زريعة البيت الدمشقي
إذا كان بالإمكان أن تعدد ما يزيد على مئة صنف من زريعة البيت الدمشقي، فلابد من القول باستحالة وجودها بأجمعها في دار واحدة، من دور مدينة دمشق، فقد نجد نوعاً أو أنواعاً في دار، قد لا نجدها بدار أخرى بحي آخر من أحياء مدينة دمشق، وهي بجميع الأحوال، إما أن تكون مزروعة في أحواض أو أصص خاصة بكل نوع منها، وتلك الأحواض موزعة بين جنبات ارض الديار، وقد تكون بوسط أرض الدار إذا كان المزروع أشجاراً مثمرة وبخاصة أنواع الحمضيات التي أشرنا إليها.
.
عكست أسماء زريعة الدور الدمشقية، جوانب عديدة مما تعانيه الكنة من حماتها وبنات حماها، وضرتها وسلفتها وما إلى ذلك من جوانب حياتها اليومية وعن مشاعرها نحو الآخر.
فأطلقت تسميات على العديد من زريعة الدار أسماء تعبر عن تلك المشاعر بشكل مباشر أو مُبطن، بإسلوب يخبئ وراءه ما تريد البوح به، على ما كان لزريعة الدار الدمشقية من رقة وما تضمنه من أناقة وإمتاع ودفء الحب والوصال، ومن السيدات ما كان يحلو للواحدة منهن تناول قهوة الصباح بالقرب من أحب تلك الزريعة إليها:
◘ ولعل من الطريف أن نذكر أن من السيدات من يطلقن اسم ليلة القدر: على النبات الذي يضن بزهره ولا يكتمل تفتيح ذلك الزهر، إلا بعد أسبوع أو حتى أسبوعين، وذلك بليلة من ليالي فصل الربيع وتحت ضوء القمر.
◘ كما يطلقن تسمية لسان الحماية على زريعة النبات الذي يمتد طول أوراقه إلى نحو عشرين سم (فتر) وكل ورقة من محاطة بالشوك، لكنها تفرز سائلاً سكرياً (حلو) المذاق.
◘ وهن يطلقن تسمية بنات الإحما على النبات كثير العقد والشوك وهذا يعبر بشكل غير مباشر عن مشاعر الكنة من بنات حميها، أما تسمية لسان الحماية، فهي كناية عن شعور الكنة نحو حماتها مع حساب خط الرجعة لجعلت لسان الحماية يقطر سكراً.
◘ وكما أن منهن من تطلق اسم المحكمة على النبات الذي ينغلق تفتح أزهاره بعد ظهر اليوم.
◘ واسم الضرايرعلى النبات الذي تكون أزهاره متعاكسة الاتجاه (تدير ظهرها لبعض)
◘ وعلى النبات الذي تشبه أوراقه أوراق نبات الخبيزة الذي نتناوله بعد الطهي… اسم الخبيزة، بألوانها البيضاء والزهر والخمرية، المطبق (الكثيف) الأزهار منها أم المتفرق تلك الأزهار اسم الخبيزة الطقطيقي.
◘ وعلى النبات الذي تنتصب أوراقه شاقوليا بطول يقارب المتر اسم السيف، وهذا إما أن يكون حدّاه (طرفاه) بلون مائل إلى الصفار، أو أن يكون كامل النصل أخضر مشرباً بلون مائل إلى الاصفرار.
◘ وثمة نبات منزلي أصبح يزرع بكثرة بالحدائق العامة يطلقن عليه اسم عُرف الديك إذا كانت أزهاره قصيرة الطول واسم سوالف العروس إذا كانت أزهاره طويلة وتتميز هذه الأزهار بلونها الخمري.
◘ وقد شبهن ورق الصالون الوردي المشرب بحمرة ولون كحلي مع لون أصفر: اسم السجادة، ومن هذا السجاد ما يكون أملس الجوانب والسطح، وما يكون مشرّم الجوانب مع بعض تعجن للسطح.
– كما إن ما كان على شكل تعاريش خضراء غير مزهرة: كالمدادة، واللبلابة، وقلب عبد الوهاب، المعروفة باسم تلفون، وكذلك الهواء الناعم والخشن.
◘ – ومنها ما كان على شكل تعاريش خضراء مزهرة:
كالنفنوفة، والبنفشة والسيكارة والمجنونة بألوان زهرها البيضاء والزهر والنهدة، وكذلك المسكة والياسمين البلدي والياسمين الطقطيقي والعراتلي، والشمعة.
◘ – ويمكن أن نميز بين مجموعة الورد البلدي والجوري والفل والغاردينيا.
.
لا تألو سيدة البيت الدمشقي القديم جهداً في تنسيق زريعة دارها من غراس الدار في مكانها، وهي تشعر في ذلك بلذة ومتعة ما بعدها متعة نرى الواحدة منهن تتفنن بتوزيع الزريعة على داير طرف بحرة أرض الديار من غراس الدادا والهوا الخشن، وراخي شعره وحشيشة الفي، كما انهن يتفنن بتنسيق الغراس الأخرى.
.
فللأحواض التي على جوانب أرض الديار غراس الشجيرات المزهرة من ورد بلدي وجوري، وياسمين أبيض وعراتلي وطقطيقي، وكذلك شجيرات النفنوفة والمسكة والبنفشة والمليسة والمسكة والمجنونة والسيكارة…
.
في حين تزرع الأشجار المثمرة من الليمون الحامض والحلو والنانرج والكباد واليوسف أفندي، بأنحاء متفرقة من أرض الديار.
.
ويخصص بشجرة العنب (الدالية) حوض بجدار جوار من أرض الديار، حتى يتاح لها التسلق إلى السطح وتستلقي على السقالة التي تسمح لها تدلي عناقيد العنب المغلفة بأكياس قماشية تحميها من الزلاقط والدبابير.
.
أما ورق الصالون فتتوزع شقفة أواني زراعته (شقف) على جانبي مدخل قاعة الاستقبال المخصصة للضيوف والمناسبات.
.
وعلى جانبي المدخل من الدهليز إلى أرض الديار، وكذلك الأمر بغراس ورق الصالون بأنحاء متفرقة من الرواق المقابل للإيوان (الليوان) الذي يتصدر الناحية الشمالية من أرض الديار فضلاً عن غراس ورق صالون السجادة بنوعيها الملساء والمقصقصة،
.
وقد تخصُّ سيدة البيت قائمة الاستقبال الكبرى بغراس تعرش على الجدران أو على الجوانب الداخلية لنوافذ هذه القاعة ومن ذلك نبات ما يعرف باسم التلفون أو قلب عبد الوهاب، فضلاً عن نبات الهواء الناعم.
.
ويجدر بنا ألا ننسى غرسة الشمشير وسط أرض الديار، وهي الغراس دائمة الخضرة، وإذا كان نمو غرسة الشمشير بطيئاً فإن البعض منها ما يمكن يختبئ تحت ظلّها عدة أطفال يلعبون لعبة الطميمة
.
وإذا تجاوزنا ذلك كله، فإننا لا ننسى اهتمام سيدة البيت بتوزيع غراس الورد البلدي والجوري والغراس الأخرى المزهرة وتوزيعها بأحواض أو أصص، ومن ذلك الدادا والمنتور والفل والقرنفل وأحياناً الغاردينا والسيكارة والغراس التي يطلق عليها اسم الساعة والطرشة والنرجس والزنبق البلدي.
.
لابد لنا من الإشارة إلى اعتقاد بعض السيدات أن الزريعة التي يمكن اختلاسها من دار أخرى، من دون علم سيدة تلك الدار تكون أكثر غواية (نمواً) من أنواع زريعة الدار الأخرى