سليم قبعين
مدرسٌ وصحفيٌّ وأديبٌ وشاعرٌ ومؤرِّخ فلسطيني، ويُعدُّ من أوائلِ المترجِمينَ العربِ الذين عرَّفوا القارئَ العربيَّ بالفكرِ والأدبِ الروسيِّ — من لغتِه إلى اللغةِ العربيةِ مباشَرةً — في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين؛ حيث قطعَ شوطًا طويلًا في هذا المِضمار. ومثَّلَ «قبعين» علامةً فارقةً في أدبِ عصرِه وشكَّلَ الاتجاهاتِ الأدبيةَ والفكريةَ لتلك الحِقْبة.
وُلِدَ «سليم بن يوسف قبعين» بمدينةِ الناصرةِ في فلسطين عامَ 1870م. من عائلة مسيحية ارثوذكسية مكينة في ايمانها و ما زال بعض افراد عائلته عائلة قبعين يقيمون إلى يومنا هذا في الناصرة.
تلقى سليم قبعين دراسته الاولى في مدرسة كنيسة البلدة الارثوذكسية ثم تابع في دار المعلمين الارثوذكسية في الناصرة التي كانت قد اقامتها الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية (1) وكان من اوائل الخريجين بهذه المدرسة. بعد تخرجه عام 1896عمل في مهنة التعليم ومدرساً للُّغةِ الروسيةِ في مدرسةِ «المجديل» الابتدائية.
عُرف قبعين بولعه في القراءة والأدب. كان ينشر تعليقه على ما يقرأ في مجلسة “الجامعة” التي أسسها انطون فرح في الإسكندرية.
انضم إلى حركة المعارضة العربية ضد العثمانيين (المتنورون الشوام)(2) وكانتْ مَواقفُه السياسيةُ المؤيِّدةُ للقوميةِ العربية، والمعارِضةُ للدولةِ العثمانية سبباً في التضييق عليه من قبل الاتراك؛ وقد عمل وكيلا لجريدة المؤيد في سورية فأبعدته السلطات العثمانية في ولاية بيروت الى بلدة الناصرة ووضعته تحت مراقبة البوليس لانه كان يتلقى مع جريدته جريدة اخرى ممنوعة كالمقطم أو المشير وكان يعرف ان الاوامر التركية تقضي بسجن من يتلقي جريدة معادية للدولة، كذلك فان البوليس وجد معه رسائل باسم الصحف المعادية للدولة العثمانية والتي تروج للأفكار القومية والتحرر عن الاستعمار التركي، وكان المقطم –وليس المؤيد –هو الذي كتب يستحث الصحف المصرية لترفع صوتها للدفاع عن سليم أفندي قبعين (انظر الاهرام في 20 اغسطس 1901) وكانت الملاحقة البوليسية العثمانية سبباً في هروبِه إلى مصرَ عامَ ١٨٩٧م.
موقفه من تعريب السدة البطريركية الاورشليمية
كانَ سليم قبعين مثل بقية الفلسطينيين المسيحيين الارثوذكس المناضلين وحتى الآن عن تعريب السدة البطريركية الاورشليمي (كرسي ام الكنائس) فهو قد سخر قلمه وفي الجرائد عن حق المسيحيِّين الارثوذكس العربِ في اعتلاء كرسيهم من البطاركة الى اصغر الاكليروس ولاحق لليونان ورهبنة القبر المقدس الاورشليمية اليونانية في الاستئثار بالكرسي الاورشليمي ومقدراته. ولازال هذا النضال مستمراً منذ عام 1517 الى وقتنا الحاضر…
وأسَّسَ «جمعيةَ القديسِ جاورجيس الخيرية». وانتقدَ سماحَ الدولةِ العثمانيةِ بوجودِ البعثاتِ التبشيريةِ في فلسطين خدمة لمصالحها مع الغرب؛ حيث أكَّدَ أنها أدَّتْ إلى تقسيمِ الوطن والكنيسة، وعملتْ على تحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ تؤدِّي إلى القضاءِ على الوَحْدةِ العربية.
في مصر
اصدر في القاهرة عدداً من الصحف منها الأسبوع 1900، عروس النيل 1903، الإخاء 1924. كما أصدر أيضا سلسلة الروايات التي صدر العدد الأول منها سنة 1909.
كان قبعين يقوم برحلة كل عام وينشر خواطره ومشاهداته في هذه الرحلة عند عودته.
الادب الروسي في حياته
نظراً لتتلمذه في المدارس الروسية في فلسطين عشق الادب الروسي وساهم بنقله الى العربية نقلاً اميناً ممتعاً للقارىء العربي وللذاكرة الانطاكية وفاء منه للروس الذين احبهم واهمها ان قبعين نقل عن الجرائد الروسية عن زيارة البطريرك غريغوريوس الرابع في زيارته الى روسيا عام 1913 ودعوة القيصر نيقولا الثاني لغبطته ليرأس احتفالات آل رومانوف بمناسبة اعتلائهم العرش الروسي، وقد كتب تقريراً عن هذه الرحلة المميزة في حياته واصفاً الاستقبالات التي لقيها غبطته روحياً وامبراطورياً.(3)
من أهم ما يعزى إلى سليم قبعين هو تعريف القارئ العربي بكبار الكتاب الروس أمثال مكسيم غوركي وتولستوي وبوشكين وغيرهم خلال ترجمته للعديد من كتبهم وتحليله لهذا الادب وربط القاريء العربي به. وهو من الأدباء العرب الذين عاصروا نشأت الديانة البهائية وكتب عنها ملخصا ما عرفه من مبادئها وما عاصره من تاريخ بعض أعلامها في كتابه عبد البهاء والبهائية الذي صدر عام 1922م عن مطبعة العمران في مصر. وتضمن كتابه بالإضافة إلى التعريف بالبهائية ومبادئها وموجز عن تاريخ رسولها وبعض أعلامها، وخاصة شرحا عن سيرة حياة ابن بهاء الله الارشد والقائد الروحي للبهائيين من بعدة عبد البهاء عباس ملخصا حياته في فلسطين وعلاقته بأهلها. ويتضمن الكتاب أيضا وصف لجنازة عبد البهاء هذا وذكرى الأربعين لوفاته وما القيّ في هاتين المناسبتين من قصائد وخطب على لسان العديد من الأدباء والأعيان الفلسطينيين وغيرهم.
ترجَمَ الكثيرَ من الكتبِ لعددٍ من أقطابِ الفِكرِ الرُّوسي، مثل: «أُنشودة الحب» ﻟ «تورجنيف»، وترجَمَ عن «بوشكين» «رَبيب بطرس الأكبر»، و«نَخْب الأدب» ﻟ «مكسيم غوركي»، وترجَمَ الكثيرَ عن «تولستوي»، مثل: «حُكم النبيِّ محمد» و«مَحكمة جهنم». كما كتبَ عددًا من المؤلَّفاتِ مثل: «مَذْهب تولستوي» و«الدستور والأحرار». وكتبَ أيضًا في الشِّعرِ العموديِّ والمُرسَل، مثل قصيدةٍ بعنوان: «لَوْم الحاسدينَ من الخلَّان». كان «قبعين» متأثرًا جدًّا بفكرِ «تولستوي»، وحاولَ الترويجَ له فعملَ على ترجمةِ العديدِ من كتبِه، كما كتبَ عددًا من المقالاتِ في الصحفِ من أجلِ توضيحِ فِكرِه.
وفاته
تُوفِّي «عميدُ المترجِمينَ عن الروسيةِ» متأثِّرًا بداءِ السكرِ عامَ ١٩٥١م، تارِكًا خلفَه ميراثًا ضخمًا من الترجماتِ والمؤلَّفاتِ والكتبِ التي أثْرَتِ المكتبةَ العربية. حقًّا إن «قبعين» كانَ النافذةَ التي أطلَّ منها أهلُ عصرِه على الفِكرِ والأدبِ الروسيِّ آنذاك، ممهِّدًا الطريقَ أمامَ العلاقاتِ المصريةِ الروسية.”
كانت جنازته تظاهرة ادبية وصحفية فلسطينية وعربية شاملة شهدتها القاهرة، والكرسي الاسكندري الارثوذكسي حيث القيت الكلمات المعبرة عن حقيقته.
قائمة بأهم أعمال سليم قبعين
- حكمة النبي محمد، تأليف ليو تولستوى-ترجمة-القاهرة 1908.
- محكمة جهنم، تأليف ليو تولستوى-ترجمة.
- أنشودة الحكم، تأليف تورجنيف-ترجمة.
- ربيب بطرس الأكبر العربي، تأليف بوشكين-ترجمة.
- تاريخ آل رومانوف 1912.
- مصرع القيصر نيقولا الثاني آخر قياصرة روسيا.
- أنواع الغرام في باريس-ترجمة عن الروسية.
- قصص روسية لبوشكين وجوركي وآخرين سنة 1929.
- مذهب تولستوي سنة 1904.
- السلطان حسن بمناسبة توليه السلطة في مصر 1914.
- البهائية ومؤسسوها.
- تاريخ الحرب العثمانية الإيطالية-القاهرة 1912.
- حقوق المرأة في الإسلام.
- الدستور والأحرار-القاهرة 1908.
- سياحة في روسيا.
- نخب الأدب – تأليف مكسيم غوركي-ترجمة.
- عبد البهاء والبهائية- مطبعة العمران،القاهرة 1922.
- كيف تحافظ على صحتك-1924.
- بدائع الخيال-قصص – تولستوي-ترجمة-القاهرة د.ت.
- نخب من مبتكرات مكسيم جوركي-القاهرة د.ت. السيرة الذاتية
يعتبر البعض سليم قبعين الوجه الاخر للمثقفين العرب مدعين انه كان احد الراغبين والمدافعين عن قيام دولة يهودية علي ارض فلسطين…! وهذا برأينا محض افتراء، فالموقف الوطني الفلسطيني المسيحي عامة والارثوذكسي خاصة، موقف وطني فلسطيني رافض لوعد بلفور ومنح فلسطين لليهود وطنا قومياً وقد هاجم البوليس العثماني في مضايقته للحجاج المسيحيين الى الأراضي المقدسة في فلسطين، وقد فهم انتقاده هذا على مايبدو دفاعاً عن الهجرة اليهودية لاختلاط المهاجرين اليهود بالحجاج المسيحيين وبخاصة الحجاج الروس منهم .والواقع أن ملخص حياة قبعين تشير بتأكيد الى موقفه القومي العروبي وانتمائه الى المتنورين الشوام الذين طالبوا بالانسلاخ عن الدولة العثمانية، لذلك نراه التقى مع بقية “الشوام المتنورين” ب”المتنورين المصريين” الذين كانوا نصيرا للشوام في التحررعن العثمانيين، هذا من الجانب القومي.اما من الجانب المسيحي فكان مناضلاً صلباً في الدفاع عن حق المسيحيين الفلسطينيين بكرسيهم الاورشليمي والتحرر من السيطرة اليونانية من جهة ثانية، فكيف بالتالي يدافع عن الهجرة اليهودية والاستيطان اليهودي؟؟؟ بالعكس كان أول من نبه الافكار ضد استعمار اليهود لفلسطين، وأول من حرض حكومة يافا علي منع المهاجرين اليهود منهم من دخول مينائها بمقالاته بتوقيع منتحل في جريدة المؤيد وفي جريدة الاخلاص…ويبدو أن هذا الموقف المُدعى منه كان بسبب عمله مدرسا للغة العربية في مدرسة الاليانس اليهودية في مصر ثم انتمائه الي الماسونية علما ان كبار المثقفين العرب والساسة السياسيين والدينيين والمشايخ والاكليروس كانوا من المعتنقين للحركة الماسونية بوصفها (في الظاهر) حركة تهدف الى الخير العام للانسانية.
حواشي البحث
- 1) الجمعية الامبراطورية الفلسطينية -الروسية الارثوذكسية انشأت المدارس في بلاد الشام في العقدين الأخيرين من القرن 19 وتوقفت بقيام الثورة الشيوعية في روسيا 1917- انظرها في موقعنا هنا باب تاريخ سورية، تاريخ كنسي http://josephzeitoun.com/2015/07/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8
- 2 )حركة المتنورين الشوام ظهرت في اواخر القرن 19 وضمت المثقفين من سورية الكبرى ( الشوام واللبنانيين والفلسطينيين…) وطالبوا بالاستقلال عن الدولة العثمانية او بحد ادنى باللامركزية وطرحوا القومية العربية كحل وكانت النسبة الاكبر فيهم من المسيحيين وقد هربوا الى مصر والتقوا بنظرائهم في مصر وتابعوا نضالهم لاستقلال سورية الكبرى مستفيدين من مناخ الحرية في ظل اسرة محمد علي باشا ومعظم شهداء 6 ايار 1916وماقبلها 1915كانوا منهم.
- 3) تاريخ آل رومانوف وزيارة غبطة البطريرك الأنطاكي غريغوريوس الرابع الى روسيا وترؤسه احتفالات آل رومانوف 1913″تاريخ آل رومانوف وزيارة غبطة البطريرك الانطاكي غريغوريوس الرابع الى روسيا وترؤسه احتفالات آل رومانوف 1913“انظرها في موقعنا هناباب كنيسة انطاكية، واعلام ارثوذكسيون