رفع الصليب المكرم
تمهيد
الصليب المقدس من العلامات التي يعتز بها المؤمن المسيحي، ويتجلى ذلك في حياته اليومية فنراه يرسم علامة الصليب في كل وقت كان، في الأفراح والأحزان والآلام، فالصليب هو كل شيء في حياة المؤمن. والصليب هو اداة افتخار وليست تعيير لذلك المؤمن الحقيقي يفتخر بها بينما يعاكسه المتزعزع في ايمانه، وكل تلاميذ المسيح تقريباً قد استشهدوا بموتهم مصلوبين على غرار السيد وقد تفرد القديس بطرس بالطلب من جلادي نيرون بأن يصلبوه مقلوباً وليس كما صلب السيد له المجد اذ لايستحق بطرس ان يقضي بنفس الطريقة مع المعلم الالهي.
كلمات رفع وصلب ومجد تحمل المعنى ذاته في كثير من الآيات في الأناجيل.
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: “مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ” (يوحنا ٢٨:٨)، هذا ما قاله الربّ يسوع المسيح لليهود وطبعًا كان يشير هنا إلى صلبه، وكلمة “هو” تعني “يهوه” أي ما قاله الله لموسى النبي عندما ظهر له في العليقة غير المحترقة وسأل موسى الله عن اسمه فأجابه “أهيه أشير أهيه” أي “أكون من أكون” أو “أنا الكائن” أو “أنا هو”.
وأيضًا يقول الرّب “وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع”. قال هذا مشيرًا إلى أيّة ميتة كان مزمعًا أن يموت (يوحنا ٣٢:١٢).
وأيضًا تكلّم الربّ يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال: “أيها الآب، قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجّدك ابنك أيضًا” ( يوحنا ١:١٧) وطبعًا الساعة هنا تعني الصلب.
هذا كلّه ليغيّر لنا مفهوم أن
• الصليب رمزٌ للعذاب والألم: أليس هذا ما يُقال أمام المصائب أو الأمراض أو الضيقات؟!
• الصليب رمزٌ للقهرٌ: فكلّما اشتدّت العواصف في حياتنا قلنا: “هذا صليب”!
• الصليب رمزٌ للموت: فهو عبءٌ وحملٌ ثقيل كالموت.
فقد صار مفهوم الصليب بعد صلب الرب عليه
• فالصليب هو رمزٌ لقوّة الله: لم ينتقم الله من الصّالبين بل أظهر لهم أنّ قوّة الغفران أعظم من كلّ قوّة أخرى لأنّها تجسّد قوّة المحبّة التي تذهب حتى أقصى الحدود، أي الموت.
• الصليب رمزٌ للكرامة: لم يعد الصليب بعد الفداء علامةً للقهر بل علامة للانتصار على الذّات أوّلًا وعلى كلّ ما يبعدنا عن الله ثانيًا و على صعوبات الدنيا ثالثًا.
• الصليب رمزٌ للحياة: كلّما نظرنا إلى الصليب علينا أن نتذكّر بأنّ هذا الصليب يجسّد كلّ إيماننا المسيحيّ وهو أنّ المسيح قام وبالتالي هو جسر عبور من الأرض إلى السماء.
سر الصليب
الصليب هو أقوى حدث في حياة المسيح بالرغم من أنه أضعف موقف من مواقف الرب على الأرض كما يقول الرسول بولس “صُلِبَ من ضعف” (2 كور 13: 4). لذا فإن نظرتنا إلى الصليب اليوم، كقوة محوِّلة، حوّلت الموت إلى حياة، واللعنة إلى بركة، والظلام إلى نور. الصليب بالمفهوم الإنجيلي قوّة حاملة للإنسان وليس ثِقلاً عليه. يحوّل الموت إلى قيامة وحياة أبدية. وبه تموت النفس عن شهواتها فيتحول كل شيء إلى فرح وابتهاج. إن الصليب هو خشبة الحياة المحيية. وهذه الحقيقة انكشفت لجميع الشهداء والقديسين، فأَقبلوا حاملين الصليب بفرح من أجل ما يحمله من سرور وفرح. سرّ الصليب قوّة وُهِبناها لتسكن داخل قلبنا وأجسادنا، لتحوّل كل ما فينا لمجد الله.
سر الصليب هو إنكار الذات وهذا ما نسميه في أدبنا النسك، وما هو النسك، ليس من الضروري أن يذهب إلى البرية ولا أن يتنسك على عامود وهذه كلها طرق في النسك لكن النسك هو إنكار الذات، تفضيل الآخر وهذا هو سر الصليب أن لا أجد ذاتي إلا بإعطائها وليس بأخذها وهذا ما يقوله المسيح من أراد أن يكون لي تلميذاً فلينكر ذاته.
القصة المذكورة عن اكتشاف خشبة الصليب المقدس
يرتبط عيد رفع الصليب المقدس بذكرى استرجاع خشبة عود الصليب الذي عُلِّق عليه الربّ يسوع المسيح فأصبح رمزاً للفداء والقيامة والمجد. تخبرنا الأناجيل أن اليهود طلبوا من بيلاطس صلب يسوع، فخرج المسيح حاملاً صليبه إلى الموضع المسمّى الجلجلة. ومن الثابت أن يسوع مات على الصليب، وبعد موته اهتم يوسف الرامي، بإذن من الوالي بيلاطس البنطي، بإنزال جسد المسيح ووضعه في قبره الخاص الجديد.
† لكن ماذا جرى لصليب المسيح؟
لقد طمروه في التراب مع الصليبيّن الآخرين وبسب مالاقاه المسيحيون من اضطهاد في القرون الثلاثة الأولى لم يجسر أحد على ذكره أو البحث عنه.
† لما وقعت الحرب بين الملك قسطنطين وخصمه مكسانس سنة 312 طلب الملك قسطنطين المعونة من إله المسيحيين، فظهر له صليب في الجو وحوله هذا الكتابة: ” بهذه العلامة تنتصر”.
عندها آمن الملك قسطنطين بالمسيح وأمر برسم الصليب على تروس جنوده وانتصر في الحرب، ثم أصدر مرسوم ميلانو سنة 313 وأقرَّ للمسيحية حق الوجود واعترف بالدين المسيحي وسمح به.
† بعد هذا الظهور للصليب، ذهبت والدة الملك قسطنطين، القديسة هيلانة، إلى القدس تبحث عن صليب المسيح. وعندما سألت عن الأمر أخبروها بأن الصليب مدفون بالقرب من معبد فينوس الذي أقامه الأمبراطور أدريانوس، فأمرت بحفر المكان وعثرت على ثلاثة صلبان، ولمّا لم تعرف أيّها صليب السيد المسيح الحقيقي، اقترح البطريرك مكاريوس بطريرك اورشليم، أن تضع واحداً تلو الآخر على جثة شاب كانت تمر جنازته بالمكان في ذلك الوقت، فعندما وُضع على الصليب الأول والثاني لم يحدث شيء، وعندما وُضع على الصليب الثالث، عادت للميت الحياة بأعجوبة باهرة، وبعد ذلك وضعوا الصليب على إمراة مريضة فشفيت في الحال، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليراها جميع الحاضرين فرتلوا: “يا رب ارحم” ودموع الفرح تنهمر من عيونهم، فرفعت القديسة هيلانه الصليب المقدس على جبل الجلجلة وبنت فوقه الكنيسة المعروفة إلى يومنا هذا كنيسة القيامة.
† وتأكيدأ على صحة هذه القصة يجب ذكر قول للقديس يوحنا الذهبي الفم في خطبة ألقاها بين سنة 390 – 395 والتي ذكر فيها بأن الفرق بين الصليب الصحيح والصليبين الأخرين عندما اكتشفتهما الملكة هيلانة كان واضحاً من اللوحة التي كُتبت بأمر بيلاطس والتي بقيت معلقة عليه ويرى ذلك أيضاً القديس امبروسيوس أسقف ميلانو 374 ـ397، ويضيف إلى ذلك بأن هيلانة أم قسطنطين التي اكتشفت خشبة الصليب المقدس فعلاً.
† في سنة 614 م كان كسرى ملك الفرس قد اجتاح اورشليم وأسر الوف المسيحيين وفي مقدمهم البطريرك زكريا، ونقلهم إلى بلاده، وأخذ ذخيرة عود الصليب الكريم غنيمة ومعه الراهبان اللذان كانا يحميانها في اورشليم، وبقيت في حوزته أربع عشرة سنة.
† عام 628 م استطاع الأمبراطور الرومي هرقل الانتصارعلى الفرس، كانت أهم شروطه اطلاق المسيحيين وإرجاع ذخيرة خشبة الصليب المقدس. وكان كسرى الملك قد مات وملك مكانه ابنه سيراوس فقبل هذا بالشروط وأطلق الأسرى سالمين مع البطريرك زكريا بعد أن قضوا في الأسر 14 سنة، وسلّم ذخيرة عود الصليب إلى الأمبراطور هرقل وكان ذلك سنة 628. فأتى بها هرقل إلى القسطنطينية التي خرجت بكل ما فيها الى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج.
† وبعد مرور سنة جاء بها الإمبراطور هرقل إلى أورشليم ليركز عود الصليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لملاقاته الشعب وعلى رأسهم البطريرك زكريا، فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والبهجة بالمشاعل والترانيم وساروا حتى طريق الجلجلة. وهناك توقف الملك بغتة بقوة خفية وما أمكنه أن يخطو خطوة واحدة، فتقدم البطريرك وقال للملك: “إن السيد المسيح مشى هذه الطريق حاملاً صليبه، مكللاً بالشوك، لابساً ثوب السخرية والهوان، وأنت لابس أثوابك الأرجوانية وعلى رأسك التاج المرصّع بالجواهر، فعليك أن تشابه المسيح بتواضعه وفقره”. فأصغى الملك إلى كلام البطريرك، وارتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس، وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجلة حيث رفع عود الصليب المكرّم فسجد المؤمنون على الأرض وهم يرنمون (لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد) وكان ذلك في 14 أيلول 628 م. فشمل الفرح العالم المسيحي الشرقي وأخذ الناس يتباركون من خشبة الصليب المقدس التي حلَّ عليها سرّ الفداء. بعدها نقلت الذخيرة إلى إورشليم سنة 631 مسيحية.
† ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحتفل بهذا العيد العظيم: عيد رفع الصليب المقدس كل سنة في 14 أيلول.
ملاحظة: بعض المؤرّخين راقَ له أن يطعن بصحّة مغامرة الملكة هيلانة لإيجاد الصليب، ولكنّ العلماء جميعًا يتّفقون على مصداقيّة المؤرّخين الكنسيّين الّذين دوّنوا تلك الأحداث: أوسابيوس، وسوزومينوس، وسقراط.
في الإنجيل
رسالة العيد: ١ كورنثوس١٨:١-٢٤ إنجيل العيد: يوحنا ٦:١٩-١١، ١٣-٢٠، ٢٥-٢٨، ٣٠-٣٥
“هكذا ينبغي أن يُرفع ابن البشر” في الأحد المبارك الذي هو الأحد قبل عيد رفع الصليب.
نسمع من أقوال الرب هذا المقطع كما أورده القديس يوحنا، وفيه يعرض الرب اختصاراً مركّزاً لتدبيره الخلاصي الذي أتمّه على الأرض والذي فيه يعبّر عن محبّة الله القصوى التي تجسّدت ببذل الابن الوحيد.
ذكر الرب في سياق كلامه حدثاً جرى قديماً في “العهد القديم” (عدد 21) يعرفه سامعوه ويعرفون معناه، وذلك حين رفع موسى حيّة من نحاس على راية لكي يشفي كل من ينظرها من لدغ الحيّات ويحيا. وأكمل الرب بعد ذكر هذه الحادثة أن “هكذا ينبغي أن يُرفَعَ ابن البشر لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”، وهو يريد بذلك أن ينقل لسامعيه أهمية الايمان به وبمجيئه إلى الأرض.
فبالمقارنة مع ما حدث مع موسى قديماً حين حصل الناس بمجرّد النظر إلى الحية النحاسية على الشفاء، فاليوم يحصل الذي ينظر إلى الرب بعين الايمان على “الحياة الأبدية” التي هي الشفاء من سلطان الخطايا، وإنعام الله على المؤمن بمغفرتها. وهذا هو معنى القول الأخير في هذا الانجيل اليوم “فإنّه لم يرسل الله ابنه الوحيد إلى العالم ليدين العالم بل ليخلَّص به العالم”.
فالخلاص هو بغفران الخطايا الذي يبدأ بولادة المؤمن روحيا بالماء والروح أي بالمعمودية، ثم بالعيش في الكنيسة المقدّسة والتغذية الروحية بأسرارها المقدسة، وبتجسيد محبة الرب يسوع المسيح الذي على مثاله يجب على أبناء البشر جميعاً المؤمنين به أَنْ يُرفعوا على صليب محبّته متحرّرين من ثِقَلِ خطاياهم عساهم يساهمون في جذب الجميع إلى هذه المحبة العميقة.
من العادات الشعبية المقترنة بهذا العيد
إشعال النار على قمم الجبال أو في الساحات العامة وهي وسيلة التخاطب الاسرع والأمن عبر كل العهود، وتأصلت هذه العادة واكتسبت طابعاً مكرماً إلى النار التي أمرت القديسة هيلانه بأشعالها من قمة جبل إلى أخرى لكي توصل خبر عثورها على الصليب لابنها الأمبراطور قسطنطين في القسطنطينية، إذ كانت النار هي وسيلة التواصل السريع في ذلك الزمان حيث لم تمض (كما يقول المؤرخون) مدة اربع ساعات على العثور على الصليب قي اورشليم الا ووصل الخبر الى القسطنطينية كما كان قسطنطين متفقاً مع امه فأمر بأن تعم الافراح في كل الأمبراطورية. وحملت الملكة هيلانة عود الصليب في طريق العودة الى القسطنطينية عن طريق الداخل مروراً بمعلولا،
( كما يؤكد المسنون فيها وحظيت باحتفال واستقبال لافت، ولعل بلدة معلولا وحدها دون سائر المدن والقرى تتفرد باشعال شعلة الصليب على قمم الجبال باحتفالات شعبية متجذرة ورائعة، في كل عهودها الا في السنوات الثلاث الأخيرة التي احتلها التكفيريون واستشهد العديد من ابنائها دفاعاً عن ايمانهم المسيحي، والحمد لله وبعد التحرير واعادة البناء عادت الاحتفالات بعيد رفع الصليب الى سابق عهدها وبزخم اكبر.) وكانت الاحتفالات تعم كل المدن والقرى وتتبارى جميعها وخاصة في احياء وحارة المدينة اي هي الشعلة الأكبر وكانت كنيسة الصليب المقدس ومنذ احداثها عام 1932 تقيم هذا العيد وفيه الشعلة الكبيرة ولا تزال وكان الاحتفال يتم برئاسة البطريرك او برعايته وهو يشعل الشعلة بيده بعد انتهاء صلاة الغروب وتنطلق من الكنيسة الاحتفالات الكبيرة بالكشافة وموسيقاها الضاربة والاهازيج بالدربكة والعراضات مع حفلات التنكر ولعب السيف والترس وقد اقتصرت اليوم (مع تحول حي القصاع الى سوق من اسواق المدينة) على شعلة مرفوعة على حامل وعرض واستعراض كشفي وحضور جماهيري لافت مع المفرقعات…
وتابعت هيلانة الى القسطنطينية مروراً بقبرص حيث حظيت باستقبالات مميزة وامرت ببناء دير رفع الصليب وهو من الأديرة الرهبانية الرجالية اليوم وقدمت له وقتها ذخيرة خشبية من عود الصليب اودعها الرهبان بصليب خشبي كبير في نقطة التقاطع وتم تغليف الصليب بالكامل بالفضة وفتحت طاقة صغيرة ليتبرك بها المؤمنون وهذا ماعاينته حينما زرت هذا الدير المقدس وعاينت ذخائر القديسين المكرمة فيه…
شرح أيقونة رفع الصليب
إن أهمية الصليب لا تكمن في كونه عارضتين خشبيتين متقاطعتين، بل لأنه يحمل صفة شخصية ملازمة للرب يسوع كما يعرّفه الملاك لمريم المجدلية: “اني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب” (متى5:28)، وكما يكرز به بولس الرسول: “نحن نكرز بالمسيح مصلوباً” (1كورنثوس 23:1).
ومع هذا فتفسير خشبتا الصليب هو
العمودية هي علاقتنا مع الله والأفقية هي علاقتنا مع الناس.
ايقونات الحدث المعجز هذا
هناك أيقونتان رُسمتا دلالة على الحدث المقدس
† نعاين الصليب مرفوعاً وعن يمينه ويساره القديسان قسطنطين وهيلانة فهما من سعيا لاسترجاع عود الصليب المكرّم.
† أيقونة يرفع فيها البطريرك مكاريوس الصليب، ونجد وراء الصليب وحوله رؤساء الكهنة والكهنة والشعب المقدس لله، يحتفل بهذا اليوم العظيم، يوم ظهور الصليب المكرم مرفوعاً لخلاص البشر.
فرح الكنيسة بهذا اليوم هو فرح محبة الله لنا وتعلقنا نحن به. “فحينما ترفع نظرك الى خشبة الصليب المعلّقة فوق الأيقونسطاس (حامل الأيقونات الذي يفصل الهيكل عن صحن الكنيسة) نذكر مقدار الحب الذي أحبنا به الله حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.
فأينما وُجد الصليب وُجدت المحبة، لأنه هو علامة الحب الذي غلب الموت وقهر الهاوية واستهان بالخزي والعار والألم ( كما يقول القديس الروسي الحديث يوحنا كرونشتادت).
الصليب المحيي
شهادة القديس بولس الرسول
الرسول بولس كان لديه من المؤهِّلات ما يجعله معلم شريعة بلا عيب، فخلفيته الدينية العميقة فهو تلميذ معلم الشريعة الموسوية الشهير في القرن المسيحي الأول غملائيل وثقافته العامة الواسعة، إضافة إلى حيازته سلطة دينية في مجمع اليهود، كل هذه الأمور أعطته شعوراً بالتفاخر. لكن بولس عندما التقى الرب يسوع المسيح في الطريق إلى دمشق، وقد تخلد ذكر(طريق دمشق) وخاصة في الغرب المسيحي، اكتشف عدمية وبطلان هذه المشاعر التي كانت مصدر فخر له. لقد تعلَّم من لقائه مع الرب يسوع بأن القيمة التي تظل خالدة في الأرض هي أن مخلصه قد مات على الصليب من أجل خطاياه، من أجل خطايا بولس. لقد فهم بولس هذا الأمر بطريقة صحيحة حتى أنّه عدَّ “كل شيء خسراناً لأجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي لأجله خسرت الأشياء كلها وأعدها أقذاراً لأربح المسيح” (فيليبي 8: 3).ولذلك ففخره الوحيد الآن هو صليب السيد المسيح. ففي رسالته إلى أهل غلاطية (6: 14) يعبر عن ذلك بقوله: “أما أنا فحاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صُلب العالم لي وأنا صلبت للعالم“. لقد أدرك بولس أن الأهمية ليست لخلاصه بمفرده، ولكن من خلال الشخص المعلق على الصليب والدم الذي أريق. هناك سيكون خلاصه الشخصي واحداً مع خلاص الذين يدعون باسم الرب يسوع. ومع أن هذا الحدث قد ظهر لأناس كثيرين بأنه غير ذي أهمية، لكن بولس عرف أنّ الصليب هو المكان الذي حقق الله فيه وعده الذي طال انتظاره بإرسال المخلص إلى العالم. ولم يكن هذا المخلص سوى ابن الله الوحيد الذي ارتضى أن يحمل خطايا العالم. لقد أشار الصليب إلى المكان واللحظة اللذين أتمَّ الله فيهما مشروعه الخلاصي وسكب رحمته بالصليب على العالم. فالخلاص قد ظهر للجميع وقوة الخطيئة كُسرت ومغفرة الخطايا مُنحت. وبواسطة موت وقيامة ودم السيد المسيح أُعطي العالمُ حياةً جديدة لكل من يتخذ السيد المسيح مخلصًا له.
كيف يتم الخلاص بصليب المسيح؟
المسيح لم يصلب لأنه كان عليه أن يصلب ولم يمت لأنه كان عليه أن يموت ولكنه أراد أن يموت من أجلنا.
ثمة مثلٌ بسيط: مِثلَ الأب الذي يخدم إبنه، لا يصبح خادم له ويذل لكن ترتفع قيمة الأبوة عنده، الأب عندما يخدم إبنه يعود إلى صفته بالذات ( الأبوة، الخدمة) ولا يصير ذليل أمام إبنه، هكذا الله عندما تجسد وعندما صلب وكلما تحمله من ضعفاتنا الطبيعية، لم يمسه خطيئة خلقية لذلك نحن نرى بالعكس أن الله عندما تجسد وعندما صُلب أظهر كم هي حظوة الإنسان كبيرة في عينيه. المسيح هو قال: ” ليس للإنسان حب أعظم من هذا أن يبذل نفسه عن أحباءه”، كان يقصد ذاته التي سيقدمها على الصليب، بينما اليهود الآخرون كانوا يهزأون به على الصليب، وهو من قبل آلامه كان يخبر بأن الطريق هي الصليب وأن الصليب ضروري في الحياة، صليب المسيح وقيامته، شكلت النقطة الفصل في قلب معاني الصليب في حياة الشركة، بينما كان عثرة وأداة تعذيب، صار رمز للتضحية وللمحبة والعطاء، ورمز للمسيحية بكل جوانبها ومعانيها.
الحياة الأبديّة معطاة إذاً على الصليب: “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو ١٧: ١–٣). معلَّقاً بأيدي أثمة ومطعون ومضروب ولكنه قائم وغافر للذين صلبوه خطيئتهم.
هكذا يا إلهي نعرفك على الصليب أنك “أنت الإله الحقيقي وحدك”… هذا هو صليب الألوهة صليب المسيح… فنحن إذ نتّبع خطى السيّد، فإننا نصير آلهة بالنعمة وبالمثال المتّبع، “إذ صار هو إنساناً كاملاً، في ما خلا الخطيئة ليصيّرنا نحن آلهة على شبهه ومثاله…” هذا التلاقي والاتحاد الإنساني الإلهي هو مبتغى التجسّد… ونحن كلّنا لن نعرف السيّد يسوع المسيح، إن لم نحيا مثله، كلمته ووصاياه… فالمعرفة مشابَهَةٌ كما الحبّ إتحاد ووحدة… ونحن إذا التزمنا الرب هكذا في تطبيق وصاياه ومجابهة شيطان الخطيئة الساكن فينا، فإننا نصير له الخروف الضال العائد إليه على كتفيه… هكذا نعرفه، نعرفه معلّماً وطبيباً شافياً وابناً وحيداً للآب ونعرفه مصلوباً على خطيئة الإنسانيّة بعظيم حبّه للإنسان، لذا: “فاعرفه وقوّة قيامته وشركة آلامه متشبّهاً بموته لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات” (في ٣: ١٠–١١)
كيف أرى الصليب؟
الحياة بحد ذاتها تحمل صليباً. فالصليب هو واقعٌ في حياة كل إنسان:
الصعوبات والإخفاقات هي صليب. الظلم هو صليب. الآلام والمرض هي صليب. الموت هو صليب…
ويسوع كإنسان حمل صليبه، حمل الظلم والشر والآلام.
ولكن يسوع المسيح كإنسان وإله صحّح مفهوم الصليب بموته وقيامته من بين الأموات.
ومن هنا يتبين لنا أن حقيقية الإيمان المسيحي تتلخص بقول يسوع: “من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني”.
لم يقل يسوع في دعوته هذه: ” فليحمل صليبي” بل قال: “فليحمل صليبه ويتبعني”، أي يحمل كلّ شخص أيام حياته ويتبعني إلى القيامة، وهذا هو تماماً معنى إتباعه إذ لا يمكن فصل حقيقة الصلب عن سرّ القيامة.
فإن قيامة المسيح هي اعتلان لقدرة الله وعلى ضوء القيامة نفهم معنى وهدف حياتنا ونفهم الخلاص.
أرى أنّ الصليب موجود في حياة كل منا، وبإيماننا نحمله حباً بالمسيح المصلوب.
أرى أنّ الصليب يحرّرنا من بؤسنا.
أرى أنّ الصليب يكشف لنا معايير وقيم جديدة نابعة من الحبّ الإلهي، نابعة من الله المحبة.
إشارات ورسوم
† نقرأ في سفر التكوين عن خطيئة آدم وحواء اللذين أكلا من شجرة “معرفة الخير والشر” المزروعة في وسط الجنة التي نهاهما الله من أكلها، فسقطت البشرية جمعاء فيما نسميه “بالخطيئة الأولى” بسبب عصيان أبوينا الأولين، أما السيد المسيح فقد استخدم شجرة أخرى، وهي عود الصليب، لكي يكفر بطاعته عن العصيان ويعوض بعود الصليب ومرارة الألم عن الإثم الذي ارتُكب بأكل تلك الثمرة المحرمة.
† الحيَّات النارية التي كانت تلسع في البرية الشعب اليهودي الذي عصى الله بعصيانه أوامر موسى، فرفع موسى حية نحاسية في البرية وكل لديغ كان ينظر إليها يُشفى من اللدغة ولا يموت. قد أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله: “كما رفع موسى الحية في البرية كذلك يجب أن يرفع ابن الإنسان، لتكون به الحياة الأبدية لكل من يؤمن”.
† إن يسوع المسيح اختار الصليب الذي كان يُعتبر أداة خزي وعار وعقاب للصوص والمجرمين، وحوّله بذلك إلى أداة فخر وعز وخلاص للبشرية: “وأنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليَّ الناس أجمعين”.
† ضرب موسى الصخرة في البرية في الماء المّرة، فالماء كانت مُرّة والناس ستموت من العطش، هناك حياة وموت، رسمَ إشارة الصليب فجاءت الماء الحلوة.
† يونان النبي الذي هو رمز القيامة ولكن ترانيمنا تقول أنه بسط يديه بشكل صليب في جوف الحوت فجاءت الحياة.
† يعقوب عندما بارك أولاده بارك الأول وبارك الثاني بشكل معاكس فرسم الصليب، البركة تمت بشكل صليب.
† دانيال النبي ونسمع ذلك في الترانيم “دانيال النبي بسط يديه في جب الأسود بسط يديه على شكل صليب” (كما نقول في كاطافاسيات الصليب) أي صلى وبسط يديه بشكل صليب.ولم تأكله الأسود( حياة) الصليب مدخل إلى الحياة.
† توجد أحداث أخرى ترمز إلى الصليب كقضية وليس كإشارة كأيقونة، ذبيحة إبراهيم (الحطب هو الصليب)، هذا الحطب الذي وضعه إبراهيم ليشوي إبنه بعد ذبحه هو رمز للصليب، وإسحق رمز المسيح، ولعب إبراهيم دور الأب، حدثْ ذبيحة إبراهيم نستخدمها بترانيمنا المسيحية وكتبنا الطقسية.
† إن السيد المسيح قد غلب العالم ليس بقوة السلاح ولكن بصليب آلامه وموته، فأصبح الصليب مفتاح الملكوت السماوي للبشر. وينطبق هذا أيضاً على كل الغزاة، إن قوة الحديد والسلاح محدودة لا تُحقق نصراً بل تزرع دماء ودماراً، وأن الغلبة هي لقوة الحقيقة والمحبة والعدالة.
أما صلاتنا في هذا العيد المبارك
+ طروبارية العيد وباللحن الأول الجميل وبحماسة فائقة يرتل المؤمنون:
+ “خلص يارب شعبك وبارك ميراثك وامنح عبيدك المؤمنين الغلبة على الشرير( سابقاً كانت تقال: (“على البربر” وفيها نقصد الشرير) واحفظ بقوة صليبك جميع المختصين بك.”
وواجبنا ان نصلي لربنا المسيح له المجد:
+ “لنسجد للصليب الذي فيه خلاصنا ومع اللص اليميني لنهتف اذكرنا يارب في ملكوتك”.
هكذا إذاً لا يحيا المسيحي ولا يجد حياته إلا عبر الصليب فالصليب هو طريقنا وهو الذي يوصل حياتنا إلى كمالها. فبقوة صليبك أيها المسيح الهنا ارحمنا وخلصنا. آمين
لماذا تُبارك الكنيسة الأرثوذكسية ثمار الرُّمان في عيد رفع الصليب المُحيي ؟
من التقاليد الكنسيّة والشعبية الأصيلة والعريقة الخاصّة بعيد رفع الصليب المقدس أن يحمل المؤمنين معهم الى الكنيسة بعضاً من ثمار الرُمّان، ويقوم الكاهن في نهاية قداس العيد بمباركتها وتوزيعها عليهم.
انّ أصل هذا التقليد وجذورهُ تَمتدّ الى العهد القديم، حيث جاء قول الرب لشعبه: “وأوائلُ بواكيرِ أرضِكَ تأتي بها الى بيتِ الربّ الهك” (خروج 19:23). وقد لعبت التقوى الشعبية لدى الشعب الأرثوذكسي على بقاء أثر هذه التقاليد واستمرارها والحفاظ عليها، والتي الغاية منها التعبير عن شُكر الخالق الذي مَنَّ على الأرض بالأمطار واعتدال الأهوية التي آلَت الى الخِصب والنضوج والغلال الوافرة، فيُعلن المؤمنون من خلال تقديم بواكير ثمار الأرض ونتاجها عن فَضلِهم وامتنانهم للخالق على عطاياه وخيراته.
وفي الواقع يتزامن عيد رفع الصليب سنوياً مع بلوغ ثمار الرُمّان الى أوجِ نُضوجها وقطفها. (كما في تذكار عيد رقاد السيدة في 15 آب بتكريم العنب وعيد الصليب والزبيب في 27 ايلول وفق الذاكرة الشعبية الشامية والريفية بتكريم العنب الذي صار زبيباً)
ان من يتأمّل ثمرة الرمان يُلاحظ أن قشرتها الخارجية قاسية وجافّة كما أنها مُرَّة الطعم والمذاق، ولكن داخل هذه القشرة تختفي حُبيبات الرمان الحمراء اللون وحلوة الطعم، وقد وجدَ فيها الآباء القدّيسون والرهبان النُسّاك منذُ القرون الأولى للمسيحية رمزاً لسرِّ الصليب والموت والقيامة، حيث أن الحياة مع المسيح هي حياةُ جهادٍ روحيٍّ مُتواصل، تتطلّب من المسيحيّ المؤمن الموت كل يوم عن أنانيتهِ وكبريائه وانكاراً لذاته “من أراد أن يتبعني فليُنكر نفسه ويحمل صَليبه ويتبعني (متى 16 : 24 )، كما تتطلّب صَلباً لشهوات الانسان العتيق المُميته للروح “الذين هم للمسيح قد صَلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات (غلاطية 5: 24).
فالانسان الذي يَختار أن يحيا مع المسيح بكل أمانة وصدقٍ واخلاص نراهُ كثيراً ما يَلقى المواجهة والمُحاربات من العالم وابليس عدوّ الخير ضدّه، فيُحرّك نحوه المُضايقات والاضطهادات “جميعُ الذين يُريدون أن يَحيوا بالتّقوى في المسيح يسوع يُضطَهَدون” (2 تيموثاوس 3/12).
ولكن النعمة الالهية تَحُثُّنا وتُعزّينا وتُقوّينا على متابعة مسيرة الجلجلة وحمل الصليب مع المسيح ومواصلة الجهاد الروحيّ بكل ايمانٍ وثقةٍ وصبر، لأن هذه الاضطهادات والآلام القاسية والمُرّة (التي تَرمُز اليها قشرة الرمان الخارجية) سوف تُزهرُ وتُثمرُ فرحاً وخلاصاً، ويَستترُ وراءَ ظاهرها الجافّ والقاسي حياةٌ ونورٌ ومجدٌ وقيامة في الملكوت السماوي، الذي يُرمَز اليه بحبّات الرُّمان الحمراء والحلوة “فاني أحسَبُ أن آلام الزمانِ الحاضِر لا تُقاسُ بالمجدِ العتيدِ أن يَستعلن فينا” (روما 8: 18)، كما أنّ العُصارة الحمراء لحُبيبات الرُمان ترمز الى دم المسيح الذي سُفك على الصليب لأجل فداء الانسان، ويرمز أيضاً الى دم كل الشهداء عبر العصور الذين حملوا الصليب في حياتهم بايمان وقاسوا الاضطهادات والقتل متمثّلين بسيّدهم ومعلّمهم، فكانت “دماء الشهداء بذار المسيحية” وعاملاً قوياً في نموّها.
واذ تَجمعُ الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة في هذا اليوم ذكرى أحداثٍ تاريخية جليلة ومقدّسة ألا وهي ذكرى العثور على عود الصليب المقدس في أورشليم بمساهمة القديسة الملكة هيلانة عام 326م، وذكرى استرجاع هذه الخشبة المقدسة من بلاد الفُرس على يد الامبراطورالرومي هرقل عام 628م، تُعيدُنا الكنيسة أيضاً الى أحداث يوم الجمعة العظيمة المقدّسة، الى أحداثِ سرّ الخلاص والفداء العظيم الذي أكمله فادينا ومخلّصنا يسوع المسيح، لكي نتأمل في شخصه الالهي وفي محبته اللامتناهية للبشر التي قادَتهُ الينا حتى أنه بذَلَ ذاته عنا مُحتملاً الهُزءَ والعار والسُّخرية والاهانات والآلام المُرّة والأوجاع القاسية، وذاق الموت على خشبة الصليب لكي يَمنحنا الخلاص والقيامة والحياة الأبدية، فصارَ لنا مثالاً وقُدوة وينبوع قوّة وتعزية ورجاء لكي نشترك معه في حمل الصليب وبلوغ أفراح وأمجاد القيامة “إن الـمسيح تألـم لأجلنـا وأبقـى لكم قُدوةً لتقتفـوا آثاره” (1بطرس21:2).
لماذا في عيد رفع الصليب المُحيي يُطاف به موضوعاً في وسط صينية من الرياحين ؟
لماذا في عيد رفع الصليب المُحيي يُطاف به موضوعاً في وسط صينية من الرياحين ؟ |
من التقاليد الخاصّة بعيد رفع الصليب في الكنيسة الأرثوذكسية، أن يوضع الصليب المقدس وسط صينية مفروشة بالورود والرياحين، وتُغرس فيها ثلاث شموع مضاءة، وفي نهاية القداس الالهي يحملها الكاهن فوق رأسه ويطوف بها ثلاث مرات في الكنيسة بين المؤمنين، ثم توضع أمام الباب الملوكي، وعندئذٍ يصير طقس السجود للصليب الكريم، حيث يحمل الكاهن الصينية بيديه وينحني بها تدريجياً وببطء الى الأرض ثم يستقيم بها وينهض ببطء، ويجري ذلك مع ترديد المؤمنين مئة مرّة لعبارة “كيرياليسون” ((يا رب ارحم)) وهذا الفعل الليتورجي يتكرّر أربع مرّات، حيث في كلّ مرة يقف الكاهن في جهة مختلفة من جهات الطاولة مُحيطاً بها من جهاتها الأربعة، ثم يضع الصينية عليها، ويسجد الكاهن مع الشعب الى الأرض مرتّلين:” لصليبك يا سيدنا نسجد، ولقيامتك المقدسة نمجّد”… وفي الختام يتقدّم المؤمنين لتقبيل الصليب المقدس الذي في يد الكاهن، وهو بدوره يُعطي لكل واحدٍ منهم زهرة أو غُصنَ ريحان. 1- الشموع الثلاثة التي تتوسّط صينية الزهور ترمز الى الأقانيم الثلاثة (الآب والابن والروح القدس)، وذلك يشير الى أن سرّ الفداء وتدبير الخلاص هو عملٌ ثالوثي، وهذا السرّ الخلاصي كان مكتوماً منذ الأزل (أفسس 3: 9) و (كولوسي 26:1) وقد تمّ استعلانه وتحقيقه في حيِّز التاريخ والزمن بموت المسيح على الصليب في الجلجلة خارج أسوار أورشليم في عهد الوالي الروماني بيلاطس البنطي. 2- الطواف بالصليب في كل أرجاء الكنيسة يُشير الى أن موت المسيح الخلاصيّ على الصليب يشمل البشرية كلّها في كل زمانٍ ومكان، والكرازة بموته وقيامته منتشرة في كل العالم، كما ويُشير الى أن ذخائر عود الصليب المقدس موزّعة وموجودة في كل أصقاع الأرض. 3- انحناء الكاهن التدريجي بالصليب نحو الأرض دون أن يلامس الأرض ونهوضه التدريجي، يُشير الى أنّ عود الصليب كان مدفوناً في الأرض ومحجوباً فيها، الى أن تمّ التنقيب عنه والعثور عليه في أورشليم بمسعى الملكة هيلانة عام 326م وجرى اخراجه من تحت الأرض ورفعه وسجود المؤمنين له. 4- استعمال نبات الريحان (الحَبَق) يُشير الى ما يتناقله التراث الشعبي ويرويه التقليد الأرثوذكسي عن أنّ هذا النبات كان ينمو فوق الموضع الذي تمّ الحفر فيه حيث عُثر على عود الصليب المقدس. 5- توزع الرياحين والزهور على المؤمنين تذكاًرا لكل منهم بأن الصليب في حياته يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيامة والمجد، حيث أن الألم والموت مع المسيح يُزهران فرحاً وحياةً ومجداً وقيامة. |
المصدر:
( موقع بطريركية انطاكية للروم الارثوذكس بتصرف كبير واضافات)