1
ملاحظة:اعتمدنا على منشور في شام الروح 2 اضافة الى تدوينتنا عن صانع الاعواد عبده النحات الدمشقي وعائلته النحاتية