خربشات سياسية 22 ايار2020…هل من خلاف بين سورية وروسيا؟
تتبارى الدوائر العالمية والاقلام المأجورة ووكالات الاعلام والكثير منها مسخرة لتدمير سورية منذ قرابة الشهر، على خلاف جذري بين سورية وروسيا وهي المادة الدسمة فيها لا بل إن تقارير سعت إلى تضخيم الأمر حد وضع الخلافبين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، غير أن الواقع بعيد تماماً عن تضخيم الحالة ككل من دون إغفال أن هناك تبايناً ربما بين دمشق وموسكو، لا يصل سقف الخلاف العميق.
وبالامس صرح السفير الروسي في دمشق تصريحا صحفيا نفى فيه كل هذه الاخبار مبيناً عمق التحالف الروسي السوري الذي لاتنفصم عراه، وتظهر تصريحات من وزارة الخارجية الروسية ممثلة بالناطقة الرسمية ماريا زاخاروفا التي تسلط الضوء على الهم المشترك وهو مكافحة الارهاب في سورية وعلى استمرار العقوبات الاحادية الجانب من اميركا والاتحاد الاوربي بحق سورية مسيئة جدا لجهود الحكومة السورية في مكافحة وباء كورونا وتدعو الاتحاد الاوربي الى ايقاف هذه العقوبات وعدم التسييس لوباء كورونا… وان التنظيمات الارهابية في ادلب هي من يخرق اتفاق سوتشي واكد وزير مكافحة الارهاب في روسيا على انه لايمكن ان يستمر الوضع الارهابي في ادلب الى مالا نهاية…
– إن ما يجمع سورية وروسيا ليست الأحرف فقط وان اختلف الترتيب، فهنا إنعاش الذاكرة ضرورة للوقوف عند معطيات تبدو مهمة في سياق الحديث عن حليفين كسورية وروسيا، فعلاقات الدولتين تتميز بأنها استراتيجية منذ أربعة عقود وأزيد، لذلك من غير المنطق الترويج لفكرة سهولة فصل العروة الوثقى بينهما لأمر أو لنقيضه، لكون بنية العلاقات بين دمشق وموسكو أساسها استراتيجي فيما هدفها تحقيق مصالح وغايات ثنائية لكليهما.
فتاريخياً، تعود إلى عام 1944 عمر العلاقات العلاقات السورية – الروسية، وقتها كان الاتحاد السوفياتي السباق إلى الاعتراف باستقلال سورية عن المحتل الفرنسي، وإلى تأسيس علاقات دبلوماسية لكلتا الدولتين، ومن الأهمية بمكان التذكير أن وضوح العلاقة بين الدولتين لم يقوَ عودها بشكل كبير إلا بعد تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد السلطة في سورية عام 1970، وبعد ثلاث سنوات أثمرت العلاقة موقفاً إيجابياً وتحديداً في حرب تشرين الأول 1973، وقتها لعب الاتحاد السوفياتي دوراً فاعلاً لا بل مؤثراً من خلال دعم سورية عسكرياً. الأمر الذي أوتي ثماره في السياسة عبر تأسيس مكانة لسورية كدولة فاعلة ضمن معادلة الشرق الأوسط برمته.
اضافة الى العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مابين الدولتين كان العامل الاقتصادي كان له وزنه “غير الخفيف” إطلاقاً والمتابع للعلاقة بين سورية والاتحاد السوفياتي قبل أن يأفل نجمه، خاصة في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات يدرك تماماً أنها تجربة غنية، بدأت منذ عام 1975، مستندة إلى اتفاقات وبروتوكولات عدة.. وتطورت في ما بعد عبر اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي والتقني الموقعة في نيسان 1993، حيث تم وبمساعدة روسيا تنفيذ أكثر من ستين مشروعاً اقتصاديا في سورية، منها محطة سد الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية، ومحطة البعث ومحطة تشرين الحرارية والعديد من المحطات النفطية والغازية ومشروعات الري واستصلاح الأراضي، وقد سمحت المساعدة التقنية التي قدمتها الشركات والمؤسسات السوفياتية الروسية لشركة النفط السورية باكتشاف وحفر قرابة الخمسين بئراً نفطياً وغازياً واستثمار أكثر من أربعين حقلاً نفطياً رابضاً على تخوم الشمال الشرقي لسورية، حيث لامس التبادل السلعي بين الدولتين أواخر العقد الماضي ما قيمته ملياري دولار تقريباً، وهنا يفرض السؤال ذاته:
“أي أهمية لسورية في المنظار الروسي؟”
من الجانب الروحي فالكنيسة الروسية الارثوذكسية وبالتالي تمثل ثلاثة ارباع الشعب الروسي تتجذر في علاقتها مع شقيقتها الارثوذكسية الكبرى بطريركية انطاكية وسائر المشرق وعاصمتها دمشق التي تضم سورية ولبنان والعراق وسائر المشرق والانتشار الانطاكي وتدين لها بعمادها على يد الاسقف ميخائيل السوري من اواخر القرن العاشر كما ان روسيا حازت مركز بطريركية ارثوذكسية منذ القرن 15 بدعم من بطريركية انطاكية لتصبح البطريركية الارثوذكسية الخامسة عالمياً…وما الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين لبطريركية انطاكية بدمشق والكاتدرائية المريمية عام 2019 ومعه الرئيس بشار الاسد واستقبالهما من قبل غبطة البطريرك يوحنا العاشر الا من سياق هذا التجذر السوري(الانطاكي) والروسي الروحي في المقام الاول وحتى في ظل الاتحاد السوفيتي كانت العلاقات الروحية بين بطريركيتي انطاكية وروسيا كانت قد وصلت الى حد الذروة…مما لامجال لبحثه في هذه الخربشات وخلال عشرة قرون من التعاون الوثيق بين الكنيستين الارثوذكسيتين.
ومن الناحية العسكرية الاستراتيجية لروسيا ببساطة ودون عناء، تشكل القاعدة الروسية في طرطوس الساحلية، أبرز تجليات الوجود الروسي في سورية، لكونها القاعدة الروسية الوحيدة “الفاعلة” على البحر المتوسط هذا أولاً وخارج أراضي روسيا ثانياً فضلاً عما تملكه من بعد استراتيجي يوصف بالكبير في المصطلح العسكري، وما يعطيها قيمة مضافة أكثر، أنها تعطي القوات الروسية فرصة الوصول بسرعة وعن قرب إلى البحر الأحمر والمحيط الأطلسي… إذاً القاعدة الروسية في طرطوس غرب سورية لا تقاس أبداً بالقاعدة الروسية في الجزائر التي يدلل على ضعفها بالإصبع وبشكل مباشر.والقاعدة الجوية الروسية في مطار حميميم وتتميز بأهميتها الاستراتيجية القصوى بالقرب من الحدود التركية وادلب والشمال والشرق السوري والمحتل الاميركي فيها والعراق…ومشارف الخليج العربي…
كذلك روسيا بصبغتها السوفياتية “العملاق وماقبلها زمن الامبراطورية الروسية منذ كاترين العظيمة ما تمنته روسيا وجدته في سورية كمعبر آمن من خلال المياه الدافئة ومايقال على لسان الامبراطورة كاترين عن التؤامة بين روسيا وسورية هو مايتجسد حالياً، فروسيا تريد أن يكون لها كلمة فصل في القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط ككل، وكان ما أرادت من بوابة سورية.
هذه معطيات لا يمكن القول فيها إن روسيا ليست بحاجة إلى سورية، تماماً كما لا يمكن الهمس أن سورية تقبض على يدها تجاه روسيا، فدمشق ترى في موسكو حليفاً رئيساً في أكثر من قضية شائكة ولا يبدو مطلقاً أن دمشق تسير على خطى “الجفاء” مع موسكو. والأخيرة ليست دولة عابرة على المسرح الدولي، بل في يدها ورقة فيتو في مجلس الأمن الدولي، لكونها عضواً دائماً، وهو ما استفادت منه سورية أكثر من عدد أصابع اليدينفي سنوات الحرب الكونية على سورية ولاتزال في مواجهة الافتراءات الغربية وخاصة لجهة الهجمات الكيميائية المزعومة كذلك روسيا حليف قوي من ناحية العسكر، لديها أهم إنْ لم يكن أقوى أنواع الذخيرة على مستوى العالم دون ترميد للعيون انه مورد مهم ورئيسي للسلاح، الأمر الذي تستفيد منه سورية، فضلاً عن أن روسيا تعتبر داعماً اقتصادياً أساسياً لسورية كما ذكرنا سابقاً ما من شأنها مد الاقتصاد السوري بجرعات إنعاش وتنفس. فهل من المنطق بعد ما يظهره لنا هذا التاريخ الطويل من العلاقات المتجذرة من التحالف بين الدولتين، أن تدير سورية ظهرها لروسيا وان تتخلى روسيا عن سورية؟ وسورية وفية دوما لكل من يمد يد العون لها وحتى كل ماجرى من العربان من طعن بظهرها لاتزال بوصلتها العروبة وفلسطين…فكيف بالروس وقد قدموا العديد من الشهداء في مختلف صنوف الاسلحة وفي كل الجبهات سواء من قبل الغزاة الاتراك او التنظيمات الارهابية …
بعيداً وقريباً عن دمشق وموسكو، سرت وشوشات تقول إن “الفتور” اليوم، يعود إلى عام تقريباً، وتحديداً الرابع والعشرين من حزيران الماضي، حيث عُقِدَ في القدس المحتلة اجتماع روسي أميركي “إسرائيلي” لم يرق لسورية ولا لمحور المقاومة لا سيما أن الاجتماع حضره نيكولاي باتروشيف رئيس مجلس الأمن الروسي وجون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي ومائير بن شبات “رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وكان مؤسساً للقاء جمع بعد يومين أي الثامن والعشرين من حزيران الماضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالروسي فلاديمير بوتين في أوساكا اليابانية أثناء قمة العشرين آنذاك… اجتماع الترويكا في القدس أسس لاتفاق تمثل بضرورة انسحاب القوات الأجنبية التي دخلت سورية بعد عام 2011، وهذا ما ردده في غير محفل الرئيس ترامب، وفي مطلع أيار الحالي جدد جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص لسورية الدعوة إلى ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سورية،” الأميركية – الإيرانية والتركية” واستثناء القوات الروسية، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، قرأت إيران الرسالة جيداً.. إخراجها وحزب الله من سورية، ليطرح السؤال هل اجتماع القدس قبل عام بدأ بتنفيذ بنوده اليوم بشكل واضح؟ وهل فعلاً موسكو قدمت تنازلاً لـ “إسرائيل” بخصوص التمركز الإيراني، ثم كيف تفهم اللهجة العالية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بأن إيران لن تخرج من سورية قبل النصر على الإرهاب؟ في أي صندوق بريد أريدَ لرسالة السيد نصر الله أن توضع؟ هل موسكو في الحقيقة غير راضية عن التمركز الإيراني وبالتالي قدمت تنازلاً، أهو شكلي أم فعلي وما الفرق بينهما؟ هل علينا القول إن تصدعاً حصل في محور مكافحة الإرهاب، فيما محور المقاومة يشتد متانة؟ كل ذلك يعود بنا إلى زمن خروج الجيش السوري من لبنان، وقتها فرك كثيرون أيديهم فرحاً لمشاهد الخروج التي تسمرت شاشات الرادار الإعلامي لرصده بتفاصيله الدقيقة والقول إن المارد السوري خر صريعاً، وانهزم، ليتضح في ما بعد أن سورية أصبحت أقوى في لبنان وهي خارجه..
ليبقى الثابت.. انه على وقع تقارير تبث من اتجاهات متنوعة، تفضي للقول إن خلافاً قوياً تشتم رائحته بين سورية وروسيا ويتم البناء عليها، تدار الدفة إلى أن كل من سورية وروسيا وجدت ضالتها في الأخرى، علاقة تبادلية للمصالح وتكاملية في الأهداف وما حاصل اليوم قد يكون تبايناً في وجهات النظر لا أكثر.. ثم من قال إن الحلفاء يجب أن تكون مواقفهم حد التطابق!
سورية وروسيا زواج ارثوذكسي مؤبد لا انفصام به…لأن الصدق والشفافية والمصالح المشتركة هي الاساس في هذا الزواج المؤبد وهو مايقض مضجع الغرب برئاسة اميركا والحلف الاطلسي وتركيا وكل من له مصلحة بقطع العلاقات بين الدولتين وهذا قطعاً لن يحصل…