الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي
مقدمة
صنف المشرع السوري الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي في ست زمرللدولة كما للأفراد مصالح وقيم وحقوق أساسية تعمد إلى صونها بالعقوبة الجزائية، ومن هذه الحقوق ما يتعلق بالدولة بصفتها شخصاً من أشخاص القانون الدولي. والجرائم التي تقترف ضد الدولة بصفتها هذه، وتهدف بالتالي إلى إضاعة استقلالها أو الانتقاص من سيادتها أو تهديد سلامة أراضيها كالاتصال بالعدو والتعاون معه وحمل السلاح في صفوفه واقتطاع جزء من أرض الوطن وضمه إلى دولة أجنبية وشتى ألوان الخيانة والتجسس كلها جرائم تنال من الدولة في وجودها وقد يكون من شأنها هدم كيان الدولة، ويطلق عليها اصطلاح: الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي. وسيتم في هذا البحث تناول شرح هذه الجرائم.
– جرائم الخيانة.
– جرائم التجسس.
– جرائم الصلات غير المشروعة بالعدو.
– الجرائم الماسة بالقانون الدولي.
– جرائم النيل من هيبة الدولة.
– جرائم المتعهدين.
أولاً- جرائم الخيانة
يطلق قانون العقوبات اصطلاح الخيانة على عدد من الاعتداءات الخطيرة الواقعة على أمن الدولة الخارجي، وهي جميعها جنائية الوصف، وتنم على فصل روابط الولاء الذي يشعر المواطن به نحو وطنه وعلى رغبته في خدمة الدولة الأجنبية وتقديمه مصالحها على حساب مصلحة الدولة السورية التي ينتمي إليها. وتقسم هذه الاعتداءات إلى عدة أنواع
حمل السلاح في صفوف العدو، دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها لدفعها على مباشرة العدوان على سورية أو لتوفير الوسائل اللازمة لذلك، دس الدسائس لدى العدو أو الاتصال به لمعاونته على فوز قواته، الإضرار بوسائل الدفاع الوطني أو التسبب بذلك، محاولة تمليك الدولة الأجنبية جزءاً من أراضي الدولة السورية أو حقاً أو امتيازاً خاصاً بها، وإيواء الجواسيس وجنود الاستكشاف وتهريبهم وتهريب أسرى الحرب ورعايا العدو المعتقلين.
1- حمل السلاح في صفوف العدو
نصت المادة (263) على هذه الجريمة، وتفرق بين ثلاث حالات، خصت كل واحدة منها بفقرة خاصة:
الحالة الأولى: أن يكون السوري قد انتمى إلى جيش العدو المقاتل في زمن الحرب وحمل السلاح فيه على سورية أو على إحدى حليفاتها فهو خائن وعقوبته الإعدام.
تتناول الفقرة الأولى من المادة (263) جريمة حمل السلاح على سورية في صفوف العدو.
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من أركان ثلاثة:
الركن الأول: أن يكون الجاني سورياً: وهذا يستلزم أن يكون الفاعل أو الشريك أو المتدخل مواطناً سورياً، فإذا كان حامل السلاح في صفوف العدو أجنبياً أو عديم الجنسية فلا يمكن إسناد الجريمة إليه، ولو كان له محل إقامة أو سكن فعلي في سورية. وينبغي أن يكون الفاعل متمتعاً بالجنسية السورية حين اقترافه الجريمة أي عند حمله السلاح في صفوف العدو، ولا فرق بين أن يكون الفاعل سورياً منذ الولادة أو أن يكون اكتسب الجنسية اكتساباً. وإذا نشب نزاع حول جنسية الفاعل فإن على النيابة العامة عبء إثبات تمتعه بالجنسية السورية حين حمله السلاح في صفوف العدو على سورية لأن هذا ركن من أركان الجريمة لا تقوم إلا به. ولكن ما القول إذا كان الفاعل مزدوج الجنسية أي يحمل الجنسية السورية ويحمل أيضاً جنسية الدولة التي يحارب معها أو جنسية دولة أجنبية أخرى؟ إن ذلك لا يمحو الصفة الجرمية عن الفعل ما لم يثبت أنه كان مكرهاً على حمل السلاح بحكم قوانين الدولة التي يحارب في صفوفها، فالإكراه مانع من موانع العقاب ولا يعاقب الفاعل على حمل السلاح إلا إذا كان حر الإرادة.
الركن الثاني: حمل السلاح في صفوف العدو على سورية أو إحدى حليفاتها:
(1) حمل السلاح: إن المعنى الحرفي لعبارة حمل السلاح يستلزم أن يكون الجاني مقاتلاً فعلاً أي منضماً إلى القوات المسلحة التابعة لدولة أجنبية معادية، ومشتركاً معها في الأعمال الحربية الفعلية في ميادين القتال. ولكن طبيعة الحروب الحديثة أفصحت عن أن سعة مداها لم يعد يأتلف وهذا التفسير المقيد، كما أن تنظيم الجيوش الحديثة يتطلب ألواناً شتى من المعونة لا تقل فائدة عن حمل السلاح. فلابد من توسيع مفهوم حمل السلاح وجعله يتناول كل عون عسكري يقدمه الفاعل إلى العدو، ويمكن أن يتجلى هذا العون في مظهرين:
أولهما: انتماء الفاعل إلى الخدمة الفعلية في جيش العدو، أياً كانت الدائرة التي التحق بها، وسواء أقام هو بمهام القتال أم لم يقم. وذلك كالانتماء إلى جيش العدو بصفة ممرض أو طبيب عسكري.
ثانيهما: قيام الفاعل لمصلحة العدو بمهمة من المهام كنقل الجنود، أو العمل في خدمتهم كتحضير الطعام لهم أو المراقبة.
(2) حمل السلاح على سورية أو على دولة تربطها بسورية معاهدة تحالف أو وثيقة دولية تقوم مقامها: إن حمل السلاح لا يعدّ خيانة إلا إذا اقترفها السوري ضد سورية أو ضد دولة أجنبية حليفة. وتعد هذه الدولة حليفة لسورية:
إذا كان بينهما معاهدة تحالف: أي تعاقد الدولتين بمعاهدة تنص على التعاون العسكري. وقد يكون التحالف هجومياً و دفاعياً في آن واحد.
إذا كان بينهما وثيقة دولية تقوم مقام معاهدة التحالف: ومن هذه الوثائق المواثيق وتبادل الكتب والتصريحات و البيانات.
(3) حمل السلاح في صفوف العدو: إن الجريمة المنصوص عليها في هذه الفقرة الأولى من المادة (263) لا يتصور وقوعها إلا في زمن الحرب، فهي تفترض أن تكون سورية في حالة حرب ضد دولة أجنبية معادية. والحرب قد تكون صريحة معلنة وقد تقوم حالة الحرب من دون سابق إعلان أو إنذار أي الحرب المكشوفة. ولا فرق في تطبيق المادة (263) بين أن تكون الحرب الناشبة بين سورية والدولة الأجنبية معلنة أو مكشوفة. وإنما يشترط أن تكون الحرب بين دولتين لا حرباً أهلية. أما إذا استنجد العصاة الثائرون بجيش أجنبي ودعوه لمساعدتهم فإن حمل السلاح في صفوف الثائرين ينطبق في هذه الحالة على أحكام الفقرة الأولى من المادة (263).
الركن الثالث: الركن المعنوي: يكفي لقيام الركن المعنوي في هده الجناية القصد الجرمي العام أي أن يكون الفاعل قد حمل السلاح عن وعي وإرادة. ولا تأثير للدافع في وجود الجرم، فالفاعل يعاقب ولو ادعى أن الدافع إلى حمل السلاح لم يكن خيانة الوطن وإنما الكسب المادي أو الدفاع عن المثل العليا التي يعتقد الفاعل أنها تتجلى في الدولة المعادية.
ب- العقوبة: إن العقوبة المقررة في الفقرة الأولى من المادة (263) على جريمة حمل السلاح على سورية في صفوف العدو هي الإعدام. وهذه الجريمة هي جريمة مستمرة لأن العقاب فيه لا يستهدف فعلاً عدوانياً واحداً ارتكبه الفاعل، وإنما يستهدف وضعاً معيناً قد يطول وقد يقصر. والتقادم لا يبدأ منذ أن تبدأ أعمال العدوان، وإنما يبدأ منذ تنتهي.
الحالة الثانية: أن يقدم السوري الذي لم ينتمِ إلى جيش معادٍ في زمن الحرب على أعمال عدوان ضد سورية. فهو خائن وعقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة.
تتناول الفقرة الثانية من المادة (263) هذه الحالة. وسيتم التطرق لأركان هذه الجريمة ومن ثم يتم تبيين العقوبة التي تفرض على مرتكبها.
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من أركان ثلاثة:
الركن الأول: جنسية الجاني: إن جنسية الجاني لا تكون إلا سورية، وهذا يستلزم أن يكون الفاعل أو الشريك أو المتدخل مواطناً سورياً.
الركن الثاني: أعمال العدوان زمن الحرب: يجب أن يقترف السوري أعمالاً عدوانية. وقد ترك المشرع السوري لقاضي الموضوع تحديد ماهية هذه الأعمال. ويجب أن تتجلى هذه الأعمال في أفعال مادية ذات وجود محسوس ظاهر للعيان كمهاجمته الجيش أو مخافر الحدود، أو اقترافه أفعالاً إرهابية في المعسكرات. أما الخطب والأقوال والكتابات أياً كانت فلا تعدّ أعمالاً عدوانية. وسيان أقام السوري بأعمال العدوان ضد وطنه فوق الأراضي السورية أو قام بذلك في خارج حدودها فهو معاقب في الحالتين. وتستلزم هذه الفقرة أن يقدم السوري على اقتراف هذه الأعمال في زمن الحرب.
الركن الثالث: ارتكاب أعمال العدوان ضد سورية أو حلفائها: يجب أن يقترف السوري أعمال العدوان ضد سورية أو ضد دولة أجنبية تربطها بسورية معاهدة تحالف أو أي وثيقة دولية تقوم مقامها.
الركن الرابع: الركن المعنوي: يكفي لقيام الركن المعنوي في هذه الجناية القصد الجرمي العام أي أن يكون الفاعل قد حمل السلاح عن وعي وإرادة.
ب- العقوبة: إن العقوبة المقررة في الفقرة الثانية من المادة (263) على جريمة القيام بالأعمال العدوانية ضد سورية زمن الحرب هي الأشغال الشاقة المؤبدة. كل ذلك ما لم ينتمِ السوري إلى جيش معادٍ زمن الحرب فيحكم بالإعدام وفقاً للفقرة الأولى من المادة (263) ويعد عندئذٍ من قبيل حمل السلاح على سورية في صفوف العدو.
الحالة الثالثة: أن يتجند السوري بأي صفة كانت في جيش معادٍ ولم ينفصل عنه قبل أي عمل عدواني ضد سورية عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وإن يكن قد اكتسب بتجنيده الجنسية الأجنبية.
تتناول الفقرة الثالثة من المادة (263) هذه الحالة. وسيتم التطرق لأركان هذه الجريمة ومن ثم يتم تبين العقوبة التي تفرض على مرتكبها.
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من أركان ثلاثة:
الركن الأول: جنسية الجاني: إن جنسية الجاني لا تكون إلا سورية، وهذا يستلزم أن يكون الفاعل أو الشريك أو المتدخل مواطناً سورياً. ولكن قد يتخذ الفاعل التجنيد في الجيش الأجنبي وسيلة لاكتساب الجنسية الأجنبية، فإذا حصل بتجنيده على الجنسية الأجنبية، ولم ينفصل عن خدمة الجيش المعادي قبل أي عمل عدواني فليس يفيده الاحتجاج بجنسيته الأجنبية المكتسبة للتخلص من العقاب.
الركن الثاني: أن يكون قد تجند في الجيش المعادي قبل القيام بأي عمل عدواني ضد سورية أو قبل أن تقع سورية في حالة حرب مع الدولة التي انتمى الفاعل إلى جيشها.
ولا عبرة بتاتاً للصفة التي تجند الفاعل بها فقد يكون محارباً، وربما لا يكون كأن يتجند بصفة ممرض أو مهندس أو طاهٍ أو غير ذلك من الخدمات.
أما العمل العدواني فيجب أن يتجلى في عمل مادي محسوس من أعمال القوة والعنف، كإطلاق المدافع وإلقاء القنابل وغير ذلك، أما الحصار الاقتصادي وقطع العلاقات الدبلوماسية فلا تعدّ أعمال عدوان. وفي كل الأحوال يترك لقاضي الموضوع تحديد ماهيتها.
يجب أن يقترف السوري أعمال العدوان ضد سورية أو ضد دولة أجنبية تربطها بسورية معاهدة تحالف أو أي وثيقة دولية تقوم مقامها.
الركن الثالث: أن يستمر الفاعل في خدمة الجيش المعادي إلى ما بعد وقوع عمل عدواني، أما إذا انفصل عن الجيش المعادي الذي انتمى إليه قبل أي عمل عدواني فلا عقاب عليه.
الركن الرابع: الركن المعنوي: يكفي لقيام الركن المعنوي في هذه الجناية القصد الجرمي العام أي أن يكون الفاعل قد تجند في الجيش المعادي عن وعي وإرادة.
ب – العقوبة: إن السوري الذي تجند في جيش معادٍ ولم ينفصل عنه قبل أي عمل عدواني ضد سورية يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.
2- دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها لدفعها إلى مباشرة العدوان على سورية:
نصت المادة (264) على هذه الجريمة:
«1- كل سوري دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفع بها إلى مباشرة العدوان على سورية أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة.
2- وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لها من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المفترض: الجاني والمجني عليه: أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً:
لا يكون الفاعل في الجريمة المنصوص عليها في المادة (264) إلا سورياً أو من ينزل منزلته. أما السوري فهو من يتمتع بالجنسية السورية حين ارتكابه الفعل، في حين أن من ينزل منزلته فهو الأجنبي الذي له في سورية محل إقامة أو سكن فعلي.
وغني عن البيان أن المجني عليه في هذه الجريمة يستوي فيه أن يكون الدولة السورية أو أي دولة أخرى تربطها بسورية معاهدة تحالف أو وثيقة دولية تقوم مقامها.
الركن الثاني: الركن المادي: دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها: إن دس الدسائس ينم على لجوء الفاعل إلى استعمال أساليب المكر والخديعة واصطناع الحيل ليحقق بها أهدافه الخبيثة ويصل إلى غاياته.
وأما الاتصال بدولة أجنبية فيشمل كل أنواع المخابرات والمراسلات والمحادثات. وقد يكون الاتصال مباشراً، كأن يقوم الفاعل بمخابراته مع وزراء الحكومة الأجنبية أو ممثليها السياسيين أو سائر موظفيها، بيد أن الممثلين الرسميين للدولة قلما يقومون هم بأنفسهم بمثل هذا الدور الذي يتنافى وأصول اللياقة في مضمار العلاقات الدولية. ولذلك تستخدم الدولة الأجنبية الوسطاء أو العملاء الذين قد يكونون من رعاياها أو من رعايا غيرها. ولا يشترط في العميل أن يكون مأموراً رسمياً من مأموري الدولة الأجنبية، بل ليس يشترط أيضاً وجود وثائق رسمية صادرة عن الدولة الأجنبية تقضي بتكلفه بمهمة الاتصال، وإنما يكفي أن يقوم الدليل على أن هذا الشخص الذي اتصل به الفاعل وتواطأ معه يعمل لمصلحة الدولة الأجنبية.
الركن الثالث: الركن المعنوي: إن الركن المعنوي في هذه الجريمة لا يكفي لقيامه توافر القصد الجرمي العام، بل لابد أيضاً من توافر قصد جرمي خاص يستلزمه بجلاء ووضوح نص المادة (264) التي تشترط أن يهدف الفاعل من وراء دس الدسائس والاتصالات التي يقوم بها لدى دولة أجنبية إلى أحد غرضين اثنين:
الأول: إيقاع العداوة بين الدولة الأجنبية وسورية، وتحريض الدولة الأجنبية على مباشرة العدوان على سورية.
الثاني: تهيئة وسائل العدوان على سورية للدولة لأجنبية.
ب- العقوبة: في الواقع لا يشترط أن تفضي اتصالات الفاعل ودسائسه إلى تحقيق الغرض الذي يهدف إليه، فيعاقب الفاعل وإن لم ينجح في دفع الدولة الأجنبية إلى مباشرة العدوان على سورية أو في توفير الوسائل التي تيسر لتلك الدولة أسباب العدوان. فالمشرع يعاقب على مجرد الاتصالات والدسائس بوصفها جريمة قائمة بذاتها متى ثبت القصد الجرمي الخاص، وعقوبة الفاعل الأشغال الشاقة المؤبدة. على أنه إذا أفضت مساعي الفاعل إلى إحداث النتيجة الجرمية وتحقق الضرر أي حصل العدوان فعلاً أو توافرت وسائله فالمشرع يعد حدوث النتيجة المتوخاة ظرفاً مشدداً يوجب رفع العقوبة إلى الإعدام.
3- دس الدسائس لدى العدو أو الاتصال به لمعاونته على فوز قواته:
نصت المادة (265) من قانون العقوبات على هذه الجريمة:
«كل سوري دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته عوقب بالإعدام».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لها من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المفترض: الجاني والمجني عليه: يجب أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً. أما المجني عليه في هذه الجريمة يستوي فيه أن يكون الدولة السورية أو أي دولة أخرى تربطها بسورية معاهدة تحالف أو وثيقة دولية تقوم مقامها.
الركن الثاني: الركن المادي: دس الدسائس لدى العدو أو الاتصال به: يشترط أن يكون الفاعل قد بذل نشاطاً ألقى فيه دسائسه لدى العدو أو اتصل به على الأقل. أما الدسائس فهي ضروب مختلفة من الخديعة والمكر، وأما الاتصال فهو أشمل من دس الدسائس، وقلما تجري الدسائس من دون اتصال. فلابد في جميع الأحوال من أن يتجلى دس الدسائس أو الاتصال في صورة عمل إيجابي جدي على قدر من الخطورة. وهذه الجريمة لا تقترف إلا في زمن الحرب.
الركن الثالث: الركن المعنوي: إن الركن المعنوي في هذه الجريمة لا يكفي لقيامه توافر القصد الجرمي العام، بل لابد أيضاً من توافر قصد جرمي خاص يستلزمه بجلاء ووضوح نص المادة (265) التي تشترط أن يهدف الفاعل من وراء دس الدسائس والاتصالات التي يقوم بها لدى العدو إلى معاونته بأي وجه كان على فوز قواته.
وتتعدد أوجه المعونة التي يقدمها الفاعل إلى العدو في خلال الحرب. فقد تكون المعونة استراتيجية فتتجلى في تسهيل دخول قوات العدو إلى الأراضي السورية أو في تيسير تقدم سير هذه القوات المعادية أو مساعدتها على الاحتفاظ بالأماكن التي احتلتها. وقد تكون المعونة اقتصادية فتتجلى في إمداد العدو بالأسلحة أو المال. أو تكون المعونة سياسية أو معنوية وتتجلى هذه المعونة في كل ما من شأنه أن يوقع الذعر في نفوس الجنود السوريين أو يضعف روح المقاومة أو يهيئ النفوس للإذعان والرضوخ لمشيئة العدو.
ب- العقوبة: إن المادة (265) لا تشترط لفرض العقوبة المقررة فيها حصول النتيجة الجرمية، فسواء أفضت اتصالاته بالعدو ودسائسه لديه إلى معاونته فعلاً معاونة جدية مكنت قواته من الفوز أم لم تفضِ فالعقوبة نفسها: الإعدام.
4- الإضرار بوسائل الدفاع الوطني:
من ألوان الخيانة أيضاً القيام بأفعال الأذى والتخريب وشتى صفوف الهدم والتعطيل التي يوقعها الخائن بأجهزة الجيش وأعتدته مما يعرقل بذلك أعمال الدفاع الوطني ويشل سير القوات المسلحة، وقد نصت على ذلك المادة (266) من قانون العقوبات:
«1- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل سوري أقدم بأية وسيلة كانت – قصد شل الدفاع الوطني- على الإضرار بالمنشآت والمصانع والبواخر والمركبات الهوائية والأدوات والذخائر والأرزاق وسبل المواصلات، وبصورة عامة بكل الأشياء ذات الطابع العسكري أو المعدة لاستعمال الجيش والقوات التابعة له، أو كان سبباً في ذلك.
2- يقضى بالإعدام إذا حدث الفعل في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها أو أفضى على تلف نفس».
يتبين من نص هذه المادة وجود جريمتين؛ الأولى مقصودة والثانية غير مقصودة. وسيتم تحليل أولاً أحكام الجريمة الأولى المقصودة ألا وهي الإضرار بوسائل الدفاع الوطني قصد شله، ثم يفصح ثانياً عن أركان جريمة التسبب بالإضرار بوسائل الدفاع الوطني وهي الجريمة غير المقصودة.
أ- جريمة الإضرار بوسائل الدفاع الوطني قصد شله: يتألف النموذج القانوني لها من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المفترض: الجاني والمجني عليه: يجب أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً. أما المجني عليه في هذه الجريمة يستوي فيه أن يكون الدولة السورية أو أي دولة أخرى تربطها بسورية معاهدة تحالف أو وثيقة دولية تقوم مقامها.
الركن الثاني: محل الاعتداء: يجب أن يكون محل الاعتداء شيئاً من الأشياء ذات الطابع العسكري أو المعدة لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له، كالبواخر والمركبات الهوائية والذخائر أو سبل المواصلات المعدة لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له.
ويقصد بالجيش: مجموع القوى والوحدات والمؤسسات والدوائر والمديريات والمصالح التابعة لوزارة الدفاع. ويؤخذ عسكريوه من عموم المكلفين بالخدمة العسكرية ومن المنتسبين إليه عن طريق التطوع أو التعيين.
أما القوى التابعة للجيش فهي كافة قوى الأمن المسلحة في البلاد كرجال الشرطة.
الركن الثالث: الركن المادي: الإضرار بوسائل الدفاع الوطني: ينبغي أن يكون الفاعل قد أنزل أضراراً معينة بشيء من الأشياء العسكرية أو المعدة لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له. ولم يحدد المشرع أنواع الأذى. فأياً كان شكل الضرر وبأي وسيلة وقع، وكيفما كانت الطريقة التي لجأ إليها الفاعل فإن الركن المادي لهذه الجريمة متوافر حتماً.
فقد يتجلى الإضرار في إبادة معدات الدفاع الوطني وإفنائها وتدميرها تدميراً كلياً كإحراق طائرة حربية أو إغراق بارجة من بوارج الأسطول أو تدمير مصنع من مصانع الأسلحة والذخائر، أو نسف جسر يستخدمه الجيش لتأمين مواصلاته. وربما لا يصل الإضرار إلى حد الإبادة فيقتصر مثلاً على إتلاف جزء من أجزاء الشيء ذي الطابع العسكري أو المعد لاستعمال الجيش كإتلاف محرك سيارة أو طائرة عسكرية أو تفريغ الذخيرة من المادة المتفجرة التي كانت معبأة بها وملئها بمادة أخرى لا تنفجر.
الركن الرابع: الركن المعنوي: إن الركن المعنوي في هذه الجريمة لا يكفي لقيامه توافر القصد الجرمي العام، بل لابد أيضاً من توافر قصد جرمي خاص يستلزمه بجلاء ووضوح نص المادة (265) التي تشترط أن يهدف الفاعل من وراء هذا الإضرار إلى شل الدفاع الوطني. ويتجلى هذا القصد في وضع العصي في عجلة الجيش والقوات التابعة له بتعطيل أشيائه وأدواته ومنشآته ووسائط نقله.
إن توافر الأركان السابقة يجعل الجريمة المنصوص عليها في المادة (266) من قانون العقوبات في عداد الجرائم المقصودة. ولكن إذا نجم الضرر الذي اقترفه الفاعل بمعدات الدفاع الوطني عن إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة للشرائع والأنظمة فتكون الجريمة التي ارتكبها غير مقصودة.
ب- جريمة التسبب بالإضرار بوسائل الدفاع الوطني: يتألف النموذج القانوني لها من الأركان التالية:
الركن الأول: وجود خطأ ينسب إلى الجاني: يقع الخطأ بفعل إيجابي كما يقع بامتناع سلبي وفي الحالتين فإن المقصود أن يتحقق تقصير من الجاني، كأن يغفل حارس مستودع من مستودعات المعدات العسكرية عن واجب الحراسة فيتسلل أحد الأشخاص ويتمكن من نسف المستودع، أو كأن يُوكل إلى أحدهم نقل باخرة من الأسلحة فيؤدي تقصيره في اتخاذ واجب الحيطة والحذر إلى تمكين العدو من إغراقها.
الركن الثاني: يجب أن يسبب الخطأ المنسوب إلى الجاني وقوع الإضرار بأحد الأشياء المنقولة أو غير المنقولة المذكورة في المادة (266) أو بأي شيء آخر ذي طابع عسكري أو معد لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له.
الركن الثالث: رابطة السببية: يجب أن تكون الصلة السببية واضحة وثابتة بين الخطأ المنسوب إلى الجاني وبين ارتكاب الجريمة الأصلية. ويجب على المحكمة أن تبين رابطة السببية بين الخطأ ووقوع الجريمة وإلا كان الحكم قاصراً قصوراً يعيبه لإغفاله ركناً من أركان الجريمة.
ج- العقوبة: خالف المشرع السوري أحكام القواعد العامة التي تقضي بالتمييز في العقاب بين الجرائم المقصودة والجرائم غير المقصودة. وجعل العقوبة واحدة في الحالتين، فلم يعد أي فارق في العقوبة بين من أقدم على الإضرار بوسائل الدفاع الوطني قصداً وبين من كان خطؤه سبباً في ذلك. والعقوبة الواجبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة.
وقد شدد المشرع العقوبة، ورفع عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى الإعدام في حالتين اثنتين:
الأولى: إذا حدث فعل الإضرار أو التسبب بالإضرار زمن الحرب أو عند توقع نشوبها.
الثانية: إذا لم يقتصر الفعل على الإضرار بمعدات الدفاع، وإنما نجم عنه أيضاً إزهاق الروح، كمن يقدم على إغراق بارجة فيودي بحياة عدد من عسكرييها، أو كمن ينسف مستودعاً للذخيرة أو لوقود الجيش فيفضي عمله إلى قتل أحد حراسه، أو كمن يهدم أحد المنشآت العسكرية فيقضي من فيها تحت الأنقاض.
5- الاعتداء على سلامة أراضي الدولة السورية وحقوقها وامتيازاتها:
لعل أول ما تهتم به الدول هو المحافظة على سلامة أراضيها وحماية حقوقها الأساسية في البقاء والسيادة والاستقلال كاملة غير منقوصة، وصيانة امتيازاتها في الداخل والخارج. وقد منح القانون الدولي الدول مجموعة من الحقوق الأساسية، وألزم الكل باحترامها وعدم المساس بها وأباح لأي دولة أن تتخذ من التشريعات ما يستلزمه الدفاع عن هذه الحقوق وما تقتضيه صيانتها.
وتجمع التشريعات الجزائية في العالم على تجريم جميع الأفعال التي يكون من شأنها سلخ بعض أجزاء الدولة عنها، أو الإنقاص من سيادتها واستقلالها. ومن هذه التشريعات التشريع السوري. حيث نص في المادة (267) من قانون العقوبات:
«1- يعاقب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل كل سوري حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءاً من الأرض السورية ليضمه إلى دولة أجنبية أو أن يملكها حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة السورية.
2- إذا كان الفاعل عند ارتكابه الفعل منتمياً إلى إحدى الجمعيات أو المنظمات المشار إليها في المادتين 288 و308 عوقب بالاعتقال مؤبداً».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الجاني: يجب أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً. أما المجني عليه في هذه الجريمة فيجب أن يكون الدولة السورية، فإذا كانت المحاولة ترمي إلى اقتطاع جزء من أرض دولة حليفة لسورية بغية ضمه على دولة أجنبية، أو كانت ترمي إلى تمليك دولة أجنبية حقاً أو امتيازاً خاصاً بهذه الدولة الحليفة فإن العقوبة واجبة بمقتضى المادة (270) من قانون العقوبات.
الركن الثاني: الركن المادي: إن الركن المادي لهذه الجريمة يتجلى في شكلين:
الأول: محاولة اقتطاع جزء من الأرض السورية لضمه إلى دولة أجنبية.
الثاني: محاولة تمليك أي دولة أجنبية حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة السورية.
وجعل المشرع من المحاولة في الشكلين جريمة مستقلة قائمة بذاتها وعاقب على ارتكابها وإن لم يصل الفاعل من ورائها إلى تحقيق النتيجة المتوخاة. ومن المسلم به أن قيام الركن المادي يستلزم أن تكون المحاولة جدية والمسعى صادقاً ينمان كلاهما على عزم وتصميم ودعوة حقيقية. وأما النزوة العابرة التي تعبر عن الغيظ المكبوت فكل ذلك لا يعتد به في موازين العقاب.
الشكل الأول: محاولة اقتطاع جزء من الأرض السورية لضمه إلى دولة أجنبية: عين المشرع في صلب المادة (267) المساعي التي تقوم بها المحاولة المجرمة وجاء ذكرها على سبيل الدلالة لا على سبيل الحصر. فقد يتجلى الركن المادي لهذه الجريمة بالأعمال أو بإلقاء الخطب أو المحاضرات أو بكتابة المقالات وسائر أنواع المنشورات أو بعقد الاجتماعات وغير ذلك. فإذا دعا سوري إلى عقد اجتماع في داره، وبدأ يحدث المدعوين حديث إغراء وترغيب، ويشوقهم إلى سلخ هذه البقعة عن سورية وضمها إلى تركيا ويزين لهم فوائد هذه الخيانة ومحاسنها فهو خائن وتنطبق عليه المادة (267).
وغني عن البيان أن الجزء الذي يحاول الفاعل بتره ينبغي أن يؤلف جزءاً من الأرض السورية يخضع لسيادتها ويدخل ضمن حدودها.
إن المحاولة التي تهدف إلى سلخ جزء من أرض الدولة السورية بغية إلحاقه بدولة أجنبية ليست بأكثر خطراً على أمن الدولة الخارجي من المحاولات التي ترمي إلى إضاعة حقوق الدولة السورية وامتيازاتها أو انتزاعها منها رغبة في نقلها أو تمليكها لإحدى الدول الأجنبية التي يخدم الفاعل مصالحها.
الشكل الثاني: محاولة تمليك أي دولة أجنبية حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة السورية: إن حقوق الدولة وامتيازاتها لا تقع تحت حصر، وفي طليعة هذه الحقوق حق السيادة وحق البقاء. ولعل أكثر حقوق الدولة متفرع عن هذين الحقين.
فسيادة الدولة داخل إقليمها تتجلى في حقها في تنظيم إدارة الحكم وإدارة المرافق العامة للبلاد وممارسة اختصاصها في التشريع وفي القضاء. وأما سيادة الدولة خارج إقليمها فتتجلى في استقلالها بتصريف شؤونها الخارجية وتوجيه علاقاتها مع غيرها من الدول من دون أن تخضع في ذلك لإرادة دولة أخرى، ويتفرع عن هذا المبدأ حق الدولة في التمثيل الخارجي وفي حضور المؤتمرات وإبرام المعاهدات والاشتراك في الهيئات الدولية المختلفة وحقها في التصويت.
وللدولة استناداً إلى حقها في البقاء أن تحمي نفسها ضد أي اعتداء قد يقع عليها من الخارج بإعداد القوات العسكرية اللازمة وإنشاء الحصون وسائر وسائل الدفاع، ولها أن تبرم تحقيقاً لهذا الغرض مع الدول الأخرى معاهدات تحالفية دفاعية أو تشترك في هيئات دولية تنصرها إذا وقعت ضحية اعتداء.
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام، فهي لا تستكمل جميع أركانها إلا إذا توافر القصد الخاص ألا وهو خدمة الدولة الأجنبية بإهدار حق الوطن ونقله إليها. ويتجلى هذا القصد الخاص في الحالتين المنصوص عليهما في المادة (267) كما يلي:
الحالة الأولى: محاولة اقتطاع جزء من الأرض السورية، فالقصد الجرمي الخاص هو ضم هذا الجزء إلى دولة أجنبية. فإذا لم يتوافر هذا القصد الخاص انتفى إمكان تطبيق أحكام هذه المادة وربما جاز اللجوء إلى تطبيق أحكام المادة (292) من قانون العقوبات.
الحالة الثانية: محاولة انتزاع حق أو امتياز خاص بالدولة السورية. والقصد الجرمي الخاص هو تمليك دولة أجنبية هذا الحق أو الامتياز الخاص بالدولة السورية.
ب- العقوبة: تراوح العقوبة المقررة على فاعل هذا الجرم بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة اعتقالاً.
وتشدد العقوبة فتغدو اعتقالاً مؤبداً إذا كان الفاعل منتمياً – حين ارتكابه هذا الجرم – إلى جمعية أو منظمة سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي أو إلى أي جمعية أخرى أنشئت لإثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة.
6- إيواء الجواسيس وجنود الاستكشاف ومساعدتهم على الهرب وتسهيل فرار أسرى الحرب ورعايا العدو المعتقلين:
إن المادة (268) من قانون العقوبات تحتوي على جريمتين مستقلتين، وسيتبين فيما يلي أركان هاتين الجريمتين وعناصرهما الأساسية والعقوبة المفروضة على مرتكبي هاتين الجريمتين.
1- الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 268:
نصت الفقرة الأولى من المادة (268) على أن «كل سوري قدم سكناً أو طعاماً أو لباساً لجاسوس أو جندي من جنود الأعداء للاستكشاف، وهو على بينة من أمره أو ساعده على الهرب عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الجاني: يجب أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً.
الركن الثاني: الركن المادي: يتجلى الركن المادي لهذه الجريمة في مظهرين اثنين من مظاهر السلوك الإجرامي هما: تقديم السكن أو الطعام أو اللباس، أو المساعدة على الهرب.
t تقديم السكن أو الطعام أو اللباس: يقصد بتقديم السكن تدبير منزل يأوي إليه الجاسوس أو جندي العدو الكشاف فيقضي فيه أوقات راحته. وأما الطعام فهو كل ما يؤكل وما يتخذ الإنسان منه غذاءً. وأما اللباس فهو كل ما يستتر به الإنسان. وإن تقديم أحد الأمور الثلاثة يكفي وحده لتكوين ركن الجريمة المادي، كما يكفي أن تمنح وجبة واحدة من وجبات الطعام أو كساء واحد من الملابس أو مبيت ليلة واحدة في مكان أُعد للسكنى.
ويستوي أن يقدم الفاعل الدار التي يقيم فيها أو أن يقدم داراً أخرى يملكها الغير أو يقطنها. فالخادم الذي يؤوي إلى منزل مخدومه في خلال غيابه جاسوساً أو جندياً كشافاً من جنود الأعداء يعاقب بمقتضى هذه الفقرة الأولى.
t المساعدة على الهرب: لم يحدد المشرع السوري طرقاً معينة للمساعدة على الهرب. ويذكر على سبيل المثال:
تمكين الجواسيس أو جنود الاستكشاف من الحصول على هويات مزورة يخفون بها شخصياتهم الحقيقية، أو توفير وسائط النقل لهم. وربما لا تصل المساعدة إلى حد تقديم المساعدة المادية بل تبقى في حيز الإرشاد فهي أيضاً معاقب عليها، كأن يكتفي الفاعل برسم خطة السير للجاسوس أو جندي الاستكشاف بحيث يجنبه مخافر الشرطة أو دوريات رجال الأمن.
الركن الثالث: أن يكون الشخص الذي قُدم له السكن أو الطعام أو اللباس أو العون على الهرب هو جاسوس أو جندي من جنود الاستكشاف: في الواقع لا يشترط أن يكون الجاسوس سورياً أو أجنبياً فلا عبرة لجنسيته. ولم يضع المشرع السوري تعريفاً لكلمة جاسوس، فيمكن للقاضي أن يسترشد حين استعماله حقه في تقرير هذه الصفة بالمواد المتعلقة بالتجسس المنصوص عليها في المواد (271 إلى 274) من قانون العقوبات.
أما الجندي الذي يرسله العدو للاستكشاف فهو ذلك العسكري الكشاف في جيش العدو الذي يستبق سائر قواته ويتسلل إلى خطوط الأمامية مستطلعاً أوامر القوات السورية ومراكزها ووسائل دفاعها لينقل هذه المعلومات إلى جيش العدو الذي ينتمي إليه فيستفيد منها في خططه في الهجوم والدفاع.
الركن الرابع: الركن المعنوي: يتجلى القصد الجرمي في هذه الجريمة في أن يقدم الفاعل بملء إرادته السكن أو الطعام أو اللباس إلى الجاسوس أو الجندي الكشاف من جنود الأعداء، أو يساعده على التواري من وجه العدالة وهو عالم بصفته هذه.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي تتوجب على من يقدم على أحد الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (268) هي الأشغال الشاقة المؤقتة.
2- الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 268:
تنص المادة (268) من قانون العقوبات على أن «كل سوري سهل فرار أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين عوقب بالاعتقال المؤقت».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
– الركن الأول: الجاني: يجب أن يكون الجاني سورياً أو أجنبياً مقيماً في سورية أو ساكناً فيها فعلاً.
– الركن الثاني: الركن المادي: يتجلى الركن المادي لهذه الجريمة في تسهيل فرار أسرى الحرب ورعايا العدو المعتقلين. وتتنوع أشكال هذه الأفعال وأساليبها: كأن يمد الفاعل الأسير أو الأجنبي العدو بمفاتيح مصنعة أو بأدوات أو آلات أخرى تساعده على ارتكاب الفرار، أو كأن يلجأ إلى إثارة الشغب في المعتقل أو استعمال العنف على الذين وكل إليهم حراسة أسرى الحرب أو رعايا العدو المعتقلين بغية انتزاع هؤلاء من أيدي الحراس.
– الركن الثالث: أن يكون الشخص الذي سهل فراره أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين: إن الأشخاص الذين تعاقب الفقرة الثانية من المادة (268) على تسهيل فرارهم ينقسمون إلى زمرتين هما: أسرى الحرب، ورعايا العدو المعتقلون.
أما أسرى الحرب فهم أفراد القوات المسلحة للعدو الذين يقعون في أيدي القوات السورية. أما رعايا العدو المعتقلون فهم تلك الفئة من الأشخاص الأجانب الذين يحملون جنسية الدولة المعادية ويقيمون في سورية أو في الأراضي الخاضعة لاحتلال الجيش السوري والذين اقتضت ضرورات الدفاع في زمن الحرب حجز حرياتهم.
– الركن الرابع: الركن المعنوي: يكفي لقيام الركن المعنوي في هذه الجناية القصد الجرمي العام أي أن يكون الفاعل قد سهل فرار أسير الحرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين عن وعي وإرادة.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي تتوجب على من يقدم على أحد الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (268) هي الاعتقال المؤقت.
ثانياً- التجسس:
التجسس نمط من أنماط السلوك الإنساني رافق نشوء المجتمعات القديمة وتطور بتطورها، ثم غدا له في العصر الحاضر شأن كبير وأهمية بالغة. ومن الطبيعي أن يستجيب التشريع الجزائي لهذا التطور وأن يضع من النصوص ما يتلاءم ودرء المخاطر التي تكشفت عنها أفعال التجسس في السلم وفي الحرب على السواء. وبدأت قوانين العقوبات تتناول بالتجريم والمعاقبة جميع أنواع الجاسوسية وأشكالها وأساليبها.
ويمكن تلخيص أفعال التجسس في قانون العقوبات السوري بما يلي:
الدخول أو محاولة الدخول إلى الأماكن المحظورة للحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة، أو سرقة هذه الأشياء أو الوثائق أو المعلومات أو الاستحصال عليها أو إفشائها أو إبلاغها من دون سبب مشروع.
1- الدخول إلى الأماكن المحظورة قصد الحصول على الأسرار المتصلة بسلامة الدولة:
بادر التشريعات الجزائية إلى تحريم دخول الأماكن التي يرى القائمون على شؤون الدفاع خطراً في أن يرتادها من هو غريب عنها. وتنص على هـــــــــــــــــــذه الجريمة المادة (271) من قانون العقوبات: «من دخل أو حاول الدخول إلى مكان محظور قصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة عوقب بالحبس سنة على الأقل. وإذا سعى بقصد التجسس فبالأشغال الشاقة المؤقتة».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
– الركن الأول: طبيعة الأشياء والوثائق والمعلومات: تتجلى طبيعة هذه الأشياء والوثائق والمعلومات بأنها ذات طابع سري، وأن تكون ذات صلة بسلامة الدولة السورية. وليس يغني أحد الشرطين عن الآخر وإنما يجب اجتماعهما معاً. ويمكن أن تعد أسراراً تتعلق بسلامة الدولة:
المعلوماتُ العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الصناعية التي ينبغي ألا يعلم بها إلا الأشخاص الموكول إليهم أمر حفظها، والتي يجب أن تبقى مكتومة عن جميع من عداهم من الأشخاص الآخرين.
الأشياءُ والمعدات والكتابات والرسوم والخطط والخرائط والكشوف والصور التي ينبغي ألا يطلع عليها غير الأشخاص الذين أنيط بهم استعمالها أو حفظها.
البيانات العسكرية أياً كانت طبيعتها التي لم تعلنها الحكومة والتي يمنع نشرها أو إذاعتها أو إعلانها أو عرض صور عنها.
– الركن الثاني: الركن المادي: الدخول أو محاولة الدخول إلى المكان المحظور: يتألف الركن المادي من دخول الفاعل أو محاولة الدخول إلى المكان الذي منعت السلطات المختصة عامة الناس من ارتياده والنفاذ إليه. ويستوي في نظر المشرع السوري أن يدخل الفاعل بالطرق المألوفة العادية وأن يدخل باستعمال وسائل ملتوية كالتسلل أو التخفي أو التحايل أو مغافلة الحراس أو إغرائهم بالنقود. ويسوي المشرع بين الدخول والشروع فيه، والفعلان حكمهما واحد وعقابهما واحد.
أما الأماكن المحظورة فقد ترك المشرع أمر تحديدها للسلطات المختصة بحسب مقتضيات الأحوال. وإذا علم أن مصلحة الدفاع عن البلاد وسلامتها وصيانة أسرارها هي التي تقتضي تجريم ارتياد الجمهور أماكن ومناطق معينة في البلاد جاز إذاً أن يشار إلى أن هذه الأماكن المحظورة هي مناطق ومنشآت وثكنات عسكرية وكل ما يمكن اعتباره مرفقاً من مرافق الدفاع وما يستخدم في أغراضه. وتفرض السلطة المختصة بغية تحقيق هذا المنع وتنفيذه حراسة شديدة على هذه الأماكن وتصدر منشورات وبلاغات وأوامر تعلن فيها للناس هذا الحظر.
– الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام، فهي لا تستكمل جميع أركانها إلا إذا توافر القصد الخاص ألا وهو قصد الحصول على الأسرار المتصلة بسلامة الدولة السورية. وقد يتوافر لدى الفاعل قصد جرمي خاص إضافي يتجلى بقصد التجسس ويعني المشرع به قصد تسليم ما يمكن أن يحصل الفاعل عليه من أسرار لمنفعة دولة أجنبية.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على الجاني هي الحبس سنة على الأقل. ولابد في هذا الصدد من شرح الأحكام الخاصة المتعلقة بتشديد العقوبة الجنحية المنصوص عليها في المادة (271):
الظرف المشدد الخاص: يتجلى هذا الظرف في المادة (271): «وإذا سعى بقصد التجسس فبالأشغال الشاقة المؤقتة»، ومآلها أنه إذا كانت غاية الذي دخل أو حاول الدخول إلى المكان المحظور للحصول على الأسرار المتصلة بسلامة الدولة هي نقل ما يمكن أن يحصل عليه مباشرة أو بالواسطة أو إبلاغه أو إفشاءه لمنفعة أي دولة أجنبية فإن ذلك يعد ظرفاً مشدداً. ويعاقب الجاني بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة.
الظرف المشدد العام: ويعني ذلك أن حكم التشديد الذي يستوجبه هذا الظرف هو حكم شامل بجميع جرائم التجسس، وقد ورد عليه النص في المادة (274) وجاء فيها ما يلي: «إذا اقترفت جرائم التجسس المذكورة لمصلحة دولة معادية شددت العقوبات وفاقاً لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات».
2- الحصول على الأسرار المتصلة بسلامة الدولة أو سرقتها:
إن فرض العقاب بمقتضى المادة (271) لا يستلزم أن يحصل الفاعل على الأسرار التي يقصد الحصول عليها، فإذا حصل فإنه يكون قد ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة (272):
«1- من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات كالتي ذكرت في المادة السابقة أو استحصل عليها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.
2- إذا اقترفت الجناية لمنفعة دولة أجنبية كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
– الركن الأول: أن يكون الفاعل ممن لا صفة له في الحصول على السر: إن من تنيط به السلطات المسؤولة مهمة حفظ نوع معين من الأسرار التي تتصل بسلامة الدولة لا يجوز أن يعد استحصاله على هذه الأسرار جرماً معاقباً عليه لأن حصوله على السر في مثل هذه الحالة يعد قياماً بواجب قانوني. بيد أن مثل هذا الشخص المكلف رسمياً لا يجوز له أن يتعدى حدود ما أنيط به. فالموظف الذي يحفظ تصميم المصفحات في معمل من معامل أسلحة الجيش لا ينبغي له أن يسعى إلى الحصول على تصميمات الطائرات الحربية التي تنتجها المعامل الأخرى.
ومن المسلم به أن لا عبرة لجنسية الفاعل في هذه الجريمة وفي سائر جرائم التجسس الواردة في قانون العقوبات السوري.
– الركن الثاني: الركن المادي: الحصول على السر أو سرقته: ويعني الحصول على السر الوصول إليه والتمكن من إحرازه مهما كانت الطريقة أو الوسيلة التي استخدمت في ذلك. فقد يكون الحصول على السر بطريقة السرقة أو التحايل أو بانتحال صفة مزعومة أو بأخذ صورة فوتوغرافية لوثيقة سرية. والحصول على جزء من السر كالحصول على السر كاملاً.
أما سرقة الأسرار فهي الاستحواذ على الأشياء أو الوثائق أو البيانات التي يجب كتمانها حرصاً على سلامة الدولة وذلك من دون رضا المؤتمنين عليها أو علمهم.
– الركن الثالث: أن يكون محل الجريمة سراً من الأسرار المتصلة بسلامة الدولة: ولا تقتصر سلامة الدولة على سلامة المصالح الدفاعية بل تشمل جميع أسباب السلامة في الميادين الاقتصادية والسياسية والصناعية والمالية وما يتصل بأمن الدولة الداخلي والخارجي.
– الركن الرابع: الركن المعنوي: يكفي لقيام الركن المعنوي في هذه الجناية القصد الجرمي العام أي أن يكون الفاعل قد حصل أو سرق أحد الأسرار الماسة بسلامة الدولة السورية عن وعي وإرادة.
ب- العقوبة: إن الحصول على الأسرار أو سرقتها من دون قصد إفشائها أو إبلاغها أو نقلها أو تسليمها لمنفعة دولة أجنبية هو الحصول البسيط المعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة.
أما إذا اقترف الفاعل هذه الجريمة بقصد التجسس أي بقصد إفشائها أو إبلاغها أو نقلها أو تسليمها لمنفعة دولة أجنبية أو إلى أحد مندوبيها أو عملائها فإن ذلك يعد ظرفاً مشدداً وينقلب فيه جرم الحصول البسيط إلى جرم الحصول المشدد ويعاقب الجاني بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. وإذا كانت الدولة التي اقترفت الجريمة لمصلحتها معادية فيجب حينئذٍ تشديد العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (272) لتصبح الإعدام وفقاً للمادة (274) من قانون العقوبات.
3- إبلاغ الأسرار المتصلة بسلامة الدولة أو إفشاؤها من دون سبب مشروع:
يعاقب قانون العقوبات على إبلاغ الأسرار أو إفشائها، ويكون فاعل الجريمة تارة موظفاً مؤتمناً على السر وطوراً شخصاً عادياً لم يؤتمن عليه. وأما من أبلغ إليه السر فقد يكون شخصاً عادياً وقد يكون دولة أجنبية معادية أو غير معادية. وسيتم تحليل الفقرات الأربع من المادة (273) التي عاقبت على هذه الجريمة:
«1- من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات كالتي ذكرت في المادة 271 فأبلغه أو أفشاه دون سبب مشروع عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين.
2- ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل إذا أبلغ ذلك لمنفعة دولة أجنبية.
3- إذا كان المجرم يحتفظ بما ذُكر من المعلومات والأشياء بصفة كونه موظفاً أو عاملاً أو مستخدماً في الدولة فعقوبته الاعتقال المؤقت في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى، والأشغال الشاقة المؤبدة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية.
4- إذا لم يؤخذ على أحد الأشخاص السابق ذكرهم إلا خطأ غير مقصود كانت العقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين».
ويتبين من نص هذه المادة وجود جريمتين مستقلتين تتعلق الأولى بالإفشاء المقصود والثانية بالإفشاء غير المقصود.
أ- جريمة الإبلاغ أو الإفشاء المقصود:
1- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الفاعل: يستوي في هذه الجريمة أن يكون فاعلها سورياً أو أجنبياً، وأن يكون قد اقترفها في زمن السلم أو في زمن الحرب، وأن يكون قد ارتكبها في الأراضي السورية أو في خارجها. وتتجلى حيازة الفاعل لهذه الأسرار في أوضاع ثلاثة:
أن تكون هذه الأسرار قد سبق أن وصلت إلى الفاعل واحتفظ بها إنفاذاً لحكم القانون أو قياماً بواجب، كأن يكون موظفاً أو مستخدماً أو عاملاً.
أن يكون الفاعل شخصاً عادياً غير مؤتمن قد استحصل على هذه الأسرار استحصالاً بسعي منه كأن يكون قد سرقها أو استعمل الحيلة أو الدسيسة أو غير ذلك من الوسائل لانتزاعها والحصول عليها.
أن تكون هذه الأسرار قد وقعت في يد الفاعل غير المؤتمن مصادفة فحصل عليها من دون أن يتعمد هو ذلك أو يسعى إلى ذلك.
الركن الثاني: المفعول لأجله: إن من أبلغت إليه الأسرار أو أفشيت أمامه لا يتعدى أن يكون في ذهن الفاعل أحد ثلاثة:
¯ فهو قد يكون فرداً عادياً أو مجموعة من الأشخاص جهر لهم بها، فالفاعل هنا يعاقب بالعقوبة الجنحية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (273).
¯ وقد يكون المخاطب مندوباً لإحدى الدول الأجنبية أو عميلاً لمصلحتها، فالأخطار التي تتعرض لها البلاد في هذه الحالة من جراء نقل الأسرار إلى الدولة الأجنبية هي أشد ويعاقب الفاعل بالعقوبة المشددة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (273).
¯ وقد يقترف الفاعل جريمته في زمن الحرب ولمصلحة دولة معادية فيبلغ الخطر ذروته؛ لأن المفعول لأجله هو العدو ويعاقب الفاعل بأشد العقوبات.
الركن الثالث: الركن المادي: فعل الإبلاغ أو الإفشاء: ويتجلى هذا الركن بكل فعل من أفعال النقل أو الإخبار أو الإيصال أو التسليم، ويمكن أن يفرق بين فعل الإفشاء وفعل الإبلاغ بالمظهرين التاليين:
المظهر الأول: إن إفشاء السر هو كشف له ولا يمكن أن يكون إلا من شخص يعلم السر ويجهر به كما علمه، في حين أن الإبلاغ لا يقتضي أن يكون الجاني عالماً بتفاصيل ما يبلغ أو مطلعاً على محتوياته وإنما يكفي أن يكون الفاعل عالماً بأن ما يقوم بنقله أو إبلاغه هو سر من الأسرار الواجب كتمانها حرصاً على سلامة الدولة.
المظهر الثاني: إن الفاعل في جرم الإبلاغ يستهدف شخصاً بذاته ليوصل إليه السر، أما في جرم الإفشاء فإن إذاعة السر قد تقع ولو لم يقصد الفاعل بها شخصاً معيناً.
الركن الرابع: أن يكون محل الإبلاغ أو الإفشاء سراً من الأسرار الواجب كتمانها حرصاً على سلامة الدولة: هذا الركن تشترك فيه جميع جرائم التجسس، فالأشياء والوثائق والمعلومات التي يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة السورية هو مدار الحماية التي أوجبها المشرع في قانون العقوبات.
الركن الخامس: ألا يكون ثمة سبب مشروع يبرر فعل الإبلاغ أو الإفشاء: إن وجود سبب مشروع لإبلاغ السر أو إفشائه يفقد الجريمة أحد أركانها. فإذا اقترف أحدهم هذا الفعل إنفاذاً لنص قانوني أو انصياعاً لأمر مشروع صادر عن السلطة المختصة فلا جريمة لأن السبب المشروع يعد قائماً.
الركن السادس: الركن المعنوي: القصد الجرمي الذي تستلزمه أحكام الفقرة الأولى من المادة (273) لقيام الجرم المنصوص عليه فيها هو القصد الجرمي العام. ويكفي لتوافره أن يقصد الفاعل إفشاء سر من الأسرار المتصلة بسلامة الدولة أو إبلاغه وهو يعلم أن ما يبوح به هو سر يتصل بسلامة الدولة ويريد القيام بذلك.
ولا يشترط أن يكون الفاعل قد فكر في وصول السر إلى علم دولة أجنبية لأن الفقرة الأولى لا تتطلب غير قيام القصد العام. أما إذا ثبت قيام مثل هذا القصد الخاص في نفس الفاعل حين ارتكابه للإبلاغ أو الإفشاء فتطبق أحكام الفقرة الثانية من المادة (273).
ولابد من الإشارة إلى أن أحكام الفقرة الأولى من المادة (273) لا يمكن تطبيقها إذا ثبت أن جرم الإفشاء أو الإبلاغ لم يرتكب قصداً وإنما وقع نتيجة إهمال أو عدم حيطة أو قلة احتراز، وذلك لأن الجرم المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 273 هو من الجرائم المقصودة.
أما إذا كان الفاعل مؤتمناً على السر الذي أُفشي أو أُبلغ بنتيجة خطئه من إهمال أو عدم احتياط أو قلة احتراز فإنه يعاقب على ارتكاب جريمة غير مقصودة بموجب الفقرة الرابعة من المادة (273).
ب- العقوبة: إن العقوبة التي حددها المشرع في الفقرة الأولى وأوجبها على مقترف جريمة إفشاء الأسرار المتصلة بسلامة الدولة أو إبلاغها هي الحبس من شهرين إلى سنتين. وتخضع هذه العقوبة للظروف المشددة التالية:
– الظرف الأول ورد في الفقرة الثانية من المادة (273) «ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل إذا أبلغ ذلك لمنفعة دولة أجنبية». فتنقلب العقوبة الجنحية إلى عقوبة جنائية.
– إذا كان الجرم المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة (273) قد اقترفه الفاعل لمصلحة دولة معادية فيجب في هذه الحالة تشديد العقوبة الواردة في الفقرة الثانية عملاً بما تقضي به أحكام المادة (274).
– الظرف الثالث يتعلق بصفة الفاعل، فإذا كان المجرم يحتفظ بما ذكر من الأسرار بصفة كونه موظفاً أو عاملاً أو مستخدماً في الدولة فعقوبته الاعتقال المؤقت في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (273)، والأشغال الشاقة المؤبدة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة نفسها. أما إذا أفشاها لمصلحة دولة معادية فالعقوبة تصبح الإعدام تطبيقاً للمادة (274).
2- جريمة إبلاغ أو الإفشاء غير المقصود:
جاءت الفقرة الرابعة من المادة (274) من قانون العقوبات لتعاقب على جريمة الإبلاغ أو الإفشاء المرتكبة خطأً.
أ- أركان الجريمة:
الركن الأول: أن يكون الفاعل موظفاً أو عاملاً أو مستخدماً في الدولة السورية ومؤتمناً بحكم صفته هذه على الأسرار المتعلقة بسلامة الدولة السورية: ويبدو أن المشرع أراد أن تكون هذه الألفاظ ذوات دلالات واسعة ومعانٍ عامة تجعلها صالحة لأن تشمل كل ما تنيط الدولة به عملاً ما من أعمالها أو تعهد إليه بمهمة دائمة أو مؤقتة من مهامها.
الركن الثاني: ارتكاب الفاعل خطاً: إن هذا الخطأ هو الذي يميز الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة (273) من باقي جرائم التجسس الأخرى. ويتجلى الخطأ بالإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة. ومثال ذلك أن يعهد إلى أحد الأشخاص من الموظفين في الدولة بوثائق سرية تقضي التعليمات أن يحفظها في خزائن محكمة الإغلاق ولكنه يضعها فوق مكتبه، أو كما لو كلف أحدهم بإبلاغ بعض المعلومات السرية إلى مرجع مختص فلم يحتط في نقلها فقام بنقلها هاتفياً فاسترقَ السمع أحدُ أجهزة المخابرات الأجنبية.
الركن الثالث: أن يؤدي الخطأ المرتكب إلى إتاحة الإبلاغ أو إفشاء الأشياء أو الوثائق أو المعلومات التي ينبغي كتمانها حرصاً على سلامة الدولة. أي يجب أن تتوافر رابطة السببية بين الخطأ المنسوب للفاعل وبين وقوع جريمة الإفشاء أو الإبلاغ.
ب – العقوبة: إن العقوبة المحددة لجريمة الإفشاء أو الإبلاغ غير المقصودة هي الحبس من شهرين إلى سنتين. ويجوز تشديد العقوبة وفقاً للمادة (274) إذا كانت الجريمة التي سببها خطأ الفاعل قد اقترفت لمصلحة دولة معادية.
ثالثاً- الصلات غير المشروعة بالعدو:
تصلح هذه التسمية الصلات غير المشروعة بالعدو أن تُطلق عنواناً لأغلب الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي. ويبدو أن المشرع قد قصر مدى تلك العبارة على ثلاث جرائم: الاتجار مع العدو، إسداء العون المالي للعدو، وإخفاء أموال العدو الموضوعة تحت الحراسة أو اختلاسها.
1- الاتجار مع العدو:
وردت هذه الجريمة في المادة (275) من قانون العقوبات:
«يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تنقص عن مائة ليرة كل سوري وكل شخص ساكن في سورية أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أية صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الفاعل: ينبغي أن يكون الفاعل سورياً أو أجنبياً ساكناً في سورية: لامجال البتة لتطبيق أحكام هذه المادة على الأجنبي الذي يقطن في خارج سورية ويقدم في أحد البلدان الأجنبية على الاتجار مع رعايا العدو.
الركن الثاني: الركن المادي: إقدام الفاعل أو محاولته الإقدام على عمل تجاري أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة:
العمل التجاري: تضمن قانون التجارة الصادر بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2007 عدداً من الأعمال والتصرفات واعتبرها أعمالاً تجارية بحكم طبيعتها، فليس يشترط أن يقوم بها تاجر لتتمتع بالصفة التجارية وإنما هي تجارية بحكم ماهيتها الذاتية أياً كان فاعلها.
فتعد بحكم ماهيتها الذاتية أعمالاً تجارية:
شراء المنقولات المادية وغير المادية لأجل بيعها بربح ما سواء بيعت على حالتها أم بعد شغلها أو تحويلها.
شراء تلك الأشياء المنقولة نفسها لأجل تأجيرها أو استئجارها لأجل تأجيرها ثانية.
البيع أو الاستئجار أو التأجير ثانية للأشياء المشتراة أو المستأجرة على الوجه المبين فيما تقدم.
أعمال الصرافة والمبادلة المالية ومعاملات المصارف العامة و الخاصة.
المشاريع التجارية والصناعية المعددة في المادة 6 من قانون التجارة.
كل مشروع لإنشاء بواخر معدة للملاحة الداخلية أو الخارجية وشرائها، بقصد استثمارها تجارياً أو بيعها، وكل بيع للبواخر المشتراة على هذا الوجه.
جميع الإرساليات البحرية وكل عملية تتعلق بها كالشراء أو بيع لوازمها من حبال وأشرعة ومؤن.
إجارة السفن أو التزام النقل عليها و الإقراض أو الاستقراض البحري.
جميع العقود المختصة بالتجارة البحرية كالاتفاقات والمقاولات على أجور البحار وبدل خدمتهم و استخدامهم للعمل على بواخر تجارية.
ثم ألحقت المادة 7 من قانون التجارة بالأعمال التجارية بحكم ماهيتها الذاتية الأعمال التي يمكن اعتبارها مجانسة للأعمال المتقدمة لتشابه صفاتها و غاياتها. وأضافت المادة 8 من القانون نفسه أن جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجارته تعد تجارية أيضاً في نظر القانون.
صفقة الشراء أو البيع أو المقايضة: فصفقة الشراء يقصد بها امتلاك مال منقول أو غير منقول في مقابل ثمن نقدي. وأما صفقة البيع فهي عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي. وأما صفقة المقايضة فهي عقد يلتزم به كِلا المتعاقدين أن ينقل للآخر على سبيل التبادل ملكية مال ليس من النقود.
ويشترط أن يكون هذا التعامل قد قام به الفاعل نفسه مباشرة أو بواسطة شخص مستعار. والمشرع السوري لا يعاقب على الفعل التام فحسب بل أيضاً على الشروع في هذه الجريمة.
الركن الثالث: أن يجري هذا التعامل مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو: لم يجرم المشرع السوري التعامل التجاري إلا إذا كان من ضمن فئتين من الناس:
الفئة الأولى: رعايا الدولة المعادية أنى كانوا، وفي أي بلد سكنوا أو أقاموا. والدولة المعادية هي كل دولة بينها وبين سورية حالة حرب معلنة أو مكشوفة ولا ينهي حالة الحرب قيام هدنة دائمة كانت أو مؤقتة. أما قطع العلاقات السياسية مع دولة أجنبية لا يجعل منها عدواً ولا يخلق بينهما حالة حرب.
الفئة الثانية: الأشخاص القاطنون في أراضي الدولة المعادية. وقد يكون هؤلاء من رعايا دولة حليفة أو محايدة.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، بأن تتجه إرادة الفاعل إلى مخالفة القانون في صلته غير المشروعة بأحد رعايا العدو أو بأي امرئ ساكن بلاد العدو وأن يكون عالماً بذلك.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على مرتكب هذا الجرم الوارد في المادة (275) هي الحبس سنة على الأقل والغرامة مئة ليرة سورية.
2- المساهمة في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية أو تسهيل أعمالها المالية:
وردت هذه الجريمة في المادة (276) من قانون العقوبات:
«يستحق العقاب الوارد في المادة السابقة من ذكر فيها من الأشخاص إذا ساهموا في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية أو سهلوا أعمالها المالية بوسيلة من الوسائل».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الفاعل: ينبغي أن يكون الفاعل سورياً أو أجنبياً ساكناً في سورية: لا مجال البتة لتطبيق أحكام هذه المادة على الأجنبي الذي يقطن في خارج سورية ويقدم في أحدى البلدان الأجنبية على الاتجار مع رعايا العدو.
الركن الثاني: الركن المادي: إسداء العون المالي: يتجلى هذا الركن المادي في نوعين من الأفعال:
الشكل الأول: المساهمة في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية:
تعني المساهمة الاشتراك، وصوره شتى، ووسائله كثيرة، وينبغي في جميع صوره ووسائله أن يتم بفعل إيجابي.
وأما القرض فهو عقد يلتزم به المقرِض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئاً مثله.
ولا جدال أن الأعباء المالية التي يستلزمها الإنفاق على الحرب، ويتطلبها الاستعداد لها تبلغ في هذا العصر أرقاماً خيالية باهظة تنوء بها الموازنات العامة، فلا تجد الدولة المحاربة لنفسها مناصاً من إصدار القروض العامة لتدارك النفقات الضخمة التي يستغرقها تسيير آلة الحرب.
وأياً كان نوع القرض الذي تصدره الدولة المعادية ومهما كانت شرائط إصداره أو طرق تسديده فإن اشتراك السوري أو الأجنبي المقيم في سورية في شراء سند من سنداته، أو الاكتتاب فيه بأي شكل يؤلف ذلك الجرم المعاقب عليه في المادة (276) من قانون العقوبات.
وأما الاكتتاب فهو أن يتعهد المرء بتنفيذ التزام مدون في عقد قانوني بتوقيعه ذلك العقد كالاكتتاب مثلاً في أسهم شركة أو في سندات قرض عام. فإذا كان الاكتتاب من شأنه أن يسدي فائدة ما إلى الدولة المعادية فإن كل اشتراك فيه يكون الركن المادي للجريمة.
الشكل الثاني: تسهيل الأعمال المالية للدولة المعادية بأي وسيلة من الوسائل:
إن تعبير تسهيل الأعمال المالية واسع فيعود أمر تقدير الفعل المقترف إلى تقدير قاضي الموضوع. فإسهام الفاعل مثلاً في تأمين قرض للدولة المعادية من صندوق النقد الدولي، أو مساعدة موظفيها في جباية الضرائب وتحصيلها أو العمل على ترويج نقدها أو تداولها تعد بحكم طبيعتها تسهيلاً لأعمال العدو المالية.
الركن الثالث: ينبغي أن تكون الصلة غير المشروعة قاصرة على الدولة المعادية دون رعاياها أو الأفراد القاطنين فيها: إن المادة (276) لا تجرم الإسهام في قرض أو في اكتتاب إلا إذا كان ذلك لمنفعة الدولة المعادية، ولا تحظر تسهيل أي عمل مالي إلا إذا كان من الأعمال المالية للدولة المعادية. أما إذا كان العمل المالي لا يعود لها وإنما هو لأحد رعاياها فلا سبيل لتطبيق أحكام هذه المادة.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، بأن تتجه إرادة الفاعل إلى مخالفة القانون في صلته غير المشروعة بالدولة المعادية وأن يكون عالماً بذلك. أما إذا كانت نية الفاعل مثلاً تستهدف معونة الدولة المعادية لتمكينها من فوز قواتها فالفعل يتحول إلى خيانة ويعاقب مرتكبه بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (265) من قانون العقوبات.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على مرتكب هذا الجرم الوارد في المادة (276) هي الحبس سنة على الأقل والغرامة مئة ليرة سورية. ولابد من الإشارة أن المادة (276) لا تعاقب على الشروع في ارتكاب هذه الجريمة.
3- إخفاء أموال العدو المعهود بها إلى حارس أو اختلاسها:
وردت هذه الجريمة في المادة (277) من قانون العقوبات:
«من أخفى أو اختلس أموال دولة معادية أو أموال أحد رعاياها المعهود بها إلى حارس عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة أقلها مائة ليرة سورية».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: الإخفاء أو الاختلاس: إن الركن المادي في هذه الجريمة يشمل كل سلوك أو نشاط إيجابي يؤول إلى مواراة أموال العدو من وجه السلطة بعد أن قررت وضعها تحت الحراسة. ولذلك فإن الإخفاء أو الاختلاس في أحكام هذه المادة له مدلولات واسعة.
فيتجلى الإخفاء في هذه الجريمة بتخبئة مال العدو الموضوع تحت الحراسة أو بنقله إلى غير المكان المعد له، أو إبعاده عن هذا المكان بغية تعطيل إجراءات الحراسة أو بالامتناع عن التصريح عنه، أو الاستنكاف عن تقديمه للسلطات المختصة أو الإحجام عن الإرشاد إليه، أو القيام بأي فعل آخر مماثل يرمي إلى عدم تمكين السلطات من الكشف عن مال العدو، ويهدف بالتالي إلى وضع العوائق لمنع تنفيذ الحراسة عليه.
أما الاختلاس فهو تحويل أموال الأعداء عن المصير الذي ينتظرها، فكل فعل يريد الفاعل أن يبعد به أموال العدو عن متناول السلطات المختصة يعده المشرع اختلاساً ويقع تحت طائلة نص المادة (277) من قانون العقوبات.
الركن الثاني: محل الجريمة: أموال دولة معادية أو أموال أحد رعاياها: يشترط لقيام الجريمة المنصوص عليها في المادة (277) أن يكون ما وقع عليه فعل الإخفاء أو الاختلاس مالاً تملكه الدولة المعادية أو يملكه أحد رعاياها. والمال يعني كل ما يمكن تقويمه، وبالتالي يشمل هذا المفهوم المال المنقول وغير المنقول على السواء.
وسواء أكان الذي يعود إليه المال شخصاً طبيعياً أم شخصاً اعتبارياً كالشركات أو الجمعيات وسائر المؤسسات أو المنشآت الأخرى فإن حكم المادة (277) واجب التطبيق.
الركن الثالث: أن تكون هذه الأموال موضوعة تحت الحراسة: الحراسة التي تعنيها المادة (277) هي ذلك التدبير الذي تقتضيه ضرورات الحرب ودواعي المصلحة العامة والنظام العام. ومتى وُضعت أموال الدولة المعادية أو أموال رعاياها تحت الحراسة فقد أصبحت في حمى سلطان الدولة، واكتسبت بذلك حرمة، فلا يعود من الجائز المساس بها حتى ترفع الحراسة عنها من المرجع المختص الذي أصدر هذا التدبير. ويشترط أ ن يكون فعل الإخفاء أو الاختلاس قد وقع في تاريخ لاحق لتاريخ صدور التدبير المقضي بوضع المال تحت الحراسة.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، بأن تتجه إرادة الفاعل إلى إخفاء أموال العدو المعهود بها إلى حارس أو اختلاسها وأن يكون عالماً بذلك.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على مرتكب هذا الجرم الوارد في المادة (277) هي الحبس الذي يراوح بين الشهرين والسنتين والغرامة مئة ليرة سورية على الأقل.
رابعاً- الجرائم الماسة بالقانون الدولي:
من خلال دراسة نصوص قانون العقوبات يتبين أن الجرائم الماسة بالقانون الدولي هي: خرق تدابير الحياد وتعكير صلات سورية بالدول الأجنبية، الاعتداءات والمؤامرات التي تتوسل بالعنف لتغيير دستور دولة أجنبية، تحريض جنود دولة أجنبية على الفرار أو العصيان، الحط من اعتبار الدول الأجنبية.
1- خرق تدابير الحياد وتعكير صلات سورية بالدول الأجنبية:
تنص المادة (278) من قانون العقوبات على ما يلي:
«يعاقب بالاعتقال المؤقت:
أ- من خرق التدابير التي اتخذتها الدولة للمحافظة على حيادها في الحرب.
ب- من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة فعرض سورية لخطر أعمال عدوانية، أو عكر صلاتها بدولة أجنبية، أو عرض السوريين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم».
ويتبين من نص هذه المادة وجود جريمتين مستقلتين:
أ- الجريمة المنصوص عليها في الفقرة /أ/ من المادة 278: وردت هذه الجريمة في المادة (278) من قانون العقوبات:
«يعاقب بالاعتقال المؤقت:
أ- من خرق التدابير التي اتخذتها الدولة للمحافظة على حيادها في الحرب».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الفاعل: عاقب المشرع السوري فاعل هذه الجريمة سواء أكان هذا الفاعل سورياً أم أجنبياً، وسواء أكان الفعل المجرم في داخل الأراضي السورية أم في خارجها.
الركن الثاني: الركن المادي: يتجلى في خرق ما تتخذه الدولة السورية من إجراءات تمكنها من الوفاء بالتزامات الحياد الذي ارتضته لنفسها حين نشوب حرب ما. وبالتالي فإن الركن المادي الذي يتألف منه هذا الجرم يستلزم توافر الأمور التالية:
q أن تقع حرب تلتزم فيها الدولة السورية سياسية الحياد.
q أن تعمد السلطات المسؤولة في الدولة السورية إلى إصدار قانون أو مرسوم أو نظام أو قرار أو أي إجراء عام آخر يرمي إلى فرض التزامات الحياد على الدولة وأجهزتها وموظفيها والأفراد الخاضعين لسلطانها بغية تأمين تطبيق هذه السياسة فعلياً على الصعيدين الدولي والداخلي معاً.
q أن تعلن الدولة هذه الإجراءات العامة التي اتخذتها السلطات المسؤولة، وأن تنشرها على الناس حتى تكتسب قوة النفاذ فلا يفترض في أحد جهلها، وإنما تغدو ملزمة وسارية المفعول على الجميع.
q أن يسلك الفاعل أياً كان سلوكاً يتنافى وهذه الأوامر والنواهي العامة التي أصدرتها الدولة السورية للمحافظة على حيادها في الحرب وفرض التزاماتها على موظفيها والأفراد الخاضعين لسلطانها. ويكفي أن يقدم الفاعل على خرق تدبير واحد من التدابير التي اتخذتها الدولة بغية المحافظة على حيادها في الحرب.
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، ويتجلى هذا القصد في أن يكون الفاعل مريداً ارتكاب جريمة خرق تدابير الحياد، وأن يكون عالماً بذلك.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على مرتكب هذا الجرم الوارد في الفقرة الأولى من المادة (278) هي الاعتقال المؤقت.
ب- الجريمة المنصوص عليها في الفقرة /ب/ من المادة 278:
«يعاقب بالاعتقال المؤقت:
ب- من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة فعرض سورية لخطر أعمال عدوانية، أو عكر صلاتها بدولة أجنبية، أو عرض السوريين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: قيام الفاعل بأعمال أو كتابات أو خطب ذات مساس بالدولة الأجنبية أو برعاياها: لم يشأ المشرع السوري في هذا النص العام أن يحدد ماهية هذه الأعمال والكتابات والخطب. ويمكن أن تعطى الأمثلة التالية: تنظيم حملة عسكرية ضد دولة أجنبية أو تمزيق علمها علناً، أو التظاهر ضد رئيسها أو أحد ممثليها. وقد تعد من هذا القبيل أعمال العنف أو التخريب أو السلب والنهب التي تقع على الرعايا الأجانب داخل الأراضي السورية.
الركن الثاني: عدم صدور إجازة من الحكومة: ينبغي أن يكون الفاعل قد قام بعمله أو ألقى خطبته أو كتب مقاله من دون أن تأذن الحكومة بذلك أو تجيزه. وقد تعرب السلطة المختصة عن رضائها قبل وقوع الفعل فيسمى هذا الرضا إذناً سابقاً، وقد تعلن رضاءها بعد ارتكاب العمل فيؤلف هذا الرضا إجازة لاحقة. وقد يبرر صدور مثل هذا الأذن أو الإجازة أحياناً بواعث قومية أو إنسانية.
الركن الثالث: تعريض سورية لخطر أعمال عدوانية أو تعكير صلاتها بدولة أجنبية أو تعريض السوريين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم: إن الأعمال أو الخطب أو الكتابات لابد أن تؤدي إلى إحدى النتائج التالية:
تعريض سورية لخطر أعمال عدائية تقوم بها ضدها الدولة الأجنبية التي وقع بها أو برعاياها المساس أو الأذى. ويعد من الأعمال العدائية: القصف بالقنابل أو الاشتباك المسلح أو غير ذلك من أعمال الحرب. والمرجح أن التدابير غير الودية التي تقوم بها الدولة الأجنبية كالحصار السلمي أو تجميد الأرصدة أو قطع العلاقات السياسية لا تدخل في نطاق الأعمال العدائية.
وليس يشترط أن تقوم الدولة الأجنبية فعلاً بعمل من هذه الأعمال العدائية ضد سورية وإنما يكفي أن يكون قيامها محتمل الوقوع.
تعريض السوريين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم: ويقصد بالأعمال الثأرية التي قد تقع على السوريين التدابير التي يمكن أن تتخذها الدولة الأجنبية ضد أشخاصهم أو أموالهم كالاعتقال أو أخد الرهائن أو الإخراج من البلاد أو وضع الأموال تحت الحراسة أو مصادرتها أو تجميد الأرصدة. وقد تتجلى أيضاً في أعمال الاعتداء والعنف أو السلب التي يرتكبها الأفراد المقيمون في أراضي الدولة الأجنبية من رعاياها أو غيرهم ضد السوريين.
تعكير صلات سورية بدولة أجنبية: إن كلمة تعكير لها مظاهر عدة ومحتوى واسع، وبالتالي فإن أي عمل غير ودي يمكن أن تقوم به الدولة الأجنبية حيال سورية أو الرعايا السوريين يمكن اعتباره تعكيراً للصلات القائمة بين الدولتين. ومثال ذلك مذكرات الاحتجاج وقطع العلاقات السياسية وكل توتر دبلوماسي آخر.
الركن الرابع: الركن المعنوي: إن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (278) هي جريمة مقصودة، ولكن القصد المطلوب هو القصد الاحتمالي المنصوص عليه في المادة (188) من قانون العقوبات: «تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل المخاطرة».
ويعني ذلك أنه يكفي لقيام القصد الجرمي لهذه الجريمة أن يكون الفاعل عندما أقدم على الأعمال والكتابات والخطب التي لم تجزها الحكومة قد توقع تعريض سورية لخطر أعمال عدوانية، أو تعكير صلاتها بدولة أجنبية، أو تعريض السوريين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم وقبل المخاطرة.
ب- العقوبة: إن العقوبة التي يفرضها المشرع على مرتكب هذا الجرم الوارد في الفقرة الثانية من المادة (278) هي الاعتقال المؤقت.
2- الاعتداء أو المؤامرة على دستور دولة أجنبية أو حكومتها أو أرضها:
تنص المادة (279) من قانون العقوبات على ما يلي:
«1- كل اعتداء يقع في الأرض السورية، أو يقدم عليه أحد الرعايا السوريين قصد أن يغير بالعنف دستور دولة أجنبية أو حكوماتها أو يقتطع جزءاً من أرضها يعاقب عليه بالاعتقال المؤقت.
2- إن المؤامرة التي ترمي إلى إحدى الجنايات السابقة السالفة الذكر توجب الحبس سنة على الأقل».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: وقوع اعتداء أو مؤامرة: لم يعرف المشرع السوري الاعتداء على أمن الدولة وإنما عين المشرع الهدف من الاعتداء. فالغرض من الاعتداء هو الذي يحدد ويعين جرم الاعتداء على أمن الدولة. وقد جاءت المادة (261) من قانون العقوبات ونصت على أنه: «يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء كان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً أو مشروعاً فيه». فيوجد جرم الاعتداء كلما توافرت شروط الشروع المنصوص عليها في المادة 199 من قانون العقوبات في النشاط الإجرامي الذي قام به الفاعل لتحقيق الهدف من الاعتداء ألا وهو تغيير دستور دولة أجنبية أو حكوماتها أو اقتطاع جزء من أرضها.
أما المؤامرة فهي كل اتفاق عُقد بين شخصين أو أكثر ليغيروا بالعنف دستور دولة أجنبية أو حكومتها أو ليقتطعوا جزءاً من أرضها.
الركن الثاني: يجب أن يقع الاعتداء أو المؤامرة في الأراضي السورية أو أن يقترف هذه أو ذاك أحد الرعايا السوريين: يشترط لقيام الجريمة الواردة في المادة (279) من قانون العقوبات أن يقع ركنها المادي في الأراضي السورية، هذا إذا كان المعتدي أو المتآمر أجنبياً. أما إذا كان المعتدي أو المتآمر سورياً فإنه يعاقب على سلوكه سواء ارتكبه في الأراضي السورية أم في البلاد الأجنبية.
ولا تقتصر الأرض السورية على الإقليم البري والبحري والجوي السوري وإنما عد المشرع السوري في حكم الأرض السورية: السفن والمركبات الهوائية السورية والأرض الأجنبية التي يحتلها جيش سوري.
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام، فهي لا تستكمل جميع أركانها إلا إذا توافر لدى الفاعل قصد خاص: فإذا كانت الجريمة اعتداءً فيجب أن يثبت أن الفاعل يقصد من وراء الفعل المادي الذي ارتكبه تحقيق هدف واحد من هذه الأهداف الثلاثة:
– تغيير دستور دولة أجنبية.
– تغيير حكومة دولة أجنبية بالعنف.
– اقتطاع جزء من أرض دولة أجنبية، ولا فرق بين أن تكون غاية المعتدي من قطع هذا الجزء إقامة دولة مستقلة فيه أو ضمه إلى دولة أجنبية وإلحاقه بها.
أما إذا كانت الجريمة مؤامرة فإن القصد الجرمي الخاص يجب أن يتجلى في تعيين جناية الاعتداء التي اتحدت إرادة المتآمرين واتفقت على اقترافها. وجناية الاعتداء التي يعاقب المتآمرون على اقترافها لا تعدو أن تكون واحدة من الجنايات التالية: جناية الاعتداء التي ترمي إلى تغيير دستور دولة أجنبية، جناية الاعتداء التي ترمي إلى تبديل حكومة دولة أجنبية بالعنف، جناية الاعتداء التي تقصد اقتطاع جزء من أرض أجنبية.
ب- العقوبة: إذا كان الجرم اعتداء فإن المشرع حدد عقوبة فاعله في الفقرة الأولى من المادة (279) من قانون العقوبات بالاعتقال المؤقت.
أما إذا كان الجرم مؤامرة فقد أوجب المشرع في الفقرة الثانية من المادة ذاتها عقوبة الحبس سنة على الأقل.
3- تجنيد الجنود للقتال في سبيل دولة أجنبية:
تنص المادة (280) من قانون العقوبات على ما يلي: «من جند في الأرض السورية دون موافقة الحكومة جنوداً للقتال في سبيل دولة أجنبية عوقب بالاعتقال المؤقت».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: تجنيد الجنود للقتال في سبيل دولة أجنبية: التجنيد عمل مادي يتجلى في إلحاق الأشخاص بجيش دولة أجنبية ضد دولة أجنبية أخرى. والمفهوم من المادة (280) هو أن تكون الدولة التي حصل تجييش الجند لمصلحتها في حرب مع غيرها من الدول الأجنبية الأخرى، وأن يكون المراد من جمع الجند القتال في سبيل إحدى الدولتين المتحاربتين ضد الأخرى ومناصرة الواحدة على الثانية، وهذا يجعل من تجنيد الجنود للقتال في سبيل دولة أجنبية عملاً عدائياً موجهاً ضد الدولة المحاربة الأخرى، فلا يجوز للدولة السورية أن تسمح باقترافه في الأرض الخاضعة لسيادتها أو أن تسكت عليه فيعد تحيزاً واضحاً منها لفريق محارب دون فريق.
ويعد الركن المادي متوافراً سواء أقام الفاعل بتجنيد الجنود من تلقاء نفسه، أم بتكليف من شخص يعمل لمصلحة دولة أجنبية أو من إحدى الجمعيات أو الشركات أو الهيئات أو المؤسسات التي تخدم تلك الدولة.
الركن الثاني: وقوع التجنيد في الأرض السورية: فلا سبيل لتطبيق أحكام المادة (280) إذا اقترفت هذه الجريمة في خارج الأرض السورية ولو كان الفاعل من الرعايا السوريين.
الركن الثالث: عدم موافقة الحكومة: ينبغي أن يكون الفاعل قد أقدم على جمع المجندين من دون موافقة الحكومة السورية ولا إذنها. ويجب في الموافقة أن تكون صادرة من السلطة المختصة القائمة دستورياً حين اقتراف الفعل. والحكومة لا توافق من حيث المبدأ على تجنيد الجنود إلا أنه يمكن أن توافق على ذلك في حالات نادرة ترى فيها أسباباً وبواعث جدية تبرر صدور مثل هذه الموافقة، وذلك كأن يكون بينها وبين الدولة التي سمحت بتجنيد الجنود للقتال في سبيلها تحالف سياسي أو عسكري أو أن تقوم بينهما مصالح مشتركة.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام، فهي لا تستكمل جميع أركانها إلا إذا توافر لدى الفاعل قصد خاص أفصحت عنه المادة (280) من قانون العقوبات وهو: أن تكون غاية الفاعل من تجنيد الجنود القتال في سبيل دولة أجنبية.
ب- العقوبة: يفرض المشرع على فاعل هذه الجريمة عقوبة الاعتقال المؤقت.
4- تحريض جنود دولة أجنبية على الفرار أو العصيان:
تنص المادة (281) من قانون العقوبات على ما يلي:
«يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة لا تتجاوز المئتي ليرة على كل تحريض يقع في سورية أو يقوم به سوري بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 278 لحمل جنود دولة أجنبية من جنود البر أو البحر أو الجو على الفرار أو العصيان».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: وقوع التحريض بالعمل أو الكتابة أو الخطابة: من المتفق عليه فقهاً واجتهاداً أنه يجب أن يكون التحريض مؤثراً في نفس من يوجه إليه، وأن يكون من شأنه الإقناع الحاسم. ويستوي في التحريض المنصوص عليه في المادة (281) أن يقع بصورة مباشرة أو غير مباشرة شفهياً أو خطياً لأن النص ورد مطلقاً لا يقيده إلا أن يكون التحريض بإحدى الوسائل التي حددتها المادة (278) وهي الأعمال أو الكتابات أو الخطب.
الركن الثاني: يجب أن يقع التحريض في الأرض السورية أو أن يقوم به سوري: فإذا لم تكن الجريمة قد وقعت في الأرض السورية فإن أحكام المادة (281) تغدو غير واجبة التطبيق ما لم يكن المحرض سورياً. أما إذا اقترف الأجنبي جرم التحريض خارج الأرض السورية فلا سبيل لتطبيق أحكام المادة (281).
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام، فهي لا تستكمل جميع أركانها إلا إذا توافر لدى الفاعل قصد خاص. ويتجلى هذا القصد في حمل جنود دولة أجنبية من قوات البر أو البحر أو الجو على الفرار أو العصيان.
ومن مستلزمات هذا الركن:
× أن يكون التحريض موجهاً إلى الجنود سواء أكان هؤلاء الجنود يعملون في القوات البرية أم البحرية أم الجوية. والجندي هو كل عسكري لا يحمل أي رتبة. وقد وضع الشارع تعريفاً للعسكري في المادة الثانية من قانون الجيش العربي السوري، ونصها ما يلي:
«العسكري هو كل سوري اتخذ الجندية مسلكاً له أو دعي إلى خدمة العلم. ويشمل هذا التعبير كافة الرتب».
أن يكون هدف التحريض وموضوعه حض جنود الدولة الأجنبية وحملهم على الفرار أو العصيان:
والفرار هو الجرم الذي يرتكبه عسكري نظامي ويقطع به الصلة التي تربطه بالجيش، ويحدد قانون العقوبات العسكري هذا الجرم ويعين أركانه وأحكامه، ويعدد أنواعه فيقسمه إلى فرار خارجي وفرار داخلي، والى فرار أمام العدو وفرار إلى العدو وإلى فرار بمؤامرة وفرار بلا مؤامرة، ويضع الشارع لكل نوع من أنواع الفرار عقوبة وحكماً.
وأما جريمة العصيان فهي أكثر تعقيداً، وأشد غموضاً وإبهاماً. ويعد من قبل العصيان في الجيش العربي السوري كل امتناع عن إطاعة الأوامر قولاً أو فعلاً. ومن قبيل العصيان أيضاً التمرد على القوات المسلحة وعلى رجال السلطة أو على السلطات القائمة.
ب- العقوبة: يعاقب الشارع السوري بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل تحريض يقع في سورية، أو يقوم به سوري بالأعمال أو الكتابات أو الخطب، لحمل جنود دولة أجنبية من جنود البر أو البحر على الفرار أو العصيان.
5- الحط من اعتبار دولة أجنبية:
تنص على هذه الجريمة المادة (282) من قانون العقوبات:
«يعاقب بالعقوبات نفسها بناء على شكاوى الفريق المتضرر من أجل الجرائم التالية:
تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني علانية.
تحقير رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية.
القدح أو الذم الواقع علانية على رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية.
لا يجوز إثبات الفعل الذي كان موضع الذم».
في الواقع لا تنطوي أحكام المادة (282) على فعل واحد ولكنها في الحقيقة تنظم عدداً من الجرائم التي يجمع بينها أنها كلها تنقص من قدر من تقع عليه ومن سمعته أو تخدش شرفه. أما هذه الجرائم فهي:
أ) تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني علانية.
ب) تحقير رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية.
ج) القدح أو الذم الواقع علانية على رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية.
وسيتم تناول أركان كل جريمة من هذه الجرائم قبل البحث في عقوبتها وخصوصية ملاحقتها:
أ) جريمة تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني علانية:
تتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:
(1) أركانها:
الركن الأول: وقوع قول أو فعل يؤلف تحقيراً: إن المشرع السوري لم يضع تعريفاً للتحقير لأنه لا يمكن حصر هذا التعبير، والمرجع في تحديد ذلك أعراف المجتمع وما تعارفه الناس في اعتباره مهيناً أو ماساً بالشرف أو حاطاً بالكرامة. فالرأي العام في الجماعة هو المرجع الذي يسترشد به القاضي في كل حالة على حدة لاستظهار هذا العنصر من عناصر الجريمة وتقديره، والتثبت من وجوده وقيامه.
فالتحقير يشمل كل عبارة أو إشارة أو حركة أو كتابة أو رسم أو تهديد يحط من قدر من وجه إليه أو مكانته، أو يقلل من احترامه في نظر الجمهور وإن لم يتضمن إسناد وقائع أو أمور معينة.
الركن الثاني: محل الجريمة: أن يكون هذا التحقير موجهاً إلى دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني: فالدولة الأجنبية هي كل دولة استكملت شروط تكونها في نظر القانون الدولي واعترفت بها سورية وليس بينها وبين سورية حالة حرب. وأما جيش هذه الدولة الأجنبية فهو مجموعة قواتها المسلحة المدافعة عن سلامة حدودها. وأما علمها فهو رايتها الوطنية. وأما شعارها الوطني فهو كل رمز اتفق على اتخاذه عنواناً وطنياً. ومن صور التحقير الذي يوجه للعلم مثلاً تمزيقه أو تمريغه أرضاً أو طرحه بين الأقدام.
الركن الثالث: أن يقع التحقير علانية: عدد المشرع السوري وسائل العلانية في المادة (208) من قانون العقوبات بما يلي:
الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أم نقلاً بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار، أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، ويتجلى هذا القصد في أن يكون الفاعل مريداً الحط من كرامة الدولة الأجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني، وأن يكون عالماً بذلك.
ب- جريمة تحقير رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية: تتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: وقوع التحقير: وهذا التحقير يتألف من كل فعل أو قول يحكم العرف بأن فيه ازدراء أو حطاً من الكرامة في أعين الناس.
الركن الثاني: محل الجريمة: أن يكون هذا التحقير موجهاً إلى رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية: يجب أن يقع التحقير على شخص من الأشخاص المقصودين بالحماية الذين صانت المادة (282) كراماتهم حفظاً للصلات الودية بين سورية والدول الأجنبية، وهم: رؤساء الدول الأجنبية ووزراء الدول الأجنبية والممثلون السياسيون الأجانب في سورية مثل السفراء والقناصل والمبعوثين والمندوبين والقائمين بالأعمال.
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، ويتجلى هذا القصد في أن يكون الفاعل مريداً الحط من كرامة رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية، وأن يكون عالماً بذلك.
ج- جريمة القدح أو الذم الواقع علانية على رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية: تتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: وقوع فعل من أفعال الذم أو القدح: ويقصد بالذم نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته. وأما القدح فهو كل لفظة ازدراء أو سباب، وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير.
والذم والقدح يتحقق كلاهما بكل صيغة كلامية أو كتابية سواء على سبيل الإخبار الذي يحتمل الصدق والكذب أم الرواية عن الغير أم ذكر الطعن بصورة تشكيكية أو استفهامية أو غامضة من شأنها أن تلقي في أذهان الجمهور ظناً أو احتمالاً في صحة الأمور المدعاة. ويستوي في الذم والقدح أن يبوح الفاعل بالطعن على أنه متحقق منه بذاته وعالم به وأن يبوح بذلك نقلاً عن الغير، أو يردده على أنه إشاعة.
ولا عبرة في أن يكون الذم أو القدح وارداً في قالب صريح أو التلميح أو التهكم أو في صيغة افتراضية.
الركن الثاني: محل الجريمة: أن يكون الشخص الذي وجه إليه فعل من أفعال القدح أو الذم هو رئيس دولة أجنبية أو أحد وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية.
الركن الثالث: أن يقع الذم أو القدح علانية: عدد المشرع السوري وسائل العلانية في المادة (208) من قانون العقوبات بما يلي:
الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أم نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار، أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر.
الركن الرابع: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، ويتجلى هذا القصد في أن يكون الفاعل مريداً النيل من شرف رئيس دولة أجنبية أو كرامته أو أحد وزرائها أو ممثلها السياسي في سورية، وأن يكون عالماً بذلك.
(2) عقوبة الجريمة:
عينت المادة (282) عقاباً واحداً لجميع جرائم التحقير والقدح والذم الواردة فيها وهو الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة لا تتجاوز مئتي ليرة سورية.
وإذا كانت الجريمة المقترفة في الأرض السورية أو بفعل سوري على رئيس دولة أجنبية أو أحد وزرائه أو ممثله السياسي في سورية لا تقع تحت طائلة عقوبة خاصة شددت العقوبة القانونية على نحو ما ذكر في المادة (247).
(3)- خصوصية الملاحقة:
جعل المشرع السوري تقديم الشكوى من الجهة التي مس اعتبارَها التحقيرُ أو الذم أو القدح شرطاً أساسياً لا بد منه لملاحقة فاعلي الجرم. ويصح أن يقدم الشاكي شكواه مباشرة إلى المرجع القضائي المختص فتحرك بذلك الدعوى العامة على الفاعل، وغالباً ما يتقدم الفريق المتضرر بشكواه بصورة غير مباشرة أي بالطريقة الدبلوماسية، فتحيل وزارة الخارجية الشكوى إلى وزارة العدل التي تحيلها بدورها إلى النيابة العامة.
وعملاً بمبدأ المساواة بين الدول اشترط المشرع السوري لتطبيق أحكام الحماية المنصوص عليها في المواد (279 إلى 283) من قانون العقوبات أن يكون ثمة أحكام مماثلة لها في تشريع الدولة الأجنبية المقصودة أو في الاتفاق الدولي المعقود معها.
خامساً- النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي:
لقد اتسع أفق الحرب الحديثة، فلم تعد تقتصر على الصراع بين العسكريين في ميادين القتال بالأسلحة الفتاكة، بل امتد نطاقها فشمل المدنيين بسلاح جديد لا يزهق الأنفس بل يحطم الأعصاب ويلقي الرعب في القلوب. هذا السلاح هو إثارة الفتن والعصبيات والمطامع وبث بذور الفرقة في نفوس الكتل والطبقات والطوائف التي يتألف منها كيان الأمة.
قسم المشرع السوري هذه الجرائم الواردة تحت عنوان النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي قسمين:
القسم الأول: يتضمن الجرائم التالية: الدعاوة التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية، نقل الأنباء التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة، إذاعة أنباء في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو من مكانتها المالية، والانخراط في جمعية أو منظمة سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي.
القسم الثاني: إثارة النعرات المذهبية والعنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، والانتماء إلى جمعية أنشئت لإثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة.
1- الدعاوة التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية:
تنص على هذه الجريمة المادة (285) من قانون العقوبات:
«من قام في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: فاعل الجريمة: يستوي في فاعل هذه الجريمة أن يكون سورياً أو أن يكون أجنبياً لأن أحكامها عامة وتشمل الجميع بالعقاب على السواء.
الركن الثاني: زمن ارتكاب الجريمة ومكانه: لا تطبق أحكام المادة (285) إلا إذا كان الفعل الذي يؤلف ركن هذه الجريمة المادي قد ارتكبه فاعله في أحد ظرفين زمنيين اثنين: إما في زمن يكون فيه خطر الحرب محدقاً بالبلاد السورية، أو في زمن تكون الحرب قد نشبت فعلاً بين قوات الدولة السورية وقوات دولة أجنبية أخرى.
ومن حيث المكان فلا تطبق أحكام المادة (285) ما لم يكن الجرم قد قام به فاعله في الأرض السورية.
الركن الثالث: الركن المادي: القيام بدعاوة: ويقصد بذلك العمل على ترويج رأي معين أو السعي إلى نشر نظام سياسي أو اجتماعي أو ديني، أي السعي إلى نشر فكرة معينة وحمل الآخرين على الاقتناع بها واعتناقها واتخاذها أساساً لسلوكهم.
والمشرع السوري لا يشترط لقيام هذه الجريمة أن تصيب الدعاوة النجاح والتوفيق في ما رمت إليه وأن يضعف الشعور القومي فعلاً أو تثار النعرات المذهبية أو العنصرية وإنما يكفي أن يكون الخطر ممكناً أو محتملاً.
الركن الرابع: الركن المعنوي: إن طبيعة الجريمة المنصوص عليها في المادة (285) تستلزم توافر القصدين العام والخاص معاً. ويتمثل القصد الخاص في نية إضعاف الشعور القومي أو نية إيقاظ النعرات المذهبية والعنصرية:
نية إضعاف الشعور القومي: يقصد بالشعور القومي إحساس الفرد بانتمائه إلى جماعة معينة وولائه العميق لها وإيمانه بأن لهذه الجماعة من الروابط التي تشد بين أبنائها مما يجعلها جديرة بأن تكون أمة واحدة، وأن تؤلف دولة تتمتع بجميع حقوق السيادة والحرية والاستقلال.
ويقصد المشرع بالدعاوة التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي تلك الدعاوات التي تهدف إلى الانتقاص من الولاء للأمة، أو تثبيط العزيمة عن العيش المشترك مع سائر أبناء الأمة أو التهوين من شأن الاعتزاز بأصالة رسالة الأمة. وقد تتجلى الدعاوة بكل ما من شأنه بث روح الهزيمة وتثبيط العزائم أو إضعاف القدرة على المقاومة.
نية إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية: ويقصد بالإيقاظ الإثارة والإذكاء والتغذية. وأما لفظة النعرات فيقصد بها المشرع العصبيات. وأما العنصرية فتنصرف إلى الجماعات العرقية المختلفة التي تتألف منها الأمة. أما المذهبية فهي لفظ ينصرف إلى الطوائف الدينية التي ينتمي إليها المواطنون كالإسلام والمسيحية وما تفرع منها من مذاهب.
وبالتالي فإن كل عصبية تستأثر بولاء المواطن دون الدولة وتضعف من شعور المواطن القومي تؤلف خطراً على أمنها وينبغي أن تعد إثارتها أو الدعوة لها جريمة يعاقب عليها القانون.
ب- العقوبة: يعاقب الشارع السوري على ارتكاب هذه الجريمة بالاعتقال المؤقت، وهي عقوبة جنائية تراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة.
2- نقل الأنباء التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة:
تنص على هذه الجريمة المادة (286) من قانون العقوبات:
«1- يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة.
2- إذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل».
في الواقع تنطوي هذه المادة (286) على جريمتين اثنتين: إحداهما جناية والثانية جنحة:
الجناية: فهي أن ينقل الفاعل في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة. وتسمى هذه الجناية باسم جرم نقل الأنباء المشدد.
الجنحة: هي أن ينقل الفاعل في سورية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة وهو يحسب أنها صحيحة. وتسمى هذه الجنحة باسم جرم نقل الأنباء البسيط.
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: فاعل الجريمة: يستوي في فاعل هذه الجريمة أن يكون سورياً أو أن يكون أجنبياً لأن أحكامها عامة وتشمل الجميع بالعقاب على السواء.
الركن الثاني: زمن ارتكاب الجريمة ومكانه: لا تطبق أحكام المادة (286) إلا إذا كان الفعل الذي يؤلف ركن هذه الجريمة المادي قد ارتكبه فاعله في أحد ظرفين زمنيين اثنين: إما في زمن يكون فيه خطر الحرب محدقاً بالبلاد السورية، وإما في زمن تكون الحرب قد نشبت فعلاً بين قوات الدولة السورية وقوات دولة أجنبية أخرى.
ومن حيث المكان فلا تطبق أحكام المادة (286) ما لم يكن الجرم قد قام به فاعله في الأرض السورية.
الركن الثالث: الركن المادي: نقل الأنباء الكاذبة أو المبالغ فيها: ويتجلى نقل الأنباء بروايتها وإبلاغها ويتم فعل النقل بأي وسيلة وعلى أي وجه أو شكل، فيتم النقل بالكتابة أو الخطابة أو الحديث الشفهي أو استخدام أي وسيلة من وسائل النقل والإذاعة والنشر، وسواء قص الفاعل الخبر الكاذب أو المبالغ فيه في مجلس خاص أم أذاعه على عدد كبير من الناس ممن يعرف ومن لا يعرف.
والأنباء الكاذبة هي جميع الأخبار والبيانات والإشاعات والمعلومات التي لا حقيقة لها أصلاً أو التي طرأ عليها التحريف فطمس معالم الحقيقة فيها. ومثال ذلك إذا كان صاحب النبأ قد اختلق واقعة من الوقائع أو شوه هذه الواقعة كلها أو جزءاً منها، أو حرفها بإضافة زوائد عليها، أو باقتطاع بعضها، أو أسند فعلاً أو قولاً إلى شخص من دون أن يصدر عنه فنبؤه كاذب.
وقد تكون الأنباء صحيحة في الأصل وإنما يتناولها راويها بالتعليق ويضفي عليها خياله وينسج عليها هالات من الإغراق حتى لتنزع المبالغة عنها صحتها وحقيقتها فلا تلقاها الناس إلا على تلك الصورة المصطنعة التي أفرغت فيها. وهذا ما يقصده المشرع من تعبير الأنباء المبالغ فيها.
ولا يكفي من أجل المعاقبة أن يكون الخبر المنقول كاذباً أو مبالغاً فيه وإنما ينبغي أن يكون من شأن الخبر المنقول أن يوهن نفسية الأمة. وهذا تعبير دقيق يصعب تحديد نطاقه وتعيين فحواه. ومهما يكن فإن كل ما يلقي الرعب أو اليأس أو إشاعة روح الانهزام أو الاستسلام يمكن أن يوهن نفسية الأمة.
الركن الرابع: الركن المعنوي: إذا كان من الصحيح أن جرم نقل الأنباء المشدد والبسيط يشتركان في الركن المادي فإنهما يختلفان في الركن المعنوي.
فطبيعة الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (286) تستلزم توافر القصدين العام والخاص معاً. ويتمثل القصد الخاص في إضعاف نفسية الأمة.
فإذا كان لابد لتوافر الركن المعنوي لهذه الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من أن يكون الجاني عالماً بأن الأنباء التي نقلها هي أنباء كاذبة أو مبالغ فيها وأن تتوجه إرادته إلى نشرها وهو مدرك وعالم أن من شأنها أن تحدث في نفسية الأمة وهناً وضعفاً فإن حكم الفقرة الثانية لا يستلزم ذلك، وإنما يشترط على النقيض من ذلك أن يكون الفاعل قد أقدم على نقل الأنباء الكاذبة أو المبالغ فيها التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة وهو يحسب أنها صحيحة فالقصد الجرمي الخاص غير واجب الوجود.
فالعقاب الوارد في الفقرة الثانية من المادة (286) غير جائز التطبيق ما لم يثبت أمران اثنان:
الأول: جهل الفاعل بكذب الأنباء وبما أضفي عليها من مبالغة واعتقاده بأنها حقائق واقعة، والثاني: إدراك الفاعل أن من شأن مثل هذه الأنباء المنقولة إضعاف نفسية الأمة.
ب- العقوبة: من الطبيعي أن يكون الجاني الذي ينقل في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها أنباء من شأنها أن توهن نفسية الأمة وهو يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها أعظم مسؤولية ممن ينقل مثل هذه الأنباء وهو يحسب أنها صحيحة؛ لذلك فرض المشرع على الأول عقوبة جنائية هي الاعتقال المؤقت، وأنزل بالثاني عقوبة جنحية هي عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنين.
3- إذاعة أنباء في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية:
نصت المادة (287) من قانون العقوبات على هذه الجريمة:
«1- كل سوري يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو من مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأقل وبغرامة تتراوح بين خمسين وخمسمئة ليرة.
2- ويمكن المحكمة أن تقضي بنشر الحكم».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: فاعل الجريمة: إن فاعل هذه الجريمة لا يكون إلا سورياً، أما الأجنبي الذي يقترف هذه الجريمة فلا يتناوله نص المادة (287).
الركن الثاني: زمن ارتكاب الجريمة ومكانه: تطبق أحكام المادة (287) في زمن السلم وزمن الحرب على السواء، إلا أن الفعل المادي المكون لهذه الجريمة لا يقع إلا في خارج الأرض السورية.
الركن الثالث: الركن المادي: إذاعة الأنباء الكاذبة أو المبالغ فيها: يقصد بإذاعة الأنباء تداول روايتها وبثها ونشرها بين الناس، ولم يحدد المشرع وسيلة معينة تحصل الإذاعة بها، ولذا تستوي فيها أن تتم بالمقالات أو الخطب، بالكتابة أو القول.
وتقضي الإذاعة أن يتواتر النبأ فينقله الناس بعضهم إلى بعض أو يرويه بعضهم عن بعض، كأن يقوم الفاعل بنقل الخبر الكاذب إلى كل من وجده أو صادفه حتى يستفيض الخبر.
ولا يشترط في الإذاعة أن يبلغ الخبر مسامع الناس أجمعين وإنما ينبغي أن يمتد أثر الإذاعة إلى عدد غير محصور من الأفراد. فإذا قص شخص خبراً كاذباً في مجلس خاص أو رواه عرضاً أو اضطر في حدة النقاش إلى أن يقول ما لا يعتقد فكل ذلك لا يعد إذاعة بالمعنى الذي أراده المشرع في المادة (287) من قانون العقوبات.
وينبغي أن تكون الأنباء المذاعة كاذبة أو مبالغاً فيها، وينبغي فوق ذلك أن يكون من شأنها بحكم طبيعتها وفحواها وتأثيرها أن تنال من هيبة الدولة السورية أو من مكانتها المالية:
أما ما ينال من هيبة الدولة فيتجلى في كل ما يسيء إلى سمعة نظام الحكم أو ينتقص من سلامة الأوضاع الداخلية في البلاد أو من سير الإدارة الحكومية.
وأما ما ينال من مكانة الدولة المالية فيتمثل في كل ما يزعزع الثقة بمتانة نقد الدولة أو بسلامة اقتصادها الوطني أو بضعف اعتبارها المالي أو التجاري في الأسواق العالمية.
ولا يستلزم القانون أن يقع الضرر فعلاً وأن تنال الأنباء المذاعة من هيبة الدولة أو من مكانتها المالية، وإنما يكفي أن يكون ذلك ممكناً ومحتمل الوقوع.
الركن الرابع: الركن المعنوي: ينبغي أن يذيع السوري مثل هذه الأنباء في الخارج وهو عالم أنها كاذبة أو مبالغ فيها ومدرك الخطر الذي يمكن أن تلحقه بهيبة الدولة السورية أو بمكانتها المالية.
ب- العقوبة: إن العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من خمسين إلى خمسمئة ليرة. ويمكن للمحكمة أن تقضي بنشر الحكم.
4- الانخراط في جمعية أو منظمة سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي:
تنص على هذه الجريمة المادة (288) من قانون العقوبات:
«1- من أقدم في سورية دون إذن الحكومة على الانخراط في جمعية سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي أو في منظمة من هذا النوع عوقب بالحبس أو بالإقامة الجبرية من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة تتراوح بين خمس وعشرين ومائتين وخمسين ليرة.
2- لا يمكن أن تنقص عقوبة من تولى في الجمعية أو في المنظمة المذكورتين وظيفة عملية عن السنة حبساً أو إقامة جبرية وعن المائة ليرة غرامة».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الانخراط فوق الأرض السورية في جمعية أو منظمة سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي: ويقصد بالانخراط: الانتماء أو الانتساب أو الانضمام أو الاشتراك في الجمعية أو المنظمة بأي شكل من الأشكال.
أما الجمعية فهي كل جماعة ذات صفة مكونة من عدد من الأشخاص لغرض غير الحصول على ربح مادي. وتمتاز المنظمة من الجمعية بوجود سلسلة من التشكيلات والأجهزة والرتب والمراتب التي يتدرج فيها المنتمون إلى المنظمة، ويقوم نظام المنظمة على أسس معينة من التسلسل الرتبوي وتوزع الأعمال والصلاحيات والأدوار بين أفراد المنظمة وأجهزتها على أساس هذا المبدأ.
وتختلف الجمعيات والمنظمات بحسب اختلاف الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وتتعدد وتتنوع بتعدد الغايات والأغراض التي أنشئت من أجلها. فالجمعية أو المنظمة تعد سياسية إذا كانت ذات هدف سياسي، واجتماعية إذا كانت ذات هدف اجتماعي.
وتكون الجمعية أو المنظمة ذات طابع دولي إذا كانت لا تحصر أهدافها وأعمالها في إطار الدولة الواحدة وإنما تتعداه إلى غيرها فتمارس نشاطها في دولتين فأكثر، وتسعى إلى تحقيق غايات لا تقتصر على قوم دون قوم ولا على رعايا دولة دون دولة، وإنما تصطبغ بالصبغة الدولية الشاملة.
الركن الثاني: عدم موافقة الحكومة: يجب لقيام الجريمة واستحقاق العقاب أن يكون الفاعل قد أقدم على الانخراط في الجمعية أو المنظمة ذات الطابع الدولي من دون إذن الحكومة ولا ترخيص منها.
الركن الثالث: الركن المعنوي: لا يتطلب المشرع لهذه الجريمة سوى القصد الجرمي العام، ويتجلى هذا القصد في أن يكون الفاعل مريداً الانتساب إلى الجمعية أو المنظمة السياسية أو الاجتماعية ذات الطابع الدولي، وعالماً بذلك.
ب- العقوبة: إن المادة (288) من قانون العقوبات تعاقب فاعل هذه الجريمة بالحبس أو بالإقامة الجبرية من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تراوح بين خمس وعشرين ومئتين وخمسين ليرة. وتفرض هذه العقوبة على من يصبح عضواً عادياً أو منتسباً بسيطاً أو مجرد منظم إلى الجمعية أو المنظمة.
فضلاً عن ذلك جعل المشرع السوري مسؤولية الأعضاء الذين يحتلون مناصب القيادة والإدارة والتوجيه في الجمعية أو المنظمة أعظم من مسؤولية الأعضاء العاديين، ولذلك شدد العقوبة على من يتولى وظيفة عملية في الجمعية أو المنظمة وأوجب ألا تنقص عن السنة حبساً أو إقامة جبرية وعن المئة ليرة غرامة.
سادساً- جرائم المتعهدين:
تشتمل جرائم المتعهدين المنصوص عليها في قانون العقوبات على الجرمين التاليين:
الأول: امتناع المتعهدين أو تأخرهم عن تنفيذ التزاماتهم، والثاني هو ارتكاب المتعهدين الغش في تنفيذ التزاماتهم.
1- جريمة امتناع المتعهدين أو تأخرهم عن تنفيذ التزاماتهم: تنص على هذه الجريمة المادة (289) من قانون العقوبات:
«1- من لم ينفذ في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها جميع الموجبات التي يفرضها عليه عقد تعهد أو استصناع أو تقديم خدمات تتعلق بالدفاع الوطني أو مصالح الدولة العامة أو تموين الأهلين يعاقب بالاعتقال المؤقت وبغرامة تتراوح بين قيمة الموجب غير المنفذ وضعفيها على ألا تنقص عن خمسمائة ليرة.
2- إذا كان عدم التنفيذ ناجماً عن خطأ غير مقصود عوقب الفاعل بالحبس فضلاً عن الغرامة المعينة في الفقرة السابقة.
3- يخفض نصف العقوبات المنصوص عليها في هذه المادة إذا كان التنفيذ قد تأخر فقط.
4- وتفرض هذه العقوبات بفوارقها السابقة على أي شخص آخر كان سبباً في عدم تنفيذ العقد أو في تأخير تنفيذه».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: الامتناع أو التأخر عن تنفيذ جميع الموجبات التي يفرضها عقد من عقود التعهد أو الاستصناع أو تقديم الخدمات: ويمكن تعريف الموجب أو الالتزام المنصوص عليه في هذه المادة بأنه رابطة قانونية يجب فيها على شخص معين أن يقوم بعمل منصوص عليه في أحـــــــــــــــــد العقود المذكـــــــــــــورة في المادة (289) من قانون العقوبات.
وقد عين المشرع السوري في المادة (289) عدداً من العقود، وأوجب العقاب على الامتناع عن تنفيذ الالتزامات الناشئة عن أي منها، وعلى التأخر في تنفيذها، وهذه العقود هي:
عقد التعهد: وهو عقد يتعهد بمقتضاه شخص معين بتوريد أشياء منقولة لإحدى الإدارات العامة وتسليمها إياها مقابل ثمن متفق عليه. أما عقد الاستصناع: فهو عقد يتعهد بموجبه أحد أهل الصنائع بأن يصنع شيئاً مقابل مبلغ نقدي. أما عقد تقديم الخدمات فيمكن أن ينصرف هذا التعبير الغامض إلى عدة عقود مثل عقد العمل وعقد الأشغال العامة وعقد المرافق العامة.
والمفروض أن يقوم المتعهد المتعاقد مع الدولة في خلال الحرب أو عند توقع نشوبها بجميع الالتزامات التي يوجبها عليه عقـــــــــــــد من العقود المذكـــــــــــــــورة في صلب المادة (289)، فإذا امتنع أو تأخر عن تنفيذ هذه الالتزامات كلها أو بعضها فإنه يُسأل جزائياً ويعاقب بمقتضى المادة (289).
وإن عدم التنفيذ المعاقب عليه إنما هو ذاك الذي يحصل بغير موجب أو مبرر أو عذر، أما إذا أصبح التنفيذ مستحيلاً بسبب قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو لأي سبب أجنبي آخر لا يد للمتعهد فيه ولا سبيل إلى دفعه فإن الالتزامات الناشئة من العقد تنقضي من دون الوفاء بها. وبالتالي لا عقاب على عدم التنفيذ ولا سبيل إلى تطبيق المادة (289).
أما التأخر في التنفيذ فيستلزم أن يكون في العقد أجل معين أو موعد مضروب للوفاء بالالتزامات التي يتعهد بها المتعاقد ثم يفوت الأجل ويمضي الموعد ويفي المتعهد بالتزاماته ولكن بعد فوات الأوان. وهذا التأخر في التنفيذ لا يعني الامتناع عن التنفيذ وإنما يعني التنفيذ بعد فوات الأجل المضروب. والحكمة من العقاب أن التأخر في التنفيذ يمكن أن يلحق الأضرار بالدولة.
الركن الثاني: موضوع العقد: تأمين حاجات الدفاع الوطني أو مصالح الدولة العامة، أو تموين الأهلين: يجب أن يكون المتعهد قد ارتبط مع إدارات الدولة المختصة في عقد من العقود المعينة في المادة (289) من أجل تأمين حاجات الدفاع الوطني أو أي مرفق من مرافق الدولة العامة أو من أجل تموين الأهلين.
أما الحاجات التي تتعلق بالدفاع الوطني فهي استصناع الأسلحة والذخائر والعُدد، وإنشاء المباني والخنادق والأسلاك والجسور والسفن والطائرات والبوارج وغير ذلك مما يحتاج إليه الجيش المحارب والقوى المسلحة التابعة له من معدات الحرب البرية أو البحرية أو الجوية. ويلحق بذلك أيضاً إعداد منشآت الدفاع المدني كإنشاء المخابئ والملاجئ التي تحمي المدنيين من شر الغارات الجوية.
أما ما يتعلق بمصالح الدولة العامة وبتموين الأهلين فلا يكاد يحصيه عد ولا حصر.
ولا فرق بين أن تكون الحاجة إلى شيء مما تقدم هي حاجة حاضرة لازمة لاستخدامها والانتفاع بها على الفور، أو أن تكون حاجة مستقبلة قدرت الدولة لزومها ولمست ضرورتها.
الركن الثالث: الركن المعنوي: يبدو من تدقيق نص المادة (289) أنها تنطوي على جرائم مقصودة وعلى جرائم غير مقصودة:
فالفقرتان الأولى والثالثة من هذه المادة تنصان على الامتناع أو التأخر عن تنفيذ الالتزامات الناشئة من العقد قصداً، ولذلك يكفي لقيام الركن المعنوي في الجريمة المنصوص عليها في هذه الفقرة توافر القصد العام.
أما الفقرتان الثانية والرابعة فتنصان على الامتناع أو التأخر عن تنفيذ الالتزامات الناشئة من العقد خطأً، فإذا أُسند إلى الفاعل إهمال أو تقصير فيجب أن يقوم الدليل القاطع على أن هذا الإهمال أو التقصير ذاته هو الذي أفضى إلى عدم تنفيذ الالتزامات الناشئة من عقد من العقود التي حددها المشرع.
ب- العقوبة: إن العقاب المحدد لجريمة الامتناع المقصود عن التنفيذ هو الاعتقال المؤقت بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة، والغرامة التي ترواح بين قيمة الموجب غير المنفذ وضعفيها على ألا تنقص عن خمسمئة ليرة.
أما العقاب على عدم التنفيذ غير المقصود فهو الحبس من عشرة أيام إلى ثلاث سنوات، والغرامة التي ترواح بين قيمة الموجب غير المنفذ وضعفيها على ألا تنقص عن خمسمئة ليرة.
وبالنسبة إلى العقوبة التي فرضها المشرع على جريمة التأخر المقصود عن التنفيذ فتعادل نصف العقوبة المقررة لجريمة عدم التنفيذ المقصود. وعلى ذلك تغدو العقوبة المحددة لجريمة التأخر المقصود هي الاعتقال المؤقت من سنة ونصف السنة، حتى سبع سنوات ونصف السنة، والغرامة التي تراوح بين نصف قيمة الموجب غير المنفذ وقيمة الالتزام كاملةً على أن لا تنقص عن مئتين وخمسين ليرة.
وفيما يتعلق بالعقوبة التي فرضها المشرع على جريمة التأخر غير المقصود عن التنفيذ فتعادل نصف العقوبة المقررة لجريمة عدم التنفيذ غير المقصود. وعلى ذلك تغدو العقوبة المحددة لجريمة التأخر غير المقصود هي الحبس من خمسة أيام إلى سنة ونصف السنة والغرامة التي ترواح بين نصف قيمة الموجب غير المنفذ وقيمة الالتزام كاملةً.
2- جريمة ارتكاب المتعهدين الغش في تنفيذ التزاماتهم:
تنص المادة (290) من قانون العقوبات على هذه الجريمة:
«كل غش يقترف في الأحوال نفسها بشأن العقود المشار إليها في المادة السابقة يعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة، وبغرامة تتراوح بين ضعفي الربح غير المشروع الذي جناه المجرم وثلاثة أضعافه على أن لا تنقص عن خمسمائة ليرة».
أ- أركان الجريمة: يتألف النموذج القانوني لهذه الجريمة من الأركان التالية:
الركن الأول: الركن المادي: اقتراف فعل من أفعال الغش في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها: تعاقب المادة (290) من قانون العقوبات على الغش في تنفيذ الالتزامات الناشئة من عقد من العقود التي عينها المشرع في صلب المادة (289).
وقد ورد لفظ الغش في النص القانوني مطلقاً من أي قيد أو وصف، فكل غش يلجأ إليه المتعهد يكون كافياً لقيام الركن المادي في الجريمة.
ويدخل في حكم المادة (290) كل غش في إنجاز الأعمال أو في الأشغال المسلمة أو في كميتها أو عياراتها أو عددها أو وزنها، أو في طبيعة البضاعة أو المواد المتفق عليها أو في صفاتها الجوهرية أو طريقة صنعها أو مصدرها أو نوعها.
فلأفعال الغش صور شتى وطرائق وأساليب كثيرة لم يشأ المشرع تحديدها حتى يتسع النص لكل ما يمكن أن ينجم عن الإنسان الذي يسعى إلى الكسب الحرام.
ويتجلى الضرر في هذه الجريمة في النقص أو العيب الذي يصيب الأشياء أو المواد المغشوشة فيجعلها غير صالحة لأن ينتفع بها على الوجه المعتاد، كما قد يتمثل الضرر أيضاً في الخسائر التي تلحق بالخزانة العامة من جراء تحمل مبالغ بغير حق.
الركن الثاني: اقتراف فعل الغش في تنفيذ عقد من عقود التعهد أو الاستصناع أو تقديم الخدمات: يجب أن تتعلق هذه العقود بالدفاع الوطني أو مصالح الدولة العامة أو تموين الأهلين.
الركن الثالث: الركن المعنوي: إن جريمة الغش التي نصت عليها المادة (290) من قانون العقوبات هي من الجرائم المقصودة ويكفي لقيام الركن المعنوي توافر القصد العام، ولا تستلزم قصداً جرمياً خاصاً.
ومن الجدير بالذكر أن الفاعل إذا ارتكب الغش في المنشآت أو الأشياء ذات الطابع العسكري أو المعدة لاستعمال الجيش أو القوات التابعة له وهو يقصد شل الدفاع الوطني جاز أن تطبق على فعلته هذه أحكام المادة (266) من قانون العقوبات.
أما إذا اقترف الجاني جريمة الغش نتيجة اتصاله بالعدو وبقصد معاونته على فوز قواته جاز الأخذ بأحكام المادة (265) من قانون العقوبات.
ب- العقوبة: فرض المشرع على مرتكب الغش في تنفيذ عقد من العقود المبينة في المادة (289) عقوبة جنائية هي الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة التي تتراوح بين ضعفي الربح غير المشروع الذي جناه المجرم وثلاثة أضعافه على ألا تنقص عن خمسمئة ليرة.
( الموسوعة العربية- عيسى مخول)+ دراستنا الجامعية في القانون العام بجامعة دمشق والدكتوراة في القانون الدولي العام.
مراجع البحث
– جاك الحكيم ورياض الخاني، شرح قانون العقوبات (مطبعة جامعة دمشق، 1993).
– جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الثالث (القاهرة).
– علي راشد، الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية: جرائم الإخلال بالأمن الخارجي (القاهرة 1955).
– محمد الفاضل، الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي (مطبعة جامعة دمشق، 1965).
– محمود إبراهيم إسماعيل، الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج (القاهرة 1953).
– محمود زكي شمس، شرح قانون العقوبات (مطبعة الداودي، 2007).