المرتل الكبير الاستاذ فوزي سليم بشارة
كلمة لابد منها
علمنا الاستاذ فوزي سليم بشارة من الأعلام المعاصرين في فن الترتيل الرومي وفق الاصول، وهو ابن دير البلمند البطريركي واكليريكيته قبل احداث معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي وكان بروتوبسالتي كنيسة الصليب المقدس في القصاع خلال حوالي عقدين في منتصف القرن 20، وهو صاحب الصوت الحنون الموصوف بذلك من عمالقة الترتيل في عصره ولايزال، والذي اصر البطريرك الكسندروس بسبب هذا الصوت الملائكي ان يرسمه اكليريكياً…
البروتو بسالتي فوزي شهدت لصوته ومقدرته كنيسة الصليب المقدس مرتلاً وقائداً لجوقتها وشهدت له الكاتدرائيةالمريمية مرتلاً مع معلمه البروتو بسالتي ايليا الرومي وشهدت له كنيسة القديس جاورجيوس في موطنه جديدة عرطوز وسواها من كنائس ابرشية دمشق، ثم كاتدرائية ابرشية الكويت برفقة رفيق دربه مطرانها مثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا ستيفانو (المطران كوستا) وحالياً في كاتدرائية السيدة في مونتريال كاتدرائية الاسقفية… في اطار ابرشية نيويورك واميركا الشمالية الانطاكية الارثوذكسية.
في بحثي عن سيرة المطوب الذكر البروتو بسالتي ايليا سيمونيذس( الذي نشرته في موقعنا هنا) كما اوردت زرت الصديق السيد الاستاذ فوزي الزائر لدمشق القادم من مغتربه مونتريال/كندا والنزيل في دار ضيافة “جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين” بالقصاع…
رجوته ان يزيدني معرفة عنه (وهو صديق قديم لي اجله واحترمه جداً ويبادلني ذلك، وكان هو اول من علمني الف-باء الترتيل وكنت صغيراً واصغر افراد جوقته في كنيسة الصليب المقدس مطلع السبعينيات ايام كاهنها المرحوم الجليل ايوب سميا ورائدي في حب التاريخ لدمشق وكنيستها)…
لكنه (ولتواضعه المعروف عنه)، تمنع كثيراً واخيراً رضخ لرجائي، وأمضينا قرابة اربع ساعات من المتعة في سرد سيرته الذاتية، واوضاع البطريركية واخبار مرتبطة عن دمشق وسورية، بحيث لم اشعر بمرور الزمن، مشيداً بقدرته وهو في هذا العمر، وبسلاسة ماسرده لجهة الذكريات وسلامة لغته، وهو استاذ عاشق للغة العربية ومبدع في تدريسها وتدقيق مايكتبه الغير،وروحانيته التي اعرفها عنه منذ الصغر.
الاسرة
اسرة بشارة اصلاً من بلدة راشيا كأسرتنا وغيرها…من العديد من الاسر الراشانية والحاصبانية… التي تدمشقت…
راشيا التي كانت في الأصل من اقضية دمشق وحالياً في أقضية البقاع الغربي في لبنان، وقد لجأت الاسرة الى جديدة عرطوزالواقعة في ريف دمشق وغوطتها الغربية، بسبب مجزرة 1860 بحق المسيحيين كما لجأت العديد من الاسر الراشانية واستقرت في دمشق ومحيطها وبالتحديد في منطقة الميدان الملحق كضاحية دمشقية.
وكانت اسرة بشارة المعتمدة اسم كبيرها “بشارة” (حين تم اعتماد الكنيات في سورية في القرن 17) كنية لها، كانت حين لجوئها الى جديدة عرطوز يطلقون عليها وعلى امثالها من اللاجئين تسمية “فليتة” وذلك بسبب عدم امتلاكهم اراضٍ زراعية، وتمييزاً لهم عن اهل البلدة الأُصلاء الذين يمتلكون الارض الزراعية في البلدة، ويعتمدون عليها مصدراً للرزق والمعيشة.
فامتهنت الاسرة مهنة سدي الحرير وهي من المهن التي اختص بها مسيحيو دمشق وريفها، وامتلكت الأنوال اللازمة لهذه الصناعة الحيوية والجميلة، لكن جده عيسى الذي لجأ واسرته من راشيا كان يمتلك قطيعاً كبيراً من الاغنام والماعز وكان يرعى في اراضيه في راشيا ويتاجر بمنتجاته، وحين النكبة يسر الله له فساقه معه من راشيا الى جديدة عرطوز، ولذلك قارب اهل البلدة في الملكية، وكان يقوم بالاتجار بمنتجات الحيوان من لحوم وجلود والبان واجبان، اضافة الى تسدية الحرير، مايعني ان الاسرة كانت في وضع معيشي مقبول قياساً بمن ماثلها من الاسر اللاجئة، ولكنها بسبب من صغرها، وهي ليست من سكان البلدة الاصلاء، لم تكن لتتدخل في شؤون البلدة ولا مخترتها ولا مجلس البلدة (1) ولا تتدخل في شؤون كنيستها، وان تميزت بحرارة الايمان وممارسة الصلاة في الكنيسة بدون اشغال مركز في خدمتها… وكانت هذه الاسرة تقدم في الاعياد الكبرى وفي موسم “النورية”(2)سنوياً تقدم تبرعها من حيوانات والبان واجبان الى الصرح البطريركي.
اختلفت العائلات الارثوذكسية في جديدة على من يكون وكيلاً للكنيسة وقد اصرت كل عائلة من هذه العائلات الكبرى علن يكون وكيل الكنيسة منها، وتسوية للنزاع بين عائلات البلدة تم الاجماع على اقتراح مرشح حيادي يقف في المنتصف بين الجميع وكان المقترح لذلك هو السيد سليم بشارة والد علمنا وتم تعيينه وكيلاً للكنيسة(3)
السيرة الذاتية
الاستاذ فوزي بن سليم بن عيسى بن ابراهيم بشارة وكان والده سليم كما مرمعنا قد اختيروكيلاً لكنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في جديدة عرطوز.
هو من مواليد جديدة عرطوزعام 1933 وهو ابن اسرة ارثوذكسية مكينة في ايمانها، ممارسة للطقوس والعبادة، فنشأ على هذا الانتماء وكان يخدم في الكنيسة كأقرانه، ويقف يرتل فيها مع المرتلين الكبارمن ابناء البلدة…
درس معظم صفوف المرحلة الابتدائية في مدرسة البلدة الرسمية، وفي عام 1944 جاء به والده الى دمشق ليكمل تعليمه، واستأجر له غرفة في بيت بمنطقة المريمية وكانت والدته تجهز له التموين ومايحتاجه من طعام وكساء وترسلها له.
أدخله في الآسية / الصف الخامس الابتدائي حيث درس في مدرسة مارنقولا الابتدائية التابعة للمدارس الآسية الأرثوذكسية، وكانت هذه تقع في القسم الغربي من دار البطريركية، وحصل فيها على شهادة “السرتفيكا” (4)
اقامت المدرسة حفلة التخرج برئاسة مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث (1931-1958)، وكان للطفل فوزي مشاركة بأغنية من وحي المناسبة فلفت جمال صوته وحسن أدائه انتباه البطريرك فأوعز الى امين سره الارشمندريت الياس معوض ( البطريرك) ليدخله في جوقة ايليا سيمونذس (ايليا الرومي) وهو ماحصل…
اشرف المرحوم ايليا عليه في تعليمه اليونانية ومبادىء الموسيقا البيزنطية، وكان معه ايضاً كثيرون منهم من الاكليريكيين والمبتدئين مثل الارشمندريت انطونيوس معصب، والشماس اثناسيوس سكاف (مطران حماة) والشماس الكسي كرشة، والذياكون الياس قربان (مطران طرابلس)، والشماس ايليا صليبا (مطران حماة السابق) وكان يدرس الحقوق في الجامعة السورية.
كان فوزي هو الصغير الوحيد بينهم، وقد نصحه الجميع ان يذهب الى البلمند للدراسة اللاهوتية.
حكى فوزي لوالده مااشاروا عليه به راجياً موافقته، فوافق الاب على رجاء ولده فوزي وجاء الى الصرح البطريركي وقابل البطريرك الكسندروس واعلمه برغبته ورغبة فوزي بالانتقال الى البلمند.
رحب البطريرك بذلك بشدة وقد كان يحب الحدث فوزي، وفوزي كان يلمس منه محبة وعطفاً، وحتى انه أخذه معه الى البلمند في سيارته، وسلمه باليد الى رئيس دير البلمند المطران العالم سرجيوس سمنة، واوصاه به.
حاز الفتى فوزي بتفوق الشهادة الاعدادية، ثم الشهادة الثانوية في مدرسة البلمند.
ثم تابع دراسته في اللاهوت في السيمنار اللاهوتي (اكيريكية) بالبلمند، حيث تخرج في عام 1953بتفوق ليعود بعدها الى دمشق، مقيماً في دار البطريركية. وقد عاد معه ايضاً بعد تخرجه رفيقه في الاكليريكية الشماس فيليبس صليبا (مطران ابرشية نيويورك السابق) وآخرون… وانتمى مجدداً الى جوقة المريمية بقيادة البروتوبسالتي ايليا الرومي، وكان يخدم في مرافق الدار البطريركية بكل الحب.
استدعاه البطريرك الكسندروس الى مكتبه، وكان محباً له ،كما عرفنا، معجباً بشخصيته الوديعة، وحسن انتمائه للبطريركية والكنيسة، وحسن ترتيله وجمال صوته، وأعلمه برغبته برسامته في المريمية في الأحد القادم شماساً، لكن علمنا لم يكن مستعداً لهذا الأمر كما اراد غبطته، فترجاه التريث ريثما يقنع ذاته… اذ كان يرغب بالزواج، وتأسيس اسرة، ككثيرين من الكهنة، لكن البطريرك اصر عليه شماساً انجيلياً متبتلاً. عندها قررالشاب فوزي العودة الى جديدة عرطوز وعيش حياته علمانياً وفي خدمة الكنيسة، وبالفعل خلع القنباز وارتدى ثيابه المدنية وشرع في وداع الاخوة قبيل الانصراف.
شاهده المطران الياس معوض و… واستفسراه عندها طلبا منه التريث حتى يقابلا غبطته، قابلاه واقنعاه بالتريث بعضاً من الوقت ومنح الشاب فوزي مهلة للتفكير، وارسلا وراءه لمقابلة البطريرك الذي رحب به ولاطفه واظهر له ملء ثقته به في مستقبله الاكليريكي الذي يخططه له، ومايعول عليه من آمال، وأعطاه مهلة كافية للتفكير، ولكن غبطته مالبث بعد فترة قصيرة ان دعاه وابلغه اصراره على رسامته قريباً.
بدوره اعتذر علمنا منه ومستسمحاً، واستأذنه في ترك البطريركية، غبطته الذي كان يحبه ويجد به مشروع اكليريكي ناجح لم ييأس، ووافق له على مضض وعيَّنه مرتلاً اول في كنيسة الصليب المقدس، فأوجد الشاب فوزي قفزة رائعة في الترتيل في هذه الكنيسة متنامية الرعايا والفعاليات الارثوذكسية الدمشقية واوجد نواة جوقة فيها ثم وسعها وكان يدربها على الموسيقا البيزنطية وفق الأصول، وانتمى اليها عدد من الشباب والشابات كان منهم كثيرون من الكشاف الارثوذكسي الدمشقي، وحركة الشبيبة الارثوذكسية… فأثنى غبطته على عمله وشجعه على المتابعة، وكذلك فعل صديقه ومعلمه البروتو بسالتي ايليا الرومي.
حياته المدنية
بحث فوزي عن عمل في بدء حياته فوجد ذلك في مدرسة الفرير بدمشق، حيث تم تعيينه معلماً للغة العربية التي تميز بها.
بعد ذلك عين موظفاً في الادارة العامة “لبنك سورية ولبنان” وكان مديره العام السيد بيير مقنص وهذا كان من انطاكية السليبة وارثوذكسياً مكيناً وابن بار للصرح البطريركي والبطريرك الكسندروس.
كان بناء المصرف يقع في منطفة جسر فكتوريا ( الادارة العامة وفرع دمشق) فحاز لدى المديرالعام النجاح المطلوب، اضافة الى توصية لاحقة من غبطة البطريرك الكسندروس به عند المدير العام.
فعينه مديراً لدائرة شؤون الموظفين في الادارة العامة، وكان النجاح حليفه ونال الإشادة اللائقة من المدير العام للبنك بما ارضى غبطته منه، ونال رضى ومحبة رؤساء الاقسام، وفروع المصرف.
في عهد الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 تم تأميم كل المصارف ومنها بنك سورية ولبنان،(وهو بنك تابع للقطاع الخاص السوري اساساً)وصار اسمه “بنك سورية والمهجر” ثم ازيل عنه التأميم وعاد الى اصحابه بعد سقوط الوحدة عام 1961بانقلاب الانفصال، ولكنه عاد ليؤمم مجدداً إثر انقلاب 8 آذار 1963 وتولي حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في سورية، وتحول اسمه من “بنك سورية والمهجر” وصار اسمه “المصرف التجاري السوري”.
زواجه
في 10 تموز 1964 اقترن بزوجته السيدة نهاد اسعد خلف من النبك، وقد كلله مثلث الرحمات البطريرك ثيوذوسيوس ابو رجيلي في الكاتدرائية المريمية وخدم في ترتيل الاكليل صديقه البروتو بسالتي ايليا الرومي ومرتل الشمال صاحب الصوت الاسطوري توفيق الحداد بحضور جمع من افراد الاكليروس من رفاق دربه.
لجنة المناهج المدرسية
وكانت وزارة التربية في عهد الوحدة قد قررت اصدار كتاب تعليم مسيحي موحد يدرس في مدارس الاقليم الشمالي، فتم تشكيل لجنة من الكنائس المسيحية وكانت برئاسة الارشمندريت ايليا صليبا وضمت في عضويتها الخوري فرانسوا ابو مخ عن الكاثوليك، والشماس زكا عيواص عن السريان الارثوذكس، ومتري ايوب عن البروتستانت وهو كاتباً.
ساهم علمنا بقلمه في تدوين كتابي التعليم المسيحي في المرحلتين الاعدادية والثانوية بعدما اجمع عليه (الكتاب) اعضاء اللجنة المحكي عنها.
تسريحه من المصرف
في عام 1967 تعرض لوشاية من مراقب الدوام في فرع دمشق للمصرف، وكان ذاك يجامله ظاهرياً ويتودد اليه، ولكنه كان يكتب وعلى الدوام تقارير كيدية بحقه، وكان علمنا لايزال يعمل في الادارة العامة، اذ كان بالاضافة الى عمله يقوم بتدريس اللغة العربية في مدرسة اللاييك بعد الظهر، ثم انتقل الى مدارس الآسية لتدريس مادة التربية المسيحية فيها. فتم تسريحه من المصرف تعسفياً مع مجموعة من مدراء الفروع والاقسام بتهمة كيدية. وكان المعروف ان خلفية هذا التسريح طائقية بحتة اذ ان معظم الكوادر المصرفية في سورية كانت مسيحية وكان المسرحون مسيحيين بكل اسف.
ضاقت الدنيا به، وضاقت يده وكانت زوجته حامل بطفلهما الثاني بالتالي، فسافر الى بيروت بحثاً عن عمل تدريسي في مدارس خاصة هناك… وبقيت زوجته وطفله في دمشق.
في لبنان وبعد بحث وجد فرصة عمل كمدرس للغة العربية في مدرسة للرهبان اللبنانيين في جونية. وبعد المقابلة واستماع سيرته وانه خريج البلمند رحبوا به ووافقوا على تعيينه، ولكن اشترطوا عليه الحصول على اقامة واذن عمل اصولاً في لبنان بصفته سوري الجنسية.
ولضيق يده كان ومنذ وصوله الى لبنان قد اقام في دير النبي الياس شويا البطريركي بعهد رئيسه مثلث الرحمات الاسقف الياس نجم صديقه ورفيقه في الدراسة باكليريكية البلمند حيث كان ينام ليلاً، وفي النهار كان ينزل الى بيروت بحثاً عن عمل.
الانتقال الى الكويت
بعد عودته من بيروت الى دير النبي الياس شويا وهو فرح بحصوله على العمل في مدرسة الرهبان اللبنانيين، وقد حكى لرئيس الدير عن وجوب حصوله على اقامة واذن عمل في لبنان، التقى بالسيد الياس مسوح رئيس تحرير دورية “الرأي العام” الكويتية، الذي سمع قصته فتعاطف معه، وسأله ان كان يود الذهاب الى الكويت ليعمل في دورية الرأي العام.
فوافق فرحاً وحصل على فيزا دخول مؤقتة الى دولة الكويت من سفارتها، وساعده شقيقه بثمن بطاقة السفر بالطائرة، وهناك زار دار المطرانية والتقى صديقه مثلث الرحمات المطران قسطنطين بابا استيفانو مطرانها، حيث رحب به اجمل ترحيب، واستضافه في دار المطرانية بغرفة خاصة، وفي الوقت ذاته راجع الجريدة، وتم تعيينه فيها بوظيفة مدقق لغوي، ثم مدققاً لغويا في مجلة النهضة الاسبوعية.
وبعد حصوله على فيزا دائمة بمساعي المطران، استأجر شقة قريبة من دار المطرانية واحضر عائلته من دمشق، وصار بالتالي يرتل في الكنيسة واسس فيها جوقة.
سنحت له فرصة عمل افضل في جريدة اخرى لجهة الراتب فاستقال من عمله شاكراً وممتناً ادارتها ورئاسة تحريرها، وانتقل الى الجديدة كمدقق لغوي براتب افضل بكثير.
كانت زوجته قد تعلمت الخياطة والفنون النسوية بدورات مهنية في دمشق، وصارت تساعده بالخياطة في الكويت اضافة الى عملها في مدرسة السلام الارثوذكسية التابعة للمطرانية…
بعد سنة وبعدما استقرت أوضاعه وتحسنت موارده اراد فتح حساب في البنك الاهلي في الكويت، وكان يقف في بهو المصرف في الاستعلامات يسأل عن الاوراق المطلوبة لفتح حساب، واذ بيد تربت على كتفه، فالتفت وصعق لما عرف صاحبها، وكان هو صاحب التقرير الكيدي بحقه، مراقب الدوام في المصرف التجاري السوري واسمه (مصطفى. س)، والذي ادى الى تسريحه من عمله.
عانقه ذاك بحرارة ورحب به بشدة (وكان هو مدير البنك الاهلي)!!!، ونشأت بنهما صداقة عائلية…
قال لي الاستاذ فوزي وهو يحكي لي سيرته، وقد فاجأني بتسامحه مع من آذاه:” انه كم من مرة في لقاءاته بمصطفى وقد غالبته مشاعره الانسانية وضعفه البشري في ان يعاتبه ويشكره في آن معاً، إذ ان في كيديته بحقه والتي ادت الى تسريحه تعسفياً وظلماً وعدواناً فتحت له العذراء الطاهرة باب الفرج منجية اياه واسرته من الأذى وكانت معينة له”. وبكى امامي بدموع جزيلة وبكل انسحاق قلب شاكراً الطاهرة، كما كان قد بكي عند كل ذكر لايليا الرومي، والمطران كوستا. كما بكى عند ذكر المرحوم ولده.
هذه الدموع ان دلت على شيء فتدل على طيب ونقاء معدنه وشدة ايمانه وامانته لذكرى من احبهم من قلبه. ومسامحته لمن آذاه.
كان الله معه، ففي ذات الوقت عمل في الكويت في العديد من الأعمال اليومية وعلى مدار الساعة، وهي وان ارهقته الا انها درت عليه موارد مالية جيدة وقد حمد ويحمد الله عليها، فقد عمل محاسباً في الفترة الصباحية لساعتين يومياً في منشأة شهيرة لانتاج الدهان في الكويت يملكها صديقه السوري ميخائيل… الذي بادل امانته بكل تسهيل ممكن ليوفر له امكانية العمل في اعماله الأخرى.
وعمل في فترة تالية صباحاً وحتى الظهر في (وكالة الصوان للأعمال التجارية ووكيلاً لشركات الطيران) مديراً ادارياً، وتابع التدقيق اللغوي في الجريدة من الساعة الرابعة بعد الظهر الى الساعة الواحدة ليلاً.
وكان على الدوام يأتي الى سورية لتفقد امه واخوته والاقرباء ويزور مسقط رأسه جديدة عرطوز، ودمشق ودار البطريركية والمريمية والصليب وفي كل زيارة كان يزور الاديرة والكنائس ويرتل فيها متبركاً.
الهجرة الى كندا
قرر إرسال أولاده الى اميركا للدراسة الجامعية والتخصص، وقد قرر لذلك الانتقال بعائلته الى كندا ليكون وزوجته على مقربة من الاولاد، ويقول انه “بتسهيل رباني” حصل على فيزا للهجرة الى كندا له ولعائلته خلال شهر واحد، وتسهلت امورهجرته، في حين ان الكثيرين وقتئذ يحتاجون الى سنتين وثلاثة… واقتنى بيتاً في مونتريال، حيث الوجود الاكبر للجالية السورية، وصاروزوجته يسافران في العطلة السنوية من الكويت التي لم يغادرها نهائياً إلا حين تم الاجتياح العراقي الى الكويت في عام 1990فغادرها الى كندا بعد ان صفى عمله وباع مايملك…يقول شاكرا الرب ان مايملك بقي سالماً بما في ذلك سيارته…بدون نهب او تخريب كما حصل بشكل كامل بسبب الاجتياح العراقي للكويت.
وفي مونتريال رتب أُموره واستقر وتواصل مع رفيق الدراسة الاكليريكية متروبوليت اميركا الشمالية مثلث الرحمات فيليبس صليبا في مقر المطرانية نيويورك، واعطى ذاته بكليتها الى كاتدرائية مونتريال وصار يرتل فيها، والعمل في مجلس رعيتها ومؤسساتها الخيرية والاجتماعية، وفيها دار الاسقفية واسقفها الكسندر مفرج معاون المتروبوليت الحالي المطران جوزيف الزحلاوي.
ولازال يزور دمشق سنوياً نزيلاً في دار ضيافة جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية مرافقا بمحبة واحترام الصرح البطريركي وكل عارفيه واهل البلدة.
أولاده
رزقه الله بأولاد ثلاثة هم “سَلَمْ” المولود في دمشق عام 1965 والمنتقل الى رحمة الله، و”وسيم” وهو من مواليد دمشق عام 1968 ومتزوج ومقيم في مونتريال، والابنة “أنس” وهي من مواليد الكويت عام 1977 وهي بالتالي تزوجت ومقيمة ايضاً في مونتريال.
هواياته
– الترتيل وإبداعه بهذا الفن متوائماً بحلاوة صوته وحسن أدائه ومعرفته المتميزة بالموسيقى البيزنطية والحانها ومقاماتها، والقدرة وحتى في هذا العمر على تدريب الجوقات اينما حل وعبر عمره المديد باذن الله وقام الباحث والمدون الموسيقي قدس الاب الدكتور يوحنا اللاطي راعي كنيسة القديسين بطرس وبولس في مشروع دمر السكني والاستاذ الجامعي قام مشكوراً بتسجيل العديد من مرتلاته واضافها على موقع اليوتيوب فله كل الشكر.
– قراءة الكتاب المقدس في كل ليلة قبل النوم وبعد ان يتلو صلاة النوم الصغرى.
– القراءة والكتابة والتأليف وقد كتب كتباً عديدة في الخدم الروحية والشأن الاجتماعي وتجربته في هذه الحياة لعل ابرزكتبه كان كتاب لراحة نفس ولده المرحوم الشاب سَلَمْ وقد وزعه بالمجان…
– يجيد بشكل مطلق الغة العربية والتدقيق اللغوي بها، ويلم بالانكليزية والفرنسية واليونانية واللاهوت الارثوذكسي و اللاهوت المقارن، وقد قام بتكليف من المتروبوليت قسطنطين بالتدقيق اللغوي للترجمة الارثوذكسية للكتاب المقدس الذي كان يقوم به المتروبوليت المذكور قسطنطين بابا استيفانو خلال اكثر من عقدين من عمره مطراناً، وقد قام بالتعريب المتخصصان بالكتاب المقدس كل من المطران (المغيب) بولس يازجي مطران حلب والاسكندرون وتوابعهما، وقدس المتقدم في الكهنوت في ابرشية اميركا الشمالية الاب د. ميشيل نجم…الأستاذ الزائر في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي/ البلمند.
في الختام
جرت العادة ان يُكتب عن الاعلام والشخصيات بعد انتقالها من هذه الحياة، ولكني ومع اعتمادي لهذا النهج الا اني اسعى دوما لتسليط الضوء على المعاصرين وجاهياً اذ ليس من معلومة ادق وهي على عاتق صاحبهاا كما حصل هنا مع المحترم فوزي بشارة الذي لا ازال اذكر بداية تعليمه لي وكنت في جوقته اعتقد ان عمري كان وقتها بين 10 و13سنة في كنيسة الصليب المقدس عندما كان يرتل فيها، اذكره متشحاً جبة الترتيل السوداء واذكر ان الكثيرين كانوا يظنونه شماساً انجيلياً، اذكر كيف في موسم الصوم الكبير والمدائح السيدية والجمعة العظيمة وقداس هجمة الفصح فجراً كانت الجوقة اليونانية والتي تضم بعضاً من اعضاء الجالية اليونانية من الجنسين وكانت ترتل معه وتحت قيادته ويرتل مقابله في الشمال المرحوم سليم معمر والد الخوري ديمتري معمر من صيدنايا وهو من كهنة ابرشية اميركا الشمالية اليوم.
مؤخراً كما اوردت في تدوينتي عن البروتو بسالتي ايليا الرومي اني قصدته ليفيدني بمايعرفه عن استاذه الشهير هذا لندرة المصادر، وقتها قررت ان اكتب عنه هو (وهو من علمني الف باء الترتيل نسبة الى عمري وقتئذ) وكلي يقين انه تكريم لائق به اكثر وافضل له ولعارفيه ومتابعيه سيما انه لايزال وهو في هذه السن الموقرة، يرتل في المغترب الانطاكي وفي خدمة كنيستنا وكرسينا الانطاكي…
اطال الله عمره.
حواشي البحث
1)مجلس البلدة تنظيمات عثمانية حديثة (وقتئذ) لادارة البلدة وتتألف من اعضاء ينتخبون عن طوائفها.
2) النورية النذورات والمساهمات السنوية في بيت مؤونة البطريركية
3) وان كانت عائلات خرجت من كنيستها الارثوذكسية واعتنقت الكثلكة لاصرارها على العضوية بكل اسف كما حصل وحتى الامس القريب بالخلاف على الكهنوت والمخترة ووكالة الكنيسة في الكثير من القرى والضواحي، وانشأوا كنيسة كاثوليكية فيها الامر الذي ادى الى نشوء الكثلكة سيما وان الطقوس واحدة.
4)شهادة الدراسة الابتدائية وكانت تمنح في الصف الخامس ثم في الستينات صارت في الصف السادس.