مجزرة حلب 16 تشرين الثاني عام 1850..
وقعت ضمن أحداث فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين القاطنين في حي الصليبة والجديدة بحلب ..
نتج عنها مقتل 14 ألف شخصاً ونهب بيوت وكنائس ..
أدت الأحداث إلى هجرة المسيحيين إلى بيروت وأزمير وماردين ..
سبب المجزرة
خلال القرن الثامن عشر ازدهرت الحياة الثقافية في حلب وقام في حلب نخبة من الأدباء والمفكّرين المسيحيين كان لهم دور في النهضة العربية الحديثة ..
ما الذي أوغر قلب هذه الشريحة من المسلمين ضدّ المسيحيين مع أنهم كانوا يعيشون منذ أجيال معهم بسلام؟؟
كان صعب على المسلمين أن يروا النصارى يتحرّرون من وضعهم كذمّيين ويأخذون مكانتهم كمواطنين عاديّين..
هناك شهادتان لمعاصرين تلقي بعض الضوء على هذه القضية
وصلت أحوال حلب في أيام إبراهيم باشا ورأى من الحزم أن يترضى مع الفرنج فتحرّى المساواة في أحكامه بين المسلمين وأهل الذمّة من رعاياه فنشط النصارى فعملوا بالتجارة والصناعة وتوسعوا فيها .. ونفضوا شعار الذلّ والمسكنة وعلموا أنّ لهم حقوقاً كغيرهم من بني آدم، فأقبلوا يرمّمون ما كان متداعياً من كنائسهم وبنوا كنائس جديدة في حارة الصليبة التي تعتبر مكان تجمعهم…
أصبح أرباب الدين المسيحي يخرجون في الأزقة بالقلانس يحملون الصليب أمام الجنائز وكان كلّ ذلك محظوراً عليهم في حكم العثماني…
فلم يطب هذا الأمر لعامّة المسلمين ونقموا عليهم ولكنّهم كتموه في أنفسهم إذ لم يكن في وسعهم أن يظهروه فكتموها في صدورهم وحقدوا وتربّصوا السوء بجيرانهم…
توفي السلطان محمود… وخلفه ابنه عبد المجيد فجرى على السنن القديمة يولّي على المدن ولاة من الترك ثم يبدو له عدم كفاءتهم، فيعزلهم بآخرين إلاّ أنّه لم يسعه إلاّ أن يترضّى من الإفرنج بأن يسلك في الظاهر نهج المساواة والعدل…
فأصدر فرماناً أعلن فيه المساواة والأمان ما اغترّ به الإفرنج وانخدع به مسيحي سورية فاستمرّوا على ما ألقوه أيّام المصريّين وازداد جيرانهم المسلمين حنقاً وحقدا عليهم .
وقام المسيحيون بدور كبير بالحياة العامة، وكانوا العمود الفقري لأهم الدوائر والمؤسسات ولمعوا في المهن الحرّة كالطب والمحاماة والهندسة. كما تابعوا نشاطهم التجاري التقليدي متأقلمين مع الأوضاع الجديدة…
وكان سبب المجزرة الأساسي هو تعاظم نفوذ وثراء المسيحيين من سكان حلب مقارنةً بالمسلمين،
حيث كان يرى مسلمو المدينة موكب البطريرك ماكسيموس الثالث المظلوم، علامة من علامات سيطرة المسيحيين على المدينة.
لكن بدأت أحداث العنف، بعدما قرر سكان المدينة المسلمون رفض التجنيد الإجباري…
حيث خرجت جماعات مسلمة مسلحة مثل ( داعش والزنكي اليوم ) بالهجوم على مساكن المسيحيين، بعدما فشلوا في اقتحام محل إقامة والي حلب العثماني مصطفى ظريف باشا…
مذبحة حلب سنة 1850 الشهيرة بـــ” قومة حلب “ كانت وحشية يُندّى لها الجبين فقد حرقوا ثلاث كنائس أخص منها كنيسة السيدة للروم الكاثوليك، وكنيسة مار آسيا الحكيم للسريان الكاثوليك، وكنيسة السيدة للروم الأرثوذكس وتقدر قيمة الكنائس الثلاث المحروقة بخمسة وعشرين ألف ليرة إنكليزية ( في ذلك الوقت )
وقاموا بنهب خمس كنائس أخرى وأتلفوا مكتبة الكنيسة التي تحوي على عدد كبير من مخطوطات سريانية قديمة وقتلوا ثلاثة كهنة، وعدداً يناهز / 14000 / شخص، وجرحوا كثيرين، منهم مطران السريان الكاثوليك وهو كاهن وقور في الثمانين من عمره، وقد مات بعض الجرحى والبعض قد أشرف على الموت ..
وقاموا بنهب أهم أحياء المسيحيين: “الصليبة – الجديدة – التومايات – حارة العنكبوت- التدريبة – بوابة أم بطرس – بوابة القصب – بوابة الخل”..
وتقدر الخسائر من الأموال والممتلكات بمليون ليرة إنكليزية تقريباً في (ذاك الوقت) ..
هوجمت الأحياء المسيحيّة في حلب، واستدعي لمساندة سكّان الأحياء الشرقيّة الفلاّحون والبدوّ، وكانت يزيد من حماسهم الطبول وزغاريد النساء..
.. ويذكر هنا المعلّم نعوم بخّاش في مذكراته
حيث يصف الهلع الذي حلّ به لمّا سمع الغوشات والدق بالطبل والقواسات والعيطات “واليوم يومكم يا نصاره”..
والمطران بولس اروتين الذي كان ضمن مطرانيّته في الصليبه سمع الصراخ : “الله أكبر عالصليبة، اليوم يوم الجهاد، يوم الغنيمة، يوم النصر والغلبة على الكفرة..
من كان مسلماً فليلحقنا”. ونساؤهم معهم تهيّجهم بالصياح والزغاريد ..
وكان الشيخ كامل الغزّي يقرّ ضمناً أنّ الثورة لم تكن مجرّد شغب أثاره زعماء محليّون لأسباب شخصيّة إذ يقول :
“ولمّا وصلوا إلى محلّة الألمجي والماوردي قصدوا بطريرك طائفة الروم مكسيموس مظلوم وأرادوا القبض عليه لأنّه كان منذ أيّام إبراهيم باشا المصري وما بعدها يدور أحياناً بشوارع حلب وهو راكب بأبهة زائدة وموكب حافل يتلقّى المسلمون منه ذلك كإرغام لهم وتعالٍ”.
مذكرات المعلم نعوم بخاش ( كتبها بالعامية )
وإنّ المعلّم نعوم بخّاش الذي كان يدوّن يوماً بيوم ملاحظاته في مذكّراته كان يترقّب هذا الانفجار سنة قبل حدوثه ..
يقول : السبت 6 آب 1849 دخل البطريرك مظلوم إلى حلب من وراء العمارة بملاقاة كل نصارة الروم والعيان وكان القواسة من عند القناصر و 8 من عند الباشا. وصار له دخله معتبرة..
. ويذكر في أخبار أسبوع 26 آب -1 أيلول “والبطريرك مظلوم داير يرد السلام ركب ومعه مطران 2 وقسوس 8 رافعين العكاز وقواس 2 بعكازين فضة بفنتظية معتبرة مثل وزير وكان المسلمين دمهم يغلي ومقهورين” ..
وفي 15 أيلول 1849 “وحلب مشقشلة (مضطربة) بدها تقوم على النصاره والسبب لأجل عمارة الكنائس ومن البطريرك مظلوم لأجل أنه يركب ويرفع العكّاز بالأزقة والشوارع”.
هذا ما كتبه المعلم نعوم بخاش ..
إذن كان الجو متوتراً وينتظر الشرارة لينفجر واستغلّ البابنسي مشاعر الشعب البسيط وغرائز النهب لدى البدو ليصل إلى مآربه. ولم يكتفِ الثوّار بالنهب بل حطّموا وأتلفوا وأحرقوا وقدّر العطل الذي حصل للمسيحيّين بمائة ألف كيس ما عدا مئات الجرحى والقتلى ..
هاجر العديد من المسيحيّين حلب بسبب القلق على أمنهم وتظهر الوثائق المعاصرة عدم اطمئنانهم. فقد ورد في مذكّرات مطران الموارنة بولس اروتين التي كتبها أربعين يوماً بعد الأحداث:
“استقام حال البلد على هذا الحال مدّة عشرين يوماً والإسلام مع علمهم بأنّ المادة لم تنتهِ بعد، فيمين العلي ضبطهم عن فتنات كثيرة خاصة بعد أن ندم معظمهم بعدم قتلهم للمسيحيين وإبادتهم في ذلك اليوم..
الأمر الذي صاروا يلهجون بذكره دائماً في ندامتهم عن عدم قتلهم وتهديدهم بذلك في المستقبل”..
ولمّا جاء يوم الأربعاء ٦ تشرين الثاني ابتدأ الحرب أيضاً بينهم (الجيش النظامي وأنصار البانسي) ولم يزل ثايراً من الجهتين حتى بعد نصف النهار. لكن ماذا تظنّ، أي خوف عظيم استحوذ على المسيحيّين في هذه الأيام الحربيّة لأنّ أجواق القوم ولميع أسلحتهم وضجيجهم وصياحهم حين مرورهم بالشوارع والأزقة كان عظيماً وكانوا يتوعّدون المسيحيّين أن بقي لهم من العمر ساعات قليلة. وبالحقيقة إنّ نواياهم الخبيثة قد كانت شهيرة أي أنهم مزمعون بعد أن يظفروا بالعسكر يبيدون كلّ نصراني من حلب ولا يبقوا لمسيحي أثر. والأموال فهي أموالهم وأملاك المسيحيين هي غنائم لهم .. إلاّ أن القدر قد عجّل بانقراضهم وانتصار حسام السلطة السنّية في أرقابهم”
رسالة القنصل البريطاني بحلب إلى سفيره في اسطنبول في (31 آذار 1859) “إنّ المسيحيّين رعايا السلطان في حلب يعيشون في حالة الخوف بسبب ما أصابهم من النكبات منذ تسع سنوات على أنّ حالتهم ليست أسوأ منها من حالة سائر المسيحيّين في غير مدن الذين لم يشهدوا الفظائع التي حلّت في حلب سنة الخمسين. في تلك السنة نُهبت البيوت وقُتل الرجال من الأعيان وفُضحت نساء. فلا عجب أنّ من كانوا شهود عيان لتلك الحوادث يبيتون في الوجل والخوف فيخبئون أموالهم وعيالهم في البيوت ويتحاشون الخروج من الأحياء المسيحيّة. على أنّ الاحتلال المصري خفّف من شدّتهم لأنّ المسيحيّين قبل 1832 كانوا يُمنعون من ركوب الخيل وكانوا يُسخّرون في تكنيس الطرقات وحمل الأحمال ليبيّنوا خضوعهم وصبرهم ولم يكن المسلمون يخاطبونهم إلاّ بالاحتقار. وجاء المصريّون ولطّفوا من قساوة تلك المعاملة. ولمّا رحلوا عن البلاد لم تتجدّد المعاملات المشينة بحقّ المسيحيّين في الظاهر أمّا في الباطن فلم يحدث تغيير محسوس..
ولا يزال المسيحيون يتحدّثون بما حلّ بهم من نكبات ويخافون من قومة البلد في كلّ عيد أو حفلة من أعياد أو حفلات المسلمين ..
وهذا اليوم يعيد المشهد ثورة كلاب مشتراة ثورة فكر إسلامي تكفيري حقير ..
ثورة فكر رجعي تخلفي دنيء ..
ثورة حملة ذبح الآخر ونحر الآخر وسبيّ النساء والسطو على أملاك الجار وتوزيع الغنائم ..
نعم أيها السادة التاريخ يعيد نفسه د ا ع ش ليست وليدة اليوم د ا ع ش هي فكر مستشري في عقول كثر من المتخلفين ..
مراجع البحث
مذكرات نعوم بخاش حول مجزرة حلب
النص للسيد غسان مقدسي