بستان هشام
سائليني يا شآم
وردت هذه التسمية في قصيدة “سائليني ياشآم” للشاعر اللبناني المبدع سعيد عقل…
أين يقع هذا البستان؟ وماهي قصته؟ ولماذا هشام دون معاوية او عبد الملك…الخ
وصادف ان سألني البعض من الاصدقاء عن هذا البستان فقمت بالبحث عنه مطولا… لاسيما وان دمشق كانت حين دخول المسلمين اليها ملآى، بالرغم من صغر رقعتها المحاطة بالأسوار، ملأى بالبساتين وبقصور الشخصيات المشيدة فيها، وعلى سبيل المثال قصر سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي، وثمة مقولة تقول انه في باب الفراديس حيث الخضرة البديعة وخرير مياه بردى الصافية، ومقولة تقول انه في ساحة الامين وفي موقعه تقع مدرسة الأليانس، التي كانت لليهود الدمشقيين… وهذا مستبعد وانا اميل الى باب الفراديس حيث تعني التسمية (فراديس) جمع فردوس نظرا لجمال الموقع…وبنى الذوات والشخصيات قصورهم فيه للراحة والترفيه في هذه المنطقة الغناء والحصينة على الغزاة لوجود الاسوار القوية والموانع المائية.
وكان في دمشق مثلاً بستانٌ للزيتون وفيه معبد لليهود القرائين، وهي طائفة يهودية هرطوقية منشقة عن اليهودية، ولكنها مع مطلع القرن التاسع عشر اندثرت، وبقيت اوقافها ومعابدها ومنها معبد بستان الزيتون وتم شراء المعبد وماحوله من قبل طائفة الروم الكاثوليك 1835 وكان وكيل البيع من الجانب اليهودي هو وكيل الاوقاف المقيم في اسطنبول. وبعد الشرائع تم تحويل الكنيس (المعبد) الى الكاتدرائية باسم سيدة النياح وبجانبها دار البطريركية والمدرسة البطريركية…
وامثلة كثيرة عن دمشق التاريخ والحضارة…
فاذن ان يقع بستان هشام؟
هشام هو الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك وهو عاشر الخلفاء الأمويين.
والبستان، وان صحت التسمية هي تلك البساتين الغناء التي كانت ملاصقة لسور دمشق الشرقي، وبابها الشرقي. وهي مدخل الغوطة المعروف اليوم ومنطقة الاحدى عشرية وغزارة مياهها … الى باب توما ووانهارها الثلاثة وماعليها من مطاحن الحبوب وشرقي المنطقة حيث مدخل الغوطة الشرقية ايضاً مروراً ب”الصفوانية” على اسم صاحبها “صفوان” وهي كانت قرية تقع عند تقاطع فرعي بردى (عند الحديقة اليوم) وتشكل آية جمالية ربانية واسمها الصوفانية اليوم، والزبلطاني حالياً مع منطقة عين ترما الخصيبة جداً والتي كانت الى الامس القريب تغطي حاجة دمشق من الخضار الصيفية وحليب البقر والاجبان، وبكل اسف ذهبت مع الريح، ووادي عين ترما وزراعاته الشهيرة واشجاره والممتد حتى مشارف قرية جوبر وقد طالته يد العبث والتخريب و. و…
كانت هذه البساتين بيد اصحابها لكن هشام وضع اليد عليها لحسنها، وجعلها من املاك الدولة، واهتم بتطويرها زراعياً فأينعت اكثر، وشق طرقاتها، ونظم الدكوك الفاصلة( جمع دك) ونظم طريقة السقاية والري لتعطي أكثر. فأعطى بستان هشام لمدينة دمشق رونقاً زاد دمشق وغوطتها بهاءً وجمالاً…
وكانت تقتحم المنطقة هذه اضافة الى ينابيعها العذبة العديدة، اربعة فروع من فروع بردى بمياهها النظيفة، زادت من خصبها…
وذهبت التسمية الى بستان هشام ” الحقوا الدنيا ببستان هشام” …
ذُكر في بعض الروايات غير المسندة أن هشام كان بجولة قريبة من ذاك البستان وأعجب به وأرسل من يشتريه له فرفض صاحبه لكن صحب الخليفة دبروا مكيدة لصاحبه بأن ألقوا جثة أحدهم بذاك البستان واتهموا صاحبه بقتله وتمت المصالحة بأن تنازل لهم عن البستان.!
وثمة رواية تقول ان هناك منطقة في ضواحي مدينة تدمر تسمى ” بستان هشام” … على قياس مدينة الرصافة الرومية الشهيرة والتي جعلها هشام مدينة له وصار اسمها في بعض الاحيان “رصافة هشام”.
ولكن بستان تدمر لايقارب المنطق اطلاقاً…ولايمكن الركون الى تدمر الصحراوية بالرغم من بساتينها بأنها هي بستان هشام للفارق المهول بينها وبين غوطة دمشق واشجارها وثمارها.
كل هذه المساحة الواضحة في الخريطة هي بستان هشام، وهي مدخل الغوطة الشرقية، وليتها بقيت هكذا، فما يصل حالياً من ماء من انهارها الاربعة هي مياه آسنة، وأُبيدت بكل اسف كل نبتة خضراء فيها، وضربها التصحر بعدما كانت مكتظة بالاشجاء الباسقة والمثمرة، وبنيت بها الابراج العمرانية العالية والاسواق بعد ان كان بعضها، سكن عشوائي كمدن مريفة اعتبارا من الربع الاول للقرن العشرين، واليوم تم هدمها وترحيل السكان وبنيت في مكانها المصانع… واكتست بسبب الكثافة المرورية بالغبار والتراب…بعدما صار شارع الزبلطاني…
ليته بقي بستان هشام وليت الشام الغناء بقيت الشام التي تغنى بها الشعراء…!
وليت الغوطة الخضراء بقيت الغوطة الخضراء التي كانت تلف الشام لف السوار بالمعصم.!