أخيراً، ألقى الكرملين القفاز في وجه دونالد ترامب. جاهزون لتزويد ايران بالمنظومة الصاروخية «اس. اس ـ 400»، وبالقاذفات الاستراتيجية الأكثر تطوراً.
فلاديمير بوتين الذي كان يتوق الى تفعيل العلاقات مع البلدان العربية الثرية، بعدما اختط سياسات ودية، ومرنة، مع هذه البلدان، منزعج جداً مما دعاه بعض المعلقين الروس «الخطوات البهلوانية الأخيرة» للرئيس الأميركي.
أن يضع تلك الدول في خزانة المكتب البيضاوي، دون أن يسمح لها حتى بشراء الثلوج من روسيا.
الروس الذين يعانون من أكثر من ضائقة اقتصادية بحاجة الى توطيد الصلات الاستثمارية مع دول تتكدس فيها الفوائض المالية. أبدوا كل الاستعداد لفتح قنوات من اجل اسدال الستار على التراجيديا اليمنية. تالياً التفكيك التدريجي لجبل الجليد، أو لجبل النار، بين ضفتي الخليج.
البيت الأبيض كان يقفل كل الأبواب في وجه الديبلوماسية الروسية ما دام المستفيد الأكبر من عائدات الدم. اذ يعلم حساسية الشرق الأوسط للأمن الاستراتيجي الروسي، أدار ترامب ظهره للكرملين بعدما كان قد تعهد أمام بوتين بالتعاون من أجل بلورة رؤية مشتركة حول المنطقة، ما يحول دون تدهور العلاقات، خصوصاً العلاقات الجيوسياسية، بالصورة التي قد تنذر بانفجار لا يبقي ولا يذر …
هذه روسيا الايرانية. أين هي روسيا السورية ؟ هنا الأزمات الاقتصادية تتفاعل على نحو يهدد بحدوث اهتزازات دراماتيكية يمكن توظيفها من قبل جهات خارجية لطالما راهنت على اسقاط الدولة في سورية. على الأقل، تبعث روسيا بناقلات النفط والغاز، وبعدما أظهرت الصور أن طوابير الانتظار تكاد تصل الى … المريخ !
سورية التي انهكتها الحروب اللولبية من كل حدب وصوب أمام أزمات بالغة الصعوبة، وبالغة التعقيد. اليوت أبرامز، مستشار دونالد ترامب (نصف الأميركي ونصف «الاسرائيلي»)، قال «ان السوريين يصنعون جهنم بايديهم». يفترض ببشار الأسد أن يلتحق بالقافلة، ويوقع معاهدة سلام مع بنيامين نتنياهو. لكأن برامز لا يدري أن التراب السوري يرفض، بالكبرياء اياه، مراقصة الشيطان.
هذا لا يحول دون القاء الضوء على الحقيقة. اذا مابقي الحصار على حاله فان معاناة الناس لا بد ان تصل الى حدود الاختناق. هذا ما تراهن عليه المؤسسة اليهودية. أن تجثو دمشق أمام أورشليم.
الغريب هنا أن العرب الذين يعلمون أن رجب اردوغان يلجأ الى كل الوسائل المكيافيلية لازالة عروشهم، يضعون يدهم بيده ضد سورية.
هل يعلم هؤلاء أي تداعيات يمكن أن ترخي بنيرانها على سائر أنحاء المنطقة اذا ما انفجرت، أو اذا ما تفككت، سورية ؟ لعبة الدومينو لا تتوقف عند أي حدود. خطة ديك تشيني وريتشارد بيرل وبول وولفوويتز. لتغيير الخرائط الشائخة في المنطقة، لا تزال على الطاولة.
هذا كله من أجل أن تكون اسرائيل. بحمولتها التوراتية، القاطرة التي تقود بلدان المنطقة سياسياً، واقتصاديا، وحتى ايديولوجياً. ما فعلوه بالمسيحية يفعلونه بالاسلام. ولأن لدمشق تاريخها الخاص، وألقها الخاص، أراد لها اشعيا «أن تزول من بين المدن، وان تصبح رجمة ردم».
رغم كل تلك المظاهر الفولكلورية التي تحيط بالكرنفال الديبلوماسي. المنطقة كلها ركام استراتيجي وانساني. ألا يستحق السوريون، وهم الاشقاء، مساعدات للبقاء، مجرد البقاء. لكننا وحدنا، يا صاحبي، ورثة قايين وهابيل الذي يجثم ضريحه على احدى تلال دمشق.
الصين على كوكب آخر. لماذا كل ذلك الوهن في المواقف السياسية (تصوروا أن يكون التنين ظلاً للفراشة).
انه، هنا، في الشرق الأوسط، نسخة عن أبي الهول.
سورية … سورية. كما يعملون لتحويل لبنان الى جهنم، وان حال دون ذلك الوجود المسيحي، يعملون لتحويل سورية الى جهنم. ألا تبدو الطوابير وكأنها أمام ابواب جهنم ؟
سورية لن تكون الا سورية، ولبنان لن يكون الا لبنان. الماشيح لن يمشي على جماجمنا. ثمة جماجم أخرى بانتظاره ….
مؤتمر الأمم المتحدة لقانون البحار United Nations Convention on the Law of the Sea (UNCLOS)
ويسمى أيضاً مؤتمر قانون البحار أو معاهدة قانون البحار، هو اتفاقية دولية نتجت عن المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS III)، والتي عقدت من 1973 – 1982
يحدد قانون البحار حقوق ومسؤوليات الدول في إستخدامهم لمحيطات العالم، وضع مبادئ توجيهية للأعمال التجارية، والبيئة، وإدارة الموارد الطبيعية البحرية. وقد حلت الاتفاقية التي أبرمت في عام 1982 محل المعاهدات الأربعة في 1958. ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في عام 1994، بعد عام واحد غويانا أصبحت هي الدولة رقم 60 في التوقيع على المعاهدة. ويبلغ عدد الدول الموقعة حتى الآن 157 دولة وانضم الاتحاد الاوربي إلى المعاهدة. إلا أن الاتحاد الاوروبي أثار التساؤل حول مدى تطبيق قانون البحار للقانون الدولي العرفي في هذا الموضوع.
بينما يتلقى الأمين العام للأمم المتحدة صكوك التصديق والإنضمام ، فإن الأمم المتحدة تقدم الدعم لإجتماعات الدول الموقعة على الاتفاقية، ولكن لا يوجد للأمم المتحدة دور مباشر في العمل على تنفيذ الاتفاقية. ومع ذلك، فهناك دور يمكن أن تلعبة المنظمات مثل المنظمة الدولية للبحار، اللجنة الدولية لصيد الحيتان، والسلطة الدولية لقاع البحار(هذه الأخيرة تم تأسيسها بناء على اتفاقية الأمم المتحدة).
مند فشل مؤتمر لاهاي عام 1930 في التوصل الى اتفاق لتحديد البحر الاقليمى عقدت من بعد الحرب العالمية الثانية ثلاثة مؤتمرات دولية كبيرة لبحث قوانين البحار والمياه الاقليمية في نطاق الأمم المتحدة كان أولها عام 1958 في جنيف وثانيها عام 1960 وهذا لم يكتب له النجاح وكان آخرها عام 1982 وفيه خرجت للوجود أحدث اتفاقية حازت على وفاق دولى.
خلفية تاريخية
كان العنصر المختلف عليه هو تحديد عرض البحر الاقليمي لكل دولة وفى النهاية قبلت معظم الدول النص الجديد (المادة 3 والمادة 4) والقاضى بأن لكل دولة الحق في تحديد عرض بحرها الاقليمى بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً مقاسة من خط الأساس.
لمعرفة النقطة أو بالأحرى الخط الذى يقاس منه عرض البحر الاقليمى الذى يبلغ في العادة 12 ميلا بحريا تؤخد أبعد نقطة عن الشاطىء تنحسر عنها مياه البحر في حالة أدنى جزر طوال العام وتعتبر هى بداية العد حيث أنه من المفترض قانونيا أن هذه هى آخر نقطة برية في اقليم الدولة حتى و لو كانت مدة تغطيتها بالمياه أطول من مدة ظهورها.
فى الماضى كانت تؤخذ خطوط الأساس من هذه النقطة ثم يرسم خط داخل البحر موازى للشاطىء يتعرج معه دخولا وخروجا وبروزا ثم يقاس من هذا الخط عرض البحر الاقليمى – 12 ميل بحرى مثلاً – والمساحة البحرية المحصورة بين الشاطىء وهذا الخط تعتبر هى البحر الاقليمى للدولة.
نسخة عربية لقانون البحار
يلاحظ أن البحر الاقليمى يختلف في تعريفه وطبيعته عن المياه الداخلية لأى دولة حيث المياه الداخلية ليس لباقى الدول فيها حق المرور البرىء بل لابد من الموافقة المسبقة للدولة قبل الدخول اليها، أما البحر الاقليمى فالدخول اليه متاح طالما كان ذلك لأغراض المرور البرىء ولكن لا بد من مراعاة القوانين السارية في الدولة لأن هذا هو بحرها الاقليمى.
الآن اختلف الوضع قليلا حيث سمحت اتفاقية 1982 باتباع طريقة الخطوط المستقيمة الواصلة بين النقاط المختلفة وهذه تسمى الخطوط الأساسية ويقاس منها عرض البحر الاقليمى و تكون المياه المحبوسة بين خط الأساس و الحد الخارجى للعرض المتفق عليه – 12 ميل مثلا –هو البحر الاقليمى للدولة وما يقع خارجه ليس تابع للدولة. ولكن طريقة تحديد هذه النقاط التى تنتج في النهاية الخط المكسر البوليجون الدى نراه على بعض الخرائط لم تتغير، أبعد نقطة عن الشاطىء تنحسر عنها المياه في حال الجزر ثم يقاس منها.
تلتزم كل دولة بأن تصدر خرائط معتمدة يبدو واضحا عليها شكل البحر الاقليمى والنقط المكونة له واحداثياتها والتى يبدأ منها الحساب وتودع هذه الخرائط لدى سكرتارية الأمم المتحدة.
يرد على البحر الاقليمى لكل دولة قيد قانونى وهو حق المرور البرىء وهذا يعنى أن السفن الأجنبية عن الدولة صاحبة السيادة على البحر الاقليمى من حقها الثابت أن تمر مرورا غير متلف و لا مهين للدولة ولا مخالف للقوانين السارية فيها وغير مضر بمصالحها وهو ليس رخصة تمنح من الدولة صاحبة البحر الاقليمى بل هو حق ثابت من حقوق السفن الأجنبية.
ويشمل حق المرور البرىء أيضا حق التوقف والرسو فقط اذا كانا مترتبين على الملاحة العادية أو صارا ضرورة لازما من جراء القوة القاهرة أو المحنة. في الاتفاقية الجديدة فقرة لم تكن موجودة في اتفاقية 1958 وهى النص على أن يكون المرور البرىء متواصلا وسريعا. جدير بالذكر أن الاتفاقية الجديدة لعام 1982 ترتب حق المرور البرىء أيضا للسفن الحربية الأجنبية وذلك من مفهوم المخالفة أى أن الاتفاقية لم تنص بصراحة على وجوب الحصول على اذن مسبق من الدولة صاحبة البحر الاقليمى قبل دخول السفن الحربية الى مياهها. أفردت الاتفاقية توصيفا للسفن الحربية ووظائفها وما يجب أن تحمله من علامات وذلك كله تحت باب المرور البرىء مما يفهم منه أن هدا الحق ينسحب أيضا على السفن الحربية. ذكرت المعاهدة أن للدولة البحرية أن تطلب من أى سفينة حربية أن تغادر بحرها الاقليمى فور خرقها لأى من القواعد أو اللوائح التى وضعتها الدولة وأعلمتها بها من قبل الدخول. أما بالنسبة للغواصات فتحتم عليها مواد الاتفاقية الجديدة – كما في القديمة – أن تعبر البحر الاقليمى لدولة أجنبية وهى طافية على سطح البحر ورافعة أعلامها وشاراتها بالكامل.
من الطبيعى أن للدولة صاحبة البحر الاقليمى أن تسن من القواعد واللوائح ما تراه مناسبا لحفظ الأمن و سلامة الملاحة ومنع التلوث وحماية الكابلات و خطوط الأنابيب والموارد الحية والثروة السمكية والحفاظ على البيئة والموارد السيادية من ضرائب وجمارك وخلافه وتنشر هده اللوائح لعلم كافة السفن العابرة للبحر الاقليمى.
ان كان هدا هو الوضع على الشواطىء فان البحر الاقليمى يمكن أن يشمل ما هو أكثر من الشواطىء فهناك الخلجان والمضايق والموانىء والجزر والأرخبيلات و خلافه.
الصفحة الثانية من النسخة العربية لقانون البحار
الخلجان
التعريف الدى حددت به كل من الاتفاقيتين الخليج هو كالتالى: هو ذلك الانحراف الحاد الدى يكون عمقه و فتحة فمه في نسبة تجعله يحتوى مياها محبوسة بالأرض و بحيث يعتبر أكثر من انحناء عادى في الشاطىء و لا يعد الانحراف خليجا ما لم تكن مساحته مساوية أو تزيد على مساحة شبه دائرة يكون قطرها الخط المرسوم بين فتحتى هدا الانحراف.
و لتقريب التعريف الى الواقع العملى في أمر تحديد البحر الاقليمى لدولة تشاطىء الخليج أضافت الاتفاقية الأولى 1958 البند التالى : اذا كانت المسافة بين علامتى الجزر المنحسر في نقطتى المدخل الطبيعى للخليج لا تزيد على 24 ميلا بحريا فانه يرسم خط يغلق ما بين علامتى الجزر المنحسر و تكون المياه المحصورة داخل هذا الخط مياها داخلية ( ليس بحر اقليمى ). أما ان زادت المسافة عن 24 ميلا فيتم مد خط بطول 24 ميلا بين أى نقطتين على الخليج بحيث تكون المساحة المائية خلف هذا الخط أكبر ما يمكن الحصول عليه و تصبح المياه داخل هذا الخط مياها داخلية ( ليست بحر اقليمى ). ولا تتناول هذه المادة السابعة من اتفاقية جنيف 1958 الا الخلجان التى تعود سواحلها الى دولة واحدة.
المضائق الدولية استأثر النظام المستحدث للمرور في المضائق باهتمام كبير من جانب اتفاقية 1982 و كانت أهم معالمه استحداث حق المرور العابر و هو حق وسط بين حق المرور البرىء و حق المرور المطلق الذى يطبق في أعالى البحار. ممارسة حق المرور العابر – خلافا لحق المرور البرىء – لا تخضع لرقابة الدولة الساحلية المشاطئة للممر و كدلك فان الغواصات تستطيع ممارسة هذا الحق و هى غاطسة و يترتب على هذا الحق أيضا حق الطيران العابر فوق الممر لكل الدول و هى ميزة جديدة لم تكن موجودة قبل اتفاقية 1982. يلاحظ هنا أن حق المرور العابر لا يطبق الا في حالات أن يكون المضيق واصلا بين منطقة من البحر العالى أو منطقة اقتصادية خالصة و منطقة أخرى من البحر العالى أو منطقة اقتصادية خالصة. أما لو كان المضيق يفصل بين منطقة بحر عالى أو منطقة اقتصادية خالصة و بحر اقليمى لأحد الدول فيكون الحق المستخدم هو حق المرور البرىء المذكورة شروطه آنفا. لا يمارس حق المرور العابر كما ذكرنا الا في المضايق و لهذا فقد أوجدت الاتفاقية الجديدة 1982 تعريفا محددا للمضايق هو كالتالى: المضيق هو ممر مائى طبيعى غير صناعى يفصل بين اقليمين و يصل بين بحرين. اذا كان المضيق واقعا بين بر أحد الدول و جزيرة تتبع هده الدولة و ان كان هناك طريق آخر من خارج الجزيرة يصلح للملاحة فان الطريق الآخر يكون هو المضيق المحمل بحق المرور العابر أما الممر المحصور بين شاطىء الدولة و الجزيرة التابعة لها فيكون محملا فقط بحق المرور البرىء.
الوضع الخاص بمضائق تيران
نصت معاهدة السلام في عام 1979 أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو ايقاف لحرية الملاحة والعبور الجوى ويحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوى من أجل الوصول إلى أراضيه عبر مضيق وخليج العقبة.
الواقع أن وجهة النظر المصرية الرسمية في شأن هدا النص هى أن وصف دون عائق أو ايقاف هى تطبيق لفظى لحق المرور العابر الذى استحدث بعيد توقيع المعاهدة في اتفاقية 1982 وبذلك يكون المطبق هو هدا النوع من العبور رغم اتجاه نية الأطراف إلى اعتبار مياه المضيق و الخليج مياه إقليمية مصرية. يبدو أن ذلك كان تنازلاً من مصر لأن أعمال اللجنة التحضيرية لاتفاقية 1982 كانت ماثلة أمام المتفاوضين وكان من الممكن لمصر أن تصر على تحميل مياهها الاقليمية فقط بحق المرور البرىء حسب اتفاقية جنيف عام 1958.
المنطقة المتاخمة
المنطقة المتاخمة هى منطقة من البحر العالى تقع خارج البحر الاقليمى للدولة مباشرة و يعترف للدول في نطاقها بحقوق تتعلق بالعمل على حماية البيئة و الثروة البحرية الحية و غير الحية و الحفاظ على النظام العام للدولة و ملاحقة المهربين و المهاجرين بصورة غير شرعية و المتهربين من الجمارك و شئون الصحة و ذلك لا ينفى عنها كونها منطقة بحر عال. أعلنت مصر أن المنطقة المتاخمة يبلغ عرضها 12 ميلا بحريا تبدأ حيث ينتهى البحر الاقليمى أو بعبارة أخرى فان نهاية المنطقة المتاخمة كما أعلنت عنها مصر هى 24 ميلا مقاسة من خطوط الأساس .
الجرف القاري
الجرف القارى يعتبره الفقهاء الامتداد الجيولوجى الطبيعى للدولة و قد تم الاتفاق في عام 1958 على تحديد نهايته بالنقطة التى يبلغ عندها عمق الماء تحت سطح البحر 200 مترا و هو منطقة تقع أسفل البحر العالى أى خارج البحر الاقليمى ثم تم التخلى عن هذا التعريف في اتفاقية 1982 الجديدة ليحل محله اعتبار الجرف القارى هو الرصيف الملاصق لأرض الدولة الشاطئية و دلك حتى نهايته أو حتى عرض 200 ميل بحرى من خطوط الأساس و في حالات امتداد الجرف الى أكثر من ذلك فأقصى حد هو 350 ميلا بحريا من خطوط الأساس. من النظرة الأولى يبين أن المنطقة الاقتصادية الخالصة التى تم استحداثها في اتفاقية 1982 من شأنها الغاء العمل بنظرية الرصيف القارى و لكن الدول تمسكت في مفاوضات 1982 بالابقاء على الجرف القارى و دلك لوجود عناصر داخل الجرف القارى لا تغطيها المنطقة الاقتصادية الخالصة حيث يتعامل الجرف القارى في الأساس مع قاع البحر و كل ما يقع تحت قاع البحر من ثروات بينما تغطى المنطقة الاقتصادية الخالصة عامود المياه حتى القاع.
المنطقة الاقتصادية الخالصة
هى المنطقة خارج المياه الاقليمية أو البحر الاقليمى لكل دولة ساحلية و هى منطقة وضعها القانونى أنها منطقة بحر عالى و لكن تترتب فيها حقوق استغلال الثروات البحرية و الأسماك و حفر البترول و كل هذه الأعمال و هى من مستجدات اتفاقية 1982 و تقاس من خط الأساس بعرض لا يزيد عن 200 ميل أى أن أقل عرض لها هو 188 ميلا بحريا باعتبار البحر الاقليمى عرضه 12 ميلا بحد اقصى. جدير بالذكر أن مصر حددت و في نفس الوقت لم تحدد منطقتها الاقتصادية الخالصة على البحر المتوسط فقط و أودعت ذلك القرار الجمهورى لدى الأمم المتحدة بدون تسمية العمق و اكتفت بالاشارة الى اتفاقية 1982 بدون اشارة الى العمق الدى تريد الحصول عليه و لكنها في نفس الوقت توصلت مع قبرص الى اتفاق عام 2005 على أخذ خط المنتصف بين البلدين كحد خارجى للمنطقة في كل بلد و يرجع في ذلك الى الخريطة لمعرفة العرض الدى ارتضته مصر لمنطقتها الاقتصادية. أما في البحر الأحمر فلم تصدر مصر بشأنه حتى الآن أية بيانات و يبدو أن دلك لم يناقش بعد مع السعودية و السودان. من حسن حظ مصر أنها تقع في زاوية من القارة الافريقية بحيث أن جيرانها من الغرب و الجنوب واقعين على نفس البحار أى أنه لا تترتب لهم حقوق الدول الحبيسة على المنطقة المصرية الاقتصادية الخالصة . بالمناطق الاقتصادية لكل من ليبيا أو فالسودان أو الجزائر – مثلا – محملة بحقوق الدول المغلقة الواقعة خلف الدول الشاطئية. هذه الحقوق ترتبط بصورة وحيدة بصيد الأسماك و استغلال الثروات الحية و لكن في حدود ما تنظمه الدولة الساحلية من طرق و قواعد هذا الاستغلال.
المؤتمر الأول للأمم المتحدة لقانون البحارفي عام 1956، عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمر لها لقانون البحار في جنيف بسويسرا.ونتج عن المؤتمر الأول للأمم المتحدة لقانون البحار أربع معاهدات في عام 1958:
اتفاقية البحر الاقليمي والمنطقة المتاخمة، دخلت حيز التنفيذ: 10 ايلول 1964
اتفاقية الجرف القاري، دخلت حيز التنفيذ:10 حزيران 1964
اتفاقية اعالي البحار، دخلت حيز التنفيذ: 30 ايلول 1962
اتفاقية الصيد والمحافظة على الموارد الحية في اعالي البحار، دخلت حيز التنفيذ: 20 آذار 1966
اتساع المطالبة
عدد الدول
3-حد الميل
26
4-حد الميل
3
5-حد الميل
1
6-حد الميل
16
9-حد الميل
1
10-حد الميل
2
12-حد الميل
34
أكثر من 12-ميل
9
غير محدد
11
بالرغم من اعتبار المؤتمر الأول للأمم المتحدة لقانون البحار ناجحاً، إلا أنه ترك قضية هامة مفتوحة والتي تخص اتساع المياه الاقليمية.[
المؤتمر الثاني للأمم المتحدة لقانون البحارعام 1960، عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الثاني لقانون البحار (“UNCLOS II”)؛ ومع ذلك، فلم ينتج عن مؤتمر جنيڤ الذي استمر لستة أسابيع عن أي اتفاقيات جديدة. بصفة عامة، شاركت الدول النامية وبلدان العالم الثالث فقط كعملاء، حلفاء، أو مستقلين عن الولايات المتحدة أو الاتحاد السوڤيتي، ولم يكن لهم صوتاً مستقلاً.
المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لقانون البحار
المياه الداخلية
تشمل جميع المياه والممرات المائية عل جانب اليابسة من خط الاساس. الدولة الساحلية تكون حرة في وضع القوانين، تنظيم الاستخدام، واستخدام أي مورد. ليس للسفن الأجنبية الحق في المرور داخل المياه الداخلية.
المياه الاقليمية
على بعد 12 ميل بحري من خط الأساس، الدولة الساحلية حرة في وضع القوانين، تنظيم الاستخدام، واستخدام أي مورد.
المياه الأرخبيلية
وضعت الاتفاقية تعريف للدول الأرخبيلية في الجزء الرابع، وقامت أيضاً بتعريف كيفية ترسيم الدولة لحدودها الاقليمية. خط الأساس هو الخط المرسوم بين أقصى النقاط الخارجية للجزر الخارجية، وتكون هذه النقاط قريبة بما يكفي من بعضها البعض.
المنطقة المتاخمة
ما وراء حد مقداره 12 ميل بحري هناك 12 أو 24 ميل بحري إضافية من حد خطوط الاساس البحرية الاقليمية، المنطقة المتاخمة، والتي يمكن فيها للدولة الاستمرار في إنفاذ القوانين في أربع مناطق محددة:التلوث،الضرائب،الجمارك، والهجرة.
المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZs)
تمتد 200 ميل بحري من خط الاساس.
الرصيف القاري
يعرف الرصيف القاري على أنه الامتداد الطبيعي من الأراضي البرية إلى الحافة الخارجية للهامش القاري، أو 200 ميل بحري من خط الأساس الساحلي للدولة، أيهما أكبر. الرصيف القاري للدولة قد يتسع لمسافة 200 ميل بحري حتى انتهاء الامتداد الطبيعي. ومع ذلك، فهو لا يمكن أن يتجاوز 350 ميل بحري من خط الأساس، ولا يمكن أن يتجاوز 100 ميل بحري فيما وراء 2.500 متر قياس العمق (الخط يصل إلى عمق 2.500 متر). الدول الساحلية لديها الحق في حصاد المعادن والمواد الغير حية الموجودة تحت الرصيف القاري، لاستبعاد الآخرين. للدول الساحلية أيضاً التحكم الحصري في الموارد الحية “الموجودة” في الرصيف القاري، لكن ليس لديها الحق في الكائنات الحية الموجودة في عمود المياه الواقع خلف المنطقة الاقتصادية الخالصة.
بصرف النظر عن أحكامها الخاصة بتعريف الحدود البحرية، نصت الاتفاقية على التزامات عامة تخص حماية البيئة البحرية وحماية حرية البحث العلمي في أعالي البحار، وأنشأت كذلك نظام مبتكر للتحكم في التنقيب عن الموارد المعدنية في مناطق قاع البحار العميقة خارج الولاية القضائية الوطنية، عن طريق مبدأ السلطو الدولية لقاع البحار والتراث المشترك للانسانية. البلدان غي الساحلية لها الحق في الدخول أو الخروج إلى البحار، بدون دفع ضريبة خلال عبورها في بلدان العبور.
الجزء الحادي عشر واتفاقية 1994
الجزء الحادي عشر من الاتفاقية يوفر نظاماً يتعلق بالمعادن الموجودة في قاع البحار خارج المياه الاقليمية لأي دولة أو المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها. تأسست بموجب الاتفاقية السلطة الدولية لقاع البحارالمحولة باستكشاف قاع البحار والتعدين وجمع وتوزيع حقوق التعدين في قاع البحار.اعترضت الولايات المتحدة على بنود الجزء الحادي عشر من الاتفاقية لأسباب مختلفة، زاعمة أن المعاهدة لم تكن في مصلحة الاقتصاد والمصالح الأمنية الأمريكية. بسبب الجزء الحادي عشر، رفضت الولايات المتحدة التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بالرغم من أنها أعربت عن اتفاقها مع البنود المتبقية من الاتفاقية.من عام 1983 حتى 1900، وافقت الولايات المتحدة على جيع البنود عدا الجزء الحادي عشر كقانون دولي عرفي، بينما حاولت تأسيس نظام بديل للتنقيب عن المعادن في قاع البحار العميقة. عقدت اتفاقية مع بلدان أخرى للتعدين في قاع البحار وتم منح تراخيص لأربع اتحادات دولية. في نفس الوقت، تأسست اللجنة التحضيرية للتحضير للنهائي لإنفاذ المطالبات التي تعترف بها الاتفاقية من قبل المتقدمين، برعاية الموقعين على الاتفاقية. تم حل التداخلات بين المجموعتين، لكن تراجع الطلب على المعادن من قاع البحر جعلت نظام قاع البحر أقل أهمية بشكل ملحوظ. بالإضافة إلى ذلك، فان تراجع الاشتراكية وسقوط الشيوعية في أواخر الثمانينيات أزال الكثير من الدعم لبعض بنود الجزء الحادي عشر الأكثر إثارة للجدل.عام 1990، بدأت المشاورات بين الموقعين وغير الموقعين (بما فيهم الولايات المتحدة) حول إمكانية تعديل الاتفاقية للسماح للبلدان الصناعية بالإنضمام للاتفاقية. اعتمد تنفيذ اتفاقية 1994 باعتبارها اتفاقية دولية ملزمة. التزما بالمواد الأساسية، والتي تدور حول الحد من انتاج قاع البحار والنقل الإلزامي للتكنولوجيا، وليس تطبيقها، وأن الولايات المتحدة، إذا ما أصبحت عضواً، سوف تمنح مقعداً بمجلس السلطة الدولية لقاع البحار، وفي النهاية، سيتم التصويت في مجموعات، وستكون كل مجموعة قادرة على منع القرارات المتعلقة بالقضايا الموضوعية. أسست اتفاقية 1994 أيضاً لجنة مالية المختصة بالنظر في القرارات المالية للسلطة، والتي سيكون أكبر المانحين أعضاء تلقائيين فيها والتي ستتخذ فيها القرارات بالتوافق.في 1 شباط 2011، أصدرت غرفة منازعات قاع البحار في المحكمة الدولية لقانون البحار رأي استشاري خاص بالمسئوليات والالتزامات القانونية للدول الموقعين على الاتفاقية فيما يتعلق برعاية الأنشطة في المنطقة بما يتماشى مع الجزء الحادي عشر من الاتفاقية واتفاقية 1994. صدر الرأي الاستشاري رداً على طلب رسمي من السلطة الدولية لقاع البحار في أعقاب طلبين مبدئيين قدما للجنة القانونية والتقنية للسلطة من جمهوريتي ناورو وتونگا يخصان الأنشطة المقترحة (خطة عمل للتنقيب عن العقيدات متعددة الفلزات) ليتولى تنفيذها في المنطقة مقاولين برعاية الدولتان – ناورو لموارد المحيطات (برعاية جمهورية ناورة) وتونگا للتعدين البحري (برعاية مملكة تونگا). وضع الرأي الاستشاري أربع مسئوليات والتزامات قانونية دولية على الدول الراعية والسلطة لضمان أن الأنشطة المرعية لا تضر بالبيئة البحرية، بما يتفق مع البنود المتفق عليها الواردة في الجزء الحادي عشر من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تنظيمات السلطة، قانون المحكمة الدولية لقانون البحار، والمعاهدات البيئية الدولية الأخرى، والمبدأ 15 من إعلان ريو الأممي.
التوقيع والتصديق
فـُتـِحت للتوقيع في 10 ايلول 1982
دخلت حيز التنفيذ في 16 تشرين الثاني 1994
الدول التي وقعت، ولكن لم تصدق بعد
كمبوديا، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، كولومبيا، جمهورية الدومينيكان، السلفادور، اثيوبيا، ايران، جمهورية كوريا الديموقراطية، ليبيا، ليشنتشاين، مالاوي، النيجر، رواندا، سوازيلاند، سويسرا، تايلاند، الامارات العربية المتحدة.
الدول التي لم توقع
الولايات المتحدة، اسرائيل، تركيا، سورية، اندورا، أذربيجان، الاكوادور، ارتريا، كازاخستان، قرغيزستان، بيرو، سان مارينو، طاجيكستان، تيمور الشرقية، تركمانستان،اوزبكستان، الفاتيكان، فنزويلا، الصحراء الغربية.
بالرغم من أن الولايات المتحدة ساعدت في صياغة قانون البحار وتعديلاته اللاحقة، وعلى الرغم من أنها وقعت على اتفاقية التنفيذ في 1994، إلا أنها لم توقع على القانون نفسه.
وفي 16 تموز 2012، في مجلس الشيوخ الاميركي أعلن 34 سيناتور جمهوري عن نيتهم معارضة التصديق على المعاهدة لو طـُرحت للتصويت. ولما كان التصديق على معاهدة يتطلب 2/3 المئة سيناتور (أي على الأقل 67 سيناتور)، فقد تم تأجيل النظر في المعاهدة مرة أخرى.
بعض المعلقين الأمريكان، ومنهم وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد، حذّروا أن التصديق على معاهدة قانون البحار قد يؤدي إلى مد سلطته إلى موارد الفضاء الخارجي.
تركيا
تركيا لا تعترف بـ”اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”، ويرجع ذلك جزئياً لأنها ترفض قبول سيطرة أثينا الكاملة تقريباً على بحر إيجه الذي يفصل تركيا عن اليونان. وتتفاقم المشكلة بسبب وجود “الجمهورية التركية لشمال قبرص” الغير معترف بها دولياً إلا من قبل أنقرة. وقد تأسست هذه الجمهورية في عام 1974 عندما احتلت القوات التركية القسم الشمالي من قبرص لحماية القبارصة الاتراك خلال اعلان الاتحاد بين اليونان وقبرص، ومنذ ذلك الحين استقر الآلاف من المواطنين الأتراك في الجمهورية التركية لشمال قبرص”.
في ايلول، وقعت مايعرف ب”الجمهورية التركية لشمال قبرص” وتركيا على اتفاق يمنح أنقرة حقوق التنقيب عن الغاز في مناطق تعتبرها”الجمهورية التركية لشمال قبرص” أراضيها البحرية. وقد غطى اتفاق آخر تم توقيعه في نوفمبر، بين “الجمهورية التركية لشمال قبرص” و “ومؤسسة البترول التركية (تباو)” المملوكة للدولة، مجالات ترخيص تشمل آلاف الأميال المربعة من الأراضي البحرية التي تعتبرها حكومة قبرص كمنطقة اقتصادية خالصة خاصة بها. وتشمل هذه الأراضي ما يسمى بـ ” بلوك 12″، حيث يقع حقل الغاز الجديد. وتضع ” خريطة الترخيص لـ “مؤسسة البترول التركية ” في هذا الموقع ” حدوداً على الحقوق البحرية لجمهورية قبرص، وهي بالكاد تشمل اثني عشر ميلاً بحرياً من المياه الإقليمية.
بيان توقيع وتصديق الدول…الاخضر وقعت وصدقت، الاخضر الفاتح وقعت ولم تصدق، الرمادي لم توقع
في الخلاصة
دخلت معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام ١٩٨٢ حيز التنفيذ في ١٦ تشرين الثاني ١٩٩٤، وهي إتفاقية دولية توفر إطار قانوني متكامل لألية الإنتفاع بمياه البحار والمحيطات في العالم، وهي تضمن الحفاظ على الموارد البيئية والبحرية وكذلك الإنتفاع العادل لتلك الموارد. كما تعالج المعاهدة المسائل المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات وحق الإنتفاع في المناطق البحرية والحقوق المتعلقة بالملاحة. في ١٠كانون الثاني ٢٠١٤، كان عدد الدول المصدقة على المعاهدة والمنضمة إليها هو ١٦٦ دولة. يمكن قراءة المعاهدة والحصول على المعلومات المتعلقة بالدول الأعضاء من خلال قسم شئون المحيطات وقانون البحار التابع للأمم المتحدة باللغات العربية والصينية والانكليزية والفرنسية والروسية والاسبانية. واودعت لدى الامين العام لمنظمة الامم المتحدة.
تنص معاهدة قانون البحار في الفصل الخامس عشر منها على قواعد تسوية المنازعات التي تنشأ بين الدول حول تفسير أو تطبيق المعاهدة. وفقاً للفقرة ١ من المادة ٢٨٧ من المعاهدة، يجوز للدولة التي تسعى للإنضمام أو التصديق للمعاهدة أو تلك الدول التي خلفت دول أخرى كانت طرف في المعاهدة أن تقدم إعلان أو إشعار تختار في اللجوء إلى واحد أو أكثر من آليات تسوية المنازعات التالية
– المحكمة الدولية لقانون البحار في هامبرج بألمانيا
– محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا
– هيئة تحكيم (وفقاً للملحق رقم ٧ من معاهدة قانون البحار)
– هيئة تحكيم خاصة يتم تشكيلها للفصل في فئة محددة من المنازعات (يتم تشكيلها وفقاً للملحق رقم ٨ من معاهدة قانون البحار).
وفقاً لحكم الفقرة ٣ من المادة ٢٨٧ من المعاهدة، فإن التحكيم الوارد بالملحق رقم ٧ هو الأصل الذي يتم الرجوع إليه في حالة ما إذا إمتنعت الدولة العضو عن الإفصاح صراحة عن توجهها لتفضيل إحدى آليات تسوية المنازعات المنصوص عليها في الفقرة ١ من المادة ٢٨٧ من المعاهدة (ولم تقدم أي تحفظات أو إستثناءات إختيارية وفقاً لنص المادة ٢٩٨ من المعاهدة). وعلى ذات النهج، فإنه في حالة ما إذا إختلف الأطراف المتنازعون على الآلية الخاص لتسوية النزاع بينهم، فإنه وفقاً لحكم الفقرة ٥ من المادة ٢٨٧ من المعاهدة، يكون التحكيم المنصوص عليه في الملحق رقم ٧ هو الأصل الذي يتعين على الأطراف إتباعه لتسوية النزاع (وذلك أيضاُ مع عدم الإخلال بأي تحفظ أو إستثناء كان قد تم إبدائه من أحد الأطراف وفقاً لحكم المادة ٢٩٨).
تمتلك المحكمة الدائمة للتحكيم خبرة فريدة في مواجهة العديد من المسائل الإجرائية والموضوعية والتنظيمية، وغيرها، التي تطرأ خلال هذه النوعية من التحكيمات. هذه الخبرة هي نتيجة لعمل المحكمة في هذا المجال وإدارتها لجميع التحكيمات المقامة وفقاً للملحق رقم ٧ من معاهدة قانون البحار فيما عدا تحكيم واحد.
وقد قامت كل من المحكمة الدائمة للتحكيم والمحكمة الدولية لقانون البحار بالإتفاق على التعاون بشأن المسائل القانونية والإدارية المتعلقة بالتحكيمات الخاصة بقانون البحار. ويرجع الفضل في ذلك إلى المجهودات التي قام بها كل من الأمين العام للمحكمة الدائمة للتحكيم ورئيس قلم المحكمة الدولية لقانون البحار. ووفقاً للإتفاق المشار إليه، فإن المحكمة الدائمة للتحكيم والمحكمة الدولية لقانون البحار إتفقا على التنسيق فيما بينهما بالنسبة لما يتعلق بملفات دعاوى التحكيم المتصلة بالمنازعات المقامة بموجب الملحق رقم ٧ من معاهدة قانون البحار، كما تعهد كل من الطرفين على السعي إلى زيادة سبل التعاون بين المنظمتين.
القضايا التحكيمية المقامة تحت رعاية المحكمة الدائمة للتحكيم بموجب الملحق رقم ٧ من المعاهدة الدولية لقانون البحار منذ دخول المعاهدة الدولية لقانون البحار حيز التنفيذ في عام ١٩٩٤، فإن المحكمة الدائمة للتحكيم قامت بدور قلم هيئة التحكيم في جميع تلك القضايا المقامة وفقاً للملحق رقم ٧ من المعاهدة فيما عدا قضية تحكيمية واحدة. وفيما يلي بعض من القضايا التحكيمية المتعلقة بمنازعات قانون البحار التي أقيمت تحت رعاية المحكمة الدائمة للتحكيم
بولس رسول الأمم…رسول الجهاد الامين…المشرع الاول للمسيحية…
أو بولس الطرسوسي أو شاؤول
مقدمة
أسماء وألقاب متعددة كلها تعود إلى أحد أعمدة الكنيسة، إنه القديس بولس الرسول الذي ولد في حوالي السنة الخامسة ميلادية في مدينة طرسوس (تركيا الحالية)، ويقال أن ولادته كانت بين الخامسة والعاشرة ميلادية، وكان اسمه العبري( شاؤول) على أسم أول ملك في أسرائيل، والروماني (بولس): “أَمَّا شَاوُلُ، وَقَدْ صَارَ اسْمُهُ بُولُسَ…” (أع 9:13) لأن اليهود اعتادوا أن يأخذوا اسما رومانيا من أجل علاقاتهم مع اليونانيين والرومانيين، وكان مواطنا رومانيا منذ مولده، “فَلَمَّا رَبَطَهُ الْجُنُودُ لِيَجْلِدُوهُ قَالَ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الَّذِي كَانَ وَاقِفاً بِقُرْبِهِ: «أَيَسْمَحُ لَكُمُ الْقَانُونُ بِجَلْدِ مُوَاطِنٍ رُومَانِيٍّ قَبْلَ مُحَاكَمَتِهِ؟» فَمَا إِنْ سَمِعَ الضَّابِطُ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى الْقَائِدِ وَأَخْبَرَهُ بِالأَمْرِ، وَقَالَ: «أَتَعْلَمُ أَيَّةَ مُخَالَفَةٍ كُنَّا سَنَرْتَكِبُ لَوْ جَلَدْنَا هَذَا الرَّجُلَ؟ إِنَّهُ رُومَانِيُّ الْجِنْسِيَّةِ !» فَذَهَبَ الْقَائِدُ بِنَفْسِهِ إِلَى بُولُسَ وَسَأَلَهُ: «أَأَنْتَ حَقّاً رُومَانِيٌّ؟» فَأَجَابَ: «نَعَمْ!» فَقَالَ الْقَائِدُ: «أَنَا دَفَعْتُ مَبْلَغاً كَبِيراً مِنَ الْمَالِ لأَحْصُلَ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ». فَقَالَ بُولُسُ: «وَأَنَا حَاصِلٌ عَلَيْهَا بِالْوِلاَدَةِ!» وَفِي الْحَالِ ابْتَعَدَ عَنْهُ الْجُنُودُ الْمُكَلَّفُونَ بِاسْتِجْوَابِهِ تَحْتَ جَلْدِ السِّيَاطِ، وَوَقَعَ الْخَوْفُ فِي نَفْسِ الْقَائِدِ مِنْ عَاقِبَةِ تَقْيِيدِهِ بِالسَّلاَسِلِ، بَعْدَمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ.” (أع 25:22-29) أهتم بدراسة الشريعة اليهودية منذ سنته العاشرة، وفي الرابعة عشرة ذهب إلى أورشليم ليكمل تعليمه، “، وتتلمذ على يد غاملائيل الفريسي أحد أشهر معلمي اليهود في ذلك الزمان ويحترمه الشعب كله، وهو المختون في اليوم الثامن، من نسل أسرائيل، من سبط بنيامين .. وفي الشريعة فريسي (فل 5:3)، وكانت وفاته بين سنتي 64 و 67 في مدينة روما. وتعلم صناعة الخيم، “وَإِذْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِهْنَتِهِمَا، وَهِيَ صِنَاعَةُ الْخِيَامِ، أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَشْتَغِلُ مَعَهُمَا.“(أع 3:18)، وإنه قديس تبجله جميع كنائس المسيح، ويعتبر أحد قادة الجيل المسيحي الأول وقد يمكن أن نعتبره أهم شخصية بعد المسيح في تاريخ المسيحية، بالرغم من عدم التقائه بالمسيح في حياته، عرف برسول الأمم لأنه بشر آسيا الصغرى وأوربا كما لقب مع بطرس الرسول بعمودي الكنيسة.
كان في حياته متحمساً ذو ميول متطرفة، حارب الكنيسة الناشئة لأنه كان يعتبرها فرقة يهودية ضالة تهدد الديانة اليهودية الرسمية، وأظهر غيرة شديدة على الشريعة وحفظ التقليد وكان أول ظهور له وهو يراقب شهيد الكنيسة الأول (أسطيفانوس) عندما تم رجمه حتى الموت وهو يحرس ثياب الراجمين!!! ويقدم لهم الماء، ” وَخَلَعَ الشُّهُودُ ثِيَابَهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ شَابٍّ اسْمُهُ شَاوُلُ لِكَيْ يَحْرُسَهَا.” (أعمال 58:7) الأمر الذي حدث بين سنتي (33-37م)، وكان بكل تأكيد راضياً بما يقومون به، رغم كونه صغير السن وقتها، وبعد ذلك عمل للحصول على موافقة الكهنة اليهود بتتبع المسيحيين حتى مدينة دمشق كي يسوقهم موثقين إلى أورشليم. لأنه أحسّ بأن المسيحية الفتية تعتبر خطرا كبيرا خاصة بالنسبة له كيهودي متدين الذي كان يعتقد أن عليه مقاومة اسم يسوع الناصري بكل جهده، “وَكُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ أَبْذُلَ غَايَةَ جَهْدِي لأُقَاوِمَ اسْمَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ.”(أع 9:26)، لكن المسيح حوله من مضهد له إلى رسول وإناء مختار.
ظهور الرب يسوع عليه في الطريق الى دمشق او طريق دمشق
بعد ميلاد كنيسة العهد الجديد رجم استفانوس رئيس الشمامسة وأول شهداء المسيحة بعد ميلاد كنيسة العهد الجديد ، وإزداد الإضطهاد والخوف فتشتت التلاميذ وبعض المؤمنين ، والذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة. لقد كان استشهاد استفانوس انتصارا ” للقطيع الصغير”. لأن تدبير الله يعلو على تدبير البشر مهما كانوا. وتأمل شاول نتيجة عمله فازداد غيظه اشتعالًا لأن الكارزين في هروبهم من بطشه حملوا البشرى إلى البلاد التي لجأوا إليها ، كقول الكتاب ” وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب إستفانوس فاجتازوا إلي فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يكلمون أحدا بالكلمة إلا اليهود فقط . ولكن كان منهم قوم وهم رجال قبرصيون وقيروانيون الذين لما دخلوا انطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع . وكانت يد الرب معهم فآمن عدد كثير ورجعوا إلي الرب “( أع 19:11-21) .
وبعد بضعة شهور من استشهاد القديس استفانوس ، خرج شاول مع جماعته قاصدًا دمشق. كان عليه السفر مدة أسبوعين من اورشليم الى دمشق عبر الجولان… على هذا الطريق الذي يحمل الكثير من الذكريات. فقد سار عليه أليعازر وكيل أبونا إبراهيم (تك 1:24-10) الذي كلفه أبونا ابراهيم واستحلفه بالرب أن يذهب إلي عشيرته في أرام النهرين إلي مدينة ناحور ويأخذ لأبنه إسحق زوجة ، كما سار علي نفس الطريق نعمان السرياني (2مل 1:5-14) الذي شفاه الله من البرص بواسطة أليشع رجل الله . ولكن شاول لم يكن في حالة نفسية تمكنه من استعادة الذكريات ولا من الاستمتاع بجمال الطبيعة الذي خلقها الله ، فهو ذاهب لاصطياد “أتباع الطريق” ، وكان قلبه مفحما بالغيظ والكراهية والإنتقام .
أخيرا وصل شاول مع جماعته إلى قمة تل كوكب الذي يبعد عن دمشق حوالي 18 كم على طريق القنيطرة او القنطرة الموصلة الى الجولان ففلسطين، من كوكب كان يستطيع منها أن يرى دمشق. وفجأة وفي وقت الظهيرة والشمس ساطعة ” أبرق حوله نور من السماء . فسقط علي الأرض وسمع صوتًا قائلا له شاول شاول ، لماذا تضطهدني فقال: “من أنت يا سيد”. فقال الرب:” أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس”. فقال وهو مرتعد ومتحير “يا رب ماذا تريد أن أفعل”. فقال له الرب:” قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل. ” (أع3:9-6).
لقد اهتزّ كيان شاوول القاسي والمضطهد كله لأنه رأى ربنا يسوع المسيح بالجسد الروحاني الممجد وهو في بهاء مجده ، كلمه وشاهده بالعين المجردة وهو في كامل يقظته ووعيه. ” فنهض شاول عن الأرض، كان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحداً. فإقتادوه بيده وأدخلوه إلي دمشق. وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب ” (أع8:9-9). يبدوا أن شعاعاً من النور اخترق ندمه وألمه. شعاع المحبة الحانية الغافرة التي أظهرها ربنا يسوع المسيح في مجيئه إليه، ولم ينسى شاول هذه المحبة الغامرة مدى حياته. فسلام الله قد تسرب إلى قلبه، وانتهت الأزمة به إلي رجل راكع يبكي حين أبلغه القديس حنانيا الرسول ماذا يجب عليه أن يفعل.
وكان الطريق إلى دمشق هو الفيصل الذي غير مجرى حياته من خلال تلك المقابلة الرهيبة الوجاهية مع الرب يسوع… والرؤيا فائقة الضياء التي جعلته يفقد البصر وغيرت لاحقاً كل مجريات حياته (أعمال الرسل فص9)
وصرخة الرب يسوع:” شاول شاول لماذا تضطهدني . فقال له من أنت يا سيد . فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده . صعب عليك أن ترفس مناخس . ” (أع 3:9-5). وكلمة مناخس هي المنخاس الحديد الذي يلبسه الفارس في مؤخرة حذائه ، والذي بواسطته يستطيع الفارس السيطرة علي الفرس الذي يمتطيه للجري بأقصي سرعة، والفرس لا يستطيع ان يرفس المنخاس لأنه سوف يؤلمه ويؤذي نفسه، وفي هذا إشارة إلي قلب شاول الطرسوسي الذي كان ينخسه لمحاربة أهل الطريق ومحاولة القضاء عليهم بشتي الطرق، داخل وخارج أورشليم، ولذلك ظهر له الرب لأن الرب هو الذي يقودنا في موكب نصرته.
كان لقاء الرب يسوع المسيح شخصياً مع شاول في الطريق إلي دمشق سبباً في انقلاب حياته، وتغير من مضطهد لأهل الطريقة الجديدة إلى مؤمن بهذه الطريقة وكارز ومبشر بالمسيح في كل الإمبراطورية الرومانية لأن الرب عينه رسولا للأمم وقد قام بثلاث رحلات تبشيرية.تقابل شاول مع القديس حنانيا الرسول في دمشق في الزقاق المستقيم، وكان الرب قد قال للقديس حنانيا قبل أن تتم هذه المقابلة أن شاول هذا أناء مختار ليحمل أسمي أمام أمم وملوك بني إسرائيل لأنني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل أسمي (أع1:9- 17) وبالفعل جاز القديس بولس الرسول آلاماً كثيرة وضيقات وشدائد من أجل المسيح، وكان يتقبل هذه الآلام بفرح حتى استشهد بقطع رأسه في روما سنة 67 م. بأمر من نيرون الملك الطاغية من أجل شهادته للمسيح. وقد سار على هذا المنوال رسل المسيح له المجد، وأيضا خلفاؤهم .
كيف لا وأن نور من السماء أشرق عليه وحاوره يسوع وأقنعه بأنه اضعف من ان يرفس مناخس وانه الرب يسوع المسيح الموعود، القائم من بين الأموات، وكانت دمشق هذه المدينة السورية مكان الوعد بأعادة نظره من قبل اول اسقف على دمشق لأول جماعة مسيحية بعد اورشليم وهو الرسول حنانيا الذي عمده في بيت يهوذا الدمشقي في الشارع المستقيم ومن حينها عرف باسمه (بولس) واقترنت دمشق باسم بولس الرسول ففي طريقها شاهد وحاور الرب يسوع، وفيها نال الخلاص بمعمودية الماء والروح، ومنها انطلق للتبشير في كل المسكونة.
عندما سأل شاول الرب يسوع يارب ماذا تريد أن أفعل فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل . ثم قال الرب في رؤيا لتلميذ اسمه حنانيا كان موجودا بدمشق ” يا حنانيا . فقال هاأنذا يارب . فقال له الرب قم واذهب إلي الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسياً اسمه شاول . لأنه هوذا يصلي وقد رأي رؤيا رجلا اسمه حنانيا داخلا وواضعا يده عليه لكي يبصر. … . فقال له الرب اذهب . لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل . لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل إسمي .” (أع10:9-16) .
لم يقول الرب لشاول ماذا يفعل بل أرسل القديس حنانيا الرسول لأن ربنا يسوع المسيح يحترم ” سلطان الحل والربط ” الذي منحه لتلاميذه وكذلك أراد هنا أن يعلمنا احترام السلطان الذي أعطاه للتلاميذ ولخلفائهم من بعدهم وهو” سلطان الحل والربط “. كان ارسال حنانيا إلي شاول لكي يصلي عليه ويشفيه ويجعله يبصر مرة أخري ويعطيه الحل ويعمده ويمتلئ من الروح القدس ويرشده للكرازة بإسم الرب (أع16:22)، (أع17:9)، وكان ذلك عام ( 35م). كما ان الرب عندما أرسل القديس حنانيا الرسول قال له ” قم واذهب إلي الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيا اسمه شاول . لأنه يصلي.” (أع 11:9) . وهذا يوضح لنا أن المسيح يسوع ربنا هو الله العالم بكل شئ في حياتنا ، يعلم أين نوجد وماذا نعمل وكيف نفكر ولا ‘يخفي عليه شئ ولذلك فهو الوحيد ولا أحد سواه الذي يستطيع أن يدين العالم لأنه هو الوحيد الذي يعلم بخفايا الأمور ، كذلك ، لأن” الآب قد أعطي كل الدينونة للإبن ” (يو22:5). والمعني الذي ‘يفهم من أنالاثنين عشر تلميذا سيجلسون علي الكراسي يدينون اسباط اسراييل الاثني عشر في اليوم الأخير هو أنهم سوف يجلسون علي الكراسي ‘يخجلون و‘يحرجون أسباط إسرائيل ونسلهم لأنهم لم يؤمنوا بالرب عند مجيئه الأول ، لأنه ” إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله “(يو 11:1)
“وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا أن هذا هو المسيح. ولما تمت أيام كثيرة فتشاور اليهود ليقتلوه . فعلم شاول بمكيدتهم . وكانوا يراقبون الأبواب نهارا وليلا ليقتلوه . فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إياه في سل” (أع22:9 – 25 )
انطلق الى العربية هارباً من اليهود الدمشقيين الذين كانوا يودون اغتياله، فهربه جاورجيوس بواب الباب الواقع على يمين “الباب الشرقي” في سور دمشق والمعروف حالياً باسم “باب بولس” بأن دلاه بزنبيل ( سل كبير) بمعونة التلاميذ الى خارج السور فهرب الى منطقة العربية (حوران وشرق الاردن…) فكان مصير البواب جاورجيوس الاستشهاد رجماً ودفن فيه وتحول مكان دفنه الى المقبرة المسيحية في دمشق منذ تاريخه حيث صار المسيحيون يدفنون موتاهم حول ضريحه واليوم معروف باسم مقبرة القديس جاورجيوس.
في العربية
اختلي القديس بولس الرسول بالرب يسوع المسيح في دمشق والصحراء العربية التي تقع جنوب شرقي دمشق لمدة ثلاث سنوات ( 35- 37 م ) فيها تتلمذ علي الرب يسوع . يوضح ذلك القديس بولس الرسول بقوله ” وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي ‘بشرت به إنه ليس بحسب إنسان لأني لم أقبله من عند إنسان ولا ‘علمته . بل بإعلان يسوع المسيح . … . ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحما ودما ولا صعدت إلي أورشليم إلي الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلي العربية ثم رجعت إلي دمشق .”(غل 11:1-17) .
بشر في العربية لمدة ثلاث سنوات عاد بعدها الى دمشقوعند رجوعه الى دمشق كان ملتهبا بالروح وبنفس الحماس والغيرة التي كان يحارب بها اهل اول جماعة مسيحية خارج اورشليم ولكن حماسته هذه تحولت إلي الشهادة بإسم الرب يسوع. “وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا أن هذا هو المسيح. ولما تمت أيام كثيرة فتشاور اليهود ليقتلوه . فعلم شاول بمكيدتهم . وكانوا يراقبون الأبواب نهارا وليلا ليقتلوه . فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إياه في سل” (أع22:9 – 25 ) فهرب إلي أورشليم ( عام 37م). ومنها انطلق الى انطاكية مرورا بالمدن السورية مبشراً والتقى في انطاكية ببطرس الرسول مع كوكبة من مختاري الرب الذين حل عليهم روح الرب في العنصرة، فأنشأ هو وبطرس الكرسي الانطاكي المنقدس السنة 42 مسيحية وجلس عليه بطرس كأول الاساقفة عام 45 مسيحية وهو اول البطاركة على الكرسي الانطاكي المقدس
بولس كإنسان
إنه يتمتع بغنى بشري وروحي عظيم، مفكر وعبقري، صاحب عاطفة إنسانية ورقة في التعامل: “سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ الْمُخْتَارِ فِي الرَّبِّ، وَعَلَى أُمِّهِ الَّتِي هِيَ أُمٌّ لِي.” (رو 13:16)، محب ويعرف معنى الصداقة (غل 15:4، 19) لا يعرف الكذب.. حازم .. شجاع .. متوازن يعرف كيف يعطي ذاته كلها، أعطى نفسه للمسيح، حمل هم كل الكنائس (2كور 28:11) كان خاضعا لنداءات المسح (أع 9:16)، أهتم بالمشاركة في الايمان (غل 2:2) والأمانة للتقليد الآتي من الرب (1كو 23:11-24، 1:15-12)، وعرف أن المسيح قد جاء من أجل الجميع فطلب أن يكون كلا للكل (1كور 22:9)، بمعنى آخر أنه حمل إنجيل المسيح لكل الناس.
رحلاته التبشيرية
قام بعدد من الرحلات الرسولية ثلاثة أو أربع رحلات، لأن بعضهم يدمج بين الرحلات ليختصرها إلى ثلاث،
رحلة بولس الرسول التبشيرية الاولى بين سنتي (45-49) مسيحية
مكث بولس لفترة من الزمن في مدينته طرسوس ومن ثم انضم إلى برنابا وذهبا معاً إلى أنطاكية حيث وعظا فيها سنة كاملة، ومن هناك انحدرا إلى منطقة اليهودية حاملين معهما مساعدات من كنيسة أنطاكية. وبعد أن أكملا مهمتهما غادرا أورشليم يرافقهما مرقس. من أنطاكية بدأ بولس رحلته التبشيرية الأولى رافقه فيها برنابا وفي قسم منها ابن أخت هذا الأخير مرقس. فعبروا البحر إلى قبرص وبعد ذلك إلى
رحلة بولس الرسول الاولى
جنوب الأناضول (بيرجة، بيسيدية، ايقونية، لسترة، دربة). كان بولس ورفاقه يتبعون أسلوبا معيناً في الدعوة، فقد كانوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى ينادون بالخلاص بيسوع المسيح في مجامع اليهود وفي الأسواق والساحات العامة حيث أوجدوا جماعات مسيحية جديدة وأقاموا لها رعاة وقساوسة.
انقسم اليهود من سامعيهم بين مؤيد ومعارض، وأما بولس فقد حول وجهه صوب الوثنيين ليتلمذهم هم أيضاً على ما يؤمن به.
مجمع أورشليم
حوالي عام 48 م وقعت أزمة بين مسيحيي أنطاكية حول مسألة الختان عندما وصل إلى المدينة مسيحيون ذوو خلفية يهودية يطالبون بضرورة تطبيق شريعة الختان على المسيحيين القادمين من “الامم” ( الوثنيون) لكي ينالوا الخلاص، أما بولس وبرنابا فقد خالفا ذلك بشكل كبير، ولما لم يتمكنا من حل المسألة أرسلت كنيسة أنطاكية بهما مع أناس آخرين إلى الرسل والمشايخ في أورشليم للنظر في الأمر. وتم عقد ما يعتبره مؤرخوا الكنيسة أول مجمع كنسي وهو مجمع أورشليم رئسه يعقوب الرسول اخو الرب، وافقت فيه الكنيسة على مقترحات بولس وبرنابا بأن لا يُلزم الوثنيون المؤمنون بالمسيح بالختان فهي الشريعة الموسوية التي ابطلها الرب يسوع بسر العماد، كذلك يُكتفى بمنعهم عن “نجاسات الأصنام والزنى والمخنوق والدم” بحسب وصف كاتب سفر أعمال الرسل. وتم بعد ذلك المجمع تحديد المهام التبشيرية في الكنيسة، حيث أصبح بطرس – مع يعقوب ويوحنا بن زبدي – مسؤولون عن تبشير اليهود الذين يختتون لنيل الطهارة وفق الشريعة الموسوية، وبولس – مع برنابا – رسول للأمم (أي الوثنيين). وبفضل ذلك المجمع أيضاً تحدد وجه المسيحية كديانة مستقلة وليس كفرع من فروع اليهودية.
رحلة بولس الرسول التبشيرية الثانية بين (49-52)مسيحية
في الرحلة الثانية أراد برنابا اصطحاب مرقس معهما، ولكن بولس لم يوافق على ذلك، فوقع خلاف فيما بينهما افترقا على أثره والسبب لأنه فارقهما في بمفيلية ، ومضى بولس في طريقه مع سيلا أحد الوعاظ المسيحيين. كان هدف بولس الرئيس من تلك الرحلة هو المرور على الجماعات المسيحية التي أقامها في جنوب الأناضول خلال رحلته الأولى لتفقد أحوالها، وفي لسترة التقى بتيموثاوس الذي انضم إليه هو الآخر، ثم تابع طريقه باتجاه الشمال حتى وصل إلى الدردنيل ومن هناك عبر إلى اليونان. وفي تلك البلاد أسس بولس كنائس جديدة في
رحلة بولس الرسول التبشيرية الثانية
فيلبي وتسالونيكي وبيرية وأثينا وكورنثوس. وخلال إقامته الطويلة نوعاً ما في كورنثوس قام بولس بكتابة رسالتيه الأولى والثانية إلى أهل تسالونيكي (حوالي عام 52 م)، ومن المحتمل أنه كتب في تلك الفترة أيضا رسالته إلى الغلاطيين، مع أن بعض الباحثين يرجحون احتمال أن تكون هذه الرسالة – المكتوبة في أنطاكية – هي باكورة أعماله، بينما يذهب آخرون إلى أنها كتبت في فترة لاحقة في مدينة أفسس.
أبحر بولس بعد ذلك إلى قيصرية في فلسطين ومنها قام بزيارة لأورشليم ومن ثم عاد إلى أنطاكية.
رحلة بولس الرسول التبشيرية الثالثة بين (53-58)مسيحية
أخذت الرحلة الثالثة بولس إلى غلاطية ثم إلى فريجية ومنها إلى أفسس، وكانت فترة العامين والنصف التي قضاها في أفسس هي أكثر فترات حياته إثماراً، كتب فيها رسالتيه الأولى والثانية إلى أهل كورنثوس (حوالي عام 56 م). بعدها ذهب بنفسه إلى كورنثوس حيث يعتقد أنه كتب فيها رسالته إلى أهل روما، ثم عاد إلى أفسس وبعدها إلى أورشليم حيث اعتقل فيها، وكانت تلك هي زيارته الأخيرة للمدينة المقدسة (بين عامي 57 و 59 م).
رحلة بولس الرسول الثالثة
رحلة بولس الرسول التبشيرية الرابعة بين (63-67)مسيحية
جاءت هذه الرحلة بعد أسره في أورشليم مدة سنتين حيث أبحر إلى روما ولمدة سنتين هناك كتب رسالته إلى كولسي وأفسس وفيلبي وإلى تلميذه فيلمون، وقام برحلته شرق المتوسط (1طيم 3:1 و 5:1) وفي ذلك الوقت كتب رسالته إلى تيطس وتيموثاوس وفي أسره بروما كتب رساته الثانية إلى تيموثاوس وكان استشهاده في روما أبان اضطهاد نيرون للمسيحيين (أع 28:27).
رحلة بولس الرسول الرابعة الى روما
اعتقاله واستشهاده في روما
في فترة الخمسينات زار بولس أورشليم مع بعض مسيحيي الأمم الذين آمنوا على يديه، وهناك تم اعتقاله لأنه قام بإدخالهم (وهم يونانيون) إلى حرم الهيكل، وبعد سلسلة من المحاكمات أُرسل إلى روما حيث قضى فيها آخر سنين حياته. بحسب التقليد المسيحي فأن بولس أعدم بقطع رأسه بأمر من نيرون على أثر حريق روما العظيم الذي اتهم المسيحيون بإشعاله عام 64م.
سجن القديس بولس في روما للمرة الأولي في الفترة بين عام 61م وعام 63م . وكان الحراس بالسجن يتناوبون على حراسته مرتين يوميا ، وكان هؤلاء الحراس والمسجونين معجبين بهذا الأسير الممتلئ فرحا وتسبيحا رغم قيوده وسلاسله . وعندما كانوا يسألونه عن سبب فرحه كان يحدثهم ويشرح لهم أن سبب فرحه هو الرب يسوع المسيح الذي ظهر له في الطريق إلي دمشق ودعاه للكرازة بإسمه المبارك ، وكان ينتهزها فرصة لتبشيرهم بديانته الجديدة ، وكانوا يتحدثون عنه مع بعضهم البعض في معسكرهم . ومن كثرة تعلقهم به بدأت مجموعات صغيرة تتوافد إليه لزيارته والإستماع لكرازته بالمسيح ربا وفاديا ومخلصا ، كقوله ” ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلي تقدم الإنجيل . حتي أن وثقي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية وفي باقي الأماكن أجمع” (في 12:1-13) ، مما كان له أثرا كبيرا في نفوس فرقة الحراسة خلال هذين العامين . ومع كونه مقيدا ومسجونا إلا أنه كان يدرك مقدار المسئولية الموضوعة عليه وهي الاهتمام بجميع الكنائس التي أسسها والتي زارها كارزا فيها . فكان يرسل إليهم من وقت لآخر رفقاءه المحيطين به كما كان ‘يحملهم برسائله للاطمئنان عليهم ولكي يثبتهم في الإيمان . وأخيرا بعد عامين كاملين بالسجن وقف القديس بولس أمام محكمة نيرون الاستئنافية ، وشاءت العناية الالهية أن يصدر الحكم لصالحه . لأن اليهود المتعصبين سئموا وملوا من مطاردته فسكتوا ويبدوا أن التقارير الواردة من فستوس الوالي وقائد المئة يوليوس الذي كان مكلفا بحراسته حتي أوصله إلي رومية وأيضا شهادة الضباط الذين تناوبوا علي حراسته أثناء سجنه كان لها أثرا كبيرا في براءته ، وفوق كل ذلك كان القضاة الرومانيون لا يهتمون بالشكليات اليهودية ، لذلك جاء الحكم ببراءته ففكوه من قيوده وأطلقوا سراحه . فذهب علي الفور ليستكمل رسالته العظمي التي كلفه بها ربنا يسوع المسيح عندما ظهر له وهو في الطريق إلي دمشق .
بعد خروجه من السجن الأول في روما لم يهدأ القديس بولس بل زاد من نشاطه في الكرازة، فترك روما وذهب إلي كولوسي وأقام في بيت فليمون ، وهناك التقي للمرة الثانية مع أنسيمس. ومن كولوسي قام ببعض الزيارات الرعوية لجميع الكنائس التي أسسها في هذه البلاد المحيطة لكي يثبتهم في الإيمان ويعضدهم لكي تستمر خدمتهم الكرازية والرعوية . بعد ذلك سافر عن طريق البحر حتي وصل إلي أسيا الصغري والبلقان وايطاليا وأسبانيا حيث قام بالكرازة وبتأسيس كنائس في هذه البلاد . ثم عاد إلي ترواس حيث تم القبض عليه بأمر من الطاغية نيرون و‘رحل إلي سجن مأمرتايم بمدينة روما حسب التقليد عام 67م . ووقف القديس بولس أمام نيرون الامبراطور الطاغية للمرة الثانية وكانت التهمة هذه المرة أنه زعيم لجماعة المسيحين الذين ، اتهموا كذبا أنهم ، قاموا بإحراق مدينة روما العريقة ، ولم تستمرالمحاكمة طويلا وصدر الحكم بالاعدام ، ولم يكن مع القديس بولس محام ليدافع عنه ولم يكن معه هناك أحدا من المسيحين أو الأصدقاء ، حتي القديس تيموثاوس الذي كان يلقبه بإبنه لم يكن هناك . ونظرا لأن القديس بولس مواطن روماني لم يعدم شنقا أو مصلوبا أو رميا بالحجارة ، ويقول التقليد الروماني وكذلك كتاب السنكسارالمستعمل في كنائس الكرازة المرقسية أنه في عام 67 م استشهد كل من القديسين العظيمين بطرس وبولس هامتا الرسل ، وقد استشهد القديس بطرس مصلوبا منكس الرأس ، والقديس بولس بحد السيف خارج مدينه روما حيث كانت ساحة الاستشهاد علي طريق أوستيا . ولم يكن هناك أحد يحمل جسديهما في إعزاز ويبكي عليهما أو يواريهما التراب بكرامة واعزاز.
باستشهاد القديسان العظيمان بطرس وبولس ارتفعت روحهما الطاهره وانطلقت إلي أرض الأحياء إلي راحتهما الأبدية وسط جوقة من الملائكة والقديسين المسبحين والفرحين والمهللين إلي فردوس النعيم وقد نال القديس بولس اشتياقه كقوله ” لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جدا “(في23:1) .
كما يروي السنكسار الروماني والتقليد القبطي عن قصة أميرة كان القديس بولس قد اجتذبها للسيد المسيح فآمنت، وكانت هذه الأميرة واقفة تبكي في طريق أوستيا لتلقي نظرة الوداع الأخيرة علي من بشرها وخلصها وأنقذها من ظلام وبراثن الأممية إلي عبادة الاله الحقيقي ربنا يسوع المسيح مخلص البشرية، فعزاها القديس بولس وقال لها لا تبكي بل يجب أن تفرحي لأجلي وتهنئينني لأنني سألاقي ربي وإلهي ومخلصي، وطلب منها أن تعيره قناعها (طرحتها) لكي يغطي بها وجهه، فأعطته إياها. بعد انتهاء السياف من مهمته ، ترك السياف ساحة الاعدام في طريقه لقصر الامبراطور نيرون فسألته الأميرة أين القديس بولس فأخبرها السياف إنه ملقي حيث تركته ورأسه ملفوف بقناعك بجوار جسده بساحة الاعدام فقالت له كذبت. لقد عبر عليّ هو والقديس بطرس وعليهما ثياب ملكية، وعلي رأسيهما تاجين مرصعين باللآلئ، وناولني القناع ، وها هو. وأرته وكل من معه القناع. فتعجبوا من ذلك وآمنوا بالسيد المسيح.
إن كان القديس العظيم بولس الرسول لم يستطع الذهاب بالجسد إلي أقاصي الأرض ليكرز ويبشر بالإنجيل ” البشارة المفرحة ” ولكن شكرا لله فإن رسائله قد نابت عنه وأوصلت الكرازة بالإنجيل للخليقة كلها . فهي تقرأ في كل المسكونة من مشارقها إلي مغاربها ومن شمالها إلي جنوبها ، مؤكدة حق الأمم في الإيمان بالرب يسوع المسيح بدون تهود، وأن الخلاص متاح لكل إنسان وذلك بالإيمان بالرب يسوع المسيح فاديا ومخلصا.
رسائل العهد الجديد التي كتبها بولس الرسول
· الرسالة إلى أهل رومية
· الرسالة الاولى إلى أهل كورنثوس
· الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس
· الرسالة إلى أهل غلاطية
· الرسالة إلى أهل أفسس
· الرسالة إلى أهل فيلبي
· الرسالة إلى أهل كولوسي
الرسالةالاولى إلى أهل تسالونيكي
الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي
الرسالة الاولى إلى تيموثاوس
الرسالةالثانية إلى تيموثاوس
الرسالة إلى تيطس
الرسالة إلى فليمون
الرسالة إلى العبرانيين
مميزات القديس الرسول بولس
الميزة الأولى
هي كونه رأى الرب (1كور9:1)، أي كونه التقى الرب في لحظة معينة من حياته، (غل 15:1-16) حيث يقول: أنه دُعي، وأختير إلى حد ما، بنعمة الله عبر وحي ابنه لاجل اعلان البشرى السارة للوثنيين. ويقول أيضا :”أنه مدعو ليكون رسولا”(رو 1:1)، أي “لا مِنْ قِبَل الناس ولا بمشيئة إنسان، بل بمشيئة يسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من بين الأموات” (غل 1:1)، فهذه هي خاصيته الاولى كونه قد رأى الرب وتلقى دعوة منه.
الميزة الثانية
هي أن يكون قد أُرسِلَ وذلك يستوجب عليه أن يتصرف كوكيل وكممثل للذي أرسله، ولذلك نجده يعرّف نفسه “رسول يسوع المسيح” (1كور 1:1، 2كور 1:1)، أي وكيله القائم على خدمته بالكامل، لدرجة أنه يسمي ذاته أيضا “خادم يسوع المسيح” (رو 1:1).
الميزة الثالثة
وهي عيش “التبشير بالإنجيل”، عبر تأسيسه للكنائس، ولُقبَ بالرسول لم يأتي بصورة فخرية بل من خلال العمل حيث يقول: “ألستُ رسولا؟” أو ما رأيت يسوع ربنا؟ ألستم صنيعتي في الرب” (1كور 1:9) وأيضا في موضع آخر يقول: “أنتم رسالتنا .. رسالة من المسيح، أُنشئت عن يدنا، ولم تكتب بالحبر، بل بروح الله الحي” (2كور 2:3-3).
وتصرف وتحدث الرسول بولس عن خدمته التي تميزت كما جاء في الرسالة إلى (2كور 3:6-10) “وَلَسْنَا نَتَصَرَّفُ أَيَّ تَصَرُّفٍ يَكُونُ عَثْرَةً لأَحَدٍ، حَتَّى لاَ يَلْحَقَ الْخِدْمَةَ أَيُّ لَوْمٍ. وَإِنَّمَا نَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّنَا فِعْلاً خُدَّامُ اللهِ: فِي تَحَمُّلِ الْكَثِيرِ؛ فِي الشَّدَائِدِ وَالْحَاجَاتِ وَالضِّيقَاتِ وَالْجَلْدَاتِ وَالسُّجُونِ وَالاضْطِرَابَاتِ وَالأَتْعَابِ وَالسَّهَرِ وَالصَّوْمِ؛ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَطُولِ الْبَالِ وَاللُّطْفِ؛ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ مِنَ الرِّيَاءِ؛ فِي كَلِمَةِ الْحَقِّ وَقُدْرَةِ اللهِ؛ بِأَسْلِحَةِ الْبِرِّ فِي الْهُجُومِ وَالدِّفَاعِ؛ بِالْكَرَامَةِ وَالْهَوَانِ؛ بِالصِّيتِ السَّيِّيءِ وَالصِّيتِ الْحَسَنِ. نُعَامَلُ كَمُضَلِّلِينَ وَنَحْنُ صَادِقُونَ، كَمَجْهُولِينَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ، كَمَائِتِينَ وَهَا نَحْنُ نَحْيَا ، كَمُعَاقَبِينَ وَلاَ نُقْتَلُ، كَمَحْزُونِينَ وَنَحْنُ دَائِماً فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَمَنْ لاَ شَيْءَ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ”. وهكذا فعلا كانت خدمته ولم يكن بإمكان أحد اتهامه بما ينافي الأخلاق والآداب وكان ذا علمٍ موهب به من الله وكانت محبته بلا رياء، ويمارس بشارته بقوة الله، وكان يحارب بنشر رسالته بأسلحة البر في الهجوم والدفاع وهذا ينم عن تفكيره بأن الأخلاق المسيحية الجيدة هي أحسن سلاح في كلتا الحالتين.
ويمكننا أن نقول أن الآية الرئيسة في حياته كانت: ” فَالْحَيَاةُ عِنْدِي هِيَ الْمَسِيحُ، وَالْمَوْتُ رِبْحٌ لِي. وَلَكِنْ، إِنْ كَانَ لِي أَنْ أَحْيَا فِي الْجَسَدِ، فَحَيَاتِي تُهَيِّيءُ لِي عَمَلاً مُثْمِراً. وَلَسْتُ أَدْرِي أَيَّ الاثْنَيْنِ أَخْتَارُ!” (فيلبي 21:1-22). فيا ليتنا لو اقتدينا بهذا الرسول العظيم وتكون حياتنا جزءا مما عمل أو وصل إليه ونربح نفوسنا ونوفوس أخوتنا البشر، فالمجد للرب يسوع بإعطائه مثل هكذا رسول لنا لكي بواسطة تعاليمه نرث المُلك المعد لنا منذ إنشاء العالم.
عظمة القديس بولس الرسول تكمن في أنه
1 – ‘دعي للإيمان المسيحي وللخدمة الرسولية من الله الآب الاقنوم الأول كقوله ” ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيّ لأبشر بين الأمم للوقت لم أستشر لحما ودما ولا صعدت إلي أورشليم إلي الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلي العربية ثم رجعت أيضا إلي دمشق ” (غل 15:1- 17) .
2 – دعي للخدمة الرسولية أيضا من الله الأبن الاقنوم الثاني ، فقد قال الرب عنه للقديس حنانيا ” لأن هذا لي إناءا مختارا ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل ” (أع15:9).
3 – تم اختيارة من الروح القدس الاقنوم الثالث كما هو مكتوب ” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه “(أع 2:13) .
بذلك يكون القديس بولس الرسول قد ‘اختير ودعي للخدمة الرسولية من الأقانيم الثلاثة ، كل اقنوم علي حدة .
4 – ‘وضعت أيادي الأباء الرسل علي برنابا وشاول ليأخذا نصيبا في الخدمة الرسولية كقول الكتاب ” فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما ” ( أع3:13) .
5 – ظهر الرب لشاول في الطريق إلي دمشق وقال له ” شاول شاول لماذا تضطهدني . فقال له من أنت يا سيد . فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده . صعب عليك أن ترفس مناخس . ” (أع 3:9-5). وكلمة مناخس هي المنخاس الحديد الذي يلبسه الفارس في مؤخرة حذاءه ، والذي بواسطته يستطيع الفارس السيطرة علي الفرس الذي يمتطيه للجري بأقصي سرعة ، والفرس لا يستطيع ان يرفس المنخاس لأنه سوف يؤلمه ويؤذي نفسه ، وفي هذا إشارة إلي قلب شاول الطرسوسي الذي كان ينخسه لمحاربة أهل الطريق ومحاولة القضاء عليهم بشتي الطرق ، داخل وخارج أورشليم ، ولذلك ظهر له الرب لأن الرب هو الذي يقودنا في موكب نصرته. كان لقاء الرب يسوع المسيح شخصيا مع شاول في الطريق إلي دمشق سببا في تغيير حياته ، وتغير من مضطهد لأهل الطريق إلي كارز ومبشر بالمسيح في كل الإمبراطورية الرومانية لأن الرب عينه رسولا للأمم وقد قام بثلاث رحلات تبشيرية .تقابل شاول مع القديس حنانيا الرسول في زقاق المستقيم، وكان الرب قد قال للقديس حنانيا قبل أن تتم هذه المقابلة أن شاول هذا أناء مختار ليحمل أسمي أمام أمم وملوك بني إسرائيل لأنني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل أسمي (أع1:9- 17) وبالفعل جاز القديس بولس الرسول آلامًا كثيرة وضيقات وشدائد من أجل المسيح، وكان يتقبل هذه الآلام بفرح حتى استشهد بقطع رأسه في روما سنة 67 م. بأمر من نيرون الملك الطاغية من أجل شهادته للمسيح . وقد سار على هذا المنوال رسل المسيح له المجد، وأيضا خلفاؤهم .
6 – ظهر الرب لشاول مرة اخري في الليل وهو في كورنثوس وقال له ” لا تخف بل تكلم ولا تسكت. لأني أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك . لأن لي شعبا كثيرا في هذه المدينة ” (أع 9:18-10) .
7 – ظهر الرب لبولس وهو يصلي بالهيكل في أورشليم وأرسله قائلا ” اذهب فإني سأرسلك إلي الأمم بعيدا ” (أع 21:22) . ولذلك كان ‘يطلق عليه رسول الأمم .
8 – القديس بولس الرسول كلمه الرب وقال له ” ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضا “(أع 11:23)
9– القديس بولس الرسول خدمتة وكرازته كانت أكثر بكثير من باقي الرسل فقد كرز في بلاد كثيرة بدأت أولا في أورشليم ، ثانيا في أنطاكية واسس وبطرس وبقية الرسل كرسيها الانطاكي المقدس السنة 42 وكان بطرس اول بطاركته السنة 45، ثالثا في قبرص ، ورابعا في آسيا الصغري ، وخامسا في اليونان وسادسا في روما . وكانت كرازته ناجحة جدا فقد اجتذب للإيمان بالمسيح أناس من جنسيات مختلفة .
10– القديس بولس الرسول كان يكرز في كل مكان يتواجد فيه حتي في السجن الذي كان مسجونا فيه مع القديس سيلا الرسول ، فقد بشرا سجان فيلبي ولما سألهما سجان فيلبي قائلا ” يا سيديّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص . فقالا آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك . وكلماه وجميع من في بيته بكلمة الرب . فآخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون” (أع30:16-33) .
11 – القديس بولس الرسول لم يكن هو الذي أسس كرسي كنيسة روما بالتعاون مع بطرس الرسول وجلس عليه الاخير العام ذاته كأول اسقف عليه كما في انطاكية قبل 22 عاماً ،ولكنه زارها بدعوة من ربنا يسوع المسيح الذي قال له ” ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضا ” (أع 11:23) ، وكان دائما يفتقدهم لذلك كتب رسالة إلي أهل روميه قال فيها أنه مرارا كثيرة قصد أن يأتي إليهم ليمنحهم نعمة ولكنه ‘منع ” لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم ” (رو11:1) . وذلك لأنه عندما ذهب إلي رومية وجد أنهم لا يعرفون شيئا عن المسيحية ، وقالوا له ” لأنه معلوم عندنا من جهة هذا المذهب أنه يقاوم في كل مكان ” (أع 22:28 ) ، وكان نتيجة ذلك أن ” أقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه . وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع ” (أع 30:28-31) .
12 – القديس بولس الرسول كان يبشر ويكرز ويتحرك بإرشاد من الروح القدس ، فقد أراد مرتين أن يذهب إلي آسيا ليكرز ويبشر فيها ولكن الروح القدس منعه من ذلك (أع6:16-7) .
13 – ” في ترواس ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مقدوني قائم يطلب إليه ويقول اعبر إلي مقدونية وأعنا ” (أع 9:16) . فسافر عن طريق البحر حتي وصل إلي كولونيا وهي أول مدينة من مقاطعة مقدونية ، وهناك قبلت ليديا بائعة الأرجوان الإيمان المسيحي وعمداها هي وأهل بيتها (أع14:16) . كانت هذه السيدة هي باكورة المؤمنين بالسيد المسيح في أوربة ، وقد رحبت بالرسولين بولس وسيلا في بيتها بقولها لهما ” إن كنتم قد حكمتما أني مؤمنة بالرب ، فادخلا بيتي وامكثا . فألزمتنا “(أع 15:16) . فقد أثبتت إيمانها الراسخ المتين عملاً بقول الرب يسوع ” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني حعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني . … . ” (مت34:25-35) .
14 – بولس الرسول تعب في الكرازة أكثر من جميع الرسل، كقوله ” أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي. ” (1كو10:15) .
15 – القديس بولس الرسول لاقي اضطهادات وعذابات كثيرة من اليهود الذين كانوا يهيجون عليه الشعب في كل مكان كان يذهب اليه. كذلك أتت إليه المتاعب في أفسس من الوثنيين حتي أنه قال ” إن كنت كإنسان قد حاربت وحوشا في أفسس ” (1كو32:15). وقد سجل لنا متاعبه وعذاباته في (2كو23:11-28).
16 – القديس بولس الرسول الشجاع وقف أمام ملوك وحكام وولاة في بلاد كثيرة كان يكرز بها. فقد وقف أمام أغريباس الملك.”(أع27:26-28) ، كما وقف أمام فستوس الوالي (أع 10:25-12)، كذلك وقف أمام فيلكس الوالي (أع 25:24).
17 – القديس بولس الرسول منحه الله العديد من مواهب الروح القدس ” وكان الله يصنع علي يدي بولس القوات غير المعتادة. حتي كان يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلي المرضى فتزول عنهم الامراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم.”(أع 11:19-12). القديس بولس أقام أفتيخوس من الموت (أع9:20-12).
18 – القديس بولس الرسول كان يتكلم بألسنة أكثر من الجميع ، كما أنه عمد باسم الرب يسوع كثيرين وبوضع يديه علي المعمدين حل عليهم الروح القدس كما حدث في أفسس إذ ” وجد تلاميذ قال لهم هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم . قالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلا للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده اي بالمسيح يسوع . فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون.” (أع1:19-6) .
19 – القديس بولس الرسول الوحيد من الرسل الذي اختطف إلي السماء الثالثة، ” أنه اختطف إلي الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها .” (2كو4:12). وهو الذي قال “ولئلا أرتفع من فرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلي الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل.” (2كو7:12-9) .
20 – كان القديس بولس الرسول ذو شخصية قيادية قوية فأحيانا نراه يتكلم بسلطان وبقوة كما حدث مع سفاح القربي {الزاني مع زوجة أبيه} ( 1كو1:5-5)، وأيضا ضرب عليم الساحر الذي يسمونه باريشوع بالعمي (أع7:13-12)، كما قام بمواجهة القديس بطرس الرسول لأنه كان ملوماً (غل11:2-14)، كذلك قوله لأهل غلاطية ” أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً. أريد أن أتعلم منكم هذا فقط ابأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان. أهكذا أنتم أغبياء. أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد.” (غل1:3-4) .
21 – كان القديس بولس الرسول قويا جريئا جسورا في المطالبة بحقه أمام الملوك والولاة والأمراء والحكام وسوف أعطي ثلاث مواقف تدل علي ذلك:
أولا – عندما كان الرسولان القديسان بولس وسيلا في أفسس قبضوا عليهما ووضعوهما في السجن، وعندما علم الولاة أنهما رجلان رومانيان أرسل الولاة الجلادين إلي حافظ السجن ليطلقهما سراً ” فقال لهم القديس بولس الرسول ضربونا جهراً غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن. أفالآن يطردوننا سراً. كلا. بل ليأتوا بأنفسهم ويخرجونا. فأخبر الجلادون الولاة بهذا الكلام فاختشوا لما سمعوا أنهما رومانيان . فجاءوا وتضرعوا إليهما وأخرجوهما وسألوهما أن يخرجا من المدينة” (أع37:16-39)
ثانيا – في أحد المرات قبضوا عليه وربطوه ليجلدوه بالسياط بأمر من الوالي الروماني، فقال القديس بولس الرسول لقائد المائة ” الواقف أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانا رومانيا غير مقضي عليه “(أع 25:22) . ” فلما علم الأمير أنه روماني اختشى الأمير أن يفسخوا بولس فأمر العسكرأن ينزلوا ويختطفوه من وسطهم ويأتوا به إلي المعسكر .”(أع10:23).
ثالثا – مرة أخري في أورشليم أراد الحاكم فستوس أن يسلمه لليهود ليتخلصوا منه، فنظر إليه القديس بولس الرسول وقال له ” أنا واقف لدي كرسي ولاية قيصر حيث ينبغي أن أحاكم . … . الى قيصر أنا رافع دعواي. حينئذ تكلم فستوس مع أرباب المشورة فأجاب إلى قيصر رفعت دعواك إلي قيصر تذهب” (أع10:25-12).
22 – في نفس الوقت كان القديس بولس الرسول في قمة الوداعة والتواضع، فنراه يقول: ” ثم أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه أنا نفسي بولس الذي في الحضرة ذليل بينكم وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم.” (2كو10: 1) . وعندما كان في ميليتس ارسل إلى أفسس واستدعي قسوس الكنيسة وقال لهم “ لذلك اسهروا متذكرين اني ثلاث سنين ليلا ونهارا لم افتر عن ان انذر بدموع كل واحد” (أع31:20).
23 – كرازة القديس بولس الرسول كانت ناجحة جدا في بلاد كثيرة، فقد قبِلوا الإيمان بالمسيح له المجد ربا وفاديا ومخلصا أناس كثيرين من خلفيات كثيرة. فقد كان يجاهر بكرازته محاجاً ومقنعاً بملكوت الله، لايخشي شيئا كقوله: “ولكنني لست أحتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتي أتمم بفرح سعي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله.”(أع24:20)، كما شهد الكتاب المقدس عن ذلك أنه:” كانت كلمة الرب تنمو وتتقوي بشدة”(أع20:19). وأحيانا كانت كلمات القديس بولس الرسول تبث الرعب في نفوس المستمعين كما حدث مع فيلكس الوالي عندما سمع من القديس بولس الرسول عن الإيمان المسيحي: ” وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون ارتعب فيلكس …”(أع 25:24) .
وعندما وقف أمام أغريباس الملك ، نظر إلي أغريباس الملك وقال له” أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء. أنا أعلم أنك تؤمن. فقال أغريباس لبولس بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً.”(أع27:26-28) .
24– هرب القديس بولس الرسول من دمشق إلي العربية ليلاً وهي الصحراء الواقعة جنوب شرقي دمشق، حيث كان قد أقام فيهما ثلاث سنوات وقد قضي ذلك الوقت منفردا مع الرب، كقوله ” وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به إنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولاعلمته. بل بإعلان يسوع المسيح …. ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته. أن يعلن إبنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ولا دماً ولا صعدت إلي أورشليم إلي الرسل الذين قبلي بل إنطلقت إلي العربية ثم رجعت إلي دمشق ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلي أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوما. ولكني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب “(غل 11:1-19) حدث ذلك خلال إقامته الأولي في دمشق بعد دخوله الإيمان المسيحي وتحوله من اليهودية إلي المسيحية، وقد كان ذلك بسبب غضب اليهود عليه وخصوصاً الفريسيين الذين كانوا يريدون قتله بسبب خروجه عنهم وكرازته ومجاهرته ودفاعه عن المسيحية.
25 – القديس بولس الرسول تكلم عن خطية آدم وحواء: “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس، إذ أخطأ الجميع” (رو 12:5).
26 – القديس بولس الرسول أكثر الرسل الذين تكلموا عن الفداء والخلاص، وكان واضحا أن الصليب والقيامة يشكلان جوهر رسائل القديس بولس الرسول، وأنه يمكن تبرير الخطاة بالإيمان وحده بدون أعمال كما أكد على ذلك ربنا يسوع المسيح في مثل الفريسي والعشار(لو9:18-14).
27 – تكلم ايضا القديس بولس الرسول عن المجئ الثاني لربنا يسوع المسيح وأوضح أنه: “لا يأتي إن لم يأتي الارتداد أولا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع علي كل ما يدعي إلهاً أو معبوداً حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهراً نفسه أنه إله ” (2تس1:2-4).
28 – تكلم القديس بولس الرسول عن سر الافخارستيا بقوله: ” تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً” (1كو23:11)، وهذا يوضح ان القديس بولس تسلم هذا السر العظيم أثناء تلمذته للرب يسوع وهو في العربية ودمشق حيث مكث هناك ثلاث سنوات.
كما تكلم عن التناول بدون استحقاق ” إذا أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميزجسد الرب.” (1كو27:11-29) .
29 – تكلم القديس بولس الرسول عن مواهب الروح القدس:” فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد. وانواع خدم موجوده ولكن الرب واحد وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل. ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة. ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد . ولآخر إيمان بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد. ولآخر عمل قوات ولآخر كلام نبوة ولآخر تمييز الأرواح. ولآخر أنواع ألسنة. ولآخر ترجمة ألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء.” (1كو4:12-11)، (رو6:12-8 ). ثم يقدم لنا النصح والإرشاد بقوله:” ولكن جدوا للمواهب الحسني. وأريكم طريقاً أفضل ” (1كو31:12)، وهذا الطريق الأفضل كان إصحاحاً كاملاً عن المحبة وهو(1كو13)، وأيضا (رو9:12-21).
30- تكلم القديس بولس الرسول عن قدسية الزواج: ” ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها.” (1كو2:7)، كما تكلم عن البتولية ” ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبسوا كما أنا. ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا. لأن التزوج أصلح من التحرق.” (1كو8:7-9).” إذا من تزوج فحسنا يفعل ومن لا يتزوج يفعل أحسن. المرأة مرتبطة بالناموس مادام رجلها حيا. ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط. “(1كو38:7-38) ، وفي حالة إذا كان أحد الزوجين غير مسيحي قال: ” لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة والمرأة الغير مؤمنة مقدسة في الرجل” (1كو14:7) .
31– تكلم القديس بولس الرسول عن العثرة من المتشككين في أكل اللحوم خوفا من أن تكون قد ذبحت للأوثان فقال ” إن كان طعام يعثر أخي فلن آكل لحما إلي الأبد لئلا أعثر أخي” (1كو13:8).
32 – رسائل القديس بولس الرسول كانت تشمل جميع نواحي متطلبات الحياة المسيحية، وكيف يستطيع الإنسان أن يعيش حياة روحية ترضي المسيح وتؤهله لدخول ملكوت السماوات. فقد تكلم عن علاقة الإنسان بأبديته وبالزوج والزوجة والأولاد والأقارب والرؤساء والأسياد والعبيد والأقوياء والضعفاء والزنا والشذوذ الجنسي في (أف 3:5-5)، (رو25:1-27) وأيضا في رسالته الأولي لأهل كورنثوس (1كو9:6-10) ذاكرا بكل وضوح الممنوعين من دخول ملكوت السماوات.
33 – إن عظمة القديس بولس الرسول تكمن في أنه كتب 14 رسالة مجموع إصحاحاتها 100 إصحاح في حين أن مجموع رسائل بقية الرسل كان 21 إصحاح. وسوف نقوم بدراسة رسائله ال14 بإختصار في الباب الخامس لأن كل رسالة تستحق كتابا بمفردها.
هو بولس رسول الامم ورسول الجهاد الامين فلتنفعنا شفاعة هذا القديس الرسول الذي لم يتتلمذ للرب كبقية الاثني عشر بل كانت هذه المقابلة كافية لتجعله كالذهب الذي يضيء اكثر بالنار.
بولس رسول الأمم…رسول الجهاد الامين…المشرع الاول للمسيحية… أو بولس الطرسوسي أو شاؤول
الجزء الثاني ويتضمن
– بعض جهاده التبشيري ورحلاته
– رسائله ومضامينها
– سجنه واستشهاده
بعد رجوع القديس بولس الرسول إلي أورشليم، دخل الهيكل وكان يصلي، فأخذته سنة من النوم، فرأى الرب يسوع المسيح يقول له: “أَسرع واخرجْ عاجلاً من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عني. فقلت يا رب هم يعلمون أني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك. وحين سفك دم إستفانوس شهيدك كنت أنا واقفاً وراضياً بقتله وحافظا ثياب الذين قتلوه. فقال لي اذهب فإني سأرسلك إلى الأمم بعيداً”(أع 17:22-21). كان القديس بولس الرسول يكرز في أورشليم بإسم الرب يسوع. “وكان يخاطب ويباحث اليونانيين فحاولوا أن يقتلوه. فلما علم الإخوة أحدروه إلي قيصرية وأرسلوه إلي طرسوس” (أع29:9- 30).
كرازتـــه للأمم
عندما وصل الرسول بولس إلى طرسوس مسقط رأسه، وكان قد تركها منذ عشرين عاماً فكان بعضُ من كان يعرفهم ليسوا على قيد الحياة، وحتى الذين كانوا أحياء لم يرحبوا به لأنهم اعتبروه خائناً للناموس والأنبياء، عظيمة هي أعمال الرب الذي يُجَّهِزْ ويُعِّدْ خدَّامه والكارزين بإسمه أحياناً عن طريق العزلة، وأحياناً عن طريق الفشل وخيبة الأمل. وبقي الرسول بولس سنتين كاملتين في طرسوس، وما حولها في كيليكية، إلى أن نشأت كنيسة إنطاكية. ولما ذهب الرسول برنابا (1) إلى طرسوسطالبا الشاب الذي ظهر له السيد المسيح
حنانيا الرسول يعمد شاوول في دمشق
واهتدى “شاول” لأنه تذكر مقدرته في إقناع الأُمميين، ففتش عليه إلى أن وجده ودعاه إلى إنطاكية بهدف نشر الكرازة بالأخبار السارة إلى الأمم. وبعد سنة كاملة من الكرازة وتأسيس كنيسة انطاكية ” الكرسي الانطاكي المقدس” عام 42 مسيحية وجلس عليه بطرس الرسول (شريك بولس وبقية الرسل والمختارين في التأسيس) كأول اساقفته السنة في45مسيحية وكان هو اول بطريرك (شيخ العشيرة) على الكرسي الانطاكي المقدس.
سافر برنابا وشاول إلى المسيحيين في أورشليم للمرة الثانية ومعهما عطية مادية وتبرع للإخوة الساكنين في اليهودية لإعانتهم من القحط والجوع الذي كان متفشياً وكان ذلك (عام 44 م). ” وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذي يدعي نيجر ولوكيوس القيرواني وماتاهين الذي تربي مع هيرودس وشقيقه بالرضاعة وبطرس رئيس الربع وشاول. وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما ” (أع 1:13-3) وقد كان ذلك دليلا على المساواة التامة بين الرسل إذ قبل الرسولان برنابا وشاول أن يضع التلاميذ الآخرون أيديهم عليهما.
برنابا الرسول
وخرج الصديقان في رحلتهما المليئة بالمخاطر، والتي استمرت ثلاث سنوات. خرجا وقلبيهما يفيضان فرحاً لأن عليهما رسالة تلهبهما. ومما زاد فرح القديس برنابا أن ابن أخته يوحنا الملقب مرقس كان معهما خادماً. فقصد ثلاثتهم إلى قبرص موطن القديس برنابا. واجتازوا الجزيرة منادين بالكلمة. ووصلوا إلى بافوس “المدينة البيضاء” حيث دعاهم إليها الوالي سرجيوس بولس والتمس أن يسمع كلمة منهم. وكان إلى جانبه رجلاً ساحراً كذاباً يهودياً اسمه عليم الساحر. فقاومهم مستهدفاً إفساد الوالي عن الإيمان. ” أماشاول الذي هو بولس أيضا فامتلأ من الروح القدس وشخص إليه وقال أيها الممتلئ كلغش وكل خبث يا ابن إبليس يا عدو كل بِّرْ ألا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالآن هوذا يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده. فالوالي حينئذ لما رأى ما جرى آمن مندهشاً من تعليم الرب” فوبخه بعنف إلى حد أن جعله أعمى إلى حين. فامتلأ الوالي دهشة وآمن لتوه.” (أع 9:13-12) .
ومرت سنة اجتمعا خلالها في الكنيسة بأنطاكية وعلما أناساً كثيرين. “ودُعيَّ التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً”(أع26:11). اي أُطلقتْ عليهم تسمية “مسيحيون” لأول مرة في انطاكية وقبل اي مكان آخر،
مؤسسا الكرسي الانطاكي المقدس بطرس وبولس
وفي هذا كل الفخر لكنيسة انطاكية وكرسيها المقدس، يبدو أن المؤمنبن الأمميين هم الذي دعوهم بهذا الاسم، لأنه من المستحيل أن يكون هؤلاء هم اليهود الذين لم يؤمنوا بعد لأنهم صلبوا رب المجد وقاوموا رسله في كل مكان. ونحن، الآن في القرن الواحد والعشرين منذ بزوغ المسيحية، لا يمكننا أن نتصور ما أظهرته وأعطته المسيحية للإنسانية في القرون الأولي، فقد كانت لهم بشارة الإنجيل”الأخبار السارة ” مصدرا للسلام والطمأنينة والفرح والرجاء والمحبة.
ثم جاءت الدعوةالالهية للتبشير في الخارج (أع 13: 2-4) وبدأت رحلات هذا الرسول التبشيرية التي كان من نتائجها نشربشرى الخلاص في آسيا الصغرى والبلقان وايطاليا وأسبانيا. تنفيذا لوصية الرب الذي:”قال لهم اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدان. وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون.”(مر15:16-18). فاتجهوا من بافوس إلى برجة بمفيليا حيث فارقهما مرقس بعد خمس سنينمن الخدمة معهم، وكان لهذا الفراق أوخم العواقب. واستمرا هما في رحلتهما على الطريق الجبلي الصاعد إلى الداخل المليء بالمخاطر، وعبر مساقط مائية هادرة وممرات يرتعد الناس من مجرد المرور أمامها لكونها مغارات اللصوص وقطاع الطرق. ولا يعلم أحد ما أصابهما خلال الشهور الأولى. وما ذكره القديس بولس عن ذلك قوله: ” أخطار سيول وأخطارلصوص” في (2كو 26:11) كان إشارة إليها. وبعدها وصلوا إلى أنطاكية بيسيدية. وفي السبت دخلا المجمع. فطلب إليهما رئيسه أن يكلما الشعب . فقام القديس بولس وتكلم عن تحقيق النبوات عن المسيا المنتظر في السيد المسيح. أخيرا ألقى كلمة أذهلتهم جميعاً وجعلتهم يحبسوا أنفاسهم، وهي الحديث عن القيامة التي دعم الأنبياء حقيقتها أيضاً. فقال: “ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا. إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد فهكذا قال إني سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضا في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فساداً.” (أع32:13-35) فهذه القيامة هي أعظم دليل قدمه الله للناس. ولقد رأى السيد المسيح القائم عدداً كبيرا ًممن كانوا معه وهم شهوده الآن. واختتم هذا الخبر المذهل بتحذيرهم فانظروا لئلا يأتي عليكم ما قاله حبقوق النبي:” أنظروا أيها المتهاونون وتعجبوا واهلكوا. لأنني عملاً أعمل في أيامكم. عملاً لا تصدقون إن أخبركم به أحد”(حبق5:1). وهكذا تركهم يلهثون من انفعالاتهم.
تيموثاوس الرسول
وفي السبت التالي ازدحم المجمع حتى الباب. وقد حضر عدد كبيرمن الأمميين لأن القديس بولس أعلن أن السيد المسيح هو للجميع أمماً ويهود. وهذا أسخط غالبية اليهود الذين جاءوا وهم ممتلؤون حقداً وغيرة. وحالما وقف ليتكلم قاوموه بالمعارضة وبالتجديف. واحتملهم قدر الإمكان. ثم أسكتهم بإشارة قاطعة، فهو خلال ضجتهم اتخذ قراراً قوياً حاسماً، قراراً أحدث ثورة تامة في كنيسة المستقبل. وبكلمات متزنة بطيئة تهتز بالانفعال الداخلي أعلن “كان يجب أن تتكلموا أنتم أولا بكلمة الله. ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه إلى الأمم. لأن هكذا أوصانا الرب” (أع 46:13- 47).
كان إعلان الرسول بولس أن السيد المسيح له المجد قد جاء للعالم أجمع وأن كل من يؤمن به رباً وفادياً ومخّلصاً يخلص ويكون مستحقا للحياة الأبدية. ففرح الأمم وكانوا يمجدون الله”، وآمن جميع الذين كانوا معينين للحياة الأبدية. وانتشرت كلمة الرب في كل الكورة ” (أع 48:13-49). فقام اليهود باضطهاد الرسولين بولس وبرنابا وأخرجوهما من تخومهم. بعدها ذهبا إلي إيقونية وكرزا في مجمع اليهود، فآمن جمهور كثير من اليهود واليونانيين. ولكن بعض اليهود أرادوا أن يرجموهما فهربا إلي مدينتي ليكأونية لستره ودربة وإلى الكورة المحيطة كارزين ومبشرين. في لسترة اختار بولس الرسول رفيقاً له تيموثاوس، وكانت مدينة لستره مزدحمة بالناس فوقف بولس يتكلم في ميدان عام. ووسط المستمعين تركز انتباهه على عينين مليئتين بالتطلع كان صاحبهما عاجز الرجلين مقعداً من بطن أمه ولم يمشِ قط. وإذ وجد الرسول بولس خلف هاتين العينين اليقظتين قلباً متفتح قال بصوت عظيم: “ قم علي رجليك منتصباً. فوثب وصار يمشي.”(أع 8:14-10). وذُهل الحاضرون ذهولاً جعلهم يصرخون: “إِن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا“. ولشدة اقتناعهم بهذا أطلقوا على برنابا اسم “زفس” وعلى بولس اسم “هرمس“. وزادوا على ذلك أن أتى كاهن زفس بثيران ليذبحوها تقدمة لهما، وبأكاليل من الورود ليضعوها على رأسيها، لولا أن الرسولين منعاهم. وقالوا لهم: “نحن أيضاً بشر تحت الآلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلي الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، فرجموا(2) بولس وجروه خارج المدينة ظانين أنه مات…ولكن إذ أحاط به التلاميذ قام ودخل المدينة وفي الغد خرج مع برنابا إلى دربه”(أع 15:14 ، 20-21). ثم غادرا دربه في اليوم التالي إلى أيقونية ومنها إلى أنطاكية. ولما اجتازا في بيسيدية أتيا إلى بمفيلية. وكرزا في برجة ثم توجها إلى أنطالية. ومن هناك إلي أنطاكية بحراً. ثم اتجها غرباً إلى ترواس التي التقى فيها الرسول بولس بالرسول لوقا الطبيب الذي صار رفيقه وصديقه إلى آخر أيام حياته، هذه الصداقة أغنت العالم كله بما سجله لنا الرسول لوقا من تحركات صديقه الرسول بولس في سفر أعمال الرسل. ثم انتقل الأصدقاء إلى تسالونيكي ولما حضروا وجمعوا الكنيسة، أخبروا بكل ما صنع الله معهما وأنه فتح للأمم باب الإيمان. وكان أن قوماً أتوا من اليهودية ونادوا بأن من لا يختتن لا يخلص. فحدثت مباحثة ومنازعة بين بولس وبينهم. ونظرا لإحتدام المعركة، قرر الكارزون الذهاب إلى الرسل والمشايخ بأورشليم من أجل هذا الأمر.” ولما حضروا إلي أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل فأخبروهم بكل ما صنع الله معهم، ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا إنه ينبغي على الأمم الداخلين بالإيمان أن “يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى.” (أع4:15-5).
إن الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية منذ نشأتها قد منحها الله القوة للتصدي لكل الصعاب والعقبات بفضل رسله الأطهار الذين أعطاهم الله الحكمة والفطنة وإرشاد الروح القدس، وبنعمته أصبح بولس الرسول الأداة لإتمام العمل اللازم وإنتشاربشرى الإنجيل. وهكذا تقرر أن يجتمع الرسل كلهم في أورشليم لدحض بدعة التهود قبل الدخول إلي المسيحية، التي كان ينادي بها بعض اليهود المتعصبين المتحولين إلي المسيحية في أنطاكية وكان بطرس مؤيداً.
انعقد المجمع الرسولي الأول في أورشليم برئاسة اخي الرب يعقوب الرسول أسقف أورشليم وأكبر الرسل سناً (3)، وقام القديس بطرس وقال ” أيها الرجال الإخوة أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطياً الروح القدس كما لنا أيضاً. ولم يميز بيننا وبينهم. بشئ إذ طهر بالإيمان قلوبهم… وبعد ما سكت الجمهور كله. وكانوا يسمعون بولس وبرنابا يحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم. وبعد ما سكتا أجاب يعقوب قائلا”: أيها الرجال الإخوة اسمعوني… لذلك أنا أرى أن لايثقل على الراجعين إلى الله من الأمم. بل سيرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم.”(أع 7:15- 20). ثم قرر المجمع الرسولي ارسال بولس وبرنابا ويهوذا الملقب برسابا وسيلا إلي أنطاكية مع رسالة مكتوب فيها ” قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة. أن تمتنعوا عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعماً تفعلون.”(أع28:15-29). وكان بولس الرسول تخالف مع بطرس الرسول لمناداة الاخير بالختان لذا قد واجهه بشدة بقوله له:” انت لاتسعى مستقيماً نحوحقيقة الانجيل…”
وعندما قرأوا هذه الرسالة في أنطاكية وسورية وكليكية فرحوا ووجدوا فيها تعزية كبيرة. وليس من شك في أن الرسول العظيم بولس استخدم كل إمكانياته الروحية والذهنية في الدفاع عن حرية مجد أولاد الله التي اعطانا ايها الرب يسوع. وكانت مشيئة الله بأن عَمِلَ الروح القدس وأعلن رئيس المجمع الرسولي يعقوب اخي الرب صراحة بأن لا يثقلوا على الأمم بالختان، وهكذا انتهى نقاش المجمع الرسولي الأول المنعقد في أورشليم بروح المحبة والتقدير المتبادل بين المجتمعين، وبقبلة المحبة بين بولس وبطرس.
اتفق الرسولان بولس وبرنابا على السفر إلى كل بلد بشرا فيها قبلاً ليتفقدا أحوال المؤمنين بهذه البلاد. غير أنه حدث خلاف بين البشيرين لأن القديس برنابا أراد أن يأخذ معهما ابن أخته مرقس، الأمر الذي عارضه القديس بولس لأنه فارقهما في بمفيلية، بعدها افترق الرسولان بولس وبرنابا فأخذ القديس برنابا ابن اخته مرقس وذهبا إلى قبرص عن طريق البحر، بينما اصطحب القديس بولس رفيقه سيلا وعادا إلى سورية وكيليكية يشددان الكنائس. وسار العمل في هدوء وطمأنينة وتعايش اليهود والأمم في الحرية التي حررهم بها ربنا يسوع المسيح . ثم اتجها إلى دربة وبعدها إلى لسترة حيث التقى بولس بتلميذ اسمه تيموثاوس (أع 1:16) من أب يوناني وأم مؤمنة، وكان تيموثاوس مشهوداً له من الإخوة في لسترة وأيقونية بالإيمان والتقوى فأخذه معهما. ولم تطل زيارتهما للسترة، فقررا السفر غرباً فمرا بغلاطية مروراً عابراً حتي وصلا إلى ترواس التي فيها كان التقى القديس بولس بشخص صار رفيق عمره وصديق حياته وهو لوقا الطبيب المحبوب كما سماه هو فيما بعد. وقد كان لهذه الصداقة آثاراً كبيرة على الكنيسة لأنه أغناها وأثراها بما نحن عليه الآن، فقد سجل لنا جهاد الرسول بولس التبشيري في سفر أعمال الرسل وكان شاهداً اميناً لهذا الجهاد الموصوف.
لوقا الرسول الطبيب وكاتب الايقونات وكاتب سفر اعمال الرسل القديسين
تحرير المسيحية من اغلال اليهودية (الختان)
فجأة جاء من أورشليم بعض ممن كانوا لا يزالون متهودين. وبما أنه لم يكن في استطاعتهم الخروج على الإجماع الرسولي فقد صمتوا ولكنهم تعالوا على الآخرين وقاطعوهم واحتملهم القديس بولس حتي فاض به الكيل فلم يستطع الصمت حين رأى بطرس يتذبذب. وليست هناك أية إشارة إلى ما جرى آنذاك. ثم بعد ذلك بعشر سنوات رواها القديس بولس للغلاطيين في استماتته على تحرير المسيحية من أغلال الناموس. فجاءت رسالته هذه بوقاً للمعركة إذ وجد تأرجح أهل غلاطية. فقد ظل الخطر يتهدد الكنيسة عدة سنوات ، ولقد كان إنشقاق جحاب الهيكل لحظة موت المسيح علي الصليب إعلانا عن انتهاء الكهنوت اللاوي ولذلك نجد ان القديس بولس لم يهدأ ولم يستكين ولم يدع عمل الفداء الواسع النطاق أن يكسونه بوشاح الناموس الضيق، ولوقته لبس سلاح الله الكامل وواجه الخطر ببسالته المعهودة التي تصل إلي حد الموت من أجل الحق. ولكي ندرك السبب لعنف الصراع يجب أن نعرف أن الخطر كان يتهدد كيان الكنيسة كلها. فلو أن رسول الأمم انهزم لتحولت المسيحية إلى مذهب منحصر داخل حدود فلسطين وآل الى ملحق لليهودية، وما كانت قد قامت الكنيسة الجامعة الرسولية الممتدة من أقاصي الأرض إلى أقاصيها كما هي الآن.
أخذ الرسول بولس على عاتقه أن يوضح ويؤكد للغلاطيين أن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع المسيح ابن الله الحي الفادي والمخلص وأنه ” ليس بأحد غيره الخلاص.” (أع 12:4)، وأنه لا يوجد خلاص بأعمال الناموس. وخصوصاً أن الوصايا التي أعطاها الله لموسى النبي أخذ الكهنة والكتبة والفريسيون يضيفون إليها إضافات تزايدت بمرور الزمن. وبتزايدها ماتت روح الوصية وتحولت إلى أوامر ونواهي ظاهرية شكلية حلت محل وصايا الله الحي. لذلك قال عنهم رب المجد: “ إنهميحزمونأَحمالاًثقِيلةعسرةالحمل ويضعونها علَى أكتافِ الناسِ وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم ” (مت4:23) واستكمل هذه الكلمات بثماني ويلات أولها ” لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون…” (مت13:23-36). كذلك أعلن لهم أنهم تركوا وصية الله وتمسكوا بكلام الناس،” لأَنكم تتركون وصية اللهِ وتتمسكون بِتقليد الناس” (مر8:7) والقديس بولس الذي درس وتبحر في دقائق الناموس عرف أن من استطاع أن ينفذها كلها حرفيا نال الخلاص، ومن لم يستطع هلك. فأصبح الله قاضياً قاسياً من الصعب حصر شرائعه ومن الصعب تنفيذها. وهو لذلك قال لبطرس قدام الجميع: “إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً فلماذا تُلزم الأمم أن يتهودوا” وأضاف “انك لا تسعى مستقيماً الى حقيقة الانجيل.” وهكذا بدأ القديس بولس الصراع معهم عندما كان في أنطاكية لوضع حد يفصل بين المسيحية واليهودية واستمر يصارع في هذا السبيل مع الغلاطيين. وأكد لهم أن صليب ربنا يسوع المسيح قام حداً فاصلاً بين أعمال الناموس وبين الحرية التي حررنا بها السيد المسيح ليس فيها يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر ولا أنثى بل الجميع واحد فيه. وعندما كان في ترواس ” ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مقدوني قائم يطلب إليه ويقول أعبر إلى مقدونية وأعنا” ( أع 9:16) واعتبر هذا نداء له من الروح القدس. وفي صباح اليوم التالي ابحروا إلي ساموثراكي ومنها إلي نيابوليس ثم فيلبي. وفي يوم السبت في فيلبي بحث الكارزون عن مجمع فلم يجدوا لأن القانون الذي وضعه الناموسيون طبقا للشريعة الموسوية (4) يحتم وجود الرجال لإقامة مجمع، ولكن الناموسيون سمحوا بالاجتماعات في أي مكان مناسب لإدراكهم أن الإنسان إن أهمل الصلاة سيتوه بعيداً عن الله. فأقام المبشرون إجتماعاً عند النهر فيه نادوا بكلمة الخلاص وكان الحاضرون بهذا الإجتماع كلهم من النساء وكانت من بين هؤلاء النساء ليديا بائعة الأرجوان فهي باكورة المؤمنين بالسيد المسيح في أوربة والتي اعتمدت هي وأهل بيتها. وقد استضافتهما في بيتها إذ قالت لهما ” إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب. فادخلوا بيتي وامكثوا. فألزمتنا”(أع15:16). فإن استضافة الغرباء دليل علي إيمانها الحي العامل بالمحبة. والدارس لسفر أعمال الرسل يرى واضحا أن الكرازة بدأت في أورشليم ومنها إلى المدن التي تشتت إليها الرسل في منطقتهم، حتى وصلت الكرازة إلي أنطاكية ثم باقي مدن آسيا الصغرى وكريت وقبرص وهما جزيرتان في البحر الأبيض المتوسط.
وبعد انتشار المسيحية في الشرق الأوسط واصل القديس بولس كرازته حتي وصل إلى شرق أوربة وأخيراً إلى رومية، وقد كانت كل تحركاته بإرشاد من الروح القدس.
رسـائلـــه
كتب القديس بولس الرسول 14 رسالة مجموع إصحاحاتها 100 إصحاح في حين أن مجموع إصحاحات إنجيل العهد الجديد كله 260 إصحاحاً. وقد اقتبس الرسول بولس من أقوال السيد المسيح له المجد في أربعة مواضع فقط هي (1كو10:7)، (1كو 14:9 )، (1كو23:11)، (1تس15:4)، وعموماً فإن رسائله تفيد بما لا يدع مجالا للشك بأنه كان على دراية كافية بتعاليم الرب يسوع المسيح وقصة حياته، وفيما يلي ما يثبت ذلك:
أولا لقد أعلن الرب يسوع بأن ملكوت الله حقيقة واقعة الآن، فقد نلنا الخلاص، من الخطية الجدية الموروثة بالمعمودية “من آمن واعتمد خلص” (مر16:16)، كما نلنا عطية الروح القدس وسكن فينا إلي الأبد بمسحة الميرون المقدس “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلي الأبد” (يو16:14)، وأننا في انتظار اتمام الخلاص بالمجئ الثاني للرب يسوع المسيح للمجازاه.
كذلك نادى القديس بولس بنفس هذا المفهوم فقال “أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم” (1كو6: 19). وقد قبلنا المسيح ودُفنا معه في مياه المعموديّة وخرجنا منه إلى الحياة الجديدة، لذا يقول القديس بولس الرسول ” فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه”(كو2: 6). أيضاً ” لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح “( غل 27:3 ).
ثانياً أكد السيد المسيح له المجد على أهمية المحبة في تعاليمه حيث قال” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها. تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء.”(مت 37:22). فمعظم تعاليم ربنا يسوع المسيح لها نظيرها في رسائل القديس بولس فقد أورد إصحاحاً كاملاً عن المحبة في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس وهو الإصحاح الاول، وفي آخر آية منه يقول” أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة “(1كو13:13).
ثالثا أعلن ربنا يسوع المسيح عن علاقته بالله الآب في تعبير”ابن الله” (يو49:1)، وأيضا في تعبير”أبا الآب” (مر36:14) وهذا ما أكده القديس بولس الرسول أنه ابن الله. “وتعين ابن الله بقوة من حهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.” (رو3:1-4) ، كذلك أبا الآب ” ثم بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب”(غل 6:4)، (رو15:8).
رابعا تحدث ربنا يسوع المسيح مع تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، لكي تكمل النبوات. كذلك رسائل القديس بولس الرسول تظهر أهمية الصليب وموته وقبره وقيامته وصعوده إلى السموات، ومجيئه الثاني” وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.” (في8:2)، كذلك ” لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته لعلي أبلغُ إلى قيامة الأموات”(في 10:3-11)، كذلك “مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات” (كو12:2)، “لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه.”(1تس13:3) وكان يعلم أن الرب أرسل تلاميذه ليكرزوا لليهود أولا ثم بعد ذلك للأمم “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع… فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة.”(غل 26:3-29).
خامساً اكد ربنا يسوع المسيح في مثل العشار والفريسي(لو10:18-13) أن التبرير بالإيمان وليس بالأعمال، وهذا ما أوضحه القديس بولس أن تبرير الخطاة يكون بالإيمان وحده بدون الأعمال ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله”(رو25:3). وبعد الإيمان والتبرير تأتي الأعمال كقول معلمنا يعقوب ” إيمان بدون أعمال ميت ” (يع20:2) علي أن يكون الإيمان هو” الإيمان العامل بالمحبة “(غل6:5).”لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وان تعملوا من اجل المسره” (في13:2).
سادساً يتضح من الرسائل أن حياة ربنا يسوع المسيح وخدمته وهو علي الأرض وأقواله تسيطر على فكر بولس الرسول، فقد أشار بولس الرسول في (غل4:4) إلى ميلاد ربنا يسوع المسيح، وأنه من نسل إبراهيم (رو7:9) ومن نسل داود من جهة الجسد (رو3:1). والرسول بولس يعرف أن ربنا يسوع المسيح بلا خطيئة ” لأنه جعل الذي لم يعرف خطيئة، خطيئة لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه”(2كو21:5) وأنه مستعد أن يضحي بنفسه من أجل الآخرين (2كو9:8)، وكان يعرف الكثير عن حياة الرب في وداعته وحلمه ( 2كو1:10) وكذلك سر الإفخارستيا (1كو16:10).
من كل ما تقدم يتضح أن القديس بولس هو رسول ربنا يسوع المسيح له المجد وقد تم إختياره من قبل الأقانيم الثلاثة كل إقنوم على حده، وأنه رسول الجهاد الامين وكرس كل حياته لنشر الكرازة بمن اختاره رسوله الى الامم في كل المسكونة وإلى أقاصي الأرض، وأن رسائله الأربع عشرة تتوافق مع الأناجيل الأربعة لما بينهما من وحدة في التنوع. ولدراسة هذه الرسائل الأربع عشرة يلزم وقت طويل جداًاذ تحتاج كل رسالة منها إلي كتاب بمفرده، لأن المعرفة بالكتاب المقدس هي معرفة الرب يسوع المسيح فهو الفادي والمخلص، الحمل والراعي الصالح. لذلك سندرس بإختصار هذه الرسائل، حسب ترتيبها في الكتاب المقدس، ونضع عناوين بارزة عن السمات الرئيسة لمحتويات كل رسالة، لنُظهر كيف سلط بولس الرسول الأضواء على ربنا يسوع المسيح الذي بعد مرور قرنين من الزمان ما زالت تعاليمه ووصاياه تفي بمتطلعات وآمال ورجاء كل مسيحي في هذه الأيام بصرف النظرعن انتمائه الطائفي. فقد اوصانا الرب وقال “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي” (يو39:5). و”الكتب” تعني العهدين القديم والجديد لأن ربنا يسوع المسيح قال لنا: ” لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أوالأنبياء. أنا ما جئت لأنقض بل جئت لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتي يكمل الكل “(مت 17:5-18). كل رسالة من الرسائل ال13 الأولى تبدأ بالعنوان ثم اسم المرسل “بولس … ثم اسم “المرسل إليه” كقوله إلى “القديسين الذين في أفسس …”، ثم يعطي البركة الرسولية كقوله: “نعمة لكم وسلام … لأن النعمة هي التي تسندنا وتقوينا”، “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم انما هو عطية من الله “(أف8:2) ، ثم يقدم الشكر لله من أجل الفضائل الثلاث العظمى في المسيحية وهي الإيمان والرجاء والمحبة ثم يختم الرسالة بإرسال السلام والتحية إلى بعض الأصدقاء، ما عدا الرسالة رقم 14 وهي الرسالة إلي العبرانيين فهي لم تشترك مع باقي الرسائل في بدايتها ولا ختامها بالبركة الرسولية المعتادة.
أولا الرسالة إلي أهل رومية
كتبت هذه الرسالة بيد فيبي خادمة كنيسة كنخريا من كورنثوس، والتي مكث الرسول بولس فيها سنتين في أواخر رحلته الكرازية الثالثة سنة 57م وقبل رجوعه إلى أورشليم (أع 3:20)، (رو 25:15)، (رو1:16)، لتشجيع المؤمنين من أهل رومية، وإبداء رغبته في زيارتهم، وعدد اصحاحاتها 16 اصحاح، وهذه الرسالة تعتبر أول كتاب مسيحي رآه مؤمنو رومية، والموضوع الرئيس في هذه الرسالة هو الخلاص “لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهود أولا ثم لليونانيين” (رو16:1). وقد بدأ كرازته في المجمع اليهودي بكورنثوس، وعندما رفض اليهود الإنجيل اتجه للكرازة بين الأمم المقيمين هناك، أثناءها كان يقيم في بيت تيطس يوستوس.
في الأصحاح الأول وجه القديس بولس السلام والتحية إلى جميع الموجودين في رومية، وهي الصيغة التي اتبعها في كل رسائله، فيذكر أولا اسم كاتبها ” بولس عبد ليسوع المسيح “، ثم يذكر القراء وبعدها التحية (رو7:1). وقد تنوعت هنا هذه الصيغة لأنه كان يخاطب كنيسة لم يؤسسها(5) ولا حتى قام بزيارتها قبل كتابة هذه الرسالة. وكان كمن يقدم أوراق اعتماده لأهل رومية “بولس المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله”، وقوله “المفرز” تعني استجابة الإنسان للإختيار الإلهي. موضحاً أن هذا اختياراً إلهياً ودعوة للرتبة الرسولية “لا من الناس ولا بإنسان (غل1:1)بل باعلان الروح القدس”.
أعلن بولس الهامة أن ربنا يسوع المسيح قد “تعين ابن الله بقوة من جهة القداسة بالقيامة من بين الأموات. يسوع المسيح ربنا الذي به لأجل اسمه قبلنا منه رسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم الذين بينهم أنتم أيضا مدعوون بيسوع المسيح”(رو 4:1-7). كما أعلن ولاءه للإنجيل بقوله”لأن فيه اعلان بر الله بالإيمان كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (رو17:1)، وهذا يوضح أن التبرير بالإيمان وحده وليس بالأعمال. وقد وصف القديس بولس الديانة الوثبية بالفجور والأخلاق الوثنية بالشر كما أعلن أن” غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحتجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم. لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية حتي أنهم بلا عذر.”(رو18:1-20). لأنهم كانوا يعبدون الحجر والشجر، الشمس والقمر والنجوم والنار وكانوا يقدمون الذبائح الحيوانية لها، وقد كان الوثنيون سطحيين في فلسفاتهم، ففضلوا الفكر البشري الفاسد على الإعلان الإلهي، لأن الناموس الطبيعي مكتوب في ضمائر الناس الذين خلقوا جميعا علي صورة الله، لذلك أعلن لهم أن الله أسلمهم إلى النجاسة (رو24:1)، واسلمهم الله الى أهواء الهوان(رو26:1)، وأسلمهم الله إلى ذهن مرفوض (رو28:1)، وهذا يؤكد التخلي الإلهي عنهم وهو تخلي تأديبي.
في الأصحاح الثاني أشاربولس إلى أمرين يفتخر بهما اليهود وهما الناموس والختان (رو17:2- 29)، علما بأنهم لم يطيعوا الناموس ولم يكونوا مختوني القلوب، فبعد أن كانوا مختاري الله وكانت التوراة عطية من الله لهم، ضلوا واعتبروا الإمتلاك بدون الإيمان بالرب يسوع الذي تحدث عنه جميع الأنبياء بالعهد القديم، وأشارت عليه بقية أسفار موسى، واعتبروا أنهم سلالة بشرية متميزة عن باقي الشعوب لأنهم بحيازتهم للناموس ظنوا أنهم يعرفون مشيئة الله. وأوضح أن الجنس البشري كله مذنب لاعذر له(رو18:1).
في الأصحاح الثالث ” كما هو مكتوب أنه ليس بار(6) ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد”(رو10:3-13)، وأن تبريرنا لا يمكن الحصول عليه إلا بالإيمان ” وأما الآن فقد ظهر بر الله…” (رو21:3-31).
في الأصحاح الرابع أوضح القديس بولس أن التبرير مجاني بنعمة المسيح وهي ذبيحته الكفارية عن خطايانا، والإيمان هو الوسيلة للتبرير بعد اتحادنا بالمسيح من خلال المعمودية في موته المؤدية للغفران، ودم المسيح الذي سال علي الصليب كان هو الثمن لتغاضي الله عن خطايا الإنسان وشروره.
في الأصحاح الخامس استشهد بأن التبرير مجاني بنعمة المسيح بأبينا إبراهيم “فآمن إبراهيم بالله فحُسب له بِراً “(رو3:4). ونحن الآن “إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضاً صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد أولاد الله.”(رو1:5-2) فنحن الآن في عهد النعمة، ونفرح ونفتخر لإشتراكنا في مجد الله. وبلباقة وحكمة بالغة يقارن القديس بولس الرسول بين نوعين من البشر، الأول بشر خطاة والثاني بشر مبررون بالإيمان(رو12:5-21).
في الإصحاح السادس ينتهر الرسول المشككين بالإنجيل موضحاً لهم أن المؤمنين أحرار من سلطان الخطيئة، فهل من المعقول بعد اتحادنا بالمسيح من خلال المعمودية في موته نحن الذين متنا عن الخطيئة، كيف نعيش بعد فيها. لأن غفران الله لنا بموت ابنه لا يقلل من بشاعة الخطيئة ولا يجب أن نستهين بالثمن الذي دُفع عنها، لذلك وجب علينا اذا أخطأنا، لضعفنا البشري، بالإعتراف بخطايانا لله أمام أب الإعتراف لطلب مغفرة الله وأخذ الحل، ” فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطيئة ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها وإذأ أعتقتم من الخطيئة صرتم عبيداً للبر”(رو17:6-18).” لأن أجرة الخطيئة هي موت. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا “(رو23:6).
المعمودية بالتغطيس في الماء ثلاث مرات لها معنى رمزي فالتغطيس ثلاثاً يعني دفن المخلص في القبر وقيامته في اليوم الثالث.
وإن عمادنا بيسوع المسيح معناه اتحادنا به في دفنه وفي قيامنه من بين الأموات في اليوم الثالث” انتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح فد لبستم هللويا”.
والدفن هنا هو اثبات حقيقة موت السيد ودخوله القبر. وموت السيد له المجد على الصليب كان كفارة عن البشر أبطلت عنهم الخطيئة الجدية الموروثة (1بط18:3)، ” لأنه قد مات عن الخطيئة مرة اما الحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا للخطيئة وأحياء لله بيسوع المسيح ربنا.”(رو10:6-11) . ثم يقدم لنا النصح والإرشاد فيقول “لا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطيئة بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله . فإن الخطيئة لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة.”(رو13:6– 14).
في الأصحاح السابع يرد القديس بولس على الانتقاد بأن الناموس موجه له اللوم بسبب الخطيئة، ولكنه اي بولس الرسول يرد على ذلك بأن الناموس روحي ويلقي باللوم علي جسدنا القابع تحت الخطيئة وطبيعتنا البشرية الساقطة (رو14:7). ثم يوضح أن الشريعة ليس لها قوة لخلاص ابناء الامم. ولا خلاص لمن يحفظ الشريعة (رو15:7-22)، ولاعلى خلاص الإنسان الذي حصل على طبيعة جديدة لأن ناموس الخطيئة كائن في أعضائه (رو23:7-25) فالكل محتاج إلي الجهاد ضد الخطيئة في كل أيام حياته.
في الأصحاح الثامن يرسم القديس بولس الرسول معالم السلوك المسيحي الذي فيه تنتصر النعمة على الناموس ، وبها يجد المؤمنون الخلاص من الخطيئة، موضحاً أننا بالروح القدس الساكن فينا نستطيع أن نميت أعمال الجسد فنحيا (رو13:8).
فالروح القدس هو روح التبني الذي به نصرخ “يا أبا الآب لأننا صرنا أولاد الله وورثة لله مع المسيح” (رو15:8-16). أيضا الروح يعين ضعفاتنا ويشفع فينا بأنات لا تُوصف ولا ينطق بها (رو26:8). كذلك المسيح الجالس عن يمين الله يشفع فينا(رو34:8)، “فيعظم انتصارنا بالذي أحبنا” (رو37:8). ويؤكد أنه “لا يوجد في العالم أي شئ يستطيع أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا”(رو39:8).
في الأصحاح التاسع أوضح بولس الرسول أنه لم ينسى الخليط العرقي في كنيسة روما من اليهود واليونانين كما أبدى اهتماماً بالغاً ومحبة قوية بمواطنيه من اليهود فبدأ الأصحاح كعادته بعبارة عاطفية تظهر اشتياقه لخلاصهم، وعدم نسيانه لأصله اليهودي تضمنها قسمه المقدس بقوله: “أقول الصدق في المسيح”. مظهراً محبته لأبناء عشيرته فلم يستحي أو يخجل من أن يدعوهم “إخوتي أنسبائي بحسب الجسد”، مظهراً افتخاره بهم لأن لهم “التبني والمجد والعهد والاشتراع والعبادة والمواعيد. ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين”(رو4:9 – 5). وبذلك تسنى له أن يتناول الموضوع اللاهوتي الأساس وهو رفض الشعب اليهودي للمسيح المسيا الذي ينتظرونه، موضحاً أن دخول الأمم كان يتناسب مع خطة الله. ثم دافع الرسول بولس عن وفاء الله لعهده على أساس أن مواعيده “لم تكن لكل نسل أبو الآباء يعقوب، ولكن للبقية المختارة من اليهود”.
في الأصحاح العاشر أرجع القديس بولس عدم إيمان بني إسرائيل إلى تكبرهم وجهلهم وعنادهم. “لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن ‘يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله. لأن غاية الناموس هي المسيح، البر لكل من يؤمن” (رو3:10-4). موضحاً “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو9:10).
في الأصحاح الحادي عشر أعلن بولس الرسول أن خطيئة بني إسرائيل ليست شاملة، لأنه يوجد منهم قلة مؤمنة، وأنه سيأتي الوقت الذي فيه يكون كل اليهود والأمم مجتمعين تحت راية الإيمان المسيحي، “فإن القساوة قد حصات جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل.” (رو25:12-26). ثم ينهي الأصحاح بتسبحة شكر وحمد لله على عمق غناه ومحبته وحكمته وعلمه (رو33:11-36).
في الأصحاح الثاني عشر تكلم الرسول بولس عن سلوك المبررين بالإيمان في هذا الأصحاح وأكمله في الثلاثة أصحاحات التالية، ويدعو إلي تقديس الجسم والعقل معا بتجديد الأذهان، وألا نشاكل أهل هذا العالم، بل نتغير طبقا لمشيئة الله المقدسة. ولخص مشيئة الله المقدسة الخاصة بعلاقاتنا، والتي تتغير بشكل جذري بواسطة الإنجيل ونعمة يسوع المسيح ربنا، في النقاط التالية
أولاً علاقة المبرر بالله (رو1:12-2).
ثانيا علاقة المبرر مع نفسه من جهة المواهب الروحية (رو3:12-8).
ثالثا علاقة المبررين ببعض برباط المحبة المسيحية (رو9:12-16).
رابعا علاقة المبررين بمن حولهم من فاعلي الشر، مع عدم الإنتقام لأنفسهم (رو17:12-21).
خامسا علاقة المبررين بالدولة وأنه يجب الخضوع للرؤساء والسلاطين (رو1:13-7).
سادسا الاستعداد لملكوت السموات (رو 8:13-14).
سابعا علاقة المبررين بالضعفاء في الإيمان من اليهود والأمم وعدم ادانة أي إنسان، بل قبولهم في الكنيسة (رو1:14- رو13:15).
ثامنا خدمة القديس بولس للأمم (رو14:15-22).
بذكاء وبراعة امتدح القديس بولس نضج أهل رومية الروحي وبأنهم “مشحونون صلاحاً”(رو14:12) مذكراً إياهم بالحقائق التي تعلموها من قبل، واصفاً تفويضه الإلهي ليكون “خادما ليسوع المسيح لأجل الأمم مبشراً بإنجيل الله، ككاهن ليكون قرباناً للأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس”(رو16:12)، أي ذبيحة مقدسة. مشيرا إلى عمله الممتد من أورشليم وما حولها إلى الليريكون وهي مقاطعة رومانية تدعي “يوغسلافيا” قبل تفككها، كذلك مقاطعة مقدونية الرومانية علي الشاطئ الشرقي لبحر الادرياتيك. وقد أظهر القديس بولس أنه رائد في الكرازة ولم يكن بانياً على أساس آخر(رو20:12).
تاسعا خدمة القديس بولس لليهود (رو23:15- 33).
في الأصحاح السادس عشر يشتمل هذا الأصحاح الأخير من الرسالة إلى أهل رومية تحيات القديس بولس الخاصة إلى عدد من الشخصيات التي ذكر أسماءها في ختام الرسالة تضمنت أخباراً عن خططه لرحلاته التبشيرية، كما حذرهم من المعلمين الكذبة، وتسبحة تشير إلى إنجيل المسيح وإرسالية الله، والكرازة للأمم مع دعوة لإطاعة الإيمان(رو1:16-27)
ثانيــا الـرســـالتان الأولـى والثانية إلى أهـــل كورنثوس
ذهب القديس بولس إلي كورنثوس قادما من أثينا (أع1:16) سنة 55 م فكرز فيها 18 شهراً أثناء رحلته التبشيرية الثالثة بناء علي رؤيا بالليل له من الرب يسوع (أع9:18 ، 11).
كانت كورنثوس ميناءً بحرياً ومركزاً للتجارة وحركة المواصلات وكانت جسراً برياً، ولذلك كان لموقع المدينة الاستراتيجي أهمية بالنسبة لنشر الإنجيل ولولادة الكنيسة، فسهولة الدخول والخروج للقادمين من جميع أنحاء العالم باختلاف اجناسهم وطبقاتهم ساهم في نشر الكرازة، كما أنها كانت في مأمن من الإضطهاد لأن معظم أعضاء الكنيسة كانوا من الأمم وكان بينهم عددٌ ليس بكثيرمن اليهود (أع4:18-8). كان السبب في انتشار الفجور والرزيلة في كورنثوس هوعدم معرفة أهلها بوصايا الله وتعاليمه في أسفار العهد القديم. وقد اتخذ الحاكم الروماني مدينة كورنثوس مقرا له وعاصمة إدارية لاقليم أخائية الذي يشمل كل بلاد اليونان جنوب مقدونية.
الرسالة الأولى إلي أهل كورنثوس عدد أصحاحاتها 16 تتناول مجموعة متنوعة من الموضوعات المختلفة، فقد واجه القديس بولس بكل حزم مشاكل الاضطرابات والانقسامات في الكنيسة (1كو1:1- 1كو20:6). كما قام بالرد علي أسئلة شعب الكنيسة، فيها تناول كل موضوع بعناية وقد تضمنت هذه الرسالة تعاليم بشأن الزواج المسيحي (1كو1:7-40)، وتعاليم بشأن الحرية المسيحية (1كو1:8-1كو1:11)، وتعاليم بشأن العبادة الجماعية والتصرف اللائق يها (1كو2:11-1كو40:14)، وتعاليم بخصوص القيامة (1كو1:15-58)، مبرزاً القيم الكتابية العقائدية والأخلاقية والاجتماعية التي يجب أن تقود تصرفاتنا كمسيحيين (1كو1:16-24). والرسالة الثانية إلي أهل كورنثوس عدد أصحاحاتها 13 تتناول مجموعة من اختبارات بولس الأخيرة ( 2كو1:1- 2كو17:2)، خدمة بولس (2كو1:3-2كو16:7)، تقدمة المحبة للمسيحيين المتضررين من الاضطهاد في أورشليم (2كو1:8-2كو15:9)، السلطان الرسولي لبولس (2كو1:10-2كو14:13).
في هاتين الرسالتين سلط الرسول الهامة الأضواء على أهمية الخلاص إذ يقول: “وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقيمون فيه وبه أيضا تخلصون …” (1كو1:15)، كذلك”هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص”(2كو2:6).
الرســـالة الأولـــي إلي أهــل كـورنثـــوس
في الأصحاح الأول كعادة القديس بولس يبدأ رسالته بذكر اسمه ككاتب للرسالة “بولس المدعو رسولاً بمشيئة الله” وبعدها يذكر اسم مستلم الرساله “سوستانيس” ثم التحية للكنيسة المرسل لها الرسالة ” كنيسة الله التي في كورنثوس”. ونجد أن كل كلمة من كلمات الافتتاحية تعطينا معني روحياً مسيحياً، مثل “المدعو” اي المعين من الله لحمل الكرازة للأمم (أع15:9، رو15:15) موضحا سلطانه الإلهي ليرد علي بعض الكورنثيين المشككين في رسوليته، مدافعاً عنها بقوله ” ألست أنا رسولاً. ألست أنا حراً .أما رأيتُ يسوع المسيح ربنا. الستم أنتم عملي في الرب”(1كو1:9). ثم يطلق عليهم لقب ” القديسين ” أي المعينين للقداسة والطهارة بفعل وعمل الروح القدس، ثم يصفهم ب “المقدسين” أي المفرزين من الله، “المدعوين قديسين ” أي الذين دعيوا وقبلوا أن يكونوا مسيحيين بطاعة الإيمان الذي بشروا به ليكونوا شعباً مقدساً لله . ويهديهم النعمة والسلام من الله، فالنعمة هي أساس الحياة المسيحية، والسلام هو السلام نتيجة فداء المسيح للمؤمنين.
نجد القديس بولس يستخدم بعض المصطلحات ومتضاداتها مثل القوة من خلال الضعف، “قوتي في الضعف تكل” والحكمة من خلال الجهالة كقوله “لأن جهالة الله أحكم من الناس. وضعف الله أقوي من الناس” (1كو25:1) .
في الأصحاح الثاني أوضح القديس بولس أنه ” اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود” (1كو27:1-28)، موضحا أن الحكمة الحقيقية هي التي أعلنها الله بوحي من الروح القدس (1كو6:2-16).
في الأصحاح الثالث قدم لنا القديس بولس مفهوماً ثلاثياً عن الكنيسة باعتبارها حقل الله، والله هو الذي يفلحه، وانها كمبنى لله حجر الأساس فيه هو المسيح، وأنها هيكل الله والروح القدس يسكن فيه.
في الأصحاح الرابع يقدم لنا فيه صورة الرعاة التي هي صورة للرسول بولس نفسه، فهم خدام للمسيح، ووكلاء سرائر الله، وكأقذار العالم، وآباء عائلة الكنيسة، وأن هذه النماذج ما هي إلا مثال للاتضاع والتواضع (1كو10:4-16).
في الأصحاح الخامس يقدم الرسول بولس تعليماً رسولياً عن التأديب الكنسي للمخطئين أخطاءاً جسيمة مثل “سفاح ذي القربى” (1كو1:5-13)
في الأصحاح السادس يقدم النصح والإرشاد بعدم تقاضي المؤمنين المسيحيين بعضهم لبعض أمام المحاكم المدنية (1كو1:6-11)، كما أدان الزني ” ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح.”(1كو15:6) ، “أم لستم تعلمون أن جسدكم هوهيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد أشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.” (1كو19:6-20).
في الأصحاح السابع يجيب علي الأسئلة الموجهة اليه وقد أثارتها رسالة مقدمة من أهل كورنثوس عن مشاكل الزواج (1كو1:7-40)، اجاب فيها علي ستة أسئلة.
في الأصحاح الثامن يتناول موضوع “هل بوسع المسيحي أن يشتري ويأكل لحوم سبق أن ذبحت وقدمت للأوثان قبل بيعها في محلات الجزارة ؟ وهل هذه اللحوم من الناحية الطقسية تعتبر نجسة؟”
أجاب الرسول بولس بأنه لا يوجد سبب يمنع من أكلها وأنها ليست لحوم نجسة، وأعلن بقوة أنه لا يوجد سوى إله واحد وأن الأوثان ليست آلهة، ولكن علينا أن نتصرف بحكمة نحو المسيحيين حديثي الإيمان حتي لا نكون سبب عثرة لهم كقوله “إن كان الطعام يشكك أخي فلن آكل لحما إلى الأبد لكي لا أعثر أخي”(1كو13:8)، وبذلك وضع مبدأً وهو أن المعرفة تأتي بالحرية ولكن المحبة تضع حدودا لها، فالمحبة أعظم من المعرفة (1كو1:8).
في الأصحاح التاسع دافع الرسول بولس عن رسوليته لأنه رأى المسيح المقام وهو شرط من شروط الرسولية ، وله الحق في أن يتزوج ويلقي الدعم والمساعدة، وان ناموس العهد القديم يقول “لا تكم ثوراً دارساً”(تث4:25)، “الفاعل مستحق أجرته” (لو7:10).
في الأصحاح التاسع ذاته ذكر الرسول بولس أنه كما علم الرب يسوع بأن “الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون” (1كو14:9)، موضحاً أنه لم يستعمل هذا السلطان وتنازل عنه، فقد كان يكرز ويعمل في صناعة الخيام لسد حاجته وحاجة الذين يعملون معه. كما قال “ويل لي إن كنت لا أبشر” (1كو16:9).
في الأصحاح العاشر قدم الرسول بولس تحذيراً عن وجوب العبادة الكنسية الحقيقية وليست العبادة الكنسية الشكلية ضارباً المثل ببني اسرائيل بقوله ” آباؤنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح. لكن بأكثرهم لم يسر الله لأنهم طرحوا في القفر” (1كو1:10-5). فلا يجب أن نشترك في جسد الرب ودمه وأيضا نشترك في الولائم والذبائح الوثنية “لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشيطان” (1كو21:10).
في الأصحاح الحادي عشرتطرق إلي بعض التعاليم اللاهوتية علي أن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون كالعلاقة بين الله والمسيح في المساواة، ولكن الرئاسة تكون ” راس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل. ورأس المسيح فهو الله”(1كو3:11) . ثم تكلم عن قدسية سر الإفخارستيا محذراً من التناول من هذا السر العظيم بدون استحقاق “لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميزجسد الرب “(1كو27:11).
في الأصحاح الثاني عشر يوضح بضرورة قبول الروح القدس:”ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس”(1كو3:12)، ثم تحدث عن مواهب الروح القدس التسعة (1كو5:12-30) ثم قدم النصح والإرشاد بقوله: “ولكن جدوا للمواهب الحسنى. وأيضا أريكم طريقا أفضل.”(1كو31:12).
في الأصحاح الثالث عشر أوضح الرسول بولس ان هذا الطريق الأفضل هو المحبة وأن المحبة أعظم من التكلم بألسنةٍ وأعظم من النبوة وأعظم من المعرفة والإيمان وأعظم من عمل الإحسان.(1كو1:13 -3)، وأن” المحبة لا تسقط أبدا”(1كو8:13)، مؤكداً “أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة”(1كو13:13).
في الأصحاح الرابع عشر بدأ يركز على إتّباع المحبة… ونصح بأن يجّدوا(يعملوا بجدٍ) بالمواهب الروحية وبالأولى “التنبؤ لأنها أكثر فائدة من التكلم بألسنة”(1كو1:14-3)، وهذا يتفق تماما مع مبدأ”اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزداد”(1كو12:14).
في الأصحاح الخامس عشر قدم الرسول بولس شرحاً رائعاً للإنجيل الذي يعمل على توحيد الكنيسة أكثر من أي شئ آخ، ويُذّكِّرْ أهل كورنثوس أن هذا الإنجيل الذي بشرهم به وقبلوه ويقيمون فيه وبه أيضاً يخلُصون هو الرسالة المعترف بها وطالبهم أن يثبتوا فيه. هذا الإنجيل هو التعليم الذي قَبِلَهُ هو شخصياً، وأنه طبقا للتقليد الرسولي” فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته وتسلمته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا ثم للإثني عشر وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن ولكن بعضهم رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسَقطْ ظهر لي أنا. لأني أصغر الرسل أنا الذي لست أهلاً لأن أُدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله” (1كو3:15-9). لقد ذكر الرسول أربعة أحداث هامة يتكرر ذكرها في العهد الجديد وهي موت المسيح ودفنه في القبر وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وظهوراته. كان دفن السيد المسيح في القبر إثباتاً ودليلاً على حقيقة موته، وكانت قيامته في اليوم الثالث تحقيقاً لنبؤات العهد القديم (هو2:6)، (مز9:16)، وكانت ظهوراته وعددها 11 ظهوراً تأكيداً لقيامته.
وقد تناول الرسول بولس خمسة ظهورات رئيسة فقط (ليس فيها ذكر لظهوراته للنساء) واضعاً ظهور السيد المسيح له وهو في الطريق إلى دمشق في نهاية القائمة لأن هذا الظهور كان استثنائياً وحدث بعد صعود السيد المسيح إلي السماء، ولكن ذكره الرسول بولس كمؤهل ودليل علي صدق رسوليته. ثم تكلم عن من ينكرون قيامة الأموات، لأن غالبية اليونانين لم يكونوا يؤمنون أن أجساد الناس ستُقام بعد الموت، وكان الفلاسفة اليونانيون يرون أن الإنسان عندما يموت فإن جسده يُدفن ويتحللْ ولكن تبقى النفس خالدة وهي التي تدخل الحياة الأبدية. اما الكتاب المقدس فيعلمنا أن النفس والجسد سيتحدان معا في القيامة العامة يوم الدينونة في المجئ الثاني لرب المجد يسوع، وهذا ما دعى الرسول بولس أن يذكر ثانية المسائل الجوهرية بالإنجيل، مبينا حقيقة قيامة السيد المسيح المؤكدة تاريخياً (مز10:16) وأنه “صار باكورة الراقدين”.(1كو16:15-24). وأن الموت بالنسبة للمؤمنين هو رقاد (1كو20:15-23). ففي آدم نائبا عن البشرية يموت الجميع، وفي المسيح الإنسان المقام، يُقام جميع المؤمنين المسيحين(رو17:5-19)، ثم تطرق إلى الكلام عن طبيعة جسد القيامة وتساءل كيف يقام الأموات وبأي جسد يأتون؟ ويجيب على هذا التساؤل في(1كو36:15-50)، ويوضح لنا أن الذين علي قيد الحياة عند المجئ الثاني للمسيح سوف يتغيرون في لحظة، في طرفة عين، وأننا نحن الأموات في المسيح سنقوم عند البوق الأخير وسنلبس أجساداً ممجدة لا تجوع ولا تعطش ولن تمرض أو تموت وليس فيها تشوهات أو معوقات لتلائم الحياة الأبدية الجديدة، “لأنه في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء”(مت30:22) وبذلك يبتلع الموت إلى غلبة(1كو51:15-57). وفي نهاية الأصحاح يقدم النصح والارشاد للكورنثيين الأحياء بأن يكونوا راسخين وغير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين لأن تعبهم ليس باطل في الرب.
في الأصحاح السادس عشر يذكر القديس بولس بعض النواحي العملية التي لها قيمتها بالنسبة لكل مسيحي، فقد كان المسيحيون في أورشليم يعانون من الفقر والمجاعة بسبب الإضطهاد الواقع عليهم. فقام الرسول بولس بتشجيع الكورنثيين المسيحيين بأن يضع كل واحد منهم في الكنيسة قدراً معيناً من المال كل اسبوع كتبرع لللإخوة المؤمنين المتضررين في أورشليم حتي يحضر الرسول بولس إلى كورنثوس ليأخذها ويسلمها للكنيسة التي في أورشليم (1كو1:16-4). كما قدم لهم القديس تيموثاوس ومع أنه كان شاباً إلا أنه حث الكنيسة في كورنثوس علي الترحيب به عند حضوره لأنه كان ” يعمل عمل الرب كما أنا أيضاً” (1كو10:16) لأن عمل الرب غير مرتبط بالعمر. وبينما كان الكورنثيون ينتظرون زيارة الرسول بولس لهم ، وجه أنظارهم إلي ضرورة الحذر من المخاطر الروحية، وأن يكونوا ثابتين في الرب، ورجالاً ناضجين في سلوكهم وأقوياء وكل ما يفعلوه يكون في رفق ومحبة (1كو13:16-4 1 ). وإنني أعتقد أننا اليوم يجب علينا أن نتبع هذه التوصيات ونحن ننتظر مجئ الرب يسوع المسيح الذي أصبح قريبا جداً.
كان أكيلا وزوجته بريسكلا يعملون في صناعة الخيام التقى بهم الرسول بولس في كونثوس (أع1:18-3) وقد تبعا الرسول بولس إلى أفسس، وكانا يعاونانه في الكرازة بالرب يسوع (رو3:16-5) وقد تطوعا علي استخدام منزلهما للعبادة الكنسية (رو5:16) وكانا شجاعين وعلى معرفة قوية بالتعليم المسيحي (أع26:18)، (1كو19:16).
دعى الرسول بولس الحاضرين في الكنيسة أن يسلموا بعضهم علي بعض بسلام القبلة المقدسة في نهاية الصلاة لأنها تزيد الترابط والوحدة بينهم. كان الرسول بولس يملي رسائله علي من يكتبها له، وفي نهايتها يكتب بيده بخطٍ كبير”أنا بولس بخط يدي” ليبين صحة الرسالة (2تس16:2)، ثم يختتم رسالته بإرسال محبته للجميع، ثم يذكرهم ب “ماران أثا” أي “ربنا تعال” بالأرامية لغة الكنيسة الأولي في فلسطين، وهذا يعبر عن الشوق لمجئ الرب يسوع.
الـرســـالة الثـانيـــة إلي أهـــل كـورنثـــوس
كتب القديس بولس الرسول هذه الرسالة الثانية بعد عام تقريباً من كتابته الرسالة الأولى. هذه الرسالة هي أكثر رسائله التي توضح سماته الشخصية، ففيها قام بالدفاع عن نفسه وعن زملائه ضد الانتقادات الكثيرة التي وجهها له الذين يعتقدون أنهم رسل ومعلمون متفوقون (2كو5:11)، مع أنهم ” ليسوا رسلا بينما هم معلمون كذبة ” (2كو13:11)، ذاكراً بدقة بالغة الشروط الواجب توافرها في الخدام المسيحيين الحقيقيين.
في الإصحاح الأول ذكر بولس سلطانه كرسول للمسيح بقوله:” أنه رسول يسوع المسيح { فهو معين كرسول له بمشيئة الله }، وأن تيموثاوس أخ وزميل مؤمن معه، موضحاً أن هذه الرسالة موجهة إلي كنيسة الله التي في كورنثوس مع جميع القديسين الذين في جميع أخائية ثم يهديهم النعمة والسلام مقتبساً قول الرب لموسى كيف يبارك هرون وبنيه بني إسرائيل (عد 24:6)، ثم يذكر بعض ضيقاته وآلامه ومتاعبه، مسبحاً ومباركاً الله أبو ربنا ووإلهنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقاتنا موضحاً أنه ” كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضا” (2كو5:1). وتعبير{كما … كذلك } تشير إلى الآلام التي يحتملها المسيحيون نتيجة إيمانهم وإتحادهم بالرب يسوع المسيح (أع15:9-16)، ثم قام بالرد على الانتقادات ودافع عن تغيير خططه فقال: ” لأن فخرنا هو شهادة ضميرنا أننا في بساطة وإخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم.” (2كو12:1). مؤكداً لهم ” أن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله. الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا “(2كو21:1-22).
في الإصحاح الثاني يذكر أنه اتخذ قراراً في نفسه “أن لا آتي إليكم في حزن. لأنه إن كنت أحزنكم أنا فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته “(2كو1:2-2). ثم يتقدم بالشكر لله ” الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة.” (2كو14:2-16).
في الإصحاح الثالث دافع عن زملائه باعتبار أنهم ” خدام عهد جديد” (2كو6:3)، موضحاً إن خدمة العهد الجديد تزداد كثيرا في المجد (2كو9:3)، فهي “خدمة الروح “(7) وليست “خدمة الموت” وهي “خدمة التبرير” وليست “خدمة الدينونة “، وأنها ” خدمة دائمة ” وليست ” خدمة إلى زوال”. ” (2كو 1:3-18).
في الإصحاح الرابع يذكر بولس الرسول بان عدم استجابة الكثيرين لكرازته في كورنثوس ناتج للتربة التي تقع عليها بذار الكرازة وليست في البذار نفسها، لأن إله هذا الدهر وهو الشيطان سلطانه وقتي وقد أعمي عيونهم وأذهانهم فاصبحوا يسيرون في طريق الهلاك “إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنما هو مكتوم في الهالكين” (2كو 3:4). لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة منظورة لله الغير منظور. ” لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2كو6:4). في بدء الخليقة ” قال الله ليكن نور فكان نور” (تك3:1)، وفي العهد الجديد كلمنا في ابنه الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره ليضيئ لنا الوجود بنور معرفته وأصبح المؤمنون مصابيح خزفية تحمل نور الله الظاهر في جسد ربنا يسوع المسيح “لكي تظهر حياة يسوع في جسدنا المائت”(2كو11:4). ثم أوضح القديس بولس بأ ننا لا نفشل “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشيء لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً. “(2كو17:4) لأنه لا ينظر للأشياء التي تري لأنها وقية، بل ينظر إلى الأشياء التي لا تري أي الأبدية.
في الإصحاح الخامس يذكر أن خدمة العهد الجديد هي “خدمة مصالحة ” لأن ” الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا.
كلمة المصالحة “بأن المسيح في داخلهم. (2كو18:5-21). وأن المسيح له المجد هو ” وسيط المصالحة بين الله والناس”، ” لأنه الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” ( 2كو 21:5). فالروح القدس يجعلالمؤمنين خليقة جديدة نتيجة الإتحاد بالمسيح يسوع ربنا. واصفاً خدمته بأنه ” إذا نسعى كسفراء كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله” (2كو20:5).
في الإصحاح السادس يواصل القديس بولس كلامه واصفاً خدمته بالجديرة بالثناء، لأنه بشكر يتحمل كل الضيقات والشدائد وأنه ذو أخلاق حميدة مثل الطهارة والمحبة بلا رياء، واستخدم اسلوب التطابق والتضاد مثل ” بمجد وهوان بصيت رديء وصيت حسن. كمضلين ونحن صادقون كمجهولين ونحن معروفون. كمائتين وها نحن نحيا. كمؤدبين ونحن غير مقتولين. وكحزاني ونحن دائما فرحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ.” (2كو8:6-10)، ليظهر بذلك وجهة نظر الناس في مقابل وجهة نظر الله. مقدماً النصح والارشاد للإبتعاد عن الارتباطات الشريرة، لاتكونوا تحت نير غير المؤمنين فيما يتعلق بالزيجات، وأن الزيجات القائمة لا يجب فسخها. ويعود فيستخدم اسلوب التطابق والتضاد فيقول: “لأنه أي خلطة للبروالإثم. وأي شركة للنور والظلمة. وأي اتفاق للمسيح مع بليعال. وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن. وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان” (2كو14:6-16). ويقوم بتوضيح حقيقة إيمانية هامة فيقول:” فإنكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا” (2كو 16:6)، مناديا بأن “نطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله ” (2كو1:7).
في الإصحاح السابع يواصل الرسول بولس موضحا ثقته في الكورنثيين، مع أنه لما أتوا إلى مقدونية كانوا مكتئبين في كل شيء، بسبب الخصومات من الخارج والمخاوف من الداخل. موضحاً ان الله دائما يعزي المتواضعين، وقد جاء تيطس وكان متعزياً وأخبر بولس بشوقهم وغيرتهم لأجله مما أسعده بسبب نجاح مهمته. وأن رسالته التي أحزنتهم انما كانت لخلاصهم لأنها كانت بحسب مشيئة الله ” لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة. وأما حزن العالم فينشئ موتاً.”(2كو10:7) .
في الإصحاحين الثامن والتاسع نجد أنه خصصهما ليحث ويشجع المؤمنين لجمع التبرعات والإعانات من الكنائس الغنية في مقدونية وكورنثوس لكنائس أورشليم التي تضررت من الفقر والعوز بسبب الاضطهادات التي تمر بها. مذكرا إياهم: ” إن يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد…لأن المعطي المسرور يحبه الله “(2كو6:9-7). ثم استشهد بقول المرنم في المزمور: ” فرق أعطى المساكين . بره يبقى إلي الأبد . قرنه ينتصب بالمجد.” (مز9:112).
في الأربعة إصحاحات المتبقية من هذه الرسالة وهي الإصحاح العاشر حتي الإصحاح الثالث عشر، نجد أن القديس بولس عاد مرة أخرى للدفاع عن رسوليته مظهراً سلطانه ضد الرسل المزيفين، ومقدماً أوراق إعتماده كرسول لرب المجد يسوع المسيح (2كو1:10-18)، كما قام بالرد علي المشككين في رسوليته (2كو1:11-33) ، ولذلك قام بمناشدتهم بوداعة المسيح وحلمه (2كو1:10) وكان يغار عليهم غيرة الله، وقال لهم “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح “(2كو2:11). لقد اجبره مقاوموه علي الافتخار المبني على ثقته بنفسه وليس بحسب مشيئة الرب (2كو17:11-18). ذاكرا أنه يهودي الأصل، مخلصا للمسيح رغم ما تلقاه من ضربات في السجون، وأخطار كثيرة في البحر والنهر من اللصوص والأعداء في المدينة وفي البرية (القرية) ، في جوع وعطش، في عري وفي سهر، وفوق كل ذلك اختبر الضغط الناتج من اهتمامه وعنايته بالكنائس (2كو21:11-33). ثم افصح عن رؤى واعلانات الرب له { الاختطاف إلي السماء الثالثة}(2كو1:12-4) ولكن الرب أعطاني شوكة في الجسد ملاك الرب ليلطمني لئلا أرتفع من فرط الإعلانات (2كو7:12). ورغم أنه تضرع للرب ثلاث مرات لكي يخلصه من هذه الشوكة إلا أن الرب يسوع قال له: ” تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل.” (2كو9:12). وقد تعلم أن “يُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (مستخدما التطابق والتضاد) لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي ” (2كو10:12) . لذلك وجب علينا أن نتمثل ببولس الرسول عندما نتعرض لبعض المضايقات والاضطهادات.
ثالثـا: الرسالة إلي أهـل غلآطيـة
هذه الرسالة تتصف بالجدلية والحوارية، وتتكون من 6 إصحاحات، وتاريخ كتابتها يرجع إلى عام 48-49 م في فترة نهاية رحلته التبشيرية الأولى ويقدم السيد المسيح علي أنه المحرر، وهي أول رسالة كتبها القديس بولس لأنها لا تتضمن أي إشارة إلى مجمع أورشليم.
في الإصحـاح الأول يوضح القديس بولس أنه ” رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات.”(غل1:1). ومن خلالها يشعر المرء بغضب بولس الشديد على المبشرين والمعلمين الكذبة الذين كانوا يزعجون المؤمنون ويبدلون مفهوم إنجيل المسيح يسوع ربنا “إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر{ إنجيل الناموس} ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحولوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما { ملعونا من الله أو محروما}”(غل6:1-8)، لأن ذلك يحدث بلبلة وارتباكاً. إن الدافع الرئيس لبشارة القديس بولس هو الخلاص المجاني بنعمة الله عن طريق الإيمان بالرب يسوع فاديا ومخلصا وليس بفضل الناموس وأعمال الناموس. وأعلن صراحة أن بشارة الإنجيل الذي يبشر به ليس بحسب إنسان ولم يقبله من عند إنسان ولا ’علمه بل هو بإعلان يسوع المسيح (غل11:1-12). “ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ولا دماً ولا صعدت إلي أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية {في خلوة روحية مع ربه} ثم رجعت إلي دمشق.” (غل15:1-17). وبعد ثلاث سنوات من تجديده عام 35 م. صعد للمرة الأولى إلي أورشليم (غل 18:1-1، أع26:9-30) وتعرف على القديس بطرس ورأى القديس يعقوب البار أخي الرب وهو أبن خالة الرب يسوع بالجسد ورئيس مجمع أورشليم.
في الإصحاح الثاني نجد أن القديس بولس صعد للمرة الثانية إلي أورشليم بعد 14 عام من تجديده، بصحبة برنابا وتيطس، بموجب إعلان إلهي ليعرض على قادة أورشليم “المعتبرين أعمدة ” في الكنيسة (غل1:2-2، أع15) الإنجيل الذي يبشر به بين الأمم{ هؤلاء الأعمدة الثلاث هم يعقوب وصفا ويوحنا}. فقد اؤتمن القديس بطرس على إنجيل الختان بين اليهود والقديس بولس علي إنحيل الغرلة بين الأمم. وفي عام 52 م. زار أورشليم للمرة الثالثة (أع22:18)، وفي عام 57 م. زار أورشليم للمرة الرابعة (أع15:21-16). وقد زار القديسان بولس وبرنابا غلاطية معا في رحلتهما التبشسرية الأولى، وقد كتب القديس بولس عام 64م. رسالة خاصة لتيطس الذي كان مؤمناً مخلصاً وخادماً أميناً للرب في الكنيسة التي في جزيرة كريت لينظمها ويقوم بالاشراف عليها وعلى نموها الروحي مركزين أبصارهم على السيد المسيح وأن يستخدموا مواهبهم الروحية لبنيان جسد المسيح. كان القديس بولس مخلصاً لحق الإنجيل حتى أنه دخل في مواجهة مع القديس بطرس (غل 11:2-14) لأنه كان ملوماً. فأعمال الناموس هي طاعة شرائع الناموس الأخلاقية والروحية التي يظنون أنها لازمة للخلاص، وأن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع وليس بأعمال الناموس لذلك يقول القديس بولس” آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما” (غل16:2).
في الأصحاح الثالث يظهر غضب الرسول بولس علي الغلاطيين المؤمنين بالختان ويصفهم بالأغبياء لأنهم لا يذعنون للحق وقد رسم يسوع المسيح أمام عيونهم مصلوباً، ثم يسألهم”أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان”(غل1:3-2). وكان المتهودون ينادون بأن الأممي لابد أن يصبح يهودياً قبل أن يكون مسيحياً، وقد أثبت القديس بولس خطأ ما ينادون به وضرب لهم مثلا بأن إبراهيم أبو الآباء خلص بالإيمان (تك 6:15). وكل المؤمنين على مر العصور ومن كل الأمم يشتركون في بركة إبراهيم حسب الميثاق والعهد الذي قطعه الرب مع إبراهيم (تك18:15)، (تك 7:17-8). لأن”المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح لننال بالإيمان موعد الروح”(غل13:3-14). “إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلي المسيح لكي نتبرر بالإيمان. ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب. لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. فإن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح… فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة” (غل24:3-29).
في الأصحاح الرابع ذكر القديس بولس أنه ” لما جاء ملء الزمان أرسل الله إبنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني. ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلي قلوبكم صارخا يا أبا الآب. إذا لست بعد عبداً بل ابناً وإن كنت ابناً فوارث لله بالمسيح”( غل4:4-7). ثم قارن بين ابني إبراهيم، واحد من الجارية حسب الجسد، والأخر من الحرة حسب الموعد. فإن المستعبدين للناموس ممثلون بهاجر الجارية والأحرار من الناموس ممثلون بسارة الحرة. وقد كانت إساءة هاجر لسارة (تك4:16) شبيهة بالآضطهاد الذي عاناه المسيحيون من أصل أممي من اخوتهم المتهوديين الذين ينادون بحفظ الناموس والختان ضرورة للخلاص. (غل29:4-31).
في الإصحاح الخامس يقدم لنا القديس بولس السيد المسيح علي أنه المحرر الأعظم، كما يقدم لنا الخلاص في ثوب الحرية المسيحية في آية رئيسة وهي “فإثبتوا إذا في الحرية التي حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية.”(غل1:5). فالحرية في ثوبها المسيحي هي الحرية من الناموس، ثم أوضح أن الحرية في ثوبها المسيحي هي التحرر من لعنة الناموس التي يجلبها الناموس على الذين لا يطيعونه، لأن الذين يتكلون على أنه بحفظهم الناموس يحصلون على الخلاص، وهؤلاء إنما تحت دينونة الله العادلة “لأن المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق علي خشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح”(غل 13:3). وهذا هو السبب في كونه مصراً على ألا يفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح. والحرية من الناموس ولعنته ليس معناها الحرية في عصيان الناموس الأخلاقي أو الحرية في الانغماس في الخطيئة والملذات العالمية. ” لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة”(غل6:5).
الحرية في ثوبها المسيحي هي التحرر من أعمال الجسد وطبيعته الساقطة الناتجة من الإنغماس في الشهوات العالمية. لأن” كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم” (1 يو 16:2). وأن” ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف”(غل22:5-23). فإن كنا أبناء للمسيح لابد أن نكون قد ” صلبنا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل24:5)، ونسلك حسب الروح.
في الإصحاح السادس شدد القديس بولس علي المسؤولية الأخلاقية لكل الذين ينقادون بالروح تجاه الذين يسقطون ويتعثرون، مظهرا اتساع ورحابة النعمة مقارنة بضيق أفق الناموس ناصحا الروحانيين المنقادين بالروح أن يصلحوا بروح الوداعة الإنسان الذي سبق أن أُخذ في زلة، ففي هذا تتميم ناموس المسيح، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً. لأن كل واحد سوف يحمل حمل نفسه (غل 1:6-5).
ثم يذكرهم قائلا ما أكبر وأجرأ الأحرف التي كتبتها اليكم بيدي، مشيرا إلي قوة الرسالة التي قدمها لهم ليحذرهم من خطر المؤمنين المتمسكين بالطقوس اليهودية مؤكدا لهم أن ضمان خلاصهم هو فقط عن طريق صليب السيد المسيح وفدائه. كقوله ” وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم. لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة.”(غل14:6-17). وفي الختام يعطيهم البركة الرسولية كما في كل رسائله، فالنعمة الالهية تربط هؤلاء الاخوة بالسيد المسيح كمركز للدائرة وتربط قلب القديس بولس بقلوبهم برباط الاخوة المسيحية الصادقة.
رابعــا الرسالة إلى أهـــل أفسس
هذه الرسالة هي احدي أربع رسائل كتبها الرسول بولس أثناء فترة سجنه الأولي في الفترة من عام 60 -62 م ولذلك نجد أنها كلها تقدم لنا السيد المسيح على أنه رب الأرباب، وهذه الرسائل إلي أهل أفسس عدد إصحاحاتها 6 والرسالة إلي أهل فيلبي عدد إصحاحاتها 4 إصحاحات والرسالة إلي أهل كولوسي عدد إصحاحاتها 4 إصحاحات والرسالة إلي فيليمون هي إصحاح واحد.
في الإصحاح الأول يبدأ القديس بولس رسالته إلي أهل أفسس كالمعتاد في كل رسائله بذكر اسمه بولس رسول يسوع المسيح، ومقدماً التحية التقليدية لمن أرسلت اليهم، مقدما لهم البركة الرسولية المزدوجة ” نعمة وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح” (اف2:1).
بدأ الرسول بولس مسبحاً ومباركا الله أبو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الإبن الوحيد الحبيب، شارحا أن كل موهبة وبركة روحية صالحة في الكنيسة هي من المسيح المبارك رب الكل الذي هو في السماويات (أف 3:1-20)، وبذلك يوضح لنا أن رئاسة الرب يسوع المسيح المقام من بين الأموات لكنيسته المجيدة وهي شعبه، نابعة من تعيين الله السابق. كما أن اختيار الله، انما هو تعبير صادق عن محبته وعن قصده الأزلي، ليكون الجميع مشابهين صورة الرب يسوع المسيح بصفته الإبن البكر الذي بواسطته وصلت إلينا نعمة الله المجانية في حياته، وفي موته علي الصليب وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين العظمة. فالفداء وغفران الخطايا ما هو إلا جزءاً من الخطة الإلهية الأزلية حسب رأي مشيئته المحتومة (أف11:1). وان الطريق إلى ربنا يسوع المسيح واحد لكل الشعوب والأمم وهو” إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده ” (أف13:1-14). وأن الله “أخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعله رأسا فوق كل شئ للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل”(أف22:1-23) .
في الأصحاح الثاني استعرض بولس حالة النفس البشرية بعيدا عن السيد المسيح قبل أن تشملنا نعمة الله المخلصة في الإنجيل، فقد كنا ” أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية” (اف1:2-2). ويستمر في تقديم صورة بهية لعمل الله المخلص والمحيي للنفس البشرية وهي في موتها الروحي نتجة سقوطها في الخطيئة عندما تلتقي بنعمة الله المحيية في ربنا يسوع المسيح فتخلص بنعمته ، فقد ” أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع” (أف 6:2). ويُظهر كمال عمل نعمة الله فيقول ” بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم .بل هوعطية الله “(أف 8:2)، مضيفا أن الخلاص ليس بسبب اعمال حسنة عملناها لكي لا يفتخر أحد” لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها” (أف10:2) فالخلاص بالنعمة وحدها وبالإيمان وحده.
ويوجه نداءاً إلى الأمميين المعتنقين الذين سوف يقرأون الرسالة والذين يصفهم اليهود بأبناء الغرلة، وأنهم خارج دائرة عهد الله، وأنهم غرباء عن موعد المسيا، كما أنهم لا يشاركون اليهود في امتيازات شعب الله المختار، وأنهم بسبب جهلهم ليست لهم المعرفة الحقيقية بالله ولا بحضوره إلي العالم { طبقا للمفهوم اليهودي }، علما أن مجيئ السيد المسيح إلي العالم قد فتح للأمم الباب لعهد جديد” ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح . لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين{ اليهود والأمم } واحدا ونقض حائط السياج المتوسط { ناموس موسى}… .ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا “العداوة به “(أف14:2-16). فجاء وبشركم بواسطة أنبيائه ورسله ببشارة السلام والخلاص المقدمة مجاناً لكل الشعوب والأجناس امميين كانوا أو يهودا ” لأن به لنا كلينا قدوما في روح واحد إلي الآب . فلستم إذا بعد غرباء ونزلا بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله . مبنيين علي أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” (أف18:2-20) ، فالكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية مؤسسة علي أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسة، وكل البناء هو هيكلا مقدسا في الرب ” الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا مسكنا لله في الروح القدس “(أف22:2) .
في الأصحاح الثالث يخاطب القديس بولس الأمم ذاكرا أنه من أجلكم أنتم أنا بولس أسير المسيح يسوع، فربما تكونون قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي في الخدمة، فقد عرفني بإعلان بالسر، الذي بمعرفته تستطيعون أن تفهموا درايتي بسر المسيح الذي أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه { القادة المسيحيون (في20:2)} بالروح القدس وهوأن الأمم شركاء في الميراث والجسد وفي نوال موعد الروح القدس في المسيح بالإنجيل (أف1:3-6). وأنه هو خادما له مع أني أنا أصغر الرسل حسب نعمة الله المعطاة لكي أبشر بين الأمم بغنى المسيح وأن أنير الجميع بتدبير خلاص الله للعالم عن طريق الكنيسة بيسوع المسيح خالق الجميع (أف 9:3-10) “الذي به لنا جرأة وقدوم بإيمانه عن ثقة “(أف12:3) أي أننا نستطيع بالمسيح يسوع ربنا أن نتقدم إلى حضرة الله بلا خوف أو تردد. ثم يقوم بصلاة رعوية قوية لكل الجماعات المسيحية في العالم، ثم يختتم حديثه ببركة مجيدة في تسبحة رائعة يمجد بها شخص ربنا يسوع المسيح (أف14:3-21 21).
في الأصحاح الرابع يناشد القديس بولس اليهود والأمم بصفته أسيرا في الرب أن يسلكوا برباط السلام الكامل بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضهم البعض لأن هذه هي مقاصد الله الأزلية وهي توحيدهم في جسد واحد وروح واحد يخضع لرأس واحد وهو ربنا يسوع المسيح (أف 1:4-3). مؤكدا لهم حقيقة لاهوتية ايمانية وهي أننا كمسيحين لنا رب واحد، ونؤمن بإيمان واحد، ونلنا معمودية واحدة ، مشيرا إلي الثالوث الأقدس بأنه لنا إله وآب واحد للكل الذي يسود على الكل وابن واحد بالكل، وروح واحد في كل أعضاء أسرة الله الواحد (1بط2:1). ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة {نعمة الروح القدس بمواهبه} حسب قياس هبة المسيح الواهب النعم والعطايا لكل حسب قامته الروحية (أف5:4-12). ثم يقتبس القديس بولس من (مز18:68) ” صعدت إلى العلا. سبيت سبياً. قبلت عطايا بين الناس “مطبقا هذا المزمور علي السيد المسيح، فبصعود السيد المسيح أرسل لكنيسته المجتمعة في العلية يوم الخمسين الروح القدس بكل مواهبه منبثقا من الله الآب للرعاة والمعلمين من أجل بنيان المؤمنين وتأهيل شعب الله للعمل في خدمته لبنيان حسد المسيح. وأوضح القديس بولس أن كمال كنيسة المسيح ونضوجها يكون بعمل المسيح فيها، إذ له عمله الموحد لكل الجسد وكل مفاصله، بحصول كل مفصل علي موهبة الخدمة، كما يمنحها ربنا يسوع المسيح.
إن طبيعة النعمة تجعلنا نتحلي بطبيعة جديدة نكون فيها مولودين بتجديد من الروح الذي ينمو ويزداد كقوة مسيطرة تتصارع مع الطبيعة القديمة وتنتصر عليها، فالولادة الجديدة بالمعمودية ومسحة الروح القدس وسيطرته تعيد للإنسان الجديد تلك الصورة الإلهية التي سبق أن شوهتها الخطية (تك27:1)، وبذلك يعود بواسطة عمل فداء السيد المسيح إلي البر والقداسة التي فقدها بسقوط آدم الأول (أف19:4 -24)، كقوله “اتبعوا السلام مع الجميع و القداسه التي بدونها لن يري احد الرب “(عب14:12).
ثم يبدأ في ارساء بعض المبادئ الأساسية في الإنسان الجديد وسط اخوته وهي الصدق وعدم الكذب، مقدما النصح والارشاد” اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس علي غيظكم ” (أف26:4)، وأن المختومين بالروح القدس يجب ألا ” يحزنوا روح الله القدوس الذي خُتموا به ليوم الفداء” (أف30:4)، وأن يكونوا لطفاء شفوقين متسامحين كما سامحهم الله أيضا في المسيح.
في الإصحاح الخامس يتحدث القديس بولس عن السلوك المسيحي في المحبة وتأثيره في العالم حوله (أف1:5-20) وتطرق إلي الممنوعين من الميراث في ملكوت المسيح والله (أف5:5). وتحدث عن المرأة ومكانتها في الخدمة الكنسية، وفي المنزل وصلتها بزوجها وأولادها. “لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة. وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شئ. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها…لأننا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه” (أف23:5-33).
في تحدث عن وجوب إطاعة الأولاد لوالديهم في الرب، وإكرامهم وهي أول وصية بوعد. وتحدث عن طاعة العبيد لسادتهم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبهم كما للرب “عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أم حرا” (أف 8:6)، وعلي السادة ،من جانبهم ، أن يتصرفوا بحرص وعطف بطريقة تليق بهم كمسيحين ، وألا يثقلوا علي عبيدهم.
وتحدث القديس بولس عن صراع الكنيسة قادة وشعبا ضد قوات الشر الشيطانية الغير منظورة فيقول ” إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على الظالمين هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا” (أف12:6- 13). ثم يقدم رجاءاً شخصيا طالبا مؤازرة المؤمنين بصلواتهم حتي تنجح خدمته في اعلان سر الإنجيل وهو توحيد الأمم واليهود في كنيسة واحدة جامعة رسولية (أف18:6-19). ثم يرسل هذه الرسالة مع تيخيكس “الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب والذي سيعرفكم بكل الأحوال التي يمر بها”، ثم يختم الرسالة بإرسال السلام والمحبة بإيمان من الله الآب والرب يسوع المسيح ويختمها بالنعمة لكل الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد.
خامســـا: الرسالة إلى أهـل فيلبي
تتجمع في الرسالة إلي أهل فيلبي سمات رفيعة عن الإيمان بالرب يسوع المسيح مع أعمال المحبة والسلوك المسيحي . وما أطلق عليه {أنشودة يسوع المسيح } في الأصحاح الثاني إنما هو ترنيمة كانت تتغني بها الكنيسة المسيحية في العصور الأولي عن { العبد المتألم } وتتضمن الكثير مما جاء في (إش53) قد استعارها القديس بولس، وهي تتمشي مع قول الرب يسوع المسيح” من وضع نفسه ارتفع” هذا بالاضافة إلي أنها تصف قمة اتضاع الرب يسوع في تجسده وموته كذبيحة حية مقبولة أمام الله الآب ” وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب” (في 8:2). كما تصف هذه الترنيمة مقدار العلو في الرفعة التي رفعه إليها الله، فقد أعطاه”إسماً يفوق كل اسم” . لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض وما تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”(في 9:2-11).
هذه الرسالة خاصة بمؤمني فيلبي فقط، فقد أراد القديس بولس أن يشكر المؤمنين علي مساعدته مادياً في وقت حاجته وهو سجين في روما. فبمساعدتهم له كانوا بذلك يعملون علي امتداد ملكوت الله ونشر الكرازة. وهذه الرسالة هي رسالة الفرح، فيذكر الفرح في الألم (في1:1-30)، ثم يذكر الفرح في الخدمة (في1:2-30) ، والفرح في الإيمان (1:3-21 ) ، ثم الفرح في العطاء (في 1:4-23). وقد كتبت هذه الرسالة عام 61م تقريبا من رومية بيد أبفرودتس وهو أحد اعضاء كنيسة فيلبي.
في الأصحاح الأول يرسل بولس التحية إلى جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في كنيسة فيلبي، تلك المدينة المقدونية، التي أسس كنيستها هو ورفقته منذ عشر سنوات أثناء رحلته التبشيرية الثانية، ذاكراً “بولس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح ” كمرسلين لهذه الرسالة، واعتبر انهما ملكاً للرب يسوع المسيح جسداً وروحاً وفكراً خاضعيَّن للرب في كل شئ. مع أنه ابتداءاً من الآية الثالثة كان يتحدث بصيغة المفرد، معبراً لهم عن فرحه ومحبته وعواطفه نحوهم. وقد ورد لفظ “أساقفة وشمامسة” لأنه يوجد في فيلبي أكثر من أسقف ولقب قسوس أُطلق على الأساقفة كما ورد في(أع17:20، 28)، أما الشمامسة فيرجع ذلك إلى (أع2:6) حيث عيَّنتْ الكنيسة سبعة رجال كان عملهم شبيه بخدمة الشمامسة. واوضح أن كونه قد سُجن لأجل المسيح فقد أصبح ذلك معلوماً للجميع مما أدى إلى انتشار الكرازة بالإنجيل (في12:1-14) ، وتشجيع الاخوة المؤمنين وثباتهم في تعاليم الرب يسوع المسيح المحيية بلا عثرة إلى {يوم المسيح} أي يوم المجئ الثاني للرب يسوع المسيح”مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده” (في 11:1). وثمر البر هو الثمر الذي يصلي من أجله الرسول بولس لكي يمتلئ به كلُ المؤمنين المسيحيين من أعمال صالحة عاملة بالمحبة ناتجة عن حلول بر الله في حياتهم، وهذا كله نناله من ربنا يسوع المسيح لمجد الله الآب.
كان بولس الرسول يكرز بكل مجاهرة في كل حين وهو لا يخاف الموت ” كذلك الآن يتعظم المسيح في جسدي سواء كان بحياة أم موت. لأن الحياة لي هي المسيح والموت هو ربح… لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً.”(في 20:1-23) . ثم يدعوهم بأن يعيشوا فقط كما يحق لإنجيل المسيح، ثابتين في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل. غير خائفين من المقاومين ” لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضا أن تتألموا لأجله “(في 29:1).
في الأصحاح الثاني يدعو الرسول بولس المؤمنين للاتحاد والتواضع والشركة واثقين في كنيستهم، لأن في التفكك والانقسام رفضاً لمشيئة الله، لأن للجميع الروح الواحد وهم ينتمون بعضهم لبعض كجسد واحد، طالباً منهم أن يظهروا المحبة والمودة والعطف للآخرين في { أحشاء ورأفة }، وأن يعتادوا على ان يكون لهم فكر واحد ورأي واحد والكلام بما هو لصالح غيرهم. كما شجعهم الرسول بولس على الحذر من الأنانية وسوء الظن والحسد. لقد أخلى ابن الله الأزلي الأبدي ذاته وأخذ جسداً بشرياً وطبيعة بشرية ليشابهنا في كل شئ ما عدا الخطيئة وحدها، ولاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، وكان خاضعا لله الآب ولمشيئته لخلاص البشرية، وأيضا لكي ما يخبرنا عن الله الآب كقوله لفيلبس” الذي رآني فقد رأى الآب . … . ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ ” (يو9:14-10). “وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب. لذلك رفَعه الله أيضاً وأعطاه اسماً يفوق كل اسم . لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”(في8:2-11). ويشجع القديس بولس المؤمنين فيقول” تمموا خلاصكم بخوف ورعدة. لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة ” (في 11:2 -13). كان بولس سجيناً في إنتظار محاكمته والحكم عليه أو إطلاق سراحه بسبب مناداته بإنجيل يسوع المسيح. كان قد أرسل الفليبيون مبلغاً من المال له مع أحد شيوخ الكنيسة هناك وهو أيفرودوتس الذي مرض وقارب الموت، وبعد شفائه رجع بهذه الرسالة كخطاب شكر لهم، فيها ووعدهم أنه فور علمه بقرار المحاكمة سيرسل لهم القديس تيموثاوس ليخبرهم بقرار المحكمة، وأنه مستعد لقبول كل ما يسمح به الله له (في 25:2.).
في الإصحاح الثالث نادى بولس الرسول بالفرح، ولكن لابد أن يكون الفرح في الرب، لأن الفرح هو جوهر الكتاب المقدس، البشارة المفرحة. والكتاب المقدس يرسم لنا الطريق المأمون بعيدا عن الانحرافات الناموسية والختان الحرفي الجسدي التي تبعدنا عن الحق والحرية (غل 7:1-9)، (2كو13:11)، { فالختان القلبي والروحي هو الأهم }، “لأننا نحن الختان الذين ،نعبد الله بالروح، ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد “(في 3:3). فالله يطالبنا فقط بالإيمان والطاعة لتعاليم الرب يسوع المسيح والتمتع بالخلاص المجاني الذي نلناه. واستطاع ان يقدم لهم قائمة بسبع نقاط هامة في حياته ثم خلص إلى القول أنه يكفيه أن يربح المسيح ويوجد فيه”من جهة الختان مختون في اليوم الثامن من جنس إسرائيل من سبط بنيامين عبراني من العبرانيين. من جهة الناموس فريسي، من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة، من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم، ولكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شئ خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه وليس لي بِّري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البِّر الذي من الله بالإيمان. لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته. لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات.” (في5:3-11).
ثم ذكر أن الذين يفتكرون في الأرضيات، الذين إلههم في بطونهم ومجدهم في خزيهم. وأوضح بما لا يدع مجالا للشك فقال عن المؤمنين: ” فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء” (في20:3-21).
في الأصحاح الرابع يبدأ القديس بولس بإظهار عمق عواطفه الصادقة نحو إخوته الأحباء والمشتاق إليهم أعضاء كنيسة فيلبي، واصفا إياهم أنهم سروره وإكليله، وشاكرا إياهم من أجل تقدماتهم السخية، وطالبا منهم أن يثبتوا في الرب (في 1:4). قام القديس بولس بمعالجة الانقسامات وروح التحزب في كنيسة فيلبي بعبارات عامة (في 1:2-5)، وعندما علم بوجود خصومة بين خادمتين بالكنيسة هما أفودية وسنتيخي اللتين جاهدتا معه لأجل خدمة الإنجيل استخدم اسلوبا رقيقا لا يمكن معه الظن بأي منهما يقدمها على الأخرى، وطالبا منهما “أن تفتكرا فكرا واحدا في الرب” (في2:4). وبعد أن مدحهما ذكر اسم اكليمندس ونظرا لكثرة من يجب أن يمتدحهم قال عنهم أنهم يمكن أن يتأكدوا أن أسماءهم مكتوبة في”سفر الحياة” كما جاء في(خر32:32)،(دا1:12)، (رؤ5:3)، (رؤ15:20) ، (رؤ19:22) لأن الحياة هي هبة وعطية مجانية من الله (مز28:69)، وسفر الحياة هو السفر المدونة به أسماء المقبولين عند الله الذين نالوا الخلاص بإيمانهم بالمسيح رباً وفادياً ومخلصاً وكانوا أبراراً، عاشوا كل أيام حياتهم في تسليم كامل بمشيئة الله.
أنهى الرسول بولس رسالته بالتمنيات الطيبة المتبادلة في المسيح يسوع، وأوضح ان التدبير الإلهي سمح بوجود موظفين مؤمنين مسيحيين في البلاط الامبراطوري في روميه في “بيت قيصر”.
وكما بدأ الرسالة أنهاها بصلاة تضم كل الطلبات الأخرى، لتكون: “نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم. آمين” (في 23:4).
سـادســـا الرســالة إلي أهــل كولوسي
نجد في هذه الرسالة إلى أهل كولوسي أن القديس بولس يظهر سمو المسيح الفائق علي الكون كله مبتدأً بالخليقة ومتضمناً الصليب وواصفا الرب يسوع المسيح بأنه الصورة المرئية لله الآب الغير منظور بكر كل خليقة (كو15:1). بالمسيح خالق الكل، وهو الوارث ومن أجله خلق كل شئ، وهو رأس جسد الكنيسة، وهو بكر من الأموات لكي يكون هو متقدماً في كل شيء (كو16:1-18). ” لأنه فيه ‘سر أن يحل كل الملء { كل ملء اللاهوت}. وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أو ما في السماوات.” (كو19:1-20). موضحا إتحادنا نحن المؤمنين بالمسيح بصورة رائعة فيها استخدم تعبير”مع المسيح” أربع مرات كما هو مكتوب ” إن كنتم قد متم مع المسيح… . فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله … لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متي ‘أظهر حياتنا فحينئذ ‘تظهرون أنتم أبضا معه في المجد ” (كو20:1-كو4:2) .
لم يؤسس القديس بولس كنيسة كولوسي ولا حتى زارها من قبلْ فالذي أسسها هو أبفراس وغيره من المؤمنين الذين تجندوا على يده في أثناء رحلاته التبشيرية، وسبب كتابته هذه الرسالة هو تسرب “مذهب النسبية الدينية” وهو صورة مصغرة من “الغنوصية” إلى الكنيسة فقد حاول بعض المؤمنين أن يجمعوا بين العقيدة المسيحية والعقيدة اليهودية وبين بعض التعاليم الوثنية والفلسفات العالمية لأن اليهودية اشتهرت بتمسكها بأهمية تقليد الشيوخ من جهة عيد أو هلال أو سبت، كما أنه ذَكَرَ الختان مرتين في هذه الرسالة (كو11:2 ، كو11:3).
وقد كتبت هذه الرسالة عام 61م تقريبا وتتكون من أربعة أصحاحات بيد تيخيكوس وأنسيموس من رومية أثناء وجود القديس بولس بالسجن. موضحا بها أن المسيح المخلص هو وحده مصدر حياتنا الروحية وأنه رأس الكنيسة وأنه رب كل الأكوان الروحية والمادية، وأن حياة المؤمنين الروحية هي في الارتباط بالرب يسوع المسيح .
في الأصحاح الأول يقدم القديس بولس نفسه، كعادته في معظم رسائله، بأنه “رسول يسوع المسيح بمشيئة الله” {أي بدعوة وبسلطان من الله } ، ويذكر تيموثاوس الذي كان من مرافقيه المقربين، موجها الرسالة إلي القديسين في كولوسي والإخوة المؤمنين في المسيح. ثم يهدي النعمة والسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح لقارئيه. ويشكر الله لأجلهم كل حين، “مصلين لأجلكم لسماعنا” { من أبفراس} عن إيمانكم بالمسيح ومحبتكم لإخوتكم المسيحيين ولجميع القديسين من أجل الرجاء المسيحي الموضوع في السماوات.
ونستطيع أن نتعلم من صلاةالرسول بولس (كو9:1-14) أن نصلي لأجل الآخرين لكي: يدركوا مشيئة الله المقدسة، وأن يزودهم الله بالحكمة الروحية، وأن يعيشوا حياة ترضي الله وتكرمه، وأن يتحلوا بأعمال المحبة والخير مع الآخرين، وأن يزدادوا دائما في نعمة معرفة الله، وأن يكونوا مملوئين من قوة الله، وأن يثبتوا في الإيمان، وأن يكونوا دائما ممتلئين بفرح المسيح، “شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلي ملكوت ابن محبته الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا “(كو12:1-14).
خلال الألم انكشف له السرّ المخفي منذ الدهور، سرّ حب الله الفائق لخلاص العالم كله. هذا السرّ كان مخفياً حتى عن السماويين، فلم يكن ممكناً لربوة ما سماويّة مهما سمت أن تدركه أو تتخيّل مدى حب الله الفائق للإنسان. هذا السرّ اُُظهر لقدّيسيه (كو26:1)، حيث رأوا ولمسوا عمل نعمة الله في حياة الأمم حين آمنوا بالله وبخلاصه. فصار هذا السرّ هو موضوع شهادة الكل وكرازة الرسل ليتمتع البشر بالمجد المعد لهم (كو27:1) ، ففي وسط آلامه يعلن السيد المسيح غنى مجده الفائق ورحمته المقدمة للأمم، المنسكبة على الجميع بلا تمييز بين يهودي وأممي، دون أدنى استحقاق من جانب الإنسان. بهذا عرف الرؤساء والسلاطين في السماويات بهذا السر المكتوم بواسطة الكنيسة (أف 10:3).
في الإصحاح الثاني كانت لاوذكية تقع في الشمال الغربي من كولوسي وقريبة منها، وقد وبخ القدبس يوحنا المؤمنين فيها لأنهم كانوا فاترين في محبتهم للمسيح (رؤ14:3-22). والسبب في طلب القديس بولس قراءة الرسالة إلي أهل كولوسي أيضا في الكنيسة في لاوذكية هو انتشار بدعة ” النسبية الدينية ” ايضا فيها، ليحث الكنيستين على الوقوف ضد هذه البدعة وهذه التعاليم الكاذبة معتمداً على روابط المحبة بينهما” لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله الآب والمسيح المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم”(كو2:2-3) .
وقد أوضح الرسول بولس علي أن كفايتنا كمؤمنين هي في المسيح، فقبول المسيح رباً وفادياً ومخلصا لحياتنا هو بداية الطريق للحياة مع المسيح، ثم الجهاد المستمر طوال حياتنا في العمل بوصاياه وتعاليمه السامية، مع إخضاع إرادتنا بالكامل لمشيئته المقدسة وإرشاد الروح القدس الساكن فينا” فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه متأصلين ومبنيين فيه وموطَّدين في الإيمان كما ‘علمتم متفاضلين فيه بالشكر”(كو6:2). فالمسيح يجب أن يكون هو المصدر الوحيد الرئيسي للحياة المسيحية “فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً”(كو9:2) ، فبعد أن مات المسيح لم يعد الختان لازماً لأن الختان هو ختان الروح وليس ختان الجسد، كما أن المعمودية بالتغطيس في ماء المعمودية هي دفن وقيامة للحياة مع المسيح”مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات”(كو12:2). وبذلك يكونُ تَخلينا ورفضنا لرغباتنا الشريرة هو ثمر حياتنا الجديدة في المسيح لأن خلاصنا يعتمد علي قوة موت المسيح وقيامته” وإذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب”(كو14:2). فالقواعد والفرائض الدينية “لا تمس ولا تذق ولا تجس”(كو21:2) لا تستطيع أن تغير قلب الإنسان بل الروح القدس الذي يعمل فينا عندما أخذناه في سرختم الميرون المقدس.
في الأصحاح الثالث يشيربولس الرسول إلي المعمودية في قوله ” إذا كنتم قد قمتم مع المسيح”(كو1:3) ، معتبراً المعمودية موت ودفن وقيامة مع المسيح المقام من بين الأموات، مقدما لنا النصح والإرشاد مشيراً إلى الإهتمام بالروحيات والسماويات عوض الأرضيات “فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله”.
ويؤكد الرسول بولس على أن سر الحياة الجديدة مستترالآن، ولن يبقي مستتراً لفترة كبيرة، لأنه ” متى ‘أظهر المسيح {في مجيئه الثاني } حياتنا فحينئذ ‘تظهرون أنتم أيضا معه في المجد”(كو4:3). ثم أوضح لنا أن العبادة المسيحية الحقيقية هي “فأميتوا { احسبوها ميتة } أعضاءكم التي على الأرض {بخصوص العادات الردية والشهوات الجنسية الأربعة وهي} الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية، الطمع الذي هو عبادة الأوثان{فهذه الخطيئة الخامسة ركز عليها الرب يسوع في الموعظة على الجبل لأنها تحمل كل آثام الفكر المتمركز في الذات الإنسانية وفي احتياج إلى تغيير مسيحي شامل}”(كو5:3). ويضيف” أما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً {اخلعوا ثيابكم القذرة، ثياب الخطية أي الحياة القديمة} الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم “(كو8:3). استخدم الرسول بولس تعبير “مختاري الله القديسين المحبوبين {ليذكرنا أن الكولوسيين هم موضوع اختيار الله وأيضا موضوع محبته واصفا اياهم بخمسة من ثمار البر} أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة ” (كو12:3).
كما اكد على أننا يجب أن نحتمل بعضنا بعضا ونسامح بعضنا بعضا {واترك لنا ماعلينا كما نترك لمن لنا عليه إلينا– الصلاة الربانية} من أجل توطيد العلاقات مع بعض، متسربلين بالمحبة فهي رباط الكمال (كو13:3-14). وليملأ قلوبكم سلام الله ليكون كل ما تعملون أو تقولون باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به (كو17:3).
قدم الرسول بولس بعض النصائح العائلية، أولى هذه النصائح يتعلق بالعلاقات الأسرية (كو18:3-21 )، وثاني هذه النصائح يتعلق بالعلاقات بين الأسياد والعبيد (كو19:3-25)، (كو1:4).
في الإصحاح الرابع يطالب الرسول بولس المؤمنين علي المداومة في الصلاة “لأجلنا نحن أيضا ليفتح الرب لنا بابا للكلام لنتكلم بسر المسيح الذي من أجله أنا موثق {مسجون } كي أظهره كما يجب أن أتكلم “(كو2:4-4)، ففي المداومة يزداد إيماننا بأن الله يستجيب لصلواتنا فنمجده عالمين انه إذا تأنى الله في الاستجابة لصلواتنا فهذا دائما يكون لخيرنا حسب مشيئته المقدسة(كو2:4-4). وعندما نتكلم مع غير المؤمنين لنبشرهم عن الرب يسوع المسيح يجب أن نسلك بحكمة “مفتدين الوقت”{ اقتناص فرصة سانحة للتبشير}.
يصف الرسول بولس ” تيخيكوس بالأخ الحبيب والخادم الأمين والعبد معنا في الرب”(كو7:4)، وقد أرسله “ليعرف أحوالهم ويعزي قلوبهم مع أنسيموس الأخ الأمين الحبيب الذي هو منكم “(كو9:4). ثم يذكر بعض الأسماء مادحاً إياهم مثل ” أرسترخوس المأسور معي {رفيقه في السجن} ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا. إن أتى إليكم فاقبلوه”(كو10:4)، فقد فارق مرقس الرسولين بولس وبرنابا في أثناء رحلتهما التبشيرية الأولى (أع25:12)، وقد كرز القديس مرقس بالإنجيل مع خاله برنابا في رحلته التالية (أع39:15-41)، كما كرز مع القديس بطرس(1بط13:5)، (أع12:12-13).
ســابعـــا الرسالتين الأولي والثانية إلي أهــل تســالونيكي
كتب هاتين الرسالتين أثناء الرحلة التبشيرية الثانية فيما بين عام 50م وعام52م، وكانت تسالونيكي أول مدينة أقام فيها الرسول بولس مع رفيقيه في السفر وهم سلوانس المدعو سيلا وتيموثاوس بعد مغادرتهم مدينة فيلبي، وتتكون الرسالة الأولى من خمسة أصحاحات والرسالة الثانية من ثلاثة أصحاحات… في هاتين الرسالتين قدم الرسول بولس الرب يسوع المسيح في مجيئه الثاني أنه المسيا الديان للأحياء والأموات. قاموا بزيارة المجمع اليهودي في هذه المدينة لمدة ثلاثة أسابيع في يوم السبت من كل اسبوع، وحاول الرسول بولس أن يقنع جماعة المصلين في المجمع، مستخدماً أسفار العهد القديم، بأنه كان لابد للمسيح أن يتألم ويصلب ويموت ويدفن في القبر وفي اليوم الثالث يقوم من بين الأموات، مبرهناً لهم أن يسوع هو المسيح. وقد قبل عدد كبير من الأممين الذين يتقون الله كرازته، ولكن بعد ذلك أبدت سلطات المجمع مقاومة لهم أرغمت القديس بولس ورفيقيه على مغادرة المجمع. فبحثوا عن مكان آخر لكرازتهم، فسمح لهم ياسون وهو مواطن تسالونيكي علي استخدام منزله كمقر لكرازتهم التي استمرت لعدة أسابيع أخرى، حتى قام معارضوهم بإثارة شغب كبير كان من نتيجته أن قامت السلطات الرومانية بالقبض علي القديس بولس ورفيقيه وإلقائهم في السجن، ولكنهم أطلق سراحهم بكفالة أصدقائهم التسالونيكيين، فسافر القديس بولس إلي بيرية برفقة القديس سيلا، ولحق بهما القديس تيموثاوس فيما بعد. أرجع الرسول رفيقه القديس تيموثاوس إلي تسالونيكي ليعرف أخبار المؤمنين الجدد، كما أرسل سيلا إلى مقدونية، وسافر هو إلى أثينا ثم كورنثوس. عاد اليه سيلا وتيموثاوس وطمأناه بأن المؤمنين الجدد الذين دخلوا الإيمان ثابتين في إيمانهم ويقومون بدورهم في الكرازة بالإنجيل، مما ملأ قلب القديس بولس بالفرح والسعادة، فقام بكتابة رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي وهو في كورنثوس مهنئاً ومشجعاً إياهم علي ثباتهم وكذلك للإجابة علي تساؤلاتهم، لإحساسه بالمسؤولية الرعوية تجاههم، بعدها بشهور قليلة كتب لهم رسالته الثانية. الرســـالة الأولـــي إلي أهــل تســـالونيكي
في الأصحاح الأول، بدأ بتوجيه التحية الافتتاحية التي اشرك فيها رفيقيه سلوانس المدعو سيلا وتيموثاوس، معبرين عن فرحتهم بثبات المؤمنين الجدد في المسيح حيث أنهم أظهروا ثلاث فضائل مسيحية في حياتهم وهي “الايمان والرجاء والمحبة “(1تس 3:1) من خلال نشاطهم. فقد كان لانتشاربُشرى الخلاص تأثيره القوي علي التسالونيكيين لأن المسيحية تنتشر بقوة الروح القدس العامل في نفوس المؤمنين للخلاص. وعندما قبل التسالونيكيون رسالة الخلاص بفرح جازوا في اضطهادات كثيرة من اليهود ومن الأمم (أع5:17)، لذلك كتب لهم ليشجعهم على انتظار النجاة التي سيأتي بها السيد المسيح ، فإن رجاء المؤمنين المسيحيين هو في المجئ الثاني لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، فهو سيأتي ثانية ليأخذنا لنكون معه إلي الأبد. وسيحرم أولئك الذين رفضوه من رؤية وجه الرب ومن مجد قوته، وأن الرب سوف يتمجد في قديسيه(1تس 9:1-10).
في الأصحاح الثاني دافع بولس عن نفسه وعن رفيقيه لأنهم لم يحاولوا أبداً استغلال أهل تسالونيكي أو العيش على نفقتهم، لأنهم كانوا بجانب كرازتهم باسم السيد المسيح لبنيان الجماعة المسيحية التي تكونت والعمل علي نموهم وثباتهم في الإيمان وتقديم رسالة الخلاص لهم، أيضا كانوا يعملون بأيديهم ليكسبوا تكاليف معيشتهم، متخلين عن حقهم المشروع في الحصول منهم علي حاجاتهم المادية كرسل للمسيح. وحثهم علي حياة القداسة طالباً منهم ” لكي تسلكوا كما يحق لله الذي دعاكم إلي ملكوت مجده”(1تس12:2). وأنهم قد نالوا الدخول إلي ملكوت السماوات بالإيمان، وان استعلان هذا الملكوت بكل ملئه سيكون في المجئ الثاني للمسيح لكي يخَّلِّصْ ويدين، في يوم عينه الله الآب وأنهم ورثة هذا الملكوت المعد منذ تأسيس العالم، ثم أمتدحهم ” فإنكم أيها الإخوة صرتم متمثلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع لأنكم تألمتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها كما هم أيضا من اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن.”(1تس 14:2-15). ثم أظهر لهم مقدار تطلعه إلى رؤيتهم “لذلك أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة ومرتين. وإنما عاقنا الشيطان” (1تس18:2). كما أوضح أنهم مجداً وفرحا لهم ” لأنكم أنتم مجدنا وفرحنا وإكليل افتخارنا”(1تس20:2).
في الأصحاح الثالث أرسل رفيقه تيموثاوس إلي أهل تسالونيكي لكي يثبتهم ويعضدهم ويعظهم لأجل ايمانهم “كي لا يتزعزع أحد في هذه الضيقات فإنكم أنتم تعلمون أننا موضوعون لهذا”(1تس3:3)، موضحاً أن المتاعب والضيقات قد تكون جزءاً من خطة الله للمؤمنين فاجتياز التجارب يبني الشخصية المسيحية (يع2:1-4) وينمي الصبر(رو3:5-5) ويعمق الأحاسيس نحو الآخرين الذين يواجهون الضيقات(1كو3:1-7) لأنه لا يمكن لأناس أنقياء القلب تجنب المشاكل في هذا العالم الشرير.
وقد عاد تيموثاوس إليه بأخبار سارة عن ثباتهم في الإيمان وقوة محبتهم له واشتياقهم لرؤيته، وقد تمني الرسول بولس أن ” الله نفسه وأبونا وربنا يسوع المسيح يهدي طريقنا إليكم. والرب ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضا إليكم لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه.” (1تس11:3-13).
في الأصحاح الرابع يحث القديس بولس التسالونيكيين على إرضاء الله بالسلوكْ بقداسةٍ وطهارةْ ولا سيما في مجال العلاقات الزوجية والمحبة الأخوية:”لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة . إذا من يرذل لا يرذل إنساناً بل الله الذي أعطانا أيضاً روحه القدوس” (1تس7:4-8). كما حذرهم من المبالغة في توقع حلول نهاية العالم، وشجعهم على العمل بأيديهم وعدم إهمال أعمالهم العادية (1تس 11:4-12)، وهدأ القديس بولس التسالونيكيين من جهة الراقدين بأن أكد لهم أن ” الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين نُخطف جميعا معهم في السحب لنلاقي الرب في الهواء. وهكذا نكون مع الرب دائماً لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام”(تس16:4-18). وأحداث المجئ الثاني للرب يسوع ستكون علنية وبشكل منظور وبصوت هتاف قوي، وسيصدر أحد الملائكة صوت واضح لا يمكن أن يخطئه أحد، وسوف يسمع صوت بوق عال لم يسمع مثله من قبل، وبمجرد سماع الصوت سيقوم الأموات في المسيح من قبورهم، والمؤمنون الأحياء سيخطفون في السحب لملاقاة الرب يسوع.
في الاصحاح الخامس اوضح أن يوم المجئ الثاني للرب يسوع لا يعلمه أحد وسوف يكون” يوم الرب كلص في الليل هكذا يجئ. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتي يدرككم ذلك اليوم كلص.”(1تس2:5-4). لذلك يجب أن لا ننام إذا كنا ” أبناء النور وأبناء النهار” وعلينا أن نكون مستعدين لملاقاة الرب يسوع حاملين سلاح الله الكامل ” لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لإقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح .” (1تس 8:5-9). ثم يطلب من المؤمنين “أنذروا الذين بلا ترتيب، شجعوا صغار النفوس، أسندوا الضعفاء، تأنوا علي الجميع، أنظروا أن لا يجازي أحد أحداً عن شر بشرٍ بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع، افرحوا كل حين، صلوا بلا انقطاع، اشكروا في كل شئ، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم،لا تطفئوا الروح، لا تحتقروا النبؤات، امتحنوا كل شئ، تمسكوا بالحسن، امتنعوا عن كل شبه شر .”( 1تس14:5-22). وأخيرا يعطيهم البركة الرسولية “وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام لتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجئ ربنا يسوع المسيح” (1تس 23:5)، مناشدا إياهم أن تُقرأ هذه الرسالة علي جميع الإخوة القديسين.
الرســـالة الثـــانيـــة إلي أهــل تســـالونيكي
في الاصحاح الأول بدأت هذه الرسالة بالسلام والتحية ذاكراً اسم مرسليها واسم المرسلة لهم ” بولس وسلوانس وتيموثاوس إلى كنيسة التسالونيكيين في الله أبينا والرب يسوع المسيح نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح.” (2تس1:1). مقدما صلاة شكر وتشجيع لهم علي إيمانهم ومحبتهم وصبرهم في جميع الإضطهادات والضيقات التي يحتملونها، وأنها تؤهلهم لملكوت الله:”إن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقا وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته” (2تس6:1-7) { في المجئ الثاني للرب }. مصلياً كل حين من أجلهم لكي يؤهلهم الله للدعوة ويكمل مسيرة الصلاح وعمل الإيمان بقوة لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيهم وهم فيه.(2تس11:1-12).
في الاصحاح الثاني كان بعض المسيحيين التسالونيكيين على اقتناع بأن “يوم الرب” قد بدأ فعلا وأن مجئ الرب ثانية قد يكون في أي لحظة الآن. لذلك استخدم الرسول بولس تعبير”يوم الرب” ، وهذا التعبير يستخدم في الكتاب المقدس بطريقتين:
الأولى هي نهاية ازمنة العهد القديم وبداية العهد الجديد بميلاد الرب يسوع والتي نعيش فيها الآن.
والثانية هي يوم المجئ الثاني للرب يسوع لدينونة العالم في نهاية الأيام، ولكي يهدئ من روعهم واضطرابهم لأن بعضهم ترك عمله لكي يصحو للصلوات ولكي يكون مستيقظاً لحظة الإختطاف، لذلك أكد لهم أن المجئ الثاني” لن يأتي إن لم يأتي الإرتداد أولا{ العصيان والتمرد والثورة}”والذي يتزعمه “ضد المسيح” (2تس 2:2-3) {ضد المسيح هو الوحش الصاعد من الهاوية “رؤ7:11)}. وحينئذ سيستعلن الأثيم { إنسان الخطيئة ابن الهلاك} الذي يبيده الرب بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه”(2تس8:2). ثم يقدم لهم التشجيع بأن” الله اختاركم من البدء {أزلية اختيار الله لهم} للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق” (2تس13:2).
الرسول بولس يشكر الله علي كل عمل الخلاص ابتداءاً من اختيار الله الأبدي حتى الحصول على مجد الرب يسوع في الدهر الآتي بتقديس الروح لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح (2تس13:2 -14).
ثم يختتم الاصحاح طالباً منهم ان يثبتوا ويتمسكوا بالتعاليم التي “تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا { الرسالة الأولى} وربنا نفسه يسوع المسيح والله أبانا الذي أحبنا وأعطانا عزاءً أبدياً ورجاءً صالحاً بالنعمة يعزي قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح”.
في الاصحاح الثالث يقول الرسول بولس للتسالونيكيين: “أخيراً أيها الإخوة صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب {أي الإنجيل كما هو موضح (مز14:147) “يرسل كلمته في الأرض سريعاً جداً يجري قوله”} وتتمجد كما عندكم أيضاً. ولكي ننقذ من الناس الأردياء الأشرار. لأن الإيمان ليس للجميع.” (2تس1:3-2)، حيث أنه ليس كل الناس يتمسكون بالإيمان وبكلمة الله في الإنجيل. ثم يذَّكِّرهم بقوله ” فإننا أيضاً حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً “(2تس10:3).
ثم يختتم الرسالة بصلاة ثم تحية وبركة رسولية (2تس16:3-18).
ثـامنــــا : الرســائـــل الـرعـويـــة الثــلاث
اطلقت تسمية الرسائل الرعوية علي ثلاث رسائل للرسول بولس وهذه الرسائل هي الرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس، والرسالة إلي تيطس، لأن هذه الرسائل تحتوي على اقتراحات عملية للاهتمام بالكرازة في الكنائس المسيحية في كل من أفسس وكريت لكونها تحتوي على تعاليم هامة حول أساليب قيادة الكنائس وكذلك التعاليم العقائدية بالاضافة إلي تحذيرات من الهراطقة والمعلمون الكذبة في الأيام الأخيرة كما حدث في كنيسة كولوسي وايضا بين الجماعات التي خاطبها القديس يوحنا في رسائله وفي سفر الرؤيا، فسيكون هناك قوم يرتدون عن الإيمان (1تيمو1:4)، وآخرون سينكرون الإيمان (1تيمو8:5)، وغيرهم سيرفضون إيمانهم الأول (1تيمو 12:5)، وآخرون سوف يزوغوا عن الإيمان (1تيمو21:6).
كتبت الرسالة الأولى لتيموثاوس عام 64م من روما قبل سجنه الأخير في روما والرسالة الثانية إلى تيموثاوس وهو أسقف كنيسة الأفسسيين، وقد كتبها من روما عام 67م عندما أستدعي للمرة الثانية للمثول أمام نيرون الطاغية.
أما الرسالة إلي تيطس اسقف كريت فقد كتبت عام 64 م من روما. وهذا التعليم الأساس الخاص بقيادة الكنيسة حيث أن التسميتين ” شيوخ ” و”أساقفة” تعني لقبان استعملا بالتبادل لوظيفة روحية واحدة (تي5:1، 7، أع 17:20،28) في العصر الرسولي تشيرأولهما إلى المنزلة والمقام وثانيهما إلي الوظيفة والواجبات.
الرسالــة الأولــى إلى تيمـوثـــاوس
تعطي هذه الرسالة تفويضاً كتابياً للرسول تيموثاوس للعمل كممثل للرسول بولس، ولذلك نجد أن جزءاً كبيراً من هذه الرسالة مرتبط مباشرة بشخصية القديس تيموثاوس، وبحياته الخاصة ونشاطاته. وهي بجملتها توضح فكر القديس بولس الأصيل والموثوق منه. كما تصف هذه الرسالة بكل وضوح كيف ينبغي أن يعيش إنسان الله.
الاصحاح الأول يبدأ ب ” بولس رسول يسوع المسيح … إلي تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان ، نعمة ورحمة وسلام من الله أبينا والمسيح يسوع ربنا “(تيمو1:1-2).
نلاحظ هنا أن البركة الرسولية في الرسائل الرعوية الثلاث هي “نعمة ورحمة وسلام ” لأنها مقدمة لتسند وتقوي الأساقفة في خدمتهم. ثم يدعوه لمقاومة التعليم الكاذب والخرافات التي تسبب مباحثات دون بنيان الله في الإيمان.(1تيمو 3:1-11) لأن” غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء”(1تيمو5:1). ذاكراً اختبارة الشخصي وخلاصه ” أنا الذي كنت قبلا مجدفاً ومضطهداً ومفترياً. لكني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان.” (1تيمو 12:1-15)، ثم يختتم الأصحاح بتذكير تيموثاوس بأنه “مختار من الله وعليه أن يحارب المحاربة الحسنة بإيمان وضمير صالح، محذرا إياه من هيمينايوس والإسكندر اللذين أسلمهما القديس بولس للشيطان لكي يؤدبا حتي لا يجدفا”.
في الاصحاح الثاني يبدأ الرسول بولس بذكر وصاياه وتعاليمه لتيموثاوس فيما يختص بالحياة الكنسية والتعليم بها، على أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات في الصلاة لأجل جميع الناس،لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوي ووقار. … لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. (1تيمو1:2- 4). أيضاً على النساء أن يمتنعن عن التبهرج بل يكونون في حشمة وورع، ساعين بأعمال صالحة، وأن مكان المرأة اللائق بالنسبة للرجل ظاهر من الطريقة التي ‘خُدعت بها حواء فتعدت وصية الله. لأن المرأة مدعوة للأمومة، وهي ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة.(1تيمو9:2-15).
في الاصحاح الثالث يتكلم الرسول عن صفات ومؤهلات الأسقف وكذلك الشماس، فيجب ان يكون الأسقف متزوجا مرة واحدة، بخلاف الكثيرين الذين اهتدوا إلى الإيمان وكان لهم علاقات جنسية غير مرضية، مضيفاً للغرباء،غير مدمن للخمر وأن يكون حليماً غير مخاصم، ولا محب للمال يدبر بيته حسناً وله أولاد صالحين (1تيمو2:3-5). كذلك الشماس يجب أن يكون وقوراً، وقد أنشأ الرسل هذه الخدمة في الكنيسة في أورشليم (أع1:6-6) للعناية بالحاجات المادية في الجماعة، وبخاصة الأرامل اليونانيات. والشموسية هي وظيفة قيادية في الكنيسة (1تيمو8:3-13). وفي العصر الرسولي كانت هناك شماسات مثل فيبي الشماسة (رو1:16). ثم اختتم الاصحاح بأن وجه ارشاداً عن كيفية التصرف في بيت الله الذي هوكنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته” وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم رُفع في المجد” (1تيمو16:3).
في الاصحاح الرابع يذكرالرسول بولس أن الروح يقول إنه في الأزمنة الأخيرة والتي بدأت بقيامة الرب يسوع المسيح وتستمر حتي مجيئه الثاني، سوف يرتد قوم عن الإيمان الصحيح تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين عن طريق معلمين كذبة ينادون بقواعد صارمة، لكي يظهروا للناس أبراراً عن طريق قهرهم الشديد للجسد، لأن ذلك لا يستطيع ان يرفع الخطيئة كما جاء في (كو20:2-23). كما أن هؤلاء المعلمون الكذبة ينادون بالامتناع عن الزواج وعن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق، لأن كل ما خلقه الله جيد ولا يجب أن يرفض منه شيء إذا أُخذ مع الشكر لأنه يُقَدس بكلمة الله والصلاة، ولكن عن طريق الإستخدام الجيد، فالشراهة في الأكل تسيء عطية الله للطعام الجيد، كذلك الشهوة تسيء استخدام عطية الله للمحبة، فما حلله الله يجب ان يكون لخدمته وإكرامه ويستحق منا الشكر لله علي عطاياه الحسنة (1تيمو 3:4- 5). ثم يقدم القديس بولس النصح والارشاد للقديس تيموثاوس بأن “لا يستهين أحد بحداثته وصغر سنه بل يجب أن يكون قدوة للمؤمنين في كلامه في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة. وآلا يهمل الموهبة المعطاة له بالنبوة مع وضع أيدي الشيوخ. وأن يلاحظ نفسه والتعليم مداوماً على ذلك، لكي تخلص نفسك والذين يسمعونك.” (1تيمو12:4-16).
في الاصحاح الخامس يعطي الرسول بولس ارشادات لتلميذه تيموثاوس بخصوص خدمته كأسقف في حداثته بأن يتعامل مع الناس بالحق، بعاطفة صادقة وانضباط واع، وليس من اللائق له أن يزجر رجلاً أكبر منه سناً ،بل يعظه كأب والأحداث كإخوة والعجائز كأمهات والحدثات كأخوات بكل طهارة (1تيمو1:5).
ثم يقدم إرشادات بشأن الأرامل المعوزات، بضرورة الاهتمام بهن. أما الارامل الحدثات فخير لهن بالزواج ثانية ويتحملن مسؤولية انجاب الاطفال وتدبير المنزل (1تيمو3:5-16). ثم القى على عاتق تيموثاوس كأسقف بمسؤوليات خاصة من جهة الشيوخ المدبرين حسناً (الكهنة) لسد احتياجاتهم واحتياجات اسرهم المالية، لأنهم يقومون بتعليمنا وإرشادنا روحياً، والكتاب يقول:” لا تكم ثوراً دارساً . والفاعل مستحق أجرته. ومن جهة إختيار الكهنة فيحذره من وضع يده على أحد بعجلة ولا بد أن يكون جديراً بهذا المنصب، ويجب التأكد من مؤهلات الشخص قبل أن يدعى للخدمة الكهنوتية، ثم يعطي الحل لتيموثاوس بشرب قليل من الخمر كعلاج لمعدته وأسقامه الكثيرة (1تيمو17:5-23).
في الاصحاح السادس أوضح القديس بولس أنه في المسيحية يكون السادة والعبيد متساويين روحيا كإخوة وأخوات في المسيح وفي الإيمان(غل28:3). وأعطى إرشادات للعبيد المسيحيين والسادة المسيحيين، فالعبيد يجب ان يكونوا عبيداً صالحين ويكرموا اسيادهم، وعل السادة المؤمنين اكرام واحترام عبيدهم. ثم يوجه القديس بولس نظر تيموثاوس إلى المعلمين الكذبة ومحبة المال، فهؤلاء الناس ينشغلون بمباحثات ومماحكات كلامية بها يثيرون منازعات وتساؤلات ليست من أجل البنيان. ظانين أن التقوى تجارة لذلك اختاروا وظيفة معلمين دينيين تؤهلهم للحصول على مرتب عال، وبذلك يحولون أقدس المهن الروحية إلى حرفة لكسب المال. (1تيمو2:6-5). غير عالمين أن التقوى مع القناعة هي تجارة عظيمة. “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ” (1تميو7:6 -8). فأبونا السماوي يعلم بكل احياجاتنا وقد وعد بأن يعطيها لنا دون أن نسأل أونطلب، ولكن على المسيحي أن يطلب أولا ملكوت الله وبره. أما أولئك الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيقول لهم “محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضَّلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. وأما أنت يا إنسان الله فأهرب من هذا واتبع البر والتقوي والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين.” (1تيمو 10:6-12).
يوضح هنا أن محبة المال والرغبة الجامحة في جمعه هي أصل لكل الشرور ما يؤدي بالبشر إلى أن يضلوا عن الإيمان ويطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة، ولكن المال في حد ذاته نعمة إذا استخدم استخداماً جيداً في خدمة الله. فالتقوى هي محبة الله والناس واقتناء بعض صفاته كالقداسة ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس”(1بط16:1)، والمحبة “ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة ” (1يو8:4)، والكمال” وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال”(كو14:3)، والتواضع “الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة”(1بط5:5)، أما الإيمان فهو يعني الأمانة والصبر، هو الثبات والاحتمال وقت التجربة في حين أن الوداعة هي اللطف وتواضع القلب. وأن الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين فهذا كان إشارة إلى معموديته. ثم يخاطب تلميذه تيموثاوس ويصفه بأنه “إنسان الله” أي يجعل الناس يفكرون في الله يعبدونه بكل تقوى ويمجدونه، وعليه أن يمسك بالحياة الأبدية التي صارت من نصيبه منذ لحظة اهتدائه. وأوصاه”بأن يحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلي ظهور ربنا يسوع المسيح الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يُدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين”(1تيمو14:6-17). وفي آخر الاصحاح يطلب من تيموثاوس قائلاً: ” احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العالم الكاذب الاسم الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان. النعمة معك .آمين “(1تيمو20:6-21).
الرسول بولس أدرك أن تلميذه تيموثاوس سيواجه الكثير من التعاليم التي تتظاهر بالمعرفة الحقيقية مثل الغنوسية في ذلك الوقت، وفي حقيقتها تقاوم الإعلان المسيحي. وكان هناك أيضا “العلم النصراني” والذي يدعي أن هذا النظام ذو طابع مسيحي، مدعيا بأن عنده المعرفة الحقيقية، لكنه كاذب الاسم، وهو ليس علماً ولا مسيحياً. أيضا كان هناك ما يسمي ب”المذهب العقلاني”، و”التيارات العصرية”، و”التيارات التحررية” وكلها بعيدة عن المسيحية الحقيقية. ثم أعطاه البركة الرسولية “النعمة معك” لأن نعمة الله هي التي سوف تسنده في جهاده ضد هذه التيارات الكاذبة وتوصله وشعبه إلي الحياة الأبدية في المسيح يسوع ربنا.
الرسـالــة الثـانـيـــة
الرسالة الثانية إلى تيموثاوس كتبت عام 67م تقريبا حينما قُبض على بولس وسجن في سجن مامرتايم في مدينة روما حسب التقليد، فيه كان يشعر بأن ساعة انتقاله من هذا العالم اصبحت وشيكة (2تيمو6:4)، ولم يكن باستطاعة أحد طرحه إلى الأسود أو صلبه لأنه مواطن روماني الجنسية، ولكنه كان لابد أن يستشهد بقطع رأسه بحد السيف. وكانت تجول في خاطره تعليمات وارشادات ونصائح كثيرة من ناحية ما تم تأسيسه بعون الله وارشاد الروح القدس من كنائس خارج فلسطين.
هذه الرسالة تعتبر “الكلمات الأخيرة” له وايضاً ” كلمات البركة الرسولية” وهي خلاصة محبته ومشاعره وحكمته وفطنته .
في الاصحاح الأول استهل الرسول بولس رسالته بمقدمة غاية في الرقة تنساب في كل عباراتها محبة لتلميذه تيموثاوس”ياولدي تيموثاوس” والتي يدعوه فيها “بالإبن الحبيب” (2تيمو1:1-5). مذكرااياه تيموثاوس أن يذكر دعوته وبأن يضرم موهبة الله التي فيه وأن يستخدم مواهبه بكل جرأة (2تيمو6:2-10)، وعليه أن يتمسك بالحق بكل قوة(2تيمو13:1-18).
في الاصحاح الثاني يشجعه بالنعمة التي في المسيح يسوع، وبأن ‘يعدَّ آخرين بما سمعه منه لمواصلة الخدمة {التسليم }( 2نيمو1:2-2). وما أجمل هذه الكلمات المفرحة المطمئنة لنفوسنا وأرواحنا “صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضا معه. إن كنا نصبرفسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضا سينكرنا. إن كنا غير أُمناء فهو يبقي أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه” (2تيمو11:2 -13) وأن يكون منضبطاً مستعدا لاحتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح، وان تكون كل افكاره وأنظاره موجهة نحو المسيح يسوع ربنا، وأن يتمسك بالتعليم الصحيح ويتجنب المجادلات الغبية، مفصلا كلمة الحق بالاستقامة، وأن يحفظ حياته طاهرة. (2تيمو1:2- 26).
في الاصحاح الثالث يحذرتلميذه تيموثاوس من المقاومات التي سيواجهها هو وغيره من أناس غير مؤمنين في الأيام الأخيرة ويقول له فأعرض عن هؤلاء لأنهم يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين… لهم صورة التقوى ولكنهم منكرين قوتها. ويعلمون تعاليم باطلة.(2تيمو1:3-9). مطالبا إياه بمواجهة هؤلاء الضالين والمضللين كما قاومهم هوفي أنطاكية وإيقونية ولسترة مستمداً قوته من كلمة الله في الكتب المقدسة القادرة أن ‘تحكمه للخلاص الذي في المسيح يسوع ربنا ( 2تيمو10:3-15). ويعلن له أن” كل الكتاب هو موحي به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح.”( 2تيمو16:3-17).
في الاصحاح الرابع يناشد تيموثاوس أمام الله والرب يسوع أن يكرز بالكلمة في كل وقت، يوبخ وينتهر ويعظ، لأن لهم معلمون مستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلي الخرافات. وعليه أن يعمل عمل المبشر في تتميم خدمته (2تيمو1:4- 5). ثم يختم رسالته ببعض المتطلبات الشخصية، ويكشف بهذه الكلمات الأخيرة له عن إحساسه بالوحدة وعن محبته القوية الصادقة لإخوته وأخواته في المسيح يسوع ربنا (2تيمو9:4-22).
الرســـالة إلـى تـيـطــس
إن التقليد يذكر لنا أنه بعد اطلاق سراح الرسول بولس من سجنه الأول في روما عام 63م، سافربصحبة رفيقه تيطس وتوقفا في كريت لفترة قصيرة من الوقت، وعندما غادرها الرسول بولس ترك تلميذه تيطس هناك لرعاية الكنائس بها والاشراف عليها ” من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمورالناقصة وتقيم في كل مدينة شيوخاً كما أوصيتك. “(تي5:1). وبكل حب وعناية عاون الرسول بولس رفيقة تيطس وهو يوناني الأصل مؤمن مؤهل للنمو في الروح ليصبح قائداً مسيحياً ناضجاً ومسؤولاً كبيراً في الكنيسة، وقد جاءت الرساله إل تيطس خطوة أخرى في عملية تلمذته وأيضا لكي يعرف كيف يقوم الرسول تيطس بترتيب الكنائس وقيادتها. وهذه الرسالة شبيهة بالرسالة الأولى إلى تيموثاوس من حيث الغرض منها وهوإعطاء التعليمات بخصوص ترتيب الكنيسة وتنظيمها.
في الاصحاح الأول بدأ بولس كعادته بالتحية والمقدمة ولكنها جاءت أطول مما في بقية رسائله، معطياً “البركة الرسولية” لتيطس بقوله: “نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والرب يسوع المسيح مخلصنا “(تي1:1-4) لأنها موجهة إلى أسقف منطقة في أمس الحاجة الى الكرازة ، موجزاً فيها تطورات القيادة وخدمة الرسول بولس، ومسؤوليات تيطس، والقادة الذين سوف يقيمهم ويدربهم. (تي5:1)، ثم يتطرق الرسول إلى مواصفات هؤلاء الشيوخ الذين يكلفون بالكرازة والتعليم بالكنيسة، موضحاً الفرق بينهم وبين القادة والمعلمين الكذبة (تي10:1-16).
في الاصحاح الثاني أكد على أهمية الأعمال الصالحة في حياة الإنسان المسيحي، مذكراً تيطس بأن يعلم بما يوافق التعليم الصحيح (تي1:2)، وطريقة التعامل مع الفئات المختلفة من الأعمار {الشيوخ، العجائز والاحداث} (تي2:2-6) ، مقدما نفسه قدوة ومثالا صالحا للمؤمنين الناضجين (تي7:2-8)، ناصحاً إياه أن يعلم بكل أمانة وشجاعة وسلطان (تي 9:2). ” لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوي في العالم الحاضر. منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة. تكلم بهذه وعِّظْ ووبِّخْ بكل سلطان. لا يستهين بك أحد” (تي10:2-15).
في الاصحاح االثالث يطالب الرسول من رفيقه تيطس بأن يذَّكر المؤمنين المسيحيين بمسؤولياتهم العامة في المجتمع(تي1:3-8). وأيضاً عليه أن يتجنب المباحثات الغبية والخصومات والمنازعات الناموسية التي تقود إلى الانقسامات (تي9:3-11). وفي نهاية الرسالة يبعث برسائل شخصية وتحيات وداعية (تي12:3-15).
تاسعـــأ الرسـالــة إلــي فليمــون
هذه الرسالة تتكون من إصحاح واحد ورغم قصرها إلا أنها تبرز شخصية مرسلها الرسول بولس، وقد كتبها له أنسيموس عام 60م أثناء سجنه الأول في مدينة روما. وقد بدأها بتحيته المعتادة مشركا معه تيموثاوس” بولس أسير يسوع المسيح وتيموتاوس الأخ” (8) وهي موجهة لفيليمون الذي كان مؤمنا مسيحيا حقيقيا ومضيفا للكنيسة في بيته. ويتضح من الرسالة أن فليمون كان له عبد إسمه أنثيمس هرب منه، ولما التقى أنثيمس بولس في السجن بروما ، قام الأخير بتبشيره فاعتنق المسيحية، لذلك قال عنه القديس الرسول بولس ” ابني أنثيمس الذي ولدته في قيودي”. وقد وصفه بقوله ” الذي كان قبلا غير نافع لك ولكنه الآن نافع لك ولي ” ونتيجة دخوله الإيمان المسيحي، شعر أنثيموس أن المحبة المسيحية تفرض عليه الرجوع إلي فيليمون وهو يعلم بأن رجوعه قد يعرضه لعقوبات صارمة. هذه الرسالة إلي فليمون هي التماس شخصي من القديس بولس من أجل أنثيمس العبد الهارب ، ملتمسا من فليمون أن يقبله لا كعبد بل كأخ في المسيح ” لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك لساعة ليكون إليك إلي الأبد لا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد أخا محبوبا ولا سيما إلي فكر بالحري إليك في الجسد والرب جميعا ، فإن كنت تحبني شريكا فاقبله نظيري” (15-17).
في آخر السفر يطلب الرسول بولس من فيليمون أن يعد له منزلاً، لأنه كان يتوقع إطلاق سراحه من سجنه في وقت قريب.
إن هذا السفر الصغير، هو تحفة رائعة من أعمال النعمة، وصورة معبرة لعمل قوة المسيح والشركة المسيحية الصادقة المليئة بأواصل المحبة والرأفة والإخلاص.
عـاشـــرا الرسـالــة إلـي العبـرانييــن
هذه الرسالة منسوبة إلى الرسول بولس مع أنه لم يرد ذلك صراحة في نص الرسالة إسوة بباقي رسائله، ولكن ما يؤكد أن الكاتب هو ذاته بولس بدليل حديثه عن تيموثاوس ” كأخ” (عب23:13). وقد كتبت للعبرانيين الذين تحولوا إلي الإيمان المسيحي، ويريدون الإرتداد إلى اليهودية بسبب عدم نضوجهم في الإيمان المسيحي وعدم فهمهم للحق الكتابي (عب 1:2-3) وأيضا بسبب الاضطهاد الواقع عليهم من اليهود والرومان. وقد كتبت عام 68م ، والدليل علي ذلك هو أنها تذكر اشارات عن الذبائح والاحتفالات، ولم يأتِ ذكر لحريق الهيكل وخراب أورشليم علي يد تيطس الروماني سنة 70م. فعندما جاء ربنا يسوع المسيح في ملء الزمان أكمل الناموس والأنبياء وأعطانا الخلاص المجاني من خطايانا الموروثة قاهرا الشيطان والخطيئة، ونقض كل الحواجز للوصول إلي الله وملكوت السماوات من خلال عهد جديد أسسه بدمه غفراناً للخطايا. هذه الرسالة وثيقة ممتازة تنفرد بسيادة وتفوق العهد الجديد، وامتياز المسيحية علي اليهودية، لأن ربنا يسوع المسيح هو وحده مانح الخلاص وغفران الخطايا، وبذلك يكون ترك الرب يسوع المسيح هو تخلي عن خلاص الله.
في الاصحاح الأول يؤكد علي أن الله تدرج في الإعلان عن نفسه بما يتناسب مع قدرات الإنسان علي فهم أمور الله، فأعلن الله الديانة اليهودية وأعطاهم الناموس والوصايا العشر والنبؤات تمهيداً لإعلان المسيحية كما هو مكتوب “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفدي الذين تحت الناموس لننال التبني” (غل4:4-5). فكلا من اليهودية والمسيحية هما إعلان إلهي (عب1:1-3). وأن المسيح له المجد “بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم…أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص.” (عب4:1- 14).
في الاصحاح الثاني شدد الرسول على أنه”يجب أن ننتبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته. لأنه إن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعدٍ ومعصيةٍ نال مجازاة عادلة فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا شاهدا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته.”(عب1:2-4).
وعن سبب التجسد الإلهي في ملء الزمان يقول: ” فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية. لأنه حقا ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم. من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شئ لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا فيما لله حتي يكفر عن خطايا الشعب. لأنه في ما هو قد تألم يقدر أن يعين المجربين.”(عب 14:2-18).
في الاصحاح الثالث يوضح الرسول سمو كهنوت ربنا يسوع المسيح الذي كان” كاهناً إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”(مز 4:110) وأن رب المجد يسوع المسيح أسمى من موسى النبي وهرون الكاهن لأنهم من نسل لاوي(عب 1:3-4)”موسى كان أميناً في كل بيته كخادم شهادة للعتيد أن يتكلم به. وأما المسيح فكان علي بيته. وبيته نحن إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية “(عب 5:3-6). لقد كفل لنا الرب بدمه الذكي الكريم مغفرة خطايانا والدخول المستمر إلي محضر الله، في حين أن رئيس الكهنة كان يدخل مرة واحدة كل سنة في يوم الكفارة العظيم بدم ذبيحة حيوانية ولم تكن هذه الذبائح ‘تُطهر إلا من النجاسة الطقسية، وقد تحقق في رب المجد يسوع كل ما عجزت طقوس العهد القديم أن تحققه.
في الاصحاح الرابع يذكر الرسول أن ربنا يسوع المسيح له المجد يقدم لنا نحن المؤمنين راحة أفضل بإيماننا به رباً وفاديا ومخلصاً (عب 1:4-13). مقدما النصح والإرشاد بقوله” اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم…فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها”(عب7:4-13). مؤكدا “فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شئ مثلنا ماخلا الخطيئة. فلنتقدم بثقة لعرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه.” (عب14:4-16).
في الاصحاح الخامس في العهد القديم كان الله يختار رئيس كهنة من الناس لكي يقدم قرابين وذبائح عن خطايا الشعب وأيضا عن نفسه، ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله، كذلك أيضا ربنا يسوع المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة ورئيس السلام كان مختاراً من الله الذي قال له ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك “(مز7:2) ، (مز4:110)، أيضا قال له ” أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق” (عب 21:7). ” الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي.” (عب 7:5-8 ) (1). لقد كانت حياة ابن الإنسان وهو علي الأرض حياة الاتضاع والتسليم والطاعة التامة للآب السماوي ،لذلك قال ” لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا. هذه الوصية قبلتها من أبي” (يو17:10-18).
ونظراً لأن اليهود المتنصرين كانوا غير ناضجين روحياً ورفضوا تخطي التقاليد العتيقة، ولم يكونوا قادرين على فهم ما يعلم به القديس بولس عن دور رب المجد يسوع المسيح كرئيس الكهنة الأعظم، لتمسكهم ببعض روابطهم اليهودية، لذلك يقول لهم الرسول بولس أنهم عديمي الخبرة في كلام البر كالأطفال الذين يحتاجون الى اللبن لا إلى طعام قوي وصارت حواسهم غير مدربة على التمييز بين الخير والشر.(عب 12:5-14).
في الاصحاح السادس يوضح لهم أن المبادئ الأساسية للإيمان هي التوبة والإيمان والمعمودية ووضع الآيادي قيامة الأموات والدينونة الأبدية، “لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه “(عب 4:6-6). لأن موقف الكنيسة منذ القرن الأول المسيحي من الذين دخلوا الإيمان المسيحي ثم تحولوا عن رب المجد يسوع المسيح عمداً ويستمرون في الرفض فهم غير مؤمنين ويرفضون الخلاص، لأنهم بذلك يجدفون على الروح القدس الساكن فيهم ويموتون في خطاياهم. لقد انتظر إبراهيم وعد الله بأن يعطيه نسلا، وإذ لم يكن له أعظم يقسم به أقسم له بنفسه، وانتظر إبراهيم خمس وعشرين سنة حتى ولد له إسحق (تك1:21-3).
الحجاب الذي يفصل بين القدس وقدس الأقداس في خيمة الإجتماع، كان يمنع حتي الكهنة من الدخول أو التطلع داخل قدس الأقداس. وكان رئيس الكهنة هارون يدخل داخل قدس الأقداس مرة واحدة كل سنة بدم عجول وتيوس ويقف أمام الله ليكفر عن خطايا الشعب وخطاياه. أما ربنا يسوع المسيح فهو في حضرة الله كل حين كرئيس كهنتنا ليشفع فينا أمام الآب علي الدوام (عب19:6-20).
في الاصحاح السابع ذكر بولس “ملكي صادق” وهو اسم عبري معناه ملك البر. وكان هو ملك ساليم أي ملك مدينة السلام ، لكي يوضح أن هناك من هو أعظم من إبراهيم الجد الأكبرللشعب الاسرائيلي والذي كان سبط لاوي من نسله، وبذلك يكون الكهنة اللاويين والكهنوت اليهودي أقل مرتبة من كهنوت ملكي صادق كاهن الله العلي الذي استقبلإبراهيم وهو عائد من الحرب وقدم له خبزاً وخمراً.
كهنوت ملكي صادق يرمز لكهنوت ربنا يسوع المسيح .
كان ملكي صادق ” بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداية أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقي كاهنا إلي الأبد”(عب3:7). وقد “استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه الذي قسم له إبراهيم عشرا من كل شئ ” (عب1:7-2).
كان الناموس في العهد القديم ‘يعرف الناس عن الخطيئة، لكي يتحرروا من عبودية الخطيئة المؤدية للهلاك الأبدي إلى طاعة البر الذي في تعاليم ووصايا ربنا يسوع المسيح بالعهد الجديد ” فإذ قذد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله ” (رو1:5-2).
“لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا “(رو4:5). إن ربنا يسوع المسيح كرئيس كهنتنا الأعظم، هو شفيعنا إلي الأبد وهو الوسيط بين الله وبيننا، كما أن رب المجد يسوع المسيح هو الآن في السماء جالس عن يمين الآب مما يؤكد لنا أنه دفع الثمن لخطايانا مرة واحدة وإلي الأبد وهو علي الصليب (رو32:8-34). فرب المجد يسوع المسيح قد أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا” (رو25:4).
وقد كانت ذبيحة الرب يسوع المسيح الكفارية علي الصليب كافية لخلاص كل المؤمنين به من شعوب العالم من آدم إلى يوم مجيئه الثاني، فقد نلنا بموته و بسفك دمه الذكي الكريم علي الصليب الحياة الأبدية.( رو22:7)، (رو25:7).
في الاصحاح الثامن يقول الرسول أن خلاصة الكلام هي أن لنا رئيس كهنة هو ربنا يسوع المسيح الذي جلس في يمين عرش العظمة في السماوات. خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان (عب1:8-2). كان كهنة العهد القديم يختارون من سبط لاوي فقط “الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أُوحي إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن. لأنه قال أنظر أن تصنع كل شئ حسب المثال الذي أظهره لك علي الجبل ” (عب5:8-6). في العهد الجديد ذبيحة المسيح الكاملة التامة علي الصليب أنهت كل احتياج إلي ذبائح حيوانية. وهذا هو الطريق الأفضل والأكمل المكتوب في قلوبنا وأذهاننا وعقولنا بالإيمان بربنا يسوع المسيح فاديا ومخلصا . ففي العهد الجديد الروح القدس الساكن فينا يطهر ضمائرنا وقلوبنا ونياتنا ويذكرنا بوصايا الرب.
في الاصحاح التاسع نري أنه قد نصبت خيمة الاجتماع والمكونة من المسكن الأول وهو “القدس” الذي كان فيه المنارة الذهبية والمائدة وخبز التقدمة، ويدخله الكهنة كل حين للخدمة، ووراء الحجاب “قدس الأقداس “، فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد المغشى من كل ناحية بالذهب وفيه قسط المن المصنوع من ذهب وبداخله المن وعصا هارون التي افرخت ولوحي العهد. وفوقه كاروبا المجد الذهبيان مظللين الغطاء وهو ما يطلق عليه “عرش النعمة” . وكانت تقدم ذبائح حيوانية علي المذبح يوميا لمغفرة الخطايا (عب12:7-14). وكان رئيس الكهنة يدخل إلي قدس الأقداس بخيمة الاجتماع مرة واحدة في السنة يوم الكفارة العظيم بدم عجول وتيوس ليكفر عن خطاياه وخطايا شعبه (عب19:10).
كان الله يطالب الشعب أن يقدموا ذبائح حيوانية بلا عيب ويضعوا أيديهم علي رأس الحيوان قبل أن يذبح، مقرين بخطاياهم، وكان هذا إشارة إلى ربنا يسوع المسيح حمل الله الوحيد الذي بلا عيب وبلا خطيئة الذي “جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة… وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً… فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي.” ( عب11:9-14).
فالدم هو الذي يسري في عروقنا لاستمرار حياتنا، وقد سفكه الرب يسوع المسيح علي صليب الجلجلة لأنه: “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة”( عب 22:9)، حتى نجتاز نحن المؤمنون به الموت الروحي وهو الانفصال الأبدي عن الله، وبذلك أصبح ربنا يسوع المسيح هو مصدر حياة أبدية لنا. فبقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كسر شوكة الموت معلنا لنا انتصاره علي الخطية والموت، ” ولكنه الآن قد أظهرمرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه ” (عب26:9)، ويشير انقضاء الدهور إلى زمان مجيئه الأول لكي يتمم نبؤات العهد القديم، فقد ولد ربنا يسوع المسيح وعاش علي الأرض واهباً عصراً جديداً هو عصر النعمة والمغفرة والذي سوف يستمر حتى يوم مجيئه الثاني. “وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة هكذا المسيح أيضاً بعد ما قدم مرة ولكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر مرة ثانية بلا خطيئة للخلاص للذين ينتظرونه ” (عب 27:9).
في الاصحاح العاشر كان الشعب في يوم الكفارة العظيم من كل سنة يجتمعون لتقديم ذبائح متذكرين خطاياهم ، ويشعرون مرة أخرى أنهم مذنبين يترجون مغفرة خطاياهم، ونظرا “لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا “(عب 4:10)، لذلك فهم في احتياج لمغفرة خطايا دائم وهذا لن يتحقق إلا بربنا يسوع المسيح الذي يمحوالخطايا ويرميها في بحر النسيان بمجرد أن نعترف له بخطايانا ونتوب عنها ثم نتقدم للتناول المقدس من جسده الطاهر ودمه الذكي الكريم. ثم اقتبس الرسول بولس من (مز6:40-8)” بمحرقات وذبائح للخطيئة لم تسر. ثم قلت هاأنذا أجئ في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله… ثم قال هاأنذا أجئ لأفعل مشيئتك يا الله. ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة.”(عب 6:10-10). فقد كان صعود الرب يسوع المسيح إلي السماوات وجلوسه إلى الأبد عن يمين الله يعني انتهاء نظام الذبائح الحيوانية . ” وأما هذا فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلي الأبد عن يمين الله منتظرا بعد ذلك حتي تضع أعداءه موطأً لقدميه. لأنه بقربان واحد قد أكمل إل الابد المقدسين “(عب13:10-14)، المسيح ربنا جالس علي عرش الملك والسلطان لأن خدمة قربانه قد اكتملت، وبموت ربنا يسوع المسيح على الصليب انشق حجاب الهيكل الرمزي من أعلى إلى أسفل (مت51:27-53) معلنا أن كل شئ قد ‘أكمل ” لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين. ويشهد لنا الروح القدس أيضاً ” (عب14:10-15)، فقد أكمل لنا النبؤات وأكمل لنا الخلاص ووهبنا الحياة الأبدية. ثم ينتقل بعد ذلك إلي تقديم دعوته بالثبات في الإيمان والرجاء والمحبة والأعمال الحسنة (عب19:10-25). معلنا الدينونة المخيفة لأولاد الله إذا أخطأوا بإختيارهم حيث “لا تبقي بعد ذبيحة عن الخطايا” (عب 26:10-27). “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي “(عب31:10) “لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ. أما البار فبالإيمان يحيا وإن ارتد لا تسر به نفسي. وأما نحن فلسنا للإرتداد للهلاك بل من الإيمان لإقتناء النفس” (عب 37:10-39).
في الاصحاح الحادي عشر وصف الرسول بولس الإيمان بكلمتين محددتين وهما “الثقة ” و”الإيقان”، ويلزم لذلك أن يكون هناك نقطة بداية ونقطة نهاية.
ونقطة البداية فهي أن نؤمن ونصدق أن الله موجود. ونقطة النهاية هي أن نؤمن بكل وعوده لأنه صادق وأمين، لأن الله ” ليس إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل. ويتكلم ولا يفي” (عد 19:23).
ثم قام بعرض قائمة لأبطال الإيمان بالعهد القديم بحسب التسلسل التاريخي بشئ من التفصيل. مظهراً ادراكهم للحقائق الالهية غير المنظورة وعلي ثقتهم في ما هوعتيد أن يحققه لهم الله رغم أن المظاهر المنظورة والطبيعية كالسن يوحي بالنقيض (عب 9:11-11،17-18). ولكن الضمان الوحيد والأكيد الذي فيه الكفاية فهو في الله الحي وأمانته، لذلك نرى النبي موسى مثلا ” تشدد كأنه يرى ما لا يُرى. “(عب27:11)، وكان “حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظرإلي المجازاة ” (عب26:11). وأمثال هؤلاء وغيرهم من الشهداء يتخذهم الله خاصة له، ويتنازل ليدعي لهم الها، ويطلق على هذا الاصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين ” باصحاح أبطال الإيمان” ونجد أنه ختم هذا الاصحاح بقوله “فهؤلاء كلهم مشهودا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكي لا يكملوا بدوننا. “(عب39:11-40).
في الاصحاح الثاني عشر يحثنا الرسول على الرجاء الذي لنا في ربنا يسوع المسيح، متحلين بالصبر والجهاد ضد الخطيئة بقوة الروح القدس الساكن فينا “ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله.” (عب2:12)، ولا يجب أن نضعف أونخور من الإطهادات والمضايقات لأن لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا.
ثم قام الرسول بتذكيرنا فقال” لم تقاوموا حتي الدم مجاهدين ضد الخطيئة “(عب4:12)، وعلينا ألا نحتقر تأديب الرب “لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله” (عب6:12)، لأن تأديب الرب هذا لكي نشترك في قداسته (عب10:12). ثم يقدم لنا النصح والارشاد فيقول “اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 14:12). وأعطانا مثالاً حياً وهو عيسو” الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته. فإنكم تعلمون أنه أيضا بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض إذ لم يجد للتوبة مكانا مع أنه طلبها بدموع” (عب16:12-17).
في العهد القديم تقدم الشعب بخوف ورعدة إلي الله في جبل سيناء، أما في العهد الجديد فإن اقتراب الشعب إلي جبل الزيتون كان بفرح، لأن الله في العهد القديم كان يبدو بعيداً مخيفا حتي أن موسى النبي قال أنا مرتعب ومرتعد(عب21:12)، لكن بعد مجئ ربنا يسوع المسيح إلي العالم، صار لنا قبول إلي حضرة الله من خلال المسيح ربنا. وصار المسيحيون شركاء في أورشليم العلوية، لأن ربنا يسوع المسيح يملك على قلوبنا وأرواحنا ، والروح القدس ساكن فينا. أورشليم العلوية هي حقيقة كتابية أعلنها لنا الروح القدس في (رؤ 2:21).
الشعب الإسرائيلي عند جبل سيناء كان يستعفي من المتكلم، ووجدوا أن صوته زعزع الأرض، واما الآن فإن الله يتكلم بالرحمة بواسطة الدم المرشوش، ولذلك يجد المسيحيون أنفسهم أمام من يخاطبهم في السماويات ليكشف لهم الحقائق الأخروية، علما بأن إله العهد القديم هو إله العهد الجديد ذاته وهو نفسه المتكلم في كل الأحوال بصرف النظر عن الطريقة التي يتكلم بها.
لقد أعلن لنا الله في المسيح بواسطة الأنبياء كما ورد في (حج6:2) وأنه سينهي تعامله مع الكون بفعل دينونة حاسمة مزعزعا السماوات والأرض معاً (مر31:13)، (2بط7:3 )، وبذلك ننتقل من النظام الزمني إلى النظام الأبدي، فالنظام الزمني فيه الأشياء متزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع في النظام الأبدي ( عب25:12-29).
في الاصحاح الثالث عشريشدد الرسول بولس على” المحبة الأخوية في العائلة المسيحية ” من ضيافة الغرباء(10) (عب2:13)، التعاطف مع المقيدين في السجن والمذلين في الجسد (عب 3:13)، إحترام الزواج (4:13)، قناعة واكتفاء الإنسان بما يمتلك وألا يشتهي ما للغير(عب 5:13)، التعاطف مع المسيحيين المسجونين بسبب إيمانهم فزيارة المسجونين كأنما زار المسيح يسوع نفسه (مت36:25)، ونحترم قادتنا الروحيين، وأن نذهب إلي المسيح خارج المحلة حاملين عاره الذي احتمله (عب13:13). هذه المميزات والالتزامات المسيحية الخاصة تؤهلنا للدخول إلي الحضرة الالهية بالإيمان والرجاء والمحبة الأخوية في العائلة المسيحية وهي الكنيسة.
هذه كلها جاءت وليدة الحقيقة العظمى التي جاهد من أجلها القديس بولس وهي أن ربنا يسوع المسيح هو المخلص الوحيد الذي ليس بأحد غيره الخلاص.
سجـنـــه ثـم اسـتـِشـهــاده
سجن الرسول القديس بولس في روما للمرة الأولي في الفترة بين عام 61م وعام 63م . وكان الحراس في السجن يتناوبون على حراسته مرتين يوميا، وكان هؤلاء الحراس والمسجونين معجبين بهذا الأسير الممتلئ فرحا وتسبيحا رغم قيوده وسلاسله. وعندما كانوا يسألونه عن سبب فرحه كان يحدثهم ويشرح لهم أن سبب فرحه هو الرب يسوع المسيح الذي ظهر له في الطريق إلى دمشق ودعاه للكرازة بإسمه المبارك، وكان ينتهزها فرصة لتبشيرهم بديانته الجديدة، وكانوا يتحدثون عنه مع بعضهم البعض في معسكرهم. ومن كثرة تعلقهم به بدأت مجموعات صغيرة تتوافد إليه لزيارته والإستماع لكرازته بالمسيح ربا وفاديا ومخلصا، كقوله ” ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل. حتي أن ثقتي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية وفي باقي الأماكن أجمع” (في 12:1-13)، مما كان له أثرا كبيرا في نفوس فرقة الحراسة خلال هذين العامين. ومع كونه مقيدا ومسجونا إلا أنه كان يدرك مقدار المسؤولية الموضوعة عليه وهي الاهتمام بجميع الكنائس التي أسسها والتي زارها كارزاً فيها . فكان يرسل إليهم من وقت لآخر رفقاءه المحيطين به كما كان ‘يحملهم برسائله للاطمئنان عليهم ولكي يثبتهم في الإيمان. وأخيرا بعد عامين كاملين مسجوناً وقف المجاهد في سبيل المسيح رسوله بولس أمام محكمة نيرون الاستئنافية، وشاءت العناية الالهية أن يصدر الحكم لصالحه. لأن اليهود المتعصبين سئموا وملوا من مطاردته فسكتوا ويبدوا أن التقارير الواردة من فستوس الوالي وقائد المئة يوليوس الذي كان مكلفا بحراسته حتى أوصله إلى رومية وأيضا شهادة الضباط الذين تناوبوا علي حراسته أثناء سجنه كان لها أثر كبير في براءته، وفوق كل ذلك كان القضاة الرومانيون لا يهتمون بالشكليات اليهودية، لذلك جاء الحكم ببراءته ففكوه من قيوده وأطلقوا سراحه. فذهب علي الفور ليستكمل رسالته العظمى التي كلفه بها ربنا يسوع المسيح عندما ظهر له وهو في الطريق إلي دمشق.
بعد خروجه من السجن الأول في روما لم يهدأ بولس بل زاد من نشاطه في الكرازة، فترك روما وذهب إلي كولوسي وأقام في بيت فيليمون، وهناك التقى للمرة الثانية مع أنثيموس. ومن كولوسي قام ببعض الزيارات الرعوية لجميع الكنائس التي أسسها في هذه البلاد المحيطة لكي يثبتهم في الإيمان ويعضدهم لكي تستمر خدمتهم الكرازية والرعوية. بعد ذلك سافر عن طريق البحر حتي وصل إلي أسيا الصغرى والبلقان وايطاليا وأسبانيا حيث قام بالكرازة وبتأسيس كنائس في هذه البلاد. ثم عاد إلي ترواس حيث تم القبض عليه بأمر من الطاغية نيرون و‘رحل إلي سجن مأمرتايم بمدينة روما حسب التقليد عام 67م. ووقف رسول الامم القديس بولس أمام نيرون الامبراطور الطاغية للمرة الثانية وكانت التهمة هذه المرة أنه زعيم لجماعة المسيحين الذين، اتهموا كذبا أنهم، قاموا بإحراق مدينة روما العريقة، ولم تستمرالمحاكمة طويلا وصدر الحكم بالاعدام، ولم يكن مع القديس بولس محام ليدافع عنه ولم يكن معه هناك أحد من المسيحيين أو الأصدقاء، حتى تلميذه تيموثاوس الذي كان يلقبه بإبنه لم يكن هناك. ونظرا لأن القديس بولس مواطن روماني لم يعدم شنقا أو مصلوباً أو رميا بالحجارة.
استشهد القديسان العظيمان بطرس وبولس هامتا الرسل في منطقة روما عام 67 م، وقد استشهد القديس بطرس مصلوبا منكس الرأس، والقديس بولس بقطع هامته بحد السيف خارج مدينه روما حيث كانت ساحة الاستشهاد علي طريق أوستيا. ولم يكن هناك أحد يحمل جسديهما في إعزاز ويبكي عليهما أو يواريهما التراب بكرامة واعزاز.
الخاتمة
باستشهاد القديسين العظيمين هامتي الرسل مؤسسي الكرسي الانطاكي ومؤسسي كرسي رومية الرسولين بطرس وبولس ارتفعت روحاهما الطاهرتين وانطلقتا إلي أرض الأحياء إلي راحتهما الأبدية وسط جوقة من الملائكة والقديسين المسبحين والفرحين والمهللين إلي فردوس النعيم وقد نال رسول الجهاد الامين القديس بولس بعد كل هذا الجهاد الامين وفتح كل هذه الكنائس في كل مكان بوصفه رسول الامم وبعد هذا الكم من التنظيمات والاوامر والنواهي التشريعية الرائعة التي نظم بها الكنيسة نال اشتياقه على حسب قوله:
“لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً “(في23:1).
لقد نال شهوته وتحقق مراد الرب يسوع في تلك المقابلة الرهيبة في الطريق الى دمشق وفيها صار القاتل والمضطهد الرسول المصطفى والاناء المختار رسول الامم ورسول الجهاد الامين ومشرع الكنيسة الساعي مستقيماً الى حقيقة الانجيل محذراً اياناً من الذئاب الخاطفة التي تأتينا بثياب الحملان.
شفاعته فلتكون مع كنيسته التي اسسها واقتناها بدموع وقد خدمتها يداه الطاهرتين.
حواشي البحث
(1) كان القديس برنابا الرسول من أوائل الذين باعوا ممتلكاتهم وألقوها عند أرجل الرسل
(2)أليس هذا عجباً، عرضوا عليه الإلوهية فرفض لإيمانه بالإله الواحد الذي لاتوجد آلهة غيره، فيكون جزاؤه الرجم. ما أعجب أعمالك يارب وطريقة تعاملك مع الإنسان !!! فرجم استفانوس قد أعطى الكنيسة القديس بولس الرسول الكارز العظيم، ورجم القديس بولس أعطى الكنيسة القديس تيموثاوس الذي جاهد معه إلى حد أن دعاه القديس بولس ب “ابنه” “ياولدي تيموثاوس”.
(3)لم تُسند إلى القديس بطرس رئاسة المجمع الرسولي الأول، ولو كان رب المجد يسوع قد عينّ القديس بطرس رئيساً للرسل كما يدّعي البعض، لسمح له الرسل بأن يرأس هذا المجمع الرسولي الأول. ولكن هذا الادعاء كان ذريعة لترؤس باباوات كرسي رومة على الكنيسة، وعلى ذلك فهذا الشرف الرئاسي كان يجب ان يكون لبطريرك انطاكية فهو وبولس من اسسا اول كرسي وهوالكرسي الانطاكي وهو كان اول بطاركته قبل تأسيس ورئاسة كرسي روما بعقدين من الزمان فكرسي انطاكية تأسس عام 42مسيحية واعتلاه بطرس كأول (اسقف) بطريرك (شيخ العشيرة) السنة 45مسيحية، بينما اسس هامتا الرسل بولس وبطرس كرسي رومية السنة 64 مسيحية واعتلاه بطرس كأول الاساقفة بتسمية بابا اي اب.
(4)كانت الشريعة الموسوية تحكم بأنه لإقامة مجمع لابد من وجود عشرة رجال أو أكثر، في حين أن وجود ألف إمرأة لايكفي لإقامة مجمع. علما بأن الرب بعد قيامته من بين الأموات ظهر للنسوة أولا لأنه حررالمرأة من لعنة الناموس كما حرر الرجل. وهكذا شاءت العناية الإلهية أنه في أولى مدن أوربة تتلقي المرأة البشارة من رسول الأمم، فهي قلب الكنيسة النابض لكونها مسؤولة عن بيتها وعن بيتها وأولادها في تعليمهم جيلا بعد جيل ترضعهم اللبن الروحي مع اللبن الجسدي.
(5)الكنيسة في روما بدأت باليهود الذين سافروا إلى أورشليم لحضور العيد وسمعوا عن السيد المسيح وحلول الروح القدس يوم الخمسين(أع2)، فآمنوا ونالوا العماد ولما عادوا إلي روما ذاع الإيمان وانتشر.
(6)البار هو الإنسان الذي يستطيع أن يقف أمام الله بدون لوم يوم الدينونة العظيم.
(7)فعند قيامة الرب يسوع من الموت في اليوم الثالث أصبح “روحاً محيياً” (1كو45:15)، وهذا معناه أن الرب عندما تمجد بصلبه وموته وقيامته وصعوده إلي السماوات أصبح في صورة أخرى من الوجود فهو حي في السماء وفي قلوب المؤمنين في نفس الوقت، وهذا سر لا يدرك حقيقة وجوده إلا المؤمنون بأن المسيح في داخلهم.
(8)لأن ربنا يسوع المسيح كان يعلم أن الشيطان يريد ويعمل جاهدا ويخطط لموته قبل الصلب لكي يعرقل ويلغي صلبوته ولذلك كان المسيح يتضرع للقادر أن يخلصه من الموت، ولذلك قال “لأجل هذا أتيت لهذه الساعة” (يو27:12) ، كما أنه “… انتهر بطرس قائلا اذهب عني يا شيطان . لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس . ” (مر31:8-33).
(9) قدم له أبونا إبراهيم العشور من الغنائم التي استولي عليها عندما هب لنجدة ابن أخيه لوط من الذين أسروه (تك18:14-23 ) ، وقد قبلها “ملكي صادق”.
(10) أستضاف ثلاثة رجال من العهد القديم ملائكة وهم لا يدرون ، الأول هو إبراهيم (تك1:18-5)، والثاني هو جدعون (قض11:6-24) ، والثالث هو منوح (قض2:13-21).
من مصادر البحث
كتاب تاريخ انطاكية للدكتور اسد رستم
كتاب بولس الرسول للبطريرك الياس الرابع
كتاب تاريخ انطاكية لخريستموس بابا دوبولس
كتاب بولس الرسول للدكتور جميل زكي فلتاؤوس
تاريخ الكرسي الانطاكي د.جوزيف زيتون-موقعه هنا
مختصر تاريخ الكرسي الانطاكي د.جوزيف زيتون- موقعه هنا
كتاب تاريخ الكنيسة المسيحية تعريب المطران الكسندروس جحا
استقبل أحد الكهنة في تسالونيكي، وهي احدى مدن اليونان، شاباً معذّباً لم يكن يعرفه، وتقبّل اعترافه. استمع بعناية إلى ما قاله الشاب، ورأى المشاكل التي كانت تزعجه، وتعاطف معه، وأعطاه توجيهات حول كيفية التحرر من مشاعره ومشاكله. في النهاية، أعطاه الحلّ.
بعد ذلك، شعر الكاهن بالحاجة إلى التحدث إلى الشاب بطريقة تصويرية. وكما تأخذ الأم طفلها وتُظهِر ما يحدث في العالم، أخذ الكاهن الشابَ إلى الكنيسة وراح يجول بعينيه بحثاً عن مشهد مناسب إلى أن توقّف عند أيقونة السيد المسيح وهو ينقذ بطرس من الأمواج، حيث يظهر المسيح يمد يده ويأخذ يد بطرس فيما يغرق الأخير. كان بطرس قد طلب من الرب أن يجعله قادراً على السير على الماء وأجابه الرب: “تعال“. لكن بشكل مفاجئ، فِكرُ بطرس أفقده الإيمان وبدأ يغرق في المياه. فهم الشاب القصة التي في المشهد وشكر الكاهن وغادر. بعد بضعة أيام، راح جرس هاتف الكاهن يرنّ باستمرار. كان والد الشاب، وقد أراد على وجه السرعة أن يخبر الكاهن بما حدث: كان الشاب يسير على الواجهة البحرية في المدينة عندما سمع صرخة استغاثة آتية من الماء.
بحسب ما نشرته جريدة كاثيميريني، قفز الشاب إلى مياه خليج مقدونية لإنقاذ رجل مسن سقط في البحر لأسباب غير معروفة. وقع الحادث عند الساعة الواحدة ليلاً على الواجهة البحرية القديمة لمدينة تسالونيكي، عند الطرف الأسفل لساحة أرسطوطاليس. كانت مجموعة من الشبان تمرّ من هناك، وإذ بهم يسمعون رجلاً ثمانينياً يطلب المساعدة. بدون أي تردد، قفز أحدهم إلى الخليج، وبمساعدة أصدقائه، أخرج الرجل المسنّ من الماء. ثم نُقل الأخير إلى المستشفى للمراقبة.
إن الطرق التي تعمل بها نعمة الله في روحنا قادرة على الابتكار دائماً. كان الكاهن مندهشاً من الطريقة التي تصوَّر بها المقطع الإنجيلي عبر الأيقونة وانطباعه على روح الشاب. إلى هذا، لقد دُهش أيضاً لاهتمام الله بالتفاصيل. لم تكن اللحظة مناسبة لإنقاذ الرجل المسن وحسب بل أيضاً لكي يختبر الشاب يختبر في الممارسة ما تم نقلُه إلى روحه عبر الاعتراف. بحسب ما نقله والده إلى الكاهن، لقد كان الشاب يشعر بسعادة غامرة. ففي حين كانت حياته مليئة بالخيبات جاءت تجربة النجاح في شيء ما لتحرره. لقد كان الأمر بمثابة فداء له، إذ اقتبل نعمة الله دعماً لحياته.
(مترجمة عن PEMPTOUSIA في 4 آب 2018).(التراث الارثوذكسي)
أسواق هذه البلدة من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاماً وأبدعها وصفاً، لا سيما قيسارياتها، فهي مرتفعة كالفنادق، ولها سوق يُعرف بالسوق الكبير، يصل من باب الجابية إلى باب شرقي وصفه ابن جبير بالسوق الكبير، ويقصد ابن جبير بالسوق الكبير، الشارع المستقيم وما يحيط به من أسواق صغيرة متفرعة.
ظهرت مدينة دمشق كأقدم عاصمة في العالم، وأقدم مدينة مأهولة بالسكان، كانت عاصمة الآراميين، ثم أصبحت فيما بعد قلب الامبراطورية الرومانية، ومركزاً تجارياً هاماً للرومان، لتسويق وتوزيع المنتجات بين أوربة والشرق.
حيث قام الرومان بتجديد بناء مدينة دمشق على حطام البناء القديم، وزاد من شهرتها عندما أصبحت مركزاً للديانة المسيحية في العصرالرومي عام 39م.
وازدادت أهميتها بعد الفتح الإسلامي، وبدأت الأسواق الدمشقية القديمة في الظهور كظاهرة فريدة الصنع والجمال، وفي زيادة من عددها مع تعدد تخصصاتها، وفي العصر المملوكي والأيوبي والعصر العثماني، حيث أخذت في لفت أنظار السائح العربي والأجنبي على حد سواء.
فأسواق دمشق القديمة، قائمة على أرض قديمة العهد، يفوح منها عبق هذا القدم، ومزينة ببضائع مختلفة الألوان والأغراض تحمل الزائر وتطوف به لكل زمان بنفس المكان، تماماً مثل الحكاية الجميلة.
بدأت هذه الأسواق الظهور في العصر الروماني، مكشوفة السقف مزودة بأروقة جانبية، مثالها الشارع المستقيم، الذي كان يمتد من باب الجابية إلى باب شرقي على طول 1600 متر، بناه القائد الروماني بومبي عام 64 ق.م، وسُمي بشارع الأعمدة لبناء الأعمدة الضخمة على جانبية، حيث عُثر على بعضها أثناء مشروع ترميم السوق عام 2008م.
وكان الذي يقف في باب الجابية يرى الباب الشرقي، أخذت ملامح هذه السوق تتغير، بعد الازدهار الاقتصادي وزيادة الطلب لأسواق جديدة، ولا ننسى أن في سوق الشارع المستقيم تتوزع الكنائس الجميلة والعريقة وأشهرها كنيسة مريم (الكاتدرائية المريمية حالياً) وكنيسة حنانيا الرسول، وعلى طرفي الشارع المحلات التجارية المتنوعة البضائع، وهذا السوق داخل السور القديم، والآن قبل المضي في جمال أسواقنا لا بد أن نذكر كلام “مالك بن بني” في تعريف الحضارة حيث قال: “الحضارة تسير كما تسير الشمس، فكأنها تدور حول الأرض مشرقة في أفق هذا الشعب، ثم متحولة إلى أفق شعب آخر”.
فهي محاولات إنسانية للوصول إلى حياة أفضل فهي حصيلة جهود أمم، فالأسواق بدأت غير مسقوفة، وبتصميم يميز الرومان، ثم تتالت عليها بعض التغيرات بعد مجيء الإسلام بعهوده المتعاقبة، وبقدوم الوالي العثماني مدحت باشا 1878 أصبح للسوق الطويل (الشارع المستقيم)، ملامح جديدة، أخذ بتوسيع السوق القديم بإضافة محلات تجارية جديدة وعلى مساحات واسعة وفرعية من السوق الطويل، لدرجة أن الباب الشرقي لم يعد يُرَى من باب الجابية.
فأصبح هذا السوق يسمى سوق مدحت باشا، (الآن عاد الى تسميته الاصيلة ” الشارع المستقيم”) وقالت المصادر أن الأسواق القديمة كان يبلغ عددها خمسين سوقاً، لم يبق منها حالياً إلا بحدود العشرين سوقاً.
وأخذت تُنسب الأسواق إما إلى الحرفة القائمة فيها، أو إلى اسم بانيها، ومعظم الأسواق القديمة داخل السور القديم وحول الجامع الأموي.
فقط سوق السنانية الذي ينسب إلى الوالي العثماني سنان باشا، وسوق الدرويشية نسبة إلى الوالي العثماني درويش باشا 982ه – 1574م ، هذان السوقان يقعان خارج أسوار المدينة من جهة الغرب. وسوق الخيل في منطقة صاروجة وسوق الهال القديم وسوق العتيق والمناخلية وسوق الحدادين وسوق النحاسين…
هذا وسوف نقوم بزيارةٍ لأهم أسواقنا القديمة، التي ما زالت محط أنظار السائح الأجنبي والعربي، للشكل الجمالي التي اكتسبتها، فهي على أرض قديمة، يفوح منها عبق هذا القدم، ومزينة ببضائع مختلفة الألوان والأغراض، تحملنا وتطوف بنا لكل زمان، تماماً كالأساطير والحكايا الجميلة.
سوق مدحت باشا – الشارع المستقيم
نعود لسوق مدحت باشا الذي سمي بالسوق الطويل، ثم بسوق جقمق نسبة إلى الأمير سيف الدين جقمق 822هـ / 1419م، ونائب السلطنة في دمشق، ثم أخذت معالم السوق بالتغيير في عهد الوالي مدحت باشا الذي أنشأه عام 1878م.
يمتد فوق سوق الشارع الطويل ( المستقيم ) مع أسواق فرعية تحيط به، وسوق مدحت باشا موازي لسوق الحميدية. وفي نهاية هذا السوق باتجاه الباب الشرقي توجد عديد من الكنائس الجميلة العريقة، وأهمها كنيسة كنيسة مريم عند قوس النصرمنتصف الشارع المستقيم تقريباً وهي الكاتدرائية المريمية ويعود تاريخها الى عام 38م وهي اقدم كنيسة في العالم وكنيسة حناينا وهي بيت حنانيا الرسول اول اسقف لدمشق السنة 38م التي تتزامن معها والكنيستان تعودان إلى العهد الرومي.
سوق مدحت باشا في دمشق و سمي بسوق الطويل أيضاً انشأ عام 1878 في عهد والي دمشق ( مدحت باشا)، يمتد فوق الشارع الروماني المعروف بالمستقيم وهو الشارع الذي يشق قلب دمشق القديمة والموازي لسوق الحميدية الشهير، وهو من أعرق أسواق دمشق القديمة و من الاسواق الشرقية الهامة ، مسقوف في الجزء الاول منه ولمسافة كبيرة و يخترق المدينة القديمة من باب الجابية إلى باب شرقي ويتفرع منه اسواق متخصصة كثيرة مثل سوق الحرير، سوق البزورية، سوق الخياطين، سوق الصوف وغيرهم، و يوجد فيه العديد من الخانات الاثرية القديمة والكنائس والمساجد الاثرية والتفرعات االمليئة من روائع التاريخ مثل قصر النعسان الرائع و مكتب عنبر، وقصر الدحداح.
في الجزء المكشوف من سوق مدحت باشا وقبل باب شرقي الاثري يوجد العديد من الكنائس العريقة والهامة مثل كنيسة حنانيا والتي تعود للعصر البيزنطي ومقدسات تعود لبدايات المسيحية واماكن تاريخية هامة، وفي وسطه تقريباً يقع قوس النصر الروماني وكان يشكل نقطة تقاطع الشارع المستقيم مع الشارع الذي كان يصل بين الباب الصغير جنوباً وباب السلامة والفراديس شمالاً وفيه تقع كنيسة مريم المحكي عنها وبطريركية الروم الارثوذكس والى الغرب من قوس النصرتقع منطقة ( مأذنة الشحم ) والمصلبة وتلة السماكة، وتمتد على جانبي السوق المحلات والحوانيت ذات الاقواس والخانات الاثرية التي تحولت في داخلها حاليا إلى محلات ويشتهر سوق مدحت باشا ببيع الصناعات النسيجية، والعباءات الرجالية المذهبة، والكوفيات، والاقمشة الحريرية، والصناعات المحلية المميزة، والشراشف، والديباج، والمناشف، والستائر ومحلات للبيع بالجملة، وكذلك محلات لصنع وبيع المشغولات النحاسية والموزاييك والمصدفات والسيوف والمصنوعات والمشغولات الشرقية الدمشقية الشهيرة.
يمكن القول إن الشارع المستقيم (سوق مدحت باشا)، أطول أسواق مدينة دمشق القديمة، فهو يشطر مدينة دمشق القديمة شرقاً بغرب، ويوصل بين الباب الشرقي وباب الجابية لمدينة دمشق ويعرف باسم الطريق المستقيم وفي الكتاب المقدس سفر اعمال الرسل اسمه الزقاق المستقيم الذي سار فيه بولس الرسول. كان عن يمين ويسار هذا السوق رواق بعرض 6.8 أمتار، فيستخدم أحد الرواقين من يتجه شرقاً ويستخدم الرواق الآخر من يتجه غرباً، كما يتخذ هذان الرواقان للبيع والشراء. أما القسم الأوسط من الطريق المستقيم فهو لقضاء الناس حاجاتهم، كما كان هذا الطريق يتباعد عند قوس النصر، الذي لا يزال قائماً بمحلة الخراب من مدينة دمشق، فضلاً عن ذلك فقد كان هذا الطريق المستقيم يتعامد مع طريق آخر يقطع مدينة دمشق من الشمال إلى الجنوب كما اسلفنا. يعود إنشاء الشارع المستقيم إلى زمن الرومان سنة 64 ق.م وقد جعلوا على جانبي هذا السوق صفين من الأعمدة التي من الطراز الكورنتي وذلك على غرار ما كان لجميع مدنهم. وقد عرف الجانب الغربي من هذا السوق باسم سوق جقمق زمن المماليك، وذلك نسبة إلى نائب السلطنة المملوكي جقمق، وهو الذي تنسب له المدرسة الجقمقية وخان جقمق في الشارع المستقيم. أما إطلاق تسمية مدحت باشا على هذا السوق، فهو نسبة إلى الوالي العثماني مدحت باشا، الذي قام بتوسيع السوق، بعد أن قام بإحراق العديد من الدور، التي كانت بموقع التوسعة، ثم قام الوالي العثماني ناظم باشا بتغطية السوق بالحديد والتوتياء سنة 1890 م حماية له من الحريق، بعد أن كان السقف من الخشب زمن المماليك. لكن ذلك لم يمنع من احتراق سوق مدحت باشا سنة 1925 م بفعل قصف القوات الفرنسية المستعمرة لسورية خلال قصفها منطقة سيدي عامود خلال الثورة السورية الكبرى، فاحترقت سيدي عامود وكل القصور الشامية البديعة التي كانت فيها وتسمت فيما بعد بتسمية الحريقة… وسَلُمَ قصر العظم من الحريق والدمار وأصبح اسمها الحريقة. ومن جهة أخرى، فإن كلاً من الشارع المستقيم (سوق مدحت باشا) وسوق الحميدية، أقرب إلى التوازي بالاتجاه من الشرق إلى الغرب، إلا أن الشارع المستقيم أكثر طولاً من سوق الحميدية، وتمتد هذه الزيادة من مكان تفرع سوق البزورية وحتى الباب الشرقي. وهي المنطقة غير المغطاة من الشارع المستقيم. ونجد فيه مشيدات تعود إلى العصر المملوكي، ومشيدات تعود إلى العصر العثماني، ونذكر من مشيدات العصر المملوكي، جامع سيدي هشام الذي يتميز بمئذنته البديعة، وإطلالها على سوق الصدف، وخان الدكة وخان جقمق. أما مشيدات العصر العثماني، فكان منها: خان سليمان باشا، وخان الزيت الكائن بين خان الدكّة، وخان جقمق المملوكيين، وقد تميزت هذه الخانات، بأبوابها المشرعة وأقواسها البديعة. يتفرع عن سوق مدحت باشا تفرعات عدة، منها ما كان في الجانب الشمالي من هذا السوق، ومنها ما كان في الجانب الجنوبي منه. فمن التفرعات التي في الجانب الشمالي منه ما كان منها يوصل إلى الحريقة، كتفرع نزلة حمام القاضي. ثم تفرع سوق الحرير والخياطين الموصلين إلى بداية سوق الحميدية الشرقية وبالاتجاه شرقاً نصل إلى تفرع البزورية، ثم التفرع إلى مكتب عنبر، وهو بزقاق المنكنة من حي الخراب. وتسمية مكتب عنبر هي نسبة لدار يوسف عنبر، وهو أحد أثرياء مدينة دمشق اليهود، وقد شيد الطابق الأول من هذه الدار سنة 1867 م، ثم استملكت الدار لدين عليه لم يقدر على وفائه، وبعد ذلك تحول البناء إلى مدرسة سنة 1886 م، عرفت باسم مكتب عنبر، وكان لهذه المدرسة شأن في الحركة الثقافية والنضوج القومي في أوائل القرن العشرين، ثم تحول البناء إلى مدرسة للفنون النسوية، ثم جعلته وزارة الثقافة قصراً للثقافة. وحاليا يضم مكتب الخدمات العقارية في دمشق القديمة ومكتب الاحوال المدنية المتصل بالمركز الرئيس في شارع الثورة. وبعد تفرع مكتب عنبر نصل إلى تفرع يمر من جانب الكاتدرائية المريمية شمالاً يوصلنا إلى حارة الخمارات المؤدية إلى حي (آيا ماريا) اي القديسة مريم باليونانية كما كانت تسميته وتحرفت بتمادي الايام الى (القيمرية)وهذه التسمية نسبة الى كنيسة مريم وكانت تسميتها تشتمل على كل المنطقة والزقاق الموصل الى محلة آيا ماريا كان اسمه (زقاق او درب مريم) في العهد الرومي لوجود دير لليتيمات فالراهبات في القرن الرابع ومن ثم حالياً دار جمعية القديس بندلايمون لتربية اليتيمات، وبعد ذلك لا تجد تفرعاً في الجانب الشمالي للشارع المستقيم إلا التفرع الذي عند القشلة، وهو التفرع المؤدي إلى باب توما. ونجد إلى الشرق من تفرع سوق البزورية موقعاً يعرف باسم مئذنة الشحم، وقد كانت تسميتها نسبة إلى مئذنة الشحم وذلك لما يصنع بها من صناعة يدخل بتركيبها الشحم، كالصابون والشمع وهذا الموقع غرب مسجد صغير يعود إلى العهد المملوكي. وبقبّة الشحم قبة أو مئذنة هي أعلى موقع بمدينة دمشق القديمة وهذا الموقع هو المعروف باسم تلة السمّاكة التي تعتبر شاهداً على تشكل مدينة دمشق منذ آلاف السنين بعد ان قلبتها الزلازل سبع مرات. وعلى الجانب الجنوبي منه تفرعات نذكر منها تفرع سوق عند البداية الغربية نذكر منها: سوق النسوان عند باب الجابية، وهو يوازي سوق مدحت باشا، بامتداده من الغرب إلى الشرق بين سوق السكرية وسوق القطن، وعن هذا السوق يتفرع سوق البالة عند مدخل زقاق البرغل. ونجد بهذا الجانب الجنوبي منه تفرعاً يقابل سوق البزورية، وهو تفرع الدقاقين الموصل عبر شارع حسن الخراط إلى الباب الصغير أو باب الحديد الذي يفصل بين قسمي حي الشاغور البراني والجواني..
هذا السوق أصبح مع العصور ثاني أهم أسواق دمشق القديمة بعد سوق الحميدية.
سوق الحميدية
نأتي الآن إلى سوق الحميدية، والذي لا تكتمل رحلة الزائر لدمشق إلا بزيارة هذا السوق فهو اطول مول او مُتَسَوَّقْ في العالم.
وتعود نشأته إلى العهد العثماني، في عهد السلطان عبد الحميد عام 1863م، فنُسب إلى اسمه، يتميز هذا السوق بسقفه من الخشب (سابقاً) ثم من الحجارة تفادياً للحريق.
يمتد سوق الحميدية من باب السعادة القديم عند جنوبي القلعة حتى الجامع الأموي، ويمتد من فوق خندق القلعة.
إذاً بداية سوق الحميدية من نهاية شارع النصر مع شارع الثورة (وهو عند باب النصر سابقاً)، وينتهي عند بوابة معبد جوبتير الدمشقي الإغريقي أشهر المعابد القديمة الإغريقية (القريبة من باب البريد)، حيث نجد أعمدته الرخامية المرتفعة المزينة بكؤوس مزخرفة من الرخام، وأمامه ساحة هي ساحة الكاتدرائية التي امر ببنائها الامبراطور ثيوذوسيوس الكبيرفي عام 387م وصارت كاتدرائية دمشق كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان وكانت تشكل ربع مساحة دمشق القديمة. ومن ثم تم عام 505 م نقل رأس القديس يوحنا المعمدان من القسطنطينية العاصمة، واعتبرشفيعاً لدمشق ولايزال في ضريحه بعد تحويل كاتدرائية المعمدان الى الجامع الاموي بيد الوليد بن عبد الملك، ومن الساحة نجد أنفسنا أمام البوابة الرئيسة للكاتدرائية (الجامع الأموي705م).
قبل أن ندخل سوق الحميدية يجب أن نشير إلى بعض الأوابد الأثرية التاريخية، التي تحيط بهذا السوق، حيث تتوضع قلعة دمشق الشهيرة، التي هي من أهم الآثار العسكرية الأيوبية 599ه، 1202م بناها الملك العادل الأيوبي تتألف من أثني عشر برج، ولها بابان في الجهة الشرقية تفتح على المدينة، والثاني وفي الجهة الشمالية من جهة بردى، محاطة القلعة بخندق مياه، كان في داخلها قصور وحمامات ومساجد، ومقر للسلاطين.
يقف أمامها تمثال صلاح الدين الأيوبي بعد ان ازالت محافظة دمشق سوق الخجا، وضريح الايوبي يقع بين السوق وحي العمارة التاريخي وهو بجوار الأموي من بابه الشمالي، عند المدرسة العزيزية التي بناها الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي 592/1195، وقد تهدمت المدرسة وبقيت التربة.
يتخلل هذا الشارع المكتبة الظاهرية التي بناها الظاهر بيبرس أيام حكمه لدمشق، وهو أشهر سلاطين المماليك، دُفن في المدرسة التي بناها 678/1279، ودفن معه ابنه الملك السعيد. ومقابلها المدرسة العادلية الكبرى والتي دفن بها الملك العادل.
هذا مع وجود مبان ومساجد قديمة.
بالعودة الى سوق الحميدية فقد بُني على مرحلتين:
الأولى في عام 1780 عهد السلطان عبد الحميد الأول، بطول 600 متر وعرض 15 متر، مسقوف بالخشب، الذي استُبدل بالحديد والتويتاء لحمايته من الحريق في عهد الوالي حسن ناظم باشا، وعلى حوامل نصف دائرية معدنية، وعلى جانبيه المحلات التجارية، سُمي السوق بالسوق الجديدة، وكان يسمى بسوق الأروام في العهد اليوناني.
أما المرحلة الثانية في عام 1884م عهد السلطان عبد الحميد الثاني، حيث قام بتوسيع السوق الجديدة، وسمي بسوق الحميدية نسبة إلى السلطانين، والذي أصبح في القرن التاسع عشر ميلادي من أهم المراكز التجارية في دمشق.
ولا ننسى في هذا السوق وجود البيمارستان النوري الذي أصبح متحف الطب والعلوم عند العرب.
ومن جهة الجنوب في محلة العمارة الجوانية مسجد السيدة رقية، وقيل هي بنت الحسن الصغرى والتي توفيت وهي صغيرة من شدة الحزن.
وحول سوق الحميدية يوجد أقدم المباني الأثرية: بيت جدي، بيت نظام الدين، قصر نعسان، مكتب عنبر، مقهى النوفرة.
وسوق الحميدية نجده دائماً في حالة نشاط مستمر، فسقفه الجميل قد أعطى للزائر فرصة التسوق بمتعة وراحة، حيث يحميه من شمس الصيف، ومطر الشتاء، مما يتسنى للزوار التسوق دون ملل وتعب، خاصة وأن محلاته التجارية تتنوع فيها البضائع المختلفة الأغراض البديعة الألوان.
يمتد سوق الحميدية إلى سوق المسكية أمام الأموي وعند أعمدة جوبتير وهو سوق القرطاسية والكتب.
واشتهرت الحميدية بوجود محلات تبيع البوظة العربية (الآيس كريم المصنوعة بالدق)، أشهرها محل (بكداش) الذي زاره شخصيات كبيرة ورسمية طلباً بالاستمتاع بمذاق هذه البوظة، وهو معروف منذ 125 سنة.
أما الأسواق المتفرغة عن الحميدية والمسماة كلاً بحسب تخصصها.
سوق البزورية:
يصل ما بينالشارع المستقيم وقصر العظم، وهو مشهور بحوانيته الصغيرة، يُباع فيه كل ما يتعلق بالأغذية والحبوب، والبهارات، الفواكه المجففة، العطورات، واللوز والفستق والفواكه المجففة والأعشاب الطبية، وحلويات الأعراس، والمناسبات كالسكاكر والشوكولا والملبس.
وكان يسمى بسوق العطارين، هذا السوق مغطى جميعه بساتر معدني، وفي بداية هذا السوق يوجد أشهر قصر دمشقي وهو قصر العظم.
البزورية
هو سوق تاريخي يقع إلى الجنوب من الجامع الاموي في دمشق يضم السوق العديد من الخانات التاريخية والمباني والمتاجر التي تبيع مواد العطارة والزهورات الشامية والأعشاب التي تستخدم في الطب الشعبي العربي ولهذا السوق شهرة عبر التاريخ.
إضافة إلى بيع ا العطارة والتوابل كذلك تباع في السوق أنواع من السكاكر والشوكولا الحلويات المتنوعة والمصنوعات والفواكه المجففة والصابون (صابون زيت الزيتون وصابون الغار السوري الشهير).
تمتد البزورية بين قصر العظم وسوق الصاغة القديم شمالا، إلى سوق مدحت باشا مقابل فتحة حارة مئذنة الشحم جنوباً، ومن ثم ينعطف شرقاً ليضم إليه قسماً من الشارع المستقيم. وهو مغطىً بساتر قوسي معدني من شماله وحتى جنوبه، وهو ما زال منذ تأسيسه تتخصص حوانيته ببيع الأعشاب الطبية والبزورات والفواكه المجففة والتوابل والشموع والسكاكر والشوكولاتة والملبّس الدمشقي الشهير الذي يباع بكثرة في مناسبات الأعراس والموالد النبوية. وقد توارثت هذه الحوانيت عائلات دمشقية قديمة ما زال أحفادها يستثمرون هذه المحلات ويشغلونها بنفس تجارة آبائهم وأجدادهم. ولذا ما زال هذا السوق العريق يجسد مقولة السائح البريطاني بورتر – الذي زار دمشق في القرن التاسع عشر- فقال عن أسواقها: «من الممتع التجول في هذه الأسواق ومشاهدة أنواع البضائع والشيء المميز لهذه الأسواق هو تخصص كل سوق ببيع بضائع خاصة ومتخصصة». هذا السوق عُرف في السابق باسم سوق القمح، ثم سوق الدهيناتية، إذ كانت تصنع فيه سائر الدهون كدهن اللوز، ومن ثم عرف باسم العطارين لأنه كانت تباع فيه العطور المستخرجة من الورود الدمشقية وكذلك الأعشاب العطرية للعلاج الشعبي. في ما بعد أخذ اسمه الحالي.. البزورية. ويضم السوق إلى جانب حوانيته الصغيرة نسبياً أجمل منشأتين معماريتين قديمتين في دمشق هما: خان أسعد باشا، أكبر وأكمل خانات دمشق القديمة وأجمل خانات الشرق الأوسط، وحمام نور الدين الشهيد، أشهر حمام دمشقي ما زال يستقبل الراغبين في الاستحمام بحمامات السوق بتقاليدها المعروفة وبين نظامها العريق من «براني» و«وسطاني» و«جواني»! ولعلّ شهرة سوق البزورية الحالية، خاصة بين سكان دمشق وزوارها العرب بشكل خاص، تأتي من وجود عشرات المحلات المتخصصة بتحضير وبيع الأعشاب الطبية التي تلقى رواجاً كبيراً بين السوريين. ومما يذكر أنه حسب إحصائيات علمية نشرت أخيراً في دمشق هناك 3646 نوعاً من النباتات الطبية موجودة في البيئة السورية. وإذا كان سوق البزورية بواقعه الحالي يضم عشرات التجار العاملين في مجال الأعشاب الطبية، فإن هناك عائلات توارثت هذه المهنة منذ مئات السنين أباً عن جد، ومنها عائلة دركل المعروفة في سوق البزورية. فعلى الرغم من أن أبناءها درسوا في الجامعات وفي اختصاصات متنوعة علمية وأدبية، فإنهم تفرغوا للعمل في مهنة الأجداد وهي تحضير الأعشاب الطبية وبيعها.
سوق الصاغة
هو سوق تاريخي مختص بصياغة وبيع المعادن الثمينة والمجوهرات في مدينة دمشق القديمة ويقع بين البزورية والحميدية.
اسمه القديم هو سوق القوافين، والقواف هو بائع أصناف النعال والأحذية التقليدية وكان يجاوره من جهة الشرق سوق الصاغة القديم الذي احترق عام 1960 وانتقل تجاره إلى هذا السوق بعد إضمحلال مهنة القواف، وهذا هوا السبب لوجود بعض محلات بيع الأحذية في هذا السوق ومجاورة الخشب للذهب في سوق واحد.
يقع سوق الصاغة مقابل باب الجامع الاموي الجنوبي المعروف بـباب الزيادة، وهو سوق نصفه مكشوف والنصف الآخر مغطى، تشغله محلات بيع الذهب والمجوهرات والتحف الشرقية وبضع محلات لبيع الأحذية التقليدية.
ويشار إلى أن جمعية صياغة الذهب في “دمشق” كانت قد قسمت السوق إلى قسمين: “الصاغة الجوانية” وفيها يباع اللؤلؤ والجواهر، و”الصاغة البرانية” وفيها تباع الأساور والخواتم.
يتألف “سوق الصاغة” من مجموعة مصاطب كبيرة يتوزع عليها بائعو المجوهرات، وكشفت اللقى الأثرية في المكان أنه يعود إلى الفترة الأيوبية وقد يكون أقدم من ذلك.
وقد ضم السوق قديماً 72 محلاً، إلا أنه وفي عام 1960 م شب فيه حريق هائل خرب قسماً كبيراً منه وبلغت الخسائر ارقاماً فلكية افقرت معظم الصياغ الذين لهم محلات في السوق الجواني ومن مشاهات العائلة التي ذهب رجالها منذ فجر ليلة الحريقلاطفاء الحريق في دكان عمي ولانقاذ مايمكن من الذهب بعد انصهاره نتيجة الحريق الشديد وخرج الذهب مصهوراً من تحت بابي السوق،
يحد سوق الصاغة من الشمال مجموعة من الدكاكين، ومن الشرق عدد من البيوت السكنية ومن الجنوب ما تبقى من خان “السفرجلاني.
تاريخ هذا السوق
ذكر المؤرخون أن ” معاوية بن ابي سفيان” عندما كان والياً على دمشق في العصر الراشدي حَّوَّلَ قصر والي دمشق الرومي ليكون قصر ولايته واسماه قصر الخضراء وهو ذاته قصر دار ولاية دمشق في العهد الرومي، وكان والي دمشق الرومي المقيم فيه ويمارس اعمال الولاية منذ 313م وحتى دخول المسلمين الى دمشق السنة 635م يخرج منه يوميا صباحاً قبل ان يبدأ بمهام الولاية ويدخل للصلاة في كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان من بابها الجنوبي( هو اليوم باب الصاغة القديمة) فيصلي الصلاة الباكرية يومياً ثم يخرج منه عائداً الى دار الولاية (قصر العظم حالياً- وقصر الخضراء زمن الوالي معاوية) ليمارس مهامه الرسمية.
وكانت بين عامي 1973-1974م قد تشكلت بعثة وطنية بإدارة الاستاذ “نسيب صليبي” مدير عام الآثار والمتاحف وباشرت أعمالها في الجانب الشرقي ضمن مساحة قدرها 20م طولاً و9م عرضاً، وتركزت الأعمال الأولية بفك المصاطب الواقعة ضمن المساحة المذكورة فظهرت أساسات مغموسة بالحجارة الكلسية القاسية، إضافة إلى أحجار بازلتية وبعض فقرات من أعمدة غرانيتية بلونها الرمادي ورحى طواحي بازلتية مستديرة الشكل وأقنية مائية، وفي عام 1974م اكتشفت البعثة منهل ماء أطلق عليه “معبد حوريات الماء” يتألف من أربع فتحات عرض كل منها 590سم عثر بداخلها على أنابيب مازالت في أماكنها الأساسية».
أول نشوء لسوق “الصاغة” في “دمشق” كان في العهد “الأيوبي” حينما ظهرت سوق الصائغين قبلي الجامع الأموي في قيسارية مستقلة، أما في عهد “المماليك”.
فقد ازدهرت هذه الصناعة كثيراً، وكان للصاغة في أواخر العهد “الأيوبي” سوقان: الصاغة العتيقة وسوق اللؤلؤ عند سوق الحدادين، والصاغة الجديدة في القيسارية التي أنشئت عام 631هـ قبلي النحاسين، وقد جددت شرقي هذه الصاغة الجديدة وسكن فيها الصياغ وتجار الذهب والجواهر»
سوق الحريقة
الحريقة
هي المنطقة الواقعة جانب سوق الحميدية من جهة الجنوب في دمشق، الشارع المستقيم من جهة الشمال؛ بين جادة الدرويشية غرباً وسوق الخياطين شرقاً. عُرفت بالسابق باسم محلة “سيدي عامود” نسبة للوالي سيدي أحمد عامود الذي كان مدفوناً فيها، وأصبحت تعرف باسم “الحريقة” بعد الحريق الذي شب فيها إبان القصف الوحشي الفرنسي لدمشق عام 1925 وأدى إلى دمار واسع أتى على الكثير من البيوت والآثار المعمارية الهامة. كانت الثورة السورية على أشدها، وكانت فرنسا قد ضاقت ذرعاً بدعم أهالي دمشق للثوار الذين اتخذوا من الغوطة الشرقية معقلاً لهم، وبعد انتشار الاضطرابات إلى داخل دمشق نفسها، ونشوب معارك بين الأهالي والقوات الفرنسية، أصدر الجنرال “ساراي” أوامره بقصف دمشق من البر والجو عقاباً لأهلها وانتقاماً منهم يوم 18 تشرين الأول 1925. وقد بدأت “الحريقة” عندما سقطت قذيفة مدفعية أطلقت من قلعة المزة فوق قبة حمام الملكة في سيدي عامود، فاشتعلت التيران وامتدت إلى البيوت والمحلات المجاورة، فالتهمت فرن جبران وزقاق المبلط وراء سوق الحميدية، ثم زقاقسيدي عامود وبعضاً من الشارع المستقيم.
كانت الخسارة أكبر من أن تعوض، فقد تواجدت في هذه الحريقة بيوتات دمشقية عريقة الطراز، تميزت بغنى زخارفها الداخلية حسب أسلوبي الباروك والركوكو، إلى جانب المشيدات التاريخية الهامة التي لم يسلم منها إلا نذر يسير، ولم يبق لها من أثر سوى الخرائب والأطلال. من هذه البيوت التي خربت دار القوتلي، التي شيّدها مراد افندي بالقوة في زقاق العواميد، وزارها الغراندوق الروسي نقولا عند زيارته لدمشق. كما احترق معها في نفس الوقت ضريح سيدي عامود، الذي سميت المنطقة باسمه. وتهدمت أيضاً دار القنصل الألماني “لوتيكة” ومقر القنصلية الألمانية سابقاً. ومن الأماكن التي سلمت سوق الحميدية والبيمارستان النوري (بيمارستان نور الدين الشهيد) الذي يعد من أهم البيمارستانات الباقية في العالم الإسلامي، وهو يقع إلى الجنوب الغربي من الجامع الاموي، ويضم اليوم متحف تاريخ الطب عند العرب.
ونتيجة للخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، أطلق على هذه الحادثة اسم “نكبة دمشق”. وفيها كتب أمير الشعراء احمد شوقي قصيدته الشهيرة “سلام من صبا بردى”
سوق القباقبية
هو أحد أسواق مدينةدمشق القديمة يقع على امتداد الجدار الجنوبي للجامع الاموي، تغير اختصاصه اليوم من صناعة وبيع القباقيب إلى النجارة العربي ومحال للصياغ والعاديات الأثرية وهو المجاور لسوق البزورية وهو سوق صغير، اشتهر بالقباقيب، التي تحدث صوتاً مميز على الأرض، واستغل التجار كثرة الأجانب قاموا بصناعة مميزة وهي مجسمات الكراسي القش، أو قطع تزينية كمزهريات الرمل.
سوق الحرير
يعتبر سوق الحرير من أقدم الأسواق في مدينة دمشق القديمة، حيث يعود تاريخه إلى الزمن الروماني.
أما السوق الموجود اليوم فقد تم تجديده من قبل والي دمشق العثماني درويش باشا في النصف الثاني من القرن السادس عشر.
أطلق على السوق إسمه نسبة إلى تجارة الأقمشة الحريرية والتي ما تزال تتداول في سوق إلى جانب أقمشة شرقية أخرى.
ولا يزال من الممكن رؤية الحجارة الرومانية التي استخدمت في بناء هذا السوق الأثري. ويسمى بسوق النسوان أو سوق (تفضلي يا ست) لكثرة ما ينادي الباعة على المتفرجات، وهو من الأسواق المميزة والمتفرعة عن الحميدية والتي تقع بين مدحت باشا والحميدية، أنشأه درويش باشا عام 1574م ، ويقع مدخله في آخر سوق الحميدية، بالقرب من الجامع الأموي، وعنده باب الحرير أو الحديد، ويؤدي سوق الحرير إلى سوق الخياطين.
يصنف سوق الحرير الواقع في باب الجابية جنوبي سوق الحميدية كأحد أقدم أسواق مدينة دمشق القديمة إذ يعود بناؤه للعهد الروماني.
وجدد السوق الذي يمتد على مسافة 200 متر في النصف الثاني من القرن16م وتعود تسميته (سوق الحرير) إلى تجارة الأقمشة الحريرية والتي ما تزال رائجة فيه حتى يومنا هذا إلى جانب أقمشة شرقية وكل ما يهم المرأة.
ويتفرع من هذا السوق أسواق عديدة لعل أهمها على الإطلاق سوق النساء ويمكن الولوج إليه من سوق مدحت باشا.
• يتخصص السوق بألبسة العرائس وتوابعها ومفروشات البيت من شراشف ومناشف ولوازم الحمام وأغطية الرأس والإكسسوارات ومختلف الألبسة الجاهزة وفي نهاية هذا السوق تباع أعشاب الطب العربي وبذلك تجد المرأة فيه كل ما يهمها شخصياً وما يتطلبه منها بيتها ومطبخها.
• يضم السوق بين حناياه اللباس التقليدي للمرأة الريفية والعباءات الصيفية والشتوية /الفروة/ والعقال والشماخ.
• أطلق عليه سوق النسوان لأنه يحتوي على كل ما تحتاجه النساء من لباس ومكياج وأدوات لها ولمنزلها.
عند اقتراب مناسبات الأعياد والأفراح وهي الفترة التي تقبل فيها النساء على اقتناء ما تحتاجه هذه المناسبات ويبقى لهذا السوق سحره الذي ينبثق من حجارته القديمة وجدرانه العتيقة ورائحته الفريدة التي يصل عبيرها حتى نهاية السوق
سوق الجمرك
يباع فيه الأقمشة الحريرية، الأغباني، وإلى جانبه سوق الصوف يختص ببيع الصوف بأنواعه. خان الجمرك وهو أحد الخانات التاريخية في مدينة دمشق القديمة، بني في العهد العثماني وهو أحد منشآت الوالي مراد باشا سنة 1596م، يختلف خان الجمرك عن باقي خانات دمشق، إذ يمتد على شكل زاوية قائمة من دخلة السليمانية إلى سوق الحرير باتجاه الشرق
سوق الخياطين
أنشأه الوالي العثماني شمس الدين باشا 1553م الذي يتميز بوجود أقدم مدرسة للحديث بناها نور الدين زنكي دار الحديث النورية، ووجود مقام الشهيد نور الدين زنكي -ومقام ابن ابي العيد وبجانبه الشيخ صالح عبد القادر الكيلاني. وفي هذا السوق يُباع لوازم الخياطة والحياكة.
وإذا عدنا إلى سوق المسكية حيث يقع خلفه سوق البريد الذي يضم مطاعم ومحلات لبيع المأكولات الشعبية، إضافة إلى الكتب والقرطاسية.
وإذا تابعنا المسير إلى الشمال نصل إلى سوق النحاسين، وسوق المناخلية،وسوق السروجية المخصص للسروج.
أما سوق العصرونية المخصص لبيع مستلزمات البيوت والمطابخ المنزلية، يتخلل هذا السوق المدرسة العادلية الصغرى التي أنشأتها زهرة خانون ابنة السلطان العادل الأيوبي.
والعصرونية جاءت من وجود المدرسة العصرونية التي بناها الإمام شرف الدين عبد الله بن محمد بن أبي عصرون في العهد الأيوبي، حيث يوجد مقامه هناك، في إحدى هذه المكتبات حالياً.
وسوق الجابية- وسوق باب سريجة والمغطى بساتر معدين، مخصص لبيع الخضار والفواكه، والمنتجات الغذائية والأسماك الطازجة.
وسوق مردم بك المغطى أيضاً، مخصص لبيع الألعاب، والأدوات الرياضية والشرقيات.
ويتخلل هذه الأسواق حوانيت للحلاقين، حيث كانوا يدعون المارة للحلاقة.
وهناك أسواق تقع في الساحات العامة والمكشوفة كسوق الجمال في حي الميدان، وسوق الغنم والبقر، بالقرب من قلعة دمشق، سوق الخيل زمن الأمير تنكز.
ساحة سوق الخيل
ساحة من ساحات مدينة دمشق ، تقع جنوب سوق ساروجا، شرق ساحة المرجة، تخصصت بتجارة الخيول وتمويل الخيالة في العهدين الايوبي والسلجوقي في بداية العشرينات انتقل سوق الخيل الى محلة المرج الأخضر حيث تم في بداية الاحتلال الفرنسي لمدينة دمشق عام 1920 تنظيم ارض المرج الاخضر ليكون ملعباً لكرة القدم وملاعب للتنس وساحة لسباق الخيل كمافي الساحات الفرنسية
تقع هذه الساحة التي كانت في يوم من الايام سوقاً للخيل الى الشرق المجاور لساحة المرجة، ويفتح فيها من جهة الشرق سوق العتيق، ومن الجنوب سوق التبن على امتداد شارع الملك فيصل، ومن الشمال زقاق جوزة الحدباء الآخذ الى سوق صاروجا.
ورد ذكر هذه الساحة باسم ( سوق الخيل) في مؤلفات العهد المملوكي ككتاب يوسف عبد الهادي ” رسالة نزهة الرفاق في شرح حال الأسواق” التي تتحدث عن اسواق منطقة (تحت القلعة) ممايدل على تواجدها في تلك الحقبة كسوق لتجارة الخيول وربما كانت أقدم من ذلك لأن قلعة دمشق شيدت في العهد السلجوقي سنة 496ه/1076م) ومن الطبيعي ان تنشأ حولها الأسواق ولكننا لانملك الدليل على ذلك.
كما ذكرتها مصادر العهد العثماني كالقساطلي في كتابه “الروضة الغناء في دمشق الفيحاء” باسم سوق الخيل ايضاً، غير ان الاختفاء التدريجي لهذه التجارة في مطلع القرن العشرين نتيجة انتشار المَيكَنة( المكننة الآلية كالسيارات او ماشابه) جعلها تفقد هذا التخصص وتتحول في تلك الحقبة الى مواقف لعربات الركوب والحمير البيض المعدة للنقل والإيجار، ومن الاسواق التي تفتح في ذلك العهد كان سوق( علي باشا) الشهير بالفواكه والحلويات وماشابه.
واشار اليها ولتسينجر بكتاب “الآثار الاسلامية في مدينة دمشق” تعريب قاسم طوير وقسمها الى : سوق الخيل او سوق الحمير، ثم سوق الجمال الى الشرق المجاور لهما، بعد ذلك سوق الخضراوات، وترد تسمية سوق الجمال لسوق آخر متزامن معه الى الجنوب المجاور لسوق الزفتية في محلة الميدان الفوقاني.
هذه الساحة التي كانت في العهد المملوكي سوقاً للخيل والحمير، وسوقاً للجمال والبقر في كل يوم جمعة، وفي العهد العثماني كما اسلفنا سوقاً للخيل والحمير البيض وقد اندثرت هذه الفصيلة وكانت عالية تشابه الخيل والبغال في علوها.
وكانت بالأمس القريب عبارة عن ساحة واسعة لبيع الخضر والفواكه، وقد ورثت تخصصها هذا من سوقي الهال وعلي باشا… وقد اطلق تجار السوق مؤخراً على هذه الساحة اسم سوق علي باشا تخليداً لاسمه وجودة معروضاته من الفواكه التي ميزته عن سائر اسواق المدينة. ومن الحوانيت التراثية المعروفة في هذه الساحة، كان منها حانوت برو العطار ويرجع الى نهايات القرن التاسع عشر وكان صاحبه اسمه ابراهيم ويطلق عليه تدليلاً اسم برو وهو من اشهر من مارس تجارة العطارة في العهد العثماني المتأخر ومن هذه المهنة حمل لقب العطار.
أما الأسواق الحديثة في دمشق فكثيرة منها سوق الصالحية الموازي لسوق الحمراء، سوق القصاع، سوق الجمعة، سوق المزة، سوق حبوبي …. وفي كل حي ثمة سوق جميعها جاءت على شكل جديد.
هذه قصة تربوية مبنية على أقوال القديس باييسيوس* وخدمة القديس يوسف الدمشقي** وخدمة عيد القديس باييسيوس***.
تمثّل القصة حواراً دار بين القديسين حين جاء القديس باييسيوس الأثوسي في العاشر من تموز إلى عند القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ليعايده في عيده.
الاقتباسات من النصوص المذكورة مبثوثة من دون أي تغيير، احتراماً لقداسة النصوص.
القديس باييسيوس: بارك أيها الأب الشهيد في الكهنة، يا كاهن بيعة أنطاكية [طروبارية القديس يوسف الدمشقي]، هأنذا جئت أعايدك بعيدك. إلى أعوام عديدة.
القديس يوسف الدمشقي متفاجئاً من هذا الزائر: من أين لي هذا أن يأتي القديس باييسيوس إليّ؟ إنَّ عِيــشتك الوقــورة وغــزارةَ المُعجِــزات. قــد ذاعتـــا بـــسرعةٍ في أقطـــارِ المـــسكونة [من خدمة صلاة المساء الصغرى لعيد القديس باييسيوس].
القديس باييسيوس: أين صيتي من نعمة كهنوتك وعيشتي من إهراق دمك الذي عمدّتَ به أرض الشام؟ [طروبارية القديس يوسف الدمشقي]
القديس يوسف: لكني حزين جداً. ألم تَرَهُم يقرعون الدفوف ويعزفون القيثارات في تابوتي أي في كنيستي التي لوالدة الإله؟ [ذكصا غروب عيد القديس يوسف الدمشقي]
القديس باييسيوس: إني أتفاجأ من هذا الكلام!!!
القديس يوسف: للأسف فإننا لا نستعمل الحرية من أجل الخير والقداسة بل من أجل الأمور العالمية [بمحبة وألم، ص. 285].
القديس باييسيوس: هل وصلت موضة التجديد إلى أنطاكية حيث دُعي الرسل مسيحيين أولاً؟
القديس يوسف: يتحدثون اليوم عن تجديد الكنيسة وكأن الكنيسة شاخت وتحتاج إلى تجديد [بمحبة وألم، ص. 291]. صرنا نفسّر الإنجيل وأقوال الآباء على هوانا ونحدث أرثوذكسية خاصة بنا ونفصّل مسيحيتنا على حسب قاماتنا[بمحبة وألم، ص. 302].
القديس باييسيوس: هذا ليس في أنطاكية فقط. أرى ذلك في كل مكان.
القديس يوسف: عندما يبتعد العقل عن الله وينشغل بالعلم فقط تبدأ الشرور ويفقد الناس هدوءهم وتوازنهم الداخلي. [بمحبة وألم، ص. 180]
القديس باييسيوس: لكن ماذا جرى؟ أليسوا يقولون لك في خدمتك: إضرب أيها الحداد بكلمة الحق وجه الباطل. شتت فكر البدع والشيع الغريبة بالإنجيل. اكسر جسدك خبزاً للجائعين. أهرق دمك ماء للعطاش. [ليتين غروب خدمة القديس يوسف الدمشقي] وأراك قد فعلتَ كل ذلك، فماذا تغيّر؟
القديس بائيسيوس الآثوسي
القديس يوسف: كان الآباء القديسون يحاولون منع قيام علاقات مع الهراطقة. أما اليوم فالمطلوب إقامة صلوات مشتركة مع الهراطقة… ويقولون على الأرثوذكس أن يشاركوا في الصلوات والمجامع. إنه حضور. وأي حضور هو. يحلّون كل شيء بالمنطق ويبررون الأشياء غير المبررة. [بمحبة وألم، ص. 293] صرنا نقلّد الغرب بدل أن ننيره ويتعلّم منّا.
القديس باييسيوس: لكن ما السبب؟ أليسوا تلاميذك وأنت قد نفخت في تلامذتك روح السلام، روح قوة الرب، روح الثالوث الذي بلا انقسام؟ [من ليتين غروب خدمة القديس يوسف الدمشقي]
القديس يوسف: أنا زرعتُ روح كنيستي الأرثوذكسية. الروح الأرثوذكسية تقضي بأن يتكلّم كل فرد بتواضع وأن يدوّن رأيه دون خوف أو تملّق حفاظاً على علاقته برئيس الأساقفة أو برئيس الدير. أما إذا حصل العكس فإننا نبتعد عن الروح الأرثوذكسية لنكون في الروح البابوية… فوق هذا، يتولّى المناصب كهنة أحداث لا يملكون الخبرة المطلوبة فإن الشر المضاعف يقع لأن هؤلاء الأحداث يتحملون مسؤوليات قبل اكتفائهم الروحي واقتنائهم الغنى الروحي [بمحبة وألم، ص. 279] ألا تراهم يسعون وراء المجد البشري معرِضين عن المجد الإلهي الذي ينتظرنا عندما نهرب من المجد البشري[بمحبة وألم، ص. 274]؟
القديس باييسيوس: أحزن لهذا الكلام. فأنت يا رجل النهضة الأول، لقد حملت وحدك صليب أنطاكية في أيامك، وتحمّلت انشقاق أولاد بيعتك عنها، فواجهتَ نشاط المرسَلين الأجانب، وبكيتَ وهنَ وضياعَ وفقرَ وجهلَ رعيتك ورعاة كنيسنك، فصليّت إلى الرب الإله أن يطلق كنيستك من أسرها. [إينوس سحر خدمة القديس يوسف الدمشقي]
القديس يوسف: نعم! لكن تأتي سنوات صعبة يحدث فيها اهتزاز عنيف ونواجه فيها محناً كبيرة. علينا أن نأخذ الأمور على محمل الجد ونعيش روحياً. وخير لنا أن نقوم بهذه الأعمال بفرح ومن تلقاء أنفسنا وليس بحزن وبشكل إلزامي. [بمحبة وألم، ص. 33]
القديس باييسيوس: لكنك يا كاهن العلي يوسف، إنك مع وعظك وعلمك نسخت الكثير من المخطوطات لتعلّم بالحرف المكتوب ما علّمته بوعظك، وتترك لمحبّي الكلمة كلمة الله محفوظة بأمانة [من الأبوستيخن خدمة القديس يوسف الدمشقي]
القديس يوسف: امتلأ العالم من الخطيئة، وهو بحاجة إلى صلاة وليس إلى كتابات كثيرة تكون بمثابة أوراق نقدية معدنية قيمتها مرهونة بضماناتها [بمحبة وألم، ص. 181]
تفكّر القديس باييسيوس قليلاً ثم قال: بارك أيها الأب. أنا منطلق.
القديس يوسف: أشكر زيارتك. وأعايدك أيضاً. إلى أعوام عديدة. لا تنسَ أنطاكية في صلواتك.
وامتشق كل منهما مسبحته وعاد إلى صلاته.
* الناسك المغبوط باييسيوس الآثوسي. إلى الإنسان المعاصر، بمحبة مع ألم. سلسلة ياروندا – 1. ترجمة وإصدار دير الشفيعة الحارة، بدبا، الكورة. 2012 .
** القديس الشهيد يوسف الدمشقي. وضعت الخدمة الأم مريم زكا. ناشر غير محدد. تشرين الأول 1993.
*** خدمة أبينا البار باييسيوس الآثوسي . نظمتها راهبات دير القديس يوحنا اللاهوتي – السوروتي، عربها الأرشمندريت بندلايمون الحماطوري.
الحرب الأرمنية الأذرية صراع بين روسيا والغرب.. وأذربيجان حليفة إسرائيل
الحرب بين أرمينيا (3 مليون نسمة) وأذربيجان (10مليون نسمة) أصبحت نقطة ارتكاز جيوسياسي تهم أقطاب العالم الفاعلة في الساحة الدولية. لقد كتبت ذلك قبل عدة سنوات، ولا يزال هذا صحيحاً، خاصة بعد أن صدت أرمينيا بحزم هجوم أذربيجان في منتصف يوليو. ربما لقي عشرات الأذريين حتفهم في المعارك، من بينهم لواء، وعقيد، ورائدين. بينما أبلغت أرمينيا عن عدد أقل بكثير من القتلى واستولت على موقع دفاعي جديد، على الرغم من أن أذربيجان تمتلك ترسانة أكبر، واقتصادها يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الأرميني، وأكثر من ثلاثة أضعاف عدد سكان أرمينيا. هاجمت أذربيجان الحدود الشمالية الشرقية لأرمينيا وفعلت ذلك من قبل. عادة، على الرغم من ذلك، تهاجم أذربيجان أرتساخ (كاراباخ) ، المنطقة المستقلة بحكم الأمر الواقع ذات الأغلبية الأرمينية والتي صوتت قبل حوالي ثلاثين عامًا من أجل التحرر من أذربيجان ، التي ترفض هذا التصويت.
الأهمية العالمية للصراع الأرميني الأذربيجاني تنشأ خطوط أنابيب الغاز والنفط الرئيسية في أذربيجان. تعبر جورجيا وتركيا العضو في الناتو بالوقود المتجه إلى أوروبا وأماكن أخرى. وبذلك ترتبط جورجيا وأذربيجان بالغرب. خطوط الأنابيب هذه معرضة للخطر لأنها تمر فقط على بعد حوالي 12 إلى 30 ميلاً من ساحة القتال.
القوقاز هو مدخل الولايات المتحدة / الناتو / والاتحاد الأوروبي (عبر تركيا) إلى حوض بحر قزوين الغني بالطاقة ثم إلى المنطقة الضعيفة من تركيا والمسلمين في آسيا الوسطى. وبدورها تعتبر روسيا هذا تهديدًا وجودياً. تتمتع أرمينيا بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة / الناتو / الاتحاد الأوروبي. ولكن لأسباب أمنية، فإنها تنحاز إلى أقرب قوة مسيحية كبرى: روسيا.
تعاطفاً مع حليفها الأذربيجاني التركي، أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا منذ عام 1994. وبالتالي ، أصبحت أرمينيا نقطة محورية جيوسياسية لمن يرغب في السيطرة على القوقاز.
لطالما هددت تركيا أرمينيا، ووضعت نفسها بشكل مباشر إلى جانب أذربيجان في الصراع الأخير. قد ينتج عن ذلك مواجهة تركية مع روسيا، بالإضافة إلى مواجهة سوريا وليبيا.
تهدد أذربيجان بقصف محطة ميتسامور للطاقة النووية في أرمينيا. سيؤدي ذلك إلى نشر إشعاع مميت إلى أذربيجان وجورجيا وإيران وتركيا وأماكن أخرى.
تعود العلاقات الأرمنية الغربية إلى آلاف السنين. كانت الولايات المتحدة / الناتو / الاتحاد الأوروبي (سنسميها “الكتلة الغربية”) صديقة جداً لأرمينيا وآرتساخ وساعدتهم اقتصادياً لعقود.
ومع ذلك ، تعتمد أرمينيا غير الساحلية على روسيا في معظم الغاز والأسلحة. وتسيطر موسكو أيضاً على جزء كبير من شبكة الطاقة في أرمينيا.
أرمينيا (3 ملايين نسمة)، مع ذلك، لا تزال تحت التهديد من أذربيجان (10 مليون نسمة) وتركيا (82 مليون نسمة) منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991.
أرمينيا تحت الحصار
ارتكبت تركيا إبادة جماعية ضد الأرمن في 1915-1923. تم تدمير أو مصادرة المرتفعات الأرمنية وكل شيء آخر أرمني ، لا سيما في ما هو الآن شرق وجنوب تركيا. انضم الأذريون إلى تلك الإبادة الجماعية في القوقاز. الإبادة الجماعية للأرمن ليست مجرد تاريخ. إن تهديدا جديدا بالإبادة الجماعية يلوح في الأفق دائمًا.
تركيا وأذربيجان (شعار “دولتان ، أمة واحدة”) لن تتصالحا مع وجود أرمينيا. قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إن أرمينيا يجب أن تكون جزءًا من أذربيجان – بدون الأرمن بالطبع.
لا تزال تركيا مفتونة بالتركية القومية، تماماً كما حدث خلال الحرب العالمية الأولى والإبادة الجماعية للأرمن. تتصور تركيا قيادة اتحاد يضم أذربيجان والدول الإسلامية التركمانية في آسيا الوسطى (كازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان) – وصولاً إلى مقاطعة شينجيانغ الصينية. ارتدى الجنود في التدريبات العسكرية التركية الأذربيجانية العام الماضي رقع أذرع تصور مثل هذا الكيان التركي.
قام المشاركون في المظاهرات العالمية الأخيرة المناهضة لإبادة الأرمن بإضاءة إشارة اليد للذئاب الرمادية (بوزكورتلار). وهي منظمة فاشية تركية جديدة مسؤولة عن مئات الاغتيالات والقتل.
في حين عارض الحلفاء الأوروبيون (وضمنيًا أمريكا) عسكريا القومية التركية العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، فإن الكتلة الغربية تدعم ضمنيًا القومية التركية اليوم.
أرمينيا هي عائق جيوسياسي أمام القومية التركية. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل روسيا بحاجة إلى أرمينيا. الروس فخورون جدًا بالاعتراف بذلك.
ومع ذلك، كانت روسيا تتعامل بشكل متزايد مع أذربيجان وتركيا. لذلك ، على الرغم من معاهدة الدفاع المشترك بين أرمينيا وروسيا وقاعدة روسية في أرمينيا بالقرب من الحدود التركية ، فإن أرمينيا ليست متأكدة دائمًا من الدعم الروسي ، خاصة ضد أذربيجان.
التهديدات الأذربيجانية
انتهكت أذربيجان اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين أرمينيا / أرتساخ آلاف المرات منذ عام 1994. القوات الأرمينية في وضع دفاعي. ليس لديهم سبب لخرق وقف إطلاق النار. ترفض أذربيجان مقترحات تركيب معدات مستقلة لكشف إطلاق النار على خط التماس.
أرمينيا دولة ديمقراطية وإصلاحية. أذربيجان استبدادية. يسجن الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان بمعدل مذهل. حدد مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد في أوروبا OCCRP علييف على أنه “شخصية العام للجريمة المنظمة والفساد” لعام 2012. ووصفته البرقيات الدبلوماسية الأمريكية بأنه شخصية شبيهة بالمافيا.
لإثبات أن الأرمن لم يعيشوا أبداً في ناخيتشيفان ، استخدم الجيش الأذربيجاني في عام 2005 الفؤوس والشاحنات القلابة لتدمير الآلاف من شواهد القبور الشهيرة في مقبرة أرمنية في القرن التاسع. تم التقاطه على الفيديو. خلال القرن العشرين، أفرغت أذربيجان ناخيتشيفان من أرمنها وكانت تفعل الشيء نفسه في آرتساخ قبل أن يضع الأرمن حداً لها.
لا عجب أن آرتساخ تقول إنها لن تخضع للحكم الأذربيجاني مرة أخرى.
التهديدات التركية
كان من المقرر أن تغزو تركيا أرمينيا في عام 1993 خلال انقلاب ضد الرئيس الروسي بوريس يلتسين بقيادة رسلان خسبولاتوف ، الشيشاني الموالي لتركيا ورئيس مجلس السوفيات الأعلى. لحسن الحظ ، فشل الانقلاب. في عام 1993، هدد الرئيس التركي تورغوت أوزال أرمينيا “في حال لم يتعلموا الدرس في عام 1915”.
هدد الرئيس التركي أردوغان أرمينيا مؤخراً باستخدام إشارة مخادعة إلى الإبادة الجماعية عام 1915: “سنستمر في إنجاز هذه المهمة ، التي قام بها أجدادنا لقرون ، في القوقاز مرة أخرى”.
تزود تركيا أذربيجان بطائرات بيرقدار بدون طيار (بناءً على التصميمات الإسرائيلية) وطائرات هليكوبتر T-129 ATAK وأنظمة صواريخ TRG-300 Tiger. أرسلت تركيا طائرات F-16 إلى أذربيجان لإجراء مناورات عسكرية مشتركة. ومع ذلك ، قالت الكتلة الغربية ولم تفعل شيئًا لكبح جماح تركيا.
تركيا تنفي تقارير عن أنها سترسل جهاديين للقتال من أجل أذربيجان. لكن في الماضي ، أرسلت تركيا ذئابها الرمادية ، وجندت أذربيجان مجاهدين أفغان / باكستانيين / شيشانيين لمحاربة الأرمن.
المحور الأذربيجاني الإسرائيلي
قارن الرئيس علييف ذات مرة العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية بجبل جليدي: “تسعة أعشارها تحت السطح”.
تبيع إسرائيل لأذربيجان أسلحة متطورة بمليارات الدولارات (يستخدم العديد منها ضد أرمينيا وأرتساخ) بينما تحصل إسرائيل على 40٪ من نفطها من أذربيجان ومنشآت للتجسس على إيران ومكافحتها. كشف علييف أن “اللوبي الأذربيجاني في الولايات المتحدة” هو الجالية اليهودية.
على سبيل المثال ، حصل المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية ديفيد هاريس (المعروف أيضاً باسم “وزير خارجية اليهود”) على جائزة “وسام الصداقة” من علييف.
العديد من الكتاب اليهود / الإسرائيليين ودودين للأرمن. ومع ذلك ، فقد حث التحالف الإسرائيلي الأذربيجاني العديد من الكتاب اليهود / الإسرائيليين على إيذاء أرمينيا بسعادة. ومن الأمثلة على ذلك بريندا شافر ونوريت جرينجر.
إنه يذكرنا بكيفية تواطؤ المنظمات اليهودية الأمريكية – ADL ، AIPAC ، AJC ، وغيرها – مع تركيا (في أيام صديقة) لإنكار الإبادة الجماعية للأرمن وهزيمة قرارات الإبادة الجماعية للأرمن في الكونغرس. وبالتالي ، فإن المحور الأذربيجاني الإسرائيلي هو نسخة من المحور التركي الإسرائيلي السيئ السمعة.
ما هو مطلوب تحت ضغط لا هوادة فيه وعلى الرغم من كل الصعاب ، تواصل أرمينيا وأرتساخ الصمود في وجه الجهات الأجنبية التي ترغب في إنكار وجودها. بغض النظر ، من وجهة نظر عملية ، إن لم تكن أخلاقية ، يجب على الكتلة الغربية وروسيا كبح جماح العدوان الأذربيجاني والتركي ما لم يرغبوا في رؤية المنطقة تنفجر.
يحكى أنّ صيّاداً يقال له متّى كان يقيم هو وزوجته وطفلتهما مريم في منزل بعيد وسط الصخور يحيون في دعة وقناعة وسلام.
فشاع في القرية، ذات يوم، أنّ دبّاً يجول بين الضواحي، فلمّا انتهى الخبر إلى متّى حتّى عزم على صيد الدبّ. فتناول بندقيّته، وخفّ إلى تلك الناحية. فلم يصادفه. فجعل يترصّده مرّة بعد مرّة. ثمّ سلخ أيّاماً يترقّبه في طول النهار ومعظم الليل، فلم يقف منه على أثر. فهمّ بالرجوع، وقد وافت ليلة الميلاد، فإذا الوحش على خطوات منه. ولم يكن دبّاً، بل كان دبّة ومعها ولدها يقفز حولها ويلاعبها، وهو أكثر أكثر ما يبدو براءة وأماناً، وهي من الرقّة والحنوّ على أوفى ما تكون. فصوّب متّى البندقيّة نحو الدبّة، وأطلق النار، وصغيرها يواثبها ويلعب. فأخطأها وأصاب الولد، فأراده قتيلاً. فوجمت أمّه كأنّما أُصيبت في الصميم. ثمّ أكبّت على ولدها تلحس جرحه، وتنضح عليه ماء من ينبوع قريب. ثمّ انقلبت عنه، وعينها إليه، علّه ينهض فيتبعها. إلاّ أنّها اشتمّت ريح الموت، فانكفأت مثقلة الخطى، ولم تبرح موغلة حتّى حجبها الضباب.
انقضت سنة لم تشاهَد فيها الدبّة هناك. فلمّا دنا الميلاد التالي لمحها بعض القرويّين تجتاز بالضواحي، في ناحية الينبوع. فحذّروا متّى منها. وألحّت عليه زوجته تناشده الكفّ عن الصيد، ولو إلى حين، خوف أن تكون الدبّة قد عادت لكي تثأر لولدها. ومتّى مع ذلك، يأبى إلاّ رصدها.
ثمّ حلّت ليلة الميلاد. وكان كلّ بيت من بيوت القرية تُهيَّأ فيه شجرة العيد. وكانت التسابيح والأجراس ألحانها تترجّع ما بين الأودية والجبال. بل القرية بأسرها كانت تستعدّ للطفل الإله، ما عدا متّى. فإنّه قد شُغل عنه بالدبّة، وصمّم على قتلها. فانطلق لا ينثني ولا يتراجع. فخرجت ابنته في إثره، فمنعها، فامتثلت، على أن يأتيها بدبّ صغير هديّة للعيد. ثمّ غافلت مريم أمّها، وجرت صوب الينبوع. وكان متّى في غضون ذلك، يرصد الدبّة في مكمن بين صخرتين، فوق منحدر سحيق. فبادت بعد قليل، واتّجهت نحوه. فبينما هو يسدّد إليها السلاح ينتظر أن تقترب أكثر ليرميها، إذا أقبلت مريم من الجهة الأخرى، ترنّم وتلوّح للدبّة بشيء كان في يدها، ثمّ تدنو منها من دون خوف ولا ارتياب. فلبث متّى في مكمنه، وقد تحيّر ماذا يفعل؟ فإن هو نادى مريم فقد يثير الدبّة، فتكون إلى الطفلة أسبق منه. وإن أطلق عليها النار، فقد يصيب ابنته كما أصاب ولد الدبّة. وما هي دقائق حتّى صارت مريم بين يديّ الدبّة، وهذه منتصبة تلاعبها.
فركع متّى وأخذ يبتهل إلى الله، وقد أغمض عينيه كي لا يبصر ما توقّع من فجيعة. فلمّا فتحهما، بعد هنيهة، رأى أنّ الدبّة تحمل ابنته، فتسير بها غير بعيد، ثمّ تضعها على الطريق، برفق الأمّ وحنوّها، ومريم في غاية الثقة والأمان. ثمّ إنّ الدبّة سلكت عبر الصخور، ولم تبرح موغلة حتّى حجبها الضباب…
عند ذلك برز الصيّاد، فهرع إلى ابنته، وضمّها إليه يبكي ويشكر. فأخبرته كيف لقيت الدبّة، فلاعبتها. وقالت لأبيها إنّ الدبّة لم يصحبها ولدها، وسألته عنه لعلّه يعرف أين يكون.
كانت التسابيح والأجراس تتجاوب ألحانها في القرية، ساعة رجع متّى إلى بيته مطرقاً، ومريم على ذراعه، وفي نفسه غصّة وندامة، ومحبّة للخلق لم يشعر بها من قبل. أمّا البندقيّة فلم تكن معه، إذ تركها في ناحية الينبوع، حيث أريق على بياض الثلج دم بريء.
وكانت القرية كلّها تمجّد الله في العلى وتنشد السلام على الأرض، في ما يتمنّى ههنا من أيّام السماء. ويومئذ وُلد يسوع في قلب متّى.
يا أيّها الإنسان، يا من خُلقت على صورة الله،،،،
لا تدع الحيوان أن يكون أكثر رفقاً منك،،،،
تعلَ وارمِ سلاح الحقد والكراهية والحسد عند مذود الطفل الإلهيّ،،،،
أخبر الشيخ افرام من إسقيط القديس أندراوس، سيراي، جبل أثوس، القصة التالية
أحد الرهبان في جبل آثوس وكان حاصلاً على الإسكيم الكبير، خلع ثوبه وأنكر نذوره الرهبانية، وعاد إلى العالم ليعيش حياته. عاش بشكل مسرف وسقط في كثيرٍ من الخطايا الجسدية، ثم تزوّج في النهاية وأنجب ولدين. ذات يوم ذهب مع أسرته إلى البحر للسباحة. على الشاطئ، إذ كان مستلقيًا تحت المظلة، اقترب منه ولده الصغير وقال
“بابا، لماذا يوجد صليب كبير على صدرك؟ وماذا تقول الحروف الحمراء عليه؟”
رؤيا الابن الواضحة صدمت الأب إلى درجة أنه أصرّ على العودة إلى المنزل. هناك حبس نفسه في غرفته،
احد اديرة جبل آثوس المقدس
وراح يبكي طوال الليل. في اليوم التالي مضى واعترف وقال له الأب الروحي:
المسيح، رغم أنك أنكرته مراراً وتكراراً، لا يزال يحبّك دون قيد أو شرط! بالقدر الذي كان يحبّك بلا حدود عندما كنت راهباً، لم يزل يحبك الآن
كانت هذه الكلمات بمثابة ضربة في قلبه فمضى وكشف الحقيقة الكاملة لزوجته، واتفقا على العيش منفصلَين بالتراضي إلى أن عاد إلى الدير، بينما زوجته اعتنت بأطفالهما في البداية ثم أصبحت فيما بعد راهبة
ثم بعد سبعة عشر عاماً، قام الابن الذي شاهد الأحرف على صدر والده بزيارة لجبل أثوس، إلى نفس الدير الذي كان يعيش فيه والده، لكن دون أن يدرك ذلك. ذهب إلى رئيس الدير وطلب الاعتراف. بعد الاعتراف، سأل رئيس الدير: “أبتي، أنا أبحث عن والدي. لقد أصبح راهباً وطوال هذه السنوات لا أعرف أين هو. هل تستطيع مساعدتي؟”ـ
فهم رئيس الدير ابن مَن يكون هذا الشاب وحاول جاهداً إخفاء دموع انفعاله وقال له: “يا بنَي، ابقَ هنا اليوم، وسأخبرك غدًا.”ـ
مضى رئيس الدير إلى الراهب والد الشاب وأخبره وقال له: “يا بنَيّ لقد جاء ابنك الصغير إلى الدير باحثاً عنك. هل تودّ رؤيتَه؟”ـ
تأثر الراهب ولكنه في نفس الوقت كان مضطرباً، فأجاب: “أيها الشيخ، لقد جاء ملاكي الحارس إليّ وأخبرني بأنني سأغادر هذا العالم بعد ثلاثة أيام! أخبر ابني أنه بعد ثلاثة أيام يراني. وعندما أستريح تكشف له أنني أبوه! فأنا بحاجة إلى تثبيت قانوني لكلّ ما فعلتُه في حياتي” ـ
كانت كل أعمال هذا الراهب أعمال توبة كاملة، لذا كان قراره بعدم رؤية ابنه محبة إلهية! ذهب رئيس الدير إلى الشاب وأقنعه بالبقاء لثلاثة أيام أخرى في الدير. في الجنازة التي جرت بعد ثلاثة أيام، كان الابن حاضراً. بعد الانتهاء قال لرئيس الدير: “لم أرَ مثل هذه الجنازة من قبل! لا بدّ أن هذا الراهب كان ذا قداسة عظيمة. هذا
سهرانية رهبانية في احد اديرة جبل آثوس
راهب حقيقي!”ـ
بعد أن واروه الثرى، كشف الرئيس للشاب: “يا بنيّ، كان هذا الراهب أباك!”ـ
الإصطياد في المياه الأرمنية في الأمس…واليوم. خلال عام ١٩١٩، بينما كانت بريطانيا منخرطة بقوة في مباحثات مؤتمر باريس للسلام وتشكل إحدى الأركان الرئيسية لهندسة النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الأولى، كان وفدها الرسمي في المؤتمر يشارك في صياغة العالم المثالي وفق رؤية النقاط الأربعة عشر للرئيس الأميركي وودرو ويلسون، والذي لم يقبل في المشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء إلا بعد أن نال موافقة دول الحلف بأنها ستكون خاتمة الحروب وبداية عصر جديد مبني على الإحترام المتبادل بين الأمم والعلاقات الدولية السليمة، ولكن أذرع بريطانيا الخفية كانت لها مهام مختلفة تماماً لا تمت بالسلام والأمن الدوليين بصلة. هي أيدت مشروع إقامة دولة أرمنية قوية في الشرق الأوسط ووقعت على معاهدة سيفر للسلام (١٠ آب ١٩٢٠) وتقدمت بطلب رسمي إلى الولايات المتحدة الأميركية لتقوم بترسيم الحدود الدولية بين دولة أرمينيا وتركيا بموجب قرار تحكيم دولي قطعي غير قابل للطعن أو الإلغاء أو التعديل، وقد صدر ذلك الحكم بتاريخ ٢٢ تشرين الثاني ١٩٢٠ وأصبح ساري المفعول منذ ذلك التاريخ. في حين أنها عملت في الخفاء على دعم دولة أذربيجانية قوية تابعة لها في المنطقة، وأوكلت إلى مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان قد سبق وتم تجنيده من قبل المخابرات البريطانية في بدايات ١٩١٨، بمهمة إغتيال الدولة الأرمنية الجديدة كي تضمن مستقبل مشروعها الإمبريالي في السيطرة على طرق التجارة الممتدة من أوربة إلى أواسط آسيا (المشروع الطوراني) بالإضافة إلى حاجتها لآبار النفط المكتشفة قرب باكو. وفي نفس سياق سياستها الخفية وعدت بريطانيا الحزب الحاكم في أذربيجان (Musavat) نيتها في ضم إقليم ناغورني كاراباخ ومنطقة زانكيزور (جنوب جمهورية أرمينيا الحالية)
مدينة فان في ارمينيا الغربية
إلى أذربيجان…! في يناير ١٩١٩ أعلن الكولونيل البريطاني ديجبي إنكلس شاتلوورث Sir Digby Inglis Shuttleworth تعيين الدكتور سلطانوف في منصب الحاكم العام لإقليم كاراباخ مع تطمين الأرمن بأنه إجراء مؤقت. حينها إعترض الأرمن بشدة وإعتبروا القرار خرقاً مرفوضاً لحقوقهم الوطنية، حيث كان الأرمن يشكلون نسبة ٩٥% من إجمالي سكان كاراباخ البالغ حينها ١٨٠,٠٠٠ نسمة. فإجتمع البرلمان الأرمني في ٢٣ نيسان ١٩١٩ في مدينة شوشي/ إقليم كاراباخ وأعلن رفضه لأي سلطة أذربيجانية في الإقليم وندد بالأعمال العدائية التي كان يمارسها الأذربيجانيون ضد الأرمن في مناطق مختلفة. فقام الكولونيل شاتلوورث بتوعد الأرمن قائلاً: “نملك من القوة ما يكفي لإجباركم على الخضوع”…! وإستمر الصراع حول كاراباخ رغم الجهود البريطانية لضمه إلى أذربيجان. كان للديبلوماسية البريطانية دور كبير في منع إتحاد إقليم كاراباخ مع أرمينيا. الأمر الذي إعترف به لاحقاً المفوض العسكري البريطاني في يريفان الكولونيل جي سي بلاودين J.C. Plowden قائلاً:” كان تسليم كاراباخ إلى أذربيجان الضربة الأكثر مرارة…، كونه مهد العرق الأرمني وملاذهم الأخير عندما تم غزو بلادهم. لقد كان الإقليم أرمنياً صرفاً وبشكل فريد وهو أقوى جزء من أرمينيا على كافة الأصعدة الإقتصادية والعسكرية والإجتماعية”. تابع البريطانيون تنفيذ مخططاتهم الخاصة البعيدة عن الأضواء والمؤتمرات الدولية. فمن خلال علاقاتهم السرية مع القادة البلشفيين من جهة ومصطفى كمال أتاتورك من جهة أخرى. نجحوا في إلحاق إقليم كاراباخ إدارياً إلى جمهورية أذربيجان، مضافاً إليه إقليم ناخيتشيفان الأرمني الآخر من جهة غرب منطقة زانكيزور في جنوب جمهورية أرمينيا الحالية، بواسطة قرار تعسفي سطره جوزيف ستالين ضمن جملة من التفاهمات السرية بين الدولة البلشفية وبريطانيا. حدث هذا عام ١٩٢١ في نفس الوقت الذي كانت الحكومة السوفيتية تقوم بتسليم محافظتي كارس وأردهان الأرمنيتين إلى الحكومة الغير شرعية التي كان يقودها عميل المخابرات البريطانية مصطفى كمال أتاتورك، بموجب إتفاقيتي موسكو وكارس. * * * إن “الدولة العميقة” ليست وليدة اليوم، بل تقف خلف كافة السياسات الخارجة عن القانون الدولي منذ وضع الجنرال الأميركي المتقاعد ألبرت بايك خارطة طريق إحتلال العالم عام ١٨٧١ بطلب من “النخبة الأرستقراطية” المالية في أوروبا. كانت هي صاحبة قرار إبادة الأرمن عن وجه الأرض في الأمس وهي تقف اليوم خلف قرار الحرب بين أذربيجان وأرتساخ. ضمن سياق نفس المخطط الرامي لإفراغ شمال الشرق الأوسط وجنوب القوقاز من الأرمن لصالح ترسيخ دور ربيبتها تركيا فيهما وحصار كل من روسيا والصين وإيران بطوق مشروعها الطوراني. ومن هنا فإن أي مشروع يقوض الأرمن ويعوم الأتراك في المنطقة لا يخدم سوى “الدولة العميقة” ومشروعها الرامي لإحتلال العالم. * * * بعد إفشال ثلاث إتفاقيات لوقف إطلاق النار بإيعاز من أجهزة المخابرات الغربية العاملة لصالح “الدولة العميقة”، جاءت مبادرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية كجارة حكيمة للطرفين المتحاربين، وتأمل منها الشعب الأرمني خيراً. جاء مضمون هذه المبادرة صادماً بالنسبة لكل الأرمن، وخاصة أرمن أرمينيا الغربية في المهجر. كانت تركيا قد بدأت بالترنح تحت وطأة سلسلة مغامراتها العدوانية الفاشلة في المنطقة، وبات العبء الأقتصادي مؤلماً وينذر بعواقب وخيمة، فجاءت المبادرة الإيرانية لتنشلها وتعوم دورها المشؤوم في المنطقة من خلال إقتراح ضمها إلى طاولة المفاوضات حول موضوع إقليم كاراباخ…!! متى كانت تركياً جزء من أي حلٍ إيجابي بناء في مجمل تاريخ المنطقة؟ بل على العكس تماماً فهي دوماً جزء لا يتجزأ من كل المصائب التي حلت بالمنطقة منذ مئات السنين إلى يومنا هذا. وخاصة عندما يكون موضوع البحث يمس الأرمن بشكل عام. إن مآرب الغرب و”الدولة العميقة” في دعم وتقوية شوكة تركيا ودورها الهدام في المنطقة أصبحت جلية ومفهومة، ولكن أن تقوم الدولة الإيرانية بخدمة تلك المآرب فهذا ما لم يتوقعه الأرمن أبداً. أن تقوم بريطانيا في تمرير مصالحها مع كل من تركيا وأذربيجان عن طريق الإستقواء والتكبر على الحقوق الأرمنية أمر يتجانس وساساتها التوسعية ومشاريعها العدوانية، أما “إستكبار” إيران على حقوق الشعب الأرمني في كافة أنحاء العالم من خلال تعويم الدور التركي في المنطقة، فهذا أمر لن يكون من السهل تجاهله أو نسيانه. إذا كانت الجمهورية الإيرانية تقصد بهذا الموقف الرد على قيام جمهورية أرمينيا بفتح سفارة لها لدى الكيان الصهيوني، فهذا سيكون بمثابة إهانة كبيرة تجاه أرمن المهجر، أرمن أرمينيا الغربية. لأن جمهورية أرمينيا لا تمثل جميع أرمن العالم ولا يمكن لأحد في العالم تجاهل قضية أرمينيا الغربية التي لا تزال تحت الإحتلال التركي، عضو حلف الناتو، الحلف المعادي لإيران و”المستكبر” عليها..!! أرمن أرمينيا الغربية كانوا دوماً ينظرون إلى إيران على أنها دولة صديقة وحليف طبيعي للشعب الأرمني. كانوا يعتقدون أن الجمهورية الإيرانية تعي التاريخ والقانون الدولي فيما يخص حقوق الأرمن في أرمينيا الغربية ضمن صيغة “دولة أرمينيا” الشاملة التي تم الإعتراف الدولي بها في ١٩ كانون الثاني ١٩٢٠ وبأن قضية أرتساخ مع أذربيجان هي قضية الحدود الشرقية لتلك “الدولة الأرمنية” التي عاجلاً أم آجلاً ستعود إلى أصحابها الحقيقيين. لم يطلب الأرمن من الإيرانيين أن يهبوا إلى جانبهم في كسر شوكة الأتراك ومن خلفهم في هذه الحرب القذرة المقررة من قبل دوائر المخابرات في دول “الإستكبار”. ولكن كنا نتوقع منها أن تكون عادلة ومحقة في مواقفها. هل أصبح الجميع يظنون أنه بإمكانهم تدوير زوايا مصالحهم على حساب الأرمن على أساس أنهم “الحلقة الأضعف” في المنطقة؟ هل يصح “النضال ضد الإستكبار العالمي” بإتباع نفس أساليبه؟؟ ألا يعلم “أصدقاء” الشعب الأرمني أن ما يجري في أرتساخ اليوم يعني جميع الأرمن في العالم وليس فقط حكومة يريفان؟؟ المستكبرون يعرفون ذلك تمام المعرفة فكيف للأصدقاء أن يتجاهلوا هذه الحقيقة؟؟ هل أخذتم بعين الإعتبار رأي أرمن المهجر ورد فعلهم المحتمل قبل مغازلة تركيا وتسليك سياساتكم معها، وعلى حساب الأرمن؟ تخطيء جميع الأطراف المعنية في مجريات الأمور في المنطقة دون إستثناء إن إعتقدوا أنه من الممكن الوصول إلى تسويات نهائية فيها دون الأخذ بعين الإعتبار حقوق الشعب الأرمني في أرمينيا الغربية. فالأرمن اليوم ليسوا نفس أرمن عام ١٩١٥ أو حتى أرمن ١٩٧٥. الشعب الأرمني في المهجر اليوم قد أعلن قراره بالعودة إلى وطنه السليب في أرمينيا الغربية وكيليكيا. وهذا القرار قد تم الإعلان عنه مراراً بأساليب مختلفة تنم جميعها عن شعور عالٍ بالمسؤولية وتبني إستراتيجية تأخذ بعين الإعتبار المصالح العامة والمشتركة لجميع الأطراف في المنطقة. إن تجاهل القرار الأرمني من قبل البعض لن يؤدي إلى إلغائه أو التأثير عليه، فهو قرار سيادي وقد تم إتخاذه، وعلى الأطراف المعنية التعامل إما معه أو ضده. تركيا لن يكون لها وجود خارج إطار مشروع الهيمنة أحادية القطب الذي يقتضي إخضاع كافة القوى الإقليمية والدولية الأخرى. وبالتالي فمن يقول اليوم أنه يسعى لعالم متعدد الأقطاب قائم على العدالة الدولية والإحترام المتبادل بين مصالح وثقافات الأمم، ولكنه لا يزال يحاول إيجاد صيغ تعايش مع تركيا ونسج مستقبل وردي معها، فهو إما حالم أو كاذب ومخادع. الشعب الأرمني إكتفى من الظلم والخديعة. وقد وصلت الأمور إلى حدها. فاليد التي كانت ممدودة “لللأصدقاء” لن تبقى كذلك إلى الأبد..!
كارنيك سركيسيان رئيس حكومة ارمينيا الغربية
الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني الأعلى لأرمينيا الغربية
تجمع عربي تأسس رسميا يوم 22 مارس/آذار 1945 إثر نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال سبع دول قبل أن يتطور ويصل عدد أعضائه إلى 22 دولة. تلتزم جامعة الدول العربية بمبادئ الامم المتحدة، وبالمساواة القانونية بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها.
التأسيس في سبتمبر/أيلول 1943 بدأت المشاورات الثنائية بين مصر والاردن والعراق وسورية والسعودية ولبنان واليمن حول مشروع جامعة الدول العربية. وفي 25 سبتمبر/أيلول 1944 عقد اجتماع في الإسكندرية ضم مندوبين عن مصر وسورية ولبنان والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن وعرب فلسطين.
وبعد ثماني جلسات متوالية انحصر النقاش حول اقتراح رئيس الوفد العراقي نوري السعيد بتكوين مجلس اتحاد لا تنفذ قراراته إلا الدول التي توافق عليه، خوفا من التأثير على سيادة الدول الأعضاء.
وأصدر المندوبون العرب الذين حضروا اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام بالإسكندرية بروتوكولا عرف باسم “بروتوكول الإسكندرية” ينص على موافقتهم على إنشاء جامعة للدول العربية.
المقر يوجد مقر جامعة الدول العربية بالعاصمة المصرية / القاهرة.
الأهداف صاغت الوفود العربية المجتمعة في الإسكندرية بنودا عامة كانت نواة أولى لميثاق جامعة الدول العربية، وأكدوا فيها احترام استقلال كل دولة وسيادتها والاعتراف بحدودها القائمة، والاعتراف لكل دولة بحق إبرام المعاهدات والاتفاقات بشرط ألا تتعارض مع أحكام الجامعة وميثاقها.
وأقرت اللجنة التحضيرية في القاهرة يوم 17 مارس/آذار 1945 الصيغة النهائية لميثاق جامعة الدول العربية المؤلف من ديباجة وعشرين مادة وثلاثة ملحقات، ووقع عليه مندوبو الدول العربية في القاهرة يوم 22 مارس/آذار 1945.
تسعى الجامعة إلى توثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والصحية.
اعلان
وتؤكد الجامعة أن مبادئها تتمثل في 1- الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة. 2- المساواة القانونية يبن الدول الأعضاء. 3- عدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء. 4- المساعدة المتبادلة.
وقد نصت المادة الأولى من ميثاق الجامعة على أنه يحق لكل دولة عربية مستقلة الانضمام إلى جامعة الدول العربية بعد أن تقدم طلبا بذلك يودع لدى الأمانة العامة الدائمة ويعرض على المجلس في أول اجتماع يعقد بعد تقديم الطلب.
وتنقسم عضوية الجامعة العربية إلى عضوية أصلية وعضوية بالانضمام، والعضوية الأصلية هي المثبتة للدول العربية المستقلة السبع التي وقعت على الميثاق. والعضوية بالانضمام عن طريق تقديم طلب بذلك بعد توفر عدة شروط منها أن تكون الدولة عربية ومستقلة.
وقد أثار انضمام الصومال وجيبوتي إلى الجامعة جدلا بين الدول العربية على اعتبار أن لغتهما الرسمية ليست العربية، ولكن مجلس الجامعة رأى أن أصل الشعبين عربي فقبل انضمامهما.
كما اعترض العراق عام 1961 على طلب الكويت بالانضمام مبررا ذلك بأنها جزء من أراضيه وانسحب المندوب العراقي من المجلس احتجاجا على هذا الطلب، لكن المجلس قبل عضويتها استنادا إلى المادة السابعة من الميثاق التي تقرر أن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لمن يقبله.
عضوية فلسطين وبالنسبة لفلسطين فقد أصدر مجلس الجامعة قرارا عام 1952 اعتبر المندوب الفلسطيني مندوبا عن فلسطين وليس مندوبا عن عرب فلسطين كما كان الحال من قبل.
واستمر هذا الأمر حتى عام 1964 حين اعترف مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد بالقاهرة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت عام 1963 ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، واعتبر المجلس رئيس المنظمة ممثلا لفلسطين لدى الجامعة.
وفي مؤتمر الدار البيضاء الذي انعقد بعد حرب 1973 بين العرب واسرائيل، اعترف الملوك والرؤساء العرب المجتمعون في المغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ليس فقط في الجامعة العربية وإنما في الأمم المتحدة وعلى الصعيد الدولي.
وفي عام 1976 وبناء على اقتراح مصري أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية عضوا كامل العضوية ولها ممثل في مجلس الجامعة من حقه أن يصوت في كل القضايا التي يناقشها المجلس.
فقدان العضوية لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية الحق في الانسحاب من عضويتها بشرط إبلاغ مجلس الجامعة بذلك قبل سنة من تنفيذه، على أن تتحمل الدولة المنسحبة جميع الالتزامات المترتبة على الانسحاب، ولا يشترط المجلس عليها إيضاح أسباب الانسحاب، في حين اشترط فترة السنة لمحاولة معرفة هذه الأسباب ومحاولة إقناع الدولة المنسحبة بالعدول عن قرارها.
كما يجوز للدولة العضو الانسحاب إذا تغير الميثاق ولم توافق تلك الدولة على هذا التعديل، وأقر ميثاق الجامعة العربية كذلك جواز فصل أي عضو لم يقم بتنفيذ التزامات العضوية التي حددها الميثاق واشترط ذلك بإجماع أغلبية الأعضاء، لكنه لم يوصد الباب كلية أمام الدولة المفصولة فيحق لها التقدم مرة أخرى بطلب العضوية.
وتفقد العضوية كذلك بزوال الشخصية القانونية الدولية لأي سبب مثل الاندماج في دولة أخرى، وقد حدث هذا أثناء الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير/شباط 1958 بعدما أصبحتا “الجمهورية العربية المتحدة”، كذلك بعد الاتحاد بين اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990 وقيام الجمهورية العربية اليمنية المتحدة.
أما فقدان الدولة لسيادتها بالإكراه كما حدث بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990 فإنه لم يؤثر على استمرار عضوية الكويت في الجامعة.
الهيكلة تتكون جامعة الدول العربية من ثلاثة فروع رئيسية أنشئت بمقتضى الميثاق، ويوجد بها كذلك أجهزة أخرى أنشأتها معاهدة الدفاع العربي المشترك عام 1950، إضافة إلى أجهزة أنشئت بقرارات من مجلس الجامعة.
مجلس الجامعة يتألف هذا المجلس الذي يعتبر أعلى سلطة في الجامعة من ممثلي الدول الأعضاء، ولكل دولة صوت واحد مهما كان عدد ممثليها. وقد اعتبرت مؤتمرات القمة للملوك والرؤساء العرب دورات لمجلس الجامعة ولم تعتبر تلك المؤتمرات جهازا من أجهزتها.
وفي عام 1973 حسم النظام الداخلي لمجلس الجامعة قضية التمثيل فتقرر أن يعقد المجلس دوراته على مستوى وزراء الخارجية أو مستوى أعلى، ولهم أن ينيبوا عنهم مندوبين أو مفوضين وفقا للمادة الثانية من هذا النظام.
ووفقا لميثاق الجامعة يختص المجلس بمراعاة تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الدول الأعضاء، ودعم التعاون بين الدول العربية والهيئات الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ التدابير اللازمة لدفع ما قد يقع على إحدى دول الجامعة من عدوان فعلي أو محتمل، وفض المنازعات التي تنشأ بين الدول العربية عن طريق الوساطة أو التحكيم، وتعيين الأمين العام للجامعة وتحديد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة، وأخيرا وضع النظام الداخلي للمجلس واللجان الدائمة والأمانة العامة.
اللجان الفرعية ويساعد مجلس الجامعة عدة لجان فنية دائمة مهمتها إعداد دراسات فنية متخصصة فيما يحال إليها من موضوعات، وأقرت المادة الرابعة من الميثاق ذلك حينما قررت تأليف لجان خاصة للشؤون المبينة في المادة الثانية وتمثل فيها الدول المشتركة في الجامعة.
وتتولى هذه اللجان وضع قواعد التعاون وصياغتها في شكل مشروعات اتفاقيات تعرض على المجلس للنظر فيها تمهيدا لعرضها على الدول المذكورة.
وهذه اللجان وفقا لنظام المجلس الداخلي هي:
– لجنة الشؤون السياسية. – لجنة الشؤون الاقتصادية. – لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية. – لجنة الشؤون المالية والإدارية. – لجنة الشؤون القانونية.
الأمانة العامة يوجد للجامعة العربية أمانة دائمة وظيفتها الأساسية تصريف الأمور الإدارية والمالية والسياسية للجامعة، وتعتبر الأمانة العامة بمثابة الجهاز الإداري وتضم الأمين العام بدرجة سفير يعينه مجلس الجامعة بأغلبية ثلثي الأعضاء لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ولا يمثل أي دولة ولا يتلقى تعليماته من أي دولة، والأمناء المساعدين بدرجة وزراء مفوضين ومجموعة من الموظفين والمستشارين وفقا لما جاء في المادة 12 من الميثاق.
وتتكون الأمانة العامة للجامعة العربية من الأجهزة التالية:
– مكتب الأمين العام: ويتولى شؤون مجلس الجامعة والمتابعة والتنسيق مع المنظمات والأجهزة المختصة الملحقة بالجامعة.
– مكتب الأمناء المساعدين: ويتولى كل واحد من الأمناء المساعدين الإشراف على إدارة من إدارات الجامعة على الأقل.
– الإدارة العامة للشؤون السياسية: وتتولى دراسة وإعداد التقارير في القضايا السياسية ومتابعتها.
– إدارة الشؤون الاقتصادية: وتتولى إعداد المشاريع والتقارير المتعلقة بالمسائل الاقتصادية المتعلقة بشؤون النفط، والطاقة، والنقل، والمواصلات، والتعاون الفني، والتخطيط الإنمائي، والإحصاء، والتوثيق.
– إدارة الشؤون الاجتماعية والثقافية: ومن مهماتها إعداد الدراسات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية، والصحية، والبيئية، والشؤون الثقافية والتعليمية، وشؤون التنمية والتدريب، وتوحيد التشريعات.
– الإدارة العامة لشؤون فلسطين: وتهتم بمعالجة جميع القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
– الإدارة العامة للإعلام: وتختص بالتعريف بقضايا الوطن العربي وقيمه الحضارية وأوجه تقدمه وتطوره، وتعريف الرأي العام العربي والدولي بنشاط الجامعة ومنظماتها، كما تتولى مهام العلاقات العامة.
– الإدارة العامة للمعاهدات والشؤون القانونية: وتتولى إبداء الرأي القانوني فيما يحال إليها من موضوعات، وإعداد الدراسات القانونية حول قضايا الجامعة ومساعدة المجالس واللجان الأخرى في الشؤون القانونية المتعلقة بأعمالها.
– الإدارة العامة للتنظيم والشؤون الإدارية والمالية: ومهامها إدارية تتولى شؤون الموظفين والتنظيم والميزانية وشؤون المؤتمرات وغيرها.
– أمانة الشؤون العسكرية: وتتابع المسائل المتعلقة بالتعاون العسكري بين دول الجامعة طبقا لأحكام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية.
– المكتب الرئيسي لمقاطعة إسرائيل: ويختص هذا المكتب بالشؤون المتعلقة بالمقاطعة وفرض الحصار الاقتصادي على إسرائيل وإعداد القوائم بالشركات والدول الأجنبية التي تتعامل معها، وتنبيه الدول العربية إلى عدم التعامل معها طبقا لأحكام قانون المقاطعة الموحد وقرارات مجلس الجامعة بهذا الخصوص.
– وحدات إدارية تابعة للأمانة العامة * قسم العلوم والتكنولوجيا. * معهد المخطوطات العربية. * معهد الدراسات العربية العليا. * الجهاز الإقليمي لمحو الأمية. * المركز الإحصائي. * مركز التنمية الصناعية للدول العربية.
أجهزة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وافق مجلس الجامعة في جلسته المنعقدة يوم 13 أبريل/نيسان 1950 على إبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لسد الثغرات التي ظهرت في الميثاق، وخاصة في المجالين الدفاعي والاقتصادي.
– الأجهزة المتعلقة بالأمن الجماعي العربي وترتب على معاهدة الدفاع العربي المشترك إنشاء هيئات جديدة في نطاق الجامعة العربية، ولكنها لا تدخل ضمن فروعها الرئيسية وهي:
* مجلس الدفاع المشترك: ويتألف من وزراء الخارجية والدفاع أو من ينوبهم.
* الهيئة الاستشارية العسكرية: وتضم رؤساء أركان جيوش الدول المتعاقدة.
* اللجنة العسكرية الدائمة: ومن مهامها إعداد الخطط العسكرية لمواجهة كل الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح، وتقديم المقترحات لتنظيم قوات الدول المتعاقدة ولتعيين الحد الأدنى لقوات كل منها، إلى جانب مهام أخرى تتعلق بالتدريبات المشتركة والمعلومات المتعلقة بإمكانيات كل دولة من الناحية الحربية ومقدرتها في المجهود الحربي.
* القيادة العربية الموحدة: تنص المعاهدة على إنشاء قيادة عامة للقوات المشتركة في الميدان تكون رئاستها للدول التي تكون قواتها المشتركة في العمليات أكثر عددا وعدة.
– الأجهزة المتعلقة بالتعاون الاقتصادي المجلس الاقتصادي: ومهمته تسهيل عمليات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وفي إطار هذا المجلس وقعت العديد من الاتفاقيات الخاصة بتجارة الترانزيت والوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة. أجهزة أخرى: وأنشئت بموجب قرارات من مجلس الجامعة العربية: 1- هيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده. 2- مركز التنمية الصناعية للدول العربية. 3- معهد الغابات العربي. 4- المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية.
المجالس الوزارية المتخصصة من الآليات التي اتخذتها جامعة الدول العربية لتحقيق أهدافها إنشاء المجالس الوزارية المتخصصة، مثل:
– مجلس وزراء الصحة العرب.
– مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب.
– مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية.
– مجلس وزراء العدل العرب.
– مجلس وزراء الداخلية العرب.
– مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب.
– مجلس وزراء النقل العرب.
– مجلس الوزراء المسؤولين عن البيئة العرب.
– مجلس وزراء التعليم العالي العرب.
– مجلس وزراء الزراعة العرب.
– مجلس وزراء الإعلام العرب.
ويوجد بالجامعة العربية العديد من المنظمات المتخصصة التي أنشئت لحاجة بعض اللجان إلى تخصصات بعينها. ومن هذه المنظمات:
– اتحاد البريد العربي.
– الاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية.
– اتحاد الإذاعات العربية.
– المنظمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة.
دخلت المسيحية مدينة انطاكية زاهية سورية وعاصمة الجمال الاغريقي المتزاوج بالجمال الفينيقي السوري، ومدينة مدرستي الفلسفة الاغريقية.
كانت انطاكية عاصمة ولاية الشرق الروماني منذ السنة الثانية او الثالثة لصعود الرب.
في انطاكية دُعي المؤمنون مسيحيين لأول مرة في التاريخ، وفيها التقت وعملت بنشاط تبشيري جمهرة رسولية وافدة من فلسطين والشتات من مختاري الرب ومطرح عنصرته في علية اورشليم يوم العنصرة… الرسل الفقراء الذين ارسلهم لفتح العالم وغزوه بصليبه بدون مركبات وجنود وجيوش مدججة بالسلاح… فقط بعضد من روحه القدوس وقد بشروا كل المسكونة باسم الآب والابن والروح القدس…
تَقَدَّمَ هذه الجمهرة الرسولية هامتا الرسل بطرس صياد السمك الفقير الذي انكر المسيح ثلاث مرات قبل ان يصيح الديك مرتين في الليلة الاخيرة للرب يسوع، وبكى ندماً بدموع غزيرة. وبولس شاول المضطهد الذي رعى وساهم بنشوة في رجم الشماس استفانوس اول الشهداء في المسيح وتابع في اضطهاد المسيحيين وتوجه الى دمشق مزودا بالرجال والسلاح وكل التسهيلات للبطش بأصحاب الطريقة الجديدة بزعامة اسقفهم الرسول حنانيا الدمشقي لكنه وعلى طريق دمشق انقلب ذاك الانقلاب الخطيروصيرته دمشق بماء برداها هامة رسل المسيح…ومشرع المسيحية ورسول الامم…
الهامتان بطرس وبولس مع هذه الجمهرة الرسولية كبرنابا وماتاهين…اسسوا كرسي أنطاكية العظمى وجلس عليه بطرس شيخاً للعشيرة الانطاكية وبطريركها الاول…قبل ان يؤسسا كرسي رومية بعشرين سنة ويجلس عليه بطرس كأول اساقفته، ومن ثم يستشهدان (بطرس وبولس) بأمر الطاغية نيرون بعد سنتين من التأسيس والجلوس.
وانطلق الرسل من انطاكية العظمى كنسياً، والمدينة العاصمة الرومانية الشرقية جغرافياً الى سائر الاصقاع الشرقية ككل آسية الصغرى وآسيا الكبرى والبلاد الكرجية وارمينية وحتى الصين وبلاد مابين النهرين وسائر المشرق، ماأعطى انطاكية واساقفتها حقوقاً لاتنكر على تلك الكنائس الجديدة.
مكانة اسقف انطاكية
مغارة القديسين بطرس وبولس في انطاكية وهي مقر كرسي انطاكية عام 45م
كان اسقف انطاكية وبطريركها في البداية اسقفا بسيطاً، ثم احتل مع الزمن لأسباب كنسية المكانة الرئيسة والمميزة فهو وريث الهامتين المؤسسيَّن بطرس وبولس ووريث البطريرك الاول بطرس الرسول…احتل مكانة ادارية بارزة بين اساقفة الشرق فهو بطريركهم المتقدم عليهم جميعاً والمترئس مجامعهم المكانية على نحو مافعل البطريرك فيتاليس في المجمعين المكانيين انقرة العام 314م وقيصرية الجديدة العام 320م.
هذا فقد اعترف مجمع نيقية وهو المسكوني الأول السنة 325م كما ورد في القانون السادس من قوانينه، لكرسي أنطاكية بالرئاسة على سائر أساقفة المشرق في الأبرشيات المذكورة اعلاه.
ثم ثبت مجمع القسطنطينية الاول وهو المجمع المسكوني الثاني السنة 381م هذا القرار، وكانت ادارة المشرق الرومانية (اوالولاية المشرقية) وقد اصبحت انطاكية عاصمتها، تمتد من طوروس الى مصر، وتشتمل على البلاد الكرجية (جيورجيا حالياً) في جبال القوقاز التي اكتسبت فيما بعد شبه استقلال كنسي برئاسة كاثوليكوس.
من سورية الكبرى انتشرت المسيحية الى بلاد فارس، ولكن الكنيسة التي فيها كانت مستقلة منذ تأسيسها، منظمة تنظيماً حسناً برئاسة متروبوليت طيسفون.
وحدد آباء مجمع القسطنطينة او المسكوني الثاني السنة 381م ان تكون حدود المقاطعات الادارية هي حدود الكراسي والأبرشيات. يعقد فيها المجمع ان دعت الحاجة!!
وهكذا تحددت حدود صلاحية كنيسة انطاكية ضمن حدود “إدارة الشرق”، ثم دُعي فيما بعد رئيس أساقفتها” بطريرك أنطاكية وسائر المشرق”. وانتظم أمرها بأن ينعقد مجمعها من أساقفة الأبرشيات الأنطاكية في شهر تشرين الاول من كل عام في الظروف الاعتيادية كما هو الحال اليوم إضافة الى أدوار استثنائية ينعقد فيها المجمع اذا دعت الظروف.
أهمية كنيسة انطاكية
كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في انطاكية
كتب القديس باسيليوس الكبير:”(كنيسة أنطاكية) أجدى نفعاً من كل كنائس المسكونة”.
وقال القديس يوحنا الذهبي الفم في مديح القديس اغناطيوس الانطاكي ثالث بطاركة انطاكية:
“كم وكم تكلم بكلام الله الرسول العظيم في هذه المدينة، اعني به الرسول بطرس الرقيب على كل المسكونة، الذي سلم اليه السيد مفاتيح ملكوت السماوات، والذي سمح له ان يربط ويحل وأوحي اليه المكوث هنا زماناً طويلاً! وكأني به جعل مدينتنا في كفة ميزان والعالم كله في كفة أخرى. ولما ازمع بطرس ان يغترب من هنا جاءت لنانعمة الروح بمعلم آخر مساوٍ لبطرس.”
عندا ترك بطرس الرسول كرسي انطاكية بعد ثماني سنوات من جلوسه بطريركاً (45-53م) استخلف افوديوس تلميذه، وبعد انتقال الأخير حل اغناطيوس المتوشح بالاله…وكرت السبحة…
ان هذا الوصف لم يكن محصوراً بأغناطيوس المتوشح بالله بالتأكيد (وهو كما يقول التقليد الشريف انه الطفل الذي احتضنه الرب يسوع داعيا اليهود الى التشبه بالاطفال للدخول الى ملكوت السماوات) بل لكل من خلف بطرس من افوديوس الى سلسلة بطاركة انطاكية، وفي هذا كل الفخر لأنطاكية وبطاركتها خلفاء بطرس الرسول الهامة ومكانة انطاكية قبل رومة من خلاله فهو مؤسسها وأسقفها قبل تأسيسه كرسي رومية وتسقفه عليهاوان كانت رومية هي العاصمة للامبراطورية ومن هنا تحدد مكانة اسقفها الاول بين المتساوين وعندما انتهت الامبراطورية الرومانية في القرن الرابع وحلت محلها الامبراطورية الرومانية الشرقية او الرومية وصارت القسطنطينية عاصمتها عام 320م منح التقدم ذاته لاسقف العاصمة رومية الجديدة…
واجهة مغارة كنيسة القديسين بطرس وبولس اول كنيسة في انطاكية عام 45م
ونوضح رأينا بأولوية اسقف انطاكية استناداً على قول القديس يوحنا الذهبي الفم وهو ابن انطاكية العظمى المدينة والكنيسة، عن معاصره فلابيانوس اسقف أنطاكية التالي:
“…وبما اني أذكر بطرس آخر أبانا ومعلمنا جميعاً فلابيانوس الذي خلف بطرس وورث فضيلته وكرسيه، لأن امتياز مدينتنا على كل المدن قائم على اتخاذها من الأصل هامة الرسل معلماً. لأنه كان يجب ان يكون اول الرعاة في الرسل راعياً للمدينة التي دُعي فيها المسيحيون اولاً بهذا الاسم الشريف. ولكننا اذا اتخذناه معلماً لم نحتفظ به حتى النهاية بل تخلينا عنه لأجل الملكة رومة. ولكن ان شئت فقل انا احتفظنا به دائماً. أجل إننا لم نمتلك جسد بطرس، وانما امتلكنا إيمان بطرس، واذا امتلكنا إيمان بطرس فإننا نمتلك بطرس نفسه”.
لما اراد ديوسقوروس اسقف الاسكندرية الهرطوقي، أن يفرض نفسه على الكنيسة جمعاء متذرعاً بسلطان مرقس الانجيلي، مؤسس كنيسة الاسكندرية، انبرى ثيودوريطوس اسقف قورش وابن أنطاكية وألمع أساقفتها، فقال له:”إن أنطاكية المدينة العظمى فيها كرسي الرسول بطرس الذي كان معلم مرقس واول جمهور الرسل وهامتهم”.
وفي مجمع خلقيدونية المسكوني الرابع(451م) خوطب أسقف أنطاكية برئيس أساقفة مثل رومة والاسكندرية. ولكن بعد هذا المجمع سادت تسمية بطريرك كما سُميّ بذلك الآخرون فيما بعد بزمان، وسُميت كنيسة انطاكية بطريركية.
اذن على ذلك فإن كنيسة انطاكية تتفوق بالكرامة لأن بطرس وبولس اسسا كرسيها الاول في التاريخ المسيحي وكان بطرس اول اساقفته كما المعنا سابقاً وفيها علم الرسولان بطرس وبولس اضف الى الشرف الرئيس حيث فيها اطلقت تسمية مسيحيين لأول مرة على اتباع الرب يسوع، ونال اسقفها لقب البطريرك قبل كل الاساقفة.
امتيازات كنيسة انطاكية
القديسان بطرس وبولس يحملان كنيسة انطاكية وهو رمز الكرسي الانطاكي
كانت أنطاكية المركز المسيحي الأول ومنطلق الاشعاع المسيحي بعد اورشليم ام الكنائس، منها كانت منطلق رحلات بولس الرسول التبشيرية واليها كان يعود بعد كل رحلة. فيها استقر الرسول بطرس وعلم وجلس على كرسيها ثماني سنوات من 45م الى 53م قبل ان يتجه الى رومة. وسلسلة أساقفة انطاكية تبدأ ببطرس الرسول حيث فيها “دُعي المسيحيون اولاً”.
اما لقب البطريرك الذي تفرد به اساقفة انطاكية فقد كتب عنه معلمنا مؤرخ الكرسي الانطاكي الدكتور اسد رستم بقوله: “واللقب بطريرك لفظ يوناني. وهو مركب من الكلمة اليونانية (باتريا) اي العشيرة، والكلمة اليونانية (آرشي) اي الشيخ فيصبح البطريرك شيخ العشيرة. وجاء لبلصامونفي رسالته في امتيازات البطاركة ان اول من اطلق عليه هذا اللقب رئيس عشائر اليهود… وعلى هذا الأساس لُقب اسقف انطاكية بطريركاً لأنه اعتبر كبير الأمة المسيحية في انطاكية وزعيمها المطاع.
وجاء في رسالة كتبها بطرس الثالث البطريرك الأنطاكي الى رئيس اساقفة أكويلية “ان البطريرك الأنطاكي وحده اختص منذ القدم بلقب بطريرك وأن البطاركة الآخرين لقبوا بهذا اللقب جوازاً لا وجوباً، وان لقب الحبرين الروماني والاسكندري هو بابا، ولقب زميليهما في رومة الجديدة (القسطنطينية) واورشليم هو رئيس اساقفة.” (كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى، ج1، ص404/5)
الكاتدرائية المريمية في دمشق كاتدرائية الكرسي الانطاكي والبطريرك الانطاكي
يتمتع البطريرك بسلطة حقيقية فهو يسعى الى ملء الكراسي الشاغرة في دائرة الكرسي الانطاكي، ويمنح الرسامة الاسقفية للميتروبوليت، وهو المرجع الأعلى للقضاء في حدود البطريركية. وله حق النظر والرقابة وتكريس الميرون المقدس. ويُذكر اسمه في الذبتيخيا(عند ذكر الأحياء بعد كلام التقديس) في الليتورجيا الإلهية المقدسة مع الاسقف المحلي وهو متولي الاوقاف في كل الكرسي الانطاكي ويرأس جلسات المجمع المقدس وهو من يدعو الى عقدها.
وكانت بطريركية انطاكية في اواخر القرن الرابع تقسم الى 15 اقليماً وعلى رأس كل اقليم متروبوليت. وبعد استقلال بعض الكنائس كقبرص مثلا عن الكرسي الانطاكي بقي لهذه البطريركية 12 اقليماً و153 ابرشية ممتدة من كيليكيا الى شرق الاردن.
أنطاكية عاصمة ادارة المشرق الروماني
احدث الامبراطور ذيوكليسيانوس السنة295م في الامبراطورية الرومانية تقسيمات ادارية وجعل من الشرق ادارة خاصة عاصمتها انطاكية التي شملت مقاطعات فلسطين، سورية، فينيقية، العربية، كيليكية، ايسافريا او ايصورية (اي ماوراء جبال طوروس)، مابين النهرين الشرقية والغربية، الفرات، وقبرص.
وكانت ايسافريا متحدة اصلاً مع كيليكية، لكنها انتزعت منها فيما بعد لتشكل مقاطعة خاصة. وفي زمن الامبراطور اركاديوس قسمت المقاطعة الأصلية كيليكيا الى (كيليكية الاولى وكيليكيا الثانية وايسافرية).
وكانت العربية تشكل رقعة مملكة الانباط، وعاصمتها البتراء. ولما اقتحم الامبراطور ترايانوس العربية وقضى على هذه المملكة في العام 105م، ابقى على المقاطعات ذاتها، ماعدا بيثنية وتراخونيتس (اللجا) وارانيتيس (حوران) التي كانت مضافة الى مقاطعة سورية حتى السنة 295م. فضُمّت هذه المنطقة ثانية في تلك السنة ذاتها الى العربية. ولكن انتُزِعَتْ منها فيما بعد فلسطين الثالثة.
في عهد الامبراطور الروماني سبتيموس ساويرس كانت سورية قد انقسمت الى سورية الكبرى وسورية المجوفة وفينيقية. وظل هذا التقسيم سائداً في زمن مجمع نيقية المسكوني الاول السنة 325م. امافي عهد الامبراطورين الروميين ثيوذوسيوس واركاديوس فقد قسمت سورية الكبرى وسورية المجوفة الى سورية الأولى وسورية الثانية، وسورية الفراتية. وقسمت فينيقية الى فينيقية الاولى او الساحلية وفينيقية اللبنانية او الثانية. اما فلسطين فقد قسمت الى:
فلسطين الأولى: وتشمل اليهودية القديمة الى السامرة وعاصمتها قيصرية فلسطين.
فلسطين الثانية: وتشمل الجليل وكل الأقسام الأصلية لفلسطين، وعاصمتها سكيتوبوليس(بيسان).
فلسطين الثالثة: وتشمل العربية الصخرية حتى البحر الأحمر، وعاصمتها البتراء.
وبعد ان احتل الفرس جزئياً مابين النهرين بعد انكسار يوليانوس الجاحد السنة 363م، قسمت ميسوبوتاميا الى أوسرين (إديسا) غرب ميسوبو تاميا مؤلفة من دويلة صغيرة، ومابين النهرين.
وكان يرأس هذه المقاطعات جملة “قومس الشرق” (كومس اورينتاليس)، وقاعدة إدارته في أنطاكية. يساعده في ادارة كل مقاطعة مدير، فيرأس المقاطعات الخمس الأولى (فلسطين الأولى، فينيقية الساحلية، سورية الأولى، كيليكية الأولى، قبرص) مدير برتبة قنصل، ومقاطعة العربية يرأسها مدير برتبة “دوق”، وإيسافريا مدير عسكري، أما بقية المقاطعات ( فلسطين الثانية، فلسطين الثالثة، فينيقية اللبنانية (ليبانيسا)، إفراتيسيا( الفراتية)، سورية الثانية، أوسريني(غربي مابين النهرين) إديسا/الرها، ميسوبوتاميا (مابين النهرين)، وكيليكيا الثانية فيديرها رئيس مقاطعة ايبرخوس.
ومن الجدير ذكره ان الادارة الكنسية المعهودة فيالمشرق قد تشكلت على اساس هذا التقسيم الاداري/ المدني.
اخذت الادارة الكنسية تقيم المدن والضواحي بالنظام الاقليمي نفسه الذي كانت السلطة المدنية تتبعه. وفي عهد مجمع نيقية (325م) كانت الوحدات الاقليمية تتجمع كلها في احلاف على غرار الولايات المدنية، وتعرف باسم “ابرشية”.
انطاكية قبل ان يدمرها الظاهر بيبرس 1268
وقد اشتمل التقسيم الاداري للشرق، في نهاية القرن الخامس على الابرشيات ال15 التالية:
1- فلسطين الاولى
2- فينيقية الاولى (الساحلية)
3-سورية الاولى
4- كيليكية الأولى
5- قبرص
6- العربية
7- إيسافرية/ ايصورية (وراء جبال طوروس)
8- فلسطين الثانية
9- فلسطين الثالثة
10- فينيقية اللبنانية
11-إفراتيسيا (الفراتية)
12- سورية الثانية
13-اوسريني(غربي مابين النهرين) إديسا/ الرها
14- ميسوبوتاميا (مابين النهرين)
15-كيليكية الثانية
تحوي الابرشية في الامبراطورية الرومانية إيالات (أقاليم، ولايات) متعددة. وكان في الكنيسة الشرقية أربع من هذه الابرشيات: ابرشية الشرق، ابرشية بنطس، أبرشية آسية، ابرشية تراقيا.
شعار الارثوذكسية
كانت ابرشية الشرق (اي انطاكية) تضم 15 ايالة (المذكورة أعلاه)، اضافة الى بلاد الكرج (جيورجيا)، وربما ارمينيا ايضاً وكل من جيورجيا وارمينيا اعتنقتا المسيحية عن يد مبشرين انطاكيين.
وتمتد ابرشية الشرق من عريش مصر الى جبال طوروس، اما من جهة الشرق فحدودها هي حدود وجود المسيحية في تلك الاصقاع.
كانت الابرشيات تنقسم الى مطرانيات يرأس كلاً منها مطران أو مطرانان. وصار كبير الاساقفة او المطارنة في كل مطرانية يُعرف باسم رئيس الأساقفة.
ولما كانت الكنائس المقامة كنائس مراكز الحكم في الولايات فقد تَّزَّعَّمَ أساقفتها السلطة في القرن 3م على جميع اساقفة الولاية التي انتموا اليها. وكانت مراكز الحكم تتمتع في غالب الأحيان برتبة “ميتروبوليس” او (المدينة الأم). وان الولاية التابعة كانت تدعى ابرشية، فأصبح أسقف الميتروبوليس ميتروبوليت الأبرشية. وكان اسقف هذه المجموعات الكبيرة من الكنائس يُسمى بطريركاً.
كان هناك تسليم عام بصدارة الكنائس الكبرى: كنيسة رومية القديمة، كنيسة انطاكية العظمى، وتبعتها كنيسة الاسكندرية والشمال الافريقي، وكنيسة اورشليم ( ام الكنائس) ولقد وضع مجمع خلقيدونية السنة 451موهو المسكوني الرابع حداً لاستقلال كنائس البنطس وآسية وتراقية فجعلها تحت رئاسة اسقف القسطنطينية التي رُفعت الى مصاف كنيسة انطاكية وكنيسة الاسكندرية. هذا فقد اعترف الامبراطور يوستنيانوس 527-565م بخمسة بطاركة (البنتارخّية):
شعار بطريركية انطاكية
بطريرك رومية القديمة
بطريرك القسطنطينية (رومية الجديدة)
بطريرك الاسكندرية
بطريرك انطاكية
بطريرك اورشليم
الكنائس التي استقلت عن الكرسي الانطاكي
من المتفق عليه تاريخيا وقانونيا وواقعيا ان كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى وكرسيها البطريركي هوالاول عهداً ورتبة كما مر معنا، ولكن انتُزعت منها مع الزمن في الالفية المسيحية الاولى بعض المقاطعات او الولايات وأُخرجتْ من صلاحيات كرسي انطاكية فخرجت عنها كنيسة سلوقية/ المدائن (بغداد) بخروج النساطرة، وكنيسة قبرص بمجمع افسس المسكوني الثالث السنة 431م وبطريركية اورشليم في القرن الخامس بإتفاق بين اسقف اورشليم مع مكسيموس بطريرك انطاكية ان تكون فينيقيا الاولى والثانية والعربية تابعة لكرسي انطاكية شرط ان تكون الفلسطينيات الثلاث تابعة لكرسي اورشليم فأصدر مجمع خلقيدونية السنة 451م قراره بموجب هذا الاتفاق، ثم انشق السريان المونوفيست اللاخلقيدونيين في القرن السادس والموارنة في القرن السابع، واخيرا استقلت الكنيسة الكرجية في القرن الثامن المسيحي.
علم من اعلام سورية في الادب والصحافة والكتابة والتأريخ في مابين القرنين التاسع عشر والعشرين واثرى الصحافة السورية في القرن 19 والصحافة المصرية في القرن 20 وميدان الشعر بانتاجه الجميل…بمافيه الديني والاسلامي تحديداً وهو المسيحي…
ولكن بكل اسف مجهَّل ذكرُه !!! ويحضر اسمه خجولاً في المنتديات وفي الدوائر المختصة وحتى في موطنه حلب…!
بعض من السيرة الذاتية
عبد المسيح بن فتح الله بن عبد المسيح الأنطاكي (16 شباط 1875 – 18 تشرين الثاني 1922) كان والده فتح الله الأنطاكي ، أول من مارس مهنة المحاماة أمام محاكم حلب .شاعر وصحفي وكاتب سوري.
اسرته يونانية الأصل مسيحية روم ارثوذكس جاءت الى انطاكية في الربع الاول من القرن 18واقامت فيها ثم انتقلت الى حلب السنة 1750 ولذلك حمل كبيرها الوافد الى حلب لقب “الأنطاكي”
ولد علمنا عبد المسيح في 16 شباط 1875 وكان بكر ابيه المحامي الشهير والاول في مدينة حلب لذلك اسماه على اسم جده “خريستو ذولوس” (باليونانية) عبد المسيح بالعربية ونشأ في حلب وكان والده من اعيان الكنيسة الارثوذكسية الحلبية وعضو في مجلس الملة وعدد من الجمعيات الارثوذكسية فيها، لذلك نرى علمنا نشأ في اسرة مكينة في ايمانها المسيحي الارثوذكسي، وفي حي يغلب عليه الطابع الاسلامي ومع ذلك كانت الاسرة محط احترام الجميع، وكانت تبادل الجميع الاحترام ذاته، لذلك وفي جو الاحترام المتبادل نشأ علمنا فهو من جانب متعمق بايمانه المسيحي الارثوذكسي محباً لكل الطوائف الشقيقة ميالاً لعودة الروم الكاثوليك الى حضن الكنيسة الرومية الانطاكية ومحباً للمسلمين فهم اخوة في الايمان بالله واشقاء في الوطن وحب الوطن وخدمته، لذلك نرى في ادبه انفتاحا عليهم تمثل على سبيل المثال بملحمته الشعرية:”القصيدة العلوية المباركة”
درس في مدرسة المطرانية الارثوذكسية بحلب ونبغ في دراسته لكل المناهج وتعلم اللغات العربية والعثمانية واليونانية التي يعرفها فهي لغته الام، وتجلى نبوغه في اللغة العربية تحديداً باشراف من ابيه وهو اول محامي مارس المهنة بحلب علامة بالحقوق ومجلة الاحكام العدلية العثمانية، مفوه باللغة العربية والعثمانية.
وليزيد الفتى عبد المسيح من مقدرته باللغة العربية اتصل بالعلامة وكوكب حلب في زمانه في الادب والصحافة والنظام الدولي العالمي عبد الرحمن الكواكبي وتتلمذ عليه وبرع في نظم الشعر، وفي مطالعته للغة العربية وآدابها ألمَّ بتاريخ العرب ومعتقداتهم ماقبل الاسلام وعشق الشعر الملحمي الجاهلي، كما وعى وتبحر بعناية في تاريخ المسلمين ومذاهبهم.
اهتم جداً بتاريخ الكرسي الانطاكي المقدس منذ تأسيسه في مدينة انطاكية بيد الرسولين بطرس وبولس وكتب هذا التاريخ الممتد من التأسيس وحتى عهد تعريب الكرسي زمن مثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي عام 1898 وهو بعنوان:”اللاليء السنية لعروس الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية” حيث طبعه واصدره في عام 1900م
في الصحافة
اهتمَّ علمنا بالصحافة أنشأ في حلب مجلّة شهريّة سمّاها الشذور استمرّت مدّة وأصدر عشرة أجزاء منها،
في مصر
انتقل إلى مصر في بداية عام 1895 واصدر مجلة العمران فاستمّرت اثني عشر عاماً. تنقّل بين بلدان المشرق العربي وتقرّب إلى زعمائها وهي الهند والعراق والكويت واليونان، وكان يرسل خلال رحلاته تحقيقاتٍ مشوّقة إلى جريدته في القاهرة. توفي في القاهرة. له عدة مؤلفات وثلاثة دواوين وملحمة شعرية طويلة بعنوان القصيدة العلوية المباركة.
كانت باكورة اعماله في الصحافة والادب في حلب فأصدر مجلة شهريّة اسماها” الشذور أو رسائل أدبيّة” في عام 1895 التي استمرّت مدّة وأصدر عشرة أجزاء منها، وقد أسس في حلب مطبعة الفوائد لطباعتها. وأصدر مجلة الزهور عامها. وفيها انطلق مشواره الأدبي .
ثم هاجر إلى مصر في نفس السنة، فأنشأ فيها جريدة الشهباء في بداية عام 1897، التي حوّل اسمها إلى العمران، فاستمّرت اثني عشر عاماً. وانتمى الى بطريركية الاسكندرية للروم الارثوذكس وتقرب من بطاركتها والاكليروس الارثوذكسي كما كان له الحضور والحظوة عند بقية الطوائف المسيحية الاخرى وتتم دعوته ويتقدم الحضور الرسمي والشعبي فيها.
لكن انتماءه الى كنيسته الارثوذكسية جعله بالرغم من مشاغله الادبية والصحفية ورحلاته دائم الحضور لطقوسها وممارسة الايمان في كنائس مصر الارثوذكسية كما كان في حلب في انشطة بطريركية الاسكندرية الارثوذكسية الروحية والرسمية لذلك شهدت جنازته حضوراً مميزاً تمثل في بطريرك الاسكندرية للروم الارثوذكس توفي عبد المسيح الأنطاكي في القاهرة في 18 تشرين الثاني 1922 وكانت جنازته التي رئس خدمتها البطريرك الاسكندري الارثوذكسي وكل الاكليروس البطريركي الاسكندري في القاهرة في الكاتدرائية بمصر القديمة وبحضور كبيرمن اكليروس الطوائف المسيحية الاخرى القبطية والروم الكاثوليك والموارنة… والفعاليات القنصلية تقدمها قنصل اليونان والفعاليات الادبية وقرظه البطريرك بكلمة تعزية روحية مميزة والقى العديد من الادباء كلمات بمايليق بمكانته الادبية …
دفن في مقبرة الشوام “مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية” في القاهرة.
مهنته الأدبيةالصفحة الثامنة من الرواية التي كتبها الأنطاكي، شهيد الجلجلة، تظهر صورة تنميش له بالزي الرسمي العثماني.
في رأي عبد العزيز البابطين، سار عبد المسيح الأنطاكي “على نهج بعض الشعراء القدامى الذين عاشوا في ظل الخلفاء؛ فرأى بعلاقته بالشيخ خزعل أمير شط العرب في المحمرة ومدحه له ما يمكن أن يجسد علاقة الشعراء بالخلفاء، فربط حياته بحياته، وقصر أكثر شعره على مدحه، كما زار الكويت ومدح شيخها مبارك الكبير، وحرّر سلسلة مقالات بالغ في وصف عمرانها ورخائها.” وقال عن أسلوبه الشعري “شاعر مداح. فمعظم شعره في مدح الأمراء والسلاطين. كتب ملحمة شعرية عن سيرة الإمام علي، وهي أول مطولة عربية ذات نفس ملحمي تبلغ هذا الطول مع الحفاظ على ذات الوزن والقافية. يمتاز بنفس شعري طويل، ويغلب على لغته طابع المباشرة الذي يجيء ملائمًا – فيما يبدو – لطبيعة السرد الشعري. يلتزم النهج التقليدي إطارًا لمدائحه.”
حياته الشخصيةنشأ فقيراً وحرص على أن يكون أدبه وسيلة للعيش. كان مسيحياً خُلقاً وتعاملاً ممارساً الايمان في بيتهكما في كل ادوار حياته .شُهد عنه تعامله مع الجميع بكل محبة واخلاص وتفانٍ لكل من يطلب منه خدمة … وخاصة في اعمال الكنيسة وكتب في الادب المسيحي في عام 1904 رواية عن الرب يسوع اسماها “شهيد الجلجلة” تم تمثيلها في المدارس المسيحية الارثوذكسية في مصر.وعلى صعيد انتمائه الارثوذكسي وكان شديد الانتماء كأسرته سواء في مسقط رأسه ونشأته في حلب ثم في مصر . وكان من أنصار الاتحاد بين كنيسته الأورثوذكسية وطائفة الروم الكاثوليك التي انشقت عنها بالتبشير اللاتيني وداعياً لها متواصلاً مع احبارها بكل محبة لذلك كتب كتاب “مطلع الميامن في تهاني غبطة البطريرك الكاثوليكي كيرلس الثامن، 1903 .مؤلفاته
“اللاليء السنية لعروس الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية” وهو نبذة تاريخية عن الكرسي الانطاكي المقدس من القديس بطرس الرسول إلى غبطة امام الاحبار البطريرك ملاتيوس وفيه تفصيل الحوادث التي حدثت منذ مئة وسبعين عاماً حتى القرن العشرين ومزين الكتاب بصور كثيرة، 1900
عُرف الخَزام في مآثر السادة الكرام، جميع قصائده في المديح، 1902
مطلع الميامن في تهاني غبطة البطريرك كيرلس الثامن، 1903
شهيد الجلجلة، رواية، 1904
عرف الطيب في مدائح السيد طالب النقيب، 1904
الآيات الصباح في مدائح مولانا صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مبارك باشا ابن الصباح، 1907
الدرّ الحسان في إمارة عربستان، أو الدرر الحسان في منظومات ومدائح مولانا معز السلطنة سردار ارفع سمو الشيخ خزعل خان امير المحمرة وحاكمها ورئيس قبائلها يتضمن مدائحه في خزعل الكعبي، 1908
الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة، 1907
نيل الأماني في الدستور العثماني، 1909
سياحة أثرية بين الأقصر وأسوان، أو سياحة أثرية بين الأقصر وأسوان وبيان وسيم عن بعض أعمال المحسن العظيم الشيخ جاسم بن محمد آل إبراهيم، 1911
آمنة الأدب أو واقعة في حلب، مقامة هزلية
الرياض الخزعلية في السياسة الإنسانية، أو، أفضل خطة قلم في الاخلاق والحكم، بالاشتراك مع خزعل الكعبي، 1911
رحلة السلطان حسين في رياض البحرين، 1916
غلاف القصيدة العلوية
القصيدة العلوية المباركة أو تاريخ شعري لصدر الإسلام ، ملحمة شعرية تتناول تاريخ حياة الإمام علي بن أبي طالب، بلغ عدد أبياتها نحواً من ستّة آلاف بيت (تحديدًا مكونة من 5595 بيتاً )، وتعتبر أطول قصيدة في الشعر العربي على الإطلاق في رأي بعض نقاد الأدب، 1920وجاء فيهافهرس القصيدة العلوية
تاريخ آل رومانوف وزيارة غبطة البطريرك الانطاكي غريغوريوس الرابع الى روسيا وترؤسه احتفالات آل رومانوف 1913
هذا ماكتبه الاستاذ سليم قبعين في كتابه تاريخ آل رومانوف وتناول فيه تلك الزيارة التاريخية التي قام بها مثلث الرحمات البطريرك الانطاكي غريغوريوس الرابع الى روسيا بدعوة من القيصؤ نيقولا وترأس بتكليف من القيصر احتفالات آل رومانوف بمرور 300 سنة على تملكهم العرش الروسي ونشرت الكتاب مؤسسة هنداوي على موقعها مشكورة وهانحن نستل منها سيرة المؤلف وسرده لمجريات هذه الرحلة التاريخية
صدر هذا الكتاب عام1913
صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام2015
محتوى الكتاب
كلمة للمعرب
مقدمة الكتاب
روسيا القديمة
القيصر نقولا الثاني
ارتقاء روسيا
ابتداء اسرة رومانوف
بطرس الأكبر
الاحتفالات الشائقة
غبطة البطريرك الانطاكي
السيرة الذاتية لمؤلف كتاب تاريخ آل رومانوف (كما اوردت مؤسسة هنداوي)“سليم قبعين
مدرسٌ وصحفيٌّ وأديبٌ وشاعرٌ ومؤرِّخ، ويُعدُّ من أوائلِ المترجِمينَ العربِ الذين عرَّفوا القارئَ العربيَّ بالفكرِ والأدبِ الروسيِّ — من لغتِه إلى اللغةِ العربيةِ مباشَرةً — في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين؛ حيث قطعَ شوطًا طويلًا في هذا المِضمار. ومثَّلَ «قبعين» علامةً فارقةً في أدبِ عصرِه وشكَّلَ الاتجاهاتِ الأدبيةَ والفكريةَ لتلك الحِقْبة.
سليم قبعين
وُلِدَ «سليم بن يوسف قبعين» بمدينةِ الناصرةِ في فلسطين عامَ ١٨٧٠م. الْتحقَ بدارِ المعلِّمينَ الروسية، وبعد تخرُّجِه عامَ ١٨٩٦م عملَ مدرسًا للُّغةِ الروسيةِ في مدرسةِ «المجديل» الابتدائية. وكانتْ مَواقفُه السياسيةُ المؤيِّدةُ للقوميةِ العربية، والمعارِضةُ للدولةِ العثمانية؛ سببًا في هروبِه إلى مصرَ عامَ ١٨٩٧م. وعكفَ في مصرَ على تعلُّمِ اللغةِ العربية، ونشرَ مقالاتِه في عددٍ من الصحفِ ﮐ «المقطم» و«المؤيد» و«الأخبار» و«المحروسة»، كما أصدرَ عددًا من الصُّحف، مثل: «الأسبوع» عامَ ١٩٠٠م، و«عروس النيل» عامَ ١٩٠٣م، و«النيل» عامَ ١٩٠٣م، و«الإخاء» عامَ ١٩٢٤م، كما أنشأَ مطبعةَ «الإخاء».
كانَ من المدافِعينَ عن المسيحيِّين العربِ في اليونان، ودعا إلى استقلالِهم عن الكنيسةِ اليونانية، وأسَّسَ «جمعيةَ القديسِ جاورجيس الخيرية». وانتقدَ سماحَ الدولةِ العثمانيةِ بوجودِ البعثاتِ التبشيريةِ في فلسطين؛ حيث أكَّدَ أنها أدَّتْ إلى تقسيمِ الوطن، وعملتْ على تحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ تؤدِّي إلى القضاءِ على الوَحْدةِ العربية.
ترجَمَ الكثيرَ من الكتبِ لعددٍ من أقطابِ الفِكرِ الرُّوسي، مثل: «أُنشودة الحب» ﻟ «تورجنيف»، وترجَمَ عن «بوشكين» «رَبيب بطرس الأكبر»، و«نَخْب الأدب» ﻟ «مكسيم جوركي»، وترجَمَ الكثيرَ عن «تولستوي»، مثل: «حُكم النبيِّ محمد» و«مَحكمة جهنم». كما كتبَ عددًا من المؤلَّفاتِ مثل: «مَذْهب تولستوي» و«الدستور والأحرار». وكتبَ أيضًا في الشِّعرِ العموديِّ والمُرسَل، مثل قصيدةٍ بعنوان: «لَوْم الحاسدينَ من الخلَّان». كان «قبعين» متأثرًا جدًّا بفكرِ «تولستوي»، وحاولَ الترويجَ له فعملَ على ترجمةِ العديدِ من كتبِه، كما كتبَ عددًا من المقالاتِ في الصحفِ من أجلِ توضيحِ فِكرِه.
تُوفِّي «عميدُ المترجِمينَ عن الروسيةِ» متأثِّرًا بداءِ السكرِ عامَ ١٩٥١م، تارِكًا خلفَه ميراثًا ضخمًا من الترجماتِ والمؤلَّفاتِ والكتبِ التي أثْرَتِ المكتبةَ العربية. حقًّا إن «قبعين» كانَ النافذةَ التي أطلَّ منها أهلُ عصرِه على الفِكرِ والأدبِ الروسيِّ آنذاك، ممهِّدًا الطريقَ أمامَ العلاقاتِ المصريةِ الروسية.”
غبطة البطريرك الأنطاكيفي روسيا
أفتتح الكلام عن غبطته بذكر ترجمة حياته التي أنقلها بالحرف الواحد عن جريدة نوفويه فريميا المشهورة التي قالت (بتحقيق بسيط منا مابين قوسين):
إن غبطة حبر الأحبار البطريرك الأنطاكي غريغوريوس (الرابع1906-1928) الذي قدم إلى روسيا،١ يعد من أشهر مشاهير رجال الأورثوذكس في الشرق، وغبطته كان يسمى قبل أن انتظم في سلك الرهبنة أغناطيوس (غنطوس)، وُلد عام ١٨٥٩ في عائلة عربية بسيطة (بلدة عبيه بجبل لبنان)، وقضى سِنِي حداثته في وسطٍ فقير (والده كان اسكافي البلدة) غير مشهور بين الفلاحين المحرومين من كل شيء في سوريا(سورية تسمية لسورية قبل ان تقسمها سايكس بيكو عام 1916 ويتوازعها الانتدابان الفرنسي والانكليزي).
وقد تلقَّى دروسه الابتدائية في مدرسة عبي ((عبيه) البروتستانتية التي تحولت فيمابعد الى الكلية السورية البروتستانتية واخيرا عندما انتقلت الى رأس بيروت صار اسمها الجامعة الاميركية) العربية، بالقرب من بيروت، ثم أكثر من المطالعة والدرس والبحث، حتى برع في العلوم اللاهوتية والفلسفية والآداب. وكان فيما بعدُ سكرتيرًا خصوصيًّا للمثلث الرحمات البطريرك جراسيموس( كان امين سر مطران بيروت غفرئيل شاتيلا الدمشقي ومعاونه في كل شيء)، ولما بلغ العام الثامن عشر، انتظم في سلك الرهبنة، وتسمَّى غريغوريوس، وفي عام ١٨٧٩ رُسم شماسًا، ثم انتخب وهو في هذه الوظيفة مطرانًا لمدينة طرابلس، وفي ٦ مايو/أيار رُسم أسقفًا، ثم رقي إلى رتبة مطران، ولما خلا كرسي البطركية الأنطاكية من البطريرك عام ١٩٠٦، قرَّر مجمع مطارنة الكرسي الأنطاكي الذي التأم في ٥ يونيو/حزيران من ذلك العام، انتخاب المطران غريغوريوس بطريركًا لمدينة الله المقدسة أنطاكية وسائر المشرق.
إن غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، خطيب مفكر ينقاد إليه الكلام بسهولة، وإذا خطب فإنه يؤثر على السامعين، وفي الغالب يصيب المرمى في كلامه. وغبطته من رجال الدين العاملين، ويميل إلى روسيا ميلًا خصوصيًّا، كما أنه يحب الأمة الروسية حبًّا مفرطًا. وغبطته له تأثير عظيم في سوريا مقرون بالإجلال والتعظيم. ا.ﻫ.
غبطة السيد غريغوريوس الرابع
البطريرك غريغوريوس الرابع
بطريرك أنطاكية وسائر الشرق.
وقد أشرت سابقًا إلى أن غبطته رَأَس الاحتفال الديني الذي أقيم في كازانسكي سوبور، في يوم الاحتفال العظيم، بمرور ثلاثمائة عام على تملُّك أسرة آل رومانوف.
وقرأت في الجرائد الروسية عن غبطته فقرات عديدة، أنقلها كما هي:
قالت جريدة روسيا: في ٢٥ مارس مرَّت ٢٠٠ سنة على تأسيس دير القديس إسكندر نيفسكي، وبمناسبة هذا الحادث العظيم في تاريخ روسيا الديني، أقيمت في ذلك اليوم في الدير المذكور حفلة دينية كبرى، وقد قام بخدمة القداس الإلهي صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، مع حضرات المطارنة الأجلاء فلاديمير مطران بطرسبرج، وإسكندر مطران طرابلس، وغيرهما، وقد قَدِم غبطته مع حاشيته إلى الدير قبل الشروع في الخدمة الإلهية راكبًا عربة رسمية، فقابله وكيل رئيس الدير ولفيف من الرهبان، وقبل انتهاء الخدمة الإلهية لفظ غبطته خطبة باللغة السلافية (الروسية القديمة) وبعد انتهاء الصلاة، أقيمت إكرامًا لغبطته وجميع رجال الدين مأدبة فاخرة.
القيصر الروسي نقولا الثاني
وقالت جريدة روسيا تحت عنوان «قدوم البطريرك الأنطاكي إلى بطرسبرج ما يأتي»: في يوم الأربعاء الموافق ١٩ فبراير/شباط قدم بطرسبرج؛ للاشتراك في حفلات التتويج، غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وكان برفق غبطته حاشيته الكبيرة.
وقبل وصول القطار، اجتمع في المحطة لاستقبال الضيف الكريم جميع أعضاء المجمع المقدس، ومطارنة بطرسبرج، وموسكو، وكييف، وكذلك عدد كبير من الأساقفة والأرشمندريتية، وكانوا كلهم معلقين على صدورهم الصلبان، ولما خرج غبطته من غرفة القطار، قوبل بنشيد أسبولاتي ديسبوتا (سنين عديدة) وبعض أناشيد دينية.
ثم تقدم إلى غبطته رئيس المجمع المقدس، وسلَّم عليه، وطلب منه أن يبارك روسيا الأورثوذكسية، وقصد غبطته من المحطة دير القديس إسكندر نيفسكي، فقابله رجال الدين بالصلبان والأناشيد الروحية، ودعي للاستراحة في غرفة المطران، حيث تناول الشاي، ومن هناك قصد دار رئيس المجمع المقدس، حيث نزل ضيفًا كريمًا معززًا، وهناك أقيمت صلاة دعاء، دعي في نهايتها لغبطته بطول البقاء، ثم قدم لغبطته بعض أعضاء المجمع المقدس. وعند الساعة الثالثة بعد الظهر، قصد بيتروبا فلوسكي سوبور؛ لخدمة صلاة عن نفس ملوك وملكات روسيا المتوفين من أسرة رومانوف، وقد حضرها كثيرون من أصحاب المقامات العالية، وقد قدمت لغبطته عربة رسمية مع خدمة من القصر الملوكي؛ ليقوموا بخدمته، فركب هذه العربة، وسارت أمامه عربة أخرى، جلس فيها رجل حاملًا صليبًا مقدسًا كبيرًا.
وقد قَدِمت مع غبطته من سوريا شقيقته التي لا يفارقها أبدًا.
وقالت جريدة ريتش، في اليوم الثاني والعشرين من شهر فبراير/شباط:
زار غبطة البطريرك الأنطاكي، برفق نيافة إسكندر مطران طرابلس، رئيس الوزارة الروسية، المسيو كوكو نتسوف، ثم زار بعده وزير الخارجية، المسيو سازونوف، ووزير الداخلية المسيو ماكلاكوف.
وفي نفس هذا اليوم، أدب مطران بطرسبرج إكرامًا لغبطته مأدبة فاخرة، حضرها كثيرون من المطارنة، وأعضاء المجمع المقدس.
وفي نفس هذا اليوم، مَثُل بين يدي غبطته مسلِّمين سكرتير الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية، الأستاذ ديمتريفسكي، والأستاذ سوكولوف من قبل الجمعية المذكورة، وقدما لغبطته «باناجيا» ثمينة.
وقالت جريدة روسيا أيضًا، في ٢٨ شباط:القيصر نقولا واسرته
زار غبطة البطريرك الأنطاكي مع نيافة مطران السرب ديمتريوس، الأكاديميا الروحية الكبرى، فقوبلا من أساتذة المدرسة استقبالًا شائقًا، ورتل التلاميذ «سنين عديدة»، ثم دخلا كنيسة الأكاديميا حيث قابلهما رئيس المدرسة الأسقف جاورجيوس والصليب بيده، ولفظ بين يدي غبطته خطبة باللغة اليونانية، وبعد أن أقيمت صلاة الدعاء، جلس غبطته في قاعة المدرسة للاستراحة، وقد خطب بين يديه الأستاذ سوكولوف خطبة أظهر فيها خدمات غبطته في توطيد دعائم الأورثوذكسية في الشرق، فشكره غبطته وقال إنه يتمنى أن تشرق أشعة نور الإيمان، وتنتشر في جميع أنحاء روسيا، حتى يصل لمعانُها إلى الشرق الأورثوذكسي الذي لا يوجد من يغرس فيه أصول التعليم الديني القويم، ولا يقيِّض له الله من النوابغ إلا نادرًا مثل المرحوم جراسيموس يارد مطران سلفكيا الذي تلقى علومه الدينية في أكاديمية بطرسبرج اللاهوتية.
وقالت هذه الجريدة في موضع آخر:
إن غبطته طلب من المجمع المقدس كمية من الميرون المقدس؛ ليوزعها على كنائس بطركيته، وقد لبَّى المجمع المقدس طلبه وأعطاه أربعين بودًا من الميرون المقدس.
وكتبت جريدة روسكويه سلوفو فصلًا ضافيًا عن زيارة غبطته لموسكو، والاستقبال الباهر الذي استُقبل به.
وقالت في مقالة أخرى، في ٣ مايو/أيار:
زار غبطة البطريرك الأنطاكي مع أفراد حاشيته، ولفيف كبير من كبار رجال الدين الروسيين، مدرسة الترتيل الكنائسي، فقابل غبطته الأسقف تريفون ورئيس المدرسة أ. د. كاستالنسكي.
وفي قاعة استقبال المدرسة أنشد جوق المرتلين بين يدي غبطته بعض الأناشيد الدينية، الأمر الذي سُرَّ له غبطته سرورًا عظيمًا، وكتب في دفتر زائري المدرسة باللغة العربية ما يأتي: «رأى البطريرك يعقوب الملائكةَ صاعدين ونازلين على السلم، ولكن التوراة لم تذكر أن الملائكة كانوا يغنون، وها إني الآن أسمع ترتيلًا يشبه غناء الملائكة الذي لا يدع السامعين ينامون كما نام البطريرك يعقوب.»
ثم خرج غبطته مودعًا كما قوبل بالإجلال والاحترام، ومن هنا قصد دير النبي دانيال، فقدم لغبطته رئيس الدير الأسقف أناسطاسيوس نيقونة تمنية، ثم تناول غبطته طعام الغداء على مائدة الدير.
ثم زار في دير بوكروفسكي المدفن الموجود تحت الأرض، المدفون فيها المطران نيوفيت الذي وهبه القيصر نقولا الأول دار البطريركية في موسكو، وهنا أقام غبطته صلاة نيلح.
وفي دير القديس يوحنا الذهبي الفم، قدم لغبطته أسقف الدير أيقونة القديس المذكور.
وعند الساعة السابعة مساء، زارت غبطته الأميرة العظيمة إليصابات ثيودورفنا، وجرى بينها وبين غبطته حديث طويل، عن حالة مدراس الجمعية الفلسطينية الأورثوذكسية في الشرق، ولبثت الأميرة مع غبطته ساعة من الزمان.
ثم قالت إن حياة غبطته حياة جدٍّ ونشاط وعمل، فإنه يستيقظ عند الساعة السادسة صباحًا، وهو بنفسه يوقظ حاشيته، ثم يصلي صلاة الصباح التي تدوم ساعة.
وبعد قهوة الصباح يشتغل غبطته في مكتبه، يدقق حتى الظهر بأعمال البطركية الأنطاكية، ثم يتناول طعام الغداء، ويستريح بعده، وغبطته يصرف وقتًا طويلًا في مطالعة الكتب والجرائد، وكل يوم يعربون لغبطته الجرائد، ولا سيما ما يَرِد فيها بشأن أبرستيته، وعلمنا أنه كان يأمر بترجمة كل ما تقول عنه صحف موسكو في خلال إقامته بها.
ومن الساعة الثامنة مساء يجلس للعمل في مكتبه، وكثير ما يلبث عاملًا حتى بعد منتصف الليل.
١ يرى القارئ تحت رسم غبطة البطريرك غريغوريوس عدة أسطر باللغة الروسية، وهي خط غبطته كتبها لدى زيارته دير يوتشايفسكي، ومعناها ليمنح الله الغبطة والقوة، للذين تعذبوا من أجل الديانة المسيحية الأورثوذكسية في غاليتسكايا وأغوارسكايا الروسية.
أنسطاس شاهين (1901-1974)،طبيب سوري وعميد كلية الطب في جامعة دمشق خلال السنوات 1949-1954.
الدكتور انسطاس شاهين ابن عائلة دمشقية اصيلة في انتمائها الدمشقي من جهة، وانتمائها الكنسي للكرسي الانطاكي المقدس وخدمتها لكيسته الدمشقية وللجمعيات الارثوذكسية وللبطاركة الانطاكيين وتولي المراكز القيادية في المجلس الملي البطريركي الدمشقي وفي الجمعيات الخيرية الارثوذكسية.
ولد انسطاس ابن نقولا شاهين في حي آيا ماريا ” القيمرية” الدمشقي، وكان والده نقولا أحد أبرز ضباط الشرطة خلال الحكم العثماني، وعند استقلال سورية وطرد الاستعمار العثماني خدم في سلك الشرطة لدى المملكة السورية الفتية بقيادة الأمير(الملك) فيصل بن الحسين وتولى مراكز قيادية حيث وصل إلى منصب قائد شرطة دولة دمشق عام 1922، خلفاً للقائد السابق احمد حمدي الجلاد.
دراسته
دَرس أنسطاس شاهين في المدرسة الارثوذكسية الدمشقية (الآسية) منذ طفوليته ثم وبعد حصوله على الثانوية العامة تابع دراسته في معهد الطب العثماني او المدرسة الطبية بفرعيها الطب البشري والصيدلة في دمشق وهي نواة كلية الطب مع معهد الحقوق المحدثين عام 1903 وكانتا اول كليتين في الجامعة السورية لاحقاً،
والجامعة السورية تعد أول جامعة حكومية في الوطن العربي وقد توقفت الدراسة فيهما من 1914-1918 في فترة الحرب العالمية الاولى ثم تابعت مسيرتها مباشرة بعد طرد الاحتلال التركي.
في العام 1923 تم دمج المدرسة الطبية مع مدرسة الحقوق فكونتا الجامعة السورية. وبقيت الجامعة تحمل ذاك الاسم حتى عام 1958 حيث أصبحت تدعى جامعة دمشق.
في فرنسا
سافر علمنا الدكتور انستاس بعدها إلى باريس لدراسة الطب الشعاعي في جامعة السوربون، لكن سرعان ما فضّل التخصص بأمراض الأنف والاذن والحنجرة في مستشفى لاريبواسير الفرنسية.
عمله في دمشق
عاد علمنا بعد تخصصه في باريس إلى دمشق في عام 1928 وفتح عيادة طبية خاصة به ملحقة بالمستشفى الارثوذكسي الدمشقي وفي منطقة سكنه في حي آيا ماريا (القيمرية) ( وكان المستشفى المماثل لمستشفى الروم في بيروت على اسم القديس بندلايمون قد تأسس عام 1900- 1939 في المحلة المسماة بالخمارات في منطقة آيا ماريا محلة المريمية في الساحة الواقعة خلف الكاتدرائية المريمية، وكان فيها بناء المستشفى الارثوذكسي المذكور والتابع لبطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، ومضافاً اليه مقر جمعية القديس بندلايمون الارثوذكسية لتربية اليتيمات المؤسسة عام 1900. وقد توقف مستشفى القديس بندلايمون عن العمل حوالي 1938-1939 نتيجة ضعف الموارد المالية في عهد اتسم بشح الموارد وتوقف الاشغال في سورية عموماً ودمشق خصوصا نتيجة الاضرابات المستمرة في زمن الاحتلال الفرنسي لسورية، وقيامه بتقديم الخدمات الطبية مجاناً لفقراء الرعية وسواهم من ابناء المحلة من كل الاديان والطوائف.
الدكتور انسطاس الاول يمين الصورة
وكان علمنا الدكتور انستاس شاهين قد خصص لذلك حيزاً كبيراً من عمله الانساني لمعاينة المرضى بالمجان سيما وانه كان وقتها عضو في الكادر الطبي في المستشفى المذكور، وجدير ذكره انه في عام 1944 تشكلت جمعية من اطباء دمشق الارثوذكس برئاسة الدكتور كوسه انجلو( يوناني الأصل) باسم جمعية المستوصف الخيري الارثوذكسي افتتحت المستوصف الخيري في بيت وقفي يقابل مقر المستشفى ودار الميتم في ساحة الخمارات كبديل للمستشفى المذكور بشتى الاختصاصات وقدمت المعاينة والعلاج مجاناً وكان منهم علمنا د. انستاس ولايزال هذا المستوصف العريق /والذي كما كان المستشفى/ يضم نخبة الاطباء من ابناء الكنيسة الارثوذكسية الدمشقية يقدم خدماته والتصوير الشعاعي والتحاليل المخبرية والادوية بالمجان للجميع بدون استثناء)
مرافقاً لرئيس الجمهورية شكري القوتلي على درج البطريركية بعد نزولهم ومعهم في الخلف رئسا مجلس النواب والوزراء 1953
ثم انتقل علمنا الدكتور انسناس شاهين بعدها إلى القرب من جسر فكتوريا جانب فندق سميراميس، حيث كانت عيادته حتى عام 1974ولتصبح عيادة ابنه الدكتور نقولا بذات الاختصاص.
نشاطه العلمي
عَمل الدكتورأنسطاس شاهين طوال حياته ضمن الهيئة التدريسية للجامعة السورية، حيث رُفع إلى مرتبة بروفيسور عام 1942 قبل تعيينه عميداً لكلية الطب عام 1949 خلال رئاسة الدكتور قسطنطين زريق للجامعة ( رئيس المدارس الارثوذكسية الدمشقية في المجلس الملي البطريركي بدمشق).
بقي علمنا في منصبه حتى عام 1954. ثم رُشّح لتولي حقيبة وزارة الصحة في حكومة الرئيس صبري العسلي ولكنه اعتذر تمسكاً بواجباته العِلمية تجاه طلابه، علماً ان رئيس الوزراء التالي فارس الخوري طلب منه الطلب ذاته ولكنه اعتذر.
عائلته
تزوج في العام 1941 من السيدة أيفون بنت جرجي نحاس الدمشقية، وأنجب منها ابنه البكر نقولا شاهينعام 1942، الذي أكمل في نفس الاختصاص الطبي من بعده، وتلاهما الطبيب كريم نقولا شاهين، حفيد أنسطاس، في نفس العيادة العائلية.
انتماؤه الارثوذكسي
تولى الدكتور انستاس شاهين كوالده نقولا منذ عودته من فرنسا عضوية المجلس الملي البطريركي في عهد البطاركة الانطاكيين المتعاقبين غريغوريوس الرابع المتوفي عام 1928 وخليفته البطريرك الكسندروس الثالث 1931-1958، ثم البطريرك ثيوذوسيوس السادس 1958-1969 وحتى مطلع عهد البطريرك الياس الرابع.
كما اسلفنا كان له دور بارز في جمعية نور الاحسان الارثوذكسية الخيرية الدمشقية والتي كانت تمول وتشرف على مستشفى القديس بندلايمون الارثوذكسي، الى حين توقف المستشفى عن عمله الانساني ليعود من جديد لنفس العمل من خلال جمعية المستوصف الخيري وريث المستشفى.
نزولا على درج الكاتدرائية المريمية الى صحن الدار البطريركية لزيارة البطريرك الكسندروس الثالث مع رئيس الجمهورية واركان الدولة السورية
تولى عضوية عمدة الكاتدرائية المريمية ثم تولى رئاستها باجماع الاعضاء وكان يشرف بالرغم من مهامه الخاصة ومايكلف به من البطريرك الكسندروس بامورتهم البطريركية ومدارسها وكنائسها والمجلس الملي كان يشرف ويتابع بحماسة اعمال اعادة ترميم المريمية بعدما حصل تصدع في سقفها، حيث تم صب السقف بالاسمنت المسلح واكسائه بالقرميد، وتم في وقته ادخال مكبرات الصوت الى المريمية لأول مرة وكانت اول كنيسة في دمشق تُخل اليها الاذاعة، هو وقدم “الاذاعة” أو التجهيزات الصوتية اليها من جيبه الخاص كما توثق لوحة التقدمة الجدارية الموضوعة في مدخل المريمية يميناً في عام 1952.
بالاجمال كانت مكانته متميزة لدى البطاركة كما اسلفنا وتحديداً البطريرك الكسندروس ويبدو ذلك في احتفالات اليوبيل الذهبي لأسقفية البطريرك 1954 ثم اليوبيل الماسي لكهنوته عام 1955 وقد صار من عداد الوفد الدمشقي في المجلس الملي العام للكرسي الانطاكي ومقره في دمشق والذي كان في حل انعقاد دائم بين (1954-1957)
وكان دوره واضحا وهو ونظرائه كالدكتور قسطنطين زريق رئيس جامعة دمشق والدكتور جميل صليبا رئيس جامعة دمشق والدكتور رزق الله انطاكي عميد كلية الحقوق والاستاذ المحامي يوسف الحكيم… في العلاقات العامة والتشريفات لرجالات الدولة في سورية ولبنان الزائرين للمقر البطريركي بدمشق من خلال عضويتهم للمجلس الملي البطريركي (كما يبدو من بعض الصور ومرافقته لرئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيسي مجلسي النواب والوزراء في زيارتهم للبطريرك المذكور عام 1954. وعند احتفاليّ اليوبيل العارمة المحكي عنها.
انتسب انسطاس شاهين إلى العشيرة الماسونية التي كانت تضم علية القوم في النواحي الاقتصادية والثقافية والعلمية في سورية ولبنان…، وكان عضواً فاعلاً في محفل قاسيون (الدمشقي) ثمّ في محفل سورية ولبنان، كما أنه كان ناشطاً في نادي الروتاري السوري وهو نادي الماسونية الذي أصبح رئيساً له من عام 1955 وحتى حظره في زمن الرئيس امين الحافظ عام 1965 في زمن تولي حزب البعث العربي الاشتركي الحكم في سورية منذ 8 آ1ار 1963.
أنطاكية العظمى أول الكنائس التي أقامها الرسل الاطهار، وهي كنيسة امتلكت الشرقين الاوسط والاقصى وان بدأت كنيسة للعاصمة الرومانية “عين الشرق الروماني كله” كنيسة للمدينة الشهيرة انطاكية…
انطاكية الجميلة بأوابدها وفنونها ومدارسها الفلسفية وبغابة دفنة الاسطورية وفق الاساطير، ولكنها مسيحياً هي التي يُسجل لها شرف تسمية المسيحيين بهذه التسمية لأول مرة في المسكونة، وفي اول موقع في التاريخ، وفيها أول كرسي أسسه الرسل عامة، والرسولان بطرس وبولس هامتا الرسل خاصة، حيث اقاما بعد عقدين كرسي عاصمة الامبراطورية الرومانية وكان بطرس اول بطاركة انطاكية… ثم صار بعد عشرين سنة اول اساقفة روما العاصمة…
واساقفة انطاكية كانوا هم اول من حمل لقب بطريرك اي شيخ العشيرة…
انطاكية العاصمة الشرقية للامبراطورية الرومانية و”لؤلؤة الشرق الروماني”، هي عاصمة الفكر والفن والفلسفة والجمال، وكانت لها اعظم اهمية في تاريخ الشرق الأوسط المسيحي، وعم هذا الاشعاع السماوي تلك الرقعة الجغرافية الكبيرة جداً الشاملة لكل الشرق بأوسطه وأقصاه وحتى حدود الصين، وبصمت انطاكية ببصمات قديسيها ومرسليها ومفكريها كل تلك الاصقاع المترامية الاطراف بالفن والفلسفة والعلم والتبعية المطلقة لهذه الدرة السورية انطاكية الاغريقية والهلنستية والرومانية والرومية المتربعة على مصب العاصي في البحر الابيض المتوسط.
احتلت انطاكية مكانة فريدة بمدٍّ عظيم الأثر للثقافة اليونانية، فكراً وحضارة، وبنهجها اللاهوتي وصياغتها العقائدية القويمة الرأي وانتشارها الديني المسيحي، وذلك بفضل مفكريها الجهابذة ومدرستها اللاهوتية الرائدة التي ضاهت ونافست مدرسة الاسكندرية، وقد بلغت ذروة شهرتها في القرنين الرابع والخامس المسيحيين.
لم تتبؤا أنطاكية مركز الصدارة الفكرية في الشرق المسيحي دون اخطار تهدد تكوينها الثقافي المسيحي، وتؤثر في مستقبلها العقائدي وفي تمزق أبنائها وفي خروج بعضهم نحو الهرطقات عن تعليمها الارثوذكسي القويم تعليم الرسل الاطهار والمجامع المسكونية المقدسة، فآل ذلك في تاريخها اللاهوتي الى تقوقع فتحجر فشرذمة فاندثار منذ اواسط القرن الخامس.
من الملاحظ، وهو امر خطير يحمل على التفكير والتساؤل، نشأة الانشقاقات وتحولها الى بدع وهرطقات في القرون السبعة الاولى ثم الانشقاقات بنتيجة التبشير اللاتيني المبرمج طوال قرون بعد مجمع ترانت والالتصاق كليا بكرسي روما بكنائس شرقية هندسها واخرجها مبشرون لاتينيون، كنائس خرجت صغيرة من رحم امهاتها فأضعفت هذه الامهات تدين بالرئاسة لكرسي روما وان كانت تفتخر بشرقيتها عموما وانطاكيتها خاصة والملفت ان باباوات الكرسي الروماني هم من يثبتون رئاساتها بمراسيم بابوية بحكم التبعية…
ضعفت انطاكية العظمى بسبب الهرطقات قبلاً خلال القرون السبعة الاولى منها قرون الذبح والاضطهاد الثلاثة، ثم بسبب الاستلابات المنظمة بمعسول كلام تزييف كاذب من اخوة في المسيح بذرائع غير مفهومة وان فهمت فهي لاتُقبل الا بكونها من حب الرئاسة التي حذرنا منها القديس افرام السوري” روح البطالة والكلام البطال”.
واجهة مغارة كنيسة القديسين بطرس وبولس اول كنيسة في انطاكية عام 45م
ضعفت انطاكية كثيراً ولم يعد الكرسي الانطاكي يرأسه بطريرك واحد هو خليفة الرسولين بطرس وبولس فصار كراسي وكل منها يدعي التجذر والاصالة!!!
وكأن عاصمة المشرق الروماني- الرومي صارت بكل اسف منبت المغالطات المنطقية والشطحات الفكرية المتذرعة بفلسفات بشرية واحياناً شيطانية مااختلت معها الكنيسة قاطبة عبر مجامعها المسكونية والمكانية لاصلاح الاعوجاج، ما أدى الى زيادة المغالاة والتصلب والتعصب للجنس فصارت كنائس قومية، الامر الذي قلما نجده في كنائس وكراسي رسولية اخرى عدا كرسي الاسكندرية فانقلبت اللاخلقيدونية كما في انطاكية الى كنائس قومية متذرعة بتحررها عن الكنيسة الاولى الارثوذكسية الجامعة بصبغتها اليونانية كونها لغة الانجيل والتبشير والمجامع المسكونية…
المهم صار الكرسي الانطاكي عدة كراسي متنافرة…
اولاً- تعدد البدع المسيحية في أنطاكية
نشأت البدع في انطاكية منذ دخول المسيحية مع رسل المسيح اليها. فتعرضت هذه الكنيسة الفتية ليس فقط للخطر الخارجي المتمثل بالاضطهادات الدموية المريعة من اليهود والوثنيين في الامبراطورية الرومانية وفي الامبراطورية الفارسية…
فاليهود نظروا للمسيحية على انها هرطقة يجب القضاء عليها والا ستقضي على الديانة اليهودية، والامبراطوية الرومانية متلهفة بالقضاء بشكل حاسم وبسوق المسيحيين بمواكب لاعدام شامل لهذه الجماعات الصغيرة. فالوثنية هي مركز الامبراطورية الرومانية ومشَّد قوتها وكذلك الفارسية. والمسيحية الوليدة والمنتشرة بقوة هي المدمر لهذه المركزية وقوتها ويجب القضاء عليها، وكان هذا هو الخطر الخارجي بدمويته طيلة القرون خلال الكنيسة الاولى منذ اورشليم الى براءة ميلان عام 313مسيحية…
لكن الاخطر كان هو الشرخ الداخلي االمتمثل بالبدع والهرطقات، وهذه بدأت على سبيل المثال منذ الجماعة الاولى في دمشق التي كانت برئاسة اسقفها الرسول حنانيا التي خرجت هرطقة المريميين الذين اعتبروا الثالوث المقدس هو الآب والابن والعذراء فهي الاقنوم الثالث واقامت لها كنيسة مريم في العام 37مسيحية.
لقد بدأت الهرطقات والشيع منذ القرن الاول المسيحي ولكن اشتد الخطر في القرنين الثاني والثالث المسيحيين بالرغم من وطأة الخطر الدموي الوثني واليهودي الخارجي، فقد حاول بعض اتباعهاان يعتمدوا معرفة كاذبة كنظام فلسفي أو ديني مشبوه رامين تغيير المسيحية بنقاء وشفافية جوهرها واستبداله ب”سر”أو “نظرية” كما يفعل الفلاسفة عبر تاريخ الانسانية عن الخالق والخلق والخلاص…
1- بدعة النيقولايين
كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في انطاكية
نيقولاوس الأنطاكي هو أحد الشمامسة السبعة في اورشليم(أ.ع6/5) وتنسب اليه هذه البدعة باطلاً.
رمى اصحاب هذه البدعة الى التوفيق بين المسيحية والعادات الاجتماعية السائدة، وذلك بالتوفيق بين ممارسة عادات وثنية معينة والانخراط في سلك المسيحية، ويمكننا اعتبار ان هذه البدعة من بعض الوجوه هي الطليعة لبدعة الغنوصية.
2- الغنوصية (العرفان، العرفانية)
هي الموقف الفلسفي الذي يقول بأن معرفة المرء لحقائق الوجود هي المعرفة المستمدة من طاقات المرء الذاتية وقدراته.
عُرفَ أصحابها بالغنوصيين أو الأددريين أو أهل العرفان الذين يقولون بأن الخلاص يتم بالمعرفة دون الإيمان. ومذهبهم صوفي غريب يواسط بين الفلسفة الوثنية والمسيحية، وقد اصبح مذهباً منافساً للمسيحية في مطلع عهدها. نهلوا تعاليمهم من الشرق ومن تعاليم سمعان الساحرمن السامرة، وقد خلفه تلميذه مينانذروس الذي ذهب الى أنطاكية في غروب القرن الأول، وتتلمذ له ساتونينوس من أنطاكية حيث صار خليفته قبل العام 150م، وتحولت معتقداته الى بدعة مسيحية حقيقية. فقد كان يعلم بأن يسوع قد أرسل للقضاء على قوى الشر، وأن ليس “للمخلص” جسد ولا تكوين بشري محسوس، واذا كان قد شوهد على هيئة انسان، فذلك من حيث المظهر فحسب.
تتلمذ لمينانذروس باسيليوس الاسكندري الذي نقل مذهب معلمه من أنطاكية الى الاسكندرية، ومن المعلمين فيها فاسيليذس وفالنتينوس وهناك ايضاً كيردو/ كيرونتوس السوري الذي انتقل الى رومية واستقر فيها(138-144)، واتصل بمرقيون الذي أنشأ غنوصية جديدة تطورت فعلاً الى كنيسة وأحرزت قدراً من الأهمية، وغدا لها اتباع في سورية لقبوا بالافعوانيين.
لقد اضطربت كنائس سورية ومابين النهرين بانتشار هرطقة مرقيون، حسبما جاء في سيرة إفيركيوس. ومثل المدرسة الشرقية في هذا المضمار ثيوذوتوس وأكسيونيكوس وفاسيذانيس (بارديصان) المولود في الرها (154-222م)، وكذلك طاطيانوس الذي ولد في شرقي دجلة وعلم في رومية، ثم رجع الى اورشليم وعلَّم في أنطاكية وكيليكيا ومابين النهرين حيث أسس معهداً لهذا الغرض. ولم يكن مذهب المعرفة هرطقة من حيث المبدأ، بل كان نظاماً معادياً للمسيحية مستهدفاً إيجاد حلول للمسيحية بالحكمة الشرقية والحضارة اليونانية.
لقد افاد هذا المذهب المسيحية بأنه حض على تنسيق وتنهيج وحسن صياغة التعليم اللاهوتي والعقيدة المسيحية.
3- المرقيونية
نسبة الى مرقيونوس/ مرقيون المتوفي في 160م وهو هرطوقي من البنطس (آسيا الصغرى) أُدين في سنة 144م.
لقد استبعد من الكتاب المقدس كل مايشير الى الله الخالق والى التجسد، لأن المادة والجسد هما عنصران رديئان. . ونبذ العهد القديم من الكتاب المقدس الذي يؤمن به بحجة ان اله الشريعة فيه هو غير اله المحبة الذي يؤمن به العهد الجديد. واعتبر بولس الرسول وحده مَنْ أدرك، دون غيره من الانجيليين الى حد بعيد، الفرق بين الشريعة والنعمة.
هذا وقد اقتصرت عنده الكتب القانونية على عشرة فقط من رسائل بولس الرسول ونص منقح لإنجيل لوقا في صيغة خاصة.
الكاتدرائية المريمية في دمشق كاتدرائية الكرسي الانطاكي والبطريرك الانطاكي
تبنى مرقيون، في نظرته الى يسوع، المنحى الدوسيني أي ان انسانية يسوع وآلامه كانت ظاهرية، وانكر انها كانت فعلية وحقيقية. ويقول القديس ايريناوس اسقف ليون:” في نظر مرقيون لن يكون هناك خلاص الا للنفوس وحدها، وبالحري للنفوس التي قبلت تعليمه. أما الأجساد فلأنها أُخذت من الارض فلن يكون لها نصيب في الخلاص.”( الرد على البدع، 1/27/2-3)
4- المانوية
نسبة الى ماني الفارسي (216-277م) صاحب مذهب المعرفة والثنائية.
( انظره هنا في موقعنا باب الهرطقات) فقد كان ماني يعتقد بثنائية مطلقة تؤلف مابين التعاليم الوثنية الفارسية والمسيحية، وقال بسببين أصليين منفصلين مستقلين هما النور والظلام وان تاريخ العالم يقوم على حرب شعواء بين اله الخير او النور هورمزدا واله الشر او الظلمة اهريمان.
انتشرت تعاليم ماني في منطقة بابل ومابين النهرين وميسوبوتاميةاولاً، ثم في سورية وفلسطين ومصر وافريقيا الشمالية وفارس ووسط آسية وقاوم كهنة مزدة في فارس تعاليم ماني الذي لجأ الى كشمير وتركستان والصين. ثم اعتقل وصُلب وسلخ جلده وحشيَّ قشاً السنة 277م.
5- حركة الثنوية
تزعمها ودافع عنها ديونيسيوس الاسكندري تلميذ اوريجانوس الذي قال بأن الكلمة هو أدنى مرتبة من الآب.
انقسمت الثنوية الى قسمين
الأول وحدوي يقول بأن يسوع المسيح رسول الهي أكبر وأعظم من الأنبياء جميعاً، ولكنه ليس إلهاً، فمهدت هذه البدعة للآريوسية، ومن اهم اتباعها ثيودوطوس الدباغ البيزنطي وبولس السميساطي.
الثاني مزجي يجعل من يسوع إلهاً، لكنه أدنى من الآب وخاضع له، وألوهته محدودة.
ثم انبثقت عن البدعتين السابقتين بدعة ثالثة تقول ان الآب والابن والروح القدس ليس سوى ثلاثة وجوه لشخص واحد، وليس هناك ثلاثة اشخاص: الآب ظهر كخالق، ثم ظهر كإبن مخلص، ثم ظهر كروح قدس مقدِّسْ ومطَّهِرْ، مما يعني أن الآب نفس كان معلقاً على الصليب. ومن مشاهير هذه الحركة سابيلوس، باركسيس، نويط من ازمير. (تاريخ الباباوات، ص18)
6- المذهب التوفيقي اليهودي- المسيحي
تأثر ثيوفيلوس اسقف أنطاكية السنة 169 بالعقيدة اليهودية، فمثل محاولة باكرة لوضع فلسفة دينية حصيفة، وأخذ بالتفسيرالحرفي للكتاب المقدس معتمداً التفاسير اليهودية. وعادت نظريته الى الظهور، بعد حقبة من الزمن على يد أحدخلفائه في رئاسة كنيسة أنطاكية: بولس السميساطي الذي حاول التوفيق بين التعاليم اليهودية والوثنية وبين العقيدة المسيحية.
ثانياً- المنازعات العقائدية
شعار الارثوذكسية
بعد انقضاء القرون الثلاثة الاضطهادية والاستشهادية الأولى وحتى براءة ميلان والاعتراف بالمسيحية ديانة رسمية في الامبراطورية الرومانية بموجب مرسوم قسطنطين الكبير عام 313م من ميلانو. انفتحت لها صفحة لاحقة تحمل الاخطار الداخلية ناجمة عن تعاليم أصحابها المخطئة، وهي لاتقل ضراوة وخطورة عن الاخطار الخارجية المتمثلة بقرون طويلة من الاضطهادات الدموية انتشرت فيها المسيحية على دماء واجساد الشهداء بالمسيح، والحال ذاته فقد دافعت الكنيسة عن استقامة الرأي ضد هذه الاخطار الداخلية.
تمسك تيار تقليدي، متعلق بالايمان الموروث، بالتعابير المستمدة من الكتاب المقدس لايضاح فحوى العقيدة في مضمونها، بينما ظهر تيار آخر يستعين بالتعابير الفلسفية المتداولة في عصره، لاسيما وان المسيحيين “الذين نشأوا في جو الهلنستية وتشربوا من الفلسفات الرواقية والأفلوطونية الحديثة والأرسطوطالية لم يتجردوا تماماً عن ولعهم بالأبحاث النظرية”. فحدا هذا التيار الأخير ببعض المفكرين المسيحيين على الابتعاد عن ايمان الكنيسة الارثوذكسي الموروث، وهم الهراطقة، بينما اجتهد غيرهم في اظهار ايمانهم المتهرق بتعابير فكرية فلسفية في قوالب جديدة.
– مذهب مدرسة أنطاكية (290-430م)
يُعزى تأسيس مدرسة انطاكية هذه الى لوقيانوس الانطاكي 240-430م وهو كاهن ورع ذاع صيته بما عُرف عنه من السمو في أخلاقه والطهارة في حياته والتقى في ايمانه. أنه عالِمْ نابه ومفَّسِّرْ ضليع للتوراة، وقد قام بتحقيق وتنقيح نص التوراة الذي عم استعماله في بطريركيتي أنطاكية والقسطنطينية، وقد كان الاصل الذي نقلت عنه الطبعة الاولى من الكتاب المقدس. وقد استشهد في نيقوميدية (آسية الصغرى) السنة 312م، بعدما قاسى صنوفاً والواناً من التعذيب الوحشي.
وقد قام بدور رائد في تاريخ المسيحية فهو احد المعلمين الأوائل الذين أفضت جهودهم الى تقدم دراسة اللاهوت في مدرسة انطاكية التي وضع نظامها. ومن المرجح أن آراءه اللاهوتية كان يعوزها الصواب والتصويب، لأن آريوس الاسكندري واوسابيوس النيقوميذي وآريوسيين آخرين كانوا يتباهون انهم تلامذة له.
كانت مدرسة انطاكية تتمتع بمكانة هامة وتتسم بطابع مميز وبنزعتها الوجودية الواقعية الأرسطوطالية المركزة على الجوانب الانسانية والعقلية، المفضلة في علم التفسير المعنى الحرفي والتاريخي والطريقة الادبية النقدية، المشددة في الثالوث الأقدس على تمييز الأقانيم أكثر مما على الوحدة الجوهرية، وفي الكلام عن سر التجسد” الخريستولوجية على الجانب الانساني في المسيح وعلى تمييز الانسانيات والالهيات اكثر مما على الوحدة الجوهرية، مما قاد بعضاً منهم الى التطرف الآريوسي والنسطوري. وقد عُرفت بالعناية والتدريب وفرط التدقيق في الدراسات المتعلقة بالكتاب المقدس. فخلافاً لمدرسة الاسكندرية كان علماء انطاكية يركزون في دراستهم على التفسير الحرفي للكتاب المقدس. وتصدوا للتأويل الرمزي الفلسفي الذي اعتمدته مدرسة الاسكندرية، رافضين المعاني الهادفة الروحية والنموذجية، الا اذا سمح النص بذلك. وقد أكد ديودوروس الطرسوسي(330-390م) انه لابد من احترام حرفية النص للولوج الى معانيه العميقة.
وعُرفت مدرسة الاسكندرية بنزعتها الأفلاطونية المركّزة على مقتضيات المفارقة في اللاهوت الآخذة في علم التفسير بالتأويل الصوفي والرمزي، المشددة على الوهية المسيح ووحدة كيانه الجوهرية، فانحرفوا في مصر الى القول بالطبيعة الواحدة.
انطاكية قبل ان يدمرها الظاهر بيبرس 1268
وخلافاً لمدرسة الاسكندرية أبدى علماء انطاكية اهتماماً كبيراً لانسانية يسوع المسيح الكاملة. هذا وقد تفاقم الخلاف بين المدرستين في المناقشات الحادة في القرن الخامس حول شخص المسيح وكان اللاهوتيون في المدرسة الانطاكية يؤكدون الازدواج في المسيح قبل الوحدة. فهو في رأيهم الاله الكامل والانسان الكامل. لكنهم لم يفسروا بوضوح وحدة الكيان فيه، وقد توصل بعض المغالين الى القول انه لايحق لنا ان نقول عن مريم العذراء انها والدة الاله، بل هي والدة المسيح، لأن الكلمة ابن الله، في زعمهم، هو شخص، والمسيح ابن مريم هو شخص آخر. بينما يؤكد لاهوتيو الاسكندرية الوحدة الجوهرية في المسيح الاله قبل الازدواج فيه، فهو في نظرهم الكلمة ابن الله المتأنس.
ركز ديودوروس بقوة ضد ابوليناريوس، ممثل مدرسة الاسكندرية على قدم ” الكلمة”(اللوغوص) وعلى عدم تغيره. فحمله هذا الموقف على التأكيد على ثنائية الطبيعة في المسيح بيد انه لم ينجح تماماً في تفسير وحدة شخصية المسيح. فقال ان المسيح هو في الوقت عينه ابن الله وابن مريم. واعتبر البعض هذا التعبير ناتجاً عن اتباع المذهب النسطوري القائلين بالشخصين في المسيح. وكان ديودوروس يفضل ان يقول بحلول الكلمة في الجسد على القول أنه تجسد. ومريم في رأيه والدة الانسان وليست والدة الله, فكلمة الله وابن مريم كلاهما ابن الله: الاول بالطبيعة والثاني بالنعمة. وحرص على الا يقول ان الله تألم، دافع ديودوروس عن الوهية المسيح ضد حملات الامبراطور يوليانوس الجاحد (361-363م) الذي كان يعمل جاهداً على احياء الوثنية.
هذا ونجد هذه التعابير المميزة للمذهب الانطاكي الخاص بالمسيح عند ثيودوروس المصيصي (350-418م) وتيودوريطوس القورشي(393-458م)الذي ساهم بتعاليمه في صياغة قرارات مجمع خلقيدونية (451م) وامتاز باسلوب أنيق، وعند لاهوتيين آخرين من بطريركية أنطاكية الذين هبوا للدفاع عن نسطوريوس، تلميذ ثيدوروس المصيصي.
ومن المع تلاميذ ديودوروس الطرسوسي وحهان نيران في الايمان الارثوذكسي القويم هما ثيودوروس المصيصي ويوحنا الذهبي الفم اللذان درسا على المعلم الشهير ليبانيوس الأنطاكي (314-393م) الذي عبَّ من الادب اليوناني القديم وأفاد من الثقافة الاغريقية، وكان ثيودوروس مفسراً عميقاً، بل اعلم مفسري المدرسة الأنطاكية. فهو لاهوتي لامع ومبدع ساهم كثيراً في تقدم علم اللاهوت المسيحي.
اما يوحنا الذهبي الفم ابن انطاكية والشخصية الرائدة للجماعة المسيحية في انطاكية، فقد التزم في تفسيراته للكتاب المقدس بمبادىء مدرسة انطاكية، ووجه اهتمامه في وعظه الى التطبيق العملي في الحياة الروحية والعائلية والاجتماعية والثقافية.
ووقعت جدالات ومناقشات وسجالات عقائدية بين المدرستين الانطاكية والاسكندرية بنزعتيهما المتباينتين في القرون 4و5و6 ففي القرن4 كان الجدال في الثالوث المقدس اما الجدالات الخريستولوجية فتناولت القرنين 5و6 وقد امتزجت بالمنافسات القائمة بين المراكز الكنسية الكبرى وبالخصومات الشخصية وبالروح القومية، وتدخلت الجماهير وتألبت وقار الرهبان اصحاب النفوذ على السلطة والشعب معاً مماحمل الاباطرة على التدخل ومناصرة البعض دون البعض بدون تدقيق.
ودخلت الغموض في الآراء وتبلبلت التعابير والصياغات اللغوية وتقسمت الجماعة الواحدة الى فئات متعددة الى اليوم، مما ادى الى تجريح المحبة باحداث النزاعات واثارة الضغائن والفتن وترويج الروح القومية على حساب الوحدة والعقيدة الايمانية ومستمرة بعد 15 قرناً.
وهكذا فان قرون الاضطهادات الدموية الثلاثة الاولى من خارج الكنيسة اعقبتها قرون ومناقشات وانقسامات ثلاثة افرزها رجال من داخل الكنيسة، فانشطرت الجماعة الواحدة، وعاشت كل تلك القرون التالية وحتى الآن بكل اسف في الضغينة والتباعد والتفرد والاستقلالية عن عقيدة الكنيسة الارثوذكسية القويمة…
الآريوسية (حول عقيدة سر الثالوث الأقدس)
ولد آريوس فى ليبيا بعد منتصف القرن المسيحي الثالث بقليل، ودرس بمدرسة لوكيانوس بأنطاكية حيث كان زميل دراسة لبعض الأشخاص الذين أرتقوا فيما بعد إلى درجات الرئاسة الكهنوتية. وهم الذين عضدوه ودفعوا به للمضى في طريق الكفاح لأجل نشر أفكاره.
وكل هؤلاء الزملاء الذين درسوا في مدرسة لوكيانوس صاروا يلقبون بإسم “اللوكيانيين” أو “الاتحاد اللوكيانى”. وهذا لا يمنع أن آريوس درس أيضًا في مدرسة الأسكندرية اللاهوتية قبل دراسته بأنطاكية. ومعلوم الاختلاف بين مدرستي انطاكية والاسكندرية، ويقال ان آريوس جمع في تعليمه بين الاتجاهين.
وفيما بعد أخذ المنتمون لمدرسة أنطاكية يهاجمونه ويتهمونه بأنه أسكندري، في حين أن المنتمين إلى مدرسة الأسكندرية كانوا يحاربونه متهمينه بأنه أنطاكي
إستوطن آريوس في الأسكندرية حيث رسمه الأسقف بطرس كاهنا .. وأظهر في أول حياته ميولاً متعصبة متمردة لأنه قبل رسامته وبعدها كان منضماً للأسقف المنشق ميليتوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط).
ولهذا السبب جُّرِّدَّ من رتبته الكهنوتية، إلا أنه فيما بعد أعيد مرة أخرى إلى رتبته على يد الأسقف أخيلاس خليفة الأسقف بطرس. وما لبث أن عمل على تأييد إنتخاب الكسندروس أسقفًا للإسكندرية خلفًا لأخيلاس. وإن كان آريوس نفسه قد أستطاع بتأثير ثقافته وصفاته الشخصية أن يصير ذو شأن كبير في المدينة.
إلاّ أنه بعد بضعة سنوات (حوالي عام 318م) اصطدم مع الكسندروس بسبب الإختلاف حول تفسير نص في الكتاب المقدس خاص بشخص ابن الله. وكان الكسندروس قد أعطاه ـ كما أعتاد الأسقف أن يفعل مع الكهنة ـ موضوعًا ليبحثه. وفى الشرح الذي قدمه آريوس حاول أن يعبر عن ابن الله بمفاهيم مخالفة للإيمان الارثوذكسي القويم.
لقد اعترف بكيان الأقانيم الثلاثة، بيد انه زعم أن الآب هو وحده الاله الحقيقي السرمدي غير المخلوق. اما الابن فقد انتشلته ارادة الآب من العدم وخلقته، فاستنتج آريوس ان الابن خليقة لاغير، وقد أتى الله في خلقه للابن بدقة فائقة جعلته صورة حية كاملة للآب، ورقته لدرجة الألوهية، فأصبح خليقة متألهة. فهذا الابن ليس ابن الله ولا هو ابنه بالطبيعة والولادة الروحية، بل هو ابنه بالتبني والارادة، وقد منحه الله سلطاناً فائقاً يبدع به الكائنات فينتشلها من العدم ليضعها في الوجود.
والخليقة الأولى التي ابدعها الابن هي الروح القدس. فالروح القدس هو خليقة الابن كما ان الابن هو خليقة الآب، الاله الواحد الحقيقي. فالاقانيم الثلاثة عند آريوس ليست واحدة بالطبيعة بل واحدة بالارادة.
دعا الامبراطور قسطنطين الكبير الى المجمع المسكوني الاول في نيقية (ايسنيك اليوم في آسية الصغرى السنة 325م، ورئسه قسطنطين وشارك فيه 318 أباً من آباء الكنيسة في المسكونة، منهم 80 من أنطاكية واغلبيتهم من الشرق.
درس آباء مجمع نيقية تعاليم آريوس ومحصوها فاستبانوا ضلالها، فرشقوه بالحرم وفصلوه عن الكنيسة وحكموا على اقواله بالضلال، ثم اهتموا بوضع صيغة واضحة تعبر عن معتقد الكنيسة بالوهة الابن وعلاقته بالآب وكان القسم الاول من دستور الايمان فأوضحوا صيغة الايمان بالعبارة التالية عن السيد المسيح له المجد:” إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر”.
ثم اقر المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية السنة 381م دستور الايمان النيقاوي وأوضح التمييز بين الأقانيم الثلاثة مؤكداً الوهة الروح القدس.
اضرار الآريوسية في الكنيسة
احدثت الآريوسية أضراراً جسيمة في جسم الكنيسة، وبلبلت في تعاليمها ومواقفها ونزاعاتها جماعات المؤمنين فأيدها اباطرة بيزنطيون واعتنقها اساقفة اعتلى منهم سبعة السدة الانطاكية بين 330-360م واعتنقها مسيحيون وتشيعوا لها واستنفر ضدها كثيرون فمن اتباعها من عزل ونفي وكذلك فعل الاباطرة الاريوسيين بالارثوذكسيين المضادين لهذه البدعة الجميع من الطرفين المتقابلين تعرضوا للاضطهاد وعقدت مجامع محلية عديدة ضد الآريوسية كما في انطاكية وصور وسرديكا و ووقف آباء مناضلون عن العقيدة المسيحية والتعليم الارثوذكسي على رأسهم القديس أثناسيوس الكبير ضدها بكل قوتهم بالرغم من تعرضهم للاضطهاد على يد الاباطرة الآريوسيين… وسادت فترة كرسي انطاكية… لكنها لم تعمر طويلا، وكانت سبباً في نشوء بدع أخرى حملت نقاشات ومنازعات حول شخص يسوع المسيح في الوهيته وانسانيته.
الجدل حول التجسد الالهي في القرنين الخامس والسادس المسيحيين
النسطورية نسبة الى نسطوريوس Nestorianism
ولد نسطوريوس Nestorios السنة 380 م ونشأ في منطقة الفرات شمال سورية، وتثقف في مدرسة انطاكية، متتلمذاً لثيودوروس المصيصي، وترهب في دير بقرب انطاكية ثم رُسِمَ كاهناً، ورُسم رئيس اساقفة على القسطنطينية السنة 428م. فاشتهر بفصاحته وغيرته واندقاعه ضد البدع والهراطقة، لكنه مالبث ان وقع في الهرطقة منحرفاً عن التعليم الارثوذكسي القويم. ففي محاربته للبدع قاوم الذين يلقبون العذراء بوالدة الاله ، وعلم ان مريم العذراء كونها انساناً ماكان لها ان تلد الهاً، لكنها ولدت المسيح الانسان فهي تسمى والدة المسيح أو والدة الانسان.
زعم نسطوريوس ان في المسيح اقنومين: الهياً وانسانياً فقاومه الآباء الارثوذكس وعلى رأسهم القديس كيرلس الاسكندري المدافع الصلب عن الايمان الارثوذكسي القويم، وقد اشتهر بثقافة لاهوتية عميقة. “وكان قد تبسط واوضح في مؤلفاته التعليم المتعلق بالمسيح المتجسد. ومن اجل تفسير عمل التدبير الالهي، ليس من جهة شخصية يسوع المسيح التاريخية كما يفعل الأنطاكيون، بل من جهة وجود ابن الله وكلمته قبل الدهور، اراد كيرلس ان يمثل وحدة الطبيعة الالهية والانسانية، وأن يقرب الذهن البشري، على قدر الامكان الى فهم الوحدة بين الطبيعتين.
لم يبحث، بحصر المعنى، كيف اتحدت الطبيعة الانسانية بالطبيعة الالهية، لكنه بحث في كيف صار الكلمة جسداً. فتجسد ابن الله وكلمته بشكل مركز تعليمه في المسيح. وكان يعلم، بعكس الأنطاكيين، أن القول بطبيعتين كاملتين في المسيح لايعني التمييز بينهما الى حد الفصل والتفريق، لأن الطبيعة الانسانية في المسيح لم يكن لها كيان خاص أي لم تكن شخصاً خاصاً”. وفي فول كيرلس” وحدة طبيعية” او “وحدة بحسب الطبيعة” في المسيح كان المراد تمثيل وحدة شخصه، “ذلك ان كيرلس كان يريد ان يمثل الوحدة الواقعية والحقيقية ( وهذا مايعبر عنه عند الاسكندرانيين بالوحدة الطبيعية)، في حين أن الأنطاكيين كانوا يحسبون انه يعلم الطبيعة الواحدة.
عقد الامبراطور ثيوذوسيوس الثاني في العام 431م مجمعاً في افسس، فحكم آباء المجمع على نسطوريوس بالهرطقة ورشقوه بالحرم، واكدوا ان مريم العذراء والدة الاله. وبعد وصول الاساقفة السوريين الى المجمع، رفضوا به قرار المجمع، لأن اللاهوتيين في المدرسة الأنطاكية يؤكدون الازدواج في المسيح قبل الوحدة، والمسيح في رأيهم اله كامل وانسان كامل، لكنهم لم يفسروا بوضوح وحدة الكيان فيه. وتوصل بعض المغالين الى القول انه لايحق لنا القول عن مريم العذراء انها والدة الله، بل هي والدة آخر. بينما يؤكد لاهوتيو مدرسة الاسكندرية الوحدة الجوهرية في المسيح الاله قبل الازدواج فيه، فهو في نظرهم الكلمة ابن الله المتأنس. ثم جرى تقارب بين الطرفين وتفاهموا على فحوى الألفاظ المستعملة ومؤداها. فرضي اساقفة سورية بحرم نسطوريوس معترفين بأن في المسيح شخصاً واحداً، اي الوحدة الجوهرية في المسيح. فالمسيح شخص واحد، واقنوم واحد، هو اقنوم ابن الله. اما مصير نسطوريوس فكان الموت في صحراء مصر.
انتشار النساطرة
يتبع النساطرة او الآشوريون مذهب نسطوريوس. وكانوا يوماً انتشروا في كل المشرق من بلاد آشور والعراق والعرب والهند والصين جنوباً الى بلاد ارمينية والقفقاز شمالاً، ومن بلاد تركستان وفارس شرقاً الى سورية وفلسطين في سورية وقبرص ومصر غرباً. وازدهرت مدرستهم اللاهوتية والعلمية في نصيبين، عندما انتقلت اليها من الرها، ثم الى فارس بحماية الساسانيين، وبلغت كنيستهم اوج عزها وترقيها في اواسط القرن 13م، على عهد يابالاها الثالث اليغوري، وداهمهم تيمرلنك فهدموا مراكزهم في بغداد وفارس، ثم اخذوا بالانحطاط تدريجياً حتى فقدت ذروة عظمتها بسبب الطمع الرئاسة من جهة، وبسبب الاضطهادات التي قلبت المشرق على يد المغول والتركمان من جهة اخرى. وفي القرن 15 هرب كثيرون منهم الى الشمال، الى الجبال والوديان حيث عاشوا بالقرب من الاكراد، وكانت لهم 20 كنيسة. ودب في جسم كنيستهم في القرن 17م الخمول وشبه الاضمحلال، وطالت مذابح 1852 ابناء هذه الكنيسة على يد الاكراد. وبعد عام 1915 اضطر الباقون منهم ان يمزحوا الى العراق وايران، وقد ضعف شأنهم. ولم يبق من مجدهم القديم الا اثر زهيد.
وكان بطاركتهم قد هاجروا بسبب الاضطهادات، بغداد حيث كانوا قد اقروا كرسيهم بعد خراب المدائن. وسكنوا احياناً في مراغا. ثم تنقلوا من مكان الى آخر، الى ان بلغوا نواحي الموصل . فكانوا يسكنون تارة في دير مار أوجين بقرب الجزية العمرية، وطوراً في دير مار هرمزد بقرب القوش، احدى قرى الموصل، واحياناً في الموصل عينها. الى ان انقسمت كنيستهم عتدما رُسم يوحنا سولاقا ، احد رهبان دير هرمزد بطريركاً السنة 1533م، نتيجة التبشير اللاتيني المنتظم من الحملات الرهبانية البابوية والتحق بالكنيسة الكاثوليكية برئاسة بابا رومية.
(انظر تدوينتنا عن الآشوريين والكلدان في موقعنا هنا)
وضع كاتب نسطوري مجهول في غروب القرن 18م كتاباً وصف فيه كثيراً من كراسي الكنيسة النسطورية، المطرانية والاسقفية، وعدّد في كل منها عائلاتها وأساقفتها وكنائسها وأديرتها. أصدرته المطبعة الكاثوليكية ببيروت السنة 1909م.
الاوطيخية
نسبة الى اوطيخا، كان راهباً ورئيس دير كبير في القسطنطينية. تناهت اليه تعاليم نسطوريوس، فهب يقاومها، فتطرف في أقواله وتعاليمه، ووقع في نقيضتها، مؤكداً ان في المسيح طبيعة واحدة، وأنه لايشبهنا لأن طبيعتته الانسانية قد اضمحلت وذابت في طبيعته الالهية. فدعا الامبراطور مرقيانوس الى عقد مجمع في خلقيدونية، بقرب القسطنطينية السنة 451م، شارك فيه 500 اسقف ومطران اغلبهم شرقيون فحرموا اوطيخا وجددوا حرم نسطوريوس. وكانت صيغة التعبير اللاهوتي في ذاك المجمع تؤكد ان في المسيح طبيعتين كاملتين.
أيد مرقيانوس 450-457م وخليفته لاون 457-474م قرارات مجمع خلقيدونية، وناصرهما الارثوذكسيون (الملكيون) في البطريركيات الثلاث الاسكندرية والانطاكية والاورشليمية فنُسبوا الى الملك لذا نعتهم (تهكماً) الفريق المقابل بالملكيين اي اتباع الملك الذين انصاعوا الى معتقده الرسمي ورضخوا لمشيئته في خلقيدونية. ودعي خصومهم ب “المونوفيزيين” اي بموحدي الطبيعة في المسيح. ولكن بمؤازرة الملكين زينون(474-491م) وأنسطاسيوس(491-518م) أخذت تنو مقاومة لمقررات مجمع خلقيدونيةفي اديرة الجزيرة الفراتية وفي البيئات السريانية غير المتأثرة بالحضارة اليونانية، ونشأت الكنائس المونوفيزية رسمياً في عهد الامبراطور يوستنيانوس الاول (527-565م) على يد امرأته تيودورة حامية اصحاب العقيدة الواحدة فقد آزرتهم وساعدت على تمكينهم من نشر تعاليمهم خاصة في سورية وحاولت ان تجعل للمونوفيز كنيسة مستقلة. فقام يعقوب البرادعي اسقف اديسا (الرها) يرسم الاساقفة والكهنة وينظم شؤون الكنيسة السريانية اللاخلقيدونية. ما ادى الى تغلغلهم في بطريركيتي انطاكية والاسكندرية، فقامت كنيسة لاخلقيدونية مقابل الكنيسة الاصل الخلقيدونية ولكن اللاخلقيدونية تسلحت بالقومية وبالعداء للوجود الرومي ما مكنها من استقطاب جماهيري وهو ما مكن المسلمين من الدخول الى دمشق وسائر بلاد الشام بمساعدة السريان المونوفيزيين كما في مؤامرة القس يونان واتفاقه مع ابن الوليد وفتحه باب دمشق الشرقي للمسلمين طعنا باتفاق سرجون النصراني مع ابي عبيدة بن الجراح مقابل وعد ان لايمس الفاتحون اي من رعية القس وعائلته وكانوا حفنة في دمشق لايتجاوزون ال70 فيم انقض مقاتلو خالد الى البطش بالسكان فقضى في تلك الليلة 40000مسيحي ارثوذكسي دمشقي. ومثلها في معركة اليرموك حينما انحاز الغساسنة بقيادة جبلة وكانوا على مذهب اليعاقية السريان للمسلمين ضد ابناء ايمانهم الروم وذلك بحجة التحرر من الروم وعقيدتهم… وكذلك في بقية ارجاء سورية وحتى انطاكية…كما كانوا قد فعلوا حين اجتاح الفرس بين 618-619م سورية وساعدهم اللاخلقيدونيين المونوفيزيت القاطنون في كل تلك المقاطعات من تلك المناطق، وقبلوا الفاتحين الفرس بكل طيبة خاطر متأملين أنهم سيعيشون معهم، احراراً كما يعيش النساطرة في بلاد فارس حتى ان الفرس بعدما فتحوا القدس ونهبوا كنيسة القيامة وذخيرة الصليب المقدس وذبحوا ستين الفاً من المسيحيين سكان اورشليم بمساعدة اليهود…
نرى كذلك قتال الارمن في جيوش المسلمين لفتح شرق آسية الصغرى ضد الروم والفرس…وكذلك في مصر بحيث ان وفق تأريخ دخول المسلمين الى مصربقيادة عمرو بن العاص انه لم يجد مقاومة تذكر الا في الاسكندرية وهذا طبيعي لأنها بنسيج هليني رومي…
اي ان الخلاف العقيدي اكتسى اللباس الكنسي الوطني- القومي ضد الدولة الرومية وبالتالي ضد كنيسة الدولة اي كنيسة الروم التي تدين بالرومية الخلقيدونية اي ضد الوجود السياسي والروحي الرومي (الخلقيدوني) في المنطقة وبالتحالف مع اعداء الدولة الرومية من فرس اولا ومسلمين ثانياً ومساعدتهم في فتح سورية وآسية الصغرى وارمينيا الفارسية لأنهم كانوا محررين لهم وفق رؤيتهم.
هنا يتوجب علينا التأكيد على عدم جواز الخلط بين عقيدة الكنيسة الرومية الارثوذكسية وبين الدولة الرومية المتجذرة منذ عهد الاسكندر بالهلينية الرومية والرومانية بثقافتها اليونانية والرومية (البيزنطية) بيونانيتها وسورية وآسية الصغرى كلها يونانية اللسان وبعقيدتها المسيحية الرومية الارثوذكسية كما معظم الشعب في سورية. فالسوريون الارثوذكس وهم الاكثرية الساحقة في سورية الى حد الفرات كانوا روم ارثوذكس وفق العقيدة ولم يكونوا يونان في الجنسية وان كانوا بعقيدة رومية ارثوذكسية اي خلقيدونية.
في النتيجة لم يبق في آخر القرن 6م سوى بطريركيتي القسطنطينية واورشليم بكاملهما على الارثوذكسية، وان كانت نسبة متواضعة في الكرسي الانطاكي اختارت اللاخلقيدونية وكانت اكبر في مصر بانحياز المصريين الاقباط الى اللاخلقيدونية وشكلوا كنيسة قومية مقابل الكنيسة الام. كما فعل نظراؤهم اليعاقبة في سورية فأنشأوا كنيسة يعقوبية سريانية قائلين بسريانية سورية وانها موطنهم” سورية ارض السريان” بخلط غير مقبول بين الوطن وجنسيته والعقيدة وهو محل نقض فالسوريون (ونحن سوريون) بمعظمهم خلقيدونيون) مقابل كنيسة انطاكية الاصل بسورييها الروم والسريان الارثوذكس وهي الكرسي الانطاكي المقدس.
وصارت الكنيسة في فارس نسطورية، والكنيسة الارمنية مونوفيزية ولكن كنيسة جورجيا بقيت ارثوذكسية صرفة بجاثليق (كاثوليكوس) معين من البطريرك الانطاكي ويتمتع بصلاحياته البطريركية في جورجيا والقفقاز…
كما اوضحنا فان اللاخلقيدونيين او المونوفيزيين او اصحاب الطبيعة الواحدة هم اليوم الأقباط (الارثوذكس) والسريان (الارثوذكس) اليعاقبة نسبة الى مؤسس كنيستهم يعقوب البرادعي كما مر معنا، والارمن الارثوذكس او الغريغوريون نسبة الى غريغوريوس المنور…هم مع كيرلس الاسكندري وان قالوا بالطبيعة الواحدة ولكنهم يشجبون تعاليم اوطيخا، الا انهم يعترفون بأن المسيح كما هو اله كامل انسان كامل…
(هؤلاء خرجت منهم منذ القرن 16 وعلى التتابع كنائس ارتبطت بكرسي رومية ودانت بالكثلكة وبالتبعية لبابا رومية ومنهم الكلدان المنشقين عن الكنيسة النسطورية وتم ذلك نتيجة اختراقهم من قبل الحملات الرهبانية المنتظمة المجندة للكرسي الروماني وصار لكل من هذه الكنائس مجامع مقدسة وابرشيات وبطاركة مازاد في شرذمة الكرسي الانطاكي المقدس.)
بررالبعض بإن الخلاف بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونية كان بسبب استخدام اللغة اليونانية في مجمع خلقيدونية (كما بقية المجامع) فوقع الخلط والخطأ في نقل المقررات الى لغاتهم الاصلية فأوقع هذا الخلل الفادح الذي شرذم الكنيسة الواحدة في المشرق، في الكرسيين الانطاكي والاسكندري مايعني مع هذا التبرير انه ليس من خلاف في المعنى الديني (على قولهم).!!!
هذا التبرير محل نظر ونقد اذ هل من المعقول مضي زمان طويل من الخلاف 14 قرناً ونحن نلقي تبعة الخلاف الجوهري في العقيدة على عاتق الترجمة من اليونانية وهي لغة الانجيل المقدس والتبشير والانتشار والثقافة اللاهوتية بثقل معانيها الارثوذكسية العميقة الى اللغات المحكية…لننتبه الآن بعد هذه المدة الطويلة جداً ونقول ان المسيح اله تام وانسان تام بطبيعتيه ومشيئتيه…وان الحق كله كان على اللغة اليونانية والنقل منها للغات المحلية.
الا اذا كان المقصود من هذا التبريروهو استخدام اللغة اليونانية في المجامع المسكونية للتوفيق (حالياً) وهو سعي مشكور…لكنه كان كمن يغطي الشمس بالغربال.
اساس ونتيجة القصة هي بين الحاكم الامبراطورية الرومية والمحكوم بعض الشعوب في سورية وفي مصر التي تتوق للتحرر من الحاكم…فخُلِط بين الجنسية والعقيدة وأعلن بعض الشعب ( الذي رأى نفسه محكوماً ومستعمراً في سورية وفي مصر انشقاقه عن الكرسي الانطاكي وعن الكرسي الاسكندري وأنشأ كنيسته الوطنية بلباس مذهبي!!!
البدعة المونوثيلية (او توحيد الارادة الواحدة في المسيح)
كانت الكنيسة الانطاكية بعقيدتها الارثوذكسية الجامعة تعَّلم ان في المسيح طبيعتين، الطبيعة الالهية والطبيعة البشرية وبالتالي مشيئتين الهية وبشرية
فقام نسطوريوس 380-440م بطريرك القسطنطينية، وعلم ان في المسيح اقنومين مختلفين. فدحضه أوطيخا378-455م مؤكداً الطبيعة الواحدة، اي اللاخلقيدونية، ومن ثم المشيئة الواحدة.
طرح الامبراطور هرقل (610-642م) للحفاظ على وحدة الدولة (تجاه اخطار الغزو الفارسي شرقاً، والآفار والسلاف يهددونها من الشمال. ومن الداخل كانت تسوده الفوضى) طرحاً قصد منه التوفيق بين المذاهب المسيحية وبمحاولة اعادة اللاخلقيدونيين الى حضن الكنيسة. وسانده في ذلك بطريرك القسطنطينية سرجيوس الرهاوي (610-638م) (وهو من ابوين يعقوبيين بحسب رواية ثيوفانوس) متبنياً هذا الطرح. وكان سابقه الامبراطور يوستنيانوس الاول قد طرح الطرح ذاته لكنه اخفق، وكانت رغبته ان يلطف التعليم الخلقيدوني ليصبح مقبولا لدى اللاخلقيدونيين، فسلم بوجود الطبيعتين الالهية والبشرية في المسيح ولكن بمشيئة واحدة فجرد بذلك الطبيعة الانسانية من مفهومها الحقيقي ليجعلها آلة صماء.بحيث ان قسماً كبيراً من المونوفيزيت استعملوا العبارة التالية: ” لسنا نحن الذين اتبعنا المجمع الخلقيدوني ولكن اهل المجمع الخلقيدوني اتوا الى شركتنا باعترافهم بالطبيعة الواحدة عن طريق القول بالمشيئة الواحدة في المسيح”.
وهذا كان صحيحاً لأن المونوفيزية أُدخلت خلسةً الى الكنيسة الأرثوذكسية. وفرح هرقل فرحا عظيما لأنه استطاع على اساس التعليم العقائدي الجديد المذكور ان يوحد الكثير من المونوفيزيت الارمن والسريان الذين اعترفوا بالمجمع الخلقيدوني ونزعوا من التسبيح المثلث العبارة المونوفيزية المصلوب لأجلنا.
اول اعتراض على التعليم الجديد جاء من الراهب الدمشقي الاصل صفرونيوس السفسطائي الحكيم المولود في دمشق السنة 575م حيث تثقف وزاول مهنة المحامي وكان شاعراً فذاً وقد اغنى اللاهوت والادب الكنسي بمؤلفاته الكثيرة ولكن ماشغل باله بشدة كان مذهب المشيئة الواحدة. وقد شرطن بطريركا على اورشليم 634-638م وهو البطريرك الاورشليمي صفرونيوس الدمشقي (الذي استقبل عمر بن الخطاب وسلمه مفاتيح اورشليم واخذ منه عهداً بحماية المسيحيين وكنائسهم و…)واسرع فأرسل رسائله السلامية الى البطاركة محرماً فيها هذه الهرطقة الجديدة.
ولكن مجيء المسلمين اوقف الى حين حركة المونوثيلية أيضاً.
وفي عام680-681م عقد في القسطنطينية المجمع المسكوني السادس في قاعة تروللو في القصر الملكي وقد حضره بطريرك انطاكية ثاوفينوس ومعه ستة مطارنة ابرشيات انطاكية وقرر رد القول بالمشيئة الواحدة…
وقد تبنى هذا القول الموارنة وانفصلوا عن انطاكية الارثوذكسية بعدما كانوا من المدافعين عن الارثوذكسيةونيجة دفاعهم هذا عن عقيدتهم الارثوذكسية تعرض رهبانهم لعنف شديد من اشقائهم رهبان الكنيسة اللاخلقيدونية السريانية، هؤلاء قبلوا هذا القول البدعة واقاموا بطريركية مستقلة خرجت عن الكرسي الانطاكي الارثوذكسي ويوحنا مارون بطريركاً عليهم عام 685م، وفي حروب الفرنجة اعلنوا خضوعهم لرومة البابوية سنة 1183م زمن البطريرك ارميا العمشيتي وكانوا بذلك اول كنيسة شرقية تعلن خضوعها لرومة وبذلك عادوا للخلقيدونية حيث ان روما بقيت في الوحدة الخلقيدونية مع الكنيسة الارثوذكسية بالرغم من الانفصال الكبير عام 1054م بين جناحي الكنيسة الجامعة الارثوذكسية والكاثوليكية وما استتبعه من احداثات لاتينية غربية قامت بها كنيسة رومية منفردة قبلت بها الكنائس الشرقية الملتحقة برومية..
خاتمة بسيطة
بعد موجة الاضطهادات التي شملت الكنيسة عموما والانطاكية خصوصاً في القرون الثلاثة الاولى الا انها لم تفت في عضد الكنيسة بل ازداد المسيحيون استماتة في سبيل انتشارها فكانوا كحبة الحنطة التي تدفن في التراب لتنبت سنبلة بها عشرات الحبات وهذا ماتم ولكن الاخطار الداخلية التي ضربتها واهمها تسييس الانتماء خلال القرون الثلاثة اللاحقة هذه هي التي انهكت الكنيسة وكانت الشرقية الارثوذكسية كما المشرق وحده مسرح النزاعات الطويلة للذود عن عقيدتي الثالوث والتجسد وتوضيحهما. واما الغرب فلم يتدخل الا عن طريق السلطة الرومانية.
لاشك ان المضامين العقائدية في إثر تلك المنازعات قد ازدادت وضوحاً، الا ان الكنيسة في المشرق خرجت منها منهوكة ومنقسمة واتخذت شكل الكنائس القومية ما اضعف مسكونية الكنيسة الانطاكية… ولاتزال كذلك الآن لا بل زاد الضعف في القرون الخمسة الاخيرة بعدما زاد الانسلاخ والانشقاق بخروج كنائس من رحم امهاتها لتلتحق بنتيجة تبشير الارساليات الرهبانية اللاتينية البابوية بالكنيسة الغربية برئاسة بابا رومية، لتتلوه جائحة التبشير البروتستانتي فنشأت كنائس بروتستانتية صارت تتناسخ بشكل لافت مازاد في ضعف المسيحية عموما في مشرقنا بثقله الاسلامي والهزات السياسية التي ضُرب بها المشرق سورية ولبنان وفلسطين ومصر ما ادى الى تناقص المخزون البشري للمسيحيين في ماسمي “الربيع العربي” بخلفيته الدينية وتأثيره على المسيحية في سورية قتلا وخطفا وتدميرا للكنائس والاديار والوجود برمته مادفع نحو الهجرة المسيحية المكثفة مستذكرين التاريخ الاليم المتعاقب بنتيجة الاحداث الارهابية بحقهم وبحق مناطقهم وكنائسهم واحبارهم تلك المذابح المتعاقبة عبر تاريخهم خلال الفي سنة ما سرع في سيل الهجرة هرباً من هذا الواقع رغم ان الشرق موطن المسيحية في اورشليم ودمشق وانطاكية و…
لقد ضعف الاشعاع الروحي بالمنازعات الداخلية، وفقدت انطاكية والاسكندرية مركزهما الطليعي في الحياة الطقسية وحلت محلهما القسطنطينية مجسمة الارثوذكسية ازاء رومة اللاتينية.
من مراجع البحث
-كتابنا “زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية والاسكندرونة وكيليكيا” من مطبوعات بطريركية انطاكية وسائر المشرق1994
-خريسوستموس بابا دوبولس ” تاريخ كنيسة انطاكية” تعريب الاسقف استفانوس حداد من منشورات النور 1984
-د. اسد رستم” تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى.
-موسوعة بطريركية انطاكية التاريخية والأثرية الاب متري هاجي اثناسيو طباعة دمشق 1997
_ في الخبر الذي ننشره أدناه، والذي مرعليه حوالي مائة وعشر سنوات، نقلاًعن مجلة ” الكلمة “الصادرة عن مطرانية اميركا الشمالية الأنطاكية الأرثوذكسية/ بروكلن – نيويورك / لمنشئها مثلث الرحمات المطران روفائيل هواويني الدمشقي(1)” رئيس الرسالة السورية الأرثوذكسية في أميركا الشمالية”،في عددي المجلة 1 و2 كانون الثاني 1909 _ (والذي اُعلنت قداسته ودخل الى سنكسار كنيستنا الارثوذكسية الجامعة) في هذا الخبر، الكثير من المتعة التاريخية، والفائدة المعرفية. وقد آثرنا أن ننشره الآن، اذ بالاضافةالى مايحققه من المتعة والفائدة، كما اسلفنا ، يوثق في الذاكرة الوطنية والذاكرة المسيحية المحلية والشرقية، وأساساً في الذاكرة العلمية سواء الوطنية منها والاقليمية والعالمية، اكتشافأ هو بحد ذاته حدثاً نادراً ماعرفه أحد. وهو اكتشاف مخطوطات مسيحية في القبة الموجودة في صحن باحة الجامع الأموي في دمشق.
_ولا عجب في ذلك، فان هذه المخطوطات تعود الى القرون المسيحية الأولى، وما قبلها. وكانت محفوظة بكل تأكيد في كاتدرائية دمشق قبل تحويلها الى جامع بني أمية الكبير عام 705 على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وقد حفظت بالتالي في هذه القبة بسبب حصانتها من جانب، ولأنها كانت مطرحاً لبيت مال المسلمين للدولة الأموية وفي عاصمة الدولة دمشق. أي ان هذه القبة، كانت خزينة بيت مال المسلمين ، وكانت في وقت من الأوقات بعهدة
سرجون النصراني، منذ الفتح الاسلامي لدمشق سنة635 ثم تأسيس الخلافة الأموية فيها، في عهد ابنه وأخيراً حفيده القديس يوحنا(2) الدمشقي أمين بيت مال المسلمين في القرن الثامن. ولا نعلم ان كان له ثمة دور في حفظها في هذا الموقع الذي كان منذ387 الى705 في كاتدائية دمشق(يوحنا المعمدان) قبل صيرورتها جامعاً.قبة بيت المال في الجامع الاموي بدمشق
وفيما يلي النص الحرفي للخبر (مجلة الكلمة، السنة الخامسة، العدد1 ،كانون الثاني،سنة1909 :
العنوان: ” اكتشاف مخطوطات قديمة في دمشق الشام”
_”من الأنباءالبرقية التي ورد ت في ال 30 من شهر ت2 حساباً غربياً الى جريدة الجورنال النيويركية من احد مراسليها في بطرسبرج عاصمة الروسية ان جريدة “فيدومستي” الروسية قد نشرت خبراً مهماً وهو أنه قد اكتشفت مؤخراً في دمشق مجموعة مخطوطات قديمة تؤلف نحوا ًمن ثلاث آلاف ومئة وست عشرة صفحة يؤمل انها ستوضح أموراً كثيرة في حياة السيد المسيح حسبما كانت معروفة في الأجيال الأولى المسيحية. وتؤكد الجريدة الروسية أن هذه المخطوطات بعد ان تترجم وتنشرسيكون لها تأثيرعظيم على رواد التاريخ والآثار القديمة.
ولما كان هذا النبأ برقياً فلا يقول شيئاً عن لغة هذه المخطوطات اي عما اذا كانت سريانية او يونانية او لاتينية ولا عمن هم مكتشفوها ولا عن محل اكتشافها اي عما اذا كان في دير اوفي كنيسة او في مكتبة خاصة لذا فاننا نتربص ريثما تأتينا مجلة المجمع الروسي المقدس التي لابد من ان تكتب شيئاً صريحاً عن هذه المخطوطات فنعربه اذ ذاك ونثبته على صفحات مجلتنا ” الكلمة ” لفائدة قرائها الأعزاء.”
انتهى نص العدد1 من مجلة الكلمة.القديس يوحنا الدمشقي امين بيت مال المسلمين
النص الحرفي للخبر (مجلة الكلمة، السنة الخامسة ،العدد2، كانون الثاني، سنة1909 :
العنوان: “بيان واف عن المخطوطات القديمة المكتشفة في دمشق”
“_بينما كنا بانتظار مجلة المجمع الروسي المقدس لنروي عنها ماستكتبه بشأن المخطوطات القديمة التي ذكرنا خبر اكتشافها مؤخراًفي دمشق الشام في العدد الماضي من مجلتنا اتانا العدد12 من مجلة “المشرق”البهية وفيه البيان الوافي عن هذه المخطوطات القديمة وعن اللغة المكتوبة فيها وعن المكان الذي اكتشفت فيه وعن أسم الذين اكتشفوها. ولهذا فاننا نثبت هنا بيان مجلة ” المشرق” بالحرف الواحد. قالت :
” قبل عشرين سنة بنيف رحلنا الى دمشق لنبحث عما فيها من الآثار الخطية وكنا سمعنا بأن في القبة التي في صحن دار الجامع الأموي مخطوطات قديمة فتحفينا في السؤال عنها فلم يستطع احد ان يفيدنا من أمرها شيئاً بل كان جواب أكثر الذين سألناهم عن القضية أن القبة لاتحتوي غير الصكوك والحجج المختصة بالجامع الأموي. الا أن علماء الألمان لم يكتفوا بذلك ونالوامن كرم جلالة السلطان ان يدخلوا القبة ويفحصوا مافيها فدخلها البارون فون سودن والدكتور فيولة فوجدا عدداً لايحصى من المخطوطات اكثرها على الرقوق فسعيا بضبطها ومعرفة مضامينها ورسم صورها. وبقي الدكتورفيوله اشهراً متوالية يشتغل بذلك فمما اكتشفه قطع متعددة من الأسفار المقدسة من العهدين القديم والجديد باللغة الآرامية الفلسطينية التي بها تكلم السيد المسيح بينها فصول انجيلية ورسائل لبولس الرسول. واكتشف ايضاً عدداً وافراً من الكتابات اليونانية مضمونها صلوات كنسية ورتب طقسية وشذرات كتابية وأدبيات دينية وقصص رهبانية وكان في جملتها مزامير عربية مكتوبة بالحرف اليوناني ووجد أيضاً مقاطيع شعرية لاوميروس وكانت هذه الكتابات اليونانية بخطوط بديعة وبعضها مزدانة بنقوش وقسم من هذه الرقوق حفت كتاباتها اليونانية فكتب فوقها كتابات عربية أو آرامية .
ومن محتويات القبة ايضاً كراريس وأوراق متفرقة بالقبطية والكرجية والأرمنية معظمها يشتمل على فقرات من الأسفار المقدسة تفيد العلماء للمعارضة على النسخ القديمة. وأخطر منها شأناً آثار عبرانية وسامرية تتضمن نسخاً من بعض كتب التوراة وتقاويم لأعياد السامريين وصلوات طقسية تتلى في الجوامع اليهودية وصكوكاً شتى للبيع والأوقاف وعهوداً زواجية . وبينها ايضاً مقاطيع لاتينية وفرنسوية قديمة مع قصائد شعرية يرتقي عهدها الى الصليبين وكان بعض منها ملطخاً بالدماء مايدل على انها أخذت في معامع الحروب. ومما يسر باكتشافه محبو الآثار النصرانية نسخة انجيلية يرقونها الى القرن الرابع وقطع من دياطسارون طاطيانوس ومن أقوال الرب التي تنسب الى القديس بابياس تلميذ يوحنا الحبيب. وغيرذلك مما لا يسعنا تعداده . وقسم كبير من هذه الآثار قد اهدته الحضرة السلطانية الى الدولة الالمانية فنقل الى برلين وبذلك نجت تلك الكتابات من أيدي الضياع وآفات التلف كالعث والرطوبة التي كادت تفنيها.”
انتهى نص العدد2 من مجلة الكلمة…
نأمل ان نكون قد قدمنا فائدة للبحث العلمي والحقيقة الدامغة بأن المسيحية هي ابنة الشرق منه انبثق نورها وعم الكون فهي النورالذي لاينطفىء .
الحواشي
1- المطران القديس روفائيل هواويني…اول مطران لأبرشة نيويورك منشىء مجلة الكلمة…
2- خزانة بيت مال المسلمين امين بيت مال المسلمين القديس يوحنا الدمشقي وهي القبة الموجودة في كاتدرائية دمشق الشهيدة /الجامع الاموي لاحقاً…
مدرسٌ وصحفيٌّ وأديبٌ وشاعرٌ ومؤرِّخ فلسطيني، ويُعدُّ من أوائلِ المترجِمينَ العربِ الذين عرَّفوا القارئَ العربيَّ بالفكرِ والأدبِ الروسيِّ — من لغتِه إلى اللغةِ العربيةِ مباشَرةً — في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين؛ حيث قطعَ شوطًا طويلًا في هذا المِضمار. ومثَّلَ «قبعين» علامةً فارقةً في أدبِ عصرِه وشكَّلَ الاتجاهاتِ الأدبيةَ والفكريةَ لتلك الحِقْبة.
سليم قبعين في سطور
وُلِدَ «سليم بن يوسف قبعين» بمدينةِ الناصرةِ في فلسطين عامَ 1870م. من عائلة مسيحية ارثوذكسية مكينة في ايمانها و ما زال بعض افراد عائلته عائلة قبعين يقيمون إلى يومنا هذا في الناصرة.
تلقى سليم قبعين دراسته الاولى في مدرسة كنيسة البلدة الارثوذكسية ثم تابع في دار المعلمين الارثوذكسية في الناصرة التي كانت قد اقامتها الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية (1) وكان من اوائل الخريجين بهذه المدرسة. بعد تخرجه عام 1896عمل في مهنة التعليم ومدرساً للُّغةِ الروسيةِ في مدرسةِ «المجديل» الابتدائية.
عُرف قبعين بولعه في القراءة والأدب. كان ينشر تعليقه على ما يقرأ في مجلسة “الجامعة” التي أسسها انطون فرح في الإسكندرية.
انضم إلى حركة المعارضة العربية ضد العثمانيين (المتنورون الشوام)(2) وكانتْ مَواقفُه السياسيةُ المؤيِّدةُ للقوميةِ العربية، والمعارِضةُ للدولةِ العثمانية سبباً في التضييق عليه من قبل الاتراك؛ وقد عمل وكيلا لجريدة المؤيد في سورية فأبعدته السلطات العثمانية في ولاية بيروت الى بلدة الناصرة ووضعته تحت مراقبة البوليس لانه كان يتلقى مع جريدته جريدة اخرى ممنوعة كالمقطم أو المشير وكان يعرف ان الاوامر التركية تقضي بسجن من يتلقي جريدة معادية للدولة، كذلك فان البوليس وجد معه رسائل باسم الصحف المعادية للدولة العثمانية والتي تروج للأفكار القومية والتحرر عن الاستعمار التركي، وكان المقطم –وليس المؤيد –هو الذي كتب يستحث الصحف المصرية لترفع صوتها للدفاع عن سليم أفندي قبعين (انظر الاهرام في 20 اغسطس 1901) وكانت الملاحقة البوليسية العثمانية سبباً في هروبِه إلى مصرَ عامَ ١٨٩٧م.
سليم قبعين
موقفه من تعريب السدة البطريركية الاورشليمية
كانَ سليم قبعين مثل بقية الفلسطينيين المسيحيين الارثوذكس المناضلين وحتى الآن عن تعريب السدة البطريركية الاورشليمي (كرسي ام الكنائس) فهو قد سخر قلمه وفي الجرائد عن حق المسيحيِّين الارثوذكس العربِ في اعتلاء كرسيهم من البطاركة الى اصغر الاكليروس ولاحق لليونان ورهبنة القبر المقدس الاورشليمية اليونانية في الاستئثار بالكرسي الاورشليمي ومقدراته. ولازال هذا النضال مستمراً منذ عام 1517 الى وقتنا الحاضر…
وأسَّسَ «جمعيةَ القديسِ جاورجيس الخيرية». وانتقدَ سماحَ الدولةِ العثمانيةِ بوجودِ البعثاتِ التبشيريةِ في فلسطين خدمة لمصالحها مع الغرب؛ حيث أكَّدَ أنها أدَّتْ إلى تقسيمِ الوطن والكنيسة، وعملتْ على تحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ تؤدِّي إلى القضاءِ على الوَحْدةِ العربية.
في مصر
اصدر في القاهرة عدداً من الصحف منها الأسبوع 1900، عروس النيل 1903، الإخاء 1924. كما أصدر أيضا سلسلة الروايات التي صدر العدد الأول منها سنة 1909.
كان قبعين يقوم برحلة كل عام وينشر خواطره ومشاهداته في هذه الرحلة عند عودته.
الادب الروسي في حياته
نظراً لتتلمذه في المدارس الروسية في فلسطين عشق الادب الروسي وساهم بنقله الى العربية نقلاً اميناً ممتعاً للقارىء العربي وللذاكرة الانطاكية وفاء منه للروس الذين احبهم واهمها ان قبعين نقل عن الجرائد الروسية عن زيارة البطريرك غريغوريوس الرابع في زيارته الى روسيا عام 1913 ودعوة القيصر نيقولا الثاني لغبطته ليرأس احتفالات آل رومانوف بمناسبة اعتلائهم العرش الروسي، وقد كتب تقريراً عن هذه الرحلة المميزة في حياته واصفاً الاستقبالات التي لقيها غبطته روحياً وامبراطورياً.(3)
البطريرك غريغوريوس الرابع
من أهم ما يعزى إلى سليم قبعين هو تعريف القارئ العربي بكبار الكتاب الروس أمثال مكسيم غوركي وتولستوي وبوشكين وغيرهم خلال ترجمته للعديد من كتبهم وتحليله لهذا الادب وربط القاريء العربي به. وهو من الأدباء العرب الذين عاصروا نشأت الديانة البهائية وكتب عنها ملخصا ما عرفه من مبادئها وما عاصره من تاريخ بعض أعلامها في كتابه عبد البهاء والبهائية الذي صدر عام 1922م عن مطبعة العمران في مصر. وتضمن كتابه بالإضافة إلى التعريف بالبهائية ومبادئها وموجز عن تاريخ رسولها وبعض أعلامها، وخاصة شرحا عن سيرة حياة ابن بهاء الله الارشد والقائد الروحي للبهائيين من بعدة عبد البهاء عباس ملخصا حياته في فلسطين وعلاقته بأهلها. ويتضمن الكتاب أيضا وصف لجنازة عبد البهاء هذا وذكرى الأربعين لوفاته وما القيّ في هاتين المناسبتين من قصائد وخطب على لسان العديد من الأدباء والأعيان الفلسطينيين وغيرهم.
ترجَمَ الكثيرَ من الكتبِ لعددٍ من أقطابِ الفِكرِ الرُّوسي، مثل: «أُنشودة الحب» ﻟ «تورجنيف»، وترجَمَ عن «بوشكين» «رَبيب بطرس الأكبر»، و«نَخْب الأدب» ﻟ «مكسيم غوركي»، وترجَمَ الكثيرَ عن «تولستوي»، مثل: «حُكم النبيِّ محمد» و«مَحكمة جهنم». كما كتبَ عددًا من المؤلَّفاتِ مثل: «مَذْهب تولستوي» و«الدستور والأحرار». وكتبَ أيضًا في الشِّعرِ العموديِّ والمُرسَل، مثل قصيدةٍ بعنوان: «لَوْم الحاسدينَ من الخلَّان». كان «قبعين» متأثرًا جدًّا بفكرِ «تولستوي»، وحاولَ الترويجَ له فعملَ على ترجمةِ العديدِ من كتبِه، كما كتبَ عددًا من المقالاتِ في الصحفِ من أجلِ توضيحِ فِكرِه.
تاريخ آل رومانوف
وفاته
تُوفِّي «عميدُ المترجِمينَ عن الروسيةِ» متأثِّرًا بداءِ السكرِ عامَ ١٩٥١م، تارِكًا خلفَه ميراثًا ضخمًا من الترجماتِ والمؤلَّفاتِ والكتبِ التي أثْرَتِ المكتبةَ العربية. حقًّا إن «قبعين» كانَ النافذةَ التي أطلَّ منها أهلُ عصرِه على الفِكرِ والأدبِ الروسيِّ آنذاك، ممهِّدًا الطريقَ أمامَ العلاقاتِ المصريةِ الروسية.”
كانت جنازته تظاهرة ادبية وصحفية فلسطينية وعربية شاملة شهدتها القاهرة، والكرسي الاسكندري الارثوذكسي حيث القيت الكلمات المعبرة عن حقيقته.
قائمة بأهم أعمال سليم قبعين
حكمة النبي محمد، تأليف ليو تولستوى-ترجمة-القاهرة 1908.
محكمة جهنم، تأليف ليو تولستوى-ترجمة.
أنشودة الحكم، تأليف تورجنيف-ترجمة.
ربيب بطرس الأكبر العربي، تأليف بوشكين-ترجمة.
تاريخ آل رومانوف 1912.
مصرع القيصر نيقولا الثاني آخر قياصرة روسيا.
أنواع الغرام في باريس-ترجمة عن الروسية.
قصص روسية لبوشكين وجوركي وآخرين سنة 1929.
مذهب تولستوي سنة 1904.
السلطان حسن بمناسبة توليه السلطة في مصر 1914.
البهائية ومؤسسوها.
تاريخ الحرب العثمانية الإيطالية-القاهرة 1912.
حقوق المرأة في الإسلام.
الدستور والأحرار-القاهرة 1908.
سياحة في روسيا.
نخب الأدب – تأليف مكسيم غوركي-ترجمة.
عبد البهاء والبهائية- مطبعة العمران،القاهرة 1922.
كيف تحافظ على صحتك-1924.
بدائع الخيال-قصص – تولستوي-ترجمة-القاهرة د.ت.
نخب من مبتكرات مكسيم جوركي-القاهرة د.ت. السيرة الذاتيةكتاب مذهب تولستوي
يعتبر البعض سليم قبعين الوجه الاخر للمثقفين العرب مدعين انه كان احد الراغبين والمدافعين عن قيام دولة يهودية علي ارض فلسطين…! وهذا برأينا محض افتراء، فالموقف الوطني الفلسطيني المسيحي عامة والارثوذكسي خاصة، موقف وطني فلسطيني رافض لوعد بلفور ومنح فلسطين لليهود وطنا قومياً وقد هاجم البوليس العثماني في مضايقته للحجاج المسيحيين الى الأراضي المقدسة في فلسطين، وقد فهم انتقاده هذا على مايبدو دفاعاً عن الهجرة اليهودية لاختلاط المهاجرين اليهود بالحجاج المسيحيين وبخاصة الحجاج الروس منهم .
والواقع أن ملخص حياة قبعين تشير بتأكيد الى موقفه القومي العروبي وانتمائه الى المتنورين الشوام الذين طالبوا بالانسلاخ عن الدولة العثمانية، لذلك نراه التقى مع بقية “الشوام المتنورين” ب”المتنورين المصريين” الذين كانوا نصيرا للشوام في التحررعن العثمانيين، هذا من الجانب القومي.
اما من الجانب المسيحي فكان مناضلاً صلباً في الدفاع عن حق المسيحيين الفلسطينيين بكرسيهم الاورشليمي والتحرر من السيطرة اليونانية من جهة ثانية، فكيف بالتالي يدافع عن الهجرة اليهودية والاستيطان اليهودي؟؟؟ بالعكس كان أول من نبه الافكار ضد استعمار اليهود لفلسطين، وأول من حرض حكومة يافا علي منع المهاجرين اليهود منهم من دخول مينائها بمقالاته بتوقيع منتحل في جريدة المؤيد وفي جريدة الاخلاص…
ويبدو أن هذا الموقف المُدعى منه كان بسبب عمله مدرسا للغة العربية في مدرسة الاليانس اليهودية في مصر ثم انتمائه الي الماسونية علما ان كبار المثقفين العرب والساسة السياسيين والدينيين والمشايخ والاكليروس كانوا من المعتنقين للحركة الماسونية بوصفها (في الظاهر) حركة تهدف الى الخير العام للانسانية.كتاب تاريخ آل رومانوف
حواشي البحث
1) الجمعية الامبراطورية الفلسطينية -الروسية الارثوذكسية انشأت المدارس في بلاد الشام في العقدين الأخيرين من القرن 19 وتوقفت بقيام الثورة الشيوعية في روسيا 1917- انظرها في موقعنا هنا باب تاريخ سورية، تاريخ كنسي http://josephzeitoun.com/2015/07/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8
2 )حركة المتنورين الشوام ظهرت في اواخر القرن 19 وضمت المثقفين من سورية الكبرى ( الشوام واللبنانيين والفلسطينيين…) وطالبوا بالاستقلال عن الدولة العثمانية او بحد ادنى باللامركزية وطرحوا القومية العربية كحل وكانت النسبة الاكبر فيهم من المسيحيين وقد هربوا الى مصر والتقوا بنظرائهم في مصر وتابعوا نضالهم لاستقلال سورية الكبرى مستفيدين من مناخ الحرية في ظل اسرة محمد علي باشا ومعظم شهداء 6 ايار 1916وماقبلها 1915كانوا منهم.
أراد حكيم القصر أن يعطي الأمير الصغير ولي العهد الجديد درسا في الحياة
فسأله: مولاي ما هو المعدن الذي يستهويك، ويستميلك من مختلف المعادن؟ فأجاب الأمير الصغير بثقة: الذهب بالطبع. فسأله مرة أخرى : ولِمَ الذهب؟ فأجاب بثقة أكثر من سابقتها: لأنه ثمين وغالٍ، وهو المعدن الذي يليق بالملوك. صمت الحكيم لساعته، ولم يُجب…
ثم ذهب الى الخدم، و قال لهم: اصنعوا لي تمثالين بنفس الشكل، ولكن أحدهما من الذهب الخالص، والآخر من الطبشور، واطلوا الأخير بطلاء ذهبي ليبدو كأنه من الذهب الخالص. بعد يومين، أتى الحكيم بالأمير أمام التمثالين، وقد غطاهما، فنزع الغطاء عن التمثالين، فانبهرالأمير لجمال صنعهما وإتقانهما. فسأل الحكيم: ما رأي الأمير بما يرى؟ فأجاب الأمير: إنهما تمثالين رائعين من الذهب الخالص. فقال الحكيم: دقق يا مولاي ألا ترى فرقا بينهما؟ فقال: كلا. فكررالحكيم: أمتأكدٌ أنت يا مولاي؟. احتد الأمير، وقال بغضب: قلت لك كلا، لم أرَ أي فرق بينهما، ألا تدرك أن كلام الملوك لا يعاد…! فأشار الحكيم الى خادم كان يمسك بدلو ماء، فرشق الخادم الماء على التمثالين بقوة فصعق الأميرعندما رأى تمثال الطبشور يتلاشى… ولكن تمثال الذهب كان يزداد لمعانا. فقال الحكيم: مولاي، هكذا حال الناس…
عند الشدائد من كان معدنه من ذهب يزداد لمعاناً، ومن كان من طبشور يتلاشى كأنه لا شيء!
وتابع: ليس هناك بشر تتغير، وإنما هي أقنعة تسقط، وحقيقة تظهر، وغشاوة تزول عن العيون.
ونحن نقيس الموضوع على واقعنا السوري منذ ما اسموه” الربيع العربي”
نقول بكل ألم وحسرة بعد هذا الكلام، إن ما رأيناه في مناطق كثيرة من وطننا الحبيب سورية، من حقد وتشفٍ، واحتفالاتٍ و تباهٍ بالرؤوس المقطوعة للسوريين سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، ومشاهد حزها كما حصل في تدمر والسخنة والرقة ودير الزور وحلب وادلب وحوران بيد أحداث يسمونهم ” اشبال الخلافة” من داعش ونصرة وتحرير الشام و..1200 فصيل ارهابي قدر الغرب عددهم بنصف مليون قاتل وارهابي وتكفيري من كل الجنسيات… وفي مناطق كثيرة جداً في ادلب وجسر الشغور والرقة بتعليق رؤوس ابناء جيشنا المدافعين عن الرقة معلقة على حراب سور الحديقة العامة فيها، مايندى له جبين البشرية خجلاً…وتقشعر معه الابدان…وقطع رأس الطفل الفلسطيني لمجرد ان ابيه من الفلسطينيين المدافعين عن وحدة سورية من جيش التحرير الفلسطيني، لقد قطعوا رأس الطفل المسكين وهو عاجزبنتيجة كسر في فخذه ملفوفاً بالجبس لايستطيع حراكاً وكانوا يضحكون ويتهللون فحملوه وقطعوا رأسه ولعبوا به كرة قدم كما كل الجنود والكهنة الذين قطعوا رؤوسهم!!!
ما رأيناه في معلولا من إعدام فردي لأربعة مسيحيين من سكانها منهم شيخ طاعن في السن وثلاثة شبان ورجال رفضوا اعتناق الاسلام، وكذلك عائلة مسيحية من الحسكة تم شنق الامرأة وطفليها للسبب ذاته وقطع رؤوس الكهنة ووضعها على ظهورهم… وآخرهم قبل سنة للكاهن الارمني الكاثوليكي مع والده وكان يتابع اعادة ترميم مادمره حقدهم الطائفي في ارجاء الحسكة…
ماعشناه من دمار معلولا ونبش قبر القديسة تقلا، وسوق راهباتها مخطوفات، وخطف مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، وكهنة ومنذحوالي ثمان سنوات… وتدمير كل القرى المسيحية والكنائس والأديرة وبلغ عدد هذه المعابد المدمرة رغم قلتها 65 دير وكنيسة وتهجير المسيحيين…
لهو تطهير عرقي ديني مذهبي… مدعوماً بالمال من اعراب ومخطط له من الصهيونية لتدمير سورية ومن تركيا الطامعة في كل الشمال السوري… وبغطاء دولي يهمه تفريغ سورية كما المشرق من المسيحيين ونثرهم لاجئين في كل بقاع الكون…وقد بدأ المخطط في فلسطين المحتلة منذ 1948، وثنى في لبنان بالحرب اللبنانية منذ 1975 وحتى الآن مروراً بالعراق وسورية ومانعيشه فيها من كوارث مع البقية القلة المسيحية المرتاعة في الصومال وباكستان ونيجيريا والدور على مصر ولبنان والسودان مجدداً يتم تجديده دوماً…
ما رأيناه من مشاهد لأطفال، وشباب يتراكضون لتصوير الحدث العظيم المتمثل بالصلب أوالجلد، وآخرها في تدمر، حيث احتشدوا في المسرح يحتفلون بالمجزرة وتم فيها قطع رؤوس 26 جندياً بريئاً من ملائكة الجيش السوري (وهو ذنبهم) من حامية تدمر تم اسرهم، واعدموا في المسرح حيث كانت تقام مسرحيات وعروض فنية من عهد زنوبيا … والى وقتنا الحاضر حيث كانت تقام فيه الفعاليات الغنائية في مهرجان البادية ليس وبقليل من التفكير هي ليست فكرة طارئة، كما نحب أن نتوهم وقد ولدتها الحرب، بل في الحقيقة، هي موروث مخيف من الحقد ينتقل جيلاً بعد جيل، يتشربه الصغارمن الكبار، ويخفونه في صدورهم وأدمغتهم، حتى يجد فرصة للظهور كما حدث ويحدث الان في سورية، ومن كان يصدق ان يبرز كل هذا الحقد الطائفي والديني والمناطقي المهول والمرعب؟
صباح يوم الاحد الماضي وفي الساعة السادسة والربع صباحاً كنت خارجاً من بيتي واسير في حي القصاع مقابل المستشفى الافرنسي كان يسير ورائي شخص رث الثياب بيده عصا غليظة… لا اعلم ان كان موتوراً جاهلاً او معتوها !!!
كان يصرخ بملء صوته:” اعطونا من مصاريكم بكرا بدكن تموتوا وتتركوا كل شي” ويكررها باستمرار… وعندما وصل الى محاذاتي وبالمصادفة كنت قد صرت بجانب الكنيسة في القصاع نظر الي وقال بنفس الصوت العالي:” مابدكن تدفعوا بكرا بدكن تموتو…بدكن تموتو وتتركولنا كل شي… الله يموت كل النصارى المسيحيين” ويكررها بصوت عالٍ وختمها بتكرار صرخته ثم:” الله يموتكن كلكن يامسيحيين ويموت قسيسكم ونبيكم…” وكان قد وصل الى زاوية المستشفى ثم التف الى جهة صالة المجد للخضار وتابع سيره وهو يصرخ مرددا كل الشريط مع مسبات وتمنيات بموت المسيحيين ليتركوا كل شيء له ولأمثاله…!
الطائفية والخيانة وبيع الأوطان وتهجير وذبح الشقيق في الوطن الذي من غير الدين والطائفة والمذهب، لا تأتي بين ليلة و ضحاها، احتراف نحر الأعناق بكل متعة ليس وليد الصدفة، الاستمتاع برؤية النحر، وقطع اثداء السبايا من مسيحييات وايزيديات، وترتيب الدور في جهاد النكاح، وبيعهن في اسواق النخاسة كالعبيد بمبلغ يتراوح بين 500 الى الفي دولار اميركي، وتقديم سبية جائزة لمن كان الأول في حفظ القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك…
صلب البشر، ومن كل الأعمار حتى لو كانوا أطفالاً، وقتل السيدات بتهمة الدعارة وكله يترافق بالتهليل، والتكبير، لا يأتي بين ليلة وضحاها، فهناك مخزون من الحقد والكره لم نكن نعرفه عندنا نحن السوريون،( ربما على مايبدو كان موروثاً ومختبأ بين الاضلع) لكنه قد انفجر في وجوهنا.
اين كان مستتراً كل هذا الحقد؟
ليس منطقياً ان نسنده على الأغراب فقط! البيئة الحاضنة في سورية هي من اوجد هذا الغل والحقد الطائفي…
لن ينفع الدعاء في أن تعود سورية كما كانت، فنحن لا نريدها أن تعود كما كانت و نعود لنصاحب وحوش مستترة تحت أقنعة بشرية دواعش مستترة، نحن نريد سورية خالية من وباء الطائفية، والشعوبية نحن سوريون فيجب ان تكون سوريتنا صحيحة ومعافاة، سورية هي وطن للسوريين، خالِ من الكاذبين المنتحلي صفة السورية وهي منهم براء، لأننا نعرفها لم تكن تُعرف الا بالمحبة ( ربما كنا كاذبين في شعورنا كما اظهرت لنا الاحداث وخاصة منها الطائفية خلال السنوات العشر العجاف، اما مامر من مآس مشابهة كما في مذبحة حلب والبقاع ومعلولا الطائفية العام 1850، وفي مذبحة 1860 الشهيرة في دمشق وجبل الشيخ والزبداني والغوطة وافرغت كل البلدات واولها دوما وحرستا وزملكا وسوق وادي بردى وثلاثة ارباع سكان الزبداني وعربين وحرستا وصيدنايا ومحيطهافهي من صنع اولئك ومن صنع دولة باغية حكمتنا اربعة قرون استبدادية مظلمة هي عصور الانحطاط العثماني… وافرغت آسيا الصغرى من المسيحيين بكل طوائفهم اعتباراً من الثلث الأخير من القرن 19 وحتى 1922 فأصبحت المسيحية في هذه المنطقة الجغرافية التي شهدت لكل التاريخ المسيحي ومجامعه المقدسة وانتشاره الى عمق اقصى الشرق ارض انطاكية العظمى وقد استشهد فيها اكثر من اربعة ملايين مسيحي مع تهجير لمن بقي حياً بعد سبي نسائهم وغلمانهم… وتدمير كنائسهم واديارهم فهي نتاج لمخزون فكري وديني متعصب بغيض صنعه تجار الدين و ناشري الأوبئة الاجتماعية، وطن لا يخاف الإنسان على رأسه اذا صادف في طريقه واحدا من المؤمنين أن الله أعطاه توكيلا بالقتل باسمه، من اعطاك ايها القاتل باسم الدين ان تزهق ارواح وتقطع رؤوس وتسبي نساء ولمجرد انهم كانوا من غير طائفتك ومذهبك، لو شاء ربك لخلق الجميع واحداً ، ولوشاء ربك لما ترك المسيحية تسير ستة قرون لياتي بعدها الاسلام ويسيران جنباً الى جنب في خدمته تعالى ولكان قد قضى على المسيحية بدل ان يبيح لك تفكيرها، كما رددت على من كفرنا ويكفرنا…
بكل اسف استذكر كل هذه المآسي رغم ان الربع الاخير من القرن العشرين كان يضخ بالحوار الاسلامي -المسيحي على مستوى سورية ولبنان وكنت عضوا في لجان الحوار المحلية بدمشق، ولكنها بكل اسف لم تكن ذات فاعلية اذ بعد المؤتمر الذي يمتد الى ثلاثة ايام ويختم بمائدة حافلة ويتم التصوير للمشايخ والكهنة ويختم بتوصيات للعيش المشترك ترفع الى رئاسة الدولة ولكنها تمسي في الادراج ولايزال الحقد المستتر يعشش في الصدور ويتفرخ “وكأنك يا ابوزيد لارحت ولاغزيت…!” الى ان كان وقت ظهوره المدمر تجاه فريق عزيز من ابناء الوطن من المسلمين ليمتد الى المسيحيين ويضربه خطفا واتاوات وقتلا وتهجيرا وتدميرا وسبيا مع مطلع مااسموه الربيع العربي الذي حمل افكار محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية ومعظم التيار السلفي والازهري الى السطح… وكأن الله اقام ارباب هذه الداعشية التي تتناسخ وكلاء عنه في الحكم والقتل لغير الذي على مذهبهم…فكيف يبقى الشباب والصبايا والعائلات الفتية من المسيحيين وهم يستشعرون بمرارة المآسي الطائفية المتكررة على يد اخوة لهم يصطفون بالألاف على ابواب الكنائس والبطريركيات ليأخذوا المعونات ويعمل بعضهم في هذه المؤسسات كما في العلاقات المسكونية والبطريركية الارثوذكسية منذ 2003 زمن اجتياح العراق ومن ثم 2011 منذ البدء بذبح سورية وعلى حساب ابناء الكنيسة وهم اكثر فقراً من الذين يتناولون المساعدات ويتم تأهيلهم واعادة بناء بيوتهم من مال الكنيسة والتي تقوم بذلك نحو ابن الوطن بغض النظر عن الدين والمذهب ومنذ البطريرك العظيم غريغوريوس حداد مطعم الجياع في السفر برلك 1914-1918وصاحب المقولة الصرخة وقتها:”الدين لله والوطن للجميع” قبل ان يتشدق بها كل السياسيين وسواهم من الكاذبين ويتشدقون بنحلها لأنفسهم وفي الواقع هم منها براء…!
لقد جيروا الحرب في كاراباخ بين الارمن والأذريين على انها حرب صليبية وتناسوا انها حرب وطنية وانتصروا للأتراك كونهم مسلمين ناسين اربعة قرون من الخوازيق والمشانق بحق السوريين والعرب وكل القوميات والاديان والمذاهب كما هللوا لأردوغان “مخلص الاسلام والمحرر الجديد لآيا صوفيا”… وهي بالأساس الكاتدرائية الشهيدة ذات الالف سنة من العمر المسيحي الزاهي.
بكل اسف…استغرب لم كل هذا الغل الديني؟
ختاماً اتوق ويتوق الكل ان نعيش في وطن، يعيش فيه المؤمن إيمانه، ويحترم أديان الآخرين ومعتقداتهم الروحية وحتى السياسية الا ماكان منها مخلاً بالآداب العامة وهذا يترك أمره للدستور والقانون، وطن يتسع للجميع الجميع سواسية في تولي وظائفه وادارته بعيدا عن الطائفية السياسية والمحاصصة والنسب…
وطن لا نسمع فيه بإسم ثورةٍ سوريةٍ قادتُها من عداد المؤهلين لخدمة الكيان الاسرائيلي…والتركي… والاميركي ويتلقون منهم التمويل والتدريب، هؤلاء الذين يهمهم دمار سورية وحوها من الخارطة بدولات طائفية محكومة من هؤلاء الأعداء.
ليكن ذكرك مؤبدا ايها البطريرك العظيم غريغوريوس حداد على صرختك الخالدة:
“الدين لله والوطن للجميع “…
اخوتي في الوطن
احترموا وطناً ترابه تقدّس بدماء الشهداء من كل الاديان والطوائف…