حياته المبكرة وتعليمهوُلِد أفلاطون نحو سنة 428 قبل الميلاد، خلال السنوات الأخيرة من العصر الذهبي لأثينا في عهد بيريكلس. وكان من سلالة أثينية نبيلة من جانب كلا والديه. مات والده أريستون عندما كان طفلًا، وتزوجت أمه بيريشيون رجل السياسة بيريلامبس. شب أفلاطون خلال حرب البيلوبونيز (431- 404 ق.م) وبلغ رشده مع هزيمة أثينا على يد أسبرطة، وما تلا ذلك من فوضى سياسية. وتعلم الفلسفة والشعر والرياضة البدنية على يد مدرسين أثينيين بارزين كان أحدهم الفيلسوف كراتيلوس.
يشير القسم الخاص بالموسيقى في (جمهورية) أفلاطون إلى حظر المزامير في المجتمع المثالي لصالح القيثارة الأعلى مكانةً، لكن يُقال إن أفلاطون حين كان على فراش الموت استدعى فتاةً صغيرةً لتعزف له على مزمارها، وكان حينها يُماشي إيقاع اللحن بإصبعه وهو يتنفس آخر أنفاسه.
بم تأثر أفلاطون؟أصبح أفلاطون من اتباع سقراط المخلصين، حتى أنه كان أحد الشباب الذين أُدين سقراط ظلمًا بإفسادهم. وبُنيت مذكرات أفلاطون حول فلسفة سقراط وأسلوبه على الاستجواب، أي المنهج السقراطي، ما أصبح أساسًا لحواراته المبكرة. ينظر المؤرخون إلى حوارات أفلاطون، فضلًا عن روايته المكتوبة عن محاكمة سقراط، بوصفها أدق صورة مُتاحة للفيلسوف الأكبر، الذي لم يترك أعمالًا مكتوبة خاصة به.
بعد انتحار سقراط القسري، قضى أفلاطون 12 عاماً بين إيطاليا وصقلية ومصر، يدرس مع فلاسفة آخرين، منهم أتباع الرياضي المتصوف فيثاغورس، وثيودوروس القيرواني (مصمم الشكل الحلزوني لثيودورس أو حلزونية فيثاغورس)، وأركيتاس تارينتوم، وأصقراط فيليوس. وفي تلك الفترة أُعجب أفلاطون بفيثاغورس وازداد اهتمامه بالرياضيات.
تأثرت نظرية الأشكال لأفلاطون، التي ذكرت أن العالم المادي الذي نعرفه هو مجرد ظل للعالم الحقيقي، ببارمنيدس وزينو إليا. ويظهر الاثنان بوصفهما شخصيتين في حوارات أفلاطون تحت عنوان (بارمنيدس).
كان أفلاطون على علاقة دائمة بعائلة سيراقوسة الحاكمة، التي طلبت نصيحته بشأن إصلاح السياسة في مدينتهم.
الأكاديميةنحو سنة 387 ق.م، عاد أفلاطون البالغ من العمر 40 عامًا إلى أثينا، وأسس مدرسته الفلسفية في بستان البطل اليوناني (أكاديموس) خارج أسوار المدينة.
كانت أكاديميته في الهواء الطلق، وكان يلقي محاضراته فيها على الطلبة من جميع أنحاء اليونان (كان 9 من كل 10 طلبة من خارج أثينا). واعتمدت أكثر كتابات أفلاطون، خاصةً الحوارات اللاحقة، على محاضراته. تجاوز افلاطون بتأسيس الأكاديمية تعاليم سقراط، الذي لم يؤسس مدرسةً قط، وشكك في فكرة قدرة المعلم على نقل المعرفة.
وصل أرسطو من شمال اليونان لينضم إلى الأكاديمية وهو بعمر 17 عامًا، ودرس فيها طوال السنوات العشرين الأخيرة من حياة أفلاطون. توفي أفلاطون في أثينا، وربما دُفن في أرض الأكاديمية.
حوارات أفلاطونباستثناء مجموعة من الرسائل المشكوك في مصدرها، ظهرت كل كتابات أفلاطون على هيئة حوار، وبحضور شخصية سقراط في كل كتاباته باستثناء إحداها. كانت حواراته الـ36 مرتبةً ضمن 3 مراحل: المبكرة والمتوسطة والمتأخرة، وإن كان تسلسلها الزمني يتحدد حسب الأسلوب والمضمون لا بتواريخ محددة.
تقدم الحوارات المبكرة استكشافًا عميقًا لطريقة سقراط الجدلية في تحليل الأفكار والافتراضات. ففي (أوثبيرو)، يدفع سؤال سقراط الذي لا ينتهي رجل دين إلى إدراك أنه لا يفهم معنى (التقوى). دفعت مثل هذه التحليلات طلبته إلى التعامل مع ما يُسمى الأشكال الأفلاطونية (النماذج المثالية التي لا توصف، الحقيقة والجمال وما تبدو عليه الأشياء)، التي بموجبها يحكم الناس على الأشياء والتجارب.
في الحوارات الوسطى، تنبثق أفكار أفلاطون الخاصة ومعتقداته عن الأسلوب السقراطي، رغم أنه لم يدعُ إليها صراحةً على الإطلاق. كانت (الندوة) سلسلة من الخطابات في حفلات الشراب حول طبيعة الحب. يقول سقراط إن أفضل شيء يمكن فعله عند وجود رغبة رومانسية هو تحويلها إلى حقيقة ودية (وهو ما سُمي لاحقًا الحب الأفلاطوني). وفي (القائمة) يُشير سقراط إلى أن الحكمة ليست مسألة تعلم الأمور بل (تذكُّر) ما تعرفه النفس، ليتمكن شخص غير مُتعلم من اكتشاف برهان هندسي بنفسه.
إن (الجمهورية) عمل ضخم يقدم استكشافًا موازيًا لروح الأمة والفرد. ففي كل منهما يجد أفلاطون تسلسلًا هرميًا مؤلفًا من 3 أجزاء، الحكام والمساعدين والمواطنين، أو العقل والعواطف والرغبة. فكما يجب أن يسود العقل على الفرد، يجب أن يسيطر الحاكم الحكيم على المجتمع، إذ إن من يتحلى بالحكمة فقط (وهو في الحالة المثالية الفيلسوف/الملك) هو من يستطيع تمييز الطبيعة الحقيقية للأمور. (ترتبط تجارب الطبقات الدنيا من الدولة والنفس -حسب تشبيه أفلاطون- بالمعرفة الحقيقية، كما ترتبط الظلال على الحائط بالأجسام التي تصورها، وإن اختلفت عنها في حقيقتها).
أما الحوارات المتأخرة فهي حوارات استكشافية لمواضيع محددة. حيث يتشابك الكوني مع الهندسة، وتكون الأشكال الكاملة ثلاثية الأبعاد -مكعبات وأهرام وإكوسهادرون- هي (المواد الصلبة الأفلاطونية) التي يُصنع منها الكون كله. وفي الحوار الأخير الذي أجراه أفلاطون تحت اسم (القانون)، تراجع عن نظرية (الجمهورية) البحتة، واقترح أن الخبرة والتاريخ، إضافةً إلى الحكمة، هي الأمور التي ترشد إدارة الدولة المثالية.
اقتباسات أفلاطونابتدع أفلاطون عدة عبارات ما زالت شائعةً إلى اليوم، من أشهرها:
«الحب مرض عقلي خطير».
«عندما يفكر العقل فهو يتحدث إلى نفسه».
«يتدفق السلوك البشري من 3 مصادر رئيسية: الرغبة والعاطفة والمعرفة».
«الحكيم يتكلم لأن لديه ما يقوله، أما الأحمق فيتكلم لأن عليه أن يقول شيئًا».
«الموسيقى قانون أخلاقي، فهي تعطي الكون روحًا، والعقل أجنحةً، والخيال سعةً، والحياة سحرًا ومرحًا».
«إحدى عقوبات رفضك المشاركة في السياسة هي أن يحكمك من هو أسوأ منك!».
«الانسان كائن يبحث عن معنى».
«كل من لهم قلب ينبض يرغبون في الغناء، ويجدون دائمًا أغنيتهم في لمسة المحبوب. وكل إنسان بوسعه أن يُصبح شاعرًا».
«ثمة أمران يجب على المرء ألا يغضب بسببهما أبدًا: ما يستطيع أن يتصرف حياله، وما لا يستطيع!».
«الناس مثل الأرض، إما أن تغذيك وتساعدك على النمو، أو أن تعطل نموك وتجعلك تذبل وتموت».
إرثه وتأثيرهازدهرت أكاديمية أفلاطون قرابة 3 قرون بعد موته، لكنها دُمرت في نهب أثينا على يد الجنرال الروماني سولا سنة 86 قبل الميلاد. ورغم أن أفلاطون قُرئ باستمرار في الإمبراطورية البيزنطية والعالم الإسلامي، طغى عليه أرسطو في الغرب المسيحي.
في عصر النهضة تبنى علماء مثل (بترارك) إحياء فكر أفلاطون، خاصةً استكشاف المنطق والهندسة، ووجد (وليم وردزورث) و(بيرسي شيلي) وآخرون من أدباء المدرسة الرومانسية في القرن التاسع عشر عزاءً فلسفيًا في حوارات أفلاطون.
(المصدر: انا اصدق العلم)