نبذة في تاريخ سورية…
الاسم والتسمية
من المجمع عليه ان اسم سورية جاء اصلاً من أسيريا(آشور) واسم سوريين أو سيرييّ من أسيرييّ.
كتب المؤرخ هيرودوتس في تاريخه “هؤلاء (الآشوريون) كان يدعوهم اليونانيون سوريين”
وكان لوقيانوس السميساطي يدعو نفسه أسوري، أشوري، ويدعو بلاده سورية. وكان اليونانيون يستعملون أسماء سورية والسيريينواللغة السورية لتسمية البلد والسكان واللغة المحلية. في حين كان السكان الأصليون يسمون أنفسهم “آراميين” ولغتهم “الآرامية”.
هذه المنطقة من العالم كانت هي مهد الحضارة الإنسانية على الإطلاق، وابسط القول كانت مهد حضارة إنسانية عظيمة سُميت بـ “الهلال الخصيب” بسبب تربتها الخصبة، و”هلال” لأن أرضها تشبه الهلال وتضم معظم أراضي العراق الحديث، وسورية، والأردن وفلسطين، ونظرية المرحوم المناضل انطون سعادة مؤسس القومية السورية والحزب القومي السوري الى ان نجمة هذا الهلال الخصيب هي قبرص لاسيما انها من الارض السورية وكانت كنيستها قد انشقت عن انطاكية في القرن الخامس وتأسست رئاسة اساقفة مستقلة، وتشير بعض التعريفات إلى أن الهلال الخصيب يضم وادي النيل في مصر أيضاً.
بدأ الناس في الزراعة في تلك المنطقة قبل أكثر من 9000 سنة قبل الميلاد، وفي عام 2500 قبل الميلاد شكل السومريون أول مجتمع يمكن تسميته “دولة” مع قوانين مكتوبة ونظام سياسي، وعلى الرغم من أن نشأة الدولة عادة ما ترتبط بالرومان القدماء، إلا أنه يمكن القول أن بين الرومان القدماء وبين السومريين، عدد سنوات أكثر من التي تفصل بيننا وبين الرومان القدماء.
الفينيقيون السوريون الذين عاشوا على الساحل السوري فيما يُسمى الآن سورية ولبنان، كانوا رائعين فكانت ابجدية رأس شمرا في منطقة اللاذقية اول ابجدية في التاريخ ومنها اشتقت كل اللغات القديمة في بلاد الشام والرافدين! وسجل التاريخ لهم اهتمامهم بالسيمفونيات حيث تم العثور على اقدم سيمفونية في التاريخ في موقع رأس شمرا…لقد سادوا البحر المتوسط حتى يمكننا القول انه كان لفترة بجحيرة فينيقية… لقد أداروا شبكة تجارة عبر قرون قبل الميلاد بالتجارة البحرية.
ثم نراهم سيطروا على البحر الابيض المتوسط جنباً إلى جنب مع اليونانيين، والبعض منهم أبحروا بعيداً وأنشأوا مستعمرات في شمال أفريقيا( ليبيا طرابلس، وقرطاج (تونس) وإسبانيا وصقلية وسردينيا.والكثير من المدن في شبه الجزيرة الايبيرية اسبانيا والبرتغال هم من بناها، ووصلوا الى مصب الامازون بعد خروجهم من مضيق جبل طارق وكانت لهم الريادة في اكتشاف اميركا، وتركوا نقشاً بالفينيقية يؤرخ لهذا الكشف…
وتعتبرالعاصمة الليبية “طرابلس” التي ما زالت تحتفظ بنفس اسمها الفينيقي حين بنوا مستعمرتهم هناك والبعض يعتبرها جسر ثقافة فينيقية من سورية الى ليبيا ومن ليبيا الى الضفة الاخرى اي السواحل الايطالية وخاصة في العهد الروماني.
يتكون السكان في سورية الكبرى من خليط من الاجناس نظرا للاحتلالات المتعددة وخضوعها للغريب وللجنسيات الكثيرة من غزاة وفاتحين وعابرين والاديان الأكثر…ولا تزال سورية تبعا لذلك بوتقة انصهرت فيها وتنصهر فيها كل الاقوام والاديان حيث على ارضها حالياً اكثر من 15 جنسية واكثر من 17 طائفة دينية…
لكن من المتفق عليه ان السكان الاصليين هم الآراميون المنحدرين من نسل آرام بن سام بن نوح والمنتشرين في بلاد الشام.
ولقد انكفأ الآراميون على انفسهم امام كل الاحتلالات، وعاشوا في المناطق الداخلية والجبلية اكثر منها في المدن الكبرى والسواحل، وخاصة مع مجيء الاسكندر والصبغة اليونانية التي صبغت البلاد. ولاسيما ان الاسكندر كان مشبعا بنظرية معلمه الفيلسوف افلاطون بدولة عالمية واحدة تسودها الثقافة اليونانية، لذلك قام باستقدام اعداد كبيرة من اليونانيين واسكنهم في المدن الجديدة التي بناها وبناها خلقاؤه السلوقيون من بعده وصارت عنوانا للمدن الهلينية – الهلنستية في سورية، وكان الاسكندر لتحقيق دولته العالمية الواحدة يقيم حفلات زواج جماعية لجنوده الاغريق من بنات المناطق المفتوحة، كما فعل عندما قام بتزويج عشرة آلاف جندي يوناني من جنوده حال فتحه بلاد فارس من بنات فارسيات، وهو تزوج بواحدة، وكان قد فعل الامر ذاته في بلاد الشام والرافدين ومصر ايمانا منه بهذه الدولة العالمية الواحدة التي تسودها الثقافة اليونانية تحت عرشه الهليني.
لذلك لايمكننا القول ان في سورية عنصرا سكانياً واحداً صرفاً واو عرقاً دموياً نقياً او حضوراً دينياً او طائفياً او مذهبياً واحداً، او ان سورية هي ارض لفئة دون الاخرى للاعتبارات التي ذكرناها والا كنا امام نظرية العرق الواحد الآرية-النازية او كما يهودية الدولة… بل كما اسلفنا هي فسيفساء متنوعة متناغمة جعلت لسورية المكانة الاولى في التاريخ القديم باسهام من الجميع. وصار الخليط سورياً تبعاً لارضه الواحدة سورية التي اكسبته جنسيتها. لاسيما وان الكل يقول ان سورية ارضه وحده، والا لسلمنا بحق الاكراد في الشمال السوري والعراقي و…في حين ان الارمن واليونان والسريان عاشوا فيها 20 قرناً، وبالطبع وهذا مخالف لعلم الانتروبولوجيا اذ لايمكن لشعب ان يتكون من ارومةنسلية ودموية واحدة فقط ولا من دين واحد وبالتأكيد نرفض على ذلك ان يقال ان فلسطين هي ارض لليهود واعتماد يهودية الدولة التي اقرت كتشريع رسمي في الدولة العبرية.
واذا كانت اللغة هي العامل الجامع المحدد للجنسية، فمن باب اولى ان تكون معظم اميركا الجنوبية عدا البرازيل اسبانية، وان الولايات المتحدة والقسم المتحدث بالانكليزية في كندا واوستراليا ونيوزيلندا وجنوب افريقيا هي انكليزية، وكذلك تصبح بلجيكا وسويسرة بقسميهما الفرنسيين وكندا الفرنسية والدول الافريقية المتحدثة بالفرنسية هي افرنسية.
وللتأكيد على نظريتنا بخصوص اللغة فإن المناطق الواقعة الى الغرب من نهر الفرات والسواحل حفلت بالعناصر الوافدة على التتابع من يونان ورومان وروم بيزنطيين.
بينما انكفأ الآراميون الى الشرق من الفرات، ومن بقي منهم في الغرب كان يتوجب عليه ان يتقن اليونانية ليعمل في الادارات العامة اضافة الى تكلمه بالآرامية، لاسيما وان اليونانية مع الفتح اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد هي لغة الدولة والدواوين منذ عهد الاسكندر المقدوني الكبير لادارة الدولة الهلينية، ثم في الهلنستية مع سلوقوس نكتاروس واسرته التي انتهت بانتصار الرومان السنة 64ق.م وانتهاء دولة السلوقيين بيد بومبيوس.
وفي الدولة الرومانية كانت اللغة اليونانية هي لغة الادارة الرسمية والحكم والثقافة والفن…، ومن البديهي ان تكون هي لغة الامبراطورية الرومية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية الى زمن الخلافة الاموية وعبد الملك بن مروان الذي امر بتعريب الدواوين والادارة…من اليونانية واستبدال النقود الرومية باخرى اموية، وجدير ذكره ان اللغة اليونانية كانت لغة الثقافة العالمية لم تقوى امامها اللغة اللاتينية في الدولة الرومانية، وصارت لغة التبشير بالمسيحية ولغة المجامع المقدسة واساساً كانت اليونانية لغة الانجيل ببشاراته الاربع…
امام كل ذلك فكان السكان المحليون يتقنون اليونانية لغة الدولة كلغتهم الآرامية.
ومن الجدير ذكره ان تتحدث الوقائع عن ان سورية ازدهرت بكثافة في كل المجالات وخاصة في العهد الرومي البيزنطي (بين القرنين الرابع والسابع المسحيين، مع كثافة سكانية واقتصادية عالية الوضوح، وقد وصل العمران الى شرق البلاد وفي وسط بادية الشام، فقامت مدن عظيمة كالرصافة وخناصر والاندرين وازدهرت تدمر بظهور النمو السكاني فيها بشكل مكثف.
وقد بلغ عدد سكان سورية في القرن المسيحي الاول حوالي سبعة ملايين نسمة، وقُدِّرَ عدد اليهود منهم بمليون نسمة، كما ان عدد سكان انطاكية وحدها وهي العاصمة و”عين الشرق كله” بلغ 800000 نسمة وتراوح عدد اليهود فيها بين 45000 – 60000 نسمة، وكان السكان بمجملهم قد صاروا مسيحيين بعد اندثار الوثنية في القرن الرابع المسيحي.
لم تكن اللغة اليونانية وحتى القرن السادس لغة المسيحيين الروميين البيزنطيين او الارثوذكسيين وحدهم فقط كونها لغة كنيستهم، بل لغة كل المسيحيين ابناء الكنائس الشرقية التي انسلخت عن الكنيسة الام بعد مجمع افسس ومجمع خلقيدونية كالآشوريين والكلدان، ثم السريان في سورية والاقباط في مصر والارمن والاحباش، ثم تراجعت اليونانية وحلت محلها اللغات المحلية، وتؤكد الليتورجيا الكنسية المستخدمة في الكنيستين الشرقيتين القبطية والسريانية المتحدتين في العقيدة اللاخلقيدونية الى تغلغل اليونانية فيهما بالرغم من الخلاف العقيدي الذي ادى الى ظهور السريان والاقباط ككنائس قومية تتزعم مشروع الكيان القومي المستقبلي برئاسة “البطريرك الرئيس الأعلى…”.
في منطقة شرق الفرات والجزيرة الفراتية العليا والسورية، عادت الآرامية الى الانتعاش بعد انكفائها، فعاشت قروناً باسم اللغة السريانية التي هي في حقيقتها لهجة آرامية خاصة بمدينة الرها. هذا وقد ادى انتشار لهجة مملكة الرها التي اقتبلت المسيحية قبل غيرها من الممالك الآرامية الداخلية في منطقة واسعة من الكنائس الشرقية التي انشقت عن الكنيسة الرومانية وهي كنيسة الدولة بحكم انشاء الكنيسة القومية المحلية ( السريانية والنسطورية الآشورية والكلدانية…) فتسمت “اللغة السريانية” ورمزت الى الآراميين المتنصرين وكتبت الكنائس طقوسها بالسريانية وبها انتشرت المسيحية، والمثال انه بفضل كنيسة المشرق النسطورية في بلاد الرافدين انتشرت المسيحية النسطورية في الهند والصين…
بعد دخول المسلمين الى سورية السنة 635م اخذت العربية بالانتشار فاحتلت مع الزمن موقعها وسادت، وقد قام الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي وهو شيخ المعربين في الكنيسة الانطاكية الرومية بتعريب الطقوس الارثوذكسية في القرن 11م، مع بقاء اللغتين اليونانية والسريانية كلغتين طقسيتين في الكنيسة الرومية الارثوذكسية، وقد قوي عود اللغة اليونانية مجددا في الكرسي الانطاكي اعتبارا بين 1724 و1899 م وهي الفترة التي صارت فيها رئاسة انطاكية يونانية، كما ان اللغة الآرامية المنتشرة بين المسيحيين القلمونيين وكلهم روميون خلقيدونيون سواء كانوا ارثوذكساً ام كاثوليكاً (لعدم وجود اتباع الكنيسة السريانية اللاخلقيدونية في المنطقة) وحتى الآن في القلمون وابرزها معلولا و…حتى يبرود، ضعفت الآرامية مع بقاء بعض القرى في الجزيرة الفراتية، وشمال لبنان يتكلمون الآرامية والسريانية حتى القرن 17 واللغة المارونية هي آرامية سريانية بدورها وان كانت بأبجدية خاصة.
ومؤخرا بمبادرة فردية من المرحوم الاستاذ جورج رزق الله ابن معلولا اواخر القرن 20، قام بوضع ابجدية للغة الآرامية المتداولة شعبياً في معلولا (وهي امتداد اللغة الآرامية الفلسطينية التي سادت في فلسطين وتحدث بها الرب يسوع)، وأحدثَ المذكور معهداً لتعليم اللغة الآرامية بمباركة من الجهات المختصة تربوياً وثقافيا في سورية كون الآرامية من التراث السوري المتجذر.
وبالتالي فقد انتهى استخدام اللغة السريانية في طقوس الكنيسة الارثوذكسية في تلك المناطق، وخاصة القلمون ، ولاتزال موجودة بعض المخطوطات الطقسية الارثوذكسية بالسريانية في كنائس المنطقة الارثوذكسية وفي دير القديسة تقلا بمعلولا وقد تعرضت للسرقة مع بقية المخطوطات والايقونات حين اختلال التكفيريين معلولا وقيامهم بتدمير كنائسها واديارها وبيوتها، وتوجد بعض مخطوطات ليتورجية ارثوذكسية في مكتبة بطريركية انطاكية الارثوذكسية بدمشق وهي تدل على ان هذه اللغة الآرامية كانت لغة كل سكان سورية حتى من المسلمين وهناك قرى عين التينة وبخعا اضافة الى النبك ويبرود و…يتحدث مسنوهم الآرامية كأهل معلولا… وليست فقط لغة الكنيسة السريانية الشقيقة وحدها بعقيدتها المختلفة عن عقيدة الكنيسة الارثوذكسية وعن شقيقتها الكنيسة السريانية الأخرى، وهي الكنيسة المارونية الكاثوليكية..
وازدهرت اللغة العربية في الكنيسة الارثوذكسية مع ابن الفضل وماتلاه من البطاركة والاكليروس والعلمانيين المتفقهين بالعربية، ولكن بقيت اليونانية لغة طقسية شقيقة متجذرة في الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية بحكم الوحدة الارثوذكسية مع البطريركيات اليونانية القسطنطينية والاسكندرية والاورشليمية ورئاسة اساقفة اليونان ورئاسة اساقفة قبرص.
التاريخ بالمختصر
رزحت سورية في تاريخها قبل دخول المسيحية تحت احتلالات كثيرة، فموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية شدت اليها الطامعين، سيما وانها لم تتمتع بالقيادة المؤهلة لدفع خطر الغزاة والاحتلالات الطامعة بموقعها كجسر يربط الشرق بالغرب، كموقع طرق دولية في العالم القديم بين القارات الثلاث القديمة، للتجارة الدولية وقتئذ، بما في ذلك طرق التجارة مع الشرق الاقصى والمعروف عالميا بطريق الحرير، ماجعلها معبراً لجيوش القوى الغريبة المتصارعة والتي كانت تنقل معاركها الى ارض سورية كما في صراع الحثيين والمصريين القدماء، وصراع الفرس واليونان القدماء، ثم الرومان.
في ذلك يقول هورست كلينكل:” كانت سورية تفتح صدرها للمؤثرات الحضارية الخارجية وتعمل على تطويرها واذابتها في بوتقة التراث المحلي… وانصهرت فيها شعوب مختلفة، فكان الناتج هو مايمكن تسميته ب”السوريين”، هذا الشعب الذي ابدع في تطوير التيارات الثقافية المختلفة، واصبح يعد من اكثر شعوب العالم القديم تقدماً على الصعيدين الاقتصادي والحضاري ” (آثار سورية القديمة، ص15 و23).
يُقسم تاريخ سورية في الحقبة السابقة للفتح العربي الى 3 حقبات هي
1- فترة الشرق القديم بين 2500-333ق.م مع الاسكندر وفتوحاته ودولته العالمية المصبوغة بالثقافة اليونانية.
2- الفترة الهلنستية والرومانية بين 333ق.م و395م وهي انقسام الامبراطورية الرومانية.
3- الفترة الرومانية الشرقية او الرومية البيزنطية بين 395 و635م بالفتوحات الاسلامية لدمشق وبلاد الشام.
ساد الحثيون من كبادوكية سورية، ثم كانت دولة دمشق، التي اسسها حسب الروايات هيكوس بن آرام، والتي خضعت لسيادة داود. وخضعت في 733ق.م للملك الآشوري شلمنصر. ثم تجاذب السلطة على سورية البابليون والمصريون حتى احتلها الفرس. ووقعت تحت تأثير الحضارة اليونانية/ الهلنستية، كما كانت قد وقعت قبلاً تحت تأثير حضارات أخرى.
وكان قد زارها الاسكندر المقدوني مرتين: الأولى في طريقه الى مصر بعد وقعة ايسوس حيث أقام سنة كاملة تقريباً، والمرة الثانية في ربيع السنة 331 ق.م حيث شخص من مصر الى الفرات عن طريق نهر العاصي، ومن بعده خضعت سورية لخلفائه السلوقيين.
واصبحت سورية جزءاً ثابتاً ورئيساً من العالم الهلنستي ( اليوناني- الشرقي)، حيث التقى الشرق مع الغرب واشتبكا حضارياً بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، اذ هيمن الطابع اليوناني على المدن السورية الكبرى وخصوصاً الأحياء الجديدة التي اسسها السلوقيون الى جانب المدن الأصلية ومدينة انطاكية شاهد على التجذر الهليني مع اللاذقية…وافاميا…والمدن المنسية في سهول حلب وادلب…وفي الجنوب السوري حيث بصرى وشهبا و…القنيطرة والجولان.
لكن الشرق القديم بخصوصيته الآرامية القديمة ظل محتفظاً بنفسه في الارياف، ولم تنطفىء فيه روح الحياة الخاصة به.
كما لم تتأثر الجزيرة الفراتية شرق الفرات بالتيار الهلنستي العارم كما في غرب سورية وشمالها وجنوبها ووسطها، وساعد على ذلك لأن الفرس الفرتيين كانوا قد وضعوا حداً عسكرياً فاصلاً للسيطرة السلوقية على المناطق الواقعة الى الشرق من نهر الفرات في القرن الثاني قبل الميلاد، واستمدت الكنيسة الشرقية النسطورية والسريانية منعتها في بعض الازمنة من حماية اكاسرة الفرس لها من التغلغل اليوناني في الطقوس والتعليم.
واخيراً احتل الرومان سورية بقيادة القائد بومبيوس64ق.م فضم سورية الى الامبراطورية الرومانية وبقيت لأنطاكية المكانة وصارت عين الشرق كله وعاصمة الشرق الروماني.
عندما انشطرت الامبراطورية الرومانية الى قسمين شرقي وغربي في السنة 395م وقعت سورية في القسم الشرقي من الامبراطورية التي تسميت امبراطورية الروم الشرقية وعاصمتها القسطنطينية بيزنطة وحكمها الروم البيزنطيون وسادت اللغة اليونانية والكنيسة الارثوذكسية وهي الكنيسة الرسمية.
اما المناطق الواقعة شرق الفرات فقد ظلت بأيدي الفرس الساسانيين، خلفاء اسلافهم الفرتيين، ثم احتل العرب المسلمون سورية الطبيعية انطلاقاً من دمشق 635م.
وتحت الحكم الاسلامي تعاقب على ارض سورية فاحتلوها وحكموها من بعد العرب المسلمين وهم: الخلفاء الراشدون بين 634-661م
الخلافة الأموية وعاصمتها دمشق بين 661-749م، فالخلافة العباسية ومقرها في بغداد بين 749-868م، تلاهم الاخشيدونيون بين 868-905م، ثم العباسيون 905-937م، فالاخشيدونين/الحمدانيون 937-969م.
الروم البيزنطيون استعادوا سورية بين 969-1071م وفي 969-1144م بنو مرداس، 1027-1070م السلاجقة، الفاطميون بين 1070-1144م، بنو زنكي بين 1144-1175م، الايوبيون 1175-1265م، المماليك 1265-1516م
العثمانيون 1516- 1918م، الانتداب الفرنسي 1918-1946م
وكان الجنرال كاترو قائد قوات فرنسا الحرة في سورية قد اعلن وثيقة كاترو وهي الاستقلال الذي لم ينفذ الا في عام 1946 بجلاء المحتل الفرنسي والاستقلال الناجز لسورية.
جلاء المحتل الفرنسي عن سورية في 16 نيسان 1946 وبدء الحكم الوطني.
الخاتمة
اجتمعت في سورية وتفاعلت في العصور القديمة، وخاصة في العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية الحضارات كلها فمن الشرق نفذت الحضارة الفارسية ومابين النهرين والعراق والسورية الآرامية والفينيقية والكنعانية، ومن الغرب الحضارة اليونانية والهلنستية والرومانية والرومية.
هذه الحضارات تمازجت وتزاوجت وتصاهرت في سورية على مدى العصور، ويقول وال ديورانت:” أمسك المسيحيون السوريون بشعلة الحضارة اليونانية واسلموها الى العرب المسلمين…
لقد نشأ في سورية رجال عظام منهم اباطرة تولوا السلطة في رومة كفيليب العربي الحوراني(من شهبا) وافراد من اسرة كاراكلا الحمصية ولكن الاهم ان تأثير عظماء البيئة الحضارية السورية كالمعمار ابولودور الدمشقي قد أثرى اوابد روما الخالدة، كما ان فلسفة مدارس انظاكية فرضت ذاتها في اروقة الفلسفة الاوربية وصارت جزء منها وكانت حوران مخزن غلال روما وادلب مركز زيتها.