أخيراً، ألقى الكرملين القفاز في وجه دونالد ترامب. جاهزون لتزويد ايران بالمنظومة الصاروخية «اس. اس ـ 400»، وبالقاذفات الاستراتيجية الأكثر تطوراً.

فلاديمير بوتين الذي كان يتوق الى تفعيل العلاقات مع البلدان العربية الثرية، بعدما اختط سياسات ودية، ومرنة، مع هذه البلدان، منزعج جداً مما دعاه بعض المعلقين الروس «الخطوات البهلوانية الأخيرة» للرئيس الأميركي.

أن يضع تلك الدول في خزانة المكتب البيضاوي، دون أن يسمح لها حتى بشراء الثلوج من روسيا.

الروس الذين يعانون من أكثر من ضائقة اقتصادية بحاجة الى توطيد الصلات الاستثمارية مع دول تتكدس فيها الفوائض المالية. أبدوا كل الاستعداد لفتح قنوات من اجل اسدال الستار على التراجيديا اليمنية. تالياً التفكيك التدريجي لجبل الجليد، أو لجبل النار، بين ضفتي الخليج.

البيت الأبيض كان يقفل كل الأبواب في وجه الديبلوماسية الروسية ما دام المستفيد الأكبر من عائدات الدم. اذ يعلم حساسية الشرق الأوسط للأمن الاستراتيجي الروسي، أدار ترامب ظهره للكرملين بعدما كان قد تعهد أمام بوتين بالتعاون من أجل بلورة رؤية مشتركة حول المنطقة، ما يحول دون تدهور العلاقات، خصوصاً العلاقات الجيوسياسية، بالصورة التي قد تنذر بانفجار لا يبقي ولا يذر …

هذه روسيا الايرانية. أين هي روسيا السورية ؟ هنا الأزمات الاقتصادية تتفاعل على نحو يهدد بحدوث اهتزازات دراماتيكية يمكن توظيفها من قبل جهات خارجية لطالما راهنت على اسقاط الدولة في سورية. على الأقل، تبعث روسيا بناقلات النفط والغاز، وبعدما أظهرت الصور أن طوابير الانتظار تكاد تصل الى … المريخ !

سورية التي انهكتها الحروب اللولبية من كل حدب وصوب أمام أزمات بالغة الصعوبة، وبالغة التعقيد. اليوت أبرامز، مستشار دونالد ترامب (نصف الأميركي ونصف «الاسرائيلي»)، قال «ان السوريين يصنعون جهنم بايديهم». يفترض ببشار الأسد أن يلتحق بالقافلة، ويوقع معاهدة سلام مع بنيامين نتنياهو. لكأن برامز لا يدري أن التراب السوري يرفض، بالكبرياء اياه، مراقصة الشيطان.

هذا لا يحول دون القاء الضوء على الحقيقة. اذا مابقي الحصار على حاله فان معاناة الناس لا بد ان تصل الى حدود الاختناق. هذا ما تراهن عليه المؤسسة اليهودية. أن تجثو دمشق أمام أورشليم.

الغريب هنا أن العرب الذين يعلمون أن رجب اردوغان يلجأ الى كل الوسائل المكيافيلية لازالة عروشهم، يضعون يدهم بيده ضد سورية.

هل يعلم هؤلاء أي تداعيات يمكن أن ترخي بنيرانها على سائر أنحاء المنطقة اذا ما انفجرت، أو اذا ما تفككت، سورية ؟ لعبة الدومينو لا تتوقف عند أي حدود. خطة ديك تشيني وريتشارد بيرل وبول وولفوويتز. لتغيير الخرائط الشائخة في المنطقة، لا تزال على الطاولة.

هذا كله من أجل أن تكون اسرائيل. بحمولتها التوراتية، القاطرة التي تقود بلدان المنطقة سياسياً، واقتصاديا، وحتى ايديولوجياً. ما فعلوه بالمسيحية يفعلونه بالاسلام. ولأن لدمشق تاريخها الخاص، وألقها الخاص، أراد لها اشعيا «أن تزول من بين المدن، وان تصبح رجمة ردم».

رغم كل تلك المظاهر الفولكلورية التي تحيط بالكرنفال الديبلوماسي. المنطقة كلها ركام استراتيجي وانساني. ألا يستحق السوريون، وهم الاشقاء، مساعدات للبقاء، مجرد البقاء. لكننا وحدنا، يا صاحبي، ورثة قايين وهابيل الذي يجثم ضريحه على احدى تلال دمشق.

الصين على كوكب آخر. لماذا كل ذلك الوهن في المواقف السياسية (تصوروا أن يكون التنين ظلاً للفراشة).

انه، هنا، في الشرق الأوسط، نسخة عن أبي الهول.

سورية … سورية. كما يعملون لتحويل لبنان الى جهنم، وان حال دون ذلك الوجود المسيحي، يعملون لتحويل سورية الى جهنم. ألا تبدو الطوابير وكأنها أمام ابواب جهنم ؟

سورية لن تكون الا سورية، ولبنان لن يكون الا لبنان. الماشيح لن يمشي على جماجمنا. ثمة جماجم أخرى بانتظاره ….

(نبيه البرجي)