كيف نظر المؤرخون الصليبيون إلى القسطنطينية عاصمة الروم
لقد مارست مدينة القسطنطينية عاصمة الامبراطورية الرومية ، منذ تأسيسها سحراً على الغرب الأوربي .
فقد كانوا ينظرون إليها على أنها مدينة الذهب ” أو بالمعنى الحديث مدينة المال والجمال ، فأتاها التجار والرحالة والحجاج من كل فج عميق.
ويتأكد ثراء هذه المدينة من كلمات روبرت كلاري، وهو من مؤرخي الحملة الصليبية الرابعة التي هاجمت القسطنطينية ، عندما يقول : “… لم يحدث مطلقاً منذ بداية العالم-أن رأت العين أو غَنِمَ قوم مثل هذه الغنيمة الضخمة الغالية العظيمة، بل لم يحدث ذلك زمن الاسكندر أو شارلمان، لا قبلهما ولا بعدهما، ولا أظن-أنا شخصيا-أنه توفر في أغنى مدن العالم الأربعين من الثروة الهائلة مـا توفر في القسطنطينية وما عثروا عليه بها، إذ يقول الروم “إن ثلثـي كنـوز العالم موجودة في القسطنطينية ، أما الثلث الآخر فموزع في بقية أنحاء العالم … ” .
وفي موضع آخر يقول: “…فإن ذكر لك أحد جزءاً من مائة عما في كنائسها وقصورها من ثروة وجمـال وعظمة، بدا لك كأنه يروي أكذوبة، ولن تصدق ذلك…”
لقد كانت المدينة تتمتع بكثيـر مـن المعالم والمفاتن بصورة يصعب على المرء وصفها. وكان الروم أنفسهم يدركون جيـداً مدی مفاتن عاصمتهم وإشعاعها الثقافي كما أن حجم المدينة الكبير كان شيئاً عظيمـاً عنـد هؤلاء الرحالة ..
وقد بلغت المدينة درجة من الرقي الحضاري جعلت بعض الصليبيين ينظرون إلـى معالمها على أنها من العجائب، فها هو فوشيه الشارتري
”Fulcher of Chartres “
يبـدي انبهاره صراحة بالمدينة وحجمها وآثارها وثراءها عندما قال:
“أواه! يا لها القسطنطينية من مدينة نبيلة وجميلة! كم بها من الأديرة والقصور التي شيدت بمهارة فائقة! وكم من الأعمال الباهرة تصافح البصر في شوارع المدينـة وأحيائهـا! سيكون أمراً مضجراًً أن نعدد الثروات كافة الموجودة هناك من كل نوع؛ من ذهب وفضة، وأنواع كثيرة من العباءات، والذخائر المقدسة. ففي كل فصل من فصول السنة يحضر التجار الذين يفدون كثيرا عن طريق البحر إلى هذا المكان جميع ما يحتاج إليه الإنسان .. ” …
كتاب بيزنطية مدينة الحضارة والنظم ص 15-16