Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all 1470 articles
Browse latest View live

كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان القسم الثاني…

$
0
0

كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان

القسم الثاني…

نشوء كنائس الميدان

وكان لا بد من نشوء كنائس مرافقة، تواكب هذه التجمعات المسيحية أو الجاليات المسيحية النازحة الى هذه المحلة التي كانت بدورها تتبع إلى نفس الأبرشية أي أبرشية بصرى حوران وجبل العرب، والتي ولفقرها لم يكن ثمة مقر لمطرانها، مما ادى الى سهولة التبشير الرهباني الكاثوليكي المدعم بالمساعدات في أوساط الارثوذكس الفقراء، وهذا الاقتناص المنتظم وخسارة الكنيسة الارثوذكسية لعدد كبير من ابنائها التي كانت في القرنين 18 و19 خزاناً ارثوذكسياً، بحيث لم يبق إلا المؤمنين حقاً بالأرثوذكسية وجلَّهم من الفقراء…

وتشير الوثائق البطريركية التي تعود الى عشرينيات القرن 20 ان البطريرك غريغوريوس كان قد وجه المطران المنتخب على الأبرشية زخريا زخريا، في العقد الثاني من القرن 20، “لاقتناء دار تكون مطرانية له يتواجد فيها للرعاية وتحصين الرعية، للوقوف في وجه هذا المد الاحتوائي.” ولاسيما وان الروم الكاثوليك أوجدوا لهم داراً للمطرانية في خبب، اضافة الى وجود سكني كامل في مناطق أخرى، فكان رد زخريا ان فقر الأبرشية يعيق ان يكون للمطرانية دار يقيم فيها، وعلى هذا اشترط على البطريرك ان يُوجد له داراً للمطرانية في الأبرشية، وأقله في محلة الميدان.(1)

البطريرك غريغوريوس الرابع
البطريرك غريغوريوس الرابع

ولما كانت البطريركية فقيرة بالمطلق، لذلك نرى البطريرك قد أقام زخرياً “وكيلاً بطريركياً” في دمشق ومطراناً على حوران، ويقيم في دار البطريركية بدمشق لقربها من أبرشيته، وله وكلاء من الكهنة في حوران تتم المتابعة معهم. (2)

اما بالنسبة لمحلة الميدان فقد شهدت هجرة أرثوذكسية قوية عام 1860 من أقضية راشيا وحاصبيا وبعلبك كما سبق بيانه. فصاروا تابعين لأبرشية حوران وجبل العرب. وكان الحضور الراشاني والحاصباني بالذات مكثفاً في المجتمع الميداني عامة والمسيحي الارثوذكسي خاصة وصارت لهم محلة تسمت باسمهم ساحة وحارة الرياشنة. وساحة للتيامنة الحصابنة (ابناء وادي التيم) ولهم نفوذهم في كنيسة حنانيا الرسول.(3)

وعلى هذا الاساس لم يتمثل الميدان المسيحي الارثوذكسي في المجلس الملي البطريركي الدمشقي، وحتى ثلاثينات القرن 20 بعد مطالبات مكثفة ومشاحنات طويلة طالت ثلاثة عقود ونيف، من رعية الميدان للبطريرك غريغوريوس الرابع لالحاقهم بأبرشية المقر البطريركي. ولم يتحقق ذلك الا مع بداية عهد البطريرك الكسندروس طحان (1931-1958).

واستناداً على ماسبق فقد نشأت ثلاث كنائس في محلة الميدان وهي:

1- كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية التي سندرسها بالتفصيل وهي الأقدم وتعود الى الربع الأول من القرن الثامن عشر، وفق مخطوط يعود الى منتصف القرن 18 يؤرخ لها موجود في مكتبة الاسد بدمشق.

2- كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك وسنلقي عليها الضوء تالياً.

وهي تلي كنيسة حنانيا الرسول بحائط مشترك ونشأت في العقد الثامن من القرن 19.

وكلتا الكنيستين في حي القوره شي.

3- كنيسة القديس جاورجيوس للروم الكاثوليك في حارة باب مصلى أي أول الميدان التحتاني وعليها تاريخ إحداثها في عام 1876م.

وفي هذا المقام فقد تحقق لدينا هذه الواقعة أدناه، بعد بحث مستفيض طال زمناً طويلاً، ننفرد ونختص بها، وهي انه تحقق لدينا أن أصل كنيسة القديس حنانيا الرسول مطرح بحثنا هو دير في الموقع ذاته باسم دير القديس حنانيا الرسول.

حي الميدان اواخر القرن 19 (صفحة التاريخ السوري)
حي الميدان اواخر القرن 19 (صفحة التاريخ السوري)

دير القديس حنانيا الرسول

لما كان لايوجد ثبت دقيق لتاريخ بناء كنيستنا المنوه بها إلا من شهادات شفهية لمسنين ومنهم جدي فارس رحمه الله كون عاش طفولته وصبوته وفتوته فيها قبل ان ينطلق وأمه وأخته الصغرى الى القصاع للاستقرار فيها، وهؤلاء المسنين الذين راجعتهم هم من أحفاد الميادنة الارثوذكس الأصلاء، وقد أجمعت شهاداتهم المحفوظة عن ذويهم بالتواترإلى أنها كانت موجودة مطلع القرن 18، وبدورنا لاحظنا ان المخطوط المحكي عنه حدد 1715، مع التباين في التواريخ المحددة حالياً على جدران الكنيسة.

فعلى باب الحرم الخارجي في الحارة تاريخ 1815، وعلى باب الكنيسة الشمالي داخل حرم الكنيسة الداخلي والمفضي الى محلة مدرسة حنانيا الرسول تاريخ 1860 وقد حدد المؤرخ الدمشقي العلامة محمد كردعلي في كتابه الشهير،”خطط الشام” تاريخ بنائها في عام 1862.

لقد فتح هذا الأمر باب شهوتنا للبحث ولتحديد التاريخ الدقيق لوجود هذه الكنيسة، لاسيما والمخطوط يشير الى مطلع القرن 18. وهو يعود الى منتصف القرن الثامن عشر. من خلال ورقه والحبر الذي كُتب به وماعليه من منمنمات ورسوم، وغلافه…

ان هذا الامر محل نظر برأينا، ويشير الى ان هذه الكنيسة كانت موجودة في هذا التاريخ، وأكيد موجودة منذ ما قبل، والسبب في ذلك أنه منذ الفتح الاسلامي لبلاد الشام طُبقت القاعدة الاسلامية الشرعية التي تمنع إقامة أية كنيسة أو ديرجديدة، فقط تبقى الكنائس والأديرة والصوامع الرهبانية على حالها، إن لم تُصادر وتغلق لأسباب محددة(4) او تحول الى جوامع ومساجد ككاتدرائية دمشق التي على اسم يوحنا المعمدان وبقية كنائس دمشق بقسميها الشرقي والغربي وكل كنائس الغوطة المحيطة.

في حال احتياج هذه البيَعْ من كنائس وأديرة إلى ترميم يمتنع على الرئاسات الروحية القيام بترميمها بدون موافقة مسبقة وخطية، وكل مخالفة تستدعي العقاب الشديد لدرجة إعدام من قام بذلك، كما حصل في منتصف القرن 18تقريباً (5) لثلاثة من وكلاء كنيسة مريم(المريمية)، وجدوا ان هناك تصدعاً شديداً في حائط المريمية ممايشكل انهياره خطراً على الرعية في ليلة الهجمة (الفصح) ويجب الترميم بسرعة فائقة خوفاً من انهياره، فقاموا بالترميم سراً دون موافقة، هؤلاء استشهدوا شنقاً بجانب جدار الكنيسة المرمم بأمر والي دمشق العثماني في منتصف القرن 18 فجر ليلة الهجمة، مع هدم الجدار…

الكاتدرائية المريمية
الكاتدرائية المريمية

لم تتصل لنا أية معلومات سواء مكتوبة أو مخطوطة أووثائقية في وثائقنا البطريركية عن طلب الترميم وعباراته، وكيفية تقديمه في الفترة ما قبل الاحتلال العثماني لديارنا الشامية السنة 1517 بسبب تلف كل الوثائق في التدمير المتلاحق للمريمية والدار البطريركية وعددها سبعة تدميرات، ثم حصل التدمير الثامن الشامل في مذبحة 1860، وقد لاحظنا في ما بعد هذا التاريخ (6) أن الإجراءات كانت معقدة تتم بطلب من الرئاسة الروحية الى محكمة المحلة، وكانت “محكمة البزورية الشرعية” بموجب الاختصاص المكاني ومجاورتها لدار البطريركية، فتقوم بالمشاهدة الميدانية للمنوي والمطلوب ترميمه المكان،ويرفع القاضي تقريره الى مفتي دمشق والوالي ومنه الى شيخ الاسلام في الاستانة، ووزارة العدلية والمذاهب، فكانت اجراءات طويلة ومعقدة بشدة، كان القرار إيجاباً او سلباً يصدر من الصدر الاعظم ( رئيس الوزراء العثماني) بعد الفتوى الشرعية من شيخ الاسلام ثم وزارة العدلية في الاستانة…

أما في مرحلة الحملة المصرية على بلاد الشام من 1831-1840 فكان يكتفى بأمر من قائد الحملة ابراهيم باشا ابن محمد علي وقد تم كل الترميم في تلك المرحلة بهذه الطريقة.

لذلك إن القول ببناء الكنيسة في التاريخ المحدد في المخطوط وفقاً لهذه القرائن غير دقيق، وعلى الأغلب ووفق شهادات الشهود، وتاريخ المخطوط فإن هذا التاريخ هو تاريخ الترميم أو إعادة البناء وليس البناء…

تابعنا البحث وعدنا الى زمن الامبراطور يوستنيانوس الأول فوجدنا انه كما أسلفنا بنى بعد بنائه في العام 517مسيحية دير سيدة صيدنايا البطريركي، الكاتدرائية المريمية

دير سيدة صيدنايا الذي بناه الأمبراطور يوستنيانوس
دير سيدة صيدنايا الذي بناه الأمبراطور يوستنيانوس

بنى في العام ذاته العديد من الاديرة الرهبانية والكنائس في منطقة دمشق وجنوب سورية، في طريق حجه إلى القبر المقدس، تقرباً لله، ليقدم الشكر على انتصاره على الفرس. ومما بناه كان هذا الدير وعلى اسم حنانيا الرسول(7) في مكان لايبعد عن موقع دير رؤية بولس الرسول في تل كوكب، الذي يعود الى القرن المسيحي الاول على طريق دمشق الجولان وفلسطين، وأوقف لدير حنانيا الأوقاف، كما فعل مع كل الاديرة والكنائس التي بناها، وجعله استراحة للحجاج الحاجين الى الديار المقدسة، ويقوم الرهبان على خدمتهم، وكل هذه الاديرة اندثرت بشتى الطرق، ماعدا دير القديس حنانيا الرسول.

لذلك فقد تحقق لدينا ان كنيسة القديس حنانيا الرسول كانت ديراً رهبانياً يعود تاريخ بنائه الى عام 517م بأمر الامبراطور يوستنيانوس الاول، وهو الذي تحول بعد تمادي الزمان من دير الى كنيسة آلت للاندثار، كما حصل للعديد من الاديرة التي تحولت الى كنائس بانتهاء الرهبنة فيها.

ولما كان الوجود المسيحي في محلة الميدان قد بدأ يتنامى منذ العهد المملوكي مع التجار، وكان المسيحيون يقومون بالصلاة في كنيسة هذا الدير المتداعي، ولما كان من غير المسموح (كما أسلفنا) تلبيتهم بإيجاد كنيسة جديدة لهم، فقد صدر الإذن الشرعي بترميم دير حنانيا الرسول في تاريخ 1715 وفق الاصول الشرعية كما اسلفنا، وهذا مايفسر وجود الكنيسة داخل هذا الحرم الذي يوحي بأنه بيت كما بقية البيوت المجاورة.

كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك

هي الكنيسة الكاثوليكية التي تلي في الزقاق كنيسة القديس حنانيا الرسول وتلاصقها بالجدران…

دير رؤية القديس بولس في كوكب
دير رؤية القديس بولس في كوكب

وفق شهادات مسنين من ابناء المحلة من الكاثوليك والارثوذكس تابعناهم، وبخاصة الكاثوليك، عرفنا منهم أن أصل هذه الكنيسة هو بيت سكني لعائلة أرثوذكسية مجاورلكنيسة حنانيا الرسول الارثوذكسية(8)

في حين اقتصر الوجود الكاثوليكي على ساحة وحارة باب مصلى في الربع الأخير من القرن 19 مع وجود ارثوذكسي.

وقداعتنقت هذه العائلة المجاور بيتها لكنيستها للمذهب الجديد “الكثلكة”. (9)

بعد فترة وقبيل فترة الصوم الكبير تم شراء بيت ثان ملاصق من عائلة جديدة اعتنقت المذهب الجديد بدورها، وتم تحت جنح الظلام سراً وبسرعة مطلقة (خوفاً من العقاب) وصل البيتين من الداخل ببعضهما، وتحويلهما الى بيت كبير واحد، وفيه كنيسة على إسم سيدة النياح تحمل اسم كاتدرائية دمشق الكاثوليكية في حارة الزيتون مع دار البطريركية الكاثوليكية، مع بقاء البيتين سكنيين في العلن وأمام المارة،(10) وكان يتم ترحيل الردم ليلاً بالتنسيق مع حارس باب الحارة(11) الذي كان مسيحياً معتنقاً الكثلكة بدوره، وشباب الطائفة…

من 1831-1840استمرت الحملة المصرية على بلاد الشام التي يدين لها مسيحيو بلاد الشام وقائدها ابراهيم باشا بتوفير مناخ الحريات الدينية ومنهما اباحة ترميم الكنائس، وفرضت عليهم الواجبات ذاتها التي لمواطنيهم المسلمين، لذا قاتلوا في صفوفها كما فعل الامير بشير الشهابي الماروني ضد الجيوش العثمانية، وبعد جلاء الحملة المصرية عادت الامور كما كانت بقيودها، وبعد حرم القرم وعقد الاتفاقية بنتيجتها عام 1856 واعتراف الدولة العثمانية بتساوي مسيحييها مع المسلمين في الحقوق والواجبات ،وخاصة بناء كنائس جديدة ككنيسة القديس يوحنا الدمشقي بجانب الآسية او ترميم الكنائس القديمة انما بشرط الموافقة المسبقة وقد تكون بدون فتاوى شرعية، واعلنت مراسيم المساواة بين الرعايا القومية المنضوية تحت الخلافة العثمانية، وبين الاديان والمذاهب.

كنيسة سيدة النياح الكاثوليكية في القوره شي
كنيسة سيدة النياح الكاثوليكية في القوره شي

اما بالنسبة للكثلكة بين صفوف الميادنة كما اشرنا (12) فقد اتت بنتيجة الاضطرابات الأرثوذكسية المستمرة العسيرة بين الميادنة والرياشنة في محلة الميدان حصراً بسبب خلافات على وكالة الكنيسة وصواني اللم وادارة مدرسة حنانيا الرسول وبقية المؤسسات كجمعية دفن الموتى، ونظراً لقيام الرياشنة ببسط اليد عليها فقد ادى ذلك الى احتجاج الميادنة الأصلاء وخروجهم عن كنيسنهم الأم الى الكثلثكة كما هي العادة في كل مكان، وبذلك خرجت العديد من عائلات الميدان الارثوذكسية الاصيلة وهي عائلات معروفة، وصار لها الريادة في طائفتها الجديدة، لذا نقص عدد الميادنة الارثوذكس لصالح زيادة عدد الرياشنة الارثوذكس.

اضافة الى هذه الحادثة التي تنامى بسببها عدد الكاثوليك في الميدان، كانت هجرة الحوارنة الكاثوليك الى المحلة واستقرارهم في مطارحها المسيحية الثلاثة وهي القرشي والموصلي وباب المصلى… فزاد عدد الكاثوليك وقتها عن الارثوذكس وخاصة في باب مصلى.

اما كنيسة القديس حنانيا مطرح بحثنا فقد كانت مجمعاً متكاملاً يحوي بالاضافة الى الكنيسة، بيت الكاهن، وصالون للرعية، ودار مدرسة حنانيا الرسول المختلطة الابتدائية وادارتها، ومقر جمعية حب الرحمة الخيرية، ولجنة القديس حنانيا الرسول الخيرية الارثوذكسية لدفن الموتى في الميدان، حيث كانت تمتلك وتدير مدفناً خاصاً للميادنة في “منطقة تل العظام” المجاورة لمقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية، قبل ان يتم بيع العقار ونقل المدافن الى مقبرة القديس جاورجيوس الحالية (دوار المطار) وخاصة بعد إلحاق الميدان أرثوذكسياً بالمقر البطريركي وصار يتمثل بالمجلس الملي البطريركي الدمشقي.

بكل أسف فقد تم اغلاق هذه الكنيسة الجميلة وقلع ايقونسطاساتها التي على الاعمدة والايقونات… الى كنيسة القديس يوحنا الدمشقي للروم الكاثوليك في حي ابو رمانه المحدثة في ثمانينيات القرن20 ، ولما زرتها وشاهدتها بوضعها المحزن عياناً تذكرت كم عانى الأجداد الذين أوجدوها اواخر القرن 19 تحت جنح الظلام تحت خطر القتل… وتساءلت “هل نخرب كنيسة أثرية لنظهر كنيسة جديدة…؟”

كنيسة القديس جاورجيوس في باب مصلى
كنيسة القديس جاورجيوس في باب مصلى

ملاحظة

ابتعدنا في ماسبق ما امكننا عن الشهادت الشفهية في حال تعارضها بين الفريقين الميداني والراشاني التي حفظت بالتواتر بين احفاد متزعمي الفريقين التي حصلنا عليها، فكانت متعارضة وتحمل هوى أصحابها، واكتفينا بالوثائق البطريركية.

القديس الرسول حنانيا

الاسم

اسم حنانيا عبري يعني “رأفة الله”

“إذا كان المثل الشائع يقول إن أردت أن تعرف نعمة الله عليك أغمض عينيك، المسيحيّة تقول:” إن أردت أن تعرف نعمة الله عليك إفتح عينيك لتشاهد أن الله تجسّد وصار إنسانًا من أجلك.”

السيرة الذاتية

ايقونة القديس حنانيا الرسول
ايقونة القديس حنانيا الرسول

هو حنانيا، التلميذ المذكور في الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل. وكان يهودياً دمشقياً وجيهاً بين قومه، ولما سمع بأخبار يسوع في اورشليم وتتبع هذه الأخبار، فبادر الى تأسيس أول جماعة مسيحية في التاريخ خارج فلسطين، وكان الرب يسوع لايزال يبشر، ذهب الى اورشليم ليعاين معجزات الرب يسوع وجاهياً، وكان من عداد الرسل السبعين الذين حل عليهم الروح القدس بعد صعود الرب يسوع الى السماء وحلول الروح القدس على رؤوس السبعين في علية صهيون يوم العنصرة، وكان حنانيا منهم لذا دعي رسولاً.

عاد الى دمشق وتابع مع جماعته المسيحية في قبو بيته الكائن بالقرب من باب دمشق الشرقي،حيث جعل منه كنيسة بعيداً عن اعين السلطات…

عندما جاء شاول على رأس القوة العسكرية– الذي صار بولس الرسول فيما بعد- وكان شاول قد انطلق من أورشليم مزوداً برسائل من رئيس الكهنة إلى الجماعات اليهودية في دمشق حتى إذا ما وجد أناساً تبعوا يسوع المسيح، رجالاً ونساء، ساقهم موثقين إلى أورشليم، لأن اليهود هناك كانوا يعودون في شؤونهم الناموسية إلى رئيس الكهنة في أورشليم.

وفي الطريق ظهر الرب يسوع لشاول في نور من السماء فسقط شاول على الأرض وسمع صوتاً يقول له: “شاول، شاول لماذا تضطهدني؟!”

فارتعد وتحيّر جداً. ثم سأل: “يا رب ماذا تريد أن أفعل؟!“،  فقال له الرب أن يدخل إلى المدينة فيقال له ماذا ينبغي أن يفعل. فدخل، وكان لثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يبصر منظراً رسولاً من عند الله وهو يصلي.

هذا الرسول الذي بعث به الرّب يسوع المسيح إلى شاول هو إياه حنانيا الذي نحتفل بتذكاره اليوم.

جاء في سفر أعمال الرسل أن الرّب قال لحنانيا في رؤيا أن يذهب إلى الزقاق المسمّى المستقيم، وهو الذي يطل عليه مقرّ البطريركية الانطاكية الارثوذكسية اليوم، ويسأل في بيت المدعو يهوذا عن رجل طرسوسي اسمه شاول رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكي يبصر.(13)

فتهيّب حنانيا الأمر، للوهلة الأولى، لأن شاول كان معروفاً في المدينة كلّها كم من الشرور صنع بالقدّيسين الذين في أورشليم، وإنّه جاء إلى دمشق بنيّة القبض على المزيد من المؤمنين وزجّهم في السجون بأمر من رئيس الكهنة.

لكن الرّب هدّأ من روع حنانيا قائلاً له: “ اذهب، لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك بني إسرائيل، لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي”.

فمضى حنانيا كما أمره الرّب ودخل البيت ووضع يديه على شاول قائلاً“أيها الأخ شاول، قد أرسلني الرّب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس”.

فللوقت وقع من عيني شاول شيءٌ كأنّه قشور فأبصر في الحال، وقام فاعتمد وتناول طعاماً فتقوّى.

هذا كل ما يذكره “سفر أعمال الرسل” عن حنانيا.

لكن، ورد في التراث أنه أحد الرسل السبعين وأنه جُعل أسقفاً على دمشق وبشّر بالكلمة في بيت جبرين الفلسطينية ،وأتى بالعديد من الوثنيين إلى الإيمان، وأعطاه الله موهبة صنع العجائب. ويقال أن عمله البشاري في بيت جبرين كلّفه حياته وأنه مات رجماً.

قبل ان نبدأ بتسليط الضوء على هذه الكنيسة التاريخية والتراثية الأروع

نود ان نسجل هذه الملاحظة لرواد موقعنا الأحباء

مانشرناه هنا في موقعنا، هو تجديد لمقال كتبناه عن هذه الكنيسة في موقعنا القديم الذي كان اسمه بالعربية والانكليزية: “تاريخ الكنيسة” يعود الى أكثر من عقد ونصف مضى، اضافة الى أننا سبق لنا ونشرناه في النشرة البطريركية لسان حال البطريركية الانطاكية الارثوذكسية في العقد الاول من القرن الحالي، وفي موقع البطريركية المحدث حين تنصيب غبطة البطريرك يوحنا العاشر في شباط 2012 والذي تم استبداله بموقع البطريركية الحالي، وكل هذه المنشورات التي كانت فيه ونقلناها الى الجديد حق لنا…كما يؤكد القانون…

نسجل بكل أسف أنه لم يسبقنا أحد في تسليط الضوء على كنيستنا هذه، وكان هذا المقال هو الاول الذي وثق لهذه الكنيسة، وقمنا لأجله ببحث ميداني شامل ومتعب، عملنا عليه طويلاً استطلعنا فيه الكنيسة بناءً وسجلات وأيقونات وأحجار ونقوش ومنمنمات هذا الصرح وكنيسته…وراجعنا ووظفنا به الوثائق والمخطوطات البطريركية الموجودة بتصرفنا بصفتنا الرسمية “امين الوثائق البطريركية” في المكتبة البطريركية منذ 1987، وراجعنا كتب تاريخ الكنيسة خاصة والتاريخ الدمشقي عامة ، وبعد استطلاع آراء الكثير من الشهود من المسنين من أبناء المحلة…بجهد طال لأكثر من سنة…

فوجئنا!!!

الآن بأن مقالنا هذا منشوربالحرف وحتى في التشكيل والتنوين… في الكثير من المواقع الموسوعية، والمعرفية، والمسيحية، والارثوذكسية… وبدون إسمنا او حتى لمجرد الاشارة الى المصدر، مع بالغ الاسف مع اختفاء مقالنا الاصل من موقعنا الجديد…!!!لأسباب نجهلها…

وهذا مادفعنا الى تجديد نشر مقالنا ذاته في مدونتنا وموقعنا هنا عن هذه الكنيسة بثلاثة أقسام نظراً لكبره،مع تغيير شامل في الكثير من القسمين الاول والثاني… اما القسم الثالث فلم نتمكن من التغيير كثيراً لأنه وصفي، ونؤكد للباحثين انهم إن وجدوا تشابهاً مع مانشرته المواقع الاخرى فمنشأه مقالنا الأصل…لذا حصل التشابه او حتى التماثل…

وقد اعتمدنا للتمييز ما أمكننا استخدام اشارة قوسين صغيرين (“)في اول الكتابة الأصل وآخرها للدلالة على أصالة مقالنا وما احدثناه هنا أحطناه بقوسين كبيرين( ).

لقد أردنا لفت الانتباه في مقالنا المكررهنا في موقعنا الى حقنا المسلوب منا من قبل مواقع لم ولن نذكرها بالإسم، ولكن كنا نجلها جداً بسبب ما كنا نعرفه عن مصداقيتها وواجبها الاخلاقي، وكان عليها ان تلتزم بأدنى حق من حقوق النشر… ونسجل ذلك عليها بعتب…وذلك للأمانة التوثيقية وللتاريخ ولحقنا المسلوب.

انتهى القسم الثاني

حواشي القسم الثاني

(1) الوثائق البطريركية

(2) لا سيما وقد أُثقلت بالديون، ورهنت وباعت كل أوقافها لصالح إطعام الجياع في مجاعة السفر برلك، وأيضاً البطريرك غريغوريوس باع ورهن مقتنيات الكنائس الثمينة وحتى صليبه الماسي المهدى له من قيصر روسيا 1913 ليضعه في مقدمة اللاطية، فقد باعه لهذه الغاية. انظر سيرة البطريرك غريغوريوس في موقعنا هنا باب “أعلام الكنسيون”

(3) شهادات شفهية.

(4) “كنيسة مريم” او الكاتدرائية المريمية فقد اغلقت منذ635-705 حيث عدت أملاك دولة وأغلقت، لوجودها على الخط الفاصل بين شطر المدينة الشرقي الذي دخله المسلمون بقيادة خالد حرباً وحُولت كنائسه ال16 الى مساجد، وشطر المدينة الغربي بقيادة أبي عبيدة صلحاً بالتنسيق مع سرجون النصراني (جد القديس يوحنا المعمدان) وبقيت كنائسه سالمة ومنها كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان، وإن تحولت تدريجياً كلها الى مساجد بعد تحويل الكاتدرائية الى الجامع الأموي…

(5) د. أسد رستم، كتاب تاريخ انطاكية الجزء 3

(6) عبر وثائق ابرشية دمشق وسواها، (الوثائق المهداة بعد الدمار من أصحابها كوثائق المغفور له السيد ديمتري شحادة)

(7) اول اساقفة دمشق وهو من نصَّر بولس الرسول.

(8) شهود فضلوا عدم ذكر أسمائهم، حيث كان الحي مسيحياً أرثوذكسياً بالكامل كما حي الموصلي السابق والموازي له قبل تفشي الكثلكة عام 1724 والاعتراف بها رسمياً عام 1835م.

(9) المصدر ذاته، بنتيجة التبشير كالعادة، وباستغلال الخلاف بين الميادنة والرياشنة الذي استمر منذ مابعد 1860 الى مطلع القرن20 وتسلط الرياشنة على الكنيسة ومؤسساتها، عندها فتحت هذه العائلة بيتها للصلاة امام الكهنة الكاثوليك لعائلات جديدةغيرها اعتنقت الكثلكة.

(10) المصدر ذاته

(11) حارس باب الحارة هو الذي كان يتولى إغلاق باب الحارة عند الغروب وفتحه عند شروق الشمس صباح اليوم التالي. وكان ممكن ان يُحكم بالاعدام لذلك تم الامر بسرية بالغة.

(12) الوثائق البطريركية، وثائق الكنيسة.

(13) أشرنا وأكدنا بالاستناد الى معلمنا مؤرخ الشام الخوري أيوب سميا ان بيت يهوذا الدمشقي الذي حصلت فيه معمودية شاول بيد حنانيا كان في محلة مئذنة الشحم (حالياً) بجانب البزورية وقد آلت ملكية هذا البيت الى آل الحكيم المسلمة الدمشقية وكان ذلك في ستينيات القرن 20

يتبع في القسم الثالث


القسم الثالث كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان

$
0
0

القسم الثالث

كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان

كنيسة القديس حنانيا الرسول

– كنيستنا العريقة هذه من الكنائس التاريخية الارثوذكسية الدمشقية الاربع، الكاتدرائية المريمية، كنيسة الصليب المقدس، كنيسة القديس يوحنا الدمشقي، وكنيسة القديس حنانيا الرسول، وجميع هذه الكنائس رائعة الوصف…

هذه الكنيسة تعبق منها رائحة البخور والايمان والجهاد المسيحي منذ زمن طويل.


موقع الكنيسة

تقع هذه الكنيسة الرائعة والاقدم في دمشق بعد مريمية الشام في حي الميدان العريق، زقاق القره شي وهو احد الأحياء المسيحية التاريخية العريقة في محلة الميدان التي كانت خارج دمشق بينما هي الآن أحد أحياء دمشق.

في التسمية

1– القرشي أو القره شي
محلة وزقاق، في حي الميدان الوسطاني وسمي هذا الزقاق بهذه التسمية نسبة الى مسجد الوالي القرشي الكائن في مدخل الزقاق على الطريق العام، ويؤكد الباحث المرحوم الدكتور قتيبة الشهابي:” أنه لم يجد عند هذا الوالي أية معلومات او ترجمة…”

2- الموصلي زقاق يقع في محلة القرشي في الميدان الوسطاني، وهو يسبق زقاق القرشي ويوازيه، ثم يلتقيان داخلاً بواسطة مدرسة القديس حنانيا الرسول التي تصل عرضانياً مع حرم الكنيسة بين زقاقي القرشي والموصلي.

اما تسميته بالموصلي فتنسب بدورها الى جامع الموصلي الموجود فيه الذي أنشأه أحد أفراد أسرة الشيباني – الموصلي الصوفية.

في وصف الكنيسة

(كما وصفتها ميدانياً في مقالي الذي تم اختلاسه بكل اسف، وفق ماأشرت اليه في ملاحظتي السابقة حيث قلت في مقالي الوصفي:)

خارجاً إذا مررت من امام الكنيسة، فإنك لاتعلم أنها كنيسة،” (الا من خلال بابها الحديدي الأسود، الذي يتوسط كل درفة منه صليباً حديدياً ابيض اللون) “فهي عبارة عن بيت عربي يبلغ طول حائطه في زقاق القرشي حوالي 17/ متراً/ وقبيل زاويته الغربية بحوالي مترين اثنين يقع باب الدار الحديدي ( الذي اشرنا اليها في اول الفقرة) بشكله البسيط الذي لايحوي أية زخارف، ويلاصقه غرباً شكل مقنطر للباب الأصلي وهو مسدود حالياً بعلو حوالي /2متر/ في ذروة القنطرة، ومما لاشك فيه أن هذا الحائط تغيرت معالمه الأصلية، فهو بني بالحجر الأسود البازلتي كما بنيت الكنيسة ورش برشة اسمنتية دهنت باللون الأبيض الداكن حين الترميم.

ولولا وجود لافتة رخامية “ساكف” تعلو الباب كُتب عليها

حارة الكنيسة اي "زقاق القوره شي"
حارة الكنيسة اي “زقاق القوره شي”

“كنيسة القديس الرسول حنانيا الأرثوذكسية تأسست عام 1815”

فلا كان بإمكان أي غريب عن هذا الحي أن يعرف أنه يمر بجانب كنيسة لها عراقتها مع عراقة موقعها.

تدخل من هذا الباب مباشرة الى حرم الكنيسة الداخلي الجنوبي فتجد أنك في ساحة سماوية أبعادها 4/10متقريباً بسيطة تشابه مثيلاتها في البيوت الدمشقية المصنفة (بالشعبية البسيطة) ومن الجهتين الشرقية والغربية غرف أرضية وأخرى علوية.”

داخل الكنيسة

“الكنيسة مربعة الشكل مؤلفة من طبقة أرضية و(“شعرية” علوية لصلاة “النساء كما في كل الكنائس الارثوذكسية التقليدية)، “وقبة مربعة أبعادها 13/11م تقريباً عند قاعدتها، يبرز رواقها حوالي 2م في جهاتها الجنوبية والغربية والشمالية.

يحيط بها من جانبيها الجنوبي والشمالي فناء مكشوف عبارة عن فسحة سماوية، أوسع في شماله من جنوبه 16/111م تقريباً يأخذ كما أسلفنا شكل الدار العربية البسيطة، أما جانبها الغربي فهو عبارة عن دهليز مسقوف يتسع قليلاً ويؤدي الى درج الشعرية (يسار الداخل) هذه الشعرية تمتد داخل الكنيسة مع البروز على الأروقة من الجهات الثلاث الجنوبية والغربية والشمالية، أرضيتها ممدودة بخشب الحور والصفصاف تماماً كسثوف البيوت العربية الجميلة،وقد بلطت بالبلاط الكبير المجزع الأبيض، تفصل بين البلاط فواصل من البلاط ضيقة سوداء، كما بلط داخل الكنيسة.

حُمل الرواق من جهته الجنوبية على ثلاثة أعمدة من الحجر البازلتي الأسود (تدل على تاريخ سحيق للكنيسة يعود الى العصر الروماني تاريخ بناء الدير) مربعة الشكل40/40سم، وأربعة قناطر(تصل بين هذه الأعمدة). ومن جهته الشمالية حُمل على عمودين مماثلين وثلاث قناطر متكئة على الحائطين الشرقي والغربي (توحي بهذه العراقة والعصر الروماني الذي تنتمي اليه).

ومن جهته الجنوبية حيث الدهليز حُملَ على عمودين اسطوانيّي الشكل من الحجر البازلتي الأسود دون تيجان مزخرفة، مع قنطرتين مقابلاً للباب الغربي والى اليسار (بدورها تدلنا على التاريخ الحقيقي للكنيسة بأصلها كدير).

بجانب العمودين، دَّرَّجْ الشعرية المستند على الحائط الغربي والمؤلف من 18 درجة من الحجر البازلتي الأسود، وله درابزون خشبي جميل حتى الدرجة السابعة، حيث يوجد باب خشبي فاصل، ثم يتابع صعوده إلى داخل الشعرية، حيث وُضعت فيها مقاعد لجلوس النساء، وتطل على صحن الكنيسة، وأُحيطت بخص خشبي على عادة الكنائس التقليدية، وخاصة في عصر الانحطاط العثماني لئلا يُنظَرْ إلى النساء (كي لايقع الرجال المصلين في العثرات)(1) بينما كانت الكنيسة الكنيسة مخصصة للرجال.”

بوابة الكنيسة في زقاق القوره شي
بوابة الكنيسة في زقاق القوره شي

بجانب هذا الدرج بئر الجرسية، وفيه برج الجرسية الاسمنتي وقد كان خشبياً، لكنه كان آيلاً للسقوط (حين زيارة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع الأولى عام 1980 (2)وكنت بمعيته/ كما في كل زياراته الرعوية الى كنائس دمشق والريف ودونت عظاته البديعة رحمه الله/ ودونت عظته وكانت زيارته هذه بمناسبة عيد القديس حنانيا الرسول وأتذكر قوله حين شاهد الاعمدة البازلتية المحكي عنها ووضع يده عليها وقال: “ماهذا الجمال الرائع، هنا يجب ان تكون دار البطريركية وإقامتنا فيها”؟ ووقتها وجه بترميم الجرسية الخشبية المتداعية)

(تم ترميمه عام 1983) واستبدل ببرج اسمنتي هو الحالي يظهر من بعيد من خارج الكنيسة.

أبواب الكنيسة

للكنيسة ثلاثة ابواب تحت الأروقة، محاطة بزخارف حجرية دمشقية جميلة جداً، أما لأبواب فهي خشبية محفورة ومقطعة بفن جميل يعود الى القرن 18م، ولونها بني كبقية الأثاث الخشبي والايقونسطاس الخشبي الجميل بلونه وبطلاء البرداخ واللكر اللامع، و(نوافذ الكنيسة الأرضية والعلوية، ومقاعد المصلين).

يعلوالباب الجنوبي (ساكف حجري) كُتب عليه:

“بمعونة الرب تجدد بناء الكنيسة المقدسة سنة 1983”.

(كما يعلو الباب الشمالي للكنيسة أيضاً ساكف حجري كُتبت عليه الآية التالية:

“أدخل بيتك يارب وأسجد الى هيكل قدسك”

وأدناه الأبيات الشعرية التالية: (كالعادة في الكنائس والاديرة التي تعود الى القرن 19)

عناية الله في الميدان قد وضعت ………….للدين بيتاً بفضل الحَبر سيدنا

فيالها بيعة بالنور مشرقة………….حقاً على اسم حنانيا الرسول لنا

سراً عجيباً حوّت مذ أرخوها ………….فزنا بنيل الأماني من مخلصنا

تأسست سنة 1860 مسيحية

أما فوق الباب الغربي فتعد النقوش الحجرية هي الأصل بين هذه الأبواب الثلاثة، تعلوه رخامة كانت على مايبدو تحمل نقوش ولكنها بكل أسف كُلست حين الترميم.”

(يُفضي آخر الدهليز في يسار الجهة الشمالية الى صالون صغير للكنيسة، كُتب على ساكفه، وهو صغير من الحجر الأبيض الأبيات الشعرية التالية وتُقرأ بصعوبة بسبب الحت وضياع اللون الأسود، لذا صعدنا سلماً خشبياً لنقرأها حين إعدادنا هذا البحث الميداني):

هلموا يابني الإيمان……………. لكسب العلم وبالاتقان

داخل الكنيسة مقابل الايقونسطاس الخشبي
داخل الكنيسة مقابل الايقونسطاس الخشبي

لتغدوا بين امتكم……………….. بدوراً في حمى السلطان

فها الأولون قد فتحوا…………… بيوت الدرس بالأوطان

بدا تاريخها فتحُ………………… رجال الفضل في الميدان

1889- 1306

(وكانت هذه الغرفة هي غرقة ادارة مدرسة حنانيا الرسول الارثوذكسية لذا وُضعت هذه الكتابة لتحفيز تلاميذ المدرسة لاكتساب العلم مع الاشادة بدور السلطان العثماني راعي العلم، كما يظهر من هذه الابيات، واليوم هي صالون استقبال للرعية، وتعلو هذه الغرفة غرفة مماثلة ليس من درج للوصول اليها، لذا يُدخل اليها من شعرية النساء).

وصف داخل الكنيسة

“كنيسة تراثية جميلة جداً، حوفظ فيها على النمط الدمشقي الأرثوذكسي التقليدي وخاصة في القرن 18 ، أرضيتها مبلطة بالبلاط المجزع الكبير تفصل بينها فواصل حجرية سوداء، لها ثلاثة أروقة محمولة من كل رواق على ثلاثة أعمدة مربعة الشكل تتكىء عليها الشعرية، وآخرها في داخل هيكل الكنيسة.

فيها أيقونسطاس خشبي غير محفور له ثلاثة أبواب ملوكية فيه ثمان أيقونات يعلوها صف من 27 أيقونة صغيرة تمثل السيرة السيدية يعلوها صلبوت كبير وجميعها من فن المدرسة المقدسية مع أيقونات روسية.

يرى البعض أن الايقونسطاس لم يكن لهذه الكنيسة بسبب عدم التصاقه وتماسه مع الحائطين الجنوبي والشمالي، وفي أعلى الأيقونسطاس، وتحت سقف الكنيسة مباشرة، وضعت رايتان روسيتان جميلتان للسيد والسيد. أما سقف الكنيسة فهو مماثل لسقوف البيوت العربية الممدودة بأشجار الحور والصفصاف من أشجار غوطة دمشق، وبالنسبة لنوافذ الكنيسة:

ففي طبقتها الأرضية، توجد خمس نوافذ متقابلة من كل جانب، ونافذتان وبابان يقعان يمين ويسار الباب الغربي. عدد نوافذ الشعرية ثلاث نوافذ متقابلة من الجانبين الشمالي والجنوبي، أما نوافذ القبة المربعة فهي ست نوافذ عليا متقابلة من الجانبين الشمالي والجنوبي مع ثلاث نوافذ متقابلة من الجانبين الشرقي والغربي وهي للاضاءة.

داخل كنيسة القديس حنانيا الرسول في الميدان ايقونسطاس الكنيسة
داخل كنيسة القديس حنانيا الرسول في الميدان ايقونسطاس الكنيسة

في وسط الكنيسة تنتشر مقاعد المؤمنين في الأروقة الثلاثة، بالإضافة إلى صف من المقاعد الجدارية الخشبية على المحيط الداخلي الكنيسة، وعرشين بطريركي، وأسقفي بسيط.

أما العرش البطريركي فهو خشبي فخم مصدف متقن الصنعة، وعليه بطاقة نحاسية تحمل عبارة تفيد أنه إهداء من “كنيسة السيدة – بطريركية الروم الكاثوليك سنة 1983″، يقابله عرش اسقفي بسيط.

اما ايقونات الكنيسة فهي من المدارس الروسية والسورية وجميعها مسجلة في المديرية العامة للآثار والمتاحفن وتم اشراك 60 ايقونة منها في معارض الايقونة السورية.”

“أما قصة اهداء العرش البطريركي فرواها راعي الكنيسة السابق قدس الأب خليل هنا وهي التالية

أنه عندما تم قلع رخام كنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك المجاورة لكنيسة حنانيا الرسول،(3) ليستخدم في كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الكاثوليكية المحدثة في حي أبو رمانة الحديث في دمشق، وأُستغني عن الكثير من تجهيزات الكنيسة بما في ذلك كرسي الأسقف هذا. فقام وقتها المرحوم كرم صنيج رئيس وكالة كنيسة القديس حنانيا الرسول باستئذان وكالة كنيسة السيدة، في أخذ هذا الكرسي، وترميمه ليوضع في كنيسة القديس حنانيا وتمت الموافقة.

فأخذه الى السيد (م.ف) العامل في هذه المهنة من أجل ترميمه، (وكان فناناً في صنع المفروشات الدمشقية الخشبية المطعمة بالصدف والموزاييك).(4)

“قام الحرفي المذكور م.ف بترميمه، وبعد ترميمه (وإعادته الى حلته القشيبة الأصل)، حاول المذكور الاحتفاظ به لصالح المؤسسات الكنسية الكاثوليكية، لكن البطريركية الكاثوليكية الشقيقة لم تقبل، وقدمته إهداء مشكوراً الى هذه الكنيسة ووضعت عليه بطاقة الإهداء النحاسية. وقد التقيت بالوكيل المرحوم السيد كرم (قبيل وفاته) فأكد قصة الاهداء هذه شاكراً”.

” وصف داخل هيكل الكنيسة

تبلغ ابعاد الهيكل من الداخل2/11م تقريباً، في وسطه المائدة المقدسة، مع مذبحين مقدسين، وفيه بعض الأيقونات الروسية الصغيرة، مع ايقونات من المدرسة السورية، وهذه بحاجة (حين استطلاعنا للكنيسة) بحاجة الى الترميم، مع نسخة مهترئة لقرار ترخيص وإحداث جمعية حنانيا الرسول من وزارة الداخلية السورية برقم 1631 تاريخ 14/4/1935 بإسم السيد الياس يارد رئيس جمعية القديس حنانيا الرسول.وهذا الترخيص مؤطر ببرواز خشبي يعود الى هذا التاريخ.”(5)

ايقونة القديس حنانيا الرسول شفيع الكنيسة وامها قنديل  في هيكل الكنيسة وهي ايقونة اثرية  من المدرسة السورية تعود الى القرن18
ايقونة القديس حنانيا الرسول شفيع الكنيسة وامها قنديل في هيكل الكنيسة وهي ايقونة اثرية من المدرسة السورية تعود الى القرن18

ملاحظة

من هنا جرى تعديل على النص الاصل، وإدراجه بفقرات، وان لم نخرج في الزيادة والترتيب الجديدين عن النص الأصل، لكن وجب لفت النظر اليه…

(الظواهر العجائبية في الكنيسة

روت لنا بعض السيدات العضوات في أخوية القديس حنانيا الرسول اللواتي كن في حين استطلاعنا للكنيسة يقمن ببعض الأعمال الخيرية للفقراء وأقمن بالتالي بصلاة البراكليسي الابتهالية لوالدة الاله وكان ذلك مساء أحد الثلاثاء، حيث موعد اجتماعهن الاسبوعي.

الشفاء من السرطان

شفاء طفل مصاب بالسرطان، كان قد وصل في مرضه الى درجة الخطورة القصوى، وتساقط شعره، واعلم الأطباء اباه الملتاع أن أيام إبنه باتت معدودة، ولكن والده اتكل على الله كما كان وتابع في احضار ولده بالرغم من كل آلامه الى الكنيسة، وحضور كل الصلوات والقداديس فيها، وتناولهما الزاد الالهي، وكان راجياً وقانعاً بالرغم من سيل دموعه المستمر ان عجيبة ستشفي طفله، وفجأة مالبث طفله المدنف ان تماثل للشفاء. وقد اثبت الاطباء ان هذا الشفاء تم بما يشبه الاعجوبة، وقد روى لهم والد الطفل عن ممارسته الصلاة ومعه ولده، وخاصة بعد إشرافه على الموت واعتراف هؤلاء الأطباء أن أيامه باتت معدودة.

الأطباءإذن هم من أثبت أن شفاء الطفل تم بالمعجزة بعدما أفلسوا كأطباء في علاجه…

الأرواح الشريرة

– روت لنا رئيسة الأخوية بحضور الأب خليل هنا الراعي السابق، عن ظواهر عجائبية حدثت في الكنيسة كخروج روح شريرة كانت تتملك منذ زمن بعيد عائلة أرثوذكسية معروفة من جبل العرب، كانت تقيم في الدويلعة بعد معاناة طويلة بواسطة الصليب على رأسها وبالصلاة الحارة.

– كذلك عن سيدة مسلمة من سكان محلة القدم في آخر الميدان، وكانت تروي أن “ملك الجان الأخضر” كان يجالس عائلتها في مجالسها الخاصة، ويساكنها (السيدة) مساكنة كاملة، وكانت العائلة تستدل من فنجان القهوة الذي يشربه، دون أن يشاهدوا شاربه (ماعدا الابنة)، ومن الكرسي الذي يجلس عليه، وكان يرون حالة معاشرته لها معاشرة الأزواج مدة طويلة، وقد أحست بأعراض الحمل، وانتفاخ البطن، ثم زوال هذا الحمل فجأة ولعدة مرات، وأصبحت حياة هذه العائلة عموماً والابنة خصوصاً جحيماً لايطاق.

هذه السيدة شاهدت في نومها في إحدى الليالي، القديس حنانيا الرسول يحضر عليهامباركاً ومبتسماً، وهي اصلاً غير مسيحية ولا تعرف لا القديس حنانيا ولا غيره، فأفضت أمها بسرها الى شيخ جامع في منطقة القدم، وروت له ماتعانيه ابنتها من “ملك الجن الأخضر”. فأشار عليها بالمجيء إلى هذه الكنيسة الواقعة في زقاق القره شي، وان تطلب الصلاة من خوري الكنيسة.

الخوري المؤرخ والعلامة الاب ايوب سميا
الخوري المؤرخ والعلامة الاب ايوب سميا

وهذا مافعلته الأم حيث قابلت الأب خليل، وروَتْ له قصة إبنتها وكان يحضر اجتماعاً لأخوية سيدات الكنيسة، وأن من أشار عليها بمراجعته هو” شيخ الجامع الفلاني”، وقد رحب بها الكاهن وطلب منها إحضار إبنتها إلى الكنيسة ليقوم بالصلاة لها ونضحها بالماء المقدس، وبشهادة الشهود أفهمها أن إيمانها بالصليب وقدرته على تخليصها من الارواح الشريرة هو من يفشي ابنتها، وهي وافقت بكل سرور لأنه مطلبها لذا جاءت الى الكنيسة.

احضرت الابنة الشابة، فصلى لها ووضع الصليب على رأسها، ورشها بالماء المقدس، وسقاها منه، فأخرج الشيطان منها بعد صراع، بقوة الصليب وتطهيرها بالماء المقدس، وبالصلاة الحارة على رأسها وبايمانها الحار.

من وقتها اعتادت هذه الإبنة على الحضور مع والدتها الى الكنيسة والصلاة فيها، وتقديم قربانها في كل سنة، وهي عبارة عن شمعة بطول ابنتها، مع نذور أخرى صارت تقدمها في موعد تاريخ شفائها سنوياً.

ظاهرة الزيت

ولكن الظاهرة الملفتة والتي اطلع عليها مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع بزيارة ميدانية خاصة عاينها وأوصى باحاطتها بدرابزون لحمايتها… ولئلا تدوس الزيت الاقدام…كما أوصى بإجراء التحليل المخبري للزيت الذي يرشح مابين البلاط، وقام الاب الراعي خليل هنا بسحب البعض بمحقنة طبية واخذه للتحليل المخبري.

تبين بعد التحليل المخبري انه زيت زيتون من النوع الممتاز.

ونحن لمسناهذه الظاهرة العجائبية، وشاهدناها مع غبطته وكنا بمعيته في زيارته ليطلع على هذه الظاهرة العجائبية…

هذه الظاهرة شاهدها كل المصلين وحتى الآن بأم العين، وإن لم يثر اي ضجيج عليها كما نرى دوماً في حالات اقل منها كثيراً، والزيت منذ السنة 1990 وهو ينبع على شكل نقاط مابين البلاط في عدة مواقع في الرواق الأيسر داخل الكنيسة ويتسارع المؤمنون لمسح هذا الزيت بمناديلهم، وأخذه الى بيوتهم للتبرك به بوضعه في عبوات الزيت وبالإدهان به.

في أول الظاهرة، وبعد مشاهدة غبطته، وبتوجيه منه، قامت مجموعة من المهندسين برئاسة المهندس الشهير المرحوم فريد دوماني(6)، بكشف إحدى البلاطات فتبين تحتها وجود حصيرة من مادة “القصرمل” الشبيهة بالاسمنت، وكانت تستخدم في دمشق في القرون المنصرمة بتثبيت احجار البناء والبلاط، وهذه الحصيرة مختمرة بهذا الزيت، فأمر غبطته بإعادة البلاط كما كان وتحويط موقع رشح الزيت، وأفتى وقتها أن هذه الكنيسة قد تكون بنيت على كنيسة قديمة تعود الى العصر الروماني، كان فيها زيت للانارة، أو أنها ربما كانت تحتها مدافن رهبانية.

مدرسة القديس حنانيا الرسول المختلطة في الميدان تعود الى ماقبل عام 1925 مع الأب المدير الخوري ايوب سميا  وكادر المعلمين وهي للتلميذة السيدة ماري فاخوري مجموعة ابنها السيد جوزيف طحان
مدرسة القديس حنانيا الرسول المختلطة في الميدان تعود الى ماقبل عام 1925 مع الأب المدير الخوري ايوب سميا وكادر المعلمين وهي للتلميذة السيدة ماري فاخوري مجموعة ابنها السيد جوزيف طحان

ويمكن التوفيق بين فتويي غبطته بسهولة ومن واقع التاريخ الكنسي وخاصة في انطاكية العظمى ودمشق ومحيطها بالأخص، حيث ان كل الكنائس القديمة والأثرية اليوم كانت عبارة عن اما قلايات رهبانية، أونواويس (مدافن) في زمن الاضطهادات إلى ماقبل براءة قسطنطين الكبيرالشهيرةب “ببراءة ميلانو” عام 313 مسيحية وفيها اطلق للمسيحيين حرية العبادة، وأوقف حمامات الدم الرسمية والشعبية بحقهم، وعندها اظهر المسيحيون كنائسهم ورفعوها من تحت الارض الى ظاهرها فاشيدت الكنائس والأديرة، وفي كل الديار الشامية نرى ذلك، وكانت هذه النواويس ومنذ العهد المسيحي الاول الذي كان دموياً مدافن للشهداء، ويجتمع حولها المسيحيون الاوائل للصلاة وكسر الخبز بعيداً عن أعين السلطة الرومانية والولاة والاباطرة.

وصارت هذه النواويس – المدافن أقبية تحت الكنائس والأديرة تحفظ فيها خوابي زيت التقدمة للانارة والمسحة المقدسة، وخوابي النبيذ للذبيحة الالهية… واستمر فيها دفن الكهنة والرهبان…لذا وفق كنيستنا الارثوذكسية يتم وضع ذخائر القديسين في الكنائس الجديدة استمراراً لعادة دفن الشهداء المتأصلة.

ولما كنا قد أثبتنا في هذه الدراسة ومنذ مقالنا الاصل، أن أصل هذه الكنيسة، كان هو دير القديس حنانيا الرسول الذي بني وبقية الأديار المماثلة وأهمها دير سيدة صيدنايا البطريركي (كما اسلفنا) في العصر الذهبي الرومي مع الأمبراطور يوستنيانوس الاول حسن العبادة في العقد الثاني من القرن السادس في طول الديار الشامية وعرضها وخاصة طريق الحج الى الديار المقدسة في فلسطين، فمن الأوفق ان يكون قد بني دير القديس حنانيا على أساس صومعة راهب توفي ودفن في قلايته، أو ناووس شهيد…حمل اسم القديس حنانيا الرسول الأكثر شهرة من كل القديسين مع بولس الرسول كونه قديس دمشقي رسول وأول اسقف لدمشق ومؤسس اول جماعة مسيحية خارج اورشليم، ثم شاهد معجزات الرب يسوع في اورشليم وكان من عداد الرسل السبعين الذين حل عليهم الروح القدس في علية صهيون في اورشليم في يوم العنصرة، ليعود الى دمشق ويبشر ابناء جماعته بيسوع الحقيقي الناهض من بين الاموات، وهو الذي اختاره السيد له المجد لتنصير شاول، وقدعمده وصيره هامة الرسل.

ونمثل للكنائس اليوم في محيط دمشق التي كانت أديرة، كنيسة القديس جاورجيوس في بلودان، ودير اليونان في جبل اليونان في بلودان.(7)

ومن الأديرة التي كانت قلايات رهبانية ومدافن دير القديس جاورجيوس الرهباني البطريركي، ودير الشاروبيم، ودير القديس خريستوفوروس وثلاثتها في صيدنايا.

والاديرة المندثرة في وادي العميق على مسار العاصي في ادلب والاسكندرون وانطاكية، وسهول حلب كدير القديس سمعان العمودي ودير معرة النعمان…)

مدرسة القديس حنانيا الرسول الأرثوذكسية

هي من المدارس الابتدائية العريقة التي قدمت الخدمات التعليمية الابتدائية منذ تسعينيات القرن 19 لأبناء وبنات محلة الميدان، ومن ثم ينتقل التلاميذ والتلميذات الى مدرسة الآسية في دمشق القديمة لمتابعة الدراستين الاعدادية والثانوية، ولايزال الميادنة الارثوذكس المسنون الباقون على قيد الحياة من الجنسين يفاخرون بأنهم تلقوا العلم في هذه المدرسة التي كانت في حضن الكنيسة، كبقية كنائس ذاك الزمن، ويفاخرون باسترجاع أسماء من علمهم من معلمين ومعلمات كانوا من معلمي ذاك العصر، كما لاحظت ومنهم العلامة الخوري ايوب سميا(8). وقبله الشماس ابيفانيوس زائد.(9)

أنشئت هذه المدرسة بعد حادثة 1860 الدموية بحق المسيحيين في دمشق، وتساوي المسيحيين والمسلمين في الحقوق والواجبات نتيجة اتفاقية القرم 1856، في داخل حرم كنيسة القديس حنانيا الرسول بالقسم الشمالي من هذه الدار الكبيرة، ولكن القائمين عليها جددوها في تسعينيات القرن 19 مع تطوير مناهجها في المرحلة الابتدائية في عهد البطريرك ملاتيوس الدوماني. (10)

يفصل بين حرم الكنيسة الشمالي ودار المدرسة حائط فتح به باب، أو في الأدق تم توسيع الباب القديم منذ عدة عقود، ينزل منه ببضع درجات من حرم الكنيسة الى باحة المدرسة.

بناء المدرسة وهي عبارة عن غرف أرضية تطل على الباحة، لا تزال تحتفظ بنقوش في محيط لابواب وسواكفها، وعلى الجدران، إنما هي مندثرة وانتابها الحت.

يبلغ عدد غرف المدرسة ثمان غرف أرضية وعليا وتقع في محيط الباحة الفسيحة والجميلة وتطل عليها…

تم إغلاق المدرسة عام 1970 نظراً للنقص الحاد في عدد التلاميذ، نتيجة هجرة المسيحيين الطوعية لمحلتهم الميدان الى القصاع وسواه.

بكل أسف شابت غرف المدرسة الجميلة إحداثات بدائية لاستغلالها (بعد إغلاق المدرسة) بتأجيرها كغرف لبعض المستأجرين الواردين من حوران ووادي النصارى، مع منتفعات خشبية كمطابخ وبيوت مؤونة، هذه حدت من جمالية هذه الدار العريقة.

وكانت خطة البطريركية تقضي منذ زيارة مثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس الرابع، لاحداث مشروع عمراني استثماري في موقع المدرسة، لكن كان متوقفاً لعدم وجود التمويل، وحالياً وفي مايعانيه الوطن منذ آذار 2011 وإغلاق الكنيسة فقد صار وضع المدرسة مع باحتها مؤلم، بانتظار ان يرى المشروع النور.

حين زرناها ميدانياً في العقد التاسع من القرن 20 كانت تقطنها ست عائلات وافدة، إضافة الى عائلة قندلفت الكنيسة التي تقطن في بيت مخصص يقع في الطرف المقابل في مدخل حرم الكنيسة الجنوبي اي باحة المدخل.

لهذه المدرسة باب داخلي وباب حديدي كبير، أسوة ببقية المدارس، ويوحي للناظر إليه مباشرة أنه باب مدرسة، ويقع في زقاق الموصلي، وإلى اليسار منه تقع مدرسة القادسية المختلطة الرسمية، وكانت بيتاً لآل أبو شديد من أعيان الرعية الأرثوذكسية.

الواقع الرعوي حالياً

تم اغلاق الكنيسة لعدم وجود مصلين ولدواع امنية ترتبط بمن بقي من الرعية، منذ آخر عام 2011 وأخلي مستأجرو غرف المدرسة.

ولم يبق حالياً من المسيحيين في زقاقي القره شي إلا ثلاث عائلات، منهم بيت عائلة المرحوم ميشيل عفلق. (11)

حين اعدادنا لهذه الدراسة الأصل قبل 15 سنة تقريباً عن كنيستنا هذه، كان يبلغ عدد أبناء الرعية حوالي مائة عائلة أرثوذكسية تسكن في الميدان بأقسامه التقليدية الثلاثة وفي مخيم اليرموك وتوسع الزاهرة والتضامن، بالاضافة الى عائلات مسيحية من الطوائف الشقيقة.

اما اليوم فقد تناقص عدد السكان المسيحيين بكل طوائفهم، بشكل حاد بكل أسف، حيث يبلغ عدد عائلات الرعية الارثوذكسية 60 عائلة منتشرة في هذه الجغرافيا الكبيرة، وفريق كبير منهم من العائلات المستورة، مع نزوح الذين كانوا مقيمين في مخيم اليرموك بسبب وضعه الراهن، بقي منهم 3 عائلات في القرشي والموصلي و45 عائلة في باب مصلى، بعدما كان زقاقا القوره شي والموصلي وحارة باب مصلى مسيحية بامتياز، بقيت فقط (بكل اسف) هذه العائلات العريقة المتمسكة بمحلتها.

فتح الكنيسة مجدداً

أعادت البطريركية فتح الكنيسة مجدداً منذ بداية صوم 2015 للمصلين أبناء هذه الرعية، وتولاها راع نشيط هو قدس الاب المهندس يوسف ناصر وقد قابلناه وفهمنا منه الواقع الرعوي الحالي، وماقام به، والخطة الطموحة التي وضعها…

قام بداية بزيارة من بقي من رعية الميدان في بيوتهم، وقد حفزهم ليرتادوا كنيستهم والعودة للصلاة فيها مجدداً، والصلاة فيها بقداسين أسبوعيين الأحد والاربعاء مساء، حيث تشهد حضوراً متزايداً، وأسس جوقة ترتيل لتخدم الصلوات، وعلى مايبدو فمن ضمن خطته الطموحة لاعادة احياء الأخويات، مع مشروع جذب الميادنة أبناء الرعية المتغربين عن المحلة. ويعكف على وضع قاعدة بيانات احصائية بصفته مهندس، ويرأس المكتب البطريركي. وقد رأس المطارنة المعاونون لغبطته العديد من القداديس الالهية في هذه الكنيسة، وخاصة في عيد شفيعها.(12)

الوضع اجمالاً بعد ثلاث سنوات يعد جيداً، فالأب يوسف يزور عائلات رعيته باستمرار، وخاصة المسنين منهم، والقيام بخدمة من هو غير قادر على المشاركة بسبب تقدمه في السن.

من الجدير ذكره ان الوجود المسيحي، وكما أسلفنا، كان محترماً من مواطنيهم المسلمين، وشهدناه للأمانة والتاريخ في الاستقبال الذي جرى لمثلث الرحمات البطريرك السابق اغناطيوس الرابع بزيارته الأولى الى كنيسة القديس حنانيا الرسول، وشارك فيه مسلمو زقاق القوره شي، ويشهد دوماً مسيحيو الميدان الى الروح الاخوية التي كانت سائدة ويعيشونها مع إخوتهم المسلمين والمشاركة في الافراح والاحزان والملمات…

وحالياً يستمر هذا الوضع المحترم ونجد ان الكنيسة قد شهدت زيارات من الفعاليات الميدانية وخاصة الدينية الاسلامية، وبعض الفعاليات الاقتصادية، ويقوم الشباب بتوفير أجواء الحماية في الصلوات والقداديس وخاصة في الاعياد.

بمعنى أدق كان هذا الصرح الواصل بين زقاقي القوره شي والموصلي كان مجمعاً كنسياً وتعليمياً وخيرياً ورعوياً وروحيا واجتماعياً كاملاً، كان بمثابة دار مطرانية يضم هذه المؤسسات الارثوذكسية التي تخدم الوجود المسيحي في هذه المحلة من الميدان الوسطاني، وقد قامت عائلات الرعية (بكل اسف) بالانتقال الى القصاع، وباعت بيوتها العريقة منها والبسيطة لوافدين مسيحيين من حوران ووادي النصارى، واشترت شققاً جديدة في توسع شارع حلب في القصاع منذ أربعينيات وخمسينيات القرن 20 في البنايات الجديدة في هذا الشارع الذي تسمى شعبياً ب”شارع الميادنة”.

ثم قام الذين اشتروا بيوت القوره شي والموصلي من المسيحيين الوافدين ببيعها الى مسلمين ولم يبق اليوم الا على ما اعرف سوى ثلاثة عائلات ارثوذكسية في حيي القره شي والموصلي.

وفي جانبي هذا المجمع الجنوبي والغربي، وفي الزقاقين كانت هناك عدة دور وقفية أرثوذكسية، بيعت أيضاً مع الأسف، وأُحدثت بدلاً عنها بنايات عالية حجبت الكنيسة ومؤسساتها عن محيطها.

كلمة أخيرة

اتوجه بها بداية

الى كل من راجعتهم لأجل هذا البحث وأعطوني من وقتهم الكثير، والكثيرون منهم صاروا في رضوان الله وأستمطر شآبيب الرحمة على أرواحهم وشاكراً لهم هنا مساعدتهم لي ليبقى ذكر ووجود هذه الكنيسة الرائعة مؤبداً.

وأتوجه تالياً


الى الميادنة الأصلاء أطال الله بأعمارهم… الذين يفاخرون دوما بمحلتهم وبحارتهم في القوره شي والموصلي وبكنيستهم حنانيا الرسول ومدرستهم ويتغنون بمجدها وعراقتها… بقولي بكل الحب لهم:” لايكفي مجرد التغني بها، أناشدكم الى مساعدة البطريركية والراعي في خطوات إعادة إحياء كنيستكم ووجودكم الأصيل العريق بها، راجياً منكم دعمكم لأجلها…” وخاصة المغتربين في ديار الاغتراب الموسرين منهم داعياً اياكم الى احياء مجد كنيستكم التي تلقيتم فيها معموديتكم… وإحياء حضورها ومشاريعها الحيوية والتبرع لإجراء مايلزم لها من تصليحات وترميمات، في الافعال والاقوال، فكنيستكم الاروع يجب الا تتعاقد فهي مركزالتجذر الشامي الروحي المتجذر في هذه الارض…

الى بطريركيتنا الجليلة مثمناً قرارها بإعادة إفتتاح هذا الصرح الروحي العريق، راجياً الدعم بكل شيء… ومعلوم عن غبطة ابينا البطريرك الحبيب يوحنا العاشر انه الرئيس والقائد الذي لايألو جهداً في تدعيم كرسيه الانطاكي ورعاياه في كل مكان وسائر البرشيات الأنطاكية في الوطن والمهجربالرغم من كل المحنة والألم والتهجير والذبح وفقدان الموارد تبعاً لذلك، والاحتياج الشديد لكل رعاياه في سورية، الا انه وللتاريخ هو بناء روحي ومعمارحيث في عهده القصيرحتى الآن وقد كرس كنيستي سيدة البشارة في برزة والقديس بائيسيوس الجديدة في جرمانا،وكان قد بدأ المشروع بهما زمن سلفه المثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع وتعثر المشروع لضعف الموارد، ولكن غبطة البطريرك يوحنا اصر على المتابعة بالرغم من انعدام الامن وندرة التمويل، وترميم مريمية الشام…

هذه الآبدة الجميلة والعريقة هي صرح يعود الى فجر الوجود المسيحي في دمشق وكل الارض السورية…

وأترحم على مثلث الرحمات البناء البطريرك اغناطيوس العاشر الذي في عهده ارتفع عدد كنائس دمشق من 4 كنائس الى 13كنيسة…والذي حظيت هذه الكنيسة باهتمامه الفائق كما مر…

الى الأب النشيط يوسف ناصرا مشدداً على غيرته ومتابعته الدؤوبة هو والمتطوعين الذين آزروه ومعظمهم من خارج المحلة منذ 2015 وحتى الآن، تابع ايها الاب الجليل… الشكر للكاهن السابق الصديق الأب خليل هنا، والرحمة لأرواح الكهنة الذين سبقوه في خدمتها، فليكن ذكرهم مؤبداً وهم يحتاجون الى بحث خاص ومتكامل.

كنيسة القديس حنانيا الدمشقي يجب ان تبقى قناديلها مضاءة امام شفيعها الى الأبدفي ارض الشام ارض القداسة والطهر المعمدة بدماء الشهداء والقديسين.

حواشي القسم الثالث

(1) انظر مقالنا في موقعنا هنا بعنوان: “جناح الحريم في الكنائس”

(2) رافقته في حينها، كما في كل زياراته الرعوية الى كنائس دمشق والريف ودونت عظاته البديعة رحمه الله.

(3) بعد إحالة هذه الكنيسة إلى التقاعد بنتيجة هجرة كاثوليك الزقاق الى منطقة القصاع.

(4) وانا اعرفه شخصياً وكان رجلاً مسناً، وكاثوليكياً مكيناً

(5) نشير الى ان هذا الترخيص لم يكن هو الترخيص الأصل لهذه الجمعية، بل كان تثبيتاً رسمياً من الجهة الرسمية السورية لترخيص هذه الجمعية وغيرها، وقتئذ وافقت الدولة السورية ممثلة بوزارة الداخلية بزمن الانتداب على تثبيت تراخيص لجمعيات كنسية وخيرية مماثلة سبق وأحدثت مابعد منتصف القرن 19 ولاتزال سائدة في وقتنا الحاضر كجمعية القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية، وجمعية القديس جاورجيوس الارثوذكسية لدفن الموتى، وجمعية القديس منصور الخيرية… وجمعية نور الاحسان الارثوذكسية المنحلة.كما وانه في اول عهد بين سورية ومصر 1958 قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمنح تراخيص لهذه الجمعيات وتم نشر هذه التراخيص في الجريدة الرسمية. ومنهم جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين المحدثة عام 1912 وجمعية المستوصف الخيري الارثوذكسية المؤسسة عام 1944…

(6)المرحوم المهندس فريد دوماني، مهندس الكثير من الكنائس التي بنيت في الثلث الأخير من القرن 20 ومنها كنيسة القديس جاورجيوس الأرثوذكسية شرقي التجارة.

(7) وافقت الدولة السورية مشكورة على طلب البطريركية الأنطاكية الارثوذكسية (بعد أن أوضحت الأخيرة في طلبها، انه كان ديراً رهبانياً ارثوذكسياً يعود الى فترة ازدهار الرهبنة في سورية) بإعادة إعمار هذه الآبدة الرهبانية العريقة الخربة في قمة جبال بلودان وكان ذلك اواخر العقد الأخير في القرن 20 ، وبعد وضع المخططات من قبل مهندسي البطريركية وبدء المرحلة الاولى من تنفيذ إعادة بنائه، ولكن المشروع توقف لدواع امنية منذ بدء الحالة الاليمة في سورية مطلع العام 2011

(8) الخوري العلامة المؤرخ ايوب سميا الذي تولى ادارة المدرسة والتدريس فيها،( الوثائق البطريركية) انظر سيرته في موقعنا هنا باب (أعلام كنسيون)، ومن الذين درسوا في هذه المدرسة وفق ماعرفناه منهم مثلث الرحمات المطران انطون خوري معاون متروبوليت اميركا الشمالية، وشقيقه صديقنا السيد جوزيف، والمحامي الشهير صديقنا الاستاذ جوزيف اللحام الذي فاخر كثيراً بحسن العلاقات مع الاخوة المسلمين في الميدان… كما كان قد درس في هذه المدرسة الوزير الأسبق توفيق شامية…وجدي فارس وشقيقته اسما في طفوليتهما…عندما وفد من راشيا مع امهما وكان رب العائلة نقولا قد هاجر للعمل في اميركا…

(9) المطران ابيفانيوس زائد، انظر سيرته في موقعنا هنا / باب أعلام كنسيون

(10) البطريرك ملاتيوس الدوماني، انظر سيرته في موقعنا هنا/ باب أعلام أرثوذكسيون.

(11) المرحوم ميشيل عفلق، وعائلة عفلق ميدانية أصيلة، في هذا البيت الواسع لاتزال تعيش به زوجة شقيق المذكور وهي سيدة مسنة وهي آخر من بقي من العائلة بعد انتقال وهجرة العديد منهم داخلياً والى المهجر، وفي هذا البيت قام ميشيل عفلق بتأسيس حزب البعث في منتصف الخمسينيات من القرن 20وعقد المؤسس الاجتماعات التأسيسية الاولى ووضع المنطلقات النظرية للحزب في هذا البيت وقد ضم الحزب العديد من شباب الميدان وأغلبيتهم كانت من أقارب المؤسس ومن المسيحيين.

(12) بتوجيه من غبطة ابينا البطريرك رئس الوكيل البطريركي المطران افرام معلولي قداس عيد القديس حنانيا الرسول في عام 2017 بمشاركة وفود من سائر رعايا دمشقن بالاضافة الى الكثيرين من الميادنة الاصلاء

كانت النصيحة بجمل – قصة مثل…

$
0
0

كانت النصيحة بجمل…

ماهي قصة هذا المثل؟

يحكى أن رجلاً ضاقت به سبل العيش، فقرر أن يسافر بحثاً عن الرزق، فترك بيته وأهله وسار بعيداً.
قادته الخطى إلى بيت أحد التجار الذي رحب به وأكرم وفادته، ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده، فوافق الرجل على الفور، وعمل عند التاجر يرعى اﻹبل.
وبعد عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته ورؤية أهله وأبنائه، فأخبر التاجر عن رغبته في العودة إلى بلده، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته، فكافأه وأعطاه بعضاً من اﻹبل والماشية.
سار الرجل عائداً إلى أهله، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة، رأي شيخاً جالساً على قارعة الطريق، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حر الشمس؟
فقال له: “أنا أعمل في التجارة.”
فعجب الرجل وقال له: “وما هي تجارتك؟”
فقال له الشيخ: “أنا أبيع نصائح…”
فقال الرجل: “وبكم النصيحة؟”
فقال الشيخ: “كل نصيحة بجمل.”
فاطرق الرجل مفكرا في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلا من أجل الحصول عليه، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة.
فقال له: “هات لي نصيحة…”
فقال الشيخ: “إذا طلع سهيل لا تأمن للسيل.”
قال في نفسه: “ما لي ولسهيل في هذه الصحراء، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الحر؟
وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ: “هات لي نصيحة اخرى وسأعطيك جملا آخر.”
فقال له الشيخ: “لا تأمن لأبو عيون زرق وأسنان فُرْق.”
تأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضا وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة،
فقال للشيخ:” هات النصيحة الثالثة وسأعطيك جملا آخر.”
فقال له: “نام على النَّدَم ولا تنام على الدم.”
لم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها، فترك الرجل ذلك الشيخ وأعطاه الجمال الثلاثة، وساق ما بقي معه من إبل وماشية وسار في طريقه عائداً إلى أهله عدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر.
وفي أحد اﻷيام أدركه المساء فوصل إلى قوم نصبوا خيامهم في قاع واد كبير، فتعشى عند أحدهم وبات عنده، وبينما كان يتأمل النجوم شاهد نجم سهيل، فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ فقام سريعا وأيقظ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي، ولكن المضيف لم يكترث له.
فقال الرجل: “والله لقد اشتريت النصيحة بجمل ولن أنام في قاع هذا الوادي.”
فقرر أن يبيت على مكان مرتفع، فأخذ إبله وماشيته وصعد إلى مكان مرتفع بجانب الوادي، وفي آخر الليل هطل المطر بشدة وجاء السيل يهدر كالرعد، فهدم البيوت وشرد القوم.
وفي الصباح سار عائداً نحو أهله، وبعد يومين وصل إلى بيت في الصحراء، فرحب به صاحب البيت وكان رجلا نحيفاً خفيف الحركة، وأخذ يزيد في الترحيب به والتودد إليه حتى أوجس منه خيفة، فنظر اليه وإذا به “ذو عيون زرْق وأسنان فُرْق” فقال:” آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء.”
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من إبله وأغنامه وأخذ فراشه وجره في ناحية، ووضع حجارة تحت اللحاف، وانتحى مكانا غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه.
وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام، أخذ يقترب منه على رؤوس اصابعه حتى وصله ثم هوى عليه بسيفه بضربة شديدة.
ولكن الضيف كان يقف وراءه، فقال له: “لقد اشتريت النصيحة بجمل، ثم ضربه بسيفه فقتله، وساق إبله وماشيته وقفل عائدا نحو أهله.
وبعد مسيرة عدة أيام وصل ليلاً إلى منطقة أهله، وسار ناحية بيته ودخله فوجد زوجته نائمة وبجانبها رجل، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي به على رؤوس الاثنين.
وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول:”نام على الندم ولا تنام على الدم”، فهدأ وتركهم على حالهم، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه، ونام عندها حتى الصباح.
وبعد شروق الشمس ساق إبله وأغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به، واستقبله أقاربه وقالوا له: “لقد تركتنا فترة طويلة، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلا.”
ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام باﻷمس بجانب زوجته، فحمد الله على أنه هداه إلى عدم قتلهم، وقال في نفسه: “حقاً… كل نصيحة أحسن من جمل.”

وهي قصة المثل القائل:” كانت النصيحة بجمل.”


عن الرجاء واليأس

$
0
0

عن الرجاء واليأس

حدث أن أحد الرهبان الشباب عديمي الخبرة سقط في خطيئة خطيرة بالجسد، غادرته النعمة واستولى عليه الحزن، فقد الأمل في الله وقال انه يأس من خلاصه، ومن الحياة بشكل عام…

ترك قانون صلاته حائراً في ما يعمل، وبالكاد كان يئن: “أيها المسيح، أنرني!”

قرر أن يذهب إلى الاعتراف عند شيخه (معلمه شيخ الرهبان) وكشف حزنه. وصل، اعترف، وحكى عن فقدانه الأمل بالخلاص، وعن أن اليأس خنق قلبه كرذيلة…

قال الشيخ: “إنك تجني من الثمار على قدر الاهتمام الذي تقدمه”. ثم أخبر الراهب الخاطىء هذه القصة:
“كان لفلاح حقل بعيد عن منزله، وبالتالي فإنه أهمله تماماً. صارت الأرض مغمورة بالأعشاب الضارة. فدعا ابنه البكر وقال له:”اذهب ونظّف حقلنا البعيد، إذ لم يعد ممكناً حتى رؤيته”. وافق الابن وفي اليوم التالي سرج حماره، وجمع أدواته، وتوجّه إلى الحقل. ولكن ماذا وجد؟ يا أم الله! بدلاً من حقل وجد غابة لا يمكن عبورها من الأعشاب الضارة النامية. صفق الشاب بيديه من اليأس، وقرربالقول: “لا، لن يتم تنظيف هذا الحقل”.

استلقى في ظل شجرة وغطّ نائماً من الحزن. أسكره اليأس كما المسكرات.

بعد أن نام طوال اليوم، وأضاع الوقت عبثاً، عاد إلى المنزل

استقبله والده بقوله:”حسناً؟ هل نظّفت الحقل؟”

– “لا، يا أبي”، أجاب الابن: لم أفعل أي شيء”.

– ” لماذا لا؟ إنه من المستحيل. هناك الكثير من الأعشاب الضارة والحشيش…”

– “لم أعرف حتى من أين أبدأ.”

– ” فماذا فعلت كل اليوم؟

-” نمت ”

– “آه، نمت، أليس هذا مخزياً لك كرجل بالغ أن تنام؟! اعتقدتُ أنك أكثر ذكاء من ذلك… غداً، سوف تذهب مرة أخرى، وتنظّف حتّى ولو مجرّد قسم صغير، على حجم طولك. وما أن تنظفه يمكنك أن تنام…”

في اليوم التالي، حتّى قبل ارتفاع الشمس، كان الشاب بالفعل يحمل معوله. خلال عشر دقائق، كان قد نظّف جزءاً صغيراً من الحقل، على حجم طوله.

هذا الأمر ألهمه كما يقول المثل القديم: “البداية الجيدة هي نصف المعركة”.

سار العمل بشكل جيد، وكان الشاب يعمل بحماس، عن طيب خاطر. يأسه واكتئابه مضيا!!!

في المساء، عاد إلى البيت راضيا.ً

– “ماذا جرى؟”.سأل الأب ابنه.

– “أنا نظفت ثلاثين قدماً! سأنتهي خلال بضعة أيام”.

قال الأب: “إذا فقدنا الأمل، فإن اليأس والحزن يأكلاننا من الداخل مثل الديدان… لن يسمحا لك برفع إصبع أو هز ساق…”

وبالفعل، تمّ تنظيف الحقل تماماً من الأعشاب الضارة في غضون أيام قليلة

– “هل تفهم ما أحاول أن أقول؟” سأل الشيخ الراهبَ اليائس

-“أنا أفهم، أيها الأب”، أجاب. “لا بدّ لي من تنقية نفسي. ولكن كيف أبدأ؟”

-“أنت بدأت بالفعل، أيها الأخ. الاعتراف هو البداية الجيدة. لقد غفر لك الرب خطاياك. ولكن هذه عطيته، وأنت يجب أن تقدم شيئاً من نفسك.”

-“إذاً ايها الأب”، سأل الراهب الشاب، “أنت تقول أنه يمكن أن أصبح مسيحياً وصالحاً”.

– “بالطبع، يا أخي. أنا واثق على قدر ثقتي بأننا نرى بعضنا البعض ونتحادث…”

– “إذاً، يا أبتي!” هتف الراهب الشاب بحماس: “ماذا ينبغي أن أفعل الان؟”

قال الشيخ: “باشر قانونك الرهباني مجدداً وببطء، كرر بلا توقف: يا رب ارحم! واستعد للمناولة المقدسة. نعم، أيها الأخ، قريباً. في الوقت الحالي، مهمتك الرئيسية هي قتل شيطان عدم الرجاء واليأس.”!

– “أنا لا أعرف كيف أشكرك يا أبي” قال الراهب الشاب ثم انحنى إلى الأرض مقبّلاً أقدام الشيخ. “لقد أعطيتني السماء. أرجو أن أعود، وروحي ملأى بالفرح والنور. اليأس قد اختفى، والجنّة في قلبي.”

أنهى الأب الآثوسي قصته مع اقتباس من الكتاب المقدس: “وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ.”(أشعياء 31:40).

(من محادثة مع راهب أثوسي معاصر)



سبق السيف العذل- قصة مثل

$
0
0

سبق السيف العذل

توطئة

برزت الكثير من الأمثال التي حملت في طياتها معانٍ بليغة، منها المثل القائل: “سبق السيف العذل”. وهو من الأمثال التي تُضرب في حالة التسرع في إصدار القرارات وتنفيذها دون تفكيرٍ مسبق.

ومعناه أن القرار صدر قبل المداولة والتفكير، وبمعنى آخر الأمر الواقع أسرع من أن نلوم بعضنا، ونكثر الكلام في المسألة، وأما معنى لفظ “العذل”، فهي اللوم والعتاب والتأنيب. ويقال هذا المثل للإنسان الذي يحاول أن يغير أمراً قد وقع حتماً، فيقال له، أو بمن يراجع أمراً معيناً دون جدوى وفائدة مما يفعل، فيقال له هذا المثل، من باب أن الأمر انقضى وانتهى. هذا ما يعنيه مثلنا…

قائل هذا المثل المقولة

هو ضبة (بضم الضاد، وتشديد الباء بالفتح) بن أد (همزة مفتوحة، وكسر مشدد للدال) بن طابخة بن إلياس بن مضر.
“ضُبَّة بن أَدِّ بن طابخة بن إلياس بن مضر”

المناسبة والقصة

كان ضُبَّة يملك قطيعاً من الإبل يرعاه وكان له ابنان، سعد وسعيد.

وفي ذات ليلة، لاحظ ضُبِّة أن الإبل تتفرق في جميع الاتجاهات، فطلب من ابنيه سعدٌ وسعيد أن يُسرعا لتجميع الإبل وإرجاعها مرةً أخرى.

فخرج كلٌ منهما مُسرعًا وافترقا عن بعضهما البعض خلال البحث. وبعد ساعاتٍ طويلة، عاد سعدٌ بالإبل لكن لم يعد سعيد مُطلقًا.

وبعد انقضاء مدة طويلة من البحث، خرج ضُبَّة إلى سوق عكاظ لشراء بعض حاجياته وقضاء أخرى. وخلال تواجده بالسوق، إذا به يرى رجلاً يضع على كتفيه بُردين عرفهما ضُبَّة. فهما نفس البُردين اللذين كانا على ابنه سعيد في تلك الليلة التي خرج بها لجمع الإبل ولم يعد.

فتقدَّم ضُبَّة للرجل وهو “الحارث بن كعب”، وسأله عن البُردين، فأجابه الحارث أنهما لشابٍ صادفه منذ فترة ووصفه لضُبَّة، فعرف أنه ابنه.

فعلم ضُبَّة أن ابنه سعيد مات غدراً وأن من يقف أمامه هو قاتله.

طلب من الحارث سيفه، فأعطاه السيف دون أن يعلم أن من يقف أمامه هو والد قتيله. فانقض ضُبة على الحارث فقتله.

فاجتمع الناس على الحارث المقتول ولاموا ضُبَّة في قتله وخاصة ان ذلك تم في الاشهر الحرم، وأنه استعجل في ذلك.

فقال وقتها مقولته الشهيرة: “سبق السيف العذل”.

والعذل هو العتاب، أي سبق السيف العتاب…

فأصبح المثل قولًا شهيرًا منذ ذلك الحين.


أحد الغفران

$
0
0

أحد الغفران

وهو أحد مرفع الجبن وهو الأحد الرابع من فترة التهيئة للصوم…

وهو ذكرى طرد آدم من الفردوس

توطئة

يعد أحد مرفع الجبن هو الأحد الأخير في الفترة الأولى من التريودي أي فترة التهيئة للصوم،

تُدخلنا الكنيسة بمساء الأحد في صلاة الغروب في روحانية الصوم الكبير، مازجة ايّاها بالحكمة الإلهية عبر تعاليم إنجيلية، ولذلك رتّب أباء الكنيسة أن نقرأ في هذا الأحد المقطع الإنجيلي من عظة السيّد على الجبل وفيه تعلّمنا الكنيسة ثلاثة تعاليم روحية:

الراعي الصالح

1- العدالة: يسود في العالم مفاهيم مختلفة عن الانتقام والثأر والقتل وعدم المسامحة.

نبع هذا كلّه إمّا الأنا أو الضعف البشري أو الشرّ بحدّ ذاته. اللاعدالة هو الزيت الذي يُصب على نار الشر في الإنسان. ناموس موسى ينصّ على “العين بالعين” أما السيّد فربط بين العدالة والمسامحة، فيعلّم السيّد أن بمقدار ما أواجه ظلم الناس بليونة ومسامحة سيسامحني هو بدرجة أكبر بكثير.

2- طريقة الصوم: التعليم الثاني الذي يوضحه السيّد هو الصوم، فالصوم بالنسبة للمسيح وسيلة روحية للجهاد، فيجب أن لا تكون بأسلوبٍ قاسٍ ولا ليّن (رخو) لأن هدفه تدريب المؤمن ليكون قوياً في مجابهة الشر، وبهذا يحقق الصوم معنىً وهدفاً.

3- رفض الطمع: التعليم الثالث للمسيح يتجلّى بإدانته للجشع معتبراً اياه مرضًا روحيًا، وبالتالي يغيب السلام عن الإنسان الجَشِع. ويحذّر منه السيّد في انجيل لوقا: “انظروا وتحفّظوا من الطمع” (لو15:12).
الكثير من الكنوز لا تُكتسب بالتعب بل بظلم الناس ونهب حقوقهم.

نفي آدم من الفردوس
نفي آدم من الفردوس

الإنسان الجشع لا يسعد بهذه الحياة، لأن لا شيء يشبعه، ولا في الحياة الأبدية، فلا يقيّم السيدُ الإنسانَ تبعاً لممتلكاته وكنوزه بل لقداسته، لأن بمغادرته الحياة لن يأخذ معه أي كنز سوى كنوز قلبه من الفضائل.
ترشدنا الكنيسة بهذه التعاليم إلى وجود الحياة الروحية بالإضافة للحياة الطبيعية، فيا لَسعادة هؤلاء الذين يشعرون أن بداخلهم روحًا ليست للموت.

 


جزء من معلومة تاريخية تختص بالشارع المستقيم

$
0
0

جزء من معلومة تاريخية تختص بالشارع المستقيم

– في العهد المملوكي أطلق على القسم الغربي من الشارع المستقيم سوق جقمق، نسبة إلى سيف الدين جقمق نائب دمشق الدودار.

– في العهد العثماني، قام الوالي مدحت باشا بتوسيع الشارع على حساب الدور السكنية سنة 1878، وحمل منذ ذلك الوقت اسم مدحت باشا، وقد جدد في عام 1890، في عهد رؤوف باشا، وتمت تغطيته بالحديد والتوتياء في عهد آخر الولاة حسين ناظم باشا، حماية له من الحرائق بعد أن كان مسقوفا بالخشب.‏

الشارع المستقيم او الزقاق المستقيم كما في “أعمال الرسل” من أهم الطرق من النواحي الأثرية والتاريخية والروحية، وتنبع أهميته من كونه جزءاً من الطريق الذي سلكه شاول المضطهد الفريسي( بولس الرسول) الأعمى الذي خر صريعاً على الطريق الى دمشق امام يسوع في المواجهة الرهيبة وكان آتياً ليضطهد اتباع يسوع، حيث ساقوه اعمى الى دمشق ودخل الباب الشرقي ومشى في الزقاق المستقيم ما بين بيت (كنيسة) حنانيا، وبيت يهوذا في منطقة البزورية وهناك اعتمد بيد حنانيا مؤسس الجماعة المسيحية في دمشق وهي اول جماعة مسيحية في العالم خارج اورشليم، ومنها بعد فترة في دمشق انتقل إلى باب بولس هرباً،

مريمية الشام او الكاتدرائية المريمية
مريمية الشام او الكاتدرائية المريمية

وانطلق من الأخيرة ناشرا المسيحية في العربية (حوران)، كما يضم الشارع المستقيم مريمية الشام ابنة ال20 قرناً ودارمطران دمشق منذ 705 الى 1344 ثم دار البطريركية الانطاكية منذ ذاك التاريخ والى ماشاء الله…هذا الصرح المطل على قوس النصر والشارع المستقيم معظم الكنائس المسيحية القديمة…والقصور والبيوت التاريخية…

قوس النصر تم الكشف عليه عام 1943 وهو نقطة التقاطع بين الشارع المستقيم والشارع الممتد من باب الصغير جنوباً الى باب السلامة شمالاً مروراً بدرب مريم بجانب الكاتدرائية المريمية مخترقاً شارع مريم او المريمية التي اصبح اسمها مع تمادي الزمان القيمرية (باليونانية آيا ماريا)

بقي الاسم آيا ماريا اوالمريمية في زمن الامبراطورية الرومية الى العهد الفاطمي ثم المملوكي تقريباً فتغير الاسم…

الشارع القائم حاليا ليس هو الشارع المستقيم وفق إجماع المؤرخين، ولكن هناك أجزاء من شارع مدحت باشا ولا سيما الممتدة من القوس الروماني إلى باب شرقي هي جزء من الطريق القديم، أما الأجزاء الأخرى فقد اختفت ضمن الأسواق وأصابها القدم، بفعل كوارث طبيعية أو أعمال تنظيمية جرت في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية”.‏

الشارع المستقيم المكشوف في اواخر القرن 19
الشارع المستقيم المكشوف في اواخر القرن 19

– الشارع المستقيم حسب أقوال المؤرخين كان يمتد من باب الجابية إلى باب شرقي، في حين نرى أن باب الجابية يختفي بين الأسواق القديمة، كما أن المصورين في القرن التاسع عشر التقطوا صورا للشارع المستقيم قبل أن يجدد في عهد مدحت باشا، ومنها صورة بكاميرا أنونيم فرانسيس، وقد انخفض الشارع بسبب زلازل ضرب المنطقة عن مستوى الشارع الظاهر حاليا، وهو يقع تحته بعمق يتراوح بين خمسة وعشرة أمتار.‏ وهو نفس انخفاض بيت حنانيا…

– تأكد هذا عندما جرى تجديد الشارع وإقامة بنى تحتية جديدة في عام 2007، فخلال الحفريات تم اكتشاف العديد من الآثار القديمة، وتم اكتشاف أساسات الشارع المستقيم القديم، إضافة إلى كشف أساسات وقواعد سور المدينة القديمة، وقد قال عنه الكاتب مارك توين مدينة أثناء زيارته دمشق في عام 1869، ‘الشارع المستقيم ليس بالمستقيم، إنه أكثر استواء من نازعة الفلين ولكنه أكثر انحناء من قوس قزح’.‏

وفي عام 2008، تم إعادة ترميم الشارع من أوله إلى آخره، وتم رصفه بالبازلت، وأعيدت للشارع بعض أجزائه الأثرية وبعض من قطع الأعمدة القديمة والتيجان الكورنثية التي كانت تزين الشارع المستقيم قديما، كما تم ترميم وتجديد كافة العقارات الموجودة على الجانبين، وتمت الاستعاضة عن أبواب الحوانيت والمحلات الحديدية بأبواب أخرى خشبية، كما تم تأمين بعض المساحات الخضراء وزراعتها ببعض نباتات الزينة وأُضيء الشارع بالأضواء المناسبة لتظهر جماله أكثر.

الشام القديمة القرن 19
الشام القديمة القرن 19



خربشات سياسية…18/2/2018

$
0
0

خربشات سياسية…18/2/2018

نظرة في اسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة اف 16 درّة تاج القوات الجوّية الصهيونية والاميركية…

– كانت هي المفاجأة الصاعقة للكيان الصهيوني، حيث كان هذا الكيان ومعه العدو الاميركي لسورية قد سعدا بالعدوان على سورية خلال السنوات السبع العجاف، وكانت سورية مذبوحة من الجميع، والكيان الصهيوني وداعمته اميركا تستغلان هذا لا بل تشيعان عن انفراط عقد الجيش السوري، وتساندها في بث هذه الاشاعة المدمرة قنوات الدم العربانية من الجزيرة والعربية وب.ب.س والآن و…وتنسيقيات العمالة والخيانة والتنظيمات الارهابية ووكالاتها الاخبارية…

– كان العدوان يتكرر في كل مرة تنتصر فيها القوات السورية وعلى التناوب يأتي العدوان اما من القوات الاميركية المحتلة للشرق والشمال السوري، او صهيونياً بدعم مرتزقة الجولان ودرعا والغوطة… من دون أن تتلقيا الرد المناسب لإجرامهما، ومما زاد في حالة احباط المواطن السوري المكتوي بالغلاء وقذائف الارهاب وحجم التهجير والدمار وتشييع الشهداء أن البيانات الرسمية السورية وبيانات القيادة العامة كانت تردد دوماً مقولة:”نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين…”!

مماشكل قنوطاً مطلقاً عند الشارع السوري وردود فعل تهكمية نزقة على رد الفعل الرسمي هذا…

-جاء الفرج عند هذا الشارع المحتقن من زيادة عدد شهداء وضحايا الجيش السوري والحلفاء والمدنيين الضحية من شتى الاعمار وخصوصاً في المدن الآهلة كدمشق وشرقها و…

عندما سمع بإسقاط طائرة أف الأحدث بقرار مباشر من القيادة السورية ، وهذا عنى له وهو الذكي والمفكر والمحلل، أن زمن الصمت أو الرد الهزيل قد ولّى، وإن ما هو قادِم لن يكون أقل من الـ أف16

لقد كانت سعادة الشعب السوري كله ،حتى الاطفال، بمظاهر ابتهاجية تمثلت باطلاق النار ابتهاجاً، وتوزيع الحلوى على المارة، وتخفيضات في الاسعار… مع الاعلان عن السبب…

ربما كان أدق وأجمل بل وأوفى ما قيل ملخصاً دلالة إسقاط الصواريخ السورية لطائرة ال(أف 16 ) الإسرائيلية فجر السبت (18/2/2012) هو ما عنوَنت به قناة (الميادين) الوفية التي واكبت الحدث بموضوعية وعنفوان بوصفها للرد السوري بأنه:”ردعاً …لا ..رداً”.

-لقد اثبتت ردات فعل السوريين/ ومحور المقاومة والميادين برأينا عنصر رئيس في هذا المحور/ فعلاً أن الأمر لن يكون بعد إسقاط طائرة أف16، وهي درة الطيران الاميركي والصهيوني، نزهة بل حرباً مدمّرة لطيران العدو الذي لم يعد بإمكانه ان يتنزه في الاجواء السورية، ويتوجب على الطيار الصهيوني وقيادته ان يعدا للعشرة قبل التحليق في الأجواء السورية، لأن قرار الردع السوري بالمواجهة والالتحام حتى، كما تسرب عن القيادة السورية وكما كان حال الطيران الحربي السوري منذ استخدامه الصنف البائد ميغ 17 الذي اشتبكت طائراته بالفانتوم الصهيونية بالتحامات مباشرة واسقطتها لمن يذكر في حرب 1967 ومابعده…

– تأتي أهمية قوّة الرد السوري ،مايعني أن زمن الصمت أو الرد الهزيل قد ولّى والى غير رجعة، وإن ما هو قادِم لن يكون أقل من ال أف 16، ماهو قادِم سيدخل في إطار سياسة الردع  وليس في إطار سياسات الرد، الردع لسياسة عدوانية استمرأت الصبر السوري وردّات الفعل المحدودة ، وآن لها الآن أن  تردع وبقوّة.

– لقد كان لافتاً للمراقب هزالة التغطية الإعلامية العربانية التافهة، لابل وكأني بها الاعلام الصهيوني في التأكيد على ان من قام بذلك هم الايرانيون واحياناً الروس وذلك في متابعة لتحطيم الروح المعنوية السورية للمقاتل وللشعب، وكلهم باتوا يعرفون انه قرار القيادة السورية وتم بايدي ضباط وجنود الجيش السوري الذي يحقق اعجاز الانتصارات في الجغرافيا السورية على اكثر من نصف مليون ارهابي على ارضه بحرب كونية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولايعرف الشعب السوري سبباً له وتزداد تدفقاً شلالات الدم الطاهر، عدا عن ان هذا العدوان الصهيوني لم يحظ بالحد الادنى من الاستنكار لا من الدول المسماة عربية عدا لبنان واليمن…ولا من الجامعة المسماة عربية…

– إن الإعلام الصهيوني كان أكثر مهنية وعمقاً  من إعلام العربان، واهتم بجوهر الخبر وهو (إسقاط الطائرة) وليس بالهجمات الجوية الصهيونية وعدواناتها المستمرة، والتي صارت من كثرة تكرارها حدثاً عادياً في سياق العدوان الكوني المستمر على سورية منذ سبع سنوات بالتنسيق والتخطيط مع الجماعات الإرهابية الداعشية، ولنتأمل نماذج ما قاله الإعلام الصهيوني فربما يتعلّم  إعلامنا ويكون أكثر مهنية ويتجاوز دور الببغاء في نقل وتكرار كل ما تبّثه وكالات الأنباء الغربية من دون تمحيص وتحليل…

– أليكس فيشمان، محرّر الشؤون العسكرية في (جريدة يديعوت أحرونوت )قال: إنّ سورية استخدمت لإسقاط المقاتلة الإسرائيليّة صواريخ من طراز “سام 5″، التي تُعتبر بدائيّة، مُقارنة بالدفاعات الأرضيّة والجويّة التي يمتلكها الجيش العربيّ السوريّ، والذي حصل عليها من روسيا، وتساءل: “كيف لصاروخ من هذا الطراز الـ”بدائيّ” أنْ يتغلّب على طائرة أف16 الإسرائيليّة، دُرّة التاج لسلاح الجو”ّ، على حدّ وصفه، “وهي المُقاتلة الحربيّة الأكثر تقدّماً في العالم، وتمتلك منظومات متطورّة للغاية”.

– ونحن نؤكد له بدورنا الى ان هذه الصواريخ هي من منظومة صواريخ سام التي اسقطت الطيران الصهيوني في سماء دمشق في حرب تشرين 1973 وبلغ في يوم واحد عدد الطائرات التي اسقطتها صواريخ سام في دمشق ومحيطها 110 طائرات. لقد تم تطويرهذه الصواريخ ومنها السام 5 بخبرات سورية متميزة وكان ممن طوروها اللواء الشهيد د المهندس نبيل زغيب الذي اغتالته العصابات الإرهابية مع زوجته وولديه الشابين… وكذلك وزير الدفاع السوري الشهيد العماد داوود راجحة… في تفجير مبنى الأمن القومي 2012 لذلك ضرب الارهاب التكفيري كل شبكات الدفاع الجوي واحتل المطارات ودمر الطائرات كي لاتُستخدم في مواجهة العدوانات الصهيونية المتكررة مايدلل على شراكة العدو الصهيوني مع الارهابيين…

– في  رأي مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، إنّه للمرّة الأولى تدخل إيران وإسرائيل في مواجهةٍ مباشرةٍ، مُشيراً إلى “عدم وجود القوّة الدوليّة الكُبرى التي بإمكانها وقف التدهور إلى حرب الشمال الأولى”.

ونعود لنؤكد له ما اكده السيد حسن نصر الله مؤخراً ان القرار بالتصدي وفعل التصدي سوري بالمطلق ومن القيادة والجيش السوريين.

– إن الاعتداءات الإسرائيلية السابقة لم يكن يردعها الردود التقليدية وقت حدوثها والشكوى الى مجلس الأمن، فإن الوسائل التقليدية في الرد على هكذا عدوان لم تعد تُجدي ولم تعد في حسبان سورية وحلفها، بل إن سقفها في المواجهة للتهديد الصهيوني قد ارتفع، ومن هنا جاء قرار إسقاط ال أف 16 وكل الطائرات والصواريخ المغيرة وبقرار من رئيس الجمهورية بالذات وخلال 3 دقائق مع التحام جوي بين الطائرات السورية والطائرات المعادية ان كان ميزان التفوق الصهيوني في الطيران أعلى…

– إن بيان قائد غرفة حلفاء سورية الصادر بعد الحادثة مباشرة يؤكد أن ما هو قادم أخطر وأقوى، وبعد أن فنّد أكاذيب الكيان الصهيوني بان سورية او ايران هي التي اعتدت عليه بالطائرات المسيرة بالقول:

“إن هذا العمل الذي  قام به الكيان الصهيوني عمل إرهابي مُدان لن يتم السكوت عنه من الآن وصاعداً، وسيشهد أي اعتداء جديد رداً قاسياً وجدياً، يتناسب مع الوضعية الخاصة به”، ونفس المعنى كرّره بيان الحليف الوفي الأهم والأقوى اقليمياً – وجغرافياً – لسورية ونقصد به حزب الله ، حيث أشاد الحزب في بيان له بيقظة الجيش السوري الذي تصدّى ببسالة للطائرات الإسرائيلية المُعادية وتمكّن من إسقاط مُقاتلة من طراز أف 16، مُعلناً بداية مرحلة استراتيجية جديدة تضع حداً لاستباحة الأجواء والأراضي السورية.

كذلك أكّد الحزب وقوفه الثابت والقوي إلى جانب الشعب السوري في الدفاع عن أرضه وسيادته وحقوقه المشروعة”

-هذا  يعني ببساطة إننا أمام مرحلة جديدة  في استراتيجية الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على سورية وردعها، مرحلة عمادها (كما قال عن حق نتانياهو ) إن سورية قد “استعادت اليوم الثقة بالنفس أكثر”- والحق ما شهد به الأعداء –  بعد سبع سنوات عجاف دمرت فيها سورية شعباً وجيشاً وبنى وجاع ماتبقى من الشعب بالعقوبات الدولية الظالمة.

 -لا بد من اليقظة وعدم الارتكان إلى نشوة النصر بإسقاط طائرة اف16، فهذا العدو وحلفه (الدولي والخليجي)، غادِر…بطبعه، والمواجهة معه طويلة ومعقّدة، وهى تحتاج  إلى استراتيجية أشمل من قِبَل حلف المقاومة الذي يتمدّد وينتصر من موسكو إلى طهران وبيروت وغزّة…على القاعدة الصلبة، دمشق محور المقاومة وقلب العروبة النابض، ان استراتيجيةهذه القاعدة الصلبة تنطلق من  أن ليلة إسقاط ال أف 16…هي البداية في زمن المواجهة ل”ليلي الغدر الصهيوني- الأميركي – الخليجي- التركي –الأوربي” وليس النهاية . ولاشك في أن محور المقاومة يُدرك ذلك جيّداً، كما جاء في خطاب السيد حسن نصر الله الأخير في مهرجان الشهداء القادة خير جواب وستنتصر سورية جيشاً وشعباً وقيادة مع محور المقاومة…



اللجنة الدولية للصليب الأحمر

$
0
0

اللجنة الدولية للصليب الأحمر

تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ك“حارس للقانون الدولي الإنساني”، وهو دور معقد ذو صلة وثيقة بتأسيس اللجنة نفسها، وعهد به إليها فيما بعد رسمياً من قبل المجتمع الدولي. وتقدم هذه المقالة الجوانب المتعددة لهذا الدور وتدرس نطاقه في السياق المعاصر.

  مقدمة

اللجنة الدولية للصليب الأحمر معروفة أولاً وقبل كل شيء بعملياتها الميدانية في مساعدة ضحايا النزاع المسلح والعنف الداخلي في أنحاء العالم كافة

والمعروف بدرجة أقل هو نطاق دورها ” كحارس ” للقانون الدولي الإنساني، وهو القانون المنطبق في حالات النزاع المسلح. وهذه الوظيفة المعقدة ذات صلة وثيقة بتأسيس اللجنة الدولية، وقد عهد بهذا الدور إليها لاحقاً من قبل المجتمع الدولي. وتحاول هذه المقالة تحديد دور الحارس بصورة أدق وإعطاء مفهوم أكبر لدلالته.

أولاًـ النشأة والتطور

يرتبط إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر  كغيرها من المؤسسات، بأوضاع تاريخية معيّنة، إلاّ أنّ ما قد يميّزها من سواها هو انطلاقها من ميادين القتال، ومواكبة أعمالها للحروب، منذ ما يناهز قرناً ونصف قرن من الزمن. ونبعتْ فكرة إنشاء هذه المنظمّة من ميدان معركة دارت رحاها بين الجيش النمساوي والقوات السّاردية المتحالفة مع الجيش الفرنسي في 24 حزيران 1859، في سولفيرينو الواقعة في شمالي إيطالية.

انجلتْ المعركة، بعد ست عشرة ساعة من القتال، عن سقوط أربعين ألف ضحية، بين قتيل وجريح، وصادف ذلك وجود مواطن سويسري من جنيـڤ ساقه القدر إلى مشاهدة الجثث والأشلاء المتناثرة في ساحات القتال والجرحى الذين راوح مصيرهم بين الموت والحياة. هذا الرجل كان اسمه “هنري دونان” الذي طرق باب امبراطور فرنسا، نابليون الثالث، الذي كان يقود جيشه في تلك المعركة، سعياً للحصول على تسهيلات عقارية في منطقة سطيف الجزائرية، إذ كانت الجزائر ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي، وشُغل دونان عن مسعاه لدى نابليون الثالث بمساعدة الجرحى والمرضى ومناشدة الأهالي بذل ما في الوسع لإنقاذهم والتخفيف من آلامهم، أيّاً كان الطرف الذي ينتمون إليه. وأوحت له مشاهداته الأليمة وضع كتاب بالفرنسية سمّاه “ذكرى من سولفيرينو”، نشره في جنيـڤ عام 1862.

ضمّن هنري دونان كتابه اقتراحيْن اثنين، دعا أولهما إلى إنشاء جمعيات إغاثة زمن السلّم تضمّ متطوّعين مستعدين لرعاية الجرحى ومساعدتهم زمن الحرب، وثانيهما إلى إبرام اتفاق دولي يكفل حماية المتطّوعين العاملين في الخدمات الطبية العسكرية.

تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر

تشكلت لدراسة هذين المقترحين والعمل على تنفيذهما. ومهد كتاب هنري دونان الطريق بدرجة جيدة للغاية لدرجة أن الاقتراحين كليهما كانا ناجحين للغاية. وفي نهاية 1863، في نفس العام الذي تأسست فيه اللجنة الدولية، تأسست أول جمعيات مساعدة تطوعية – “الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر المستقبلية”.

في 22 آب من العام التالي، 1864، اعتُمدت “اتفاقية تحسين حال جرحى الجيوش في الميدان”. وكانت هذه الاتفاقية هي منشأ “القانون الدولي الإنساني.”

إذن تأسست “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في 1863 لدراسة مقترحات هنري دونان في كتابه ” تذكار سولفرينو ” . فإنه بعد أن وجد دونان نفسه فجأة في ميدان المعركة الفظيع هذا بالصدفة، استجاب لما رآه بنفس الطريقة تماماً التي أصبحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تستجيب بها لحالات الحرب طوال تاريخها.

كانت فكرته الأولى هي تقديم مساعدة عملية للجرحى. ومن غير سابق تفكير، طبق (مبدأ الإنسانية – السعي) ” لمنع وتخفيف المعاناة أينما وجدت “– الذي ما زال (المبدأ الأساسي لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر بأكملها)، وقام فورا بعمل كل ما باستطاعته لتنظيم المساعدة لآلاف الجرحى الذين تُركوا ليموتوا حيث سقطوا. وأُطلق على اللجنة اسم “اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى العسكريين”، وقامت هي نفسها بتغييره إلى اسم “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، بموجب قرار صادر أواخر العام 1875. وأصبحت تلك التسمية شائعة منذ عام 1880.

وتأييداً لأفكار دونان، تولّت “جمعية جنيڤ للنّفع العام”، وهي مؤسسة خيرية أهلية، تأليف لجنة من خمسة أعضاء للنظر في مقترحات دونان. وإضافة إلى هذا الأخير ضمّت “لجنة الخمسة” الحقوقي “غوستاف مونييه”، وقائد الجيش السويسري سابقاً “غيوم هنري دوفور” والطبيبيْن “لوي آپيا” و”تيودور مونوار”.

ومنذ قيامها، دعت لجنة جنيـڤ إلى عقد مؤتمر دولي لبحث المقترحات الواردة في كتاب دونان المذكور، وعُقد المؤتمر في جنيـڤ في أكتوبر 1863 وحضره مندوبو ستّ عشرة دولة وأربع مؤسسات خيرية. ومن ضمن توصياته، أقرّ المؤتمر شارة “صليب أحمر على رقعة بيضاء”، وهي العلامة التي بادرت إلى اتخاذها اسماً ورمزاً جمعيات وطنية، أسّست في أوربا انطلاقاً من فكرة دونان، قبل أن تعتمدها اللجنة الدولية. وظلّت عبارة “الصليب الأحمر الدولي” ردحاً من الزمن تطلق على حركة عالمية تضمّ أيضاً جمعيات “الهلال الأحمر” إلى أن اعتمدت الحركة ذاتها تسميتها الرسمية الحالية وهي “حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية”. (طبقاً لقرارات المؤتمر الدولي الخامس والعشرين لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية، جنيڤ 1986).

وتلبية لتوصيات مؤتمر 1863 نظّمت الحكومة السويسرية مؤتمراً دبلوماسياً في جنيـڤ عام 1864 شارك فيه مندوبو اثنتي عشرة حكومة وأقرّوا معاهدة دولية حملت اسم “اتفاقية جنيڤ لتحسين حال العسكريين الجرحى في الميدان” (القوات البرّية)، وذلك في 22/8/1864، وهي أولى معاهدات القانون الدولي الإنساني الحديث الذي عرف تطوراً تدوينياً ملحوظاً حتى كتابة هذه السطور.

ثانياً ـ الطبيعة القانونية

عند نشأتها في أواسط القرن التاسع عشر، اتخذت “لجنة جنيـڤ” صفة “دوليـة” انطلاقاً من عملها الذي اقترن بوقائع الحروب خارج بلد المنشأ، سويسرا. ولفظ الدولي لم يكن له آنذاك المدلول الذي يعينه اليوم، إذ كان يقتصر على العلاقات بين الدول، وهذا ما حدا حقوقياً ودبلوماسياً بارزاً على القول: “لا أعرف أيّ جزء من علم القانون أو من العلم الإنساني يمكن أن تلحق به المؤسسة المدعوّة لجنة جنيـڤ (الروسي دومارتنز: «1845ـ1909»). وبصفتها منظمة خاصة فإنها، كسائر الجمعيات في سويسرا، تخضع لأحكام القانون المدني السويسري، وتحديداً المادة (60) من هذا القانون وما يليها. إلاّ أن هذا الارتباط ببلد المنشأ والمقرّ لا يُلغي صفة اللجنة الدولية، سواء من حيث عملها أو علاقاتها القانونية بالدول والمؤسسات الدولية. وليس صحيحاً أنّ اللجنة الدولية مجرّد “منظمة دولية غير حكومية” (NGO)، لكنها أيضاً ليست منظمة دولية حكومية، إذ لا عضوية للدول فيها، وهي لا تمثّل الدولة السويسرية أو مجموعة دول معيّنة. والحقيقة أنّ طبيعة اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركّبة؛ أي إنها مزيج من الوطني (الانتماء والمقرّ) والدولي (الوظائف والعلاقات). ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه المؤسسة وسيط إنساني محايد في حالات النزاع المسلّح والحالات الأخرى التي تعمل فيها. وسندها القانوني للعمل لفائدة ضحايا الحروب هو مواثيق القانون الدولي الإنساني، أي المعاهدات الدولية التي منحت الأطراف المتعاقدة بموجبها صلاحيات محدّدة للجنة الدولية. أما في الحالات الأخرى فإن عمل اللجنة الدولية يستند إلى اتفاقات بينها وبين الدولة أو الدول المعنية، إضافة إلى إجراءات التنسيق والتبادل بين هذه المنظمة والمؤسسات الأخرى داخل حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولية أو خارجها.

واستناداً إلى ذلك كله تتمتّع اللجنة الدولية بالشخصية القانونية الدولية التي تمنحها وضعاً يمكّنها من حصانات وامتيازات لأداء مهامّها، مثل الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وحصانة مقارّها وممتلكاتها والحصانة القضائية شأنها في ذلك شأن المنظمات الحكومية، كالأمم المتحدة ومؤسساتها والمنظمات الإقليمية، علماً بأن اللجنة الدولية مستقلّة أيضاً عن مثل هذه المؤسسات. وهذا الوضع الخاص (sui generis) باللجنة الدولية مكّنها من عقد اتفاقيات مقرّ مع الدول التي لها فيها بعثات، وينطبق ذلك على اتفاقية المقرّ التي عقدتها مع الحكومة السويسرية، لأن مقرّ اللجنة العام يقع في جنيـڤ (عقدت اللجنة الدولية اتفاقية مقرّ مع الحكومة السويسرية عام 1993). ومنحت الأمم المتحدة اللجنة الدولية صفة مراقب لدى الجمعية العامة (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/6 بتاريخ 16/10/1990)، وبعدها لاتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/2 بتاريخ 27/10/1994 الذي منح الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر صفة مراقب لدى الجمعية المذكورة). وللّجنة وضع مماثل لدى عدّة منظمات دولية حكومية إقليمية أو غيرها.

ودعّمت قرارات قضائية وطنية ودولية صفة اللجنة الدولية وطابعها الدولي الخاص بتأكيد الحصانة القضائية وإعفاء موظفي اللجنة السابقين وغيرهم، من الإدلاء بشهادتهم أمام المحاكم، وعلى سبيل المثال فرّقت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بين وضع اللجنة الدولية ووضع المنظمات الدولية الأخرى بناءً على وظائف اللجنة الدولية وطبيعتها القانونية الدولية وحقها في عدم الإدلاء بشهادة أمام القضاء بسبب ما قد يكون لذلك من آثار وعواقب وخيمة على الضحايا أو أسرهم (قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في قضية المدعّي العام ضد سيميتش ومن معه، بتاريخ 27/7/1999، الصادر عن الدائرة الابتدائية). وهو ما أيّده واضعو قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية (القاعدة 73).

ثالثا ـ الإطار التنظيمي

1ـ الجمعية

طبقاً لنظام اللجنة الدولية الأساسي تمثّل “جمعية” (Assembly) اللجنة أعلى جهاز فيها لرسم ملامح سياستها العامة والإشراف على نشاطاتها وتحديد أهدافها العامة وخططها، والموافقة على الميزانية والاطّلاع على الأمور المالية. ويمكن للجمعية تفويض مجلسها للقيام ببعض مهماتها. وتتكون الجمعية من أعضاء اللجنة، ويراوح عددهم بين خمسة عشر وخمسة وعشرين عضواً جميعهم من السويسريين يُعيّنون بالاختيار، ويجري انتخابهم كل أربع سنوات. ويمكن للعضو أن يُنتخب ثلاث دورات، وما زاد عليها يوجب الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع أعضاء اللجنة كافة. ويمكن انتخاب أعضاء شرف.

2ـ مجلس جمعية اللجنة الدولية

هو جهاز يعمل تحت إشرافها ويتخذ القرارات التي تقع في إطار صلاحياته، وهو قناة الاتصال بين الجمعية والإدارة، ويرفع إلى الجمعية تقاريره بانتظام. ويتكون المجلس من خمسة أعضاء تنتخبهم الجمعية.

3ـ الرئيس

يتولّى رئيس اللجنة الدولية رئاسة الجمعية ومجلسها، وهو المسؤول الأول في المؤسسة عن علاقاتها الخارجية. وعليه الحفاظ على الفصل بين صلاحيات الجمعية وصلاحيات المجلس، ويستعين في أداء مهمّاته بنائب قارّ ونائب مؤقت. وبصفته أحد أعضاء اللجنة فإن فترات عضويته فيها هي ذاتها التي تقدّم ذكرها.

4ـ الإدارة

هي الجهاز التنفيذي في اللجنة الدولية وتتولى مسؤولية تنفيذ أهداف المؤسسة العامة وخططها وضمان تنفيذها، كما تحدّدها الجمعية أو مجلسها. والإدارة هي المسؤولة عن تسيير عمل دوائر اللجنة بسهولة ونجاعة، ويشمل ذلك عمل جميع موظفي اللجنة. وتتكون الإدارة من مدير عام وعدد من المديرين يراوح بين ثلاثة وخمسة (وهو الرقم الحالي إضافة إلى المدير العام). ويتولّى المدير العام رئاسة الإدارة.

5ـ المراجعة الداخلية

 يتولّى المراجعة الداخلية جهاز مستقل عن الإدارة يرفع تقاريره مباشرة إلى الجمعية ويؤدي واجباته من خلال مراجعة داخلية للبرامج والحسابات. ويشمل عمله جميع أقسام اللجنة الدولية في المقرّ وفي الميدان. وهدفه هو الوقوف على إنجاز المهمّات الموكولة إلى الموظفين ومدى ملاءمة الوسائل المتخذة للخطط المرسومة من قبل المؤسسة، ويعمل مستقلاً عن الأجهزة الأخرى. وفي الجانب المالي يُكمّل دور المراجعة الداخلية ما تقوم به شركات تدقيق الحسابات المتخصصة المعيّنة من قبل الجمعية.

رابعاً ـ المبادئ الأساسية والمهام

المبادئ الأساسية

 تشترك اللجنة الدولية مع مؤسسات حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولية في نواح عدة، لعلّ من أهمّها المبادئ الأساسية. وهذه المبادئ جزء من النظام الأساسي لكل عضو من أعضاء الحركة ومن نظام الحركة الأساسي ذاتها، وتمّت صياغتها في مؤتمرها الدولي العشرين (ڤيينا، 1965) بعد ما يربو على قرن من عمر الحركة. وما المبادئ السبعة التي أقرّها المؤتمر المذكور إلاّ ترجمة وجيزة لتجارب طويلة عاشتها المنظمات المنتمية إلى الحركة وخلصت إلى اعتمادها للسّيْر وفق مقتضياتها في عالم متعدّد الثقافات، مُتابين الرّؤى، مختلف السبل تنتابه الصراعات والنزاعات وتجتاحه الكوارث أيّاً كان مصدرها وحجمها. وبعد جهود متنوعة واجتهادات فقهية، من أبرزها ما دوّنه أحد روّاد القانون الدولي الإنساني وخبراء اللجنة الدولية الراسخين في معرفة تاريخ الحركة ونُظمها، ونعني جان بيكتيه (1914ـ2002)، وافقت الحركة على الالتزام في عملها بالمبادئ التالية:

الإنسانية، عدم التحيّز، الحياد، الاستقلال، الخدمة الطوعية، الوحدة، العالمية.

ولما كانت اللجنة الدولية جزءاً من الحركة، بل إنها مؤسًستها فإن عليها مراعاة تلك المبادئ في نشاطاتها كلّها. ومن المفيد التذكير بمضمون المبادئ السبعة الوارد في وثائق مؤسسات الحركة المعتمدة.

ـ الإنسانية

إنّ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي وُلدت من الرغبة في إغاثة الجرحى في ميادين القتال من دون تمييز بينهم، تسعى سواء على الصعيد الدولي أو الوطني إلى منع المعاناة البشرية حيثما وُجدت والتخفيف منها. وهدفها حماية الإنسان وصحته وكفالة احترامه. وهي تسعى إلى تعزيز التفاهم والصداقة والتعاون والسلام الدائم بين جميع الشعوب.

ـ عدم التحيّز

يجب ألا تمارس الحركة أي تمييز على أساس الجنسية أو العنصر أو المعتقدات الدينية أو الحالة الاجتماعية أو الآراء السياسية، بل ان تعتمد الشفافية في تقاريرها وتكون ذات مصداقية ولا تخضع لأي ابتزاز، فواجبها أن تسعى إلى التخفيف من معاناة الأفراد على أساس واحد هو مدى حاجتهم إلى العون، مع تقديم الحالات الأشدّ إلحاحاً على ما سواها.

ـ الحياد

حتى تحظى الحركة بثقة الجميع، تمتنع عن اتخاذ أي موقف لمصلحة طرف ضد آخر في أثناء الحروب. وتحجم عن إقحام نفسها في مجادلات ذات طابع سياسي أو عنصري أو ديني أو عقائدي.

ـ الاستقلال

 الحركة مستقلّة، وإذا كانت جمعيات الهلال الأحمر والصليب هيئات مؤازرة للسلطات العامة في بلادها وتخضع للقوانين الوطنية السّارية، فإن عليها الحفاظ على استقلالها باستمرار لأداء عملها وفقاً لمبادىء الحركة في جميع الأحوال.

ـ التطوع

خدمات مؤسسات الحركة طوعية وهي لا تستهدف الربح المادي بأي شكل من الأشكال.

ـ الوحدة

لا تقوم في أي بلد من بلدان العالم غير جمعية واحدة تنتمي إلى الحركة (هلال أحمر/ صليب أحمر). ويجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع وأن تمارس عملها في كامل الإقليم الوطني بلا استثناء.

ـ العالمية

الحركة عالمية، وحقوق الجمعيات الوطنية المنتمية إليها متساوية، وتلتزم جميعها بمؤازرة بعضها بعضاً.

ونشر هذه المبادئ وشرحها وضمان اتباعها جزء من مهام اللجنة الدولية

المهام

لئن ارتبط ظهور اللجنة الدولية بالسعي إلى مساعدة ضحايا الحروب، فإن نطاق عملها اتّسع بمرور الزمن وتشعبات النزاعات المسلّحة وامتداد آثارها زماناً ومكاناً. وهذا ما يظهر من خلال المهام الموكولة إليها كما عدّدها نظامها الأساسي، وعلى الخصوص:

ـ الحفاظ على مبادئ الحركة والعمل على احترامها ونشرها.

ـ الاعتراف بالجمعيات الوطنية الجديدة أو التي يعاد تأسيسها طبقاً لشروط الاعتراف الواردة في نظام الحركة الأساسي.

ـ حماية ضحايا الحروب ومساعدتهم بناء على التفويض الممنوح لها من الدول الأطراف في معاهدات القانون الدولي الإنساني والعمل على تطبيق أحكام هذا القانون بأمانة وتسجيل أي شكوى تستند إلى مزاعم بشأن انتهاكات أحكامه.

ـ ضمان سير عمل وكالة البحث عن المفقودين التابعة لها والمنصوص عليها في اتفاقيات جنيـڤ لحماية ضحايا الحروب.

ـ المساهمة، تحسباً لنشوب نزاعات مسلّحة، في تدريب العاملين في المجال الطبي وإعداد التجهيزات الطبية بالتعاون مع جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الوطنية والوحدات الطبية العسكرية والمدنية وسائر السلطات المختصة.

 ـ العمل على توضيح مفاهيم القانون الدولي الإنساني ونشره وتطويره.

ـ المهام المنوطة بها من قبل المؤتمر الدولي لحركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر.

وإلى جانب عملها في إطار النزاعات المسلّحة وما يترتب عليها من آثار، يجوز للجنة الدولية القيام بأي مبادرة إنسانية تندرج ضمن صلاحياتها بصفتها هيئة ووسيطاً محايديْن مستقليْن، وبحث أي مسألة من مشمولات أنظارها.

حق المبادرة الانسانية وآليات العمل

كما تقدّم، منحت الدول الأطراف في أهم معاهدات القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيـڤ لسنة 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لسنة 1977) اللجنة الدولة حقّ القيام بالنشاطات التي من أجلها أُسّست وقبلت بها الدول. وهذا هو السند القانوني لعمل اللجنة في أثناء النزاعات المسلّحة الدولية وغير الدولية ومعالجة آثارها في ما يتصل بالجوانب الإنسانية.

وفي حالات العنف المسلّح الأخرى والأوضاع التي يمكن للجنة أن تضطلع فيها بمهام تتفق بشأنها مع الدول المعنية، تستند اللجنة الدولية إلى “حق المبادرة الإنسانية” المشار إليه أعلاه والوارد في نظامها الأساسي ونظام حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الأساسي.

لقد حتّمت النزاعات المسلّحة والأزمات الأخرى على اللجنة الدولية اتّباع معايير وضوابط معيّنة لأداء مهامها، من دون إخلال بالهدف العام وهو حماية الضحايا، وتتوخى اللجنة الدولية عدّة سبل لحماية من هم في دائرة اختصاصها ومساعدتهم. ومن المعروف عنها أنها لا تلجأ إلى الإدانة والتنديد والشجب وغير ذلك من الوسائل العلنية التي تستخدمها منظمات دولية أو وطنية.

وليست اللجنة الدولية وبقية عناصر الحركة الأخرى منظمات مناهضة للحرب ولا هي مؤيّدة لها، ولكنّها تدرك واقع نشوب النزاعات المسلّحة ويمكن أن تتوقع آثارها العاجلة والآجلة، ولذلك تستعدّ لمواجهة آثار الحروب على الإنسان ومرافق عيشه. وتُعير اللجنة الدولية اهتماماً بالغاً للعمل الوقائي الرّامي إلى الاستعداد، وقت السلّم، لمواجهة تجاوزات النزاعات المسلّحة عند حدوثها. وقد مرَّ أن توضيح مفاهيم القانون الدولي الإنساني ونشر مبادئه والتعريف به وإدراجه في مناهج التعليم المدني والعسكري تمثّل نشاطات وقائية مهمّة تشارك اللجنة في إنجازها أو الحثّ على إنجازها في جميع البلدان التي توجد فيها أو تُدعى إليها للمشاركة في نشاطات من هذا القبيل، ويشمل ذلك جميع مناطق العالم.

والأصل في عمل اللجنة الدّولية هو الحوار المباشر والمساعي لدى كل طرف على حدة لإقناعه بوجوب احترام حماية من يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية وتمكين القائمين بها من أداء واجبهم من دون عرقلة. وترفع اللجنة توصياتها إلى السلطات المعْنية وتتابع تنفيذها. وربما لجأت اللجنة إلى طرف ثالث أو منظمات دولية أو جمعيات الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر الوطنية لدعْم مواقفها ومساندتها في المطالبة بوفاء طرف ما بتعهّداته، وقدْ تفصح علناً عن حالة مساعيها لدى دولة ما لضمان احترام حقوق الأشخاص المحميين بالتعهدات ذات الصلة. وسرية مساعي اللجنة الدولية لا تعْني الصّمت أو انقطاع المبادرات من جانبها، بل يبْقى اللجوء إلى إعْلان مواقفها وشجبها لأعمال تناقض التعهدات المبْرمة وارداً، وفق شروط حدّدتها اللجنة بنفسها، في ضوء دروس مستفادة من تجربة طويلة في مجال العمل الإنساني. وعموماً، لا يمكن للجنة الدولية، استناداً إلى علّة وجودها (خدمة الضحايا) وحق المبادرة الإنسانية الّذي تتمتع به، أن تقف موقف المتفرج إزاء انتهاكات المبادئ والقيم الإنسانية، سواء أعلمت بها بواسطة مندوبيها أم انتهت إلى علمها عن طريق مصادر أخرى. وفي جميع الحالات، تتحّرى اللجنة الدولية صدق المْعلومات وصحّة مضمونها.

ويُلاحظ اليوم ظهور لجان التحقيق والمحاكمات المسْتندة إلى انتهاكات أحكام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، وفرض العقوبات المختلفة على بعْض الأطراف المتّهمة بارْتكاب مثل تلك الانتهاكات، بل هناك من يطالب بالتدخل العسْكري لفرض احترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان. ومعروف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحكم وضعها القانوني وقواعد عملها تنأى بنفسها عن الْقيام بدور المحقّق أو الْقاضي، وتسلك مسْلك تمكين الضحايا من حقّهم في المساعدة الإنسانية من دون ازدواجية أو مآرب أبعد ما تكون عن العمل الإنساني الخالص.

الفاعلية

باستعراض مجمل نشاطات المنظمة موْضوع هذا البحث، يمكن أن ملاحظة مدى اتساع نطاق عملها، وقد بدأ بخطوات يسيرة اقتصرت على حماية “الجرْحى العسكريين” التابعين للقوات البّرية. أما اليْوم، فإن عمل اللجنة الدولية أصبح مشتملا على حماية ضحايا الحرْب من عسكريين ومدنيين، وتقديم المساعدة لهم وزيارة المحرومين من حريتهم بسبب النزاع المسلّح أو حالات أخرى، وإعادة الرّوابط الأسرية التي فكّكتها الحروب والبحث عن المفقودين ومساعدة النازحين وتمكين بعض الفئات كالّلاجئين وعديمي الجنسية من وثائق السفر ومساعدة الأسر على تبادل الأخبار مع أفرادها المحتجزين بسبب النزاع المسلح وغيره من الأزمات، والمساهمة في توفير الحدّ الأدنى من مرافق الحياة الأساسية للمتضررين كالماء والغذاء والدّواء والبحث عن حلول طويلة الأمد لمشكلات الجوع والبطالة والأوبئة والأمية والأضرار البيئية الناجمة عن الحروب والأزمات الأخرى، والمساهمة في نزع الألغام وإعادة تشغيل شبكات المياه، وتوفير الأطراف الصّناعية لضحايا الألغام، وإيواء من فقدوا مساكنهم بسبب الحروب في أماكن تلبي حاجاتهم الأساسية أو مساعدتهم على إعادة بناء ما هدمته الحْرب. وتهتم اللجنة الدولية اهتماماً خاصاً بسكان الأراضي المحتلة، ولا سيما في الحالات التي يطول فيها أمد الاحتلال بكل ما يحمله من وطأة وقسوة وتضييق وقيود على السكان وحرّياتهم ومرافق عيشهم وممتلكاتهم جميعاً.

هذا على صعيد العمل الميداني في المناطق المتضررة من الحروب والأزمات الأخرى. وتكمّلُ اللجنة الدولية ذلك بالعناية بالمنظومة القانونية التي يسْتند إليها عملها، سواء في إطار المؤتمرات الدّولية المتعلقة بتطوير القانون الدولي الإنساني أو داخل حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدّولية. وقد أُشيرَ آنفاً إلى التوازي بْين ظهور اللجنة الدولية وبوادر تدوين القانون الدولي الإنساني الحديث، وما منْ مرْحلة تدوينية في تاريخ هذا الفرْع من فروع القانون الدولي إلاّ واكبتها اللجنة الدولية بصفتها خبيراً في معرفة خبايا أحكام النزاعات المسلحة وما تحتاج إليه من تطوير، سواء في موضوع قواعد حماية الضحايا أو أحكام وسائل القتال وأساليبه. وفي إطار حركة الهلال والصليب الأحمر، من الطبيعي أن تبذل اللجنة الدولية قصارى جهدها بالتعاون مع مؤسسات الحركة الأخرى، بُغية دعم العمل الإنساني وأدائه على أسس قانونية وقواعد سلوك متينة واضحة تواكب طبيعة النزاعات المسلحة والأزمات الأخرى في العالم المعاصر.

الخاتمة

وبذلك كانت اللجنة الدولية دائماً على علاقة وثيقة خاصة مع القانون الدولي الإنساني، وحتى يومنا هذا عملت بشكل ثابت وفقا للمراحل المتعاقبة لتجربة هنري دونان. لقد عملت في ميادين المعارك، وكانت دائماً تسعى إلى تكييف عملها وفقا لأحدث تطورات الحرب. وكانت بعد ذلك تقدم تقارير عن المشاكل التي تواجهها، وعلى هذا الأساس قامت بتقديم اقتراحات عملية لتحسين القانون الدولي الإنساني. وباختصار، فإنها قدمت إسهاماً مباشراً للغاية لعملية التقنين، التي درست أثناءها اقتراحات اللجنة وأدت إلى مراجعة دورية وتوسيع للقانون الدولي الإنساني، وعلى الأخص في الأعوام 1906، و1929، و1949 و1977

يُعترف بدور اللجنة الدولية الخاص هذا الآن رسمياً في النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمرالذي اعتمده عنصرا الحركة المحكي عنهما، وكذلك الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، أي، عملياً كل دول العالم.

وتنص المادة 5 من النظام الأساسي على أن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر هو ” الاضطلاع بالمهام الموكولة إليها بموجب اتفاقيات جنيف، والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة الدولية، وتلقي أية شكاوى بشأن الانتهاكات المزعومة لذلك القانون ” (المادة 5 – 2 ج،) وكذلك “العمل على توضيح ونشر القانون الدولي الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة وإعداد أي تطوير له ” (المادة رقم 5 – 2 (ز

هذه هي أصول هذا الدور الفريد الذي قامت به مؤسسة خاصة والتعبير الحالي عنه في النظام الدولي. “حارس القانون الدولي الإنساني” في عالم اليوم.

وان تعتمدها – وظيفة ” التعزيز” أي مناصرة القانون، والمساعدة في نشره لتنفيذه في الوظائف التالية:

-وظيفة “الملاك الحارس” – أي الدفاع عن القانون الدولي الإنساني ضد التطورات القانونية التي تتغاضى عن وجوده أو التي ربما تنزع إلى إضعافه.

-وظيفة “العمل المباشر” – أي القيام بإسهام مباشر وعملي لتطبيق القانون في أوضاع النزاع المسلح

– وظيفة “المراقبة” – أي الإنذار بالخطر أولاً بين الدول والأطراف الأخرى المعنية مباشرة في النزاع المسلح وبعد ذلك في المجتمع الدولي ككل أينما حدثت انتهاكات خطيرة للقانون.

ملاحظات ختامية على اداء اللجنة الدولية للصليب الأحمر…

سورية مثالاً

يتضح مما تقدم أنّ اللجنة الدولية اكتسبت على مر العقود والأجيال من الخبرة في مجال العمل الإنساني ما مكّنها من اعتراف الدول قاطبة بدورها في تخفيف معاناة ضحايا الحروب والتقليل من آثارها الضّارة. ولعلّ تكيف اللجنة الدولية وفق وقائع النزاعات المسلحة وملاءمة عملها لمتطلبات الحاجات الإنسانية الناجمة عن الحروب والأزمات الأخرى يسْعفان المتأمّل في الأوضاع الدولية في البحث عن إدراك قيمة منجزات هذه المنظمة والمبادئ والقيم التي تسير عليها.

ولكن شتان احياناً مابين النظرية والتطبيق، فقد وجدنا في آلية عملها في سورية تسييساً وخضوعاً لسياسة الدول الراعية للارهاب واذرعها في ادلب والشمال السوري من خلال منظمة ارهابية في العمق وهي منظمة الخوذ البيض التي تستقي اللجنة الدولية معلوماتها…

وكم فندت الخارجية السورية هذه الادعاءات، مايعني ان تتبصر هذه المنظمة الدولية التي نحن متفقون على انها حارس للقانون الدولي الانساني ان تكون حقاً كذلك لاتخضع لاملاءات من يمول عملها…

يجب أولاً وقبل كل شيء أن ينظر إلى دور حارس القانون الدولي الإنساني كعمل نابع من الإيمان. وسيكون من غير المحتمل العمل في غمرة النزاع عندما يكون المرء محاطاً بأهوال الحرب دون تمني مستقبل أفضل ودون إيمان بالإنسانية. إن حارس القانون الدولي الإنساني يجب كذلك أن يقف إلى جانب الذين يكونون بالرغم من كل شيء وحتى عندما تكون الأشياء في أسوأ حالاتها مصممين على الإيمان بالقيم التي بني عليها القانون وعلى الدفاع عنها.

إن قيمة المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني تذهب إلى أبعد من نطاقها وأهميتها الأساسية. إن الإنسانية في الحرب، والتعاطف مع الضحايا، وعدم التحيز، ومعنى عدم التمييز المجحف على أساس الجنس، أو الأصل العرقي، أو العقيدة، أو الطبقة الاجتماعية أو أي عامل آخر يمكن، بل ويجب اعتمادها كقيم أساسية في وقت السلم كذلك. ومن المؤكد أن احترام كل إنسان، والتعاطف مع الذين يعانون.

قيم يجب أن يبنى عليها مستقبل العالم، ومن خلال الدفاع عن هذه القيم حتى في أوقات الحرب، وبكل الشفافية وبدون تحيز وشراء الضمائر كما هو حاصل في عملها بسورية وتبنيها شعارات اطلقتها كتلة الحرب الدولية على سورية لمنافعها السياسية والاقتصادية، والشعب السوري هو الضحية، دول معادية لسورية مع منظمات ارهابية تدعي العمل الانساني وبالرغم من وضوح أكاذيبها ومع ذلك وبدون تحقق تتبناها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فصارت تكذب كذبهم كما في تقاريرها الأخيرة في جنيف وبدون سند قانوني او الدفوعات التي قدمتها سورية…

ومع ذلك نبقى متفائلين بدورها…

د.جوزيف زيتون

دكتوراة في القانون الدولي العام


خربشات سياسية…20/2/2018شياطين الدم الأميركي والصهيوني والعثماني والخليجي لم تشبع بعد من دماء السوريين…

$
0
0

خربشات سياسية…20/2/2018

شياطين الدم الأميركي والصهيوني والعثماني والخليجي لم تشبع بعد من دماء السوريين…

– الرجل الدموي ترامب الذي يود احراق الشرق الأوسط، ولو اقتضى الأمر بالخيار النووي، لكي يطفئ الحرائق داخل بيته…
لو ترك الأمر لدونالد ترامب ونتنياهو والقرد اوغان وبن سلمان… و… لكانت المنطقة ضيفة شرف على… السيد الجحيم..
وكانت مواقع أميركية قد ذكرت أن عيون البنتاغون مفتوحة على مصراعيها لرصد كل ما يصدر عن دونالد ترامب، خشية تورطه في مواقف يمكن أن تكون لها تداعيات دراماتيكية على المصالح الاستراتيجية الأميركية، بعدما تم افهامه ان الأزرار النووية ليست في متناول يده.

امبراطورية الالحاد المعاصر الولايات المتحدة لم تشبع بعد من دماء السوريين…

– هذه الامبراطورية بأمبراطورها المأفون ترامب التي تحتل بدون حق ربع سورية وهي المنطقة الغنية بكل شيء في محافظات دير الزور والحسكة والرقة ومنحها كياناً مصطنعاً للأكراد بعد ان منحتها لصنيعتها داعش الاولى من اجل تقسيم سورية سيما وانها لم تستطع اسقاط القيادة السورية بالرغم من كل ماتم ضخه من تكفيريين بلغوا وفق بعض الدراسات الاستراتيجية العالمية حوالي نصف مليون ارهابي وتكفيري من معظم دول العالم…وتمويل غير مسبوق وذبح وتدمير خلال سبع سنوات من عدوان اكثر من 80 دولة بتنظيم من الصهيونية والماسونية وتلة الكابيتول في اميركا…

– لقد استطاعت سورية الصامدة بمعونة محور المقاومة تدمير الهيكل الاساسي لداعش صنيعة اميركا… وتحرير معظم الجغرافيا التي احتلها داعش وبقية التكفيريين في قيامة اعجازية للجيش السوري الجريح بعد تدمير مقومات صموده من خلال تجويع اهله وفرض العقوبات الظالمة وذبح الليرة السورية، عادت وانشأت عصابة بديلة لداعش هي قسد الكردية…

اتخذت القيادة السورية القرار بتحرير الغوطة ووصلت التعزيزات من الجيش السوري للبدء بمعركة التحرير رداً على عمليات التدمير المنتظمة منذ 2013التي تمارسها البيئة الحاضنة الحاقدة الأصولية التكفيرية في الغوطة الشرقية، والتي أسست جيش الاسلام وفيلق الرحمن… ورعت داعش وجبهة النصرة…وقام بغزو وقتل العمال الابرياء وعيالهم في ضاحية عدرا السكنية العمالية … وقصفت شرق العاصمة خلال خمس سنوات وحاولت اقتحام منافذ القابون وحرستا والزلطاني… وكل يوم يسقط من دمشق العشرات من الابرياء حيث يجول السيد العدم التكفيري وبيده منجل الموت ليقطف رؤوس الاطفال في مدارسهم وبقية المواطنين في بيوتهم ومستشفياتهم وكنائسهم….

– قررت القيادة السورية بعد طول انتظار وحرصاً على المدنيين الابرياء في الغوطة الشرقية حيث ان جيش الاسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وداعش يتخذونهم دروعاً بشرية، ويصادرون إرساليات الاغاثة التي ترسلها القيادة السورية والمنظمات الدولية ويحتكرونها لهم…

بعد طول مناشدات من سكان دمشق عموماً والمناطق الشرقية النازفة، وبعدما تأكدت القيادة فداحة الاثمان التي تدفعهاشرق العاصمة وجرمانا والدويلعة وضاحية الاسد قررت الحسم…واعدت العدة…

شعار الجيش السوري نموت وتحيا سورية مع العلم السوري مرفوعاً بأيدي المقاتلين السوريين
شعار الجيش السوري نموت وتحيا سورية مع العلم السوري مرفوعاً بأيدي المقاتلين السوريين

توافقت رؤية الحلفاء في سورية وروسيا وايران، على ضرورة هذا الحسم بعد تحرير حلب قبل سنة وشهرين من الآن وتحرير دير الزور وتطهير معظم البادية السورية ومحافظات حمص وحماة وتدمر… والسير نحو ادلب وتحريرمطار ابو الضهور العسكري فدمشق لم تعد هدفاً مؤجلاً سيما وان الغوطة هي معقل العدو التركي عبر عصاباتها وقيام القرد اوغان بغزو الشمال السوري ومحاولاته التقدم الى مابعد عفرين…

اكيد تم كل ذلك بالتوافق بين الحلفاء وكان بوتين اراد دعم القيادة السورية بتحرير الغوطة الشرقية وذلك رداً على احتلال اميركا شمال وشرق سورية، وعلى االغزو التركي لمنطقة عفرين، بالتعاون مع الحليفين الروسي والايراني…
وهو اي الرئيس بوتين يريد افهام الرئيس ترامب انه لن يتخلى عن سورية…

– بعد احتلال الجيش الاميركي لربع الاراضي السورية اي في محافظة الحسكة ومحافظة الرقة حيث الاكثرية الكردية وحيث قام الجيش الاميركي بتدريب حوالي 90 الف مقاتل من عصابات “حماية الشعب الكردي” و”جيش سوريا الديموقراطية”، كذلك احتل الجيش الاميركي ربع الاراضي السورية وامتد الى السهل الخصيب الزراعي على كامل مساحة محافظة الحسكة والرقة. فان الرئيس بوتين بالتنسيق مع القيادتين السوريين والايرانية قرر الرد بخطوة عملية تعطي اشارة الى الرئيس ترامب

اولاً- بأن روسيا لن تتخلى عن سورية وعن نفوذها في سورية.

ثانيا- ان روسيا عبر تسليمها الاسلحة الحديثة والثقيلة خاصة هذا النوع الجديد من الصواريخ الضخمة التي قدمتها الى الجيش السوري كي يستخدمها الاسبوع القادم على الغوطة الشرقية مهما كانت الحصيلة.

كما ان تسليم روسيا الى الجيش العربي السوري دبابات ت – 90 مع وجود ضباط من الجيش الروسي في قيادة عملية تحرير الغوطة الشرقية وهذه هي المرة الاولى التي تستخدم في سورية هذه الدبابات وتم وضعها تحت سيادة وإمرة قيادة الرئيس السوري، فهي رسالة من الرئيس الروسي بوتين الى الرئيس الاميركي ترامب بأن روسيا لن تتخلى عن الرئيس بشار الاسد ولن يؤثر عليها اي احتلال اميركي في سورية، كما ان روسيا تريد ان تقول للرئيس الاميركي ترامب وللبنتاغون، اننا نحن في موسكو من يقرر إزالة المراكز الكبرى للمعارضة التي تقف في وجه سورية، والدليل ان الطيران الروسي هو الذي عبر غاراته الكثيفة التي شنها على حلب طوال اسبوع ونصف ادى الى خسارة المعارضة في حلب وانتصار الجيش السوري واخراج المسلحين من حلب الى محافظة ادلب.

بوتين والاسدوترامب
بوتين والاسدوترامب

ويبدو ان الاسبوع القادم هو موعد الهجوم البري والمدفعي والصاروخي والجوي على الغوطة الشرقية، كما قال مصدر عسكري روسي يتابع معركة الغوطة.

وأن القتال والاقتحام والتحرير ستكون على عاتق الجيش السوري وحزب الله .

ولقد ذكرالاعلام السوري اليوم ان الجيش السوري سيقوم بتنظيف بؤرة الارهاب في الغوطة الشرقية، وان بضعة أيام تفصلنا عن بدء الهجوم…

اليوم ومع العمليات التمهيدية لتحرير الغوطة من قبل الجيش السوري

سقطت قذائف الهاون وقذائف صاروخية بالجملة على دمشق أطلقت من جوبر وعين ترما، حصلت شرق دمشق على الكم الأكبر منها بيوتاً ومدارس ومؤسسات ومواطنين ابرياء حيث بلغ عدد المقذوفات الغادرة حوالي 60 قذيفة ارتقى بسببها 13 شهيداً من رجال ونساء واطفال اضافة الى حوالي 45 جريحاً بعضهم بحالات حرجة، ما فرض اغلاق المدارس في شرق العاصمة وجرمانا…وكان يوماً دموياً هو الاعنف منذ سنة واستهدف القصاع وباب توما وساحة العباسيين ومحيط كلية العلوم وجسر الرئيس ومدرسة دار السلام…والميدان وعش الورور…طبعاً رد الجيش السوري جواً وبراً ما فرض رعباً حقيقياً لدى الارهابيين سجلت تنسيقياتهم بالصوت والصورة…

الخارجية السورية وجهت رسالة للأمين العام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول قيام المجموعات الإرهابية المسلحة من مواقعها في الغوطة الشرقية باستهداف مدينة دمشق وريفها بعشرات القذائف القاتلة التي أدت إلى استشهاد وجرح العشرات من المدنيين…

في المقابل، يقول متحدث سوري ان على الفصائل التكفيرية ان تنسحب من الغوطة الشرقية التي يسكنها 325 الف مدني، وترحل الى ادلب وعندها ستقوم الحكومة السورية بالاهتمام بالمواطنين في الغوطة الشرقية. لكن سكان الغوطة الشرقية وهم بالاساس البيئة الحاضنة
للتكفيريين
وفي
تشكيل عصابات فيلق الرحمن واحرار الشام وجيش الاسلام الذين كانوا يسيطرون على الغوطة الشرقية، هذا اذا انسحبوا من الغوطة الشرقية ورحلوا الى ادلب كما تطالب روسيا. ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر لوكالة فرانس برس “يهدف هذا التصعيد الى حسم مسألة الغوطة الشرقية بشكل نهائي، إما بنصر عسكري بحت أو من خلال حل تفاوضي تحت الضغط العسكري الهائل”.

لقد اتبعت قوات الجيش السوري سابقاً استراتيجية حصار مؤقت قبل فرض اتفاق مصالحة على غرار ما جرى في مدن عدة حول دمشق وفي مدينة حلب نهاية العام 2016.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر في موسكو الاثنين إن “تجربة حلب حين تم اخلاء المقاتلين تنطبق تماماً على الغوطة الشرقية”.

في المقابل، لا يُستبعد تكرار سيناريو “المصالحة”. إذ لن يكون بمقدور الفصائل التكفيرية البقاء الى أجل غير مسمى.

– عفرين

الوَضْع العَسكري في مدينة عِفرين شمال غَرب سورية يَزداد تأزّمًا بعد قَصف مِدفعي تُركي “تَحذيري” باتّجاه القوّات السوريّة الشعبيّة التي كانت في طَريقها إلى المَدينة، ممّا أدّى إلى وَقفْ تقدّمها “مُؤقّتًا” تجَنّبًا لمُواجهات دَمويّة لاحِقًا.

القِيادة التركيّة، ومن خِلال هذا القَصف المَدفعي، تُريد أن تُضفي الجديّة على تَهديداتها بالمُضي قُدمًا في عمليّاتها العسكريّة حتى القَضاء كُلّيًّا على وحدات حِماية الشعب الكرديّة، ولكن هذا “العِناد” قد يُعطِي نتائج عكسيّة في المَدى المَنظور.

لقد دخلت القوات الشعبية السورية اليها لدعم صمود شعبها بمواجهة الغزو التركي. وجن جنون القيادة التركية فقامت مع تكفيرييها مما يسمى عصابة الجيش الحر بضرب كل الطرق المؤدية الى عفرين. وقصف بالمدفعية معبر ديالا الذي ستدخله القوات الشعبية الى عفرين، وردت مدفعية القوات الشعبية بالرد المضاد واطلقت المضادات الارضية على طائرات الاستطلاع التركية… لقد استطاعت طلائع هذه القوات الشعبية السورية الرد والدخول الى عفرين وهي رسالة واضحة من سورية الى تركيا، واردوغان غاضب ويتابع تهديدها هو وزير خارجيته…ذلك لأن سعيه لاقامة حزام تركي في الاراضي السورية لن يرى النور…

سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الذي يَعرف أدق تفاصيل الصِّراع على الأرض السوريّة، وجّه نصيحةً لا تُقدَّر بثَمن إلى الرئيس أردوغان، حيث قال بالحَرف الواحِد “إننا على قناعةٍ بأنّ تركيا يُمْكِن أن تحمي مصالحها الأمنيّة المَشروعة من خِلال الحِوار مع الحُكومة السوريّة”.

حرب السنوات السبع الماضية لم تَنجح في إسقاط الدولة السوريّة بالتّالي، رَغم إنفاق الولايات المتحدة وحدها أكثر من 70 مليار دولار على تَسليح وتدريب قوّات المُعارضة السوريّة، وتَجنيد دُول أُخرى في مَشروعها هذا، ولا نَعلم حتى الآن حَجم إنفاق تركيا والدُّول الأُخرى، لانْعدام الشفافيّة، وغِياب الأرقام، وربّما يكون الوَقت قد حان لتَغيير السِّياسات، والانْخراط في حوارٍ تركيّ سوريّ لبِدءْ مَرحلةٍ جديدةٍ تُحقّق الأمن والاستقرار للطَّرفين والمِنطقة بأسْرِها، وبِرعايةٍ روسيّة.

اشتعال فتيل المُواجهات العَسكريّة في عِفرين بين القوّات السوريّة والتركيّة لن يكون في مَصلحة الطَّرفين، ولا نُبالغ إذا قُلنا بأنّ الطَّرف التركي سَيكون الأكثر تَضرّرًا لأنّه لا يُوجد الكَثير للسُّلطات السوريّة لِكَيْ تَخسره.

القوّات السوريّة لا يُمكِن أن تَذهب إلى مدينة عِفرين دون أخذ ضُوء أخضر من الرئيس فلاديمير بوتين، ومن يقول أو يعتقد بغير ذلك، يَخْدَع نفسه، قبل أن يَخْدَع الآخرين، فهل تُريد القِيادة التركيٍة أن تَنْسِف تحالفها مع موسكو، وتنقل إيران من خانَة الأصدقاء إلى خانة الأعداء، وتُدمِّر التفاهمات الاستراتيجيّة التي توصّلت إليها الأطراف الثلاثة في قِمّة سوتشي أواخِر العام الماضي؟

ماهو موقف الولايات المتحدة من دخول الجيش السوري الى عفرين؟

اما الولايات المتحدة فكانت تريد ان يذهب الجيش السوري الى مدينة عفرين ليصطدم مع الجيش التركي، وهذا يضرب استراتيجياً روسيا التي اقامت حلفاً يمتد من قيادة الرئيس الروسي بوتين الى اردوغان الى ايران والرئيس روحاني، وكانت روسيا تعمل على ضم الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد الى هذا التحالف، رغم معارضة تركيا، لان روسيا تريد ان تكون سورية داخل الحلف وايران ترحب جدا في وجود سورية، لكن تركيا لا توافق على الجلوس في اية مفاوضات مع الحكومة السورية، وتراجعت عن موقفها بدخول الجيش السوري الى عفرين.

– حرب عفرين اصبحت حرباً اميركية – روسية، فأميركا تدعم وحدات”حماية الشعب الكردي” وقد دعمتها في وجه تركيا بالرغم من اعتبارها الحليف الاساسي للولايات المتحدة في المنطقة.

في المقابل، ارادت روسيا إزاحة دعم الاميركيين لمجموعة حماية الشعب الكردي في مدينة عفرين والدائرة التابعة لها، واقناع تركيا بدخول الجيش السوري الى عفرين، وقد وافق اردوغان على ذلك، لكن حصل شيء ما وراء الستار ادى الى وقف دخول الجيش العربي السوري الى مدينة عفرين، وقيام تركيا في الاعلان عبر خطاب للرئيس التركي اردوغان بأن الجيش التركي لن ينسحب من عفرين ولن يترك الساحة الى الجيش العربي السوري، وان الجيش التركي سيحاصر كامل دائرة عفرين ويتوسع في الانتشار بقوة عسكرية اكبر كي يمنع اي مساعدة عن دائرة عفرين وينهي وجود جيش حماية الشعب الكردي.

– المعركة واضحة، اميركا تريد الحفاظ على وحدات حماية الشعب الكردي في مدينة عفرين، وتقف ضد تركيا في هذا المجال مع انها تحاول الحفاظ على عدم الخلاف الكبير مع تركيا، كي لا تنسحب تركيا من الحلف الاطلسي. ومن جهة اخرى ارادت روسيا تسجيل نقطة على اميركا في ان يدخل الجيش السوري مدينة عفرين وهكذا يكون الجيش السوري قد لعب دورا كبيرا وبدأ التقارب بين الجيش التركي والجيش السوري لكن خلال الـ 48 ساعة الماضية تم الغاء اتفاق دخول الجيش السوري الى مدينة عفرين. واستعيض عنه بالقوات الشعبية مع تهديد تركي لها ان ساعدت الاكراد، وتم قصفها وقصف طواقم الاعلاميين ومع ذلك دخلت هذه القوات وسط مظاهر ابتهاجية من اهل عفرين وتم رفع العلم السوري بأيدي المقاتلين السوريين وكانت الهتافات ” واحد واحد واحد الشعب السوري واحد…”

والقوات الشعبية السورية مؤلفة من مختلف الأطياف السورية ومهمتها الدفاع عن الشعب السوري في عفرين سينتشر على الحدود مع تركيا.

ومن هنا فان الاسبوع القادم سيأتي بمشهد ما اذا كانت روسيا وموسكو قد اتفقت على مدينة عفرين والغوطة الشرقية ام حصل الخلاف وبالتالي ستنشأ أعنف حرب ومعارك في الغوطة الشرقية وفي عفرين وتكون نتائجها حاسمة بالنسبة الى مستقبل سورية..

في الختام نقول للجيش السوري والحلفاء والقوات الشعبية السورية بالنصر التام ايها الابطال…حماكم الله ونصركم…

عندنا ثقة بكم

تحيا سورية…


خربشات سياسية 21/2/2018لا ديون خارجية على سورية ولدى سورية 22 مليار يورو احتياط

$
0
0

خربشات سياسية 21/2/2018

لا ديون خارجية على سورية ولدى سورية 22 مليار يورو احتياط

– بعد 7 سنوات ونصف من الحرب العدوانية العالمية على سورية، التي شنتها عليها 88 دولة برئاسة اميركا، وتمويل الحرب العدوانية عليها من الدول ” الشقيقة” الخليجية ( السعودية، قطر، الامارات، البحرين، وتركيا…وشخصيات من الكويت والعديد من الدول الاسلامية) وفرض العقوبات الاقتصادية على سورية، ومنع كل شيء عن سورية واستيراد النفط وقطع غيار الطائرات لتحديث شركة الطيران السورية… وكل ذلك لاسقاط الحكم… لقد تم منع كل شيء عن 25 مليون مواطن سوري من وقود وغذاء… حتى الدواء، ومنع التحويل بالعملات الصعبة من الدولار واليورو للأهل في الوطن الذبيح، وشن الحرب الدبلوماسية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية…

– هذه الحرب المستمرة بكل شيء على سورية منذ 2011 أدت إلى انخفاض قيمة
الليرة السورية بشكل فادح ماانعكس سلباً على معيشة المواطن السوري المظلوم، وزادت الامور سوءاً قيام التكفيريين، وخاصة داعش باحتلال مناطق النفط والثروات المعدنية من بوتاس وسواه وهو المورد الاساس، وتدمير الطرقات والسكك الحديدية… وقيام الميليشيات التركية بسرقة معامل حلب والمولدات الكهربائية الضخمة والنفط والغازوالغلال من قمح وغيره…وحتى الآثار وبيعها الى تركيا…

قرر المصرف المركزي السوري بداية دعم الليرة ببيع الدولار مباشرة أوعن طريق شركات مالية معتمدة … ماأدى الى نشوء سوق سوداء استفاد منها التجار وليس بقية المواطنين…

ثم قرر ترك سعر الليرة السورية لفعاليات السوق المحلية…ما ادى الى هبوطه أمام الدولار وعدم القيام بصرف احتياط المصرف المركزي السوري للدفاع عن الليرة السورية التي كان سعرها 50ليرة وأقل 48 ليرة مقابل الدولار، وأصبح سعرها 457 ليرة مقابل كل دولار فان المصرف المركزي السوري لم يتدخل… وترك العلاج للسوق وملاءة المواطن…

الف ليرة سورية ومائة دولار اميركي
الف ليرة سورية ومائة دولار اميركي

– تمت زيادة رواتب العاملين والمتعاقدين ثلاث مرات، لكن غلاء الاسعار كان يأكل الزيادات حتى قبل الاعلان عنها…وبالتالي لم توقف الدولة دفع الرواتب الشهرية ولو لمرة واحدة منذ بدء هذه الحرب العالمية على سورية.

– استمرت الحياة مع غلاء الاسعار الفاحش، فكانت المقولة الشعبية مترافقة بالقنوط “نقبض بالليرة السورية ونصرف بالدولار” وقد وصل الأمر بكثيرين لمايشبه الجوع ممن فقدوا أعمالهم وهجروا من مناطقهم، وخاصة ممن فقدوا اولادهم ومعيليهم بالاستشهاد والتعوق والخطف… والهجرة بحيث يمكن الجزم بان الاحوال المعيشية ليست جيدة بل سيئة لكن المواد الغذائية موجودة في كل سورية ومصروف المواطن السوري فقط هو الغذاء والطعام.ونشير الى ان اخفض راتب كان يقبضه كل ارهابي ممن جنده لايقل عن 300 دولار بينما رواتب الموظفين الكبار وكبار الضباط لايتجاوز مائة دولار، وذلك لتحفيز الناس وخاصة افراد الجيش للانشقاق، وعلى سبيل المثال فقد نال رياض حجاب الذي كان رئيس الوزراء 50 مليون دولار من السعودية بتدبير من قريب له مقيم في الاردن…

– استمرت الدولة في التعليم ونفقاته في كل سورية بكل مراحله (التعليم الاساسي الى مافوق الجامعي) فهو مجاني في مدارس وجامعات القطاع العام بما في ذلك المناطق المحتلة التي زادت عن 60% من الجغرافيا السورية قبل 2015بدء التحرير.

اما بالنسبة الى الاستشفاء والعلاج والدواء فهو على عاتق الدولة كالتعليم مجاني، وهي من ثوابت الحكومة السورية منذ فجر الاستقلال فالعلاج في المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية في القطاع العام ولكل الامراض وحتى بالامراض الأخطر كالسرطان… فهي بالمجان (بالرغم من انها باهظة) وعلى عاتق الدولة وسددت الدولة السورية مصاريف المستشفيات من الموازنة العامة حيث تم اختصار مصاريف بقية الوزارات بشكل كبير جداً ووضع المبلغ الكبير بتصرف وزارة الصحة. والحال ذاته بالنسبة للتعليم بكل مراحله حتى مافوق العالي.حتى تعرفة النقل بالقطاع العام…

حتى الضرائب والرسوم العقارية والقضائية والكهرباء والماء والهواتف…فهي رخيصة وأرخص من بقية الدول المحيطة والمماثلة… بالرغم من فقدان الدولة لمواردها بفقدان نفطها وغازها ومدنها الصناعية والسياحة وتدمير الصناعة والزراعة وشبكات الري والسكك الحديدية …

اما من حيث الاحتياط النقدي لدى مصرف سورية المركزي، فانه (ووفقاً لدراسات اقتصاديين عالميين) يملك 22 مليار يورو من الاحتياط لدى الدولة السورية وهي ترى ما تفعله بهذا الاحتياط في الوقت المناسب.

الديون الخارجية

كذلك ليس على سورية أية ديون خارجية وأن سورية عبر المصرف المركزي والسياسة الاقتصادية المعتمدة من الدولة السورية ومصرفها المركزي، قامت بعكس ما حصل في لبنان (كمثال لدولة شقيقة مجاورة) فلبنان بعد سنة 1992 يوم بدأ لبنان بالاستدانة على قاعدة إعادة إعمار لبنان حتى وصل الدين العام الى 86 مليار دولار سنة 2018 ومع الذي تطلبه الحكومة اللبنانية الآن للاستدانة ومنح سيصل الى 105 مليار دولار دين لبنان الخارجي. اما بالنسبة الى الليرة اللبنانية فسعرها ليس صغيراً بل هبطت بشكل أعنف من الليرة السورية ذلك أن سعر الدولار كان يساوي ليرتين لبنانيتين في آخر نهاية عهد الرئيس الياس سركيس فيما اليوم كل دولار يساوي 1500 ليرة لبنانية، وهكذا تكون الليرة اللبنانية قد خسرت بنسبة 750 مرة قيمتها بينما خسرت الليرة السورية عشر مرات قيمتها تجاه الدولار.

الاحتياطات من الذهب

احتياطي الذهب
احتياطي الذهب

– بعض الاقتصاديين يقولون ان لدى سورية احتياطاً من الذهب بالأطنان في مستودعات المصرف المركزي تحت الأرض، وقيمة الذهب الموجود في المخازن العميقة تحت المصرف المركزي في دمشق كبير بشكل انه ما ان تنتهي الحرب في سورية حتى يستطيع المصرف المركزي السوري التحرك وإعادة الليرة السورية الى مكانتها، وعدم وجود اي دين خارجي على الدولة السورية رغم مصروف سبع سنوات حرب ودمار وخراب وجرحى ومستشفيات وأسلحة ومصروف ذخائر وغيرها…

الخاتمة

المهم ان تنتهي الحرب وتنتهي هذه المأساة التي ارتقى بسببها حوالي مليون سوري مدني وعسكري وتهجير سبعة ملايين سوري خارج مناطقهم منهم حوالي ثلاثة ملايين خارج سورية اضافة الى هجرة الشباب والكثير من العائلات بدافع الامن ولقمة العيش… وعودة الدولة الى بسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية.

العلم الوطني وحماة الديار
العلم الوطني وحماة الديار



. قورش.. Cyrrhus

$
0
0


.قورش .. Cyrrhus

تمهيد

منطقة قورش برمزيتها التاريخية دمرها الهمج الاتراك حالياً في غزوهم عفرين…دمروا آثارها قصفوا كما فعلت داعش في تدمر وكل منطقة كانت تحتلها هذه العصابة الوافدة من وراء التاريخ…

كل البنى الاثرية في منطقة قورش بدورها دمرتها القوات التركية الهمجية وهو الذي دفعنا الى تسليط الضوء على هذه الواحة الأثرية في تاريخ سورية، والواحة الروحية في تاريخ المسيحية وكرسينا الانطاكي المقدس، كرسي الرسولين بطرس وبولس لجهة كونها ابرشية هامة جداً لعب أساقفتها دوراً في المجامع المسكونية السبعة والمكانية، وكانت واحةرهبانية تخرج من تحت افنانها القديس مارون الناسك وبقية قديسي القورشية وسمعان العمودي…

قورش ماهي؟

هي في شمال حلب في منطقة عفرين منطقة قورش القديمة في ذمة التاريخ، هنا كانت منطقة رهبانية تمتد على ضفاف العاصي الى سهول ادلب وحلب وجبل سمعان ومنبج… 

تقع المدينة والتي تعرف بـ”كورش” شمال شرق مدينة عفرين بنحو 45 كيلومترًا، ويمر إلى الشرق منها نهر صابون
في هذه المنطقة الرهبانية عاش القديس مارون ورفقته ذات المناخ البارد، وتجاورها منطقة جبل سمعان.

يرى المرء مواقع نسك مار مارون وصحبه. اسم قورش غاب، وحلّ محله اسم “قلعة النبي هوري”. المنطقة مجاورة لمنطقتي عفرين واعزاز في محافظة حلب. وهي جبلية تتعرض لمجاري رياح قاسية وللبرد القارس والثلج والمطر. وجارتها منطقة دير مار سمعان العمودي منطقة رياح. فمن ريحا حتى هناك بحيرات زيتون يقابلها غرباً على الشاطئ الجبلُ الأقرع (1759 متراً) والجبلُ الأحمر (1777) شرق

عفرين
عفرين

رأس الخنزير، فجبال أمانوس فضلاً عن غابات الصنوبر البرّي الكثيفة شمال اللاذقية. المناخ جاف إجمالاً وصحي. ويمَكّن المتوحدين من السهر ليلاً في جهاد صلاة بارّة لا تنقطع. لذا اختار رهبان القورشية منطقة قورش ومنهم القديس مارون لنسكه جبلاً اسمه الآن برساداغ يبعد 10 كيلومترات عن عمود سمعان. كان مكرّساً لعبادة أرطاميس برسيئا Parsaia قريباً من بلدة اعزاز . يرتفع عن سطح البحر 850 متراً. المنطقة ممتازة للنسك بفضل مشارفها الجبلية. 

وكان الهيكل الوثني مخصصاً لعبادة الشياطين، فكرّسه مار مارون، وبنى قربه كوخاً صغيراً، ولكن قلما استعمله. مار مارون طلب الكمال، فاتخذ قراراً مصيرياً بأن يقضي حياته في العراء، فسكن في ذروة الجبل ليناجي ربه في خلوات لا تنقطع. هو أبو هذا اللون من النسك. 

ضريح القديس مارون في منطقة قورش/ براد
ضريح القديس مارون في منطقة قورش/ براد

الاسم

تكتب بالسين وفق اللفظ الآرامي، وللموقع تسميات عديدة، وهو يعرف اليوم “بنبي هوري” أو قلعة النبي هوري، أما الاسم اليوناني للمدينة فهو “سيروس”، كما سميت “أجيا بولس” أي “مدينة القديسين كوزما ودميانوس” وقد بُنيت كنيسة ٌحول قبريهما، وكنيسة سمعان الغيور التي بناها ودفن فيها بعد موته.
المؤرخون العرب كتبوا اسمها “قورش” وأحياناً “كورش” نسبة إلى الملك الفارسي “كورش” حيث تعود المدينة القديمة إلى أيامه، وتقول بعض المصادر إلى أن التسمية اليونانية “سيروس” هي لفظ لإسم الملك “كورش”،أما المعجم الجغرافي السوري فيقول أنه من اسم مدينة سيرهوس في مقدونيا اليونانية. سمّاها الفرنجة (كورسي) وهي على بعد 70 كم شمال غرب حلب، و2 كم قرب الحدود مع آسيا الصغرى (تركيا حالياً)، على الطريق الروماني الواصل بين أنطاكية ومدينة زقمة على الفرات، على نهر صابون صويو أحد فروع نهر عفرين. أما اسم( النبي هوري) فيعود إلى القرن 12م.
وتقول رواية أخرى بأن اسمها يعود إلى أوريا بن حنان الحثي أحد قادة النبي داوود الذي قتل في معركة جرت في الألف الأولى ق.م و دفن فيها…

قورش
قورش

في الواقع وكما اجمع الآثاريون ان قورش هي مدينة بنيت في عهد السلوقيين، ولقد سميت هذه المدينة سيروس على اسم مدينةٍ مقدونيةٍ مغمورةْ في أيام الدولة السلوقية (سلوقوس نكتاروس) في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تؤمن الجنود الأشداء لجيوش ملوك انطاكية، واشتهر من أبنائها المعمار العظيم أندرونيكوس الذي بنى برج الرياح الشهير في أثينا.

يذكر المؤرخ سترابون معبد “أثينا القورشية حامية البلاد العظيمة” التي تشاهد صورتها على “نقود اسكندر بالا” التي صكها فيها عام 150م، لكن العبادة الرئيسة في سيروس كانت للإله زفس أو زوس كتايباتس “الإله الذي ينزل في النور”، وربما كان معبده قائماً على قمة التل العالي المجاور للمدينة.

آثار قورش
آثار قورش

تمركزت في قورش سنة 66 م الفرقة العسكرية العاشرة الرومانية وتحول الطريق الشمالي في عهد الامبراطور سبتيموس سفيروس( 193ـ211م) إلى شمالي حلب، ففقدت أهميتها الاستراتيجية، لكنها بقيت من أمهات المدن وفيها نائب أمبراطور، ومركزاً دينياً مسيحياً ” ابرشية انطاكية من ابرشيات الكرسي الأنطاكي المقدس وللبطريرك في مدينة انطاكية العظمى يتبع له أكثر من 800 بلدة وقرية. ذكر كتاب “التاريخ الديني” أن منطقة “سيروس” كانت جزءًا من ولاية الفرات في العصر البيزنطي، كما كانت أبرشية تضم 800 كنيسة تحيط بها أربع أبرشيات هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب، وكانت المدينة تضم حينها إداريًا منطقةعفرين، وشيخ خوروس، وميدانكي، واعزاز، وكلز، وجبرين اعزاز، واكده

أعاد لها الإمبراطورالرومي العظيم يوستنيانوس( 527 ـ 565م ) أهميتها و دورها فازدهرت وصارت مكاناً للحج، وبات اسمها “هاغيوبوليس” “Hagiopolis ” أي المدينة المقدسة.
وتدل العناصر المعمارية للمدينة التي ما تزال واضحة على أن بناءها حصل في العصرين الهلنستي والبيزنطي.

قورش المسيحية
دخلت المسيحية قورش في القرن الأول على يد القديس سمعان الغيور الذي دُفن فيها، وقد شارك أسقفها سيريكيوس في مجمع نيقية عام 325م ، مع بقاء الوثنية فيها حتى عام 384م عندما بدأ الامبراطور ثيودوسيوس الكبير بالقضاءالمبرم عليها، عبر جعل المسيحية الدين الرسمي للأمبراطورية وتحريم الديانة الوثنية في الامبراطورية الرومية، ومصادرة كل هياكل الوثن ومعابده ومؤسساته واوقافه لصالح الكنيسة، وتم تفيذ ذلك حتى عام 392 م، وكانت اللغة الشعبية السائدة فيها ككل الارياف السورية الآرامية، وكان المثقفون والمتعلمون من شعبها يتقنون اليونانية ويتكلمونها والدوائر الرسمية تكتب أيضاً اليونانية.

قورش المسيحية
قورش المسيحية

فتحها المسلمون صلحاً عام 637م على يد عياض بن غنم، ودفع الجزية للفاتح المسلم.

صارت مركزاً عسكرياً هاماً زمن الأمويين والعباسيين، وتقيم فيها حامية إسلامية مؤلفة من عشرة آلاف رجل نظراً لأهميتها العسكرية وقربها من حدود الامبراطورية الرومية. في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، أصبحت المدينة تابعة إداريًا لمنبج بحاميتها العسكرية الكبيرة، ومن العواصم السبع على الحدود البيزنطية، وفي سنة 1314م بنى والي حلب علاء الدين بن ألطونبغا الحاجب المملوكي التركي جامعًا له فيها

كانت قورش واحدة من العواصم السبع التي أوجدها هارون الرشيد، وجعل مركزها منبج، ويعلمنا السائح الزاهد علي أبو بكر الهروي عام 1173 أن: “قورش مدينة قديمة قرب حلب تمتد حولها العديد من بقايا الآثار وهي خربة حالياً ولكن فيها من ذكريات الماضي الشيء الكثير”.

كان ثيودوريطس هو أشهر أساقفتها، ولد عام 393 م وأصبح أسقفاً عام 423 م وترك الحياة الاكليريكية ذاهباً إلى الرهبنة عام 449م، ويذكر المؤرخ ميخائيل السوري أسماء أساقفتها الذين تعاقبوا من القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر فقط، ربما بسبب إلغاء كرسي الأسقفية في حال تناقص اهميتها كأبرشية هامة جداً، أو لدمار المدينة.

اكتشاف جثة محنطة لاحد الملوك قي النبي هوري
اكتشاف جثة محنطة لاحد الملوك قي النبي هوري

في قورش كنيسة الشهيدين قوزما وداميانوس اللذين استشهدا عام 303 م بعد أن أُلقيا في هوّة قرب المدينة، وتحتوي على ذخائرهما، وسميت مدينة القديسين، وكنيسة غرب المدرج، وأخرى على يمين الطريق الرئيس، ورابعة تشرف على التلة أقيمت فوق معبد وثني، وكنيسة القديس ديونيسيوس من القرن الرابع، وكنيسة سمعان الغيور، وكنيسة الرسل التي شيدها ثيودوريطس، ومصلّى مرقيانوس، وكنيسة أخرى ، ولذلك سميًت قورش بالمدينة المقدسة ومدينة حج، إضافة إلى دير قورش، ودير يعقوب.

عاش فيها القديس الراهب مارون مع آلاف الرهبان وفق المذهب الخلقيدوني الذين ويلقبون في الكنيسة الارثوذكسية على قول العلامة المطران جورج خضر” قديسو القورشية”

آثار قورش

تمتد المدينة من سفح التل حتى طرف الوادي الذي يجري فيه نهر الصابون، وهناك سور من أيام السلوقيين أعيد ترميمه مرات، ويحيط بالمدينة من الشمال والجنوب ويسير شرقاً مع إنحناءات الوادي. في المدينة قلعة قامت فوق الأُكروبول القديم تمتد مع أطراف التل البيضوي، وفي جدران سورها أربعة أبراج مربعة، وبرجان إلى جانبي مدخل السور الجنوبي الذي يطل على المدينة المنخفضة، وفي أعلى القمة قام الحصن الرئيس وله أربعة أبراج ثلاثة منها مربعة والرابع دائري الشكل.‏

ضريح النبي هوري
ضريح النبي هوري

وهناك شارع مستقيم وسط المدينة باتجاه شمال جنوب، وقام مسرح في سفح تل الأكروبول قطره 120م ويضم 24 صفاً من المدرجات الحجرية، وفيه مسرح للتمثيل بطول 48م تم إظهاره عام 1952من خلال حفريات بعثة “المعهد الفرنسي لآثار الشرق الأدنى” بإدارة السيد فريزول.

يتميز المدَّرج بمقاعده الضخمة وأعمدته المرمية مع تيجانها الكورنثية على أرض الصالة (الأوركسترا)،وقد حملت بعض المقاعد أسماء أشخاص، وكأنها محجوزة لهم لمشاهدة مسرحيات ذلك العصر .‏

وبالإتجاه شمالاً في المدينة، يُشاهد سورٌ حجري ضخم يتصل بسور المدينة من جهة الغرب، قامت بداخله باحة واسعة جداً، فيها بناء كنيسة قديمة ذات ثلاثة أبهاء ربما كانت تفصل بينها أعمدة، كما توجد شرقي الشارع الرئيس بقايا كنيسة بازليك مازالت ركائز أبهائها وحنيتها الشرقية قائمة.

في عام 1140 م حدث زلزال في المنطقة أضر بها، ومنذ تلك الفترة هجرت، وتحولت إلى أطلال مندثرة إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في لبنان “هنري سرينغ” في العام 1952 بالتنقيب فيها لسبع مواسم متتالية وكشف النقاب عن المعالم الأساسية وبعض أبنيتها.

بازيليك كنيسة من آثار قورش
بازيليك كنيسة من آثار قورش

تتماشى أسوارها مع جغرافية الهضبة التي بُنيت عليها، ودعمت في عهد الامبراطور يوستنيانوس الأول(القرن السادس) بمجموعة من الأبراج بنيت على اساسات أبراج أقدم منها، وتقع القلعة على تلة الأكروبول القديم على شكل حصن مربّع، ومخطط المدينة الداخلي جاء على نظام شبكة تربيعية مستطيلة الشكل، يخترقها الطريق المستقيم الأساسي الذاهب إلى مقاطعة كوماجين في الشمال، والطريقان المتقاطعان ينتهيان بأربع بوابات رئيسة، وفيها معبد روماني جنوب المسرح، ومجموعة بيوت رومانية وثلاثة جسور من القرن الثاني أو الثالث لا يزال اثنان منهما قائمان ، واحد على نهر عفرين(أونيوباراس) والآخر على نهر صابون صويو، فيما تهدم الثالث الذي كان يربط المدينة بطريق يؤدي إلى مقاطعة كوماجين، وتتموضع مقبرتان خارج الأسوار، وفيها حمّام روماني.‏

 القبور والمدافن الموجودة في قورش 

مدفن القائد الروماني
مدفن القائد الروماني

لقد امتدت قبور المدينة خارج أسوارها الشمالية والجنوبية، وقام مدفن روماني فخم يعود الى منتصف القرن الثالث للميلاد يسميه أهل المنطقة (قبر النبي هوري) وقد ذكر الهروي وجود قبر أوريا بن حنان (وهو قائد جيش داود الملك العبري) فيه، والمدفن مؤلف من طبقتين، وهو في قاعدته سداسي الشكل طول ضلعه 5.5م مبني بأحجار منحوتة ملسة في الأسفل تنتهي في الزوايا الست بأحجار استناد تحمل الافريز المحيط بكامل البناء، وقد علته فتحة كبيرة في كل من أوجهه الستة انتهت بقوس في أعلاها، ولها إفريز ثانٍ مزخرف علاه سقف هرمي عالٍ انتهت أوجهه المثلثية في قمتها بتاج كورنثي جميل. وفي داخل المدفن غرفة صغيرة فيها قبر رمزي مؤرخ من العام /703/ه – 1304 م (من أيام المماليك) وبجانب الغرفة ممر بدرج صاعد الى الطبقة العلوية حيث الفتحات الست المطلة على جميع الجهات والأعمدة البديعة في الزوايا وهي مؤلفة من قطعة واحدة من المرمر.‏

وفي الطرف الجنوبي الغربي للمدينة يوجد قبر لقائد روماني على شكل برج مسدّس وفي باحة المدفن مسجد مؤرخ في العام 1859 م يؤمه المصلون من القرى المجاورة في صلاة الجمعة والعيدين، وجدار المسجد الغربي حواري يعلق الأهالي في أخاديده وثقوبه أحجاراً صغيرة بالاحتكاك وإذا لصق الحجر فهذا يعني أن أمنية صاحبه ستتحقق.‏

جسر قورش الاثري
جسر قورش الاثري

وعن الجسرين الرومانيين فإن الجسر الأول يبعد 1.5 كم الى الشرق من قورش فوق نهر الصابون، طوله 120م ويتألف من ست فتحات ازداد ارتفاع فتحاته الوسطى مشكلة بلاطة الجسر المحدبة بميل 15% وبعرض 5.5 م لسير العربات والمشاة والى الشرق من الجسر الأول وعلى مسافة حوالى كيلو متر انتصب الجسر الثاني على نهر عفرين وهو بطول 90 م وله ثلاث فتحات ويتمير بركائزه وأحجاره المنحوتة وقد خضع الجسران للترميم مرات عديدة، وحبذا لو يشاد جسر بديل للمرور فوقه حماية للجسرين الفريدين من نوعهما من الانهيار وكان يجري دراسة تنفيذ جسرين بديلين يحول المرور إليهما وذلك حماية للجسرين الأثريين الفريدين لولا ظروف الهجمة الكونية على سورية منذ 2011 وتوقف كل شيء، ثم الغزو التركي على المنطقة وقصفه المدمر لها.‏

مسرح قورش الشهير

أما مسرح قورش فيعود إلى القرن الثاني الميلادي، وهو ثاني أكبر مسرح في سوريا بعد أفاميا، ويبلغ قطره 115م، ويتألف مدرَّجه من 25 صفاً، 14 منها ما تزال قائمة، حفرت عليها أسماء مالكيها، وأقيم هذا المسرح على سفح هذه الهضبة. بنيت حلبته والبوابات بالحجارة، أعمدته وتيجانه مزينة بالزخارف الغريكورومانية. هناك قناة من الفخار توصل المياه من المدينة العليا إليه، والمكان المخصص للفرقة الموسيقية على شكل مذبح مسدّس الشكل يحمل صورا لآلهة شوّهت المسيحية الأولى.

مدرج قورش
مدرج قورش

يوجد مبنى جنائزي روماني ضخم سداسي الشكل تيجانه كورنثية، وهو من المباني الجنائزية الهامة في سورية، فيه ضريح من زمن متأخر يقصده الناس، أطلقوا عليه اسم النبي هوري المحكي عنه، وهو قبر لشخصية روحية اسمه خورس، حيث يذكر الجغرافي علي الجيري أنه يوجد في المبنى قبر أوريا بن حنان (النبي أوري)، ويتألف من طابقين، في العلوي منافذ ضخمة، سقفه هرمي في رأسه تاج كورنثي، وشكلت بعثة أثرية قبل سنوات من اندلاع الحرب الكونية على سورية بالتعاون مع الجامعة اللبنانية لمعاودة التنقيب في قورش.
كانت مساحة القورشية كمقاطعة تمتد(80 كم من الشرق إلى الغرب و 50كم من الشمال إلى الجنوب) وتؤلف جزءاً هاماً من سورية الشمالية، وكانت معظم جبالها مكسوة بالغابات والأشجار المثمرة، وأنجبت المدينة رجالاً عظام مثل المعماري الشهير أندرونيكوس، الذي بنى قصر الرياح في أثينا، وأفيدياس هيليودوراس، الخطيب والفيلسوف وصديق الامبراطور أدريانوس، وحاكم مصر في عهد أنطونين، وأفيدياس كاسيوس قائد الفرتيّين ومنافس الامبراطور ماركوس أوريليوس العاثر الحظ.

موقع قورش الأثري
موقع قورش الأثري

تقع أطلال مدينة كورش “النبي هوري” حالياً شمال شرق مدينة عفرين بنحو ( 45 كم) ولا تبعد عن الحدود الدولية مع تركية سوى (2 كم)، يمر إلى الشرق منها نهر صابون بنحو (1,5كم)، بُنيت على السفحين الشمالي والشرقي لمرتفع جبلي مغطّى بأشجار الزيتون.

كانت المدينة ذات يوم مركزاً دينياً وعسكرياً مهماً وذات شهرة كبيرة، وهي اليوم موقع أثري وسياحي غاية في الأهمية. تعتبر من أماكن الاصطياف الجميلة في محافظة حلب، ويرتادها مئات المصطافين، كما زارتها مجموعات سياحية أجنبية تعرفت عليها وعلى آثارها شكلت عفرين نتيجة لطبيعتها الجبلية وغطائها النباتي الكثيف ووفرة المياه فيها مكانًا سياحيًا مهمًا بالنسبة لسكان الشمال السوري، وبالتحديد سكان محافظتي حلب وإدلب.

ومن أبرز معالمها السياحية بحيرة الميدانكي، وجبل سمعان، ومصايف كفر جنة، لكن الحركة السياحية تراجعت بشكل كبير عقب 2011.

كما تحتوي أماكن أثرية مهمة مثل قلعة سمعان، تل عيندارا، إلى جانب قلعة نبي هوري
في الحقيقة لم يبق من آثار الموقع اليوم سوى أجزاء من سورها وبعض أساسات غرف الأبراج في زوايا سور القلعة، إضافةً إلى المسرح الروماني الرائع.

الخاتمة

ان مادفعنا الى كتابة هذا المقال عن مدينة قورش هو ان الاتراك الهمج دمروها كما دمروا في غزوتهم لمنطقة عفرين لكل البنى من بيوت ومزارع وآثار وقصفوا قبر وكنيسة مار مارون في براد وجعلوا من دير القديس سمعان العمودي مقراً ومنطلقاً لعدوانهم على الشمال السوري…

قورش منطقة اصطياف شعبية
قورش منطقة اصطياف شعبية

المطلوب هو خروج الاتراك فوراً من هذه المنطقة السورية الحبيبة التي احتلوها، حيث يريدون ان يكون مصيرها كمصير لواء الاسكندرون وانطاكية، ثم اعادة ترميم آثارها فهي الشاهد الحي على حضارة سورية ماضياً وحالياً ومستقبلاً.


أحد الأرثوذكسية

$
0
0

أحد الأرثوذكسية

ويتم التعارف عليه ايضاً بأحد الايقونات

هو الأحد الأول من الصوم نعيّد فيه تذكار تعليق ورفع الأيقونات المقدّسة بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي.

استمرت حرب الأيقونات 120عاماً، حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء عديدة من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد.

أسباب عديدة ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها عوامل خارجيّة محيطة ومعتقدات اخرى مختلفة ومضادة…

لكنهّا كلّها  سببها واحد وهو

رفض تجسّد المسيح أيّ رفض أن يكون الله قد أصبح إنساناً…

وبالتالي ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط، وهذا طبعاً مشروع شيطاني.

انقسمت هذه الحرب إلى مرحلتين رئيستين

1- المرحلة الاولى:

بدأت في العام 726م وإمتدت إلى العام 787م، وذلك عندما هاجم الإمبراطور ليون الثالث الأيقونات، ومنعها وأحرق واتلف وكسّر منها كلّ ما طالته يداه أي أيدي عسكره الذي كان ينفّذ أوامره الصارمة، كما إضطهد لدرجة القتل كلّ من خالف قراراته من المسيحيين.

إنتهت المرحلة الاولى في ظل حكم الإمبراطورة إيريني. كما إنعقد على أثر هذه الاحداث المجمع المسكوني السابع عام 787م  في نيقية والذي ضمً 357 أسقفًا.


أقرّ هذا المجمع تكريم الأيقونات لإرتباطها بسر التجسّد.

2- المرحلة الثانية:

إمتدّت هذه المرحلة من العام 813م لغاية العام 842م. بعد موت الإمبراطور ثيوفيلوس المحارب للأيقونات قامت الإمبراطورة ثيودورة بوقف هذا الإضطهاد الشنيع وكان هذا إنتصارًا ثانياً.

حجج الهراطقة

رد الكنيسة  

– الله حرَّم في وصاياه رسماً له لأنه لم يُرَ ولا يُرى.
– إن إكرام الأيقونات لا يجوز لأنه حينئذٍ يعبد الناس المادة.

– إننا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب – الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أيّ ما تمثّله.
– ” لا يمكن رسم الله الذي لا يدرك، وغير المحدود، أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر، فأنا أرسم الله الذي تراه العين، فأنا لا أعبد المادة بل خالق المادة الذي استحال مادة لأجلي”.
(القدّيس يوحنا الدمشقي)
– ” من حيث أنه ولد من الآب غير القابل للوصف، فلا يمكن أن يكون للمسيح صور، أما من حيث انه ولد من أم عذراء، قابلة للوصف، فله صور تطابق صورة أمه قابلة الوصف”.

(القدّيس ثيودوروس الستوديني)

لماذا تصرّ الكنيسة الارثوذكسيةعلى تخصيص أوّل  أحد من آحاد الصوم للإيمان المستقيم؟ 

عيد الارثوذكسية
عيد الارثوذكسية

السبب أن عقيدتنا اذا كانت منحرفة فالإمساك عن الطعام لا ينفعنا شيئاً. الإيمان الصحيح والقويم هو بدء الحياة المسيحية وركنها واستمرارها.
تأسس هذا العيد عام 842م بعد هزيمة محاربة الأيقونات، وكان يُقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسمي اسمه “السينوذيكون” الذي كان يحرّم كلّ الهراطقة بأسمائهم. واعتبر المسيحيين أن يجاهر الإنسان بعقيدته واجباً وحاجةً وشهادةً وصدقاً.

بماذا نحتفل؟
نحتفل في الأحد الأول من الصوم الكبير بعيد أرثوذكسيتنا، الّتي هي كنيسة الآباء والقدّيسين والشهداء والأبرار، فنحتفل بما تنبَّأ به الأنبياء وبالتعليم الذي استلمناه من الرسل وكتبه الآباء ووافقت عليه المسكونة الذي به بقيت مستقيمة الرأي وأظهرت الحقيقة المستلمة من الرب يسوع المسيح لكل العالم.
التسليم أو التقليد
في المجمع المسكوني الرابع (451م) وبأسلوب صريح وواضح تم تحديد ما يُسمى بتقليد الكنيسة وحياتها أي “التعليم الأرثوذكسي”.

تعيش الكنيسة هذا التعليم (الأرثوذكسي) كإيمان مسلّم من السيد المسيح ذاته، وتظهره بالتعليم الشفوي أو المكتوب أو بالليتورجية الإلهية كعبادة وشركة أسرارية. يُعتبر التقليد بالنسبة للكنيسة الكنز الثمين، تعيشه استناداً على إيمان الرسل والآباء والمؤمنين الأرثوذكس، وبه تسعى لكشف كلّ حقائقها، معلنة للعالم بشجاعة وجرأة أن المسيح هو الإله الحقيقي الذي تعبده وتسجد له.
هي تعلّم بتكريم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وذلك لقداسة حياتهم وصدق كلامهم ومؤلفاتهم ولتضحياتهم في الكنيسة، فهي تقدّم لهم ولأيقوناتهم التكريم، أمّا السجود فهو للمسيح فقط. فالكل تقدّس بالمسيح وقدّموا له كلّ حياتهم الذي هو الكل بالكل.
لهذا السبب في هذ الأحد “أحد الارثوذكسية” تأخذ الكنيسة على عاتقها المسؤولية كاملةً أمام الله والتاريخ وجماعة المؤمنين، وتؤّكد بأن إيمانها هو بالحقيقة ذات إيمان الرسل والآباء وإيمان كلّ أرثوذكسي حق.
فهي الوحيدة القادرة على تفسير الإنجيل تفسيراً معاشاً صار إلى تقديس كثيرين، فتعود إلى الآباء الذين فهموا الإنجيل بالروح ذاته الذي كتب فيه، وعاشوه وتقدّسوا بنعمة الروح القدس، وتعطيهم الأولوية في شرح الإنجيل. ” (الروحيّ يحكم في كلّ شيء اكو15:2) 

انتصار الأرثوذكسية

هذا اليوم هو يومنصر وانتصار الكنيسة على الشرير وتعاليمه الضالة، أي انتصار إيمان الكنيسة على التعليم الكاذب المميت.

ايقونة الضابط الكل
ايقونة الضابط الكل

ابتدأ هذا الانتصار منذ تجسّد الله وصيرورته إنساناً، فاتحدت الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة، كما تشير طروباريّة عيد البشارة: اليوم رأس خلاصنا… ويتبعه انتصار المسيح على الموت بالقيامة.
فرحنا بقيامة المسيح من الأموات يساوي فرحنا لانتصار الأرثوذكسية على التعليم المنحرف.
وكما يحتفل كلّ مسيحي بالقيامة يجب أن يحتفل كلّ أرثوذكسي بانتصار أرثوذكسيته على انتشار الإيمان المفسد الحياة. قال الرب: “السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول” (متى35:24). وقال لبطرس أنت صخرة وعلى إيمان حقيقي كهذا سأبني كنيستي والموت لن يقوى عليها. (مت 17:16-18).
هذا هو إيماننا مستند على حضور المسيح في الكنيسة وهو الذي يصونها.
إن النصوص المتلوة أو المرنّمة في صلاتيّْ مساء وسحر هذا الأحد تلّح على حقيقة التجسّد. فالمسيح المتجسّد هو المثال الجوهري والأصلي لجميع الأيقونات. وتعبّر بعض جمل التريودي عن المعني العميق لإكرام هذه الأيقونات.
كان القدّيسون المُمَجدون أيقونات حيةً لله، وإن كانت غير كاملة. لقد باتوا أيقونةً على مثال الأيقونة الأولى أيّ المسيح الإله المتجسّد. وهذا معنى كلمة “أيقونة” اليونانيّة الأصل، التي تعني نموذج عن المثال الأصلي من هنا نقول أن الأيقونة تُكتب ولا ترسم أيّ تكتب بالروح فتصبح حيّة كالمسيح الذي تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء على ما نقول في دستور إيماننا… وأثناء قداس هذا الأحد، نسمع الكاتب الملهم في ما يتلى من الرسالة إلى العبرانيين، يصف آلام موسى وداود وآباء الشعب المختار وشهدائه. هؤلاء كانوا صوراً مرسومة، لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزون إلى الأيقونة النهائية، شخص المخلص وينبئون به.

إنجيل هذا الأحد يعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي بقوله: “إنكم من الآن ترون السماء مفتوحةً، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر” (أيّ المسيح). فإذا كان الرّب يسوع هو الجسر القائم بين السماء والأرض يكون هذا تعبيرًا على أنه الإله الوحيد والحقيقي.
من هنا نرى الرسول فيلبس يقود نثنائيل إلى يسوع الذي سيصير هو أيضاً تلميذاً له.
نقطة انعطاف في حياة نثنائيل، وهي أيضًا نقطة انعطاف في حياة كلّ منّا، لحظة أو لحظات نكون فيها جالسين “تحت التينة”، لحظات عصيبة، كان يرانا فيها يسوع، دون أن يكون هو نفسه مرئياً، ويتدخّل، يقرع بابنا وينتظر جوابنا.

فلنرفع أيقوناتنا عالياً ونقول بصوتٍ جهوري: “هذا هو إيماننا وسنحافظ عليه إلى الآبد”
الأرثوذكسية

“الأرثوذكسية ” لاتعني انتماءً طائفياً كما يحلو للبعض اظهارها، او اتهام اربابها بالطائفية، بدليل وجودها في الكتب الطقسية التي لكنيسة الروم الكاثوليك بصفتها انشقت عن امها الكنيسة الارثوذكسية وحافظت على العقيدة والليتورجيا الا مايربطها بالكنيسة الكاثوليكية ورئاسة البابا، وان كانت هذه الكنيسة الاخت قد توقفت /ليس من امد بعيد/ عن قولها…!

” الارثوذكسية” هي كلمةٌ قديمة جدًا تعني “التمجيد القويم أيّ استقامة الرأي” وبالتالي هو “الإيمان السليم”، من هنا إيمان آبائنا القدّيسين الذي تسلّموه من الرسل، والمسلّم بحد ذاته من الرّب يسوع نفسه، والمستمر بالكنيسة مدى الأجيال بالروح القدس، تُرجم صلوات وتراتيل ومواعظ وأناشيد، تعبّر كلّها عن الإيمان الذي هو التسليم الشريف، وهذا التسليم يجمع بالتساوي الكتاب المقدّس والليتورجيا وتعاليم الأباء القدّيسين.

فإذا قارنّا العقيدة بصلواتنا والترتيل والكتاب المقدّس نرى أنهم واحد. وهذا ما تعلنه المجامع المسكونيّة السبعة وحبياة الكنيسة كلّها.
تفاصيل إضافيّة

القديس لوقا يكتب ايقونة العذراء والطفل
القديس لوقا يكتب ايقونة العذراء والطفل

الواقع أن الاعتراض على الأيقونات لم يكن إبن ساعته، ففي بدء القرن الرابع المسيحي حرَّم مجمع ألفيرة Elvira المحلّي في اسبانيا إقامة الصور في الكنائس.

ورأى افسابيوس القيصري (يميل إلى الأريوسيّة بشدّة) مؤرّخ الكنيسة أن إكرام صور السيّد وبطرس وبولس كان من “عادات الأمم”، وفي القرن الرابع نفسه أيضاً مزّق ابيفانيوس القبرصي ستاراً في إحدى كنائس فلسطين لأنه كان يحمل صورة السيّد وأحد القدّيسين.

وفي القرن الخامس اعترض خينائياس أسقف منبج (488) على الأيقونات قبل رسامته.

وكان هذا كلّه بتأثير أريوسي الذي يرفض ألوهة الرّب يسوع المسيح ويعتبره مخلوقًا أي يرفض التجسّد الإلهي.
في القرن السادس جاهد اغاثياس (582+) في حماية أيقونة مار ميخائيل ضد المعترضين، وقبيل نهاية هذا القرن نفسه في السنة 599 حرّم سيرينوس أسقف مرسيلية إقامة الأيقونات في الكنائس فكتب إليه القدّيس غريغوريوس بابا رومة يثني على عدم التعبّد لما هو من صنع البشر، ويذكّر في الوقت نفسه بالمؤمنين الأمّيين الذين لا يقرأون ولا يكتبون، وبضرورة إعانتهم على النظر إلى ما لا يمكنهم أن يقرأوه في الكتب.

– ويجب أن لا يغيب عن البال أن اليهود لم يرضوا قط عن شيء من هذا، وأن الإسلام علَّم بأن الأنصاب رجس من عمل الشيطان (سورة المائدة) وأن المانوية بثوبها البولسي استنكرت إكرام الأيقونات.

لاوون والأيقونات
يرى “شارل ديل” أن لاوون نشأ في جو عائلي أسيوي يمقت الأيقونات، ويرى في إكرامها خروجاً عن العقيدة القويمة وأنه رغب في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فرأى أنه إذا حارب الأيقونات يضرب الرهبان ضربة مكينة فيصيب عصفورين بحجر واحد.

ويلمس كار شينك في شخص لاوون الثالث ورعاً وتصوّفاً شديدين جعلاه يعتبر بما حلّ بالدولة من ويلات بسبب إكرام الأيقونات.
ويقول كارل شفارتز لوزي بشيء من هذا، ويضيف أن لاوون كان جندياً خشناً لا يتذوّق الفن، وأن تربيته العائلية واحتكاكه باليهود والمسلمين دفعاه إلى تحطيم الأيقونات، ولا سيّما وأنه كان يعتبر نفسه رئيساً زمنياً وروحياً في آن واحد.

يزيد والأيقونات
(723) يرى رجال الاختصاص أن كتاب المسلمين حرّم الأصنام والأنصاب، ولكنّه سكت عن الصور والرسوم، وأن تحريم هذه جاء في الحديث فقط.

ويرون أيضاً أن الخلفاء ووجهاء الأمويين زيّنوا بعض قصورهم بما مثل الكائنات الحيّة. وأنّهم لم يتورّعوا عن التداول بالعملة البيزنطية التي كانت تحمل رسوم الأباطرة، وأن محاربة رسوم الكائنات الحيّة بدأت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

وهم يرون أيضاً في خلو فسيفساء الجامع الأموي – كاتدرائية دمشق- كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان سابقاً – من رسوم الأحياء، دليلاً على بدء محاربة الرسوم في أوائل القرن الثامن.

شملت محاربة الأيقونات الكنائس والمعابد والبيوت، فأمر عبد الملك بن مروان بتحطيم جميع الصلبان. ثم جاء يزيد الثاني (720-724) فقرَّب يهودياً من طبرية وأصغى إليه. فأشار عليه هذا بتحطيم جميع الصور والصلبان حيثما وجدت وذلك ليطول عمر الخليفة وعهده.  فأمر يزيد بذلك، فتوفّي في السنة التالية.

وجاء في كتاب الخطط للمقريزي (جـ 2 ص 492-493) أنه لما توفّي يزيد، كان أسامة ابن زيد التنوخي متولّي الخراج على النصارى في مصر، فاشتد عليهم وأوقع بهم.

“ثم هُدّمت الكنائس وكُسِرت الصلبان ومُحيت التماثيل وكُسّرت الأصنام جميعها”.

وجاء أيضاً في تاريخ أبي فرج الملطي أن يزيداً “أمر أن تنزع صورة كلّ حيّ من الهياكل والجدران والأخشاب والحجارة والكتب” وأن لاوون ماثله في ذلك.

أساقفة آسية الصغرى
خاض الناس في خبر يزيد وانتشر بريده في آسية الصغرى، فتلقّاه قسطنطين أسقف نقولية Nocotia برُحب صدره فأطلق لسانه في هذا الموضوع.

فاعترضه رئيسه متروبوليت سنادة Synnada، فقام قسطنطين إلى القسطنطينية يبحث موضوع الخلاف بما جاء في الفصل العشرين من سفر الخروج: “لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي. لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل ولا مما في المياه تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهم لأني أنا الرب إلهك إله غيور”.

وكان المتروبوليت قد كتب إلى البطريرك في ذلك أيضاً. فأسكت البطريرك الأسقف، وكتب إلى المتروبوليت ودفع بردّه هذا إلى الأسقف طالباً أن يوصله إلى رئيسه. فعاد الأسقف إلى نقولية واحتفظ برسالة البطريرك فاغتاظ المتروبوليت. وعلم البطريرك بذلك فكتب إلى الأسقف يهدده بالقطع.

وجارى قسطنطين كلّ من توما أسقف كلوديابوليس، وثيودوسيوس رئيس أساقفة أفسس. فكانت مشادة وكان انطلاقٌ في سبيل تحطيم الأيقونات.
بسر السوري ولاوون
(723). وقد جاء في حوليّات ثيوفانس أن لاوون أحب مارقاً سورياً اسمه بسر، وأنّ بسراً هذا كان بطلاً مغواراً فأحبّه لاوون وعطف عليه.

ووقع بسر أسيراً في يد العرب، فدخل الإسلام ونال حظوة عند يهودي طبري كان يزيد الخليفة قد قرّبه من شخصه.
وجاء أيضاً أن بسراً عاد إلى القسطنطينية في السنة 723 واتّصل بلاوون فجعله بطريقاً فقتل في ثورة الارتفزدة في السنة 740مسيحية.
ويعلّق بعض رجال البحث أهمية على اتّصال بسر بلاوون، فيشيرون إلى أن لاوون أعلن موقفه من الأيقونات في السنة نفسها التي اتّصل بها ببسر.

بركان سنتورينة 

والدة الاله والطفل يسوع ايقونة خالكى
والدة الاله والطفل يسوع ايقونة خالكى

  (726) وثار بركان جزيرة سنتورينة في السنة 726 وغارت جزيرة صغيرة بالقرب منها، وظهرت جزيرة جديدة فوق سطح المياه فرأى لاوون في هذا كله غضباً ربانيّاً فدعا الناس في العاصمة، وخطب فيهم منذراً موجباً التعبد لله وحده والتندّم على ما فرط منهم في إكرام الأيقونات.

فدمدم الحضور وهمهموا، فأكّد الأمبراطور أنّه لا يقصد التهاون بالأيقونات ولا الاستهانة بها، وإنّما يرغب في رفعها إلى محلات عالية في الكنيسة كي لا يؤدّي لمسها وتقبيلها إلى إتلافها. ولكن في الحقيقة كان الأمر مختلفاً وهذا ما ستثبتّه الأحداث لاحقاً.

أيقونة خالكة
أطلق لاوون لنفسه عنان هواه، فأمر في مطلع السنة 727 بإنزال أيقونة السيّد المخلّص من مكانها فوق أحد مداخل قصر خالكة.
فاضطرب سكان العاصمة وهجم بعضهم يمنع إنزال الأيقونة. فصدَّهم رجال الأمن، فاصطدم الفريقان ووقع ضحايا.

أُلقي القبض على المتظاهرين وجُلد بعضهم وشُوّه البعض الآخر ونُفي غيرهم.
ولم تلقَ دعاية لاوون آذاناً صاغية بين أساتذة جامعة القسطنطينية، فغضب لكرامته وشوّش عليهم. ولعلّه أقفل هذه المؤسسة.
البطريرك والبابا
ولم يتراجع لاون عن آرائه، فظلّ حتى السنة 730 مسيحية يتحيّن الفرص ويفاوض. ففي السنة 728 م فاوض جرمانوس البطريرك المسكوني في أمر الأيقونات، وزعم أن جميع البطاركة والأباطرة ضلّوا بما قاموا به من إكرام واحترام للأيقونات. فلم يتجاوب جرمانوس معه وخيّب أمله.
وكتب لاوون في هذه الأثناء رسالة إلى بابا رومة غريغوريوس الثاني واعداً وعداً كريماً في حال الموافقة على تحريم الأيقونات، متوعّداً بالخلع إن هو خالف الرغبة الملكية. فأنذر غريغوريوس المؤمنين بطغيان الأمبراطور.
ويستدل مما تبقى من نصوص هذه الرسائل، أن لاوون تذرّع بالتوراة لتحريم الأيقونات فاستشهد بالفصل الثامن عشر من سفر الملوك الثاني فذكر “كيف أزال حزقيا المشارف وحطّم الأنصاب وسحق حيّة النحاس التي كان موسى صنعها لبني إسرائيل، كانوا إلى تلك الأيام يقترون لها وسموها نحوشتان” وادّعى أنه إنما يقتضي أثر هذا الملك الصالح.

ومما احتج به لاوون في هذه الرسالة، أنّه اعتبر نفسه كاهناً وامبراطوراً.

أما غريغوريوس فإنه عاب على لاوون اقدامه على ما فعل بدون مشاورة السلطات المختصّة، وأكّد له أن ما ورد في التوراة إنما جاء ليردع اليهود عن التعبد للأوثان.
وفي أواخر السنة 729م أعاد لاوون الكرّة فبحث موضوع الأيقونات مرّة ثانية مع جرمانوس، ولكنّ جرمانوس أصرّ على إيمان الآباء بتكريم الأيقونات بما تمثّله.
تحريم الأيقونات
في عام 730 م قام لاوون بدعوة المجلس Silention الذي يضم أعضاء مجلس الشيوخ الأعلى وكبار رجال الدولة والكنيسة إلى جلسة قانونية في قصر دفنة.
وكان لاوون قد أمر بإعداد بيان رسمي بتحريم الأيقونات. فلمّا اكتمل الحضور طلب الأمبراطور إلى البطريرك جرمانوس أن يوقّع هذا البيان. فرفض البطريرك ورفع الأوموفوريون وقال إلى الأمبراطور: “أنا يوناني اطرحوني في البحر. لا يمكنني أن أعترف إلاّ بالدستور الذي أقرّه المجمع المسكوني” وخرج إلى بيت أبيه وأكمل أيامه فيه.
واعتبر لاوون الكرسي القسطنطيني شاغراً فأوعز بارتقاء انسطاسيوس السنكلوس. فانتُخِب هذا بطريركاً مسكونياً في الثامن والعشرين من الشهر نفسه ودعا المجمع القسطنطيني إلى الانعقاد، وحرَّم استعمال الأيقونات.

وأرسل الرسائل السلامية، ووجه إحداها إلى غريغوريوس الثاني بابا رومة وأعلمه بما فعل. فاعترض أسقف رومة وألحّ عليه بوجوب العودة إلى الأرثوذكسية.
وضيّق الأمبراطور والبطريرك الجديد على من أيّد الأيقونات وعذّبا عدداً كبيراً من المؤمنين وشوّها وأعدما. 
موقف كنيسة أنطاكية 

مؤسسا كرسي انطاكية القديسان بطرس وبولس
مؤسسا كرسي انطاكية القديسان بطرس وبولس

كانت كنيسة أنطاكية لا تزال ميتّمة لا راعي لها. ولكن ابنها البار يوحنا الدمشقي هبَّ للدفاع عن الدين القويم فصنّف رسائل ثلاثاً ردَّ بها على لاوون وأتباعه فأتحف الكنيسة الجامعة بحجج لاهوتية منطقية دامغة أصبحت فيما بعد حجة الكنيسة الرئيسية.

وتُتعتبر رسائله هذه، أفضل ما صٌنّف لأنّه أثبت فيها مقدرة في الاجتهاد فاق بها جميع أقرانه من علماء القرن الثامن.

ولم يكتفِ قدّيسنا بقول بولس الرسول: “تمسّكوا بالتقاليد (التسليمات) التي تعلّمتموها إما بكلامنا وإما برسالتنا” بل ربط تكريم الأيقونة بسر التجسّد الإلهي وسر الخلاص مؤكِّداً أن من يحارب الأيقونات ينكر حرمة شكل الإله المنظور ويهدد سرّ التجسد بالانهيار.
ويرى بعض رجال الاختصاص أن يوحنا الدمشقي تكلّم في هذا الموضوع باسم يوحنا الخامس بطريرك أورشليم ، وزعيم كنيستي أورشليم وأنطاكية آنئذ، وأن هذا ما جعله يهدد لاوون باللعنة والقطع. ومما يذكر لهذه المناسبة أن قدّيسنا اعترض على تدّخل لاوون في أمور العقيدة واعتبر البحث فيها من خصائص الكنيسة الجامعة وحدها.
وأدّى اهتمام لاوون بالدين إلى سلخ أبرشيات أسورية عن كنيسة أنطاكية وضمّها إلى كنيسة القسطنطينية. فخسرت كنيستنا أربعة وعشرين أسقفاً ومتروبوليتاً. ولعل الظرف السياسي الحربي قضى بهذه التجزئة. فإن سورية أصبحت بعد الفتح الإسلامي بعيدة عن أنطاكية خاضعة لأمبراطور الروم.
البابا غريغوريوس الثالث (731-741م) ودعا غريغوريوس الثالث إلى مجمع محلي في روما في أول تشرين الثاني من السنة م731. فحرم هذا المجمع كلّ من قاوم احترام الأيقونات وإكرامها.
فحرم لاوون بدوره أسقف رومة من دخل أوقافه في كلابرية وصقلية، ورفع سلطته الروحية عن الكنائس اليرية وكلابرية وسردينية وألحقها كلها بالبطريركية المسكونية. فبذر بعمله هذا شقاقاً في الكنيسة أدّى فيما بعد إلى عواقب وخيمة.
قسطنطين الزبلي
(740-م775) وتوفي لاوون في السنة م740 فتسلّم قسطنطين الخامس أزمة الحكم في القسطنطينة.
وتبنّى قسطنطين مقاومة الأيقونات فأكّد استحالة تمثيل الله بواسطة المادة لأن المادة زائلة والله دائم.

وقال “إن ما يصح عن الله ينطبق على العذراء والقدّيسين لأنهم أصبحوا عند الله. فإذا ما مُثلوا بالمادة نُزع عنهم شرف وجودهم أمام الله”.
وأضاف:” أن المسيح هو صورة الآب فإذا ما مثّلناه بالمادة نزعنا عنه طبيعته الإلهية وأصبحنا من النساطرة”.

ويقول البطريرك نيقوفوروس أن قسطنطين صنّف رسالة في هذا الموضوع أكد فيها استحالة تمثيل طبيعتي المسيح الإله وأوجب اعتبار الافخارستيا صورة السيد الوحيدة. وهام قسطنطين في ضلاله فاستبدل اللفظ “ايبوستاسيس” الذي أقرّه الآباء في المجامع باللفظ “بروسيتون” فجارى بذلك من قال بالطبيعة الواحدة.
ثم شرع في إضطهاد الكنيسة فسخر بكلّ قدّيس وبالاحتفال به. ومنع الأعياد والأصوام. وحطّم الأيقونات وطلى جدران الكنائس بما يطمس الصور والرسوم. ولكنّه احترم الصليب، فزين به كلّ حنية ورسمه مكبّراً على سقوف الكنائس وحفره في المسكوكات والأختام.
ملاحظة: وجاء صليب هؤلاء المحطّمين عريض الأطراف شبيهاً إلى حد معين بصليب فرسان مالطة. وظهر في بعض الأحيان في المصكوكات والأختام قائماً فوق مدرج صغير. وبدا أحياناً أخرى في مجموع من الأغصان المورقة متأثراً بشكل صليب النصر القسطنطيني. ولعل علاقة الصليب بالنصر كانت هي الدافع لاستمساك المحطمين بالصليب وإبقائهم عليه.
وعلى أثر تفاقم الخلاف بين امبراطور الروم وبين كبار رجال الكنيسة الجامعة الأرثوذكسية في بطريركيات أنطاكية وأروشليم والاسكندرية، ضعفت سلطة هشام ابن عبد الملك ريبته فرخّص لهم بالرجوع إلى حقوقهم القديمة بإقامة بطاركة لهم من أحبارهم البلديين. فانتخبوا راهباً أعزّه هشام وأجلَّه، فرقي السدة الأنطاكية في السنة 742 باسم اسطفانوس الرابع.
واشتد الجدل في هذه الآونة بين علماء المسلمين وبين الآباء المسيحيين، فتخاصموا وتغالبوا في المناظرة يريد كلّ واحد إفحام خصمه.

وتدخل بطرس متروبوليت دمشق في هذا الجدل، وأيّده اسطفانوس الرابع البطريرك الأنطاكي الجديد، فغضب الوليد الثاني خليفة هشام (743-744) لكرامة الإسلام والمسلمين، فأمر باسطفانوس فقطع لسانه وتوفي في السنة 744. ثم أمر ببطرس فقطع لسانه أيضاً ونفي إلى “العربية السعيدة”.
وفي السنة 745 رضي مروان الثاني عن الكاهن الأرثوذكسي ثيوفيلكتوس ابن قنبرة الصائغ الرهاوي، فأوعز بانتخابه بطريركاً على أنطاكية. فاُنتخب وتسلّم عكاز الرعاية. وحرر الرسائل السلامية فوجهها إلى زملائه رؤساء الكنائس الخمس. ودافع عن سلامة العقيدة.

الاحتفال بزياح الايقونات في احد الارثوذكسية
الاحتفال بزياح الايقونات في احد الارثوذكسية

مجمع هييرية
(754م) وقام قسطنطين الزبلي في حوالي السنة 753م يستمزج الرعايا في أمر العقيدة التي كان قد عقد نيّته عليها، فأمر الولاة والمطارنة بعقد الاجتماعات لهذه الغاية.

وبعد أن لاح الفوز دعا الأساقفة إلى مجمع في قصر هييرية بالقرب من خلقيدونية في العاشر من شباط سنة 754م. فالتأم في هذا الموعد ثلاث مئة وثمانية وثلاثون أسقفاً. ولم يظهر بينهم أي ممثّل لكنائس رومة والإسكندرية وأورشليم وأنطاكية. وتوفي انسطاسيوس البطريرك القسطنطيني قبيل انعقاد هذا المجمع، فتولى الرئاسة فيه ثيودوروس متروبوليت افسس. وكان قد اشتهر بعدائه للأيقونات.

وبحث الآباء المجتمعون أمر الأيقونات، فتبنّوا قول لاوون وإبنه وأوجبوا نزعها. وأكّدوا أن تصوير المسيح بالمادة يعني واحداً من اثنين: إمّا القول مع نسطوريوس بإمكانية فصل الطبيعتين وتصوير واحدة منهما وهي البشرية، أو تأييد المونوفيسيين والقول معهم بطبيعة واحدة هي الإلهية.

وأبى الآباء أن يتقبّلوا شيئاً من آراء الزبلي الخصوصية.
وفي منتصف شهر آب من السنة 754 م قدّم الزبلي البطريرك الجديد قسطنطين سيلايون إلى الآباء المجتمعين. ثم أعلنت في السابع والعشرين خلاصة أعمال هذا المجمع مشفوعة بإرادة امبراطورية تقضي بالتنفيذ وتؤّدي بقطع كلّ من جرمانوس القسطنطيني وجاورجيوس القبرصي ويوحنا الدمشقي.
وانتحل الآباء المجتمعون الصفة المسكونية لهذا المجمع فاعتبروه المجمع المسكوني السابع.
تضييق واضطهاد

وتقوى قسطنطين الخامس الزبلي بقرارات هذا المجمع فاندفع في محاربة الأيقونات أكثر من ذي قبل وصب غيظه وبلاءه على الرهبان. فكم عين قلع وكم يد وأذن قطع فضلاً عن قتلهم. وأكره طائفة منهم على الزواج إكراهاً. واستعرض مرة فئة منهم في ميدان الهيبودروم موجباً على كل منهم أن يمسك بيد امرأة في أثناء العرض.

ويقول ثيوفانس أن حاكماً من حكّام آسية الصغرى جمع رهبان ولايته وراهباتها فأمرهم بأن يرتدوا الأبيض ويتزوجوا حالاً ومن لم يطع فتسمل عيناه ويقصى إلى قبرص.

فهنأه الزبلي قائلاً: لقد وجدت في شخصك رجلاً يحب ما أُحب وينفذ جميع رغباتي. وصادر الزبلي أملاك الأديرة وضمها إلى أملاك الدولة.
وهكذا فرّ عدد كبير من الرهبان إلى إيطالية وجنوب روسيا وشاطئ لبنان وفلسطين.

من المصادر

– د. أسد رستم،”حروب الأيقونات”

– موقع البطريركية الانطاكية الارثوذكسية

– السنكسار


قصه اليوم…مظاهرة الذئاب والخراف…

$
0
0

قصه اليوم… مظاهرة الذئاب والخراف…

ذات يوم ساق الراعي أغنامه إلى حظيرتها، وغلّق الأبواب كلّها، فلمّا جاءت الذئاب الجائعة وجدوا الأبواب مغلقة، ويئسوا من الوصول إليها، دبّروا خطة لتحرير الأغنام من الحظيرة.

في تلك الخطة توصلت الذئاب إلى أنّ الطريق هي إقامة مظاهرة أمام بيت الراعي يهتفون فيها بالحرّية للأغنام.

نظّمت الذئاب مظاهرة طويلة طافوا بها حول الحظيرة

فلما سمعت الأغنام أن الذئاب أقامت مظاهرة تدافع فيها عن حرّيتهم وحقوقهم تأثروا بها، وانضموا إليها، فبدأوا ينطحون جدران الحظيرة والأبواب بأقرانها حتى انكسرت، وفتحت الأبواب وتحرروا جميعا، فهربوا إلى الصحارى، والذئاب تهرول ورائها، والراعي ينادي ويصرخ مرة، ويلقي عصاه مرة أخرى ليصرفهم، ولم يجد فائدة من النداء ولا من العصا.

وجدت الذئاب الأغنام في بادية مكشوفة بلا راع ولا حارس، فكانت تلك الليلة ليلة سوداء على الأغنام المحررين، وليلة شهية للذئاب المتربصين.

في اليوم التالي لمّا جاء الراعي إلى الصحراء التي وجدتْ الأغنام فيها حرّيتهم لم يجد إلّا أشلاء ممزقة وعظاما ملطخة بالدماء.

أسطورة قد سمعتموها…
لكن ما أشبه مظاهرة ذئاب العالم لحرّية الشعوب بهذه الأسطورة. لما يحصل اليوم في مناطق عدة من بلادنا…

سورية مثال…
والحكيم تكفيه الاشارة…

البروفيسور العراقي الدكتور الياس كوركيس

$
0
0

الشخصية التي رسمت للصين مستقبلها الاقتصادي الزاهر
هو البروفيسور العراقي الدكتور الياس كوركيس الاستاذ في جامعة اكسفورد البريطانية

نهضة الصين

كانت الصين دولة شعبية فقيرة جداً وضعيفة لغاية عام 1977، وكانت أعلى المنتجات الصناعية الرئيسة في البلاد هي “الغزل والأقمشة والفحم الخام والحبوب والقطن” واليوم أصبحت الصين دولة صناعية عملاقة تفوقت حتى على اميركا واصبحت دائنة لها، وتفوقت على إنكلترا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها من الدول العريقة في مجال الصناعة والإقتصاد وحسب دراسة جامعة أكسفورد البريطانية, ان التنمية الإقتصادية الصينية هي الأولى في العالم حاليا.
قصة تحول تنمية إقتصاد الصين من هزيل ركيك الى الأول عالمياً نوجزها في الأسطر التالية
عام 1978 وبعد تولي “دينج هسياو ينج” الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين، طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الحاكم الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية وإقتصادية عالمي، للنهوض بالواقع الإقتصادي المتردي للصين الشعبية، وبعد رفض طلبه سبع مرات “لم يكل أو يمل” حتى في المرة الثامنة أقنعهم بفكرته ووافقت اللجنة.
وخاطب “دينج هسياو ينج” شخصياً عمادة كلية الإدارة والإقتصاد والسياسة في جامعة أكسفورد البريطانية، وهي الأولى عالمياً في هذا التخصص، وأبلغهم عن رغبة الصين، بالتعاقد مع بروفيسور متخصص بالتنمية الإقتصادية والإدارية، للعمل مع الحكومة الصينية بصفة مستشار أول، ويُدفع له خمسة أضعاف راتبه الحالي مع إمتيازات إضافية آخرى كتذاكر السفر المجانية ثلاث مرات بالسنة مع عطلة 60 يوماً في السنة مدفوعة الثمن…
رفضت جامعة أكسفورد طلبه، لكنه لم ييأس وعاودَ الكَرَةَ ثانيةً وعرض عليهم أن يدفع للكلية رواتب الأستاذ للسنة الماضية كلها…

وافقت العمادة وعملت إعلان ووضعته في لوحة إعلانات الجامعة…

وتقدم احدهم ووافق على العرض وذهب للصين، وأمرَ “دينج هسياو ينج” وزراء الحكومة الصينية بتنفيذ مايطلبهُ منهم الخبير.

اقتصاد السوق

كانت اولى خطواته هي التحول التدريجي إلى إقتصاد السوق، وفتح الباب أمام الإستثمارات الأجنبية، وخاصة في مجال الصناعة، وقد حدد “الخبير أربع نقاط أساسية لمشروعه مع حكومة الصين وهي
أولاً: العمل من أجل حكومة نظيفة وأمينة ونزيهة.
ثانياً: تضيق الفجوة الإقتصادية بين شرق وغرب الصين بتبادل الخبرات المتوفرة.
ثالثا: العمل على تقليل التضخم بالعملة.
رابعاً: قام شخصياً بتدريب الوزراء على الإدارة والقيادة وتعلم الإنكليزية، ونقل الوزراء هذه التجربة إلى موظفي وزاراتهم.

خطة طموحة
بعد ثلاث سنوات من بداية عمله، ووضعه خطة إستراتيجية لكل وزارة، أخذت تجربته الإصلاحية لإقتصاد الصين تظهر للعيان، وبعد خمس سنوات من عمله استطاعت الصين من بلورة مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكي، وتحديث تسوية عملية ونظرية بين الحفاظ على دور الدولة التدخلي في الاقتصاد من جهة، وخلق فضاءات أو جزر اقتصادية ليبرالية متعولمة من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة عمل الخبيرعلى ربط الإقتصاد الصيني بالاقتصاد العالمي وتلك التجربة الحديثة سمحت للصين بالاندماج بدون أن تعاني من الزلازل التي تواكب عادة التحول من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد متعولم.

تدرج الاصلاح
وبدأ الخبير الإصلاح في المناطق الريفية بتدشين نظام الأسر المنتجة، ثم واصل عمله الإصلاحي في البلاد، وطال الإصلاح قطاع الصناعة الذي به استمرت الصين في انفتاحها الاقتصادي، وساعد الخبير المذكور الصين بالإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
يقول الأستاذ في جامعة بكين لي جانغ:” كانت الرشوة والسرقة متفشية في الدوائر الحكومية لكن قرار حكيم من المستشار التنموي للصين، ويقصد الخبير أدى الى زيادة دخل الموظف كل ما زاد حجم الإنتاج، وزادت المبيعات، وجعل نسبة من الربح تذهب للموظف والعامل والمدير، وهذا ما جعل الجميع يُفكر بزيادة اﻻنتاجية…
للتذكير انه البروفيسور العراقي الياس كوركيس الاستاذ في جامعة اكسفورد البريطانية، وهو الخبير الاستيراتيجي الذي صار سببا في نهضة الصين وخلال عشر سنين فقط


أبونا الجليل في القدّيسين غريغوريوس بالاماس العجائبيّ رئيس أساقفة سالونيك

$
0
0

أبونا الجليل في القدّيسين غريغوريوس بالاماس العجائبيّ رئيس أساقفة سالونيك

– أصله ونشأته

وُلد القدّيس غريغوريوس بالاماس في مدينة القسطنطينية في العام 1296 للميلاد. كان من عائلة من النبلاء. أبوه وأمّه مهاجران من بلاد الأناضول، تركاها إثر غزوة الأتراك لها.
كان أبوه عضواً في مجلس الشيوخ مقرّباً من الإمبراطور البيزنطيّ أندرونيكوس الثاني باليولوغوس. يروى عن أبيه أنّه كان يمارس الصلاة القلبية ويغيب عما حوله حتى في محضر الإمبراطور. وقد كان يحدث أن يطرح عليه أندرونيكوس سؤالاً فلا يجيبه لأنه كان غارقاً في صلاته. ويبدو أنه صار راهباً واتخذ اسم قسطنديوس عندما أحسّ بدنوّ أجله.

أمّا والدته فكانت تقيّة، حادة الذكاء، تتمتّع بمواهب جمّة. وقد كان لها على ابنها أطيب الأثر. كما دخلت هي أيضاً الحياة الرهبانية. كان لغريغوريوس أربعة أخوة، أختين وأخوين. وإثر وفاة أبيه تعهّد العائلة الإمبراطور أندرونيكوس. وهكذا تيّسر لغريغوريوس أن يحصّل قدراً وافراً من العلم، ونشأ في القصر الملكيّ، حتى  بلغ العشرينات.

يروى عنه أنّه كان ضعيف الذاكرة، يصعب عليه الحفظ غيباً، فكان يركع ثلاث مرات ويصلّي لوالدة الإله صلاة حارّة. وبمعونتها توصّل إلى الحفظ عن ظهر قلب بسهولة. درس البيان والخطابة والطبيعيات والمنطق. وقد برعَ في الفكر الفلسفيّ، لاسيما في المنطق الأرسطويّ.

– راهباً 

لم تُغرِ غريغوريوس نجاحاته، ولا طمحَ في ارتقاء سلّم الوظائف العامة. كان منجذباً بكليته نحو الرهبنة، وقد اعتاد أن يلتقي رهباناً منحدرين من الجبل المقدّس (آثوس). وكان هؤلاء يرشدونه إلى الابتعاد عن العالم ويشجّعونه على الذهاب إلى الجبل المقدس. كما كانوا يوصونه بالتروّض على أتعاب الفضيلة قبل ترك العالم.

وهكذا بدأ يسلك في الفقر إلى حدّ ظنّ مَن حولّه أنّه فقد عقله. وقد اتّخذ ثيوليبتوس، الذي صار فيما بعد أسقف فيلادلفيا، أبًا روحيًّا ومعلّمًا، فدرّبه هذا الأخير على يقظة القلب والصلاة النقيّة.

– من العائلة إلى الرهبنة

في العام 1316 للميلاد، عزم غريغوريوس على ترك العالم والانصراف إلى الحياة الرهبانيّة الملائكيّة. ولمّا كان كبير إخوته وصاحب الكلمة الأولى في العائلة محلّ أبيه، فقد ارتأى أن يتركوا العالم، مع خدّامهم، ويدخلوا الدير. وهكذا كان.

توزعت الأمّ والأختان والخدّام على أديار القسطنطينية، وارتحل غريغوريوس وأخواه، مكاريوس، وثيودوسيوس، إلى الجبل المقدّس (آثوس).

اختار غريغوريوس وأخواه الهدوئيّة التي ألفوها في بيتهم، بتأثير والديهم، فنزلوا في مكان قريب من دير فاتوباذي في الجبل المقدّس، ووضعوا أنفسهم في عهدة أب هدوئي يدعى نيقوديموس.

(الهدوئية هي طريقة رهبانية نسكية يتحلّق فيها الرهبان حول شيخ روحاني، فيسلكون في حياة نصف مشتركة، ويمارسون النسك والصلاة ويذهبون في السبوت والآحاد إلى الدير الذي ينتمي له اسقيطهم من ليشتركوا في الخدم الليتورجية وسرّ الشكر.)

أمضى غريغوريوس في هذا الموضع ثلاث سنوات قضاها في الصلاة والصوم والسهر، وكان له ذكر خاصّ لوالدة الإله. ويُذكَر في سيرته أنه فيما كان يصلّي مرةً، ظهر له يوحنا اللاهوتي، شيخاً وقوراً، وقال له:

” لقد أرسلتني إليك ملكة الكلّ الفائقة القداسة لأسألك لم تصرخ إلى الله في كلّ ساعة: أنر يا رب ظلمتي! أنر ظلمتي؟!”

فأجاب غريغوريوس: “وماذا أطلب أنا الممتلئ أهواءاً وخطايا غير الرحمة والاستنارة لأدرك مشيئة الله القدّوسة وأعمل بها؟ فقال له الإنجيلي:” تقول لك سيّدة الكل بواسطتي أنها جعلتني معها معيناً لك في كل شيء”.

فسأله غريغوريوس: “وأين تريد أمّ ربي أن تساعدني؟ أفي الحياة الحاضرة أم في الآتية؟” فأجاب يوحنا اللاهوتي: “في الحياة الحاضرة والآتية معاً.”

– التقدّم في النسك

تُوفّي أخو غريغوريوس الأصغر، ثيودوسيوس، وكذا نيقوديموس الشيخ، فانتقل غريغوريوس وأخوه الثاني، مكاريوس، إلى دير اللافرا الكبير الذي كان أول دير في الجبل المقدّس (آثوس)، والذي أسسّه القدّيس أثناسيوس الآثوسيّ في القرن العاشر للميلاد.

بقي غريغوريوس في اللافرا ثلاث سنوات ساد خلالها بنعمة الله والجهاد المرير والنسك الشدّيد، لا على أهوائه وحسب، بل حتى على ضرورات الطبيعة. فلقد حارب النعاس وتغلّب عليه إلى حد أنه بقي ثلاثة اشهر بلا نوم إلا قليلاً من الراحة بعد الطعام حتى لا يفقد عقله وصوابه. بعد ذلك خرج غريغوريوس إلى البرّيّة، طالباً المزيد من الخلوة والهدوء، فاستقر حيناً في اسقيط يدعى “غلوسيّا ” حيث تتلّمذ لناسك شهير في الهدوئية اسمه غريغوريوس البيزنطيّ، وأخذ عنه الأسرار الفائقة للصلاة العقلية ولرؤية الله السامية.

وقد اكتسب خلال إقامته في هذا الاسقيط تواضعاً عميقاً اقترن بمحبّة لا توصف لله والقريب. كما ساعدته الخلوة والهدوء على تركيز العقل في القلب، والدعوة باسم الرّب يسوع بنخس، فأضحى كلّه صلاة، وصارت الدموع العذبة تتدفّق من عينيه كمن معين ماء لا ينضب.

لم تطل إقامة غريغوريوس في هذا الاسقيط أكثر من سنتين أو ثلاث، غادر بعدها إلى تسالونيكي بسبب غارات القراصنة الأتراك (1325م)، وكان بصحبته اثنا عشر راهباً من الأخوة.

– في سالونيك

في سالونيك، اشترك غريغوريوس لبعض الوقت في حلقة روحيّة كان يقودها ايسيدوروس، بطريرك القسطنطينية المستقبليّ، وأحد تلامذة القدّيس غريغوريوس السينائي.

الفكرة من هذه الحلقة كانت أن الروحانية الهدوئية ليست للرهبان وحدهم بل لعامّة المؤمنين أيضا.ً

وعلّيه سعى غريغوريوس وايسيدوروس إلى نشر ممارسة صلاة الرّب يسوع بين الناس من حيث هي الأداة الأولى لتفعيل نعمة المعموديّة.

– مثال في الفضيلة

رُسمَ غريغوريوس كاهناً وهو في سن الثلاثين (1362م). ثم انتقل إلى منطقة فاريا Veria الواقعة على الحدود بين مقدونيا وتراقيا واستقرّ في إحدى مغاورها الجبليّة نظير النسّاك القدامى. هناك، فيما يبدو، قسى على نفسه أشدّ القسوة، فكان لا يخرج من قلاّيته خمسة أيام كاملة في الأسبوع إلاّ السبت والأحد ليشترك في خدمة الأسرار الإلهيّة وينفع إخوته بكلام روحي. وقد تركت هذه المرحلة من حياته بصماتها على صحته البدنية فأصيب بمرض في الأمعاء.

كان الرهبان والنسّاك في منطقة فاريا ينظرون إلى غريغوريوس كمثال لحياة الفضيلة لأنّ حياته الملائكية، على حدّ تعبير مترجمه، ” كانت تدهش الجميع وتدخلهم في نشوة “، وكذا كلامه وحكمته الإلهية الفائقة. كما “كان يظهر في بعض الأحيان يقظاً متجهاً كلّه إلى الله مغتسلاً بدموعه العجيبة، وأحياناً أخرى كان وجهه يظهر بشكل فائق الطبيعة بهياً لامعاً ممّجداً بنار الروح القدس، خاصة عندما كان يخرج من القدّاس الإلهي أو من هدوء صلاته في القلاية.”
– إلى آثوس من جديد

لم يطل المقام بغريغوريوس في فاريا أكثر من خمس سنوات، إذ اضطّر تحت غارات الصربيين أن يعود إلى الجبل المقدس (آثوس) حيث نزل في منسك القدّيس سابا التابع لدير اللافرا الكبير، والرابض فوق أكمّة تعلو على الدير ويحتاج قاصدها إلى ساعة سيراً على الأقدام ليصل إليها. هناك انصرف غريغوريوس إلى تواصل أعمق مع الله، فبلغ معاينة الله في نور الروح القدس والتألّه.

هنا يروي كاتب سيرته”أنّه كان ذهنه مرة ملتصقاً بالله، فغطّ في النوم، وعاين الرؤيا التالية: ظهر وهو يمسك بيديه وعاء مملوءاً حليباً. وقد أخذ الحليب فجأة يفيض كنبع وينسكب خارج الوعاء. ثمّ بدا وكأنّه استحال خمرة ممتازة زكيّة الرائحة… فجأة ظهر له إنسان نورانيّ بلباس عسكريّ وقال له: لم لا تعطِ يا غريغوريوس للآخرين بعضاً من هذا الشراب العجيب المنسكب بغزارة، لم تتركه يذهب هدراً؟ ألا تعلم أنه هبة من الله ولن ينضب أبداً؟
فأجاب غريغوريوس: “لا طاقة لي على منح مثل هذا الشراب لأحد، ولا يوجد من يطلب مثل هذا النوع من الشراب.”
أجابه الرجل: “وإن لم يكن من يسعون في طلب في مثل هذه الخمرة، في الوقت الحاضر، فعليك أن تعمل وسعك ولا تتهاون في تقديمه للآخرين. أما الإثمار فمتروك لله.”

هكذا أيقن غريغوريوس أنه قد آن الأوان لمباشرة عمل كتابي يفيد من يحرّك الله قلوبهم.

– تعاليمه

– صلاة يسوع والطاقات الإلهيّة

          قال إنّه متى اعتزل الإنسان العالم واستغرق في النشوة الكاملة للروح، يكشف الله له ذاته. إذ ذاك تنشقّ الظلمة ولا يبقى غير نور الله يدعونا إليه وحولَه نار معتمة. هذا النور هو الله نفسه. فإن صلّى المرء بمنتهى البساطة في القلب وكرّر الكلمات “ربي يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني” أيضاً وأيضاً، فإنه يؤدّي، بذلك، العمل الفائق الذي من أجله خُلق، لأنه سيجد نفسه أخيراً في دائرة الضوء الذي أشرق على قمة ثابور يوم التجلّي الإلهي.

كان غريغوريوس يرى الكون مشحوناً بطاقة (energy) – التجسّد الإلهي

وكذا بجمال العذراء مريم. في عينه أن الأرض موضع إلهي جماله يكاد لا يحتمل. فإن نور التجلي لم يكف عن السطوع. وثمة قدّيسون يعاينون هذا النور، بعدما جاء المسيح في الجسد، بحراً لا حدّ له يفيض بصورة عجيبة من شمس وحيدة هي جسد المسيح.

يقول: – في الاسم القدّوس، طاقة إلهية تخترق قلب الإنسان وتغيّره متى “انبثّت في جسده”

– الجسد والنعمة

وكان يؤمن أن للناس نَفَساً إلهياً يتحرّك في أجسادهم المادّية، بهذا النَفَس الإلهي المنسكب فيه يقتني الجسد القدّاسة، وأن الجسد كالنَفْس مخلوق على صورة الله وهو ليس فيه شرّ، كما يعتقد الغنوصيّون.

وللقدّيس غريغوريوس قول مأثور عن أهميّة الجسد ” إن الإنسان بفضل كرامة الجسد المخلوق على شبه الله هو أسمى من الملائكة “. كان يقول إنّه من النفس تنسكب في الجسد طاقة إلهية بصورة متواصلة وأن الملائكة، وإن كانوا أدنى إلى الله، فلا أجساد لهم تنسكب فيها الطاقة الإلهيّة على هذا النحو. وعنده أن الإنسان يصبح إلهاً بالنعمة عندما يسلك في التأمل ويعاين في موضع القلب نور التجلّي المتوهّج.

معاينة الله

هذا ومع القدّيس غريغوريوس انتهى الجدل الذي طالما كان قائماً بين قائل بإمكان إدراك الإنسان لله وقائل بخلاف ذلك. فلمّا أصبحنا نستطيع معاينة نعمة الله في النور غير المخلوق المتدفّق في “موضع القلب “، ولمّا كان الرهبان، ولاسيما القديسين، يتمتّعون بهذه النعمة، في أعمق تأملاتهم، يخلص غريغوريوس إلى أن الله بات بالفعل قابلاً للمعاينة لأنه هو إياه هذا النور. ومع ذلك يبقى الله، إلى الأبد، غير منظور، يبقى في جوهره كذلك. بكلام آخر، الله معروف في ذاته، في شخصه كنور غير مخلوق، لا في جوهره.

بكلمات القدّيس غريغوريوس نفسه: “ليس لنا أن نشترك في الطبيعة الإلهية، ومع ذلك، وبمعنى من المعاني، لنا أن نشترك، وبيسر، في طبيعة الله، لأننا ندخل في شركة معه، فيما يبقى الله تماماً وفي الوقت نفسه بمنأى عنا. لذا نؤكد معاً، وفي وقت واحد، أمرين متناقضين نسرّ بهما ونعتبرهما مقياساً للحقيقة.”

– التجلي الالهي

على هذا خلص القدّيس غريغوريوس إلى أن التجلّي الإلهي على قمة ثابورهو أعظم ما أتاه الرّب يسوع من أعمال.

التجلّي الإلهي يفوق حتى سر الشكر. وقد كتب ” أن نور ثابور هو ملكوت الله “. لم يكن نوراً مفاجئاً لأنه لا بداية له ولا نهاية، لا يُحد في زمان ولا مكان ولا يمكن إدراكه بالحواس العادية. ومع ذلك صار معروفاً والذين اشتركوا في طاقة الله عرفوه وتألّهوا به. فالتلاميذ الذين وقفوا فوق قمة ثابور قد رأوا النور وأضحوا كائنات سماوية لأنهم لمّا حدّقوا فيه، تروّحنت أجسادهم.
هذا النور المعمّي عاينه القدّيس بولس في دمشق، وإيليا النبي عندما أخذته عن الأنظارعربة النار، وموسى عندما وقف بالعليّقة المحترقة.
وكيف يلتمس المرء هذا النور؟ قبل كلّ شيء، بالتوبة والدعوة باسم الرّب يسوع، واستدعاء رحمة الاسم القدوس.

القدّيس غريغوريوس بالاماس لاهوتي الروحانية الأرثوذكسية الأوّل 

إن كل آباء البرية والذين استغرقوا في خبرة صلاة الرّب يسوع والتماس النور الإلهي قالوا واختبروا ويختبرون ما سكبه القدّيس غريغوريوس في قالب أجاد في حبكه. وقد كان التعبير عن هذا التراث الحيّ غاية في الأهميّة في القرن الرابع عشر، لأن الروحانية الأرثوذكسية تعرّضت، آنئذ، لهجمات من الداخل والخارج كان يمكن أن تحوّلها عن مسارها وتغيّر ملامحها وتلقيها في خضم التيارات الفكرية التي بدأت تعبث بالغرب، آنذاك، والتي تمثّلت في بعث الفكر الفلسفي الإغريقي والوثنيات القديمة وتمخضت، فيما بعد، عن التيارات العقلانية والحركة البروتستانتية، كما خلقت المجتمعات الدهرية التي أخذت ترتكز على الفلسفة الإنسانية والأخلاقيات دون الإلهيات وأفرعت ما يعرف بفلسفة ” الله مات”.”

– المواجهة التاريخية

في هذا الإطار كانت المواجهة التاريخية الشهيرة بين القدّيس غريغوريوس بالاماس والراهب برلعام.

كان برلعام من كالابريا، في جنوبي إيطاليا، يوناني اللسان. جاء إلى مدينة القسطنطينية خلال العام 1338م فذاع صيته في أوساط المفكّرين فيها كعالم وفيلسوف مميّز. كما خصّه الإمبراطور ورئيس وزرائه بإكرام وتقدير كبيرين.
كان برلعام أرثوذكسياً في الظاهر وقد كتب ضد اللاتين. قال بعدم إمكان معرفة الله في ذاته، واستند في تعاطيه مع مؤلفات الآباء الشرقيين إلى تحليلاته الذهنية والفلسفية دون الخبرة الصلاتية، لذا اصطدم بما كان يدّعيه الهدوئيون من إمكان معرفة الله ومعاينة النور غير المخلوق عن طريق صلاة الذهن في القلب، والتركيز والإيقاع الجسديين الموافقين لها.

فشنّ عليهم حملة شعواء وكفّرهم بحجّة الخروج على عقائد أساسية مسلّم بها في الكنيسة.
إذ ذاك، انبرى القدّيس غريغوريوس بالاماس للدفاع عن تراث طالما عاش الرهبان في كنفه وخبروه حياً في ذواتهم على مدى الأجيال.

وطبعاً كان لكل من الاثنين، غريغوريوس وبرلعام، مناصروه في كافة الأوساط القصر والجيش والأساقفة والمفكّرين والرهبان وحتى العامة
وهكذا قامت الدنيا ولم تقعد ردحاً من الزمان. في هذه الفترة بالذات كتب القدّيس غريغوريوس ثلاثيته في الدفاع عن القدّيسين الهدوئين. وقد التأم مجمعان، خلال شهري حزيران وآب من العام 1341، في أروقة آجيا صوفيا، وأدانا برلعام الذي تحوّل إلى الغرب وصار أسقفاً في إيطاليا. غير أن رحيل برلعام لم يكن كافياً لوضع حد للصراع، فقام أكندينوس بمتابعة الحملة ضد القدّيس غريغوريوس والرهبان وناصره في رأيه بطريرك القسطنطينية، يوحنا كاليكاس، لأسباب سياسية. ولكن، أقيل البطريرك في العام 1347م وأخذ مكانه ايسيدوروس الذي زكّى غريغوريوس وجعله أسقفاً على سالونيك.

وكان أهم المجامع المنعقدة في هذا الشأن ذاك الذي التأم في شهر تموز من العام 1351م والذي أدان آخر أعداء بالاماس، الفيلسوف نقفر غريغوريوس، وأعلى شأن القدّيس غريغوريوس والكتابات التي وضعها من حيث تعبيرها الصادق والصافي عن إيمان الكنيسة الأرثوذكسية.

– وقوعه في الأسر

ولعل آخر وأهم حدث في السنوات الأخيرة من حياة القدّيس غريغوريوس كان وقوعه في الأسر.

فبينما كان ينتقل بطريق البحر من تسالونيكي إلى القسطنطينية وقع في أيدي القراصنة الأتراك الذين استاقوه إلى آسية الصغرى حيث بقي أسيراً ما يقرب من سنة (1353 – 1354م)

أمران أساسيان ميّزا هذه الفترة من حياة قدّيسنا، كما يتضح من الرسائل والوثائق العائدة إليها، أولهما التسامح الكبير الذي كان الأتراك يعاملون به المسيحيين، سواء الأسرى منهم أو سكان المناطق المحتلة، والثاني اهتمام القدّيس غريغوريوس بالدين الإسلامي. وقد تجلّى الأمر الأخير بصورة خاصة، في الحوار الصريح الذي كان للقدّيس غريغوريوس مع الابن الأكبر للأمير التركي أورخان. وبنتيجة هذا الحوار عبّر قديسنا عن الأمل في أن ” يحل يوم “، على حدّ تعبيره، ” يصبح فيه بإمكاننا أن نفهم بعضنا بعضاً…”. ويبدو أن قدّيسنا عاش في هدوء خلال القسم الأكبر من هذه الفترة في دير من أديار نيقيا إلى أن افتداه بالمال بعض الأتقياء الصرب.

+ رقاده ولمعان وجهه

أما رقاد القدّيس غريغوريوس فكان في تسالونيكي في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني من العام 1359 للميلاد، بعد أشهر من المرض الشديد.

ويذكر مترجمه أنه ” بعد أن فارقت جسده روحه الطاهرة، أظهرت نعمة الروح القدس البهاء الداخلي الذي كان في نفسه وذلك بطريقة عجيبة، إذ أن نوراً ساطعاً ملأ تلك القلاية التي كانت فيها رفاته. فاستضاء وجهه، وجسده لم يزل بعد جاثياً يابساً قبل الدفن… وقد لازمت نعمة الروح القدس رفاته الشريفة واستبان مسكناً للنورالإلهي ومنبعاً للعجائب والمواهب ومستشفى عاماً مجانياً. لذلك لقب ب”العجائبي…”

+ إعلان قداسته

هذا وقد أعلنت قداسة القدّيس غريغوريوس في مجمع عقد في القسطنطينية بعد تسع سنوات من رقاده، في العام 1368م، برئاسة تلميذه وصديقه، فيلوثاوس، البطريرك المسكوني، وهو الذي كتب سيرته. وقد وصفه المجمع بأنه ” الأعظم بين آباء الكنيسة.”


الفتى الذي ينقصه ذراع

$
0
0

الفتى الذي ينقصه ذراع

كان هناك فتاَ يفتقد للذراع الأيسرمنذ الولادة، اي انه ولد بدون ذراع أيسر.

وكانت رياضة “الجودو” تثير إهتمامه كثيراً. كان دائماً يرجو والديه أن يسمحان له بالانخراط في هذه اللعبة، إلى أن اضطرا أخيراً ووافقا على ذلك، رغم أنهما لا يريان أي معنى لإختياره هذه الرياضة العظيمة في فنياتها ورشاقتها وقوتها بسبب حالته تلك…

المدرب المسؤول عن الفتى أعطاه  فقط حركة هجومية واحدة يجب أن يتدرب عليها دائماً.

بعد عدة أسابيع سأل الفتى مدربه: “ألا يجب علي تعلم المزيد من الحركات القتالية؟”

أجابه المدرب قائلاً: “هذه الحركة الوحيدة الذي يجب عليك إتقانها!”

ومع أن الفتى لم يفهم معنى إحابته، إلا أنه تابع التدرب على تلك الحركة الوحيدة!

عندما حل موعد البطولة، تلك التي كان على الفتى المشاركة فيها. دُهش عندما استطاع الفوز بجولاته الأولى دون عناء كبير. ومع تصاعد قدرات خصومه، تمكن من الوصول للنهائيات…

على منصة النهائيات، وقف أمامه رجل ضخم البنية وأكبر منه سناً، بالإضافة لخبراته الطويلة في القتال.

البعض اقترحوا إلغاء المنافسة غير المتكافئة، وحتى الفتى شك بإمكانية حصوله على فرصة للفوز!

إلا أن المدرب أصر على القتال

وفي لحظة كان فيها المقاتل الضخم غير مبال بخصمه المعوق…!

لكن الفتى تمكن من الفوز عليه بضربته الوحيدة وسط دهشة الجميع!

في طريق عودتهما، تكلما كل من المدرب والفتى حول البطولة، فسأل الفتى مدربه: كيف كان ذلك ممكناً، أن أفوز بالبطولة بضربة واحدة؟

أجابه المدرب

يعود انتصارك هذا الى سببين اثنين

الأول أن الضربة الهجومية الوحيدة التي تتقنها أنت، هي من أصعب وأقوى الضربات في الجودو.

الثاني أنه لا يمكن للخصم إلا الدفاع أمام هذه الحركة، وذلك بليّ الذراع الأيسر للمهاجم.

حينها علم الفتى أن ما كان يراه أكبر نقاط ضعفه، كان هو أيضاً أكبر نقاط قوته!

(موقع منظمة صوت العقل)

العبرة

العبرة التي تعلمنا إياها هذه القصة، هي أنه علينا أن نبحث عن طرق تحويل نقاط ضعفنا إلى أقوى ما يمكننا إمتلاكه…

هذا ليس بالمستحيل أمام أصحاب الإرادة الحرة!


متروبوليت حلب والاسكندرونة وتوابعهما المطران الياس يوسف

$
0
0

متروبوليت حلب والاسكندرونة وتوابعهما المطران الياس يوسف

“رؤساء كهنتك يارب يلبسون البر وأبرارك يبتهجون”

توطئة

الكلمات تقف عاجزة عن التعبير عن الاحترام والتقدير الذي نشعر بأنه من واجبنا أن نقدمها لكل اكليريكي جليل خدم بيعة الله المقدسة ومنهم علمنا المتروبوليت الياس يوسف وهو الإكليريكي الجليل الذي قضى الجزء الأكبر والأهم من عمره في خدمة حقل الرب وكنيسته عامة والكرسي الانطاكي المقدس خاصة، وأبرشيته حلب بالأخص، بكل ما أعطاه سيد الكنيسة من مواهب روحية، فكان موجهاً ومرشداً،محباً عطوفاً، شاهداً بثبات لإيمانه وأرثوذكسيته، متعاطفاً مع قضايا الوطن، داعياً وعاملاً على توطين الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن العزيز.

تأتي دراستي هذه عن هذا الحبر الانطاكي الكبير من باب الوفاء المتوجب عليَّ كباحث في تاريخ الكرسي الانطاكي وأعلامه… فعلمنا الشهير المطران الياس يوسف أثر في نفسي منذ أول مرة سمعت فيها ترتيله البديع في ذلك القداس الالهي الحافل في مريمية الشام في تنصيب غبطة مثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس الرابع صيف 1979 وكنت من بين آلاف غصت بهم جنبات المريمية مصلى وساحات وحرم الدار البطريركية الداخلي.

أتذكره وهو يرتل كالشحرور طروبارية القيامة باللحن الثالث:” لتفرح السماويات ولتبتهج الارضيات…” في الدورة الصغرى في القداس الالهي الاحتفالي لقد اطرب جميع المؤمنين وربما أنا كنت أولهم… وكنت أشرأب لأرى وجه المرتل…

في ذلك القداس الالهي البديع كان المرحومان علمنا والمتروبوليت الياس قربان يتناوبان الترتيل البديع، وكلاهما من شحارير الكرسي الانطاكي بالإضافة الى غبطة الموسيقار… والجوقة التي كانت تضم أعلام الموسيقى الرومية البلمنديين الآباء دامسكينوس منصور(مطران البرازيل) وجوزيف الزحلاوي (مطران اميركا الشمالية) والياس كفوري (مطران صور وصيدا) وجوقة البلمند…وشباب جوقة المريمية من حركة الشبيبة الأرثوذكسية الدمشقية. كان ذاك القداس دوحة موسيقية رومية رائعة… لاتزال ببالي…ومطبوعة في ذاكرتي بالصوت والصورة…

رافق غبطة ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع في زيارته التاريخية الى انطاكية ولواء الاسكندرون وكيليكيا عام 1992 هذه الزيارة البطريركية التي اتت بعد 92 سنة على آخر زيارة بطريركية قام بها البطريرك ملاتيوس الدمشقي عام 1900 وكنا بمعية غبطته في الوفد البطريركي للاعلام وكتبنا كتابنا عن هذه الزيارة التاريخية عشنا مع علمنا خلال اكثر من عشرة ايام متنقلين في ارجاء هذه المنطقة التي كانت برعاية سيادته، عشنا معه لطفه وايناسه ومحبة الناس هناك له من كل الفئات والأعمار…وكان لنا نحن في الوفد الانطاكي البطريركي أباً حنوناً…

غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع ومطران حلب الياس يوسف عام 1992 في زيارة البطريرك الى انطاكية والاسكندرونة وكيليكيا في الاستقبال بكاتدرائية انطاكية من كتابنا زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع 
غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع ومطران حلب الياس يوسف عام 1992 في زيارة البطريرك الى انطاكية والاسكندرونة وكيليكيا في الاستقبال بكاتدرائية انطاكية من كتابنا زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع

الحق يقال انني خرجت بعدها بانطباع عن علمنا أنه قامة أنطاكية متميزة لطفاً وإيناساً ومحبة ورعاية وقيادة روحية وطنية…

في مقالنا هنا نعود للايمان والرجاء الذي فينا، بأننا راحلون، ولكن من رحل قبلنا يشتركون معنا في صلواتنا وتضرعاتنا، وبأننا مع من سبقنا نشكل معاً جسد الكنيسة الواحد، وصلوات من سبقنا من هؤلاء الأبرار الذين نجهد لتوثيق ذكراهم، وماقدموه لأجل أنطاكية العظمى لتساعدنا في ماتبقى لنا من مسيرتنا الأرضية.

نبذة في السيرة الذاتية

هوالإبن الأكبر لوالديه ميخائيل وجميلة من مواليد بلدة السودا – محافظة طرطوس- عام 1931.

تلقى علومه الابتدائية في مدرسة بلدته، وأرسله مثلث الرحمات مطران اللاذقية تريفن نهرا الى مدرسة البلمند الاكليريكية، كما كل كل اقرانه، ثم تابع دراسته الثانوية في اللاذقية وكانت دراسته اللاهوتية في جامعة تسالونيك/ اليونان، حيث حصل على إجازة في اللاهوتن وإجازة في التربية من مركز التربية الدينية في أثينا.

حياته الاكليريكية

رُسم شماساً إنجيلياً في اللاذقية بتاريخ 16/10/1949 وكاهناً في 29/6/1950 بوضع يد المطران تريفن غريب، ورفَّعه الى رتبة إرشمندريت عام 1958.

نشط علمنا في حقل التعليم الروحي والإرشاد مع حركة الشبيبة الأرثوذكسية في اللاذقية والقرى التابعة لها، وعُرف بصوته الرخيم في ترتيله وتلاوته الانجيل المقدس في الكنيسة فسلب لب المؤمنين السامعين.

في عام 1971 استدعاه مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع من اليونان ليخدم في دار البطريركية بدمشق، وفي 18 أيار 1971 انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس بالاجماع مطراناً على أبرشية حلب والاسكندرون وتوابعهما.

تمت رسامته بيد البطريرك الياس الرابع وحضور عدد من آباء المجمع الانطاكي المقدس في مريمية الشام يوم الاحد 20 ايار 1971 بقداس الهي حاشد وبحضور جمهور كبير من ابناء حركة الشبيبة الارثوذكسية في كل ابرشيات الوطن والمشرق وخاصة أبرشيات دمشق وحلب واللاذقية …

في 25 ايار 1971 استقبلته أبرشية حلب باحتفال رسمي وشعبي مهيب وقد اصطحبه اليها عدد من مطارنة الكرسي الأنطاكي المقدس، وشارك في استقباله رؤساء الكنائس في حلب ورجال الدين الاسلامي فهو خير خلف لخيرسلف على ابرشية حلب خاصة ومحافظة حلب عموماً وهو المطران (البطريرك) الياس معوض.,.

في كاتدرائية السيدة في الاستقبال وصلاة الشكر عند دخوله الابرشية قال في كلمته: “إن اتحادنا واجتماعنا الآن هو تعبير عن اعتمادنا على الله في أن نسير يداً واحدة من أجل العدل والخير والحق. لله الشكر ومنه استمدّ العون والقوّة لأستطيع أن أتابع الطريق التي رسمها قبلي صاحب الغبطة البطريرك الياس الرابع الجزيل الغبطة والاحترام. وإن كان لي أن أردّ على هذه التظاهرة والحفاوة البالغة التي أتمنى أن أكون في المستقبل أهلاً لها بما سأبذله من تفانٍ وعزم مملوء بالصبر لتحقيق وحدة وطنيّة شاملة، وحدة أخويّة تامّة فيما بين الطوائف كلّها… لن أوفّر لحظة من لحظات حياتي وإلاّ أضعها في خدمة بلدي وأبناء شعبي من مختلف الطوائف والمذاهب.”

المتروبوليت الياس يوسف يقرأ الانجيل المقدس من الباب الملوكي في الكاتدرائية المريمية بدمشق يوم رسامته متروبوليتا على حلب
المتروبوليت الياس يوسف يقرأ الانجيل المقدس من الباب الملوكي في الكاتدرائية المريمية بدمشق يوم رسامته متروبوليتا على حلب

وفاته

اصيب بمرض عضال وتفاقم مرضه بشكل خطير وغادر حلب للعلاج إلى أن استدعاه الله الى اخداره العلوية في 6 آب 2000 ونقل جثمانه إلى حلب في 7 آب 2000وصُلّي عليه ووري الثرى في كاتدرائية النبي الياس التي تعب وجاهد لبنائها ولم ينعم بتدشينها. ويوم الخميس 21 أيلول2000 أقيم له حفل تأبين وترأس غبطة البطريرك أغناطيوس جنّاز الأربعين   في كنيسة النبي الياس صباح الجمعة 22 أيلول2000.

أعماله وخدماته

الكنائس والاوقاف

دامت حبريته زهاء ثلاثة عقود زاهية، ولكنه ومنذ تسلمه رعاية الأبرشية جاهد المطران الياس الجهاد الحسن اللائق بخادم الرب والكلمة، وكانت من أولويات أعماله الاهتمام بجمال بيت الرب فرمم “كاتدرائية السيدة” التاريخية، وكذلك “دار المطرانية” الأثرية، وبنى منازل للكهنة ومنازل للآجار. وبنى النفوس وسعى بجدٍ لبناء كنائس جديدة باستنهاض جهود أبناء الأبرشية المؤمنين، وكانت دُرَّةْ هذا المجهود “كنيسة النبي الياس” الجديدة التي بذل لها الجهد الكبير في تأمين أيقونسطاس خشبي محفور حفراً بديعاً من اليونان، والذي وصل إلى حلب يوم وصول جثمانه إليها.

كاتدرائية النبي الياس في حلب
كاتدرائية النبي الياس في حلب

كما سعى للحصول على قطعة أرض في مدينة الثورة (الطبقة) أقام عليها بجهوده وبتعاون المؤمنين من أبناء المدينة، كنيسة جميلة، هي “كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس” مع دار لسكن كاهن الرعية.

وبالتعاون مع أبناء الرعية المؤمنين تم شراء دار في منطقة السريان القديمة، حُوِلَتْ إلى كنيسة على إسم “القديسين بطرس وبولس”، وفي منطقة الحمدانية بحلب ساهم مع كنيسة الروم الكاثوليك الشقيقة لإقامة “كنيسة القديس يوسف” في حي الحمدانية وبدىء البناء فيها وكانت إلى حين رقاده قد شارفت أعمال تجهيزها على الانتهاء. بنى الكنائس لا سيما كنيسة سرجيوس وباخوس في مدينة الثورة وكنيسة النبي الياس الكبرى في حيّ الفيلات.

سعى لتنمية الأوقاف وتوسع في استثمارها، وأعاد بناء بعضها، خص منها منازل لكهنة الابرشية، وبرعايته تم بناء العقارين في منطقة الفيلات، وتم تأجيرها مما زاد في دخل أوقاف الأبرشية، كما تم بناء مبنى مدرسة النبي الياس الحالي المصمم كمدرسة بدل مدرسة الاقمار الثلاثة القديمة، وقد اكملت هذه المدرسة في عهد سلفه المطران بولس يازجي المأسور والمختطف بأيدي التنظيمات الارهابية منذ حوالي خمس سنوات وقام رئيس اساقفة اليونان بتدشينها عام 2010 مع المطران بولس.

واستخدمت مدرسة النبي الياس لاستيعاب كافة الأنشطة الرعائية للأبرشية.

كما بارك مساعي مدارس الأحد الأرثوذكسية بحلب لشراء قطعة أرض بمساحة 15000م2 في قرية الجدّيّدة في منطقة جسر الشغور، ودعم جهودها في إقامة مركز للأنشطة الرعائية لأبناء الأبرشية وأطفالها دعي ” دير النبي يوحنا المعمدان”.

الرعاية والادارة

منذ صدور النظام الاساسي لمجالس الرعايا في الكرسي الانطاكي عام 1973، سعى المطران الياس إلى تطبيقه على أبرشيته بالتعاون مع الآباء الكهنة، ومؤمني الأبرشية فتم تقسيم المدينة إلى خمس رعايا بالاضافة إلى رعية كنيسة ادلب، وشكلت لها “مجالس رعايا” وفق “النظام الأساسي” وعقد مؤتمر الأبرشية الأول عام 1975 وكان أول مؤتمر أبرشي يتم في كل الكرسي الأنطاكي.

كاتدرائية النبي الياس في حلب من الداخل
كاتدرائية النبي الياس في حلب من الداخل

بحث المؤتمر في مختلف المجالات المالية والثقافية والاجتماعية والتنظيمية، ووضع خطط لها، وانبثق عن هذا المؤتمر أول مجلس أبرشية منتخب بحسب النظام، وأُعيد بعد ذلك تشكيل عدد من مجالس الأبرشية، وعقد مؤتمر الأبرشية الثاني عام 1993 انتخبَ مجلسَ أبرشية جديدة.

رعى علمنا الدعوات الكهنوتية في الأبرشية وشجعها، وأوفد عدداً من الشباب لدراسة اللاهوت في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، وفي معاهد اللاهوت في اليونان، ورسم عدداً من الشباب اكليريكيين في حلب وادلب والاسكندرون خدموا البرشية بكل إخلاص وتفانٍ.

حركة الشبيبة الارثوذكسية

اهتم بالشبيبة عموماً، ولا سيما ب”حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة” التي رعاها وسعى إلى زيادة عدد الكهنة العاملين في الأبرشيّة والارتقاء بمستواهم الروحي والثقافي.

وقام بدعمها بكل طاقته حيث هي الامل بتعليمها الارثوذكسي لكل الفئات العمرية وإرشادها للأجيال الناشئة بقناعته وقناعة الجميع بأن الشبيبة هي ربيع الكنيسة الارثوذكسية خاصة والانطاكية خاصة، وان للحركة الدور الرئيس في ذلك، لذا كان لتشجيعه ودعمه ابلغ الأثر في توسيع عملها الثقافي والروحي والاجتماعي حيث منها خرج العديد من الكهنة ولازالت تؤهل غيرهم لصالح الابرشية.

وجدير ذكر ان فرع حلب لحركة الشبيبة الارثوذكسية له حضور بيّن وكان يتصدى لاخراج وطباعة التقويم الكنسي الارثوذكسي في سورية أبرشياتها.

وبالرغم من ان الحضور الارثوذكسي عددياً ككنيسة بين الطوائف المسيحية في حلب هو اقل من غيره، لكن بهدي مطرانها السابق المطران الياس(البطريرك) معوض، وبهديه، وبهدي مطرانها اللاحق المطران المخطوف بولس صارت أبرشية حلب الارثوذكسية، الأقوى حضوراً ورعائياً ومدارسياً ويشار اليها بالبنان بالرغم من قلة العدد وخاصة مع ايجاد كنيسة النبي الياس الجميلة كمجمع روحي، وتأسيس مدرسة النبي الياس… اضافة الى دير راهبات البشارة…

مطران حلب الاسبق الياس معوض ( البطريرك الياس الرابع)
مطران حلب الاسبق الياس معوض ( البطريرك الياس الرابع)

واصبحت محترمة الحضور، إضافة الى إتجاه كل اوضاع الابرشية لجهة التنظيم المؤسساتي، فتميزت على صعيد أبرشيات الكرسي الانطاكي يدعمها هو بثقله وحضوره رحمه الله، وكان أميناً لتركة سلفه، كما كان خلفه المطران بولس اميناً له…

تشجيع الترتيل

شجع الترتيل الرومي وهو عشقه بالأساس، ويطرب للترتيل النقي والصوت الجميل، لذا ازدهرت جوقات الترتيل في الكنائس في عهده، وتأسست جوقة ترتيل للأطفال في مدارس الأحد الأرثوذكسية اسمها”جوقة القديس نكتاريوس” وقد دعمها معنوياً ومادياً فنمت وتطورت وصارت تنافس الغير من مثيلاتها.

كشاف النبي الياس

قام بتأسيس كشاف النبي الياس بعد توقف الحركة الكشفية السورية لأكثر من عقد ونصف، ودعمه مادياً معنوياً، وشجع الانتماء اليه، فكان لهذا الكشاف الوليد الحضور الواسع بنشاطه الذي تجلى مناسبات عدة وطنية كان السباق لرعايتها اضافة الى المناسبات الروحية في الاعياد الارثوذكسية، وصار لهذا الكشاف فرقة موسقية مراسمية ضاربة تثبت وجودها في تلك المناسبات وتضفي جو البهجة والحبور…

في مجال الاعلام

اوجد نشرة للمطرانية باسم “الرسالة الى الرعية” هي المنبر الذي تطل منه المطرانية على أبنائها ناقلة اليهم كلمة الرب مشروحة وموضحة مع تذكير بالأنشطة المختلفة للأبرشية.

البطريرك اغناطيوس الرابع والمطران الياس يوسف في زيارة البطريرك الى انطاكية  من كتابنا "زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية..."
البطريرك اغناطيوس الرابع والمطران الياس يوسف في زيارة البطريرك الى انطاكية من كتابنا “زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية…”

العمل الاجتماعي

في مجال المساعدة الاجتماعية دعم المثلث الرحمات نشاطات “جمعية نور الاحسان الخيرية” وساعدها على إيجاد مستوصفها الذي يقدم الخدمات الطبية للمحتاجين من أبناء المدينة بغض النظر عن الدين والمذهب.

العلاقات مع الكنائس الشقيقة

سعى علمنا بإنفتاح جميل مشهود له مع إخوته رؤساء الكنائس في حلب لايجاد مجلس يجمعهم لتيسير الأمور بينهم، ويعمقون من خلاله ترابطهم وتعاونهمن وكان لحضوره ومشاركته الأثر الهام في تأمين جو المحبة والألفة بين مختلف الكنائس في المدينة.

ومدّ الجسور بين سائر الطوائف. فكان لـه دور مميّز في تنشيط الحركة المسكونيّة في حلب وشجّع مشاركة الكهنة من مختلف الطوائف في الاحتفالات الدينيّة. وترك موقفه أثناء الاحتفال بيوبيل مطران الروم الكاثوليك العلامة ناوفيطوس ادلبي أثراً عميقاً إذ خلع أيقونته الأسقفيّة وألبسه إياها بعد أن قبّله وقال: ” لا أدري ما أقول لأفصح عما يجيش في قلبي من مشاعر وإحساسات إنما عيوني تنمّ عنها… لهذا فليسمح لي أخي أن أقدم لـه هدية تحمل كلّ المعاني: معاني الحب، معاني الوفاء معاني التقدير! راجياً أن تكون صلة وصل دائماً بيننا، ليذكرني كلما تقلّدها على صدره في صلواته، أنا وأخوتي الكهنة وأبنائي، ولتكن رمزاً لمزيد من التعاون الأخوي، وتحقيق خطوات أوسع في سبيل وحدة الكنيسة جمعاء، والرغبة الصادقة في التقارب والتعاون والتآخي.”وتابع تعاونه مع خلف المطران ادلبي المطران يوحنا جنبرت لا سيما في مجال البناء المشترك لكنيسة الحمدانيّة.

وعلى هذا الاساس الاخوي بين الطوائف الذي رعاه، تم وضع دليل لكنائس الطوائف المسيحية ومؤسساتها الخدمية والاجتماعية والاستشفائية في كراس واحد للجميع.

المجال الوطني

في كاتدرائية انطاكية البطريرك اغناطيوس الرابع والمطران الياس يوسف من كتابنا" زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية... 1992"
في كاتدرائية انطاكية البطريرك اغناطيوس الرابع والمطران الياس يوسف من كتابنا” زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية… 1992″ ونحن يسار غبطته…”

 

كان علمنا رجل حوار وقائد انفتاحي على جميع مكونات الشعب، تمتيناً للوحدة الوطنية أقام علاقات واسعة مع ابناء المدينة وفعالياتها المختلفة وبلأخص مع رجال الدين الاسلامي وفي مقدمهم مفتي حلب، وكان له من بينهم العديد من الأصدقاء، وكانت له المواقف الوطنية الواضحة والداعية لتمتين الوحدة الوطني بين أفراد الشعب، والوقوف الصامد مع قضايا الشعب الوطنية المحقة المؤيدة للقيادة الوطنية الحكيمة وذلك استمراراً لخط سلفه بطريرك العرب، وتابع خلفه المغيب الخط ذاته.

وكانت مداخلته الرائعة في “مهرجان الشهباء للاحتفال بالألفيّة الثالثة” في مطلع شباط 2000 حيث ركّز على الحياة الوطنيّة المشتركة كلمة وداع.

كان لمشاركة علمنا في ندوة”الإخاء الديني” التي أُقيمت في جامعة حلب في بداية عام 2000 الأثر الواضح، وهو خط انتهج في بطريركية انطاكية وسائر المشرق بعد تنامي ماسمي “صراع الأديان” و”صراع الحضارات”، فكان الموقف الأرثوذكسي هو البديل عبر حوار إخاء ديني حضاري مع الشريك في الوطن ” الاسلام بمكوناته المذهبية” ورعاه مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع في ندوات حوارية بهذا الشأن وآخرها رئاسته ل”ندوة نحيا معاً في وطن واحد” لمدة ثلاثة ايام في دمشق قاعة كنيسة الصليب المقدس عام 2003 بمشاركة فريق الحوار الاسلامي-المسيحي العربي.

تكريمه في حلب

البطريرك اغناطيوس الرابع
البطريرك اغناطيوس الرابع

أقيم قداس وجناز حافل في الاربعين من انتقاله الى الأخدار السماوية، برئاسة غبطة ابينا البطريرك المعلم الانطاكي، بطريرك العرب اغناطيوس الرابع حيث ابنه بكلمة رائعة جداً نقتطف بعضاً من روائعها

” باسم الآب والابن والروح القدس، الاله الواحد آمين.

أيها الأحباء، يجدر بنا اولاً أن نشكر الله على اننا التقينا في مناسبة صلاة لرجل صلاة للمطران الياس رحمه الله، أشكر الله وأشكر الإخوة الحاضرين ههنا الذين يشاركوننا الخدمة الالهية، وأشكر كل من شاء أن يجلس معنا لكي يرفع قلبه معنا، لكي يرفع قلبه معنا إلى الله تعالى لكي ينعم برحمته غفرانه لرئيس الكهنة المطران الياس الذي تركنا منذ أربعين يوماً.

كلما ذكرنا الذين عمروا هذه الكنيسة (يقصد كنيسة النبي الياس التي انتقل قبل ان يكرسها)نذكره، وأنا لم أقل الذين سبقت لهم الخدمة في هذه الكنيسةلأنه هو الذي كان يهيىء معي الظرف، هذا الظرف لكي نكون معاً، ولكي نصلي معاً ونفتتح هذه الكنيسة المقدسة.

كان يهيىء ذلك وكنا نظن أن رحمة الله ستمتد كما نشاء نحن ونشتهي، ولكن رحمة الله أحبت أن تقتطف منا المطران الياس رحمه الله أسرع مما كان يتصور وأسرع بكثير مما كنا نتصور.

ايها الأحباء المطران الياس عزيز عليّ بصورة خاصة، عزيز على إخوته أيضاً وهم يحبونه لأنه قد أحبهم، كان يعطينا الصورة عن وضع الكنائس هنا وكنا دائماً في انعطافات خاصة في مجتمعنا المقدس، أذكر القليل منها:

المنعطف الأول

خلاف ماتعود الكثيرون من المسيحيين ومن الأديان الأخرى خلافاً لذلكن في المجمع المقدس كان المطران الياس من جملة المشاركين في التأكيد، إنه ليس من انسان خلقه الله يجب أن لانكون في حديثه معه، والحديث إشارة الانفتاح وإشارة المحبة.

المسيحي الحقيقي لاينغلق، لمن قال المسيح ابعد عني؟؟؟

عندما أتى المسيح كان المسيحي الوحيد على الأرض لكنه كلم هذذا وذاك، كلم الصدوقيين، كلم الفريسيين، كلم الزناة، كلم الناس المرذولين حتى هؤلاء كلمهم وفي العالم جماعة ليست كلها زناة، وليست كلها لصوصاً، كلم الجميع هذه الجماعة موجودة عندنا الآن لماذا نحن ننقطع عنها؟

في مجمعنا المقدس نحن نشدد على أنه نحن خلقنا لكي نتكلم، أعطينا أن نتكلم، لكي نكلم سوانا ولايمكن أن تحل صعوبة، وأن يشارك فرح أو ان تشارك نعمة الا مع الآخر، إلا إذا كان حاضراً في قلبك أيضاً، هذا أحد المنعطفات عندنا في المجمع المقدس، من هنا أيها الأحباء برز أمران مخالفان لمئات السنين التي سبقتنا، المئات من السنين التي كان يعتقد فيها الواحد أنه لايمكن أن يعيش إلا على حساب الآخر، هو والآخر لا، إما هو أو الآخر، ولذلك كان لايعتبر كنيسته كنيسة، ولايعتبر كاهنه كاهناً ولايعتبر إنجيله إنجيلاً حقيقياً…” يتابع غبطته بالقول

مطران حلب المخطوف بولس يازجي
مطران حلب المخطوف بولس يازجي

“المنعطف الثاني

الكنيسة ماهي في النهاية؟؟؟ اعتقد أننا إذا اكتفينا بالنظر اليها من الخارج نظن أنها هي أيضاً مؤسسة كسائر المؤسسات، جماعة كسائر الجماعات…

…الكنيسة ليست جمعية فيها كل الناس موظفون المهم فيهم ماذا يفعلون، كيف يقومون بأعماله؟…

…بمقدار ماعندك عائلة، أسرة في البيت فيها الأب، فيها الأم، فيها الاخوة، فيها الأخوات أنت يمكنك أن تفهم الكنيسة، الكنيسة ليس فيها موظفون، الكنيسة فيها الأب أب، والأم أم…

…الاكليريكي يقدم قلبه كما أن اباك، كما أن أمك يقدمان لك من روحهما، ومن كيانههما دون حساب ودون أي شرط، دون أن يعرفا مَن ستكون عندما تكبر مجاناً مجاناً مجاناً…

ويتابع…

“… المنعطف الثالث

الذي كان المطران الياس رحمة الله عليه، كان يشارك فيه ويشاركني فيه بصورة خاصة ملء الشراكة، هي أن تكون أباً فلا يمكنك ان تكون أبَ نصف العائلة، او ربع العائلة، أو لفرد واحد في العائلة، ليس من فئة في نظر الكاهن، في نظر الأبن ليس من فئات في الرعيةن الرعية واحدة هي مختلفة كما شاء الله بين انسان وانسان، الكل بيننا ليس من واحد يشبه الآخر، ولكن في المحبة الأبوية في محبة الأم الكل هم اولاد، الكل هم متساوون في الاهتمام…كلما حصل اي انحراف …كان قساماً للوحدة التي هي مجتمعة بمجانية المحبة، المحب بشروط ليس محباً على الاطلاق، كان المطران الياس رحمه الله يشاركنا بهذا، وأنا اعرف انه من أجل بناء هذه الكنيسة ومن أجل كرامته لكي يكون رمزاً لكنيسته تحب ان تَحترم وتحب ان تُحترم كان يذهب إلى هنا وهناك…

رحمة الله على المطران الياس… ايها الأحباء، من كل قلبي مع اخوتي الخادمين معي الآنن مع مجمعنا المقدس، كما سمعتم البارحة نحن نصلي من أجل أن يعطينا الله كرامة الكهنوت التي كانت لديه لأنه ذهب بكرامة الكهنوت، وذهب إلى مكان هو يعرفه وقد تحدث عنه مرات، الى الأحضان السماوية سيدنا الياس الله يرحمه ويرحم أمواتكم جميعاً آمين.”

الندوة التكريمية

أقامت مطرانية حلب بعد سنة على انتقاله الى الأخدار السماوية ندوة تكريمية لمثلث الرحمات المطران الياس يوسف كانت تليق بهذا الراحل الكبير…وتمثل فيها كل الطيف الوطني والروحي والعلمي والاجتماعي على صعيد الكرسي الانطاكي وحلب وسورية، وقد قيلت فيها الكثير من الكلمات الرائعة منها كلمة كبيرة معبرة بإسم المجمع الانطاكي المقدس وغبطة البطريرك القاها راعي ابرشية حمص وتوابعها المتروبوليت جاورجيوس ابو زخم تحدث فيها عن بعض الخبرات الشخصية مع المحتفى به وحاول ان يعطيه حقه…

مما قال فيها

متروبوليت حمص وتوابعها المطران جاورجيوس ابو زخم
متروبوليت حمص وتوابعها المطران جاورجيوس ابو زخم

“…إن سألتموني كيف تعرفت عليه؟ وكيف تعلمت منه أن أُحب، وأن أعمل بصدق وإخلاص كما عمل، وأن أسعى جاهداً لأن أرضي الله قبل أي كائن آخر على هذهالدنيا فأقول وشهادتي تبقى مجروحة وكلماتي تبقىمقصرة عن التعبير عما كان يؤمن به هذا الانسان الذي رأى في الانسان تلك الصورة الالهية التي يجدها في وجه كل شخص لذلك آمن بالله تعالى خالقاً مبدعاً للإنسان أعمل مخلوقاته وآمن بالوجود انساني ولذلك عمل على هذا الأساس…

تابع سيادته

…ما يمكن أن يقال، أن هذا الانسان عاش على رجاء كبير جداً، انه وجد لكي يكون خادماً أميناً في كنيسة الله تعالى، ولكي يكون أيضاً صادقاً في خدمته في هذه الكنيسة، لذلك خدم أيضاً الوطن والمجتمع والانسان…”

والقى مفتي حلب الشيخ د. أحمد بدر الدين حسون (مفتي سورية اليوم)

“…أيها الراحل العظيم من رياض الشعر قطفت لك باقة أضعها اليوم على قبرك… أنثرها زهور معاني

قبر العزيز تحية وسلاماً……………….الحلم والمعروف منك أقاما

قد كنت صومعة فصرت كنيسة………..في ظلها سعد المطيف وصاما


وختمها بالقول

“… ايها الراحل العظيم ذكراك ستبقى ألقاً، وهذه الكنيسة في ظلال بلاد الشام، بلاد المحبةوالاخاء ستشع حباً ووئاماً. وقائد بالبشارة يمشي ليجمع القلوب ويوحد الصفوف…”

اما المطران يوحنا جنبرت مطران حلب للروم الكاثوليك فقال

” طوبى لفاعلي السلام، فإنهم بني العلي يُدعون”

“… لقد سعى المثلث الرحمة المطران اياس يوسف الى خلق علاقة ود وتعاون مع سائر الطوائف المسيحية وغير المسيحية، منذ السنوات الأولى لوجوده في الابرشية، وكانت له لقاءت وزيارات مع مختلف الفعاليات الدينية والمدنية في المدينة، مماجعله مقرباً ومحبوباً يكن له الجميع الد والاحترام…”

رثاه السيد عصام مرجانة بقصيدة شعرية كانت بعنوان ” الملاك الراحل”

يسألني الأحباب أي فجيعة……….وأي شجىً دامٍ أقَّضَّ المضاجعا؟!

أيا كوكباً ماكان أبهى ضياءه……..يغيب ويخبو بعدما كان لامعاً

ديار أحلاماً كان أصفى سريرة……وأنبل أخلاقاً وأٍنى وأرفعاً…”


الخاتمة

مقالنا وما قيل بحق هذا العَلم الانطاكي من كلمات ات للتعبير عن جزء من الوفاء المتوجب على الأبناء الذين خدمهم هذا الراحل الكريم بكل الحب والعطف والإخلاص.

في هذه المناسبة التي سلطنا الضوء فيها على مثلث الرحمات المتروبوليت الياس يوسف، نعود للايمان والرجاء الذي فينا بأن الراحلون عنا يشتركون معنا في صلواتنا وتضرعاتنا، وبأننا نشكل معاً جسد الكنيسة الواحد.

نحن ياسيدنا الراحل لازلنا لا بل صرنا اكثر من اي وقت مضى بحاجة الى صلواتك وانت في الفردوس من اجل سلام وطن أحببته كثيراً، وطن سوري نشأت منه ورعيت خرافه… وطن يُذبح…ويغرق فيه الابرياء بدمائهم نتيجة غدر عدوان عالمي…

فيه تم ذبح كهنتك، وخطف خَلَفك المطران بولس ، وزميل دربك المطران يوحنا…

نحن نرجوك ياسيدنا وانت في حضن ربنا يسوع المسيح لتتشفع بنا، ومن أجل ان يعود السلام الى وطننا…

لقد دمر العدوان ما بنته يداك في ابرشية حلب…

ليكن ذكرك مؤبداً


أيقونة والدة الإِله الإِيفيريَّة في موزدك

$
0
0

أيقونة والدة الإِله الإِيفيريَّة في موزدك

ظهرت هذه الأَيقونة في أَيَّام ملكة الكرج تمارة، أَي في أَواخر القرن الثَّاني عشر وَأَوائل الثَّالث عشر. وَقد اشتهرت هذه الملكة باجتهادها على الأَخصِّ في نشر المسيحيَّة بين سكَّان جبال القوقاز. فشيَّدت فيها كنائس كثيرة، فضلًا عمَّا شيَّدته منها في شعابها وَجهَّزتها بالأَواني. وَبعد أَن تنصَّر جانبٌ كبيرٌ من الشَّراكسة، أَهدت نسخةً من الأَيقونة الإِيفيريَّة إِلى جماعة الأُوسيتينيِّين الَّذين اعتنقوا الإِيمان المسيحي. فبقيت في تلك الجبال، من أَيَّام الملكة تمارة حتَّى سنة ١٧٦٨. وَقد نسخها أَحد مصوِّري البلاط، بعد أَن استعدَّ لهذه المهمَّة الخطيرة بصوم ستَّة أَسابيع. وَتمجَّدت هنالك بعجائب كثيرة، وَسلمت من النَّار الَّتي التهمت كنيستها مرَّتين.

في سنة ١٧٦٨، نقلها النورتسيُّون سكَّان أُوسيتينة الجبليَّة معهم، لمَّا هاجروا إِلى شاطئ تيرسك قرب موزدك، بدعوةٍ من الإِمبراطورة كاترينا الثَّانية، فلاقاها أُسقفها غايوس الكرجي باحتفالٍ كنائسيٍّ وَصلَّى أَمامها صلاة الإِبتهال، وَأَراد أَن ينقلها إِلى كنيسة المدينة. وَقضوا هناك ليلتهم، فعاينوا فيها نوراً عجيباً قد انبثق من مركبتها، فنوَّر الضَّواحي إِلى الصَّباح. وَفي الغد، توقَّفت الثِّيران بقدرةٍ خفيَّةٍ عن الجري، وَسمع أَحدهم في رؤَى اللَّيل صوتاً آمراً ببقائها هناك، كما كُشف أَيضاً للأُسقف غايوس عن وجوب ذلك فلم يعد يجسر على معارضة إِرادة والدة الإِله، وَأَقام لها هناك مصلى، فتبادر النَّاس للصَّلاة أَمامها. وَفي سنة ١٧٦٩، شيَّدوا مكانه كنيسةً لشرف انتقال السَّيِّدة وبُني قربها دير للعذارى، أُلغي سنة ١٧٩٩ بإِلغاء أَبرشيَّة موزدك. وَفي السَّنة الثَّمانين من القرن التَّاسع عشر، بنيت كنيسة لشرف الأَيقونة الإِيفيريَّة.

إِلتجأَ النَّاس إِلى هذه الأَيقونة المقدَّسة في الأَمراض وَالرَّزايا. فالمسيحيُّون الأُرثوذكسيُّون وَالكرج وَالأَرمن وَالكاثوليك وَالشَّركس وَالآسيتينيون البرابرة، يكرِّمونها وَيضيئون أَمامها الشُّموع. وَيروي الشَّعب أَنَّ شامل لمَّا بلغ موزدك سنة ١٨٤٠، ظهرت له وَلعساكره امرأَةً في ثيابٍ بيضاء وَمنعته من مهاجمة المدينة.

وَيعتقد الناس هناك، بأَنَّه ينبغي لكلٍّ منهم أَن يزور موزدك وَيعترف وَيتناول القربان المقدَّس في كنيسة رقاد السَّيِّدة الموجودة فيها هذه الأَيقونة المقدَّسة. بل كثيرون ينذرون أَن يزوروها حفاة الأَقدام، فإِذا دخلوا الكنيسة طافوا مراراً داخلها على ركبهم ساجدين. وَكلُّ مَن التجأَ فيها إِلى قدرة أُمِّ الإِله وَرحمتها، أَحرز المعونة وَالعزاء.

يوجد في نيجني في نوفغورد، نسخةً عن هذه الأَيقونة المقدَّسة، أَهداها البطريرك إِلى فيلاريتوس مطران هذه المدينة الأَوَّل. وَفي دير القدِّيس صفرونيوس نسخةً أُخرى، اقتناها مؤَسِّسه سيرابيون. وَفي دير الثَّالوث الأَقدس في سمولينسك، نسخةً ثالثةً قديمة التَّصوير وَمعها مرسوم بركةٍ من مطران هذه المدينة، سيلفستروس الَّذي أَوجب أَن ترتَّل أَمامها صلاة الإِبتهال في كلِّ يوم سبت.

تنقل هذه الأَيقونة العجائبيَّة في كلِّ سنةٍ، إِلى مدينة فلاديفوستوك قتبقى فيها شهراً. وَهي مصوَّرة بأَساسٍ ذهبٍ وَمناط بها تقديماتٍ عديدةٍ من الَّذين نالوا بها الأَشفية. طول الأَيقونة ذراعٍ وَربع الذِّراع، وَعرضها ذراعٍ وَسبعة قراريط.

“من كتاب حياة العذراء والدة الإِله على الأَرض”


الأيقونة المُنقذة

$
0
0

الأيقونة المُنقذة
في كنيسة “فرح المحزونين” في “سانت بطرسبرج” توجد أيقونة لسيدة “قازان”، كُتب عليها بالأحرف اللاّتينيّة wsu schizn”

وقد روت إحدى المؤمنات اللّواتي يرتدن هذه الكنيسة ويصلين فيها قصة هذه الأيقونة العجائبيّة.

الواقعة
ذات يومٍ دخلت إمرأة عجوز إلى الكنيسة ولوحّت بذراعيها عندما رأت أيقونة والدة الإله قازان المعلّقة في الكنيسة وصرخت بتعجّب: “من أين جاءت هذه الأيقونة؟!. فأنا أعطيتها لجنديٍّ ألمانيٍّ!. أعرفها من ثقبٍ مميّز يوجد في إطارها”. فأخبرتُها أنّ القنصليّة الألمانيّة هي الّتي وهبت هذه الأيقونة لكنيستنا. فانفجرت السّيّدة بالبكاء، وقالت لي إنّ اسمها “فيرا”. وقصّت عليّ كيف وصلت أيقونة عائلتها الأرثوذكسيّة إلى ألمانيا…
كانت قريتي ساحةً للمعارك وأردت أن أغادرها مع أختي وأولادي الثّلاثة، لكنّ والدتي مرضت مرضاً خطيراً وما كانت لتنجو في الرّحلة. فوعدت أختي أن ألاقيها في وقت لاحق، وأرسلتها مع أولادي إلى مكانٍ قرب “ريازان” حيث كانت تسكن عمةٌ لي ضمن “مزرعة تعاونية” وبقيت أنا مع والدتي الّتي ما لبثت أن رقدت بعد شهر من رحيلهم، لكن قبل رقادها باركتني بأيقونة والدة الإله “قازان” الّتي للعائلة. وكان جدي قد باركها بهذه الأيقونة قبل زواجها وهي باركتني أنا وزوجي “ساشا” قبل زواجنا رغم أنّه كان في الحزب الشّيوعيّ.
إثر وفاتها، غادرتُ منزلي لاجئةً والأيقونة في حقيبتي البالية. جلستُ تحت الخيمة في محطة القطار، متأمّلةً العاصفة الثّلجيّة الهوجاء، لم يكن باستطاعتي التّفكير بأي شيء آخر، كنت أحاول فقط أن أُخفي أصابعي في كُمَّي معطفي الرّقيق.لم أكن أشعر سوى بالبرد والجوع.
وصل القطار إلى المحطة وانفتحت أبوابه. وقف الجنود الألمان في صفٍّ وكانوا يناولون بعضهم بعضاً علباً كبيرة، ففكّرت في نفسي غير مبالية “إنّهم ينقلون الأسلحة”. لكن فجأة، أحسست بألمٍ في قلبي: “إنّهم يسيرون إلى الأمام، حيث يُقاتل “ساشا”! وسيطلقون النّار عليه بهذه البنادق، وعلى كلّ الجنود الرّوس…آه كم هم ملعونون.”!!!
والغريب أنّ الدوريّة الألمانيّة لم تُعر أيّ انتباهٍ لي، وأنا امرأة وحيدة، هزيلة من كثرة الجوع… لم أكن أذكر متى تناولت الطّعام لآخر مرّة…!
كنت، منذ زمن، قايضت ساعتي وخاتم زواجي وأقراط والدتي من أجل الحصول على طعام. وضعت يدي على حقيبتي وقلتُ: “يا والدة الإله الكليّة القداسة، تشفّعي من أجلي أمام الله… خلّصي واحفظي أولادي وأختي “ناديا”… خلّصي واحفظي زوجي، عبد الله ساشا.”
فجأة سمعتُ كلمات في أذني تقول لي: “ما بك؟!”. رفعتُ رأسي ورأيت جندياً ألمانياً جالساً بقربي على المقعد. أحسست بالودِّ في كلماتِهِ، فأجبته: “الحالة سيّئة”.

كان الألماني جالساً بقربي واضعاً حقيبة ظهره المملوءة على الأرض، وبعد التّفتيش في داخلها، مدّ يده وناولني قطعةً من الخبز عليها شريحة رقيقة من اللّحم وقال لي: “نيمت!” (أي “خُذي” باللّغة الألمانيّة). أخذت الهدية والتهمتها. ثم أخرج الألمانيّ “ترمساً” وسكب لي بعضاً من الشّاي وقال: “هيسّ! غوت!…” (ساخن! لذيذ!)… ربّما كان هذا الجندي من حرّاس هذه المحطّة. كان يبدو في العشرينات من عمره، عيناه زرقاوان، نظرته طفوليّة. ربّما كان شعره فاتحاً مثل شعر ابني “أندرَيْكا”، لكنّي لم أستطع رؤيته بسبب القبّعة.
أشار الألماني نحو القطار ثم ليّ، كان يحاول أن يجد الكلمات ثم سألني: “بعيد؟ بعيدًا!”…

على الفور حاولت أن أفسّر له أنّي كنت آمل الذّهاب إلى بيت عمّتي، لكنّي الآن لست أملك شيئاً… وفي نهاية المطاف أنهيت الحديث بقولي: “عندي أولاد هناك “كيندر” هل تفهم ما أقول؟!”. ورسمت شكلهم بيدَيّ كأنّهم واقفون أمامي. فأومأ الشّاب برأسه وقال: “آه، نعم، كيندر!”… وأكملتُ: “لكنّي لن أصل إليهم لأنّي سأتجمّد هنا”… لم أكن أشعر بأنّي أبكي.
ومن جديد أخرج الجندي من حقيبته حزمة ثقيلة وقال: “هاكِ، خذي” وفتح الحزمة ولمس محتوها، ولحس إصبعه وقال: “غوت”.!
كانت الحزمة تحتوي على الملح، الملح… الّذي كانت قيمته كالذّهب في تلك الأيّام. كان بإمكان المرء أن يحصل على الخبز والحليب وأي غرض آخر بالملح… وكانت الحزمة فيها أكثر من ثلاثة كيلوغرامات من الملح. وكان الجندي يُقدِّمُ لي هذه الحزمة، وأنا امرأة روسيّة غريبة. وإذ رأى الدّهشة على وجهي، ابتسم وقال كلمات لم أفهمها. ثم وقف، وأغلق “التّرمس” ووضعه في حقيبته ولوّح لي بيده وانصرف.
انطلقت وراءه قائلة: “قِفْ!”، فقال لي “واس إيست إيس؟(ماذا هنالك؟)”، فقلتُ له بكلّ ثقة: “هذه الأيقونة ستحفظ حياتك كُلَّها”، فلم يفهم، فردّدتُ الجملة عينها. فأخرج قلماً من جيبه، وأدار الأيقونة وطلب منّي أن أعيد ما قلته له، فردّدتُ له ببطءٍ متهجّيةً الأحرف، أما هو فكان يكتبها بالأحرف اللّاتينيّة : “Eta ikona budit hranit was wsu schizn”
لم نلتقِ بعد هذه الحادثة… لكنّي استطعت أن أقايض الملح بملابس دافئة وحذاء مبطّن وخبز ووصلت إلى “ريازان”، وعاد زوجي ساشا من الحرب عام 1945
يتابع  كاهن الكنيسة 

استمعتُ بانتباه إلى هذه المرأة المضطربة، وقلت لها بفرحٍ ما سمعناه من ممثّلي القنصليّة الألمانيّة الّذين وهبوا هذه الأيقونة لكنيستنا، لأنّ هذا الجندي الألماني خرج من الحرب من دون أي ضرر. مات زملاؤه أمام عينيه، مرّة انفجرت شاحنة كان فيها، لكنّه استطاع أن ينجو إذ رمى بنفسه في لحظة الانفجار، أما الجنود الباقون فقد لاقوا حتفهم. ومرّة أخرى في نهاية الحرب، سقطت قنبلة على ملجأ تحت الأرض كان قد غادره منذ لحظات. فكان يشعر أنّ القوّة الخفيّة في هذه الأيقونة الرّوسيّة كانت تنجّيه في كلّ مرّة.
أدرك هذا الجنديّ الأمور الأساسيّة في الحياة بشكل أفضل وأعاد تقييم حياته، وأنفتحت روحه على الصّلاة.

عاد إلى بيته وتزوّج وأنشأ أولاده على التّقوى. ووضع الأَيقونة في صندوق جميل من الزّجاج في منزله في مكانٍ مكرّمٍ وكان يصلّي أمامها طيلة حياته.
عندما شاخ، طلب من إبنه البكر أن يُعطي الأَيقونة إلى القنصليّة الرّوسيّة بعد موته. قال له: “هذه الأيقونة عاشت في روسيا ويجب أن تعود إلى هناك. فليذهبوا بها إلى “لينينغراد”، المدينة الّتي قاومت الحصار، وماتت من البرد والجوع ولم تستسلم.
هكذا وصلت أيقونة “والدة الإله قازان” مع الكتابة الغريبة المنقوشة عليها في منتصف التّسعينات إلى إحدى الكنائس الّتي أُعيد فتحها في سانت بطرسبرج، وكان كاهنها في تلك الفترة المتقدّم في الكهنة “ألكسندر تشيستياكوف”

(الأرثوذكسي)

Viewing all 1470 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>