خربشات سياسية…25/11/2020
حكمة…
ان اردت تدمير امة ففرقها بالطائفية…
أراد حكيم القصر أن يعطي الأمير الصغير ولي العهد الجديد درسا في الحياة
فسأله: مولاي ما هو المعدن الذي يستهويك، ويستميلك من مختلف المعادن؟
فأجاب الأمير الصغير بثقة: الذهب بالطبع.
فسأله مرة أخرى : ولِمَ الذهب؟
فأجاب بثقة أكثر من سابقتها: لأنه ثمين وغالٍ، وهو المعدن الذي يليق بالملوك.
صمت الحكيم لساعته، ولم يُجب…
ثم ذهب الى الخدم، و قال لهم: اصنعوا لي تمثالين بنفس الشكل، ولكن أحدهما من الذهب الخالص، والآخر من الطبشور، واطلوا الأخير بطلاء ذهبي ليبدو كأنه من الذهب الخالص.
بعد يومين، أتى الحكيم بالأمير أمام التمثالين، وقد غطاهما، فنزع الغطاء عن التمثالين، فانبهرالأمير لجمال صنعهما وإتقانهما.
فسأل الحكيم: ما رأي الأمير بما يرى؟
فأجاب الأمير: إنهما تمثالين رائعين من الذهب الخالص.
فقال الحكيم: دقق يا مولاي ألا ترى فرقا بينهما؟
فقال: كلا.
فكررالحكيم: أمتأكدٌ أنت يا مولاي؟.
احتد الأمير، وقال بغضب: قلت لك كلا، لم أرَ أي فرق بينهما، ألا تدرك أن كلام الملوك لا يعاد…!
فأشار الحكيم الى خادم كان يمسك بدلو ماء، فرشق الخادم الماء على التمثالين بقوة فصعق الأميرعندما رأى تمثال الطبشور يتلاشى… ولكن تمثال الذهب كان يزداد لمعانا.
فقال الحكيم: مولاي، هكذا حال الناس…
عند الشدائد من كان معدنه من ذهب يزداد لمعاناً، ومن كان من طبشور يتلاشى كأنه لا شيء!
وتابع: ليس هناك بشر تتغير، وإنما هي أقنعة تسقط، وحقيقة تظهر، وغشاوة تزول عن العيون.
ونحن نقيس الموضوع على واقعنا السوري منذ ما اسموه” الربيع العربي”
نقول بكل ألم وحسرة بعد هذا الكلام، إن ما رأيناه في مناطق كثيرة من وطننا الحبيب سورية، من حقد وتشفٍ، واحتفالاتٍ و تباهٍ بالرؤوس المقطوعة للسوريين سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، ومشاهد حزها كما حصل في تدمر والسخنة والرقة ودير الزور وحلب وادلب وحوران بيد أحداث يسمونهم ” اشبال الخلافة” من داعش ونصرة وتحرير الشام و..1200 فصيل ارهابي قدر الغرب عددهم بنصف مليون قاتل وارهابي وتكفيري من كل الجنسيات… وفي مناطق كثيرة جداً في ادلب وجسر الشغور والرقة بتعليق رؤوس ابناء جيشنا المدافعين عن الرقة معلقة على حراب سور الحديقة العامة فيها، مايندى له جبين البشرية خجلاً…وتقشعر معه الابدان…وقطع رأس الطفل الفلسطيني لمجرد ان ابيه من الفلسطينيين المدافعين عن وحدة سورية من جيش التحرير الفلسطيني، لقد قطعوا رأس الطفل المسكين وهو عاجزبنتيجة كسر في فخذه ملفوفاً بالجبس لايستطيع حراكاً وكانوا يضحكون ويتهللون فحملوه وقطعوا رأسه ولعبوا به كرة قدم كما كل الجنود والكهنة الذين قطعوا رؤوسهم!!!
ما رأيناه في معلولا من إعدام فردي لأربعة مسيحيين من سكانها منهم شيخ طاعن في السن وثلاثة شبان ورجال رفضوا اعتناق الاسلام، وكذلك عائلة مسيحية من الحسكة تم شنق الامرأة وطفليها للسبب ذاته وقطع رؤوس الكهنة ووضعها على ظهورهم… وآخرهم قبل سنة للكاهن الارمني الكاثوليكي مع والده وكان يتابع اعادة ترميم مادمره حقدهم الطائفي في ارجاء الحسكة…
ماعشناه من دمار معلولا ونبش قبر القديسة تقلا، وسوق راهباتها مخطوفات، وخطف مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، وكهنة ومنذحوالي ثمان سنوات… وتدمير كل القرى المسيحية والكنائس والأديرة وبلغ عدد هذه المعابد المدمرة رغم قلتها 65 دير وكنيسة وتهجير المسيحيين…
لهو تطهير عرقي ديني مذهبي… مدعوماً بالمال من اعراب ومخطط له من الصهيونية لتدمير سورية ومن تركيا الطامعة في كل الشمال السوري… وبغطاء دولي يهمه تفريغ سورية كما المشرق من المسيحيين ونثرهم لاجئين في كل بقاع الكون…وقد بدأ المخطط في فلسطين المحتلة منذ 1948، وثنى في لبنان بالحرب اللبنانية منذ 1975 وحتى الآن مروراً بالعراق وسورية ومانعيشه فيها من كوارث مع البقية القلة المسيحية المرتاعة في الصومال وباكستان ونيجيريا والدور على مصر ولبنان والسودان مجدداً يتم تجديده دوماً…
ما رأيناه من مشاهد لأطفال، وشباب يتراكضون لتصوير الحدث العظيم المتمثل بالصلب أوالجلد، وآخرها في تدمر، حيث احتشدوا في المسرح يحتفلون بالمجزرة وتم فيها قطع رؤوس 26 جندياً بريئاً من ملائكة الجيش السوري (وهو ذنبهم) من حامية تدمر تم اسرهم، واعدموا في المسرح حيث كانت تقام مسرحيات وعروض فنية من عهد زنوبيا … والى وقتنا الحاضر حيث كانت تقام فيه الفعاليات الغنائية في مهرجان البادية ليس وبقليل من التفكير هي ليست فكرة طارئة، كما نحب أن نتوهم وقد ولدتها الحرب، بل في الحقيقة، هي موروث مخيف من الحقد ينتقل جيلاً بعد جيل، يتشربه الصغارمن الكبار، ويخفونه في صدورهم وأدمغتهم، حتى يجد فرصة للظهور كما حدث ويحدث الان في سورية، ومن كان يصدق ان يبرز كل هذا الحقد الطائفي والديني والمناطقي المهول والمرعب؟
صباح يوم الاحد الماضي وفي الساعة السادسة والربع صباحاً كنت خارجاً من بيتي واسير في حي القصاع مقابل المستشفى الافرنسي كان يسير ورائي شخص رث الثياب بيده عصا غليظة… لا اعلم ان كان موتوراً جاهلاً او معتوها !!!
كان يصرخ بملء صوته:” اعطونا من مصاريكم بكرا بدكن تموتوا وتتركوا كل شي” ويكررها باستمرار… وعندما وصل الى محاذاتي وبالمصادفة كنت قد صرت بجانب الكنيسة في القصاع نظر الي وقال بنفس الصوت العالي:” مابدكن تدفعوا بكرا بدكن تموتو…بدكن تموتو وتتركولنا كل شي… الله يموت كل النصارى المسيحيين” ويكررها بصوت عالٍ وختمها بتكرار صرخته ثم:” الله يموتكن كلكن يامسيحيين ويموت قسيسكم ونبيكم…” وكان قد وصل الى زاوية المستشفى ثم التف الى جهة صالة المجد للخضار وتابع سيره وهو يصرخ مرددا كل الشريط مع مسبات وتمنيات بموت المسيحيين ليتركوا كل شيء له ولأمثاله…!
الطائفية والخيانة وبيع الأوطان وتهجير وذبح الشقيق في الوطن الذي من غير الدين والطائفة والمذهب، لا تأتي بين ليلة و ضحاها، احتراف نحر الأعناق بكل متعة ليس وليد الصدفة، الاستمتاع برؤية النحر، وقطع اثداء السبايا من مسيحييات وايزيديات، وترتيب الدور في جهاد النكاح، وبيعهن في اسواق النخاسة كالعبيد بمبلغ يتراوح بين 500 الى الفي دولار اميركي، وتقديم سبية جائزة لمن كان الأول في حفظ القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك…
صلب البشر، ومن كل الأعمار حتى لو كانوا أطفالاً، وقتل السيدات بتهمة الدعارة وكله يترافق بالتهليل، والتكبير، لا يأتي بين ليلة وضحاها، فهناك مخزون من الحقد والكره لم نكن نعرفه عندنا نحن السوريون،( ربما على مايبدو كان موروثاً ومختبأ بين الاضلع) لكنه قد انفجر في وجوهنا.
اين كان مستتراً كل هذا الحقد؟
ليس منطقياً ان نسنده على الأغراب فقط! البيئة الحاضنة في سورية هي من اوجد هذا الغل والحقد الطائفي…
لن ينفع الدعاء في أن تعود سورية كما كانت، فنحن لا نريدها أن تعود كما كانت و نعود لنصاحب وحوش مستترة تحت أقنعة بشرية دواعش مستترة، نحن نريد سورية خالية من وباء الطائفية، والشعوبية نحن سوريون فيجب ان تكون سوريتنا صحيحة ومعافاة، سورية هي وطن للسوريين، خالِ من الكاذبين المنتحلي صفة السورية وهي منهم براء، لأننا نعرفها لم تكن تُعرف الا بالمحبة ( ربما كنا كاذبين في شعورنا كما اظهرت لنا الاحداث وخاصة منها الطائفية خلال السنوات العشر العجاف، اما مامر من مآس مشابهة كما في مذبحة حلب والبقاع ومعلولا الطائفية العام 1850، وفي مذبحة 1860 الشهيرة في دمشق وجبل الشيخ والزبداني والغوطة وافرغت كل البلدات واولها دوما وحرستا وزملكا وسوق وادي بردى وثلاثة ارباع سكان الزبداني وعربين وحرستا وصيدنايا ومحيطهافهي من صنع اولئك ومن صنع دولة باغية حكمتنا اربعة قرون استبدادية مظلمة هي عصور الانحطاط العثماني… وافرغت آسيا الصغرى من المسيحيين بكل طوائفهم اعتباراً من الثلث الأخير من القرن 19 وحتى 1922 فأصبحت المسيحية في هذه المنطقة الجغرافية التي شهدت لكل التاريخ المسيحي ومجامعه المقدسة وانتشاره الى عمق اقصى الشرق ارض انطاكية العظمى وقد استشهد فيها اكثر من اربعة ملايين مسيحي مع تهجير لمن بقي حياً بعد سبي نسائهم وغلمانهم… وتدمير كنائسهم واديارهم فهي نتاج لمخزون فكري وديني متعصب بغيض صنعه تجار الدين و ناشري الأوبئة الاجتماعية، وطن لا يخاف الإنسان على رأسه اذا صادف في طريقه واحدا من المؤمنين أن الله أعطاه توكيلا بالقتل باسمه، من اعطاك ايها القاتل باسم الدين ان تزهق ارواح وتقطع رؤوس وتسبي نساء ولمجرد انهم كانوا من غير طائفتك ومذهبك، لو شاء ربك لخلق الجميع واحداً ، ولوشاء ربك لما ترك المسيحية تسير ستة قرون لياتي بعدها الاسلام ويسيران جنباً الى جنب في خدمته تعالى ولكان قد قضى على المسيحية بدل ان يبيح لك تفكيرها، كما رددت على من كفرنا ويكفرنا…
بكل اسف استذكر كل هذه المآسي رغم ان الربع الاخير من القرن العشرين كان يضخ بالحوار الاسلامي -المسيحي على مستوى سورية ولبنان وكنت عضوا في لجان الحوار المحلية بدمشق، ولكنها بكل اسف لم تكن ذات فاعلية اذ بعد المؤتمر الذي يمتد الى ثلاثة ايام ويختم بمائدة حافلة ويتم التصوير للمشايخ والكهنة ويختم بتوصيات للعيش المشترك ترفع الى رئاسة الدولة ولكنها تمسي في الادراج ولايزال الحقد المستتر يعشش في الصدور ويتفرخ “وكأنك يا ابوزيد لارحت ولاغزيت…!” الى ان كان وقت ظهوره المدمر تجاه فريق عزيز من ابناء الوطن من المسلمين ليمتد الى المسيحيين ويضربه خطفا واتاوات وقتلا وتهجيرا وتدميرا وسبيا مع مطلع مااسموه الربيع العربي الذي حمل افكار محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية ومعظم التيار السلفي والازهري الى السطح… وكأن الله اقام ارباب هذه الداعشية التي تتناسخ وكلاء عنه في الحكم والقتل لغير الذي على مذهبهم…فكيف يبقى الشباب والصبايا والعائلات الفتية من المسيحيين وهم يستشعرون بمرارة المآسي الطائفية المتكررة على يد اخوة لهم يصطفون بالألاف على ابواب الكنائس والبطريركيات ليأخذوا المعونات ويعمل بعضهم في هذه المؤسسات كما في العلاقات المسكونية والبطريركية الارثوذكسية منذ 2003 زمن اجتياح العراق ومن ثم 2011 منذ البدء بذبح سورية وعلى حساب ابناء الكنيسة وهم اكثر فقراً من الذين يتناولون المساعدات ويتم تأهيلهم واعادة بناء بيوتهم من مال الكنيسة والتي تقوم بذلك نحو ابن الوطن بغض النظر عن الدين والمذهب ومنذ البطريرك العظيم غريغوريوس حداد مطعم الجياع في السفر برلك 1914-1918وصاحب المقولة الصرخة وقتها:”الدين لله والوطن للجميع” قبل ان يتشدق بها كل السياسيين وسواهم من الكاذبين ويتشدقون بنحلها لأنفسهم وفي الواقع هم منها براء…!
لقد جيروا الحرب في كاراباخ بين الارمن والأذريين على انها حرب صليبية وتناسوا انها حرب وطنية وانتصروا للأتراك كونهم مسلمين ناسين اربعة قرون من الخوازيق والمشانق بحق السوريين والعرب وكل القوميات والاديان والمذاهب كما هللوا لأردوغان “مخلص الاسلام والمحرر الجديد لآيا صوفيا”… وهي بالأساس الكاتدرائية الشهيدة ذات الالف سنة من العمر المسيحي الزاهي.
بكل اسف…استغرب لم كل هذا الغل الديني؟
ختاماً اتوق ويتوق الكل ان نعيش في وطن، يعيش فيه المؤمن إيمانه، ويحترم أديان الآخرين ومعتقداتهم الروحية وحتى السياسية الا ماكان منها مخلاً بالآداب العامة وهذا يترك أمره للدستور والقانون، وطن يتسع للجميع الجميع سواسية في تولي وظائفه وادارته بعيدا عن الطائفية السياسية والمحاصصة والنسب…
وطن لا نسمع فيه بإسم ثورةٍ سوريةٍ قادتُها من عداد المؤهلين لخدمة الكيان الاسرائيلي…والتركي… والاميركي ويتلقون منهم التمويل والتدريب، هؤلاء الذين يهمهم دمار سورية وحوها من الخارطة بدولات طائفية محكومة من هؤلاء الأعداء.
ليكن ذكرك مؤبدا ايها البطريرك العظيم غريغوريوس حداد على صرختك الخالدة:
“الدين لله والوطن للجميع “…
اخوتي في الوطن
احترموا وطناً ترابه تقدّس بدماء الشهداء من كل الاديان والطوائف…