Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

بدون هذه المعاناة أنا لا شيء

$
0
0
بدون هذه المعاناة أنا لا شيء
كانت حياتي في رومانيا ملأى بالأحداث، منها الجيد ومنها السيئ. لست أتّهمُ أحدًا، لا ألومُ أحدًا على الإطلاق لأن كلَّ هذه الأمورِ قد أرسَلها الله لمنفعةِ نفسي. سألني أحدُهم ذات مرةٍ إذا كانت معاناتي في السجنِ قد ساعدتني بأية طريقة، فأجبت: ليس أنها قد ساعدتني بطريقةٍ ما وحسب، بل أنا نِتاجُ تلك المعاناة. إنْ كنتُ فعلتُ شيئًا يُذكَر، إذا كنتُ شيئًا مُهمًّا، إنْ رأى أحدٌ فيَّ شيئًا يُقَدَّر، فاعلموا أن ذلك نتيجةُ المعاناة. بدون المعاناةِ أنا لا شيء! من الممكن أنْ تكون المعاناةُ أكثرَ ما يتعذّر تفسيرُه من بين جميعِ الأسئلةِ الصعبة لدى الإنسان. لمَ المعاناة ضرورية؟ لقد عشتُ تجربةَ معاناةٍ أغنَت روحي، وأعتقد بأنَّ المعاناةِ ضروريةٌ لي. ولكنْ يَصعُب جدًا قبولُ هذا الأمر.
حين كنتُ في السجن، كنا جميعَنا، نحن الإخوة، نسأل بعضنا البعض “لمَ المُعاناة؟ لمَ نحن؟ لمَ تم اختيارُنا من بين ملايين الرومانيين لكي نعاني؟ ما هو المنطق في كل هذا؟” ولم يكشِف الله لنا أيًّا من مقاصِدِه. صرخنا إلى الله كل يومٍ ليُقلل معاناتنا، ولكنْ عوضًا عن ذلك بدا وكأنه قد حمّلَنا المزيد. منذ أن أُطلِق سراحي من السجن، حملتُ معي علامة الألمِ هذا، والذي يبدو أنه أثَّر على حياتي بأكملها.
بعدَ سَجنيَ للمرةِ الثانية، غادرْتُ إلى الغرب، سافرت عبر دول أوروبا، وذهبتُ إلى أميركا لأتكلّم عمّا حصل في رومانيا. كانت نيّتي كالتالي: لا يمكنني البقاء صامتًا طالما أن هنالك في رومانيا معاناةٍ وظلمًا واشتراكيةً وتدميرًا للكنائس ولشخصية الإنسان. أثناء سفري، وصلتُ إلى ديرٍ كاثوليكيٍ ونِمْتُ في مكتبة الدير، وهناك وجدتُ، بين العديد من الكتبِ، كتيّبًا صغيرًا فيه حِكَمٌ مسيحية. فتحته بالصدفةِ إلى صفحةٍ حيث رأيتُ كلماتِ الكاتب الفرنسي الشهير بول كلوديت، والذي قال: “لم يأتِ الله إلى العالمِ ليستأصِل المعاناة. لم يأتِ ليُفَسّرها حتّى. أتى الله إلى العالمِ ليملأ المعاناةِ البشرية بحضوره”. هل سمعتم ذلك؟ ليملأ المعاناة البشرية بحضوره! عندها فهمتُ أنه خلال اللحظات التي كنا نبكي فيها أو نتمرّد أو نصرخ قائلين : “يا رب ما الذي تفعله بنا؟” كانَ الرب فينا أكثر مما كان في الآخرين جميعًا، حتى مع كل خطايانا وضعفاتنا. ملأ مُعاناتَنا بحضورِه. عندها فهمتُ تمامًا المعنى العميق للمعاناة: الله حاضر فينا.
هكذا يسكن الله فينا
إن علاقتَك باللهِ، إذا كنتَ تشعر بأن الله أجابك، هي رباطٌ خاصٌ يتعذّر تفسيره. ومع ذلك، فإذا حاولتُ أن أُعَرّف الإيمانَ والصلاة ورحمة الله، فسأستخدم كلماتِ المنطقِ البشري وحسب، وهي لا تمتّ بصلةٍ للهِ الذي يفوق كل منطق. الله خارج العالم، ويمكن إيجاده في المحبة فقط. لا يمكنني شرح كل هذه الأمور لكم، إذْ لا يُمكن تفسيرها. إنّها تشكّل جزءًا من علاقةٍ سرية بين الإنسان والله، يمكن أن يَشعرَ بها المرءُ أو لا يشعر، يمكنه أن يمارسها أو لا يمارسها، لا توجد طريقٌ وسطى.
من غيرِ الممكن أن تتكلّمَ مع الله اليوم، وتلعَنه غدًا، وتُسبّحَه في اليوم التالي، وهكذا. ينبغي أن يكون لديك خطٌ مباشرٌ في علاقتك مع الله: خط إيمان، بعدميّتك أمام الله، وبإدراكك بأنك لا شيء أمام الله بسبب خطاياك، وليس لأن الله لم يخلقكَ نقيًّا. خلقك الله نقيًّا، ولكنّك لوثْتَ نفسك بالخطايا، وتمرّغت في شتى أنواعِ النتانة، وأتلفْتَ قلبَك ونفسَك وعقلك. يعملُ ذهنُك ضد الصلاح، وأصبح قلبك باردًا تجاه الله، ولم يعُد يُحب أحدًا؛ لقد قَسَوت. كل هذه الأشياءِ تغير علاقتك بالله؛ تفسدها وتحطمها.
علينا أن نصلح هذا الرباط عبر المحبة والجهاد والصلاة. فَلنقتنِ محبةً تجاه الله وتجاه القريب، لأنه يستحيل لأحدٍ أن يقول بأنه يحب الله الذي لا يراه وهو لا يحب قريبه الذي يراه (راجع 1 يوحنا 20:4). يستحيل أن نحب الله ولا نحبَ قريبنا. علاقتنا مع الله لها طرفٌ في قلبنا وطرف في يده. عبر هذه العلاقة من الإيمان والمحبة والأعمال الصالحة، ندخل في مشيئة الله ويثبت الله فينا. إنه لأمرٌ يصعبُ تفسيره كما قلت. فقط أولئك الذين لديهم إيمانٌ، والذين جاهدوا في طريق الحياة على الأقل ليعملوا الصلاح شيئًا فشيئًا وليُقوّوا أنفسَهم في الإيمان، قد أحرزوا هذه العلاقة. ولكنّي لا أقول بأنها دائمة. قد نُحطّمها بخطايانا، ولكنْ تبقى هناك قناةٌ روحيةٌ نستطيع عبرها التكلم مع الله.
أذكر حين كنت صغيرًا، كنا أحدَ عشر طفلًا وكانت أيامًا صعبة. كانت والدتي تصلي إلى اللهِ تمامًا كما أنا أكلّمكم. كانت تشتكي له بأنَّ أحد الأولادِ مرضَ، أو أن البقرة لم تنتج حليبًا أو لم تُنجِب عَجلًا، أو أن الدجاجاتِ لم تضعْ بيضًا. كانت تُخبر الله بكل شيء كما لو كانت على علاقةٍ مباشرة به. واِعلموا بأن الله أجابها. عرفَتْ أمي أنَّ الله معنا، وتحدثَتْ معه كما نتحدث مع بعضنا البعض، كأصدقاء. أنتم تبوحون بألمكم، حتى بأدق التفاصيل، لإخٍ أو صديقٍ. يعلم الله بالأمرِ، ولكننا ما زلنا مُلزمين بأن نُخبره وبأن نسبّحه. أريدكم أن تفهموا أنه يمكن إقامة علاقة ألفة مع الله، كما بين اِبنٍ وأبٍ أو بين الأصدقاء إلى حدٍ ما. إن هذا النوعَ من العلاقة هو ما يطلبه الله منا. يمكننا إحراز هذه العلاقة مع الله في صمتٍ وبساطةٍ وتواضعٍ، لكيما يكونَ لنا مكانٌ نلجأ إليه حين نكونُ في مأزقٍ ولا أحدَ يستقبلنا. حين يتخلّى الجميع عنا، وتبدو حياتنا ضائعة، يبقى الله فاتحاً ذراعيه لنا ليستقبلنا. إنه لَسرٌّ غير اعتيادي.
هذا ما أقوله لكم: حاولوا أن تصلّوا، حاولوا أن تتحدّثوا مع الله بدون انقطاع!
Source: Fr. George Calciu. “Without This Suffering I Am Nothing”. Orthodox Christianity. 3/1/2022.الأب جورج كالسيو
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>