- صدر هذا الكتاب عام1913
- صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام2015
مدرسٌ وصحفيٌّ وأديبٌ وشاعرٌ ومؤرِّخ، ويُعدُّ من أوائلِ المترجِمينَ العربِ الذين عرَّفوا القارئَ العربيَّ بالفكرِ والأدبِ الروسيِّ — من لغتِه إلى اللغةِ العربيةِ مباشَرةً — في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين؛ حيث قطعَ شوطًا طويلًا في هذا المِضمار. ومثَّلَ «قبعين» علامةً فارقةً في أدبِ عصرِه وشكَّلَ الاتجاهاتِ الأدبيةَ والفكريةَ لتلك الحِقْبة.
وُلِدَ «سليم بن يوسف قبعين» بمدينةِ الناصرةِ في فلسطين عامَ ١٨٧٠م. الْتحقَ بدارِ المعلِّمينَ الروسية، وبعد تخرُّجِه عامَ ١٨٩٦م عملَ مدرسًا للُّغةِ الروسيةِ في مدرسةِ «المجديل» الابتدائية. وكانتْ مَواقفُه السياسيةُ المؤيِّدةُ للقوميةِ العربية، والمعارِضةُ للدولةِ العثمانية؛ سببًا في هروبِه إلى مصرَ عامَ ١٨٩٧م. وعكفَ في مصرَ على تعلُّمِ اللغةِ العربية، ونشرَ مقالاتِه في عددٍ من الصحفِ ﮐ «المقطم» و«المؤيد» و«الأخبار» و«المحروسة»، كما أصدرَ عددًا من الصُّحف، مثل: «الأسبوع» عامَ ١٩٠٠م، و«عروس النيل» عامَ ١٩٠٣م، و«النيل» عامَ ١٩٠٣م، و«الإخاء» عامَ ١٩٢٤م، كما أنشأَ مطبعةَ «الإخاء».
كانَ من المدافِعينَ عن المسيحيِّين العربِ في اليونان، ودعا إلى استقلالِهم عن الكنيسةِ اليونانية، وأسَّسَ «جمعيةَ القديسِ جاورجيس الخيرية». وانتقدَ سماحَ الدولةِ العثمانيةِ بوجودِ البعثاتِ التبشيريةِ في فلسطين؛ حيث أكَّدَ أنها أدَّتْ إلى تقسيمِ الوطن، وعملتْ على تحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ تؤدِّي إلى القضاءِ على الوَحْدةِ العربية.
ترجَمَ الكثيرَ من الكتبِ لعددٍ من أقطابِ الفِكرِ الرُّوسي، مثل: «أُنشودة الحب» ﻟ «تورجنيف»، وترجَمَ عن «بوشكين» «رَبيب بطرس الأكبر»، و«نَخْب الأدب» ﻟ «مكسيم جوركي»، وترجَمَ الكثيرَ عن «تولستوي»، مثل: «حُكم النبيِّ محمد» و«مَحكمة جهنم». كما كتبَ عددًا من المؤلَّفاتِ مثل: «مَذْهب تولستوي» و«الدستور والأحرار». وكتبَ أيضًا في الشِّعرِ العموديِّ والمُرسَل، مثل قصيدةٍ بعنوان: «لَوْم الحاسدينَ من الخلَّان». كان «قبعين» متأثرًا جدًّا بفكرِ «تولستوي»، وحاولَ الترويجَ له فعملَ على ترجمةِ العديدِ من كتبِه، كما كتبَ عددًا من المقالاتِ في الصحفِ من أجلِ توضيحِ فِكرِه.
تُوفِّي «عميدُ المترجِمينَ عن الروسيةِ» متأثِّرًا بداءِ السكرِ عامَ ١٩٥١م، تارِكًا خلفَه ميراثًا ضخمًا من الترجماتِ والمؤلَّفاتِ والكتبِ التي أثْرَتِ المكتبةَ العربية. حقًّا إن «قبعين» كانَ النافذةَ التي أطلَّ منها أهلُ عصرِه على الفِكرِ والأدبِ الروسيِّ آنذاك، ممهِّدًا الطريقَ أمامَ العلاقاتِ المصريةِ الروسية.”
وقد تلقَّى دروسه الابتدائية في مدرسة عبي ((عبيه) البروتستانتية التي تحولت فيمابعد الى الكلية السورية البروتستانتية واخيرا عندما انتقلت الى رأس بيروت صار اسمها الجامعة الاميركية) العربية، بالقرب من بيروت، ثم أكثر من المطالعة والدرس والبحث، حتى برع في العلوم اللاهوتية والفلسفية والآداب. وكان فيما بعدُ سكرتيرًا خصوصيًّا للمثلث الرحمات البطريرك جراسيموس( كان امين سر مطران بيروت غفرئيل شاتيلا الدمشقي ومعاونه في كل شيء)، ولما بلغ العام الثامن عشر، انتظم في سلك الرهبنة، وتسمَّى غريغوريوس، وفي عام ١٨٧٩ رُسم شماسًا، ثم انتخب وهو في هذه الوظيفة مطرانًا لمدينة طرابلس، وفي ٦ مايو/أيار رُسم أسقفًا، ثم رقي إلى رتبة مطران، ولما خلا كرسي البطركية الأنطاكية من البطريرك عام ١٩٠٦، قرَّر مجمع مطارنة الكرسي الأنطاكي الذي التأم في ٥ يونيو/حزيران من ذلك العام، انتخاب المطران غريغوريوس بطريركًا لمدينة الله المقدسة أنطاكية وسائر المشرق.
إن غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، خطيب مفكر ينقاد إليه الكلام بسهولة، وإذا خطب فإنه يؤثر على السامعين، وفي الغالب يصيب المرمى في كلامه. وغبطته من رجال الدين العاملين، ويميل إلى روسيا ميلًا خصوصيًّا، كما أنه يحب الأمة الروسية حبًّا مفرطًا. وغبطته له تأثير عظيم في سوريا مقرون بالإجلال والتعظيم. ا.ﻫ.
غبطة السيد غريغوريوس الرابع
وقد أشرت سابقًا إلى أن غبطته رَأَس الاحتفال الديني الذي أقيم في كازانسكي سوبور، في يوم الاحتفال العظيم، بمرور ثلاثمائة عام على تملُّك أسرة آل رومانوف.
وقرأت في الجرائد الروسية عن غبطته فقرات عديدة، أنقلها كما هي:
قالت جريدة روسيا: في ٢٥ مارس مرَّت ٢٠٠ سنة على تأسيس دير القديس إسكندر نيفسكي، وبمناسبة هذا الحادث العظيم في تاريخ روسيا الديني، أقيمت في ذلك اليوم في الدير المذكور حفلة دينية كبرى، وقد قام بخدمة القداس الإلهي صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، مع حضرات المطارنة الأجلاء فلاديمير مطران بطرسبرج، وإسكندر مطران طرابلس، وغيرهما، وقد قَدِم غبطته مع حاشيته إلى الدير قبل الشروع في الخدمة الإلهية راكبًا عربة رسمية، فقابله وكيل رئيس الدير ولفيف من الرهبان، وقبل انتهاء الخدمة الإلهية لفظ غبطته خطبة باللغة السلافية (الروسية القديمة) وبعد انتهاء الصلاة، أقيمت إكرامًا لغبطته وجميع رجال الدين مأدبة فاخرة.
وقالت جريدة روسيا تحت عنوان «قدوم البطريرك الأنطاكي إلى بطرسبرج ما يأتي»: في يوم الأربعاء الموافق ١٩ فبراير/شباط قدم بطرسبرج؛ للاشتراك في حفلات التتويج، غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وكان برفق غبطته حاشيته الكبيرة.
وقبل وصول القطار، اجتمع في المحطة لاستقبال الضيف الكريم جميع أعضاء المجمع المقدس، ومطارنة بطرسبرج، وموسكو، وكييف، وكذلك عدد كبير من الأساقفة والأرشمندريتية، وكانوا كلهم معلقين على صدورهم الصلبان، ولما خرج غبطته من غرفة القطار، قوبل بنشيد أسبولاتي ديسبوتا (سنين عديدة) وبعض أناشيد دينية.
ثم تقدم إلى غبطته رئيس المجمع المقدس، وسلَّم عليه، وطلب منه أن يبارك روسيا الأورثوذكسية، وقصد غبطته من المحطة دير القديس إسكندر نيفسكي، فقابله رجال الدين بالصلبان والأناشيد الروحية، ودعي للاستراحة في غرفة المطران، حيث تناول الشاي، ومن هناك قصد دار رئيس المجمع المقدس، حيث نزل ضيفًا كريمًا معززًا، وهناك أقيمت صلاة دعاء، دعي في نهايتها لغبطته بطول البقاء، ثم قدم لغبطته بعض أعضاء المجمع المقدس. وعند الساعة الثالثة بعد الظهر، قصد بيتروبا فلوسكي سوبور؛ لخدمة صلاة عن نفس ملوك وملكات روسيا المتوفين من أسرة رومانوف، وقد حضرها كثيرون من أصحاب المقامات العالية، وقد قدمت لغبطته عربة رسمية مع خدمة من القصر الملوكي؛ ليقوموا بخدمته، فركب هذه العربة، وسارت أمامه عربة أخرى، جلس فيها رجل حاملًا صليبًا مقدسًا كبيرًا.
وقد قَدِمت مع غبطته من سوريا شقيقته التي لا يفارقها أبدًا.
زار غبطة البطريرك الأنطاكي، برفق نيافة إسكندر مطران طرابلس، رئيس الوزارة الروسية، المسيو كوكو نتسوف، ثم زار بعده وزير الخارجية، المسيو سازونوف، ووزير الداخلية المسيو ماكلاكوف.
وفي نفس هذا اليوم، أدب مطران بطرسبرج إكرامًا لغبطته مأدبة فاخرة، حضرها كثيرون من المطارنة، وأعضاء المجمع المقدس.
وفي نفس هذا اليوم، مَثُل بين يدي غبطته مسلِّمين سكرتير الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية، الأستاذ ديمتريفسكي، والأستاذ سوكولوف من قبل الجمعية المذكورة، وقدما لغبطته «باناجيا» ثمينة.
زار غبطة البطريرك الأنطاكي مع نيافة مطران السرب ديمتريوس، الأكاديميا الروحية الكبرى، فقوبلا من أساتذة المدرسة استقبالًا شائقًا، ورتل التلاميذ «سنين عديدة»، ثم دخلا كنيسة الأكاديميا حيث قابلهما رئيس المدرسة الأسقف جاورجيوس والصليب بيده، ولفظ بين يدي غبطته خطبة باللغة اليونانية، وبعد أن أقيمت صلاة الدعاء، جلس غبطته في قاعة المدرسة للاستراحة، وقد خطب بين يديه الأستاذ سوكولوف خطبة أظهر فيها خدمات غبطته في توطيد دعائم الأورثوذكسية في الشرق، فشكره غبطته وقال إنه يتمنى أن تشرق أشعة نور الإيمان، وتنتشر في جميع أنحاء روسيا، حتى يصل لمعانُها إلى الشرق الأورثوذكسي الذي لا يوجد من يغرس فيه أصول التعليم الديني القويم، ولا يقيِّض له الله من النوابغ إلا نادرًا مثل المرحوم جراسيموس يارد مطران سلفكيا الذي تلقى علومه الدينية في أكاديمية بطرسبرج اللاهوتية.
إن غبطته طلب من المجمع المقدس كمية من الميرون المقدس؛ ليوزعها على كنائس بطركيته، وقد لبَّى المجمع المقدس طلبه وأعطاه أربعين بودًا من الميرون المقدس.
وكتبت جريدة روسكويه سلوفو فصلًا ضافيًا عن زيارة غبطته لموسكو، والاستقبال الباهر الذي استُقبل به.
وقالت في مقالة أخرى، في ٣ مايو/أيار:
زار غبطة البطريرك الأنطاكي مع أفراد حاشيته، ولفيف كبير من كبار رجال الدين الروسيين، مدرسة الترتيل الكنائسي، فقابل غبطته الأسقف تريفون ورئيس المدرسة أ. د. كاستالنسكي.
وفي قاعة استقبال المدرسة أنشد جوق المرتلين بين يدي غبطته بعض الأناشيد الدينية، الأمر الذي سُرَّ له غبطته سرورًا عظيمًا، وكتب في دفتر زائري المدرسة باللغة العربية ما يأتي: «رأى البطريرك يعقوب الملائكةَ صاعدين ونازلين على السلم، ولكن التوراة لم تذكر أن الملائكة كانوا يغنون، وها إني الآن أسمع ترتيلًا يشبه غناء الملائكة الذي لا يدع السامعين ينامون كما نام البطريرك يعقوب.»
ثم خرج غبطته مودعًا كما قوبل بالإجلال والاحترام، ومن هنا قصد دير النبي دانيال، فقدم لغبطته رئيس الدير الأسقف أناسطاسيوس نيقونة تمنية، ثم تناول غبطته طعام الغداء على مائدة الدير.
ثم زار في دير بوكروفسكي المدفن الموجود تحت الأرض، المدفون فيها المطران نيوفيت الذي وهبه القيصر نقولا الأول دار البطريركية في موسكو، وهنا أقام غبطته صلاة نيلح.
وفي دير القديس يوحنا الذهبي الفم، قدم لغبطته أسقف الدير أيقونة القديس المذكور.
وعند الساعة السابعة مساء، زارت غبطته الأميرة العظيمة إليصابات ثيودورفنا، وجرى بينها وبين غبطته حديث طويل، عن حالة مدراس الجمعية الفلسطينية الأورثوذكسية في الشرق، ولبثت الأميرة مع غبطته ساعة من الزمان.
ثم قالت إن حياة غبطته حياة جدٍّ ونشاط وعمل، فإنه يستيقظ عند الساعة السادسة صباحًا، وهو بنفسه يوقظ حاشيته، ثم يصلي صلاة الصباح التي تدوم ساعة.
وبعد قهوة الصباح يشتغل غبطته في مكتبه، يدقق حتى الظهر بأعمال البطركية الأنطاكية، ثم يتناول طعام الغداء، ويستريح بعده، وغبطته يصرف وقتًا طويلًا في مطالعة الكتب والجرائد، وكل يوم يعربون لغبطته الجرائد، ولا سيما ما يَرِد فيها بشأن أبرستيته، وعلمنا أنه كان يأمر بترجمة كل ما تقول عنه صحف موسكو في خلال إقامته بها.
ومن الساعة الثامنة مساء يجلس للعمل في مكتبه، وكثير ما يلبث عاملًا حتى بعد منتصف الليل.