سميراميس… أعظم ملكات الشرق
هي من امرت بأن يحفر على قبرها بعد الممات هذا القول العجيب
“ان الطبيعة خلقتني امرأة ولكن اعمالي ساوتني باشجع الرجال”.
هذه اسطورة الملكة الاشورية سميراميس التي عرفت باسم “سمى رمات” فكثيراً ما ترد اخبارها في التاريخ الاشوري عرضا بشكل اسطورة اقرب إلى الحقيقة.. و”سمى” تعني محبوبة و”رمات” حمام، فيكون اسمها “محبوبة الحمام” وفي رواية اخرى يًعتقد ان هذا الاسم هو التحريف الاغريقي غير المقصود بسبب التداول للإسم الاصلي ” سمور امات” ويعني ” سيدة البلاط الملكي”
فبعد سقوط زوجها “شمشي أدد الخامس” في معركة ضد بابل، تسلمت سميراميس السلطة في آشور، عوضاً عن ابنها القاصر “أدد نيراري الثالث”، وحكمت خمس سنوات (811- 806 ق.م)، تمكنت خلالها من إدارة دفة الحكم ببراعة نادرة، والحفاظ على النفوذ الآشوري. وسلمت السلطة لابنها بعد بلوغه السن التي مكنته من اعتلاء العرش الآشوري.
تؤكد الدراسة أن سميراميس كانت سورية من أصل آرامي، إذ كان الآراميون يشكلون الغالبية العظمى من سكان سورية القديمة في الألف الأول قبل الميلاد. ونظراً الى نجاحها في إدارة شؤون الدولة الآشورية وتنفيذ مشاريع عمرانية مختلفة، ذاعت شهرتها في معظم أرجاء العالم القديم، وحاول كل شعب الادعاء أنها تنتمي إليه. فالبابليون قالوا إنها بابلية، والإيرانيون قالوا إنها إيرانية، والأرمن نسبوها إليهم…
سميرا ميس «الأجمل والأقسى والأقوى والأحيل بين ملكات الشرق». ولهذا دارت حولها أحاديث كثيرة ونُسبت إليها أعمال مدعاة للفخر كالحروب وتأسيس المدن، وبناء بابل المدينة الشهيرة بحدائقها المعلقة. وهذا الادعاء الأخير جعل باحثي العصور القديمة ينقسمون إلى قسمين، قسم يرى أن سميراميس هي بانية هذه المنشأة الرائعة، وآخر يعتبر أن مثل هذا الادعاء غير صحيح تاريخياً، وأن الحدائق المعلقة الرائعة في بابل هي من عمل حكام آخرين.
أن موت الزوج شمشي أدد المبكر تحت أسوار بابل، وعمر الإبن الصغير أدد نيراري ولّدا فراغاً مفاجئاً في السلطة في بلاد آشور، فحلّت سمورامات مكان زوجها القتيل بسرعة، وقضت وهي على رأس الجيش الآشوري، على التمرد البابلي. وقد أقنع هذا التصرف السريع والسديد المجتمع الآشوري، المعتمد كلياً على الرجل، بأن سمورامات قادرة على قيادة البلاد في هذه الساعة الصعبة، فمنحها كبار رجالات الدولة، خصوصاً نائب القائد العام، والمفتش الكبير، وكبير السقاة، ومنادي القصر، ثقتهم ودعمهم.
أن حكمة هذه المرأة، التي وصلت بمحض الصدفة إلى أكثر عرش رهبةً في الشرق القديم، تظهر في حذرها الذي مارسته في السلطة، فقد تخلت عن إصلاحات محرجة قد تثير الدوائر التقليدية، فمارست نفوذها بهدوء.
لكن بابل التي بنتها سميراميس، بحسب وصف بعض المؤرخين، قد أجمع العلماء على أنها المدينة التي بناها نبوخذ نصر الثاني، وقد عرف الناس منذ العصور القديمة أنها ليست من صنع سميراميس. وعندما دخلت هذه الأسطورة كمؤسسة لبابل، كان ذلك الأمر يتضمن جزءاً من الحقيقة. فسمورامات التي تمنت تلاقي الآشوريين والبابليين، شجعت ذلك بإدخال عبادة نابو ومردوك إلى بلاد آشور، وقد كافأتها الرواية الأسطورية بالاعتراف لها بالمجد بأن تكون «خالقة بابل». أما حدائق بابل المعلقة التي كانت تصنف ضمن عجائب الدنيا السبع، فقد نسبها مؤرخون وعلماء كثر الى سميراميس. وبحسب الكتاب، لا تذكر الكتابات الآشورية شيئاً عن مشاريع بناء سمورامات، لأن الملك وحده، في التقاليد الآشورية، يقوم بأعمال البناء كلها، سواء كانت ذات طبيعة عسكرية أو مدنية، ومن حسن حظ سمورامات أنها خرقت التقاليد بفخامة نصبها الذي نقشت فيه إسمها ولقبها الذي شرع تسلّمها السلطة.
أن سميراميس لم تكن تريد البقاء كمؤسسة لأعمال اجتماعية كبيرة فحسب، بل أيضاً كمحققة لأعمال عسكرية مهمة، لذلك سارت بجيشها إلى ميديا وفارس، ولم تعترضها أي مقاومة تذكر، فاستطاعت متابعة مشاريعها العمرانية السلمية. وقد وصلت بقواتها الى مصر وأثيوبيا وليبيا، لكنها لم تكن راضية لأنها أرادت القيام بعملية عسكرية تخلّدها، لذلك قررت أن تبدأ حرباً ضد الهند، بعد أن سمعت «أن شعب الهند هو الأكبر بين الشعوب التي تسكن بلدان الأرض، ويملك البلد الأوسع والأجمل».
وقد جاء وقت أصبح من الضروري إجراء إصلاح جذري للحياة الاجتماعية وتغيير النظرة إلى الحياة والتفكير، وهذا ما هدف إليه تماماً إصلاح الحياة الدينية الذي قادته سميراميس.
وببناء معابد للإله البابلي نابو في كلخو ونينوى، أدخل هذا الإله في التصور الديني الآشوري بشكل احتفالي. وكان الهدف من ذلك المساعدة في عبور الفجوة ما بين الآشوريين والبابليين في التفكير والشعور، وهو الاختلاف الذي كان يفصل الآشوريين الأقوياء والحربيين عن البابليين ذوي الميول الثقافية والروحية. فقد طمحت سمورامات كسياسية، ليس إلى إصلاح ديني فحسب، بل إلى إصلاح عام بين الدولتين، وكان الهدف النهائي تقريب كلا المملكتين من بعضهما، والعمل على اتحادهما. وذلك يضمن استمرار حياة بلاد آشور على المدى الطويل، ويؤكد قوة شعوب بلاد ما بين النهرين. في هذا السياق، ولذلك فأن هذا الأمر يبرهن أن سمورامات موجهة ذكية وبعيدة النظر للدولة، وأنها أعظم ملكة في الممالك الشرقية كافة، إن لم يكن في العصور كلها. وقد أدرك البابليون الأهمية الحقيقية لسميراميس، التي لم تكن قوية في الحرب كالرجل فحسب، بل أيضاً كانت سياسية بارعة، لذلك احتفظوا بذكراها في عقولهم. وهكذا انتشرت أسطورة سميراميس.
أن تأثير سمورامات لم يتوقف مع انتهاء مدة حكمها، بل استمرت في التدخل بشؤون الدولة حتى بعد أن أصبح أدد نيراري ملكاً. ولأنها هي من عيّن مجالس الكبار في الأمبراطورية، وحكام المقاطعات، فإن سياستها استمرت في التأثير لمدة طويلة، وبقي ظلها على الإبن حتى وفاتها عام 785ق.م.
و طوال مدة حكمها،عرفت سميرا ميس بقراراتها الحكيمة في السياسة الداخلية كما في الخارجية، لم تخذل الآشوريين الذين وهبوها ثقتهم، وأن هذه المرأة من منطقة البحر المتوسط فهمت كيف تحكم جيداً …..