كنيسة رقاد والدة الاله او دير سيدة الراس… بلدة بطرام الكورة
قضاء الكورة/ لبنان الشمالي
هو أحد أقضية محافظة لبنان الشمالي الثمانية، يشتمل على سهل ساحلي الى الجنوب من مدينة طرابلس، ترتفع فوقه مجموعة من التلال و الهضاب التي لا تتجاوز بارتفاعها 800 مترا عن سطح البحر.
يدعى قضاء الكورة ب”الكورة الخضراء” يحده من الشمال و الشمال الشرقي قضائي طرابلس و زغرتا الزاوية، و من الشرق قضاء بشري، و من الجنوب قضاء البترون,، و تتجاوز مساحة هذا القضاء 1,9 كيلومتراً.
يبلغ عدد سكان قضاء الكورة القاطنين فيه 54500 نسمة تقريبا،(في احصاء 2010 أي ما يعادل 1.3 % من العدد الاجمالي لسكان لبنان). ومعظم سكانه من ابناء الكنيسة الانطاكية الرومية الارثوذكسية، والكورة هي المعقل الرئيس للروم الارثوذكس في لبنان بالدرجة الاولى، وتتبع ابرشياً ل” أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما” وهي احد اهم الابرشيات الانطاكية للروم الارثوذكس.
يحوي القضاء على العديد من الاديار والكنائس التاريخية، ولعل اشهر الاديار على الاطلاق هو “دير سيدة البلمند البطريركي” و”جامعة البلمند الارثوذكسية” و”معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي” وهو احد الكليات المتخصصة في جامعة البلمند.
يتألف قضاء الكورة من 37 بلدية ومنها بلدية بطرام…
بلدة بطرام
بطرام وهي البلدية 28 في قضاء الكورة الخضراء، وهي بلدة وادعة توسطت حضن الكورة الخضراء، وتربعت هانئة وسط زيتونها في كرومه الممتدة، نصيبها من الماضي تراث مجيد، ومكانتها في الحاضر كمال، ولها في المستقبل بياض الامل وحلاوة الرجاء. في نفوس بنيها إجتمع العلم والإيمان، فتفوق منهم في الطب والهندسة، في الإقتصاد والفلسفة، في العلوم كافة وفي السياسة، في مجال الخدمة العامة ووظائف الدولة، أعلام وعباقرة، رجال فكر وتربية تبوأوا أعلى المراكز العالمية وأسمى المناصب الوطنية، تفوقوا في حقولهم فكانوا مثالا يحتذى به
تعرف هذه البلدة بأنها خضراء الكورة، وأصل اسم بطرام كلمة آرامية معناه (بيت الجبل العالي)، لوجودها على تلة مرتفعة (كما جاء في كتاب “اسماء المدن والقرى لأنيس فريحة”)، ولقد ورد إسم ” بيت هارام” اي البيت العالي في سفر (يشوع 13: 27). ويتبين من اصل اسمها ومن بعض آثارها أنها قديمة العهد بالسكان وبالحضارات.
للوصول الى بطرام عليك إختراق بساتين الزيتون وكروم العنب الى إحدى التلال التي سماها الإفرنج “بالجبل الجميل”، حيث تمتد بيوت القرميد ومربعات حجرية مقنطرة تتعانق مع المساكن الحديثة، تبلغ مساحتها حوالي 17334 هكتارا، تبعد عن العاصمة بيروت 80 كلم وعن طرابلس 14 كلم.
شهدت بطرام أحداثاً تاريخية بارزة بفعل موقعها الجغرافي، ومنها أن بربر آغا والي طرابلس، كان يرتاح في أرجائها، ويسقي خيله من مائها، قبل ان يتابع طريقه الى بلدة إيعال حيث تقع قلعته.
عائلاتها
من عائلاتها: مالك، سالم، سرحان، ديب، سركيس، يزبك، خوري، خولي، جبور، ملكي، جبرا، سرور، الشع، علاغة، اندراوس، ساعود، عبود، مخول، داود، نعمة، نصر، كلش وطنوس.
عرفت بطرام تجمعات سكانية قديمة جدا بحكم موقعها – وسط الكورة – وخصب أراضيها. وفي وادي الكوة بين بطرام وفيع، مغاور صخرية قديمة وكبيرة، مما يثبت وجود إنسان ما قبل التاريخ حيث كان يأوي اليها على حسب تقدير بعض المؤرخين الذين زاروا المنطقة وعرفوا الوادي، وخاصة عندما جاءت بعثة المانية وأخرى يابانية للتنقيب هناك.
مزار “اشمونيت”
وما يسمى اليوم بمزار “اشمونيت” قرب الكنيسة، لدليل آخر على قدم البلدة وعهدها بالسكان. والمزار كناية عن صخرة ضخمة حفر فيها ثماني غرف، ينزل اليها على إحدى عشرة درجة تحت الأرض، ومدخل من باب في الصخرة نفسها مربع الشكل ويطل على سطح محفور ومنقوش، وحولها سبع غرف بالصخرة نفسها أيضا من ثلاث جهات. ولقد كرس الأقدمون هذا المزار على اسم القديسة “سالموني” وأولادها السبعة ومعلمهم لعازار (كما جاء في سفر المكابيين الإصحاح السابع من الكتاب المقدس). والأيقونة موجودة في الكنيسة ومؤرخة سنة 1871 م. والأرجح ان هذا المزار يشبه الدياميس بغض النظر عن إسمه، تلك الدياميس (حيث كان المسيحيون يدفنون شهداءهم) المخفية تحت الأرض حيث كان المسيحيون الأوائل يمارسون الأسرار، ويجتمعون للصلاة وكسر الخبز واقامة سر الافخارستيا، بعيدا عن أنظار الرومان والمضطهدين. وهذا برهان آخر يؤكد ان بطرام مأهولة بالسكان بناة الحضارة منذ القدم.
الفعاليات الاقتصادية
اضافة الى الزراعة وخاصة الزيتون والكرمة هناك الخضار الصيفية، اما الصناعة في بطرام فهي قديمة تعود الى العام 1885، حيث كان يوجد في البلد معملان لصناعة الحرير الطبيعي، ومايزال عمود المدخنة حيث كانت تُغلى الماء لحل الشرانق موجوداً قرب العين، والمعمل الآخر لصناعة جرار الفخار والأواني الفخارية الذي أنشىء العام 1941، أما اليوم فيوجد معمل حديث متطور لانتاج المعكرونة والشعيرية والأرز المطحون، ومحمصة حديثة، وصناعات مرتبطة بالانتاج الزراعي المحلي كصناعة الزيت ( 4 مكابس) والصابون والعرق والنبيذ.
دير سيدة الرأس
أما دير سيدة الراس دير سيدة النياح، فهو يقع على صخرة كبرى على رأس تلة من تلال القرية، صغير المساحة نسبيا لكنه عريق في القدم..
وعلى الصخر ارتفعت كنيسة رقاد السيدة منذ زمن سحيق، ولايتذكر أهل القرية تاريخ بنائها. الا ان هناك من يقول أن وثيقة موجودة في الفاتيكان تُثبت أنّ كاهناً رُسم في الكنيسة العام 1050، مايرجح أنها شيدت في القرون الوسطى. كما شار المؤرخ د. اسد رستم الى ان يكون بناها الافرنج في احدى حملات الفرنجة عندما بنوا كنيسة دير سيدة البلمند.(1)
الكنيسة هي ضمن دير يعرف باسم سيدة الراس؟ ماهو سر التسمية؟ ألأنها تقع في أعلى منطقة من قرية بطرام؟ أ لنها رأس زاوية مثلث مساحة الكورة المعتمد من الجيش اللبناني؟ أم هناك سبب آخر؟ هل كانت مأهولة بالرهبان في وقت ما؟
تحت الساحة في الجهة الغربية غرفتان من عقد بناهما السيد سليم مالك، وتعرفان تحت اسم “الكمنتير” وهذه الكلمة تحوير لكلمة كيميتريون اليونانية التي تعني المدفن، ومانعرفه في اللغة الفرنسية Cimetiere
فخلال الحرب العالمية الاولى كانت تدفن فيه ضحايا الأعمال العسكرية، وجنود ينتمون الى جنسيات مختلفة.
هي كنيسة مبنية بالحجر الكلسي المقصب، مستطيلة الشكل تنتهي بحنية ناتئة وتتسع نحو ثمانين شخصاً. وسقفها من الاسمنت المسلح حل محل السقف الترابي.
تضررت الكنيسة بفعل القذائف التي طالتها خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين الافرقاء اللبنانيين المتقاتلين. مااستدعى القيام بعملية ترميم شبه كاملة في العام 1978 تناولت:
انارة الكنيسة بالكهرباء العام 1976
نزع الطلاء عن الجدران واظهار جمالية الحجر.
تغيير ارضية الكنيسة من الحجر الى الرخام.
بناء المذبح من الرخام وفوقه مظلة من الخشب.
تصنيع مقاعد خشبية جديدة.
الايقونسطاس القديم كان من الرخام، ولم يبق منه سوى صليب ربّنا مع والدة الاله ويوحنا الحبيب الذي يعلو الايقونسطاس. قبل العام 1978 كان الايقونسطاس يقتصر على بابين، اما اليوم فهناك ثلاثة ابواب.
رسمت الايقونات الارثوذكسية راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع /ده ده في العام 1978.
لم تتوقف أعمال الترميم، إنما هي مستمرة بفضل تبرعات المؤمنين. وفي هذا السياق، نقرأ نقشاً يشير الى تبرع السيد ميشال سرحان بقطعة ارض اشتراها ووهبها عن روح والده شاكرا الله ومريم عام 1989.
على لوحة اخرى نقرأ ان المحسن نفسه تبرع بترميم الكنيسة العام 1978.
وفي العام 2006 جرى توسيع الباحة وبناء الدرج عند المدخل.
تستقبلك فوق ساكف المدخل فسيفساء والدة الاله الأرحب من السماوات، وهي من تفيذ ميلاد صليبي، العام 2014، وتبرع بها المحسن ادمون نصر وزوجته.
الجرسية القديمة التي ترقى الى العام 1935 تضررت خلال الأحداث، فحلت مكانها جرسية جديدة من الحجر الأبيض، تبرع بإنشائها السيد زياد رجا يزبك.
في العام 2051 رصفت الطريق الى الكنيسة بالبلاط
تقام الصلوات فيها خلال صوم السيدة العذراء وفي سبت الاموات، فالكنيسة محاطة بمدافن القرية.
من محتويات الكنيسة
جرن معمودية حجري جديد من العام 1998، الجرس القديم من صنع معامل بيت شباب.
ايقونة النبي الياس من العام 1928.
ثلاث ايقونات من العام 1945.
بئر من القرون الوسطى.
كنيسة القديسين “قزما ودميانوس”
كما يوجد في بطرام كنيسة كبرى قديمة العهد كتب على لوحة رخامية معلقة على إحدى جدرانها انها تعود الى سنة 1779 مسيحية. وقد كرست على اسم القديسين “قزما ودميانوس”، وهي بناء حجري ضخم (2،5 م سماكة حيطانها). هذا وفي مكتبتها تسع مخطوطات أقدمها مؤرخ سنة 1778مسيحية
قال الاب يوحنا ساعود راعي هذه الكنيسة(2):”بنيت كنيسة السيدة ثلاث مرات ضمن الضيعة، ودُمِّرتْ ثلاث مرات ، الى أن ارشدت والدة الاله سكان القرية الى المكان الحالي الذي شيدت فيه. وهي مبنية على الصخر من دون أعمدة، ويقال إنه كانت توجد قلالٍ للرهبان، الا ان لا اثر لها اليوم.
كانت المدفن من قبل قرب كنيسة القرية، ثم نقلت الى سيدة الرأس منذ نحو مائة سنة. بنى اهل بطرام هذه الكنيسة قبل أن يشيّدوا كنيسة القديسين قزما ودميانوس.
رُسمَ فيها الأب يوحنا حزبون البيتلحمي، راعي الكنيسة الارثوذكسية الرومية الانطاكية في طنطا، وهو الذي عرّبَ كتاب “النفائس في اتحاد الكنائس” لمؤلفه المعلم نقولا أمبرازي، استاذ مدرسة فرفاكيون في أثينا وكاروز مدينة ازمير سابقاً (في آسيا الصغرى)، طبع في مطبعة التوفيق المركزية في القاهرة 1904.
تشتهر بطرام بنساخها منذ عام 1648 ميلادي، وبالتالي فهي قديمة العهد بالعلم، وقد عرفت في مطلع هذا القرن 1900 نهضة ثقافية وأدبية مهمة، كما تمتاز بوفرة جمعياتها ونشاطاتها حيث ساهم البعض منها بالانفاق على التعليم منذ بداية عام 1900 مع جمعية ترقية المصالح الوطنية، وثم جمعية الفتاة التي ساهمت بتعليم سيدات البلدة اللغات وذلك عام 1923، وتوالت الجمعيات التي تعنى بالتعليم، ومنها جمعية ترقية الفتاة البطرامية 1911، التي تهتم بالخدمات االاجتماعية والتربوية والصحية والاشغال اليدوية، لتتأسس بعد ذلك حركة الشبيبة الارثوذكسية والنادي الثقافي الرياضي ومجلس الرعية.
في التاريخ
يروي المؤرخ د. اسد رستم (3) ان البطريرك العظيم مكاريوس بن الزعيم زار بلدة بطرام المشهورة بنساخها ودير سيدة الرأس. وذلك خلال الجولة الرعائية التي قام بها بين 1648-1649. ومن هؤلاء النساخ ورد في مخطوط رومي ارثوذكسي باللغة السريانية(4) ان الشماس داود بن تادروس ابن القس وهبه الصباغ من بطرّام انجز نسخ كتاب الميناون الخاص بشهر ايلول في العام 1549 ميلادي الموافق للسنة7057 لآدم. (5)
حواشي البحث
1–رستم، د. اسد ” كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى، الجزء الثالث
2- مقابلة الآنسة لولو صيبعة…
3-رستم، د. اسد ” كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى، الجزء الثالث صفحة 50.
4- لغة الارياف في بلاد الشام وكذلك من اللغات الطقسية في الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية الرومية اضافة الى اليونانية والعربية.
5- الميناون من الكتب الطقسية في كنيستنا الارثوذكسية وهي مقسمة كل شهر وتتضمن الاعياد اليومية في كل شهر بصلوات الغروب …الخ
المصدر
الوكالة الوطنية للاعلام/ لبنانNNA
تحقيق كنيسة رقاد والدة الاله أو دير سيدة الراس- بلدة بطرام الكورة لولو صيبعة/ مجلة النور لسان حركة الشبيبة الارثوذكسية / العدد6/ السنة 76- 2020/